08-05-08, 12:27 PM | #1 |
~مستجدة~
تاريخ التسجيل:
19-03-2008
المشاركات: 16
|
طالب العلم والنظافة ،،
طالب العلم والنظافة د. خالد بن عبدالله المزيني ------------------------------------- في يومٍ حار من أيام الرياض القائظة ، كنت واقفاً مع أحد مشايخنا ، إذ اعترضه أحد الشباب يستفتيه ، وكان واضحاً من السؤال الذي ألقاه على الشيخ أنه كان من المشتغلين بطلب العلم الشريف ، إلا أن الذي أزعجني وأصابني بالاشمئزاز ، سوء مظهر هذا الإنسان ، فقد كان متسخ الثياب ، منتشر الهيئة ، كريه الرائحة ، ولا أودُّ التصريح بما سوى ذلك ؛ ضنَّاً بذوق القارئ الكريم . فلا أدري هل أعجب من جرأة هذا على التعرض للشيخ وهو في هذه الحال ، أو من حلم الشيخ عنه ، وسعة صدره وتلطفه به ، ولكنه حسن الخلق الذي يعرفه من خالط الشيخ . نظافة المسلم - وطالب العلم خاصة - ليست من التكميليات ، أو من لزوم ما لا يلزم ، فقد ابتدأ الفقهاء كتب الفقه بأبواب الطهارة ، وعرفوها بأنها النظافة والنزاهة من الأقذار ، ليبدأ طالب العلم بالتخلية قبل التحلية ، نجد هذا في كتب المذاهب الأربعة ، كما نجده في مصنفات الحديث ، عدا الموطأ الذي ابتدأه بكتاب الوقوت لنكتة عند مالك - رحمه الله - وهي أن الوضوء إنما يجب عند دخول الوقت ، إلا أن الذي ارتضاه عامة المصنفين - سواه - الابتداء بأبواب الطهارة ، وتناولوا فيها تعريف الطهارة والنظافة ، وأدواتها وتقنياتها المعروفة في عصورهم ، وقد صرح غير واحد ممن كتب في آداب العلم قديماً وحديثاً أن هذا الموضوع من المهمات . إني لأعجب من بعض المتزهدة والمتنسكة ممن أهمل منظره ، وترك تعاهد ثيابه ، وترهَّب فيما يبدو للناس ، كيف يغفلون عن الطبائع السوية ، والسنن الرضية ، القاضية بحسن النظافة والطهارة ، ويبدو أن هذه الغفلة ليست حادثة ، بل الخلل في هذا قديم ، فقد قال أيوب السختياني -وذُكِرَ له هؤلاء الذين يتقشفون- : " ما علمتُ أنَّ القذر من الدين " اهـ ، وقد انتقد هذه الظاهرة ، وردَّ على أصحابها فأحسنَ الرد ؛ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه : تلبيس إبليس ، وقسَّمهم إلى قسمين : لصٍّ ليلي ، ولصٍّ نهاري ! ، وأبو العباس ابن تيمية في رده على القلندرية من غلاة المتصوفة . أين يُذهب بهؤلاء المتظاهرين باتباع السنة عن السنن الثابتة عن سيد ولد آدم - عليه الصلاة والسلام - من تعاهد ذلك كله ، وقد صرح بأنه حبب إليه من الدنيا : النساء والطيب ، وفي قصة التحريم المذكورة في مطلع سورة التحريم ، لم تجد أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - شيئاً يهمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أن يقلن له إن فيك ريحاً غير طيبة ، وكنَّ يعلمن أنه يشتد عليه أن توجد منه الريح ، فقلن له ما قلن ، فبلغ منه الغم مبلغاً عظيماً ، هذا وهو مجرد كلام ، والقصة مخرَّجة في الصحيحين ، فأين من هذا من يدعي اتباع سنته ، ويخالفه في هديه . رأيتُ في بعض زياراتي إلى بلاد الهند بعض نساك الهنادك ، وهم قد توشحوا بالأسمال الرثة ، ولبسوا الأزُر والأردية ، ولطَّخوا جباههم بالطين ، ونشروا شعورهم ، يمشون حفاةً في الطرق والمطارات ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، فلله تعالى الحمد أن عافانا من هذه الآصار والأغلال . لقد جاءت هذه الشريعة بأكمل الهدي وأصلحه للإنسان ، حتى إن المحرم وهو في حال يُطلب منه التبذل والتجرد من الثياب المعتادة ، يؤمر بتعاطي الأسباب المزيلة لما يُستقذر عادة ، من تعاطي الغسل بالأُشنان والسدر ، واستعمال ما يقطع رائحة العرق من ذريرة ونحوها ، ثم التضمخ بالطيب في بدنه ، واستعمال ما يسكن الشعر بتلبيده بالعسل وما شابه ، كل ذلك صيانة للهيئة الإسلامية ، حتى لا تخرج هيئة المسلم عن هيئة الآدميين ، إلى ما يشبه هيئة السباع المتوحشة . المتأمل في سير العلماء الكبار ، يجدهم قد امتازوا عن غيرهم من العوام وجهلة المتنسِّكة بالعناية بالمظهر ، وتعاهد سنن الفطرة ، ونقاء الأردان ، وطيب الريح ، وفي عصرنا هذا لم تكن ترى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - إلا وهو في غاية التأنق ، يعبق منه أطيب أنواع العود والغالية ، يرتدي شماغ البسام الجيد النسج ، الحسن الطرق ، وثوباً أبيض ناصع البياض بلا رقبة ، وعباءةً عودية اللون من الصنف الفاخر ، إلا أنها مشمرة فوق الكعبين ، تزين وجهه لحية لطيفة ، لا تكاد تُرى إلا مخضبة بلون الحناء والكتم ، ومع هذا يكون في غاية التواضع ولين الجانب . وكذا كان تلميذه الشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله - إلا أنه كان أكثر تقشفاً في المرأى من شيخنا ابن باز ، كان ابن عثيمين بسيطاً في ملبسه إلا أنه يشع بياضاً ونقاءً ، أبيض اللحية إلا أنه منوَّرٌ مليح الشيبة ، كان يرتدي غترةً بيضاء ناصعة البياض ، لا تكون مكوية كياً جيداً في كثير من الأحيان ، ولم أره يلبس الشماغ الأحمر قط ، بخلاف ابن باز فلم أرَه يرتدي الغترة البيضاء قط ، وكان ابن عثيمين يشتمل بعباءة نظيفة مشمرة ، ولا تجد منه إلا دهن العود وأرج المندل الهندي ، وهكذا سائر العلماء الذين أدركتهم وخالطتهم . أين هذا من أناس يؤذيك منهم وضر المنظر ، وخبث الريح ، إذا جالست عالماً ، أو شهدت صلاة الجماعة ، أو حضرت مجمعاً ، لا تنفك تجد من بعض الواردين غمراً ، أو درناً ، أو خبثاً في ريح ، أو انتشاراً في هيئة ، وإذا نُصح أحدهم أجاب بجواب بعض المتصوفة حين قيل له : ألا تسرح لحيتك ؟، قال : إني عنها لمشغول ، [ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس (193)]. لاريب أن التساهل في النظافة والطيب خروجٌ عن حدِّ الإنسانية ، وانحدار إلى أولى درجات البهيمية ، زاد في الدروشة ما زاد ، ذلك أننا نرى أن التنزه والتنظف والتطيب على جهة التمام من خصائص الآدميين الكُمَّل ، وكلما كانت النفس أكمل كانت الريح المنبعثة منه أطيب ، ولهذا إذا فارقت الروح جسد الإنسان أنتن ، ومن ثم سمَّت العرب النسَم وهو الهواء الخارج من الفم ريحاً ، لخروجه من الروح ، فقاربوا بينهما بالاشتقاق لتقارب معنييهما ، كما سموا - أيضاً - الدم الخارج من الإنسان : نفْساً ، ويسمون المرأة إذا ولدت وخرج منها الدم : نفساء ، لهذا المعنى . ولهذا أيضاً كانت أجساد الأنبياء - عليهم السلام - أطيب الأجساد ، وكان عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - أطيب الطيب ، جعلت أم سليم تسلت عرقه وتصبه في قارورة ، تطيب به أبناءها ، وذلك لطيب روحه الشريفة . وكان نافع المدني القارىء إذا تكلم يُشم من فيه رائحةُ المسك ، وكان أسود اللون ، فقيل له : كلما قعدت تتطيب ؟، فقال : " ما أمس طيباً ولا أقربه ، ولكن رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو يقرأ في فمي ، فمن ذلك الوقت يُشم من فيَّ هذه الرائحة " اهـ [معرفة القراء الكبار؛ للذهبي (1/108)]. هذا ؛ ولما كانت القِرَدَة أشبه شيء بتصرفات الإنسان ؛ حتى إنها امتازت بالنباهة والفهم السريع مثله ، وإذا أُلقيت في الماء غرقت كالإنسان الذي لا يحسن السباحة ، لهذا الشبه كانت أشد البهائم تعاهداً لنظافة أنفسها ، وكثيراً ما تُرى جماعات القردة ينظِّف بعضُها بعضاً ، وتتفالى أي يفلي بعضها بعضاً . نعم ؛ إنه لتمرُّ على المرء أوقات يضطر إلى أن يخالط شيئاً من الدرن في ثوبه أو جسده ، بسبب قدوم من سفر بعيد ، أو إصلاح عطل في سيارته ونحو ذلك ، فالواجب عليه أن يتحاشى اللقاء بالناس حتى يميط الأذى عنه ، وقد انخنس أبو هريرة - رضي الله عنه - عن ملاقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق ، إذ كان جنباً ، حتى قال له : "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس" ، كما في البخاري ، على أن سيد ملائكة السماء جبرائيل - عليه السلام - قد علمنا كيف يكون قدوم المسافر ، حين دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر !. والشريعة جاءت بالأمر بذلك على وجه الاعتدال والاقتصاد ، فكما أن إهمال تعاهد البدن والثوب مذموم ، فإن المبالغة في التنظف ، والتشدد في الاحتياط فيه مذمومة أيضاً ، لأنه حينئذٍ يكون وسواساً أو تنطعاً وتكلفاً ، أو مضاهاة لليهود ، وقد قال تعالى : { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [سورة ص(86)] ، ولما دخل حذيفةُ وسلمان - رضي الله عنهما - على امرأةٍ أعجمية ، قالا : أهاهنا مكانٌ طاهرٌ نصلي فيه ؟، قالت: طهِّر قلبك ، وصلِّ حيث شئت ، فقال أحدهما لصاحبه : فقهت ، [أخرجه ابن أبي شيبة (7/122)، ولعبد الرزاق نحوه (1/412)]، وقوله : فقهت : أي حين علمت أن طهارة القلب هي الأصل ، لا أن طهارة المحل غير لازمة . ومن العجب أنه يثور أحياناً جدال بين طلبة العلم حول اللبس الموافق للسنة ، أهو الشماغ ، أو الغترة ، أو العمامة ، والحق أنه ليس في الشريعة لباس خاص لأهل العلم والدين ، أو زيٌّ مقدَّس كما نجده في بعض الديانات ، ففي النصرانية هنالك زي خاص للقسوس والكرادلة ورجال الكنيسة ، لا تتم طقوسهم إلا به ، ويروون في العهد القديم : " واصنع ثياباً مقدسة لهارون أخيك "، كما في سفر الخروج ، فأما في الإسلام فيلبس المسلم عالماً كان أو ليس بعالم اللبس المعتاد في بلده ، والمهم فيها أن تكون طاهرة ، وألا تكون ثياب شهرة وشذوذ ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس ثياب قومه ، نعم وجد في بعض مراحل التاريخ تخصيص لباس معين للفقهاء ، كما ذكره الجاحظ في البيان والتبيين وغيره ، ولعلهم اتخذوا ذلك لمصلحة تمييز العالم من غيره ، ليمكن للناس سؤاله والانتفاع بعلمه ، والعادة أن يكون لباس العلماء واسعاً فضفاضاً ، فإن اللباس الضيق أشد إظهاراً للروائح السيئة لو وجدت ، وعلى كل حال فالأصل أن يلبس المرء لباس أهل بلده كما تقدم ، وقد قرر أبو العباس ابن تيمية أنه ليس ثمة لباس لأهل الدين والولاية مخالف للبس العامة ، وقال : كم من صديق في قباء ، وكم من زنديق في عباء ، [مجموع الفتاوي (11/194)]. هذه دعوة إلى زكاء النفس ، والثوب والنشر ، والأخذ بالسنة النبوية الماضية في اقتناء أطيب الطيب ، خصوصاً في المجامع وعند ملاقاة الآخرين ، يضاف إلى هذا كله العناية بالمخبَر ، إذ هو الأصل ، ولما دخل عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج ، قال له الحجاج : إنك لمنظراني ، فقال عبد الرحمن : "نعم أيّها الأمير ، ومخبراني" ، والله المستعان . http://www.alukah.net/Articles/Artic...ArticleID=1046 |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فضل طلب العلم !!! | نبع الصفاء | روضة آداب طلب العلم | 0 | 15-06-07 09:44 PM |