04-12-09, 02:33 PM | #21 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
الحديث السادس عشر: عن أبي صِرْمَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضارَّ ضار الله به. ومن شاقَّ شَقَّ الله عليه)) [رواه الترمذي وابن ماجه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس عشر: وعن أبي حرمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضار ضار الله به، ومن شاق شاق الله عليه)) الجزاء من جنس العمل، ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه، من رفق بهم فارفق بهم)) هذه قاعدة مضطردة في الشرع: الجزاء من جنس العمل، الذي يعفو عن الناس ويسامحهم يعامل بالعفو والمسامحة، الذي يأخذ حقه بالقطمير يعامل بهذه المعاملة، وحديث الرجل من بني إسرائيل الذي كان يداين الناس معروف في الصحيح، والله -جل وعلا- أحق بالعفو، فمن آذى الناس وضار بالناس ضار الله به، وشق على الناس يشق الله عليه، من يسر على الناس يسر الله أمره في الدنيا، من يسر على معسر من أنظر معسراً، من أقال نادماً، نصوص كثيرة تدل على هذا الأصل العظيم، وأن الله -جل وعلا- أحق بالعفو من الخلق؛ لكن قد يفهم بعض الناس أن هذا عام فيمن يستحق الضرر ومن لا يستحق الضرر، لا شك أن هذا فيمن لا يستحق الضرر، أما من يستحق الضرر من الجناة لا بد أن يضار، يعني بالمقابل فإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه؛ لأن هذه الأمور أمور شرعية حدود شرعت لتحقق أهداف، وليس معنى هذا أننا نعطل الحدود من أجل أن لا نقع في مثل هذا، جزاء {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] والمماثلة في العقوبات شرعية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ماثل في القوم من عكل أو عرينة الذين اجتووا المدينة فأمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما أمر، قتلوا الراعي، وسملوا عينيه، فعل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما فعلوا، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] لا نقول: أن هذا ضار، لا، هذا بفعله هذا وإن كان ضرراً على هذا الذي تسبب على نفسه بالضرر إلا أنه يردع غيره، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] يعني شخص يقتل آخر فتقول: يا أخي إراقة دم مسلم اتركه، بدل ما نخسر اثنين خلينا نخسر واحد، نقول: لا يا أخي أنت لو ما خسرت هذا الواحد خسرت آلاف، من الذي يردع الثاني والثالث إلا معرفة أن هذا أقيم عليه الحد؟ يعني زيد قتل عمرو، فإذا أريد أقامة الحد القصاص على زيد يقول لك: الأمة ما هي بحاجة إلى كثرة دماء، وكذا خلي اللي راح راح، يغفر الله لنا وله، ولا نخسر اثنين، خلينا نخسر واحد وواحد يبقى، عضو فاعل في المجتمع ومنجز وعنده أعمال، لا يا أخي، هذا الشخص لو ترك لا شك أن القتل سوف يسود ويكثر وشواهد الأحوال معروفة في الشرق والغرب، جرائم القتل والاغتيالات والاغتصابات وأمور تشيب لها الذوائب، وعندنا -ولله الحمد- مع إقامة الحدود مثلما ترون، الأمور نسبية، ليس معنى هذا أنه لا يحصل شيء البتة؟ حصل هذا في عصره -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن المسألة نسبية، مسائل نسبية، فنحن -ولله الحمد- نعيش في أمن، حاول من حاول في إثارة الفتن والقلائل؛ لكن ما زلنا -ولله الحمد- في خير، نسأل الله -جل وعلا- أن يديم علينا هذا الخير، وأن يوفقنا للاستمرار في فعل الأسباب المثبتة، والتي تعين على بقاء هذا الخير، والله المستعان. ((من ضار ضار الله به)) تسعى للضرر بأخيك الجزاء من جنس العمل، لا بد وأن يحصل لك الضرر، والمثل يقول: "من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها" ((ومن شاق شق الله عليه)) تجد رئيس المصلحة ومدير الدائرة سمح وحبيب في حدود النظام بحيث لا يتسيب الناس، يعامل الناس معاملة حسنة، تجد هذا محل احترام وتقدير وتسامح وتجاوز ممن فوقه وممن دونه، ويعيش في راحة وطمأنينة بال لا يدركها أحد، وشخص يدعي الكيس والحزم ويريد أن يضبط الناس ويأطرهم؛ لكن وبعدين؟ لا شك أن اللين والرفق والليونة مع الناس التي تؤدي إلى تضييع أمور المسلمين هذا ضياع؛ لكن يبقى أنه يمكن أن تؤدى الحقوق مع الرفق واللين، مع طيب الاستقبال، مع طيب الكلام، مع حسن الخلق؛ لكن هذا الذي يريد أن يأطر الناس لا، لا، أبداً هون على نفسك، العوام يقولون: "ما يعطى الملك إلا من يحمله" يعني من يستطيع حمله، فمثل هذا من تحته من الموظفين كل يوم طالع واحد، يبحثون عن النقل يمين ويسار، ولا يصفي له أحد، تجد من فوقه يسلط عليه، ((من شاق شق الله به)) ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) لكن ليس معنى هذا التضييع، بل لا بد للأعمال العامة من القوي الأمين، قوي أمين، لا بد من توافر الشرطين، وإلا إذا كان قوي وليست معه أمانة ضاعت الأمور، وإذا وجدت الأمانة مع الضعف أيضاً تضيع الأمور، فلا بد من توافر هذين الشرطين لتولية الأكفاء، وإلا إن لم نسع لتحقيق هذين الشرطين وقعنا في ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) لا بد أن نسعى لاختيار الأصلح، الذي يستطيع أن يتعامل مع من دونه ومع من فوقه يحقق الهدف، ولا يترتب على ذلك تسيب ولا ضياع ولا تضييع لأمر الله -جل وعلا-، ولا تضييع لحقوق الناس. |
04-12-09, 02:37 PM | #22 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
الحديث السابع عشر: عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) [رواه الإمام أحمد والترمذي].
عن أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت)) الأمر بالتقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين، بالتقوى، والتقوى أصلها من الوقاية، بأن تجعل الله بينك وبين عذاب الله ما يقيك منه، وذلك بفعل المأمور وترك المحظور، تفعل ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه، هذه هي التقوى، فعل المأمورات وترك المحظورات، حيثما كنت، في أي مكانٍ كنت، سواء كنت بين الناس أو كنت خالياً منفرداً، وسواء كنت في بلدٍ أو في آخر؛ لأنه مع الأسف يوجد بعض الناس من يظهر عليه آثار الاستقامة والالتزام في بلد ثم إذا سافر إلى بلدٍ آخر تنصل من هذه الأمور، والله -جل وعلا- هو الرب، هو المعبود في كل مكان، ((فاتق الله حينما كنت)) ونحن مأمورون بأن يكون السر كالعلانية، وأن تكون الحضرة كالغيبة، وإلا فالمسألة رياء، إذا كان الإنسان يتزين أمام الناس ويتنسك ثم إذا خرج وخلا بنفسه ارتكب ما ارتكب من محارم الله ما امتثل، ما اتق الله حينما كان، ((اتق الله حينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] فإذا عمل غفل الإنسان وأخل بالتقوى وارتكب بعض المحرمات عليه أن يبادر بالتوبة بشروطها، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وعليه أيضاً أن يتبعها حسنة تمحها، تمحوا أثرها؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والرجل الذي حصل منه ما حصل من تقبيل المرأة الأجنبية، جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى معه، قال: ((هل صليت معنا؟)) قال: نعم، قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] وليس معنى هذا أنه فتح باب للناس أو للإنسان أن يرتكب السيئات ثم بعد ذلك يتبعه الحسنات وأتوب منها؟ ما الذي يضمن أن تعيش إلى أن تفعل حسنة تمحها؟ أولاً: مثل هذا خاص بالصغائر، أما الكبائر لا بد لها من توبة، لا بد لها من توبة الكبائر، أما إتباعها بالحسنة فلا، كما سيأتي في حديث: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) لا بد من هذا القيد، ((فأتبع السيئة –يعني من الصغائر- الحسنة تمحها)) فإذا قال: أنا سهل يرسل النظر، ويصلي ويذهب أثرها، النظر محرم، وقد يتيسر له شيء من اللمم من تقبيل وشبهه، يقول: أصلي وتروح، يا أخي من يضمن أن تعيش إلى أن تصلي؟ إشكال الإقدام على المعصية مع الإصرار مع العلم مع الاستحضار هذا يجعلها كبيرة لأنه استخفاف لأمر الله -جل وعلا-، ومن الذي يضمن لك أن توفق لأن تعمل حسنة تمحها، إذا أقدمت على المعصية مصراً عليها؟. ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) لا شك أنك لن تسع الناس لا بجسدك ولا بمالك ولا بجاهك، إنما تسعهم بإيش؟ بخلقك، خالقهم بخلقٍ حسن، ومع الأسف الشديد تجد بعض الناس إذا استقبل أخاه لا يختلف معه في شيء البتة، يستقبله استقبال كأنه وحش، هل هذا من الخلق الحسن؟ ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)) أقل الأحوال البشاشة يا أخي، هذا مسلم، زد على ذلك إذا كان من طلبة العلم، أضف على ذلك إذا كان من أهل العلم، ولو أخطأ ليس بمعصوم، ولو أنت اللي تقرر الخطأ والصواب، المسألة أمور اجتهادية تنتابها وجهات نظر ومع ذلك يوالى ويعادى عليها، هل هذا من الإنصاف؟ هل هذا من تطبيق مثل هذه السنن؟ ((خالق الناس بخلقٍ حسن)) خالق الناس عامة الناس، فضلاً عن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، تجد أهل العلم الكبار الآن في المجالس المناشير رايحة جاية، تلوكها الناس بألسنتهم من عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، وما جرأ العوام على العلماء إلا بعض طلاب العلم، فلان أخطأ، وفلان فعل، وفلان ترك، وإلا العوام غافلين ما عندهم شيء من هذا، لكن لما تكلم علم الناس وتطاولوا عليهم زالت مهابتهم من القلب، وزوال هيبة أهل العلم من القلوب مؤذن بخطر عظيم؛ لأنه يزيل الثقة بهم، فإذا زالت الثقة بأهل العلم بمن يتقدي عامة الناس؟ فهذا أمر لا بد من الانتباه له، وعليك أن تعامل كل إنسان بما يناسبه، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم. شخص له قدم في الإسلام، وله يد في هداية الناس ودعوتهم إلى الله أخطأ أو زل يا أخي اترك له مسافة، الله -جل وعلا- يعني تقبل الخطأ من عامة الناس، وهذا خطأ غير مقصود أو متأول أو رأى فيه المصلحة، نعم الخطأ لا بد من رده، لا بد من التنبيه على الخطأ، لا بد من الرد المناسب على من يخطئ، لا بد من بيان الحق؛ لكن بالأسلوب المجدي النافع، مو معنى أنه خطأ خلاص انتهى، دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، مذهب أهل السنة وسط بين الخوارج وبين المرجئة، المرجئة يتركون المساحة الواسعة: افعل ما شئت، وما زلت في دائرة الإيمان، بينما الخوارج أبداً تخطئ خطأ واحد خرجت من الملة، ولا هذا ولا هذا، ولا يتبين مذهب أهل السنة ووسطية أهل السنة إلا إذا عرفنا الأطراف، ولذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- برع في كتابه الواسطية، حين بين مذهب أهل السنة من خلال ذكر الطرفين في أبواب الدين، فعلينا أن ننظر إلى إخواننا بعين الإنصاف، نعم من كان عنده بدعة ويخشى من تعديها إلى غيره، وهو يدعو إلى بدعته، وتجد الناس يستجيبون لدعوته الآن حذر منه، حذر منه حذر من بدعته، ولا عليك من شخصه؛ لأن بعض الناس يقع في الذوات، بل بعض الناس يصل إلى حد القذف، نسأل الله العافية، على شان إيش؟ احرص على نفسك قبل غيرك، أنت تعرض نفسك الآن لعقوبات ما تدري قدرها، تجني على نفسك بمعاصي وذنوب يمكن ما تحسب لها حساب، فالإنسان عليه أن يحفظ ويحرص على حفظ مكتسباته ومقتنياته لما يرضي الله -جل وعلا-، لا يوزع أعماله، ويبقى أن العاصي مذموم والمبتدع مذموم، وكذا، وكل له معاملته في الشرع، ويبقى أن الأصل خالق الناس بخلق حسن، لا بد من إحسان الخلق مع الناس كلهم، وكل على ما يليق به؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في الحديث الصحيح السابق. |
04-12-09, 02:41 PM | #23 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
لحفظ التفريغ على الوورد
زوري هذه الصفحة http://www.khudheir.com/audio/1325 الاختبار بأذن الله الثلاثاء القادم وفق الله الجميع |
04-12-09, 02:46 PM | #24 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
وضعته في موضوع بالقسم بعنوان مقرر الشريط الثالث لمادة جوامع الأخبــار
|
04-12-09, 02:53 PM | #25 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بسم الله الرحمن الرحيم الشريط الثالث من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي عبد الكريم بن عبد الله الخضير نبذة عن المحاضرة :
|
09-12-09, 12:30 PM | #26 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|
بسم الله الرحمن الرحيم الشريط الرابع من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي عبد الكريم بن عبد الله الخضير نبذة عن المحاضرة :
التعديل الأخير تم بواسطة أم جهاد وأحمد ; 09-12-09 الساعة 12:34 PM |
09-12-09, 01:04 PM | #27 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|
الشريط الرابع لشرح جوامع الأخبـــار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقرأ: الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-: الحديث الثامن عشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) [متفق عليه]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن عشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) [حديث متفق عليه] والظلم مرتعه وخيم وشأنه عظيم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، وتتفاوت شدته وقوته وضعفه بسبب الأثر المترتب عليه، وهو أنواع ودركات، أعظمه -نسأل الله السلامة والعافية- الشرك، وبه فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الظلم، في قوله -جل وعلا-:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[(82) سورة الأنعام] قال: الشرك، وأحال على قول لقمان: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] لا شك أن الشرك لا سيما الأكبر هو أعظم أنواع الظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، فموضع التوجه، توجه الإنسان لمن خلقه ورزقه وأوجده من العدم إلى الوجود، فمثل هذا يجب أن يكون التوجه إليه، فلو أن شخصاً استأجر أجيراً ودفع له ما دفع من الأجرة، ثم أخذ هذا الأجير يعمل ويؤدي ما يترتب على عمله لغير مستأجره ظلمه، فكيف بمن خلق ورزق وأوجد من العدم؟ كيف يؤدى الحق الذي هو أعظم الحقوق حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وأدى إلى غيره؟ لا شك أن هذا هو أعظم أنواع الظلم، وقصره النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير آية الأنعام على الشرك، وهذا التفسير منه -عليه الصلاة والسلام- تفسير للعام ببعض أفراده، وتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي الحصر، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، نكرة في سياق النفي تعم جميع أنواع الظلم؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسره ببعض أفراده، وهذا له نظائر كثيرة ذكرنا في درسٍ مضى تفسير القوة بالرمي، ولا يعني أننا لا نستعد للعدو بغير الرمي، ولا يعني أننا لا نتقي من أنواع الظلم إلا الشرك، نعم التنصيص على بعض الأفراد من قبل الشارع إنما هو للعناية به، والاهتمام بشأنه، لا شك أن الشرك -نسأل الله السلامة والعافية- لا سيما الأكبر المخرج عن الملة الموجب للخلود في النار هذا أعظم ما يجب أن يتقيه المسلم، ثم بعد ذلك يليه ما يليه من أنواع الظلم، من ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، هذه أنواع من الظلم، وقد حرم الله -جل وعلا- الظلم على نفسه، ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) يعني لا يظلم بعضكم بعضاً، فعلى الإنسان أن يتقي ويجتنب الظلم، لا ظلم الإنسان لنفسه بأن يدنسها بأوغار الشرك والبدع والمعاصي، ولا ظلم الإنسان لغيره، لا ظلم المسلم وشأنه عظيم، وظلم من لا يستحق الظلم من غير المسلمين غير الحربيين، وكذلك ظلم البهائم أيضاً، ظلم أن تحمل الدابة من لا تطيق، أن يقصر في نفقتها، كل هذا ظلم لها، وكل هذا لا يجوز داخل في الآية، الذين آمنوا ولم يلبسوا، يعني لم يخلطوا إيمانهم بظلم في جميع أنواعه وصوره وأشكاله، أولئك لهم الأمن، الأمن التام المطلق؛ لكن إذا وجد الشرك فلا أمن البتة، إذا وجد الشرك ذهب الأمن، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور] هذا أقوى ما يثبت الأمن ويقوي دعائمه، الالتزام بالتوحيد، وتحقيق التوحيد، وتخليصه من شوائب الشرك، أولئك لهم الأمن، يعني التام المطلق، ولم يلبسوه بأي ظلم؛ لكن إذا اتقوا الشرك ووقعوا في أنواع من الظلم سواء كان من ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره لهم من الأمن بقدر ما حققوه من الاتباع، وكلما قرب من الكمال زاد الأمن، وكلما نقص نقص، والحصة بالحصة، كما يقول ابن القيم، يقول: بعض الناس قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسره بالشرك، فلا يدخل فيه شيء من..... نقول: لا يا أخي فسره بالشرك، ويبقى أن الظلم نكرة في سياق النفي يعم جميع أنواع الظلم، نص على الشرك لعظم شأنه، فلا يجوز للإنسان أن يظلم نفسه، ولا يجوز له أن يظلم غيره، حتى غير المسلمين، يعني غير الحربيين، والبهائم يدخل في هذا. ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) الظلم يبعث على الخوف، ويسلب الأمن، وأيضاً هو في يوم القيامة ظلمات، إذا كان العدل بما في ذلك تحقيق التوحيد، وهو العدل التام نور يوم القيامة، والمقسطون على منابر من نور يوم القيامة، فإذا كان الظلم ظلمات فالعدل نور يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح: ((المقسطون على منابر من نور يوم القيامة)) الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا، فلا يقول الإنسان: أنا ما لي علاقة بأحد كيف يتصور مني الظلم؟ يتصور منك الظلم أمرت بالعدل والإنصاف، والأمة أمة عدل وإنصاف، وأمة وسط، خيار عدول يشهدون على الناس؛ لكن لا بد من العدل والإنصاف، وهذا على مستوى الأفراد والجماعات، ليس من العدل أن تسأل عن شخص هفوته يسيرة فتجعل هذه الهفوة من العظائم أو العكس لا بد من العدل والإنصاف، ولا يجوز لك وأنت بصدد راوٍ من الرواة ضعفه يسير تجعله شديد أو العكس، وقل مثل هذا في جميع التصرفات، فالعدل لا بد منه، {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [(90) سورة النحل] فإذا كان الظلم ظلمات والإنسان بحاجة إلى النور في تلك المضائق، {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} [(12) سورة الحديد] بسبب العدل؛ لأن المقسطين على منابر من نور بسبب الالتزام بالعدل الأكبر وهو التوحيد، تحقيق التوحيد ونفي الشرك وما يوصل إلى الشرك من وسائل، والظلم هو التعدي على النفس، يعني لو تعدى الإنسان على نفسه بقطع أنملة من أنامله، أو إصبع من أصابعه ظلم نفسه، وكذا إذا تعدى على غيره في دمه وماله وعرضه هذا ظلم، فليحذر الإنسان من أن يتخبط في الظلمات يوم القيامة، وهو لا يشعر، بسبب الظلم ونحن مأمورون بالعدل حتى بين من بيننا وبينهم عداوة، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(8) سورة المائدة] يعني لا يحملكم بغض قوم على أن لا تعدلوا بينهم، لا بد من العدل، والله المستعان. أيضاً من الظلم وهو ظاهر في أوساط المسلمين مع الأسف الشديد ظلم بعض الناس لأولادهم، وعدم معاملتهم بالعدل، ظلم بعض الناس لزوجاتهم، وهذا أيضاً مع الأسف الشديد موجود بين المسلمين؛ لكن على المسلم أن يتقي الظلم؛ لأن شأنه عظيم وعاقبته وخيمة. التعديل الأخير تم بواسطة أم جهاد وأحمد ; 15-12-09 الساعة 01:17 PM |
09-12-09, 01:17 PM | #28 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|
الحديث التاسع عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) [متفق عليه].
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث العظيم والميزان الدقيق: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم)) يعني في أمور الدنيا، ((ولا تنظروا إلى من فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) النظر في أمور الدنيا ينبغي أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن الدنيا ليست بهدف، فإذا نظرت إلى من هو دونك دعاك هذا إلى شكر ما أنت فيه من نعمة، بخلاف ما لو نظرت إلى من هو فوقك، يعني لو سألت موظف راتبه ألف ريال، موظف صغير وعنده أسرة وقلت له: أحمد ربك أنت في نعمة، يقول: يا أخي الناس يتقاضون على عشرة آلاف وعشرين ألف، وأنا.....، نظر إلى فوقه هذا يبي يشكر ذا؟ هذا يزدري نعمة الله عليه، لكن لو نظر إلى أناس يتمنون شرب قطرة من الماء، الحمد لله في نعمة، وفي رغد ما فيه أحد، إذا نظر إلى من هو دونه دعاه ذلك إلى شكر الله -عز وجل-، وعدم ازدراء النعمة، لكن لو نظر إلى من هو فوقه الأمور لا تنتهي، يعني هب أنك نظرت إلى من هو فوقك قليلاً، ثم نظرت إلى من فوقه ومن فوقه ما تنتهي الدنيا هذه، بينما لو نظرت إلى من هم دونك حتماً سوف تشكر نعمة الله عليك ولا تزدري ما أعطاك، والمسلم يتقلب بنعم، بنعم لا يقدر قدرها، لو لم يكن في ذلك إلا الإسلام. ذكر ابن القيم في بعض كتبه أن مسلماً أسره الكفار فكتب هذا الأسير إلى صاحبٍ له يتشكى ويتظلم، قال: أنا أسير عند الكفار، وأنا أريد منك كذا.... قال: أشكر ربك، هذا الأسير قيّد وصفّد بالقيود، كتب إلى صاحبه قيدت وأوذيت، فقال: أشكر ربك، طيب، عمل بهذه النصيحة وشكر، سُلسل معه وقيد معه شخص آخر في قيده شخص مبطون، يحتاج إلى قضاء الحاجة باستمرار، ولا يستطيع أن ينتقل إلى مكان قضاء الحاجة، فأرسل إلى صاحبه: قيد معي واحد آذاني برائحته، وبما يخرج منه، قال له: أشكر ربك، أرسل له هذا المقيد قال: علام أشكر؟ وش أشد من وضعٍ أنا فيه؟ قال: أشكر ربك على أنك لست مثلهم، يعني لو مت الآن ومآلك إلى النار مثلهم أبد الآبدين، هذه ما هي نعمة ذي؟ فاعترف بالنعمة، وشكر ربه من قلبه، فانفك القيد تلقائياً، وخرج من الأسر، ما يشعر الإنسان أنه يتقلب في نعم، حتى الناس الذين ابتلاهم الله -جل وعلا-، إما بفقر أو بأمراض لو بحثوا على وجه الأرض وجدوا من أقاربهم وممن حولهم من هم أشد منهم، يعني لو نظرت إلى : مثلاً لا تملك شيء ومدين بأموال عندك نعم أخرى، عندك نعمة الدين التي لا يعدلها نعمة، عندك نعمة الصحة، نعم تتقلب فيها لا تكاد....، نعمة البصر، نعمة السمع، لو الإنسان يفني عمره بشكر هذه النعم ما وفاها حقها، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] المريض الذي يتقلب إذا تذكر أن هذا المرض قد يكون خيراً له في دينه ودنياه، قد يكون الله -جل وعلا- صرف عنه ما هو أعظم من هذا المرض، لو تصورنا هذه الأمور وشكرنا الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا إلى من هو دوننا دعانا ذلك إلى شكر الله -جل وعلا- بحيث لا نزدري نعمة الله علينا، الشخص الذي يسكن في بيت صغير وليس بجميل، ينقصه بعض الأمور، يا أخي انظر إلى أناس يسكنون في صناديق، وش وضعهم بالصيف هؤلاء والشتاء؟ وصاحب الصندقة ينظر إلى ناسٍ ما عندهم صندقة يسكنون على الأرصفة، عوائل في البلدان الأخرى تسكن على الأرصفة؛ لكن هذا الميزان في أمور الدنيا، أما في أمور الآخرة فالذي ينبغي العكس تنظر إلى من هو فوقك، تقول: أنا -ولله الحمد- منّ الله علي أقرأ القرآن في كل شهر، يا أخي انظر إلى من يقرأ القرآن في كل أسبوع، بحيث تزداد من العمل الصالح، إذا نظرت إلى من هو فوقك، القدوات، وإمامهم وسيدهم محمد -عليه الصلاة والسلام-، قام من الليل حتى تفطرت قدماه، تنظر في أمور الدين والعبادات إلى من هو فوقك في البذل والإحسان إلى من هو فوقك، ما تقول: والله أنا الحمد لله أنا لو نظرت إلى نفسي ونظرت إلى زملائي أنا أبرك منهم، وخير منهم ما ينفع هذا، يعني بعض العامة الذين سافروا إلى الأقطار، وذهبوا إلى بلاد الكفار مئات الملايين، بل ألوف الملايين كفار، يقول: إحنا بخير، نحن ما ننكر أننا بخير؛ لكن نحتاج إلى مزيد من هذا الخير، إذا نظرنا إلى الكفار ما عملنا، كما قال بعضهم الذين سافروا قالوا: والله أبداً ما لكم مكان في النار، النار تبي تمتلي من الصين والهند ويمين ويسار مليارات، لا يا أخي لا تنظر إلى هؤلاء، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك؟ انظر إلى من نجا كيف نجا؟ عليك بخلاص نفسك، وليكن قدوتك وأسوتك من أمرت بالاقتداء به الائتساء به، فلتنظر إلى من همته فوق همتك في أمور الآخرة لتزداد من الأعمال الصالحة ولتحتقر عملك، ولا تعجب نفسك وعملك، ولتتواضع لربك، فهذه موازين شرعية، ينبغي أن تكون بين عيني المسلم، لا سيما طالب العلم، طالب العلم تسمو همته إلى أن يكون مثل شيخه فلان، طيب اطلع فوق شوف شيوخه؟ شوف علماء الإسلام؛ لأنه إذا نظر إلى شيخه ومستواه قال: الحمد لله نحن على الجادة، وعلى الطريقة والمسألة أيام ونصل -إن شاء الله-، لا يا أخي ضاعف من الجهد في العلم والعمل لكي تصل إلى ما تريد -إن شاء الله تعالى-. |
09-12-09, 01:23 PM | #29 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|
الحديث العشرون: عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) [متفق عليه].
الشيخ -رحمه الله تعالى- ينتقل في كتابه وينتقي من الأحاديث الجوامع في جميع أبواب الدين، فمن أبواب العقائد إلى أبواب الآداب إلى أبواب العبادات، يقول -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) [متفق عليه] الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، فلا يقبل دليل على الاشتراط، والمراد بنفي القبول هنا نفي الصحة، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقةً من غلول)) المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة، ويرد نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على الصحة، ففي مثل هذا: ((لا يقبل الله..)) إذا صلى من غير طهارة صلاته مردودة وليست بصحيحة، ((لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار)) نفي القبول ونفي الصحة، على هذا لو صلى من غير طهارة صلاته باطلة تلزمه الإعادة لماذا؟ لأنه أخل بشرطٍ من شروطها، ولو قدر أنه صلى ناسياً من غير طهارة تلزمه الإعادة؛ لأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، بينما يأتي نفي القبول في بعض النصوص ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه...)) ((لا يقبل الله صلاة عبدٍ آبق)) الشروط كانت كلها متوافرة فهو في عرف الفقهاء صلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب؛ لكن ليس فيها ثواب، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فحصر القبول على المتقين، ومفهومه أن الفساق لا يتقبل الله منهم، لا يتقبل الله من الفساق، هل معنى هذا نفي للصحة؟ هل من صلى وهو فاسق نقول له: أعد صلاتك؟ من صام وهو فاسق يقال له: أعد صيامك؟ لا، المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على الصحة، طيب، هذا شخص صلى ثم تذكر أنه ليس على طهارة نسي، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا تلزمه الإعادة وإلا ما تلزم؟ تلزمه الإعادة؛ لأن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، تلزمه الإعادة وهو ناسي؟ نعم تلزمه الإعادة وهو ناسي، والقاعدة عند أهل العلم: أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم؛ لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فشخص صلى الظهر ناسياً خمس ركعات، نقول: صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل هذه الركعة الزائدة لأنها موجودة بمنزلة المعدود، ولا شيء عليه، صلاتك صحيحة إن ذكرت وأنت في الصلاة أو قريب منها تسجد للسهو وإلا ما عليك شيء إذا طالت المدة، وهنا نقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؛ لكن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فمن صلى الظهر ثلاث ركعات، يقول: أنا والله نسيت، والله يقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا، نقول: لا، لا بد أن تأتي بركعةٍ رابعة، وإن طال الفصل لا بد من إعادة الفصل، لكنك وإن نسيت إلا أن المعدوم لا يمكن أن ينزل منزلة الموجود بسبب النسيان، وهذه قاعدة مضطردة عند أهل العلم، ومن صلى ناسياً الحدث عليه أن يعيد؛ لكن صلى وعلى بدنه نجاسة ناسياً متطهر الحدث مرتفع؛ لكن على بدنه نجاسة ناسياً صلاته صحيحة؛ لأن هذا موجود نزله منزلة المعدوم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر أن في نعله قذر ما أعاد الصلاة، خلع النعل وانتهى، ولو لم يعلم إلا بعد فراغه من الصلاة ما يلزمه الإعادة، فالطهارة من الحدث هو يشمل الأكبر والأصغر الموجب للغسل والموجب للوضوء أمر لا بد منه شرط من شروط الصلاة، ((لا يقبل الله صلاةً بغير طهور ولا صدقةً من غلول)) والحديث في صحيح مسلم من حديث ابن عمر لما زار ابن عامر فقال له: انصحني أو عضني أو ادع لي، قال: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقةً من غلول)) وكنت على البصرة، كيف كنت على البصرة؟ يعني كان أمير على البصرة، والولايات مظنة لأن يدخل على الإنسان بعض الشيء بقصدٍ أو بغير قصد، فمثل هذا ينبغي أن يحتاط له، والله المستعان. |
09-12-09, 02:54 PM | #30 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|
الحديث الحادي والعشرون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، يعني الاستنجاء)) قال الراوي: "ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" [رواه مسلم].
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عشر من الفطرة)) الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هي الخلقة، أصل الخلقة التي خلق الله عباده عليها، وجبلهم عليها، ومنهم من يقول: الدين؛ لأن الله -جل وعلا- فطرهم على الدين، ما من مولود إلا يولد على الفطرة، يعني على الملة وعلى الدين، لكن المؤثرات بعد الولادة تجتاله عن هذا الدين وعن هذه الفطرة، عشر من الفطرة، يعني عشر خصال من الفطرة، قص الشارب، وإعفاء اللحية التي هي من سمة الرجال، وقد أمرنا بإعفاء الشوارب، وإعفاء اللحى، فلا يليق بالمسلم أن يرسل شاربه؛ لأنه يجتمع فيه أوساخ وأقذار، ويقع فيما يشرب، وفيما يؤكل، وينزل من الأنف أشياء، فهو واسطة بين الأنف وبين الفم، فينبغي أن ينظف، وكذلك إعفاء اللحية، وقد جاءت الأوامر الشرعية بإعفائها وإكرامها، وجاء في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان كث اللحية، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وهذا هو الثابت المرفوع عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عن بعض الصحابة كابن عمر أنهم يأخذون من اللحية ما زاد على القبضة، لا سيما في النسك، ابن عمر -رضي الله عنه- ثبت عنه أنه كان يأخذ منه ما زاد على القبضة، ويتأول قوله -جل وعلا-: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني في آنٍ واحد، فالواو عنده هذه للجمع وليست للتقسيم، يعني ما هو محلقين بعضكم محلق وبعضكم مقصر، ليست للتقسيم ولا للتنويع، إنما هي للجمع، هذا فهمه -رضي الله عنه-، فإذا كان الرأس بيحلق إيش يبقى؟ إيش يقصر لو حلق الرأس؟ لا بد يقصر اللحية، هذا فهمه -رضي الله تعالى عنه-، والذي عندنا في الباب من النصوص المرفوعة هو إعفاء اللحية، وتوفير اللحية، وإكرام اللحية، ولا تقابل مثل هذه النصوص بما نقل عن أي شخص كائناً من كان؛ لأن الموقوف لا يقابل المرفوع أبداً، وما استمرئ الناس حلق اللحى حتى تساهلوا في القص، والقص ما له نهاية، وليتهم اقتصروا على القبضة، إنما المسألة خطوات، إذا دخل المقص دخل الموس، تجدون علماء كبار فحول في الأقطار تساهلوا في هذا الأمر، وقصوا ما زاد على القبضة، ثم نقص هذا وزاد، يوضبون، ولازم تتساوى اللحية، وجار المقص، وما أدري إيش؟ وغفلت عن الحلاق، على شان إيش؟ خطوات، ثم بعد ذلك تسامحوا، إيش يبون؟ هل اقتصر الناس على القبضة؟ القبضة إيش معنى القبضة؟ القبضة يقبض على يده ويأخذ ما زاد، ومر علينا ومر عليكم من يدرس الكتاب والسنة، التفسير والحديث والفقه من هم؟ أمهلوا لأنفسهم فأخذوا كل شيء، ما هي مسألة قبضة، الشيطان لا ينتهي عند حد، ودرّسنا واحد في الشريعة قبل خمسة وثلاثين سنة يقول: القبضة هكذا، أصبع واحد، لا ورافع أنه الأصبع، رافع، ذي قبضة؟ هذا من تلاعب الشيطان، فقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، سمعنا التوفير، سمعنا الإكرام، سمعنا الإعفاء، جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- ما جاء {يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [(94) سورة طـه] بلحيته، اللحية طويلة شلون يبي يأخذ وهي قصيرة؟ فعلينا أن نحافظ على هذه، هي شعيرة من شعائر الإسلام، شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، وقد جاء الأمر بها، فحلقها حرام، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على تحريم حلق اللحية، ثم يأتي من يأتي ويقول: أن هذه من باب الآداب، ومن باب العادات، يعني إذا قال: سنة مؤكدة تشفق الناس، مع طول الزمن وكثرة رؤية من يتساهل في هذه الشعيرة، فعلى المسلم أن يثبت لا سيما طالب العلم أن يأخذ الدين بقوة، بحزم وعزم، لا يتأثر بكل كلام، وبكل ناعق، طبيب من الشرق باكستاني أو هندي، طبيب ليس عنده من العلم الشرعي شيء لحيته كثّة طويلة، دخل عليه أستاذ في الفقه من الجهات حليق، قال الطبيب يا أستاذ إيش أنت؟ قال: أنا أستاذ في الفقه الإسلامي، قال: أين اللحية؟ قال: اللحية سنة، يعني أمرها سهل، السنة أمرها سهل، قال: أنا ما يعرف سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ بس، انتهى الإشكال، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ ما بيننا سنة ولا بدعة، يبي يتفلسف سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هذا ما عنده، صحيح أنت مأمور بالاقتداء، افترض أنها سنة أنت غني عن هذه السنة؟ إيش اللي يقابل السنة؟ والله المستعان. والسواك، جاء فيه ما يدل على أنه من السنن المؤكدة، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي لفظ: ((عند كل وضوء)) فهو من سنن الفطرة، ومطهرة للفم، ومرضاة للرب، ويتأكد استحبابه عند تغير الفم، وعند الصلاة، وعند إرادة الوضوء، فهو سنة مؤكدة، والأمر فيه أمر استحباب، أما أمر الوجوب الذي يترتب عليه المشقة فهو منتفي، ولذا يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) والمراد بهذا أمر الوجوب، المنتفي أمر الوجوب؛ لأن (لولا) حرف امتناع لوجود، فامتنع الأمر لوجود المشقة، والممتنع هو أمر الوجوب، وهذا من أقوى أدلة الجمهور على أن الأمر المطلق للوجوب؛ لأن أمر الاستحباب ثابت هنا، إذا أضفنا هذا إلى قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النــور] لا شك أن مخالفة الأمر أمر عظيم، نسأل الله السلامة والعافية، فالسواك مأمور به، وهو عبادة، ويبقى أنه يتأكد في مواضع منها إرادة الوضوء، إرادة الصلاة، عند تغير الفم، عند القيام من النوم، والجمهور على أن السواك يكون بالشمال، باليد اليسرى، ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أنه لا يعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين مع أن جده المجد يقول باستحباب التسوك باليمين، والسبب أنه ينظر إليه من جهتين أنه عبادة وامتثال أمر، فالأحق به اليمين، وإذا قلنا: أنه إزالة قذر ووسخ فبالشمال، وعامة أهل العلم على أن التسوك يكون بالشمال، والمراد بالسواك استعمال العود اللين الذي لا يجرح اللثة لإزالة ما علق بالأسنان واللسان من أوساخ. واستنشاق الماء، الاستنشاق وجاء الأمر به، فهو واجب في الوضوء، من واجبات الوضوء، ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء)) جاء الأمر بالاستنشاق والاستنثار، والاستنشاق إدخال المال إلى الأنف بالنفس، والاستنثار إخراج الماء أيضاً من الأنف بالنفس، والمقصود به تنظيف ما يدخل، وهو مظنة لأن تدخله الأوساخ والغبار وما أشبه، وهذا من كمال هذه الشرعية التي جاءت بالنظافة، ومباعدة الأوساخ والأقذار، وهذا لائق بالاستنجاء، في غسال يغسل ملابس أمريكي جاء وأعلن إسلامه من غير دعوة، ما دعي إلى الإسلام، فسئل عن السبب قال: أنه غسال إذا غسل ملابس المسلمين وجد الروائح طيبة، وإذا غسل ملابس غير المسلمين وجد الروائح الكريهة، والفرق هو الاستنجاء، وهذا سيأتي، لكن ديننا دين النظافة، دين الفطرة، دين الألفة والمحبة، ولا يمكن أن تجتمع الألفة مع المحبة مع الأوساخ ومزاولة القاذورات، الشخص القذر الوسخ الذي تنبعث منه الروائح الكريهة لا يمكن أن يؤلف وهذا من أسباب الألفة، الاستنشاق واجب، من واجبات الوضوء، وأوجبه بعضهم لكل قائمٍ من النوم؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومه؛ لكن هو متأكد في حق المتوضئ، وهو داخل في فرض الوجه مع المضمضة؛ لأنه لم ينص عليه في آية الوضوء، آية المائدة، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] ولذا لم يوجبه جمع من أهل العلم، توضأ كما أمرك الله، الله -جل وعلا-، ما أمرك في كتابه أن تستنشق، ولا تتمضمض، هذه حجة من لا يرى الوجوب، لكن جاء الأمر بالاستنشاق، ((فإذا توضأت فمضمض)) أيضاً جاء الأمر بالمضمضة؛ لكن ما جاء في الاستنشاق أقوى مما جاء في المضمضة، وعلى كل حال المضمضة والاستنشاق داخلان في الوجه، لأنهما من أجزائه وفي حدوده، وإن كان من يقول بالقول الآخر يتأول الآية على أن المراد بالوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا تحصل بالفم والأنف، على كل حال المسألة خلافية والنصوص من السنة المبينة لما أجمل في القرآن تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق. قص الأظافر إذا طالت، لأنها يجتمع تحتها أوساخ ومنظرها أيضاً كريه ومؤذي، وهي أيضاً مؤذية إذا مرت من أدنى جهة من جهات البدن تجرح، فلا يجوز أن تطال الأظافر، وإن اقترن بذلك تقليد للكفار أو الفساق ازداد الأمر، وقد حد الأمر -عليه الصلاة والسلام- حداً لهذه الزوائد في أخذها بالأربعين، أربعين يوماً، قص الأظافر وغسل البراجم التي هي المغافل في البدن؛ والتي لا يصل إليها الماء، فإذا لم يصل إليها الماء تراكمت فيها الأوساخ. ونتف الإبط، وهو أيضاً إذا طال شعره مع ما يخرج منه من عرق ولكونه مكتوم إذا اجتمع هذا العرق مع هذا الشعر زادت الرائحة الكريهة، فأمرنا بنتف الإبط؛ لأن هذا من السنة، من الفطرة، وهو أيضاً داخل فيما حد فيه بالأربعين، نتف الذي هو قلع الشعر؛ لكن لو استعمل الاستحداد فيه أو إزالته بأي وسيلةٍ بنورة أو شبهها كفى، المقصود الإزالة، وإن كان النتف أولى؛ لأن النتف يزيل الشعر من أصوله، فالأوساخ في أصول الشعر تنتهي معه، بينما الحلق قد لا يفي بجميع الغرض، نعم يخفف. وحلق العانة، حلق العانة: وهي ما ينبت حول القبل والدبر لمن بلغ سن التكليف، هذا يحلق لأنه كغيره من هذه الزوائد التي هي مؤذية بنفسها ومجتمع للأوساخ والقاذورات، وديننا دين النظافة، ولذا اشترط في الطهارة لأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويقال في هذا مثل ما قيل في نتف الإبط، يعني لو نتفت العانة دون حلق أجزأ ذلك؛ لأن المقصود الإزالة. وانتقاص الماء، انتقاص الماء: وهذا يعني الاستنجاء، فسره الراوي بالاستنجاء، انتقاص الماء، ولولا تفسير الراوي لصعب معناه، إيش انتقاص الماء؟ إلا إذا كان هناك ما يدل في لغة العرب على أن هذا استعمال محدد للاستنجاء، وإلا الانتقاص والنقص والأخذ من الماء يكون للاستنجاء ولغيره، لكنه فسره الراوي وأراحنا من الاضطراب، والراوي أدرى بما رواه، أعرف بما رواه، يعني الاستنجاء، والاستنجاء السين والتاء لطلب النجو الذي هو نفس الخارج، والمراد قطعه، والاستنجاء يفرق أهل العلم بينه وبين الاستجمار بأن الاستنجاء يكون بالماء، والاستجمار يكون بالحجار، الجمار التي هي الحجارة، ولا شك أن هذا أمر لا بد منه، ولا يصح قبله عند أهل العلم وضوء ولا تيمم، لا بد من إزالته وقطعه، قطع الأثر الخارج بالكلية بالماء لتعود خشونة المحل في الاستنجاء، وأما الاستجمار فيزال ما يقدر على إزالته بالعدد المحدد، ثلاثة أحجار فأكثر، وما زاد على ذلك بحيث إذا بقي أثر لا يزيله إلا الماء فإنه معفو عنه. قال الراوي: "ونسيت العاشرة" نسيت الخصلة العاشرة "إلا أن تكون المضمضة" والمضمضة إدخال الماء في الفم، وتحريكه باللسان، وإدارته ومجّه، بعض كتب اللغة تنص على المجّ، فإذا أدخل الماء في فمه وأداره بلسانه وشدقيه ثم ابتلعه، هنا يكون تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم إذا أدخلنا المج في مسمى المضمضة قلنا: ما تمضمض، وبعض كتب اللغة تنص على أن المج من المضمضة، وهنا علة قد لا يتفطن لها بعض الناس، أن هذا الوسخ الذي في الفم والمطلوب إزالته ينبغي أن يخرج، وجاء في حديثٍ فيه كلام الحث على إخراج ما بقي في الفم، في الأسنان وما أشبه ذلك، يعني ما ابتلعته فكله، وما عداه فلا، لأنه إذا بقي في الفم ودخل عليه الهواء، وتأكسد على ما يقولون، يحللون، يتلوث، لا شك أن هذا من كمال العناية الشرعية، فالمج من أصل المضمضة، فإذا تمضمض فليمجّ الماء، ومنهم من يقول: أن المضمضة هي إدارة الماء فقط، والمج ليس مما يسمى المضمضة، وعلى هذا لو ابتلعه يقال: أنه تمضمض. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
برنامج تفريغ الأشرطة (الإصدار الذهبي) | أم خــالد | الأرشيف | 19 | 01-02-14 07:09 PM |