العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات بين دفتي كتاب (انتهت)

الملاحظات


دورات بين دفتي كتاب (انتهت) بَيْنَ دِفَّتَي كِتَابٍ مشروع علمي في قراءة كتاب مختار

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-07-07, 03:16 AM   #1
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي >>> من هنا نبدأ <<< ... ( كل يوم حصة ) كتاب الجواب الكافي

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين


الحصة الأولى

السبت 14/07/2007


مقدمة التحقيق

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وجعله شرعة صالحة خالدة للعالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة المهداة للثقلين ، والموصوف بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم .

وبعد :


هناك دوافع طبعية تدفع الإنسان إلى تحقيق مراده ، وليس كل الدوافع الطبعية سيئة ولا قبيحة ، بل كثير منها أوجده الله في الإنسان كي يندفع اندفاعا ذاتيا لتحقيق مراده الذي تقوم حياته به ، ولو لم يخلق الله له هذه الدوافع لما سعى في طلب الرزق ، ولما تناول الطعام ولما سعى للزوجة .. وقد لاحظ جمع من العلماء – من بينهم الإمام ابن القيم في كتابه << الداء والدواء >> - أن الأمور التي لها دوافع طبعية مغروسة في أعماق النفس الإنسانية اكتفى الشارع بشرعها ، ولم يقم الدواعي إلى فعلها اكتفاء بالدوافع الداخلية ، فهي وحدها كافية في الإلحاح على صاحبها كي ينال مراده منها، ولو قدّر أن بعض الناس أراد أن يعمل على تقويض مطلوبات النفوس وتحريمها ، اكالزواج والطيبات من الطعام .. فإن الشارع يمقت فعلها هذا ، ويعده جريمة نكراء .


أما الأفعال التي تكرهها النفوس وتنفر منها ، والشارع يريد من الإنسان تحقيقها والقيام بها ، فإن الشارع يحدث لها من الدواعي بمقدار كراهيتها لها ، ونفارها منها ، ويكفي أن نعود إلى كتب الترغيب والترهيب ، لنعلم ما أعدّه الله للذين يؤدون الواجبات ، ويكثرون من المستحبات من أجر عظيم ، وجزاء كريم ، عندما تسمع به القلوب وتعيه فإنه يستهويها ، ويملك عليها أمرها ، فلا تملك إلا أن تندفع إلى تحقيق ما طلب منها .


والناظر في سير الصالحين من هذه الأمة يعجب من صبرهم علىالبأساء والضراء ، وبذل أنفسهم في سبيل الله ، ولا يرهبون الردى ، ولا يقيمون وزنا لما يصيبهم من آلام .

يعجب الناظر من صبرهم على السهر الطويل يصلون ويستغفرون ، ومن بذلهم الكثير والقليل ، ولا يطلبون جزاء ولا شكورا ، ومن امتناعهم عن محبوبات النفوس صائمين في شهور الحرّ ذات النهار الطويل ، وما ذلك إلا لأنهم علموا عن الله وعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما جعل الله لمن استقام على شرعه ، فلميجدوا سبيلا إلا في القيام بما أراد الله منهم مريدين نيل وعد الله .


ولقد رأينا الشارع يزيد من الدواعي والترغيب بما يوازي الدواعي الكبيرة التي تدعو إليها النفس والشيطان ، بحيث يمنع النفس الأمارة بالسوء ، والشيطان الذي يحسّن القبائح والباطل للإنسان ، من السيطرة علىقلب الإنسان وعقله بحيث تكون الغلبة لهما .


فالأعمال التي تنفر منها النفوس ، ويشق القيام بها عند بني البشر ، يقيم لها الله تعالى الدواعي التي تجعلها خفيفة على النفوس ، تسعى إليها عن رضا وطواعية .


وهذا المنهج واضح لمن استقرأ الكتاب والسنة ، ولذلك وصف الله كتابه بالتبشير والإنذار : {{ قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا }}


ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بهاتين الصفتين : {{ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا }}


ويتضح منهج الإمام ابن القيم عندما يحلل ويشرح طبيعة الإرادة الإنسانية ، إذ لا عذر للمرء في اختيار الردائل ومكابدة آلام الخطايا حيث الأسف والندم لأن الإرادة صالحة للضدين ، فاختيار أحد الطريقين على الآخر من مسؤوليته ، ويتم بحريته ، فالعبد هو المستجيب المريد الفاعل حقيقة إذ لا سلطان لأحد على إرادته الحرة المختارة ، وآية ذلك أيضا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : {{ بعثت داعيا ومبلغا وليس لي من الهداية شيء ، وبعث إبليس مزينا ومغويا ، وليس إليه من الضلالة شيء }} .



ويظل الإنسان طوال حياته – مع الكفاح في تقوية الإرادة الخيرة وإضعاف الإرادة الشريرة مؤملا في غفران الله تعالى ، مستغفرا من ذنوبه ، عائدا إلى الله تائبا نادما مصمما على الكف عما يغضبه يحدوه الأمل والرجاء . فقد كان عمر رضي الله عنه مع منزلته في الصحبة والإيمان والعدل ومكارم الأخلاق يقول في دعائه : {{ اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت }}



وتنبني نظرية ابن القيم في الأخلاق والتربية على قسمين :

أحدهما علمي : وهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال ، وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص .

الثاني عملي : إي العزيمة الصادقة والهمة العالية والنخوة والمروؤة الإنسانية ، وبذلك يكون مصارعة باعث العقل والدّين لباعث الهوى والنفس .


وبهذا يكون ابن القيم صاحب نظرية لعلاج أمراض النفوس ، وأهمها عنايته لطرق علاج داء الشهوات المحرمة الذي يصبح هيّنا سهلا إذا ما اتبع الإنسان طرق العلاج الآتية :

الأول : أن ينظر مادة قوة الشهوة فيجدها من الأغدية المحركة للشهوة فيقللها أو يمتنع عن تناولها فإذا لم تنحسم فعليه بالصوم فإنه يضعفها ويكسر حدتها .

الثاني : أن يجتنب محرك الطلب وهو النظر ، ففي الحديث : {{ النظر سهم من سهام إبليس }} فإن نصبت قلبك غرضا فيوشك أن يقتله سهم من تلك السهام المسمومة .

الثالث : تسلية النفس بالمباح المعوض عن الحرام .

الرابع : التفكر في المفاسد الدنيوية المتوقعة من قضاء هذا الوطر .


وبذلك أوضح ابن القيم ضرورة تكامل جوانب الشخصية الأخلاقية ، ونظرته للتشريع الأخلاقي في الإسلام و تكامل في الجوانب الثلاثة وهي الجسد والعقل والروح ، ولكل جانب منها ضوابط تجعله يتكامل مع غيره من الجوانب ليكون الإنسان الرشيد .


رحم الله الإمام ابن القيم وعلماء المسلمين على ما قدموا للإسلام والمسلمين.
وأخيرا .. فإنا نسأل الرحمن مغفرة ، وأن يعفينا من كل سوء وتقصير .. آمين.


وكتبه
محمد محمد عامر
ماجستير في العقيدة والفلسفة الإسلامية
في كلية دار العلوم




ملاحظة : هذه الصفحة >>> الجواب الكافي (مشروع قراءة ) مخصصة للمدارسة ووضع الإجابات فقط ..

*
*
*
*
*



توقيع أمة الخبير
*
*
*


إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله

*
*
*



التعديل الأخير تم بواسطة أمة الخبير ; 14-07-07 الساعة 07:19 PM
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 15-07-07, 11:03 AM   #2
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة الثانية



الأحد 15/07/2007


سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية رضي الله عنه ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها وما السلام إلى كشفها فرحم الله من أعان مبتلى والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين

فكتب الشيخ رضي الله عنه تحت السؤال الجواب :

الحمد لله أما بعد :

فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {{ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء }} .

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال : {{رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله }} .

وفي مسند الامام أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{{إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله }} ، وفي لفظ : {{ إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا ، قالوا يا رسول الله ما هو قال الهرم }} .قال الترمذي : هذا حديث صحيح .


دواء العي السؤال :

وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء .

فروى أبو داوود في سننه من حديث جابر ابن عبد الله قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأله أصحابه فقال الشياطين تجدون لي رخصة في التيمم ، قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء . فاغتسلَ فمات . فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال {{ قتلوه قتلهم الله إلا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه بخرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده }} . فأخبر أن الجهل داء ، وأن شفاءه السؤال .



القرآن شفاء :

وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال الله تعالى : {{ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء }} . فصلت44
وقال : {{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }} الإسراء .

و’’من’’ هنا لبيان الجنس لا للتبعيض : فإن القرآن كله شفاء ، كما قال في الآية الأخرى فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء .
فاتوهم فقالوا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم شيء
فقال بعضهم نعم والله إني لأرقى ولكن والله استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال. فانطلق يمشي وما به قلبة فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه .
فقال بعضهم إقتسموا فقال الذي رقا لا نفعل حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر بما يأمرنا .
فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال : {{وما يدريك إنها رقية ؟ }} ثم قال : {{ قد أصبتم اقتسموا وأضربوا لى معكم سهما }} .

فقد أثر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله حتى كأن لم يكن وهو أسهل دواء وأيسره ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأي لها تأثيرا عجيبا في الشفاء .

ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة . فأري لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما وكان كثير منهم يبرأ سريعا .

ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له ، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقا بها هي في نفسها نافعة شافية . ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره ، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء ، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره .
فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول وكذلك القلب إذا أخذ الرقاء والتعاويذ بقبول تام وكان للراقى نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء .


الدعاء يدفع المكروه :

وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا وإما لحصول المانع من الاجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها .

كما في ’’ مستدرك الحاكم’’ من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {{أدعو الله وأنتم موقنون بالاجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه }} .فهذا دواءنا نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها .
كما في ’’صحيح مسلم ’’ من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ أيها الناس إن الله طيب لايقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم )) المؤمنون 51 . وقال : (( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم )) البقرة 172 ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء يارب يارب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟! }}

وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه : أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا مخرجا فأوحى الله عز وجل الى نبيهم أن أخبرهم إنكم تخرجون الى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون الي أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام ، الآن حين اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلابعدا .

وقال ابو ذر يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفى الطعام من الملح .



ملاحظة : هذه الصفحة : >>> الجواب الكافي (مشروع قراءة ) مخصصة للمدارسة ووضع الإجابات فقط ..

*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 16-07-07, 12:59 PM   #3
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة الثالثة

الإثنين 16/07/2007



الدعاء من أنفع الأدوية

والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ، ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض}} .



للدعاء مع البلاء مقمات :

وله مع البلاء ثلاث مقامات :

أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .

الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا .

الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .


وقد روي الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان الى يوم القيامة }}.

وفيه أيضا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {{ الدعاء ينفع بما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء }} .

وفيه أيضا من حديث ثوبان عن النبي -صلى الله عليه وسلم : {{ لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه }} .



فصل


الإلحاح في الدعاء :

ومن أنفع الأدوية : الإلحاح فى الدعاء
وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ من لم يسئل الله يغضب عليه }} .

وفي ’’صحيح الحاكم ’’ من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : {{ لاتعجزوا فى الدعاء فإنه لايهلك مع الدعاء أحد }} .

وذكر الاوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{{ إن الله يحب الملحين فى الدعاء }} .

وفى كتاب الزهد للامام أحمد عن قتادة قال : قال مورق : ( ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجل في البحر على خشبة ، فهو يدعو يا رب يا رب ، لعل الله عز وجل أن ينجيه ) .



فصل


من آفات الدعاء

ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه : أن يستعجل العبد ويستبطئ الاجابة ، فيستحسر ويدع الدعاء ، وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا ، فجعل يتعاهده ويسقيه ، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله .

وفى ’’ صحيح البخاري ’’ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {{ يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي }} .

وفي ’’ صحيح مسلم ’’ عنه : {{ لايزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل }} ،قيل : يا رسول الله ما الإستعجال ؟؟ قال : {{ يقول قد دعوت وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لى ، فيستحسر عند ذاك ويدع الدعاء }} .

وفي ’’ مسند أحمد ’’ من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ لايزال العبد بخير ما لم يستعجل }} قالوا : يا رسول الله كيف يستعجل ؟؟ قال : {{ يقول قد دعوت لربي فلم يستجب لي }} .




فصل


أوقات الإجابة :

وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف وقتا من أوقات الاجابة الستة - وهي : الثلث الاخير من الليل ، وعند الأذان ، وبين الأذان والاقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم ، وآخر ساعة بعد العصر .
وصادف خشوعا في القلب ، وانكسارا بين يدي الرب ،وذلا له وتضرعا ورقة . واستقبل الداعي القبلة . وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله تعالى ، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله ، وألح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدم بين يدي دعائه صدقة : فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة ، أو أنها متضمنة للأسم الأعظم .



أدعية مأثورة :

فمنها : ما في ’’السنن’’ وفي ’’صحيح بن حبان’’ من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : {{ اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد }} فقال : {{ لقد سأل الله بالإسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعى به أجاب }} ، وفي لفظ : {{ لقد سألت الله باسمه الأعظم }} .

وفي ’’السنن’’ و’’صحيح بن حبان’’ أيضا من حديث أنس بن مالك : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ، ثم دعا فقال : {{ اللهم إني أسالك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض : يا ذا الجلال والإكرام ، يا حى يا قيوم ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {{ لقد دعا الله باسمه العظيم ، الذي إذا دعى به أجاب ، وإذا سئل به أعطى }} . أخرج الحديثين الإمام أحمد فى ’’مسنده’’

وفى ’’جامع الترمذي’’ من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إسم الله الاعظم في هاتين الآيتين : {{ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم }} البقرة 163 . وفاتحة آل عمران : {{ آلم . الله لا إله إلا هو الحي القيوم }} . قال الترمذي : هذا حديث صحيح .

وفى ’’مسند ولإمام أحمد’’ و’’صحيح الحاكم’’ من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {{ ألظوا بيا ذا الجلال والاكرام }} ، يعنى تعلقوا والزموها وداوموا عليها .

وفي ’’جامع الترمذي’’ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه الى السماء ، وإذا اجتهد في الدعاء قال : {{ يا حى يا قيوم }} .

وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال : {{ يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث }} .

وفى ’’صحيح الحاكم’’ من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {{ اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن : البقرة ، وآل عمران ، وطه }} قال القاسم : فالتمستها فاذا هي آية (الحي القيوم )

وفي ’’جامع الترمذي’’ و’’صحيح الحاكم’’ من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( دعوة ذي النون ، إذ دعا وهو في بطن الحوت : {{ لا إله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين }} الأنبياء 87 ، إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له )) قال الترمذي: حديث صحيح .

وفى ’’ مستدرك الحاكم’’ أيضا من حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم : {{ ألا أخبركم بشىء إذا نزل برجل منكم أمرمهم ، فدعا به يفرج الله عنه ؟ دعاء ذي النون }} .

وفي ’’صحيحه’’ أيضا عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : (( هل أدلكم على اسم الله الاعظم دعاء ؟ دعاء يونس )) قال رجل : يا رسول الله ، هل كان ليونس خاصة ؟ فقال : (( ألا تسمع قوله تعالى : {{ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجيني المؤمنين }} الأنبياء 88 ، فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطى أجر شهيد ، وإن برئ برئ مغفور له ))

وفي ’’الصحيحين’’ من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : {{ لا إله الا الله العظيم الحليم ، لا إله الا الله رب العرش العظيم ، لا إله الا الله رب السموات والأرض و رب العرش الكريم }} .

وفى ’’مسند الامام أحمد’’ من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول : {{ لا إله الا الله الحليم الكريم ، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين }} .

وفي ’’مسنده’’ أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحا }} فقيل : يا رسول الله ، ألا نتعلمها ؟ قال : {{ بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها }} .

قال ابن مسعود : ( ما كرب نبي من الانبياء الا استغاث بالتسبيح ) .

وذكرا ابن أبي الدنيا في ’’ كتاب المجانين’’ و في ’’الدعاء’’ عن الحسن قال : ( كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الانصار يكنى أبا معلق ، وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ، يضرب به في الآفاق ، وكان ناسكا ورعا فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك ، قال : ما تريد من دمي ؟ شأنك بالمال . قال : أما المال فلي ولست أريد إلا دمك ، قال : أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات ، قال : صلِّ ما بدا لك ، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه فى آخر سجوده أن قال : ** يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المجيد يا فعالا لما تريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، وبملكك الذي لايضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك : أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيت اغثني يا مغيث اغثني يا مغيث اغثني - ثلاث مرات - فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه ، فلما بصر به اللص أقبل نحوه ، فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه فقال : قم ، فقال : من أنت بأبي أنت وأمي ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم ، فقال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة - دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة . ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب ، فسألت الله ان يوليني قتله .

قال الحسن : ( فمن توضئ وصلى أربع ركعات ، ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب ) .



فصل


ظروف الدعاء

وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم ، فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حسنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته ، أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك ، فاجيبت دعوته ، فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء ، فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي !

وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي استعماله على الوجه الذي ينبغي ، فانتفع به ، فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب ، كان غالطا ، وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس .

ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل أن السر للقبر ، ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجاء إلى الله . فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب الى الله .



فصل


شروط الدعاء المستجاب :

والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح ، والسلاح بضاربه ، لا بحده فقط ، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به ، والساعد ساعد قوي ، والمانع مفقود ، حصلت النكاية في العدو . ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير ، فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح ، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء ، أو كان ثم مانع من الاجابة لم يحصل الأثر.


ملاحظة : هذه الصفحة : >>> الجواب الكافي (مشروع قراءة ) مخصصة للمدارسة ووضع الإجابات فقط ..


*
*

التعديل الأخير تم بواسطة أمة الخبير ; 22-07-07 الساعة 07:22 PM
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 17-07-07, 03:46 PM   #4
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة الرابعة

الثلاثاء 17/07/2007


فصل


الدعاء والقدر

وههنا سؤال مشهور وهو أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه ، دعا به العبد أو لم يدع . وإن لم يكن قد قُدِّر لم يقع ، سواء سأله العبد أو لم يسأله .


فظنت طائفة صحة هذا السؤال ، فتركت الدعاء ، وقالت :لا فائدة فيه ، وهؤلاء ، -مع فرط جهلهم وضلالهم - متناقضون ، فأن طرد مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب !


فيقال لأحدهم : إن كان الشبع والريّ قد قدرا لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل ، وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل .

وإن كان الولد قدر لك فلابد منه ، وطأت الزوجة والأمة أو لم تطأها ، وإن لم يقدر ذلك لم يكن ، فلا حاجة الى التزوج والتسري ، وهلم جرا

فهل يقال هذا عاقل أو آدمي ؟ بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته ، فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاءالذين هم كالانعام ، بل هم أضل سبيلا .


وتكايس بعضهم ، وقال : الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي ، من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما ! ولا فرق عند هذا المتكيس بين الدعاء والإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب . وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ، ولا فرق .


وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء : بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه وتعالى أمارة على قضاء الحاجة ، فمتى وفق الله العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت ، وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء فإن ذلك دليل وعلامة على أنه مطر .


قالوا : وهكذا حكم الطاعات مع الثواب والكفر والمعاصي مع العقاب ، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب ، لأنها أسباب له .

وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار ، والحرق مع الاحراق ، والازهاق ومع القتل ، ليس شيء من ذلك سببا ألبتة ، ولا إرتباط بينه وبين ما يترتب عليه ، إلا مجرد الاقتران العادي ، لا التأثير السببي ، وخالفوا بذلك الحس والعقل والشرع والفطرة ، وسائر طوائف العقلاء ، بل أضحكوا عليهم العقلاء .



والصواب : أن ههنا قسما ثالثا ، غير ما ذكره السائل ، وهو أن هذا المقدور قدِّر بأسباب ، ومن أسبابه الدعاء ، فلم يقدر مجردا عن سببه ، ولكن قُدِّر سببه ، فمتى أتي العبد بالسبب وقع المقدور ، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور ، وهذا كما قدر الشبع والريّ بالاكل والشرب ، وقدر الولد بالوطيء ، وقدر حصول الزرع بالبذر ، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك قدر دخول الجنة بالاعمال ، ودخول النار بالاعمال .
وهذا القسم هو الحق وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له .



الدعاء من أقوى الأسباب :

وحينئذ فالدعاء من أقوى الاسباب ، فاذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال : لا فائدة في الدعاء ، كما لا يقال لا فائدة في الاكل والشرب وجميع الحركات والاعمال ، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب .

عمر يستنصر بالدعاء :

ولما كان الصحابة رضى الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - وأفقههم في دينه ، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم .
وكان عمر رضى الله عنه يستنصر به على عدوه ، وكان أعظم جنديه ، وكان يقول للصحابه : (( لستم تنصرون بكثرة ، وإنما تنصرون من السماء )) . وكان يقول : (( إني لا أحمل همّ الاجابة ولكن همّ الدعاء فاذا ألهمتم الدعاء فإن الاجابة معه )) .


وأخذ هذا الشاعر فنظمه فقال

لو لم ترد نيل ما أرجوه وأطلبه * * من جود كفيك ما عودتني الطلبا


فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الاجابة ، فإن الله سبحانه يقول : {{ادعوني أستجب لكم }} غافر 60 .

وقال : {{ وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع أذا دعان }} البقرة 186 .

وفى ’’سنن ابن ماجه’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ من لم يسأل الله يغضب عليه }} .


وهذا يدل على أن رضاءه في سؤاله وطاعته ، وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير فى رضاه ، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه .

وقد ذكر الإمام أحمد ’’في كتاب الزهد’’ أثرا : (( أنا الله لا إله إلا أنا ، إذا رضيت باركت ، وليس لبركتي منتهى وإذا غضبت لعنت ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد )) .

وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم - على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها - على أن التقرب إلى رب العالمين ، وطلب مرضاته ، والبر والاحسان الى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير ، وأضدادها من أكبر الاسباب الجالبة لكل شر ، فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمته بمثل طاعته والتقرب إليه ، والإحسان إلى خلقه .



ارتباط الخير والشر بالعمل :

وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الاعمال ، ترتب الجزاء على الشرط ، والمعلول على العلة والمسبب على السبب ، وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع :

فتارة : يرتب الحكم الخبري الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له ، كقوله تعالى : {{ فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين }} الأعراف 166 ، وقوله : {{ فلما آسفونا انتقمنا منهم }} الزخرف 55 ، وقوله : {{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا }} المائدة 38 ، وقوله : {{إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين و المؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما }} الأحزاب 35 .وهذا كثير جدا .

وتارة : يرتبه عليه بصيغة الشرط والجزاء كقوله تعالى : {{ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيآتكم ويغفر لكم }} الأنفال 29 ، وقوله تعالى : {{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين }} التوبة 11 ، وقوله : {{ وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا }} الجن 16 . ونظائره .


وتارة : يأتي بـ ’’لام التعليل’’ كقوله : {{ ليتدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب }} ص 29 . وقوله : {{ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }} البقرة 143 .


وتارة : يأتي بأداة ’’كي’’ التي للتعليل ، كقوله تعالى : {{ كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم }} الحشر 7 .

وتارة : يأتي بـ ’’باء السببية’’ كقوله تعالى : {{ ذلك بما قدمت أيديكم }} آل عمران 181 . وقوله : {{بما كنتم تعملون }} المائدة105 . وقوله : {{ وبما كنتم تكسبون }}، وقوله : {{ ذلك بأنهم كفروا بآيات الله }} آل عمران 112.


وتارة : يأتي بالمفعول لأجله ظاهرا أو محذوفا ، كقوله تعالى : {{ فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى }} البقرة 282 . وكقوله تعالى : {{ أن تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين }} الأعراف 172 . وقوله : {{ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا }} الأنعام 156 .أي كراهة أن تقولوا .


وتارة : يأتي بـ ’’فاء السببية’’ كقوله : {{ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها }} الشمس14. وقوله : {{ فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية }} الحاقة10. وقوله: {{ فكذبوهما فكانوا من المهلكين }} المؤمنون 48.ونظائره.


وتارة : يأتي بأداة ’’لما’’ الدالة على الجزاء كقوله : {{ فلما آسفونا انتقمنا منهم }} الزخرف55. ونظائره .


وتارة : يأتي بـ ’’إن’’ وما عملت فيه كقوله : {{ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات }} الأنبياء90، وقوله فى ضد هؤلاء : {{ إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين }} الأنبياء77.


وتارة : يأتي بأداة ’’لولا’’ الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها كقوله : {{ فلولا أنه كان من المسبحين للبث وفي بطنه الى يوم يبعثون }} الصافات 143-144 .


وتارة : يأتي بـ ’’لو’’ الدالة على الشرط كقوله : {{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم }} النساء 66 .



وبالجملة : فالقرآن من أوله الى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر والاحكام الكونية والامرية على الاسباب ، بل ترتيب احكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الاسباب والاعمال .


ومن تفقه في هذه المسألة وتأملها حق التأمل انتفع بها غاية النفع ، ولم يتكل على القدر جهلا منه وعجزا ، وتفريطا وإضاعة ، فيكون توكله عجزا ، وعجزه توكلا ، بل الفقيه كل الفقه الذي يرد القدر بالقدر ، ويدفع القدر بالقدر ، ويعارض القدر بالقدر ، بل لا يمكن الانسان أن يعيش إلا بذلك ، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر .

والخلق كلهم ساعون في دفع القدر بالقدر .

وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده يدفع قدر العقوبة الاخروية بقدر التوبة والايمان والاعمال الصالحة ، فهذا وزن المخوف في الدنيا وما يضاده سواء ، فرب الدارين واحد ، وحكمته واحدة ، لا يناقض بعضها بعضا ، ولا يبطل بعضها بعضا ، فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها ، ورعاها حق رعايتها ، والله المستعان .


ملاحظة : هذه الصفحة : >>> الجواب الكافي (مشروع قراءة ) مخصصة للمدارسة ووضع الإجابات فقط ..

*
*

التعديل الأخير تم بواسطة أمة الخبير ; 18-07-07 الساعة 01:57 PM
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 18-07-07, 01:56 PM   #5
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة الخامسة

الأربعاء 18/07/2007



لكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادته وفلاحه :

أحدهما :

أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ، ويكون له بصيرة في ذلك بما يشاهده في العالم ، وما جربه في نفسه وغيره ، وما سمعه من أخبار الامم قديما وحديثا .

ومن أنفع ما في ذلك تدبر القرآن ، فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه . وفيه أسباب الخير والشر جميعا مفصلة مبينة ، ثم السنة ، فإنها شقيقة القرآن ، وهي الوحي الثاني .
ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما من غيرهما ، وهما يريانك الخير والشر وأسبابهما ، حتى كأنك تعاين ذلك عيانا ، وبعد ذلك إذا تأملت أخبار الامم وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة ، ورأيته بتفاصيل ما أخبر الله به ووعد به ، وعلمت من آياته في الآفاق ما يدلك على أن القرآن حق ، وأن الرسول حق وأن الله ينجز وعده لا محالة ، فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرفنا الله ورسوله من الأسباب الكلية للخير والشر .


فصل


الأمر الثاني :

أن يحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب ، وهذا من أهم الأمور ، فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا بد ، ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة ، وبالتسويف بالتوبة وبالاستغفار باللسان تارة ، وبفعل المندوبات تارة ، وبالعلم تارة ، وبالاحتجاج بالقدر تارة ، وبالاحتجاج بالاشباه والنظراء تارة ، وبالاقتداء بالأكابر تارة أخرى .


كثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : ’’أستغفر الله ’’ ، زال أثر الذنب ، وراح هذا بهذا وقال لي رجل من المنتسبين الى الفقه : أنا أفعل ما أفعل ثم أقول سبحان الله وبحمده مائة مرة ، وقد غفر ذلك أجمعه ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {{ من قال في يوم : سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر }} .
وقال لي آخر من أهل مكة : نحن إذا فعل أحدنا ما فعل ، ثم اغتسل وطاف بالبيت أسبوعا قد مُحي عنه ذلك .
وقال لي آخر : قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {{ أذنب عبد ذنبا ، فقال : أي رب : أصبت ذنبا فاغفر لي ، فغفر الله ذنبه ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أذنب ذنبا آخر فقال : أي رب : أصبت ذنبا فاغفر لي ، فقال الله عز وجل ، علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ، فليصنع ما شاء }} . قال : أنا لا أشك أن لي ربا يغفر الذنب ويأخذ به .

وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء ، واتكل عليها ، وتعلق بها بكلتا يديه ، واذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغرته ونصوص الرجاء ! وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب ، كقول بعضهم :

وكثِّر ما استطعت من الخطايا *** إذا كان القدوم على كريم

وقول الآخر : التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله .

وقال الآخر : ترك الذنوب جراءة على مغفرة الله واستصغار.

وقال محمد بن حزم : رأيت بعض هؤلاء من يقول في دعائه : اللهم اني أعوذ بك من العصمة .


التعلق بالجبر :

ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبر، وأن العبد لا فعل له البتة ولا إختيار ، وإنما هو مجبور على فعل المعاصي .


التعلق بالإرجاء :

ومن هؤلاء من يغتر بمسألة الإ رجاء ، وأن الايمان هو مجرد التصديق ، والاعمال ليست من الايمان ، وأن ايمان أفسق الناس كايمان جبريل وميكائيل .


الخطأ في الحب :

ومن هؤلاء من يغتر بمحبة الفقراء والمشايخ والصالحين ، وكثرة التردد إلي قبورهم والتضرع إليهم ، والاستشفاع بهم ، والتوسل الى الله بهم ، وسؤاله بحقهم عليه ، وحرمتهم عنده .

ومنهم من يغتر بآبائه وأسلافه ، وأن لهم عند الله مكانة وصلاحا ، فلا يدعوه أن يخلصوه كما يشاهد في حضرة الملوك ، فإن الملوك تهب لخواصهم ذنوب أبنائهم وأقاربهم ، وإذا وقع أحد منهم في أمر مفظع خلصه أبوه وجده بجاهه ومنزلته .


الإغترار بالله :

ومنهم من يغتر بان الله عز وجل غني عن عذابه ، وعذابه لايزيد في ملكه شيئا ورحمته له لاينقص من ملكه شيئا ، فيقول : أنا مضطر إلى رحمته وهو أغني الاغنياء . ولو أن فقيرا مسكينا مضطرا الى شربة ماء عند من في داره شط يجري لما منعه منها ، فالله أكرم وأوسع ، والمغفرة لاتنقصه شيئا والعقوبة لاتزيد في ملكه شيئا .


الإغترار بالفهم الفاسد للقرآن والسنة :

ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة ، فاتكلوا عليه .

كاتكال بعضهم على قوله تعالى : {{ ولسوف يعطيك ربك فترضى }} الضحى5. ، وهو لايرضى أن يكون في النار أحد من أمته ، وهذا من أقبح الجهل ، وأبين الكذب عليه ، فانه يرضى بما يرضى به ربه عز وجل ، والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر ، فحاشا رسوله أن يرضى بما لايرضى به ربه تبارك وتعالى .

وكاتكال بعضهم على قوله تعالى : {{ ان الله يغفر الذنوب جميعا }} الزمر53. وهذا أيضا من أقبح الجهل ، فان الشرك داخل في هذه الآية ، فانه رأس الذنوب وأساسها ، ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين ، فانه يغفر ذنب كل تائب أي ذنب كان ، ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها ، وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة .

وهذا إنما أتى صاحبه من قلة علمه وفهمه ، فانه سبحانه ههنا عمم وأطلق ، فعلم أنه أراد التائبين . وفي سورة النساء خصص وقيد فقال : {{ إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }} النساء48. فاخبر الله سبحانه أنه لايغفر الشرك ، وأخبر أنه يغفر ما دونه ، ولو كان هذا في حق التائب لم راحم بين الشرك وغيره .

وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى : {{ يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم }} الإنفطار6 ، فيقول : كرمه ، وقد يقول بعضهم : إنه لقن المغتر حجته ! وهذا جهل قبيح ، وإنما غره بربه الغرور - وهو الشيطان - ونفسه الأمارة بالسوء وجهله وهواه ، وأتى سبحانه بلفظ : ’’الكريم’’ وهو السيد العظيم المطاع الذي لاينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه ، فوضع هذا المغتر الغرور فى غير موضعه ، واغتر بمن لاينبغي الاغترار به .

وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار : {{ لايصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى }} الليل15-16 ، وقوله : {{ أعدت للكافرين }} البقرة24 ، ولم يدر هذا المغتر ان قوله : {{ فأنذرتكم نارا تلظى }} الليل14 هي النار مخصوصة من جملة دركات جهنم ، ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لايدخلها ، بل قال : {{ لايصلاها الا الاشقى }} ولا يلزم من عدم صليها عدم دخولها ، فان الصلي أخص من الدخول ونفي الاخص لا يستلزم نفي الأعم .

ثم هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها ، فلا يكون مضمونا له ان يجنبها .

وأما قوله في النار : {{ أعدت للكافرين }} فقد قال في الجنة : {{ أعدت للمتقين }} ، ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان ، ولم يعمل خيرا قط .


وكأغترار بعضهم بالإعتماد على صوم يوم عاشوراء ، أو يوم عرفة ، حتي يقول بعضهم : صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ، ويبقى صوم عرفة زيادة في الاجر .
ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء ، وهي إنما تكفر ما بينهما اذا اجتنبت الكبائر .
فرمضان والجمعة الى الجمعة ، لايقويا على تكفير الصغائر الا مع انضمام ترك الكبائر اليها ، فيقوي مجموع الامرين على تكفير الصغائر .
فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها ، غير تائب منها ؟هذا محال ، على أنه لايمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه ، وتكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ، ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير ، فاذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الاصرار ، وتعاونا على عموم التكفير ، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال : {{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم }} النساء31 .

فعلم أن جعل الشىء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ، ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما . وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل.


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 19-07-07, 04:30 PM   #6
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة السادسة

19/07/2007




حسن الظن بالله


وكاتكال بعضهم على قوله - صلى الله عليه وسلم - حاكيا عن ربه : {{ أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء }} ، يعني ما كان في ظنه فإني فاعله ، ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الاحسان ،فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ، ويقبل توبته .

وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ، وهذا موجود فى الشاهد ، فإن العبد الآبق الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ، ولا يجامع وحشة الاساءة إحسان الظن ابدا ، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته ، وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له ، كما قال الحسن البصري : (( إن المؤمن أحسن الظن بربه فاحسن العمل ، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل )) .

فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه ، حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه ، وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه ؟؟ وكيف يحسن الظن بربه من بارزه بالمحاربة ، وعادى أولياءه ووالى أعداءه وجحد صفات له ، و أساء الظن بما وصف به نفسه ووصفه به رسله - صلى الله عليه وسلم - وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر وكيف يحسن الظن بمن يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب ؟!!

وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات ، وهو السر من القول : {{ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أراداكم فأصبحتم من الخاسرين }} فصلت23. فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا اساءة لظنهم بربهم ، فأرداهم ذلك الظن ، وهذا شأن كل من جحد صفات كماله ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به ، فإذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه ، وتسويلا من الشيطان ، لا إحسان ظن بربه .

فتأمل هذا الموضوع ، وتأمل شدة الحاجة اليه ، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاقي الله وأن الله يسمع ويري مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عليه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ، ومسئول عن كل ما عمل ، وهومقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به ، وهل هذا إلا من خداع النفوس ، وغرور الأماني ؟!!

وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها ، فقالت : لو رأيتما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض له ، وكانت عنده ستة دنانير أو سبعة ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أفرقها ، فشغلني وجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عافاه الله ، ثم سألني عنها ، فقال : {{ ما فعلت ؟ أكنت فرقت الستة الدنانير ؟ }} فقلت : لا والله ، لقد شغلني وجعك ، قالت : فدعا بها فوضعها في كفه ، فقال : {{ ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده }} وفي لفظ : {{ ما ظن محمد بربه لو لقى الله وهذه عنده }}

فيالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم ؟ فإن كان ينفعهم قولهم : حسنا ظنوننا بك إنك لن تعذب ظالما ولا فاسقا ، فليصنع العبد ما شاء ، وليرتكب كل ما نهاه الله عنه ، وليحسن ظنه بالله ، فإن النار لا تمسه ، فسبحان الله ؟! ما يبلغ الغرور بالعبد ، وقد قال ابراهيم لقومه : {{أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين }} الصافات 86-87 .أي : ما ظنكم به أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره .




حسن الظن هو حسن العمل :


ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقلها منه ، فالذي حمله على العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله ، وإلا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز ، كما في حديث الترمذي و’’المسند’’ من حديث شداد ابن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {{ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله }}

وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، أما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن .



الفرق بين حسن الظن والغرور :


فإن قيل بل يتأتى ذلك ، ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته ، وعفوه ، وجوده ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو . قيل الأمر هكذا ، والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به ، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة ، والعزة والانتقام ، وشدة البطش ، وعقوبة من يستحق العقوبة ، فلو كان مُعَوَّلُ حُسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر ، ووليه وعدوه ، فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه ، وتعرض للعنته ، ووقع في محارمه ، وانتهك حرماته ، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ، ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن ، والأول غرور . والله المستعان .

ولا تستطل هذا الفصل ، فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به قال الله تعالى : {{ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله }} البقرة 218 .فجعل هؤلاء أهل الرجاء ، لا البطالين والفاسقين .

وقال تعالى : {{ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم }} النحل 110 ، فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها .

فالعالم يضع الرجاء مواضعه ، والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه .


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .