العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > مدارسة تفسير السعدي

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-07-08, 12:58 AM   #1
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
w \\تفريغ دروس التفسير الصوتية للإستاذة عطاء الخير \\

الدرس الأول

تفسير سورة الفاتحة


الجزء الأول



بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المجحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , صلى الله عليه وسلم أما بعد :



يطيب لي يا أحبة أن ألتقيكم على مائدة التفسير , وعمدتنا في ذلك كتاب تفسير السعدي وسيكون منهجنا :


دراسة تفسير سورة الفاتحة ثم جزء عمَّ ثم نبدأ بتفسير سورة البقرة ثم نكمل وهكذا ....


وذلك رغبة في فهم معنى آيات الفاتحة وسور جزء عمّ َ لأننا نحتاج إلى فهم بعض الأمور فيها خصوصا أننا نقرأ منها في الصلاة , قد تكون هناك معلومات أخرى تضاف إلى كتاب تفسير السعدي من تفسير ابن كثير أو تفسير الشيخ ابن عثيمين لجزء عمَّ والفاتحة أو تفسير ابن القيم أو غيرها من التفاسير التي أضافت من اللطائف التي من الممكن أن نستأنس بها أثناء دراستنا .


فأرجو تجديد النية في حضور المجلس ويكون لدينا الجد والاجتهاد حتى يترتب على هذا التدبر للقرآن العمل به , فهذا الكتاب ما أنزله الله تعالى إلا للتدبر ثم هذا التدبر وسيلة للعمل به


أسأل الله تعالى التوفيق ... و نبدأ على بركة الله بسورة الفاتحة .



يقول الله تعالى:


بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضَّالِّين *




بداية : سميت هذه السورة بالفاتحة لسبب:


يقول بعض العلماء لأن القرآن افتتح بها , وقد قيل أن هذه السورة أول سورة نزلت كاملة


ونريد أن نخرج من دراستنا لسورة الفاتحة بأن هذه السورة يجلّ قدرها في نفوسنا ,وإن كان كلام الله عز وجل عظيم وجليل في نفوسنا , ويكفي أنه كلام الرب عز وجل , ولكن سبحان الله بالنظر الى هذه السورة نجد أن فيها من الأسرار والأمور والدروس العظيمة التي نحتاجها , وعلينا أن نخرج بدروس كثيرة نستفيد منها .


قال العلماء أن هذه السورة تشمل على مجمل معان القرآن الكريم , أي الموضوعات التي يتحدث عنها القرآن بتنوع أساليبه :إما أن يأتي ذاكرا التوحيد ناقضا للشرك , وإما أن يأتي مبينا للأحكام , وإما أن يأتي مبينا للجزاء والحديث عن الآخرة


وهذه السورة سبحان الله تناولت واشتملت على مجمل معاني القرآن في التوحيد والأحكام والجزاء وطرق بني آدم : طريق المنعم عليهم وطريق المغضوب عليهم وطريق الضالين .


وسميت بأسماء كثيرة : الشافية – السبع المثاني – أم الكتاب – الكافية – الرقية (استنادا للحديث الذي ورد فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما أدراك أنها رقية ؟) الصلاة ( لأن الصلاة لا تصح إلا بها ) - أم القرآن (الأم هي المرجع وسميت الفاتحة بأم القرآن لأنها تناولت هذه المواضيع الثلاث : التوحيد والأحكام والأجزاء )



ولا شك يا أحبة أن تعدد الأسماء يأتي من وراءه فائدة ولعظمة هذا الشئ وأهميته , وهذا يلفت النظر إلى مزيد من العناية والاهتمام


مثلا وصف الآخرة بــ : القارعة والصاخة والطامة ويوم القيامة والساعة .... هذا يدل على عظم الشئ المسمى ويلفت النظر إلى أن نهتم أكثر


وكذلك القرآن وصف : النور والهدى والذكر ......مما دل ذلك على عظم هذا الكتاب ومكانته


إذن هذه السورة لها مكانة عظيمة وموضوعاتها دائرة على التوحيد والأحكام والجزاء و... وسنرى ذلك من خلال وقوفنا على آياتها .


هذه السورة لها مميزات تتميز بها عن غيرها :


** أن الصلاة لا تصح إلا بقراءتها ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فهي ركن في الصلاة


** أنها رقية إذا رقي بها الإنسان أذهب الله عنه ما بجد بحسب يقين العبد وقبول هذا المحل .فهي لها أثر عظيم وسبحان الله العظيم لو أدركنا المعاني الجليلة في هذه السورة لأدركنا لماذا عدت رقية ولماذا وصفت أنها الشافية وتكفي عن غيرها . فإذا وافقت راقيا موقنا ما غادرت هذا السقم حتى أثرت فيه فأزالته بتوفيق من الله عز وجل . لذلك الإنسان لما يرقي بهذه السورة يحتاج إلى حضور ويقين في قلبه عندما يقرأ بهذه الآيات العظيمة التي فيها من أوصاف الرب عز وجل صفات كثيرة


ونذكر هنا قصة الصحابي الذي طلب الضيافة من سيد القوم فرفضوا فمضى في طريقه , فلدغ السيد فجاء قومه يسألون ذلك الصحابي : لعل فيكم راقٍ ؟؟؟ فأتى الصحابي وقرأ عليه الفاتحة _فهو متأمل لهذه المعاني _ فبرأ السيد فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما أدراك أنها رقية ؟؟؟ فالرسول الكريم أقره على أن الفاتحة رقية .


وجميل أننا نطبق هذه السنة ونرقي أنفسنا بها ,تضع يدك على موضع الألم بيقين فتجد أثر ذلك , ولكن مشكلتنا أنه في تعاملنا مع آيات الكتاب أن اليقين عندنا ضعيف ونثق بالأسباب الحسية , وإن كانت مشروعة , (المسكنات ) ونعتبرها أرجى لنا من كتاب الله تعالى وهذا واقع ليس كلام نقوله , فلنعمق الصلة بالله تعالى ويكون يقيننا شديد ,فنحن نحدث بأشخاص يضع يده على موضع الألم فلا ينتهي بقراءة الفاتحة إلا وقد زال الألم وهذا لقوة اليقين وقبول المحل وقوة إيمان قلب هذا الراقي سبحان الله ,فكان أثرها عظيم على الموضع الذي يقرأ به .


والناس اليوم تركوا هذه السنة وابتدعوا أمور ما أنزل الله بها من سلطان في سورة الفاتحة , فجعلوا يقرؤون بها في الزواج وعلى روح الأموات ويختمون بها الدعاء ويقرؤونها في المناسبات ويبتدئون بها الخطب ..... وكلها أمور لم يأت بها رسول الله فإنه لم ينقل إلينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها على الأموات ولم يكن يزوج الصحابة بقراءة الفاتحة و..., فيجب علينا أن نترك هذه البدع المحدثة ونتبع السنة الصحيحة ونلزمها ,وإن كان هذا الأمر يعد عبادة ونرجو منها أجر , فالعبادات مبنية على التوقيف والإتباع , أي أنها موقوفة على دليل شرعي من الكتاب والسنة ولا نقول أنها بدعة حسنة وما شابه , مادام أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأت بها ولم يردنا نص من الكتاب ولا دليل في السنة ,إذن نقف حيث وقف القوم وما نقل إلينا , فلا نستدرك على النبي الكريم ولا نزيد على الشرع , ونكتفي بإحياء هذه السنة المهجورة بأن نرقي أنفسنا وأهلنا بالفاتحة , وترك هذه الأمور المحدثة .

يتبع >>>



توقيع إيمان مصطفى عمر

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:28 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
قديم 18-07-08, 01:01 AM   #2
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon188 تابع الدرس الأول

سورة الفاتحة مكية نزلت كاملة , ندخل في تفسيرها إن شاء الله ,


*بسم الله الرحمن الرحيم *


وقع خلاف بين العلماء في قضية البسملة , هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا ,يعني يفتتح بها في كل السور .ولكنهم متفقون على أنها آية من آيات سورة النمل ,ولكن النصوص ترجح على أنها ليست آية من السورة , وأظهر دليل في مثل هذا الأمر :


ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :


قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ,فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ,فال تعالى :حمدني عبدي ,وإذا قال: الرحمن الرحيم ,قال تعالى : أثنى علي عبدي ,وإذا قال :مالك يوم الدين ,قال تعالى : مجدني عبدي ,فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ,قال تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين , وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم ,قال تعالى :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .



بالنظر إلى هذا الحديث :


قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ,فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ,فال تعالى :حمدني عبدي ....


فإنه لم يقل بسم الله الرحمن الرحيم .. فلو كانت آية من السورة لقال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ......


ولكنه لم يقل . وكانت أول آية أتت في سياق الحديث هي الحمد لله رب العالمين , فدل ذلك على أن البسملة ليست آية من الفاتحة


وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر , فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين...


لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها , فدل ذلك على أن أول آية في الفاتحة هي الحمد لله رب العالمين ,وإن كان الخلاف موجود بين العلماء .



- تفسير قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم :


الباء :حرف جر , اسم : اسم مجرور ,والجار والمجرور متعلقان بمحذوف مقدر بلفظ الجلالة الله ولبدء الفعل , فكأنما القارئ لما يشرع بالقراءة ويقول بسم الله : فإنه يتبرك بكل اسم به تعالى , ويقول ذلك لما يابس أو يأكل أو أي فعل يقوم به يبدؤه بسم الله


إذن الفعل محذوف نقدره بقولنا : بسم الله أقرأ ... بسم الله ألبس ....وعندما نأتي بسم الله عند بداية كل فعل فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر توقيفي ويوجد في نصوص تأمرنا بفعل ذلك .


والفوائد المحصلة عن البسملة :


1- إتباع للسنة الشريفة


2- أن الأمر الذي نشرع فيه يحتاج إلى البركة والتيمن بسم الله عز وجل لا باسم غيره ,فلا شك أن الخيرات والبركات تحيط بالعبد لما يبدأ باسم الله (تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام )فاسم الله مبارك


3- الاستعانة : أي بسم الله نستعين لا باسم غيره , والمعين هو الله عز وجل .


4 – حصر التبرك والاستعانة بالله تعالى وحده .


وللأسف أننا نقرأ هذه العبارات ( البسملة والحوقلة والحمدلة و...)من باب العادة لا من باب العبادة , دون أن نستشعر معنى هذه الألفاظ والأذكار التي نقولها . لا بد أن نستحضر القلب عند التلفظ بذكر الله وأن يمتلئ القلب بتعظيم الرب لشعور الحاجة والافتقار الى الله تعالى وأن الخيرات والبركات ستتنزل علينا لما نبدأ عملنا مستعينين بالله , ونحتاج الى أن ندرب أنفسنا على استحضار هذه المعاني وليس التلفظ بها من باب الترديد والحفظ والضبط , فلما استعين بالله عند البدء بالقراءة إذن أنا احتاج الى أن أظهر الانكسار والافتقار الى الله عز وجل , فلا بد أن يكون قلبي عامر بهذا الشعور ويستشعر معانيها العظيمة , حتى يحصل النفع للعبد فتتنزل عليه البركات والرحمات , فينتفع بما يقرأ , لوما نفقد هذا الاستشعار بالمعنى نجد أن البركة قليلة وإن كان الإنسان يحصل الخير الكثير منها ,ولكن مع استحضار المعاني يكون أثرها أعظم وأوقع . فالإنسان لما يبدأ بسم الله فإنه يلقي كل ما عنده ويلجأ لله تعالى الذي سيعينه على الانتفاع بما يقرأ ونيل الخيرات والبركات وهو يقرأ ويؤثر في قلبه ويقوده الى العمل الصالح .



الله : اسم من أسماء الرب عز وجل , وتتبعه كل الأسماء , فإذا قلنا من هو الرحمن ؟؟هو الله ... من هو الرحيم ؟ هو الله ...وهكذا , فكل الأسماء عائدة الى اسم الله تعالى , فهذا الاسم لا يسمى به إلا هو عز وجل , وهو أصل الأسماء الحسنى كلها .


ما معنى الله ؟؟ المألوه المعبود محبة وتعظيما المستحق لإفراده بالعبادة , يتأله له ويتعبد له الخلق جميعهم ,,هناك آلهة كثيرة مزعومة وأرباب كثر غير مستحقين للعبادة لأنها باطلة


لماذا الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالعبادة له وحده ولا يقع في قلوبنا شك أو تردد بل نوقن أن الله تعالى هو وحده مستحق للعبادة لا غيره ؟؟ - الله تعالى مستحق للعبادة لاتصافه بصفات الإلوهية التي تجعلنا نقر ونؤمن أنه مستحق للعبادة وحده فصفات الكمال كلها صفات الله تعالى وهو رب العالمين انفرد بالخلق والرزق والأمانة والإحياء والإماتة والنفع والصر والعطاء والمنع والملك والتدبير وتصريف شؤون الخلق ..... وهو منزه عن كل نقص وعجز


- لإحسانه الى الخلق يقر الخلق الى من أحسن إليهم فشملهم برحمته تعالى فهو الذي ينزل هلم المطر وهو الذي أعدهم وأمدهم ويكفيهم ويعطيهم بالليل والنهار وعطاؤه ومنعه للمؤمن والكافر والفاجر و....


- لكمال ذاته فلا نقص فيها بوجه من الوجوه وأسماؤه حسنى بلفت من الحسن غايته وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ,إن أعطى فبفضله وإن منع فبعدله , فعندنا من الذنوب ما يحرمنا من فضل الله . سبحان الله

, فكل هذا يجعل القلب لا يلتفت الى غيره فيفرد بالعبادة وحده .
* الرحمن الرحيم *.....
الرحمن والرحيم : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شئ وعمت كل حي وكتبها للمتقين لأنبيائه ورسله فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة ومن عداهم لهم نصيب منها – هذا كلام الشيخ رحمه الله – لا شك أن هناك منهج وطريقة لأهل السنة والجماعة في التعامل مع أسماء الله عز وجل وصفاته فما أثبته الله عز وجر لنفسه من الأسماء والصفات نثبتها نحن , ونقول إن كان اسم فهذا من أسماء الله عز وجل بلغ من الحسن غايته , والاسم يدل على صفة , فهي ليست أسماء مجردة وهذه الصفة مشتقة من هذا الاسم , وهذه الصفة عليا لله عز وجل وقد تتعدى الى الخلق فيرون أثرها , وقد توصف ذاته بها فتكون صفة ذاتية .
الرحمن :هذا اسم ويشتق منه الصفة التي هي الرحمة فهو ذو الرحمة الواسعة
الرحيم : هذا اسم ويشتق منه الصفة أيضا التي هي الرحمة ,
فكلا الاسمان دالان على صفة الرحمة , وصفة الرحمة من أوسع الصفات ,الدليل على ذلك : قوله تعالى :* ورحمتي وسعت كل شئ *
ولكن في اسم الرحمن : وصف لذاته فهي صفة ذاتية , إما الرحيم فهو اسم يدل على الرحمة الواصلة التي تتعدى وتصل الى الخلق فهو يرحم العباد , وهذا صفة فعلية , إذن لما نقول الغفور الرحيم : فنقول إن الرحيم هنا اسم لله تعالى يدل على صفة ذاتية لله تعالى وهي الرحمة , لكن لما اجتمع اسما الله تعالى الرحمن والرحيم : فنجد أن كلاهما يدلان على الرحمة لكن كل منهما يتناول معنى مختلف , فالرحمن يدل على صفة ذاتية وهي الرحمة الواسعة التي يتصف بها لذاته , والرحيم يدل على الرحمة الواصلة التي تتعدى للخلق وهي صفة لفعله بأنه يرحم عباده من يشاء , ورحمته تكون وفق حكمة يعلمها وحده سبحانه وتعالى , الصفة الفعلية متعلقة بالمشيئة : أي أنه يرحم من يشاء ويعذب من يشاء , وهذا من وراءه حكمة , ورحمته تتنزل متى شاء هو وحده , فهو يختار أن ينزل المطر في هذا الوقت مثلا أو غيره .. ويختار أن يرفع الكرب والغمة متى شاء .. ويختار الرحمة كيفما شاء إما بالعطاء أو بالمنع ,إذن رحمته تكون لمن شاء ومتى شاء وكيف شاء . فهي صفة فعلية متعلقة بالمشيئة .
خلاصة الكلام :الرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله الحسنى , الرحمن هو ذو الرحمة الواسعة وهي صفة ذاتية , والرحيم هو ذو الرحمة الواصلة التي تصل الى عباده وتتعدى لهم فيرون آثارها .

ما معنى كتبها للمتقين ؟؟؟
لا شك أنه لا يوجد أحد إلا له نصيب من الرحمة , فكل ما نحن فيه وكل ما نتقلب فيه من رحمة الله بنا سواء إقامة الجسد وصحة البدن وتعاقب الليل والنهار ...... وهذه الرحمة عمت البار والفاجر والمؤمن والكافر والبهائم وكل حي ّ, ولكن لما نقول بسم الله مستعينين بالله الرحمن الرحيم فإننا نرجو أن نكون من الذين خصهم الله برحمته الخاصة وهم أولياؤه المتقين * ورحمتي وسعت كل شئ فسـأكتبها للذين يتقون ....* فهؤلاء لهم رحمة خاصة تزيد على بقية الخلق مما يجعل العبد يتشوق الى نيل رحمة الله الخاصة .
إذن الرحمة : رحمة عامة لكل حي ولكل المخلوقات, ورحمة خاصة ينالها المتقون أولياء الله الذين جاهدوا بالاستقامة على أمر الله عز وجل فكانوا إما سابقين بالخيرات أو مقتصدين وهؤلاء الذين اصطفاهم الله عز وجل وهم من عباده الذين ينالون أعظم نصيب من الرحمة بل الرحمة المطلقة وما عداهم ينال نصيب أو شئ من الرحمة . فلابد لنا عندما نقول بسم الله الرحمن الرحيم أن نشوق نفوسنا لنيل الرحمة الخاصة , والله سبحانه وتعالى أنزل الى الدنيا رحمة واحدة وادخر لعباده تسع وتسعون رحمة في الآخرة , نسأل الله العظيم من فضله .
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها : الإيمان بأسماء الله وصفاته وأحكام الصفات : أي الإيمان بأن لله تعالى أسماء وأسماؤه حسنى وأسماؤه هذه يشتق منها صفات وصفات الله عز وجل عليا , وكل اسم يدل على ذات الله عز وجل ويدل على صفة من صفاته ويدل على فعله وأثر ذاك قد يتعدى الى الخلق كصفة الرحمة .... فيؤمنون مثلا بالرحمن الرحيم هو ذو الرحمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم والنعم كلها آثار رحمته ... وهكذا في سائر الأسماء , وإثبات ذلك يكون بالوجه الذي يليق بجلاله من غير تحريف أو تأويل أو تكليف .
حيث نجد في بعض الكتب عن تفسير الرحمة , أنهم يقولون بأن لله عز وجل رحمة حقيقية لأنه يقتضي ذلك أن يكون هناك خضوع ورقة وانعطاف وهذا لا يليق بجلال الله تعالى فلذلك نثبت أن الله يرحم ولكن الرحمة هذه هي الإنعام , فمعنى الرحيم : أي أنه يريد أن ينعم على خلقه .... , وطبعا هذا التفسير تأويل وتحريف لهذه الصفة التي وصف الله تعالى بها نفسه , فهذه الصفة حقيقية ولكنها تختلف عن رحمة المخلوق , فالمخلوق يحدث منه اللين والخضوع والانعطاف لأن رحمته تليق به , لكن رحمة الله عز وجل تليق بجلاله عز وجل لا يشبهه المخلوق بصفاته ولا في ذاته ولا في أسماءه ولا في أفعاله , والصحيح أن الله يرحم عباده ومن آثار رحمته الإنعام وليس الرحمن هي إرادة الإنعام .
إذن من فسر صفة الرحمة بالإنعام , نرد عليه ونقول بأنهم فسروا هذه الصفة بالأثر ( من آثار الرحمة الإنعام ) ومن قال أن الرحمة تقتضي اللين والخضوع وأن هذا لا يليق بالله عز وجل ولذلك تنفى الصفة عن الله تعالى , فنرد عليه بأن الله تعالى لا يشبه خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله , فالله له رحمة تليق بجلاله والمخلوق له رحمة تليق به والله تعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .ولما فسروها بإرادة الإنعام فهم لهم موقف من الأفعال الاختيارية , فالصفات الفعلية متعلقة بالمشيئة إن شاء أنعم وإن شاء منع , فالله تعالى يختار يريد أو لا يريد.فيقولون أنه هل من أحد يجبر الله تعالى على أن يريد أو لا يريد .... فنقول أن الله تعالى يريد أن ينعم على خلقه ولكن بالمشيئة التي يريدها .
خلاصة الكلام من هذه كلها تفاسير بعيدة تماما عن المعنى الحقيقي فيجب التنبه لها .
وبهذا نكون قد أنهينا تفسير البسملة , نبدأ بآيات الفاتحة الدرس القادم إن شاء الله
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم الدرس الأول بحمد الله تعالى

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:27 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-08, 01:43 AM   #3
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
a الدرس الثاني

سورة الفاتحة
الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المجحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , صلى الله عليه وسلم أما بعد :


فسرنا الدرس الماضي البسملة من سورة الفاتحة وسنشرع اليوم في شرح آيات سورة الفاتحة إن شاء الله
يقول الله تعالى :
* الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *
* الحمد لله....ماذا نعني بالحمد هنا ؟؟؟؟
الشيخ السعدي يقول ( الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله الدائرة بين العدل والفضل فله الحمد الكامل بجميع الوجوه )
الشيخ السعدي ذكر إن الحمد معناه الثناء على الله . فحين نقول الحمد لله , فإننا نثني على الرب عز وجل , بماذا نثني عليه ..؟؟؟ نثني عليه بصفات الكمال ذاته وصفاته وأفعاله الدائرة بين العدل والفضل , فالله عز وجل له الحمد الكامل بجميع الوجوه – هذا كلامه رحمه الله – وبعض العلماء يخالفه بقوله في معنى الحمد :
وهذا مأخوذ من قول الله عز وجل : لما قال بالحديث الصحيح ((.........إذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , يقول الله عز وجل : حمدني عبدي . وإذا قال العبد : الرحمن الرحيم , قال الله عز وجل : أثنى علي عبدي .........))
فالله عز وجل ذكر أن العبد حينما يقول الحمد لله فإنه يحمد الله ولما يأتي بذكر صفة أخرى يثني بها على الله وهي نوع من المدح فإن الله وصفه بأنه ثناء , فدل ذلك على أن تكرار الحمد لله ووصف الله عز وجل بصفات الكمال يسمى ثناء .
إذن الحمد لله في السورة يأتي بمعنى وصف الله بالكمال مع المحبة والتعظيم , وهذا خلاف لكلام الشيخ السعدي الذي قال أن معناه الثناء على الله عز وجل , ونقول إن الحمد بمعنى الثناء إذا كرر الحامد الحمد للمحمود.
وحينما أحمد أحد ما إذن أنا أصفه بكمالات فيه ... مثلا أن الله تعالى خلقه بصورة جميلة أو أنه حسن الأخلاق .. فأنا أصفه بكمال ذاته أو صفاته الباطنة أو بكمال أفعاله فهذا يسمى حمد .
إذن حينما أقول الحمد لله فإني أصف الرب عز وجل بالكمال وهذا الوصف مصحوب بالمحبة والتعظيم , لأنه أحيانا إذا أردنا إن نحمد أحدا نصف كمالاته _ كما يفعل الشعراء _ فنظهر كمالاته التي قد تكون غير حقيقية وقد يكون غير محبوب وقد يكون ليس له هيبة ومكانة وتعظيم لكن من باب الحصول على منفعة فيكون هذا الحمد غير صادق , ولذلك لما كان الحمد مع المحبة والتعظيم يسمى حمداً فإذا فرغ من المحبة والتعظيم سمي مدحاً .
إذن عند حمد الله عز وجل ووصفه بكماله لابد من قيد هو المحبة والتعظيم وذلك لأن مجرد وصفه بالكمال من غير محبة أو تعظيم لا يسمى حمدا بل مدحا , وبذا نكون قد فرقنا بين المدح والحمد وفرقنا بين الحمد والثناء .
خلاصة الكلام : الثناء حمد ولكنه تكرار لوصف المحمود بالكمالات في ذاته وصفاته وأفعاله مع محبته وتعظيمه .
والحمد هو وصف للكمال مرة واحدة فلو كرر ذلك مرة أخرى صار ثناء ً. ونقول أن المدح والحمد كلاهما مصف للمحمود بكمالاته , لكن بالنسبة للحمد هذه الكمالات حقيقية مع قيد هو المحبة والتعظيم , بينما المدح لا يشترط فيه المحبة والتعظيم .
وقول الشيخ السعدي إن الحمد هو الثناء على الله صحيح قوله فكأنه يقول تكرار وصف للمحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم .
يقول الشيخ ( الثناء على الله بصفات الكمال وبأفعاله الدائرة بين العدل والفضل )..
لا شك يا أحبة أننا حين نثني على الله عز وجل أو حين نحمده تعالى , نجد أن الله تعالى كامل في ذاته العليا لا نقص فيها بوجه من الوجوه سبحانه وتعالى , أسماء الله حسنى وصفاته عليا لا نقص فيها وهو منزه عن كل نقص وكل عيب . والله تعالى كامل في أفعاله , إذا تنزلت أفعاله على العبد فتكون إما من باب العدل أو من باب الفضل , إن أعطاه فبفضله وليس حقا مكتسبا من العبد , سواء الذكاء أو العلم أو غيره ..... وإن حرمه فإن العبد لا يسخط على ربه كأن يقول أحدهم لماذا فلان أعطاه الله وأنا حرمني ..., فهذا من عدل الله عز وجل , وعطاءه ومنعه كم وراءه حكمة , فهو لا يعطي من يحبه ويمنع من لا يحبه , وإنما الدنيا يعطيها الله من يحب ويمنعها عمن يحب ,وهذا كله امتحان واختبار فإن العبد إن أعطاه الله الدنيا فعليه أن يتأمل أن هذا العطاء محض فضل الله تعالى وإن حرمه الله تعالى فإن هذا محض عدل من الله سبحانه وتعالى , فالله عز وجل لو عاملنا بذنوبنا ما أعطانا شئ , فلذلك نقول أن أفعاله دائرة بين العدل والفضل فله الحمد الكامل بجميع الوجوه .
والله تعالى علمنا في هذه الآية كيف نحمده سبحانه وتعالى :
* أضيفت (الـ) التعريف لكلمة الحمد .. للاستغراق في الحمد , يعني الحمد بكل أجناسه وكل دقائقه لله رب العالمين وليس جزءا منه لأنه مستحق للحمد والثناء وأن يوصف بالكمالات هذه , فنقول الحمد لله : أي جميع المحامد كلها لله عز وجل لأنه مستحق لهذا الحمد .
* ولا شك أن هذا الحمد هو عبادة قوليه يصاحبها عمل قلبي وهو شعور العبد بأن الله تعالى مستحق لهذا الحمد , فيذل لسانه بالحمد والثناء على الله معتقد بهذه الكمالات وأنه مستحق لهذا الحمد .
* والحمد عبادة قوليه لا يجوز صرفها إلا لله تعالى فالرب عز وجل يفرد بهذه العبادة فمن صرفها لغيره فهو كافر مشرك فهذه عبادة من العبادات التي نتبد بها الرب عز وجل .
* سبحان الله إذا تأملنا نرى أن العبد إذا حمد شخصا ما فإنه يتوقف عند حد معين , ولو كان مستحق لهذا الثناء لكن ربما يمل السامع من الحمد والثناء على هذا الشخص وقد يظن البعض أنه نوع من المبالغة بل ربما يسكته ... لكن لما يحمد الله عز وجل يتمنى هو والسامع أن لا تنقضي هذه المحامد بل يرجو الفتوح من الله عز وجل في حمده والثناء عليه وأن لا يسكت لسانه عن وصفه بالكمالات بل إن الصدر والقلب سبحان الله ينشرحان بحمده والثناء عليه لأنه مستحق لهذا الحمد ولأنه هو الموصوف بهذه الكمالات ولأنه محبوب معظم .
الحمد لله : هذه اللام للاختصاص والاستحقاق : أي الحمد لله لا لغيره , فهنا من الذي اختص بهذا الحمد وهذه الكمالات مع المحبة والتعظيم ؟؟؟ هو الله عز وجل , أفرد بهذا الحمد , والله اسم ربنا عز وجل ولا يسمى به غيره .
إذن حين أقول الحمد لله :
أي نصف الله بجميع أنواع المحامد فهو موصوف بالكمال الذاتي والفعلي والوصفي , والحمد بجميع أنواعه له سبحانه وتعالى مختص به مستحق له محبة وتعظيما .
**********
نلاحظ أن هذه السورة فيها مقاصد عظيمة يقوم عليها صلاح الدنيا والآخرة , فيها من الدعاء والحاجات التي يتضرع بها العبد لسيده ومولاه سبحانه وتعالى , لو أجابه ربه عز وجل عما يطلبه حصل له من الخيرات الكثيرة في الدنيا والآخرة ولذلك الله عز وجل علم عبده كيف يتأدب مع الله عز وجل حين يدعوه , فهذه السورة دعاء قسمت بين الرب عز وجل وبين العبد
من الذي نصرف له كل هذا الحمد ؟؟؟ من المستحق لعبادة الحمد ولغيرها من العبادات ؟؟
نقول رب العالمين , لماذا نصلي لله ؟ لأنه رب العالمين . لماذا نعبده ؟؟ لأنه رب العالمين المالك المدبر الخالق .... فنحن نستدل أنه مستحق للعبودية بذكر أنه رب .
وهنا نستخلص فائدة وهي : استلزام توحيد الربوبية , أي من أقر بتوحيد الربوبية لزمه أن يأتي بتوحيد الإلوهية , فمن أقر أن الرب عز وجل هو المالك القادر والخالق الرازق .... قاده ذلك الى أن يثني على الله سبحانه وتعالى ويعتقد اعتقادا جازما انه مستحق لهذه العبادات لأنه رب العالمين .
* الحمد لله رب العاملين *
يقول الشيخ السعدي : ( الرب هو المربي لجميع العالمين وهم من سوى الله بخلقه لهم وإعداده لهم الآلات وأنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء فما بهم من نعمة فمنه تعالى .)
إذن أتى بمعنى الرب أنه المربي جميع العالمين : كل ما سوى الله هو عالم والله تعالى رباهم . ولكن كيف هي تربية الله عز وجل للعالمين ؟؟؟
مثلا نحن كيف نربي أبنائنا ؟؟؟ نربي فيهم الصورة الباطنة : الخلق والأدب .. أو نكون لهم القدوة الحسنة , نربي أجسادهم برعايتهم بالأكل والشرب و... ونربي نفسيتهم بالحنان والعطف ....نتفقد حوائجهم لما يمرون بحالات من الخوف والتردد و....
فلنا أن نتخيل كل معاني التربية - القلب , العقل , الباطن , الجسد , السلوك , النفسية .....
هذا ونحن نربي أولادنا فقط ... ولكن الله تعالى لا يربي مخلوقا واحدا أو اثنان ... بل يربي كل ما سواه , فهو رب العالمين .
كيف تربيته لهم ؟؟؟ لنتأمل ذلك ..
الجنين في بطن أمه , قد تمتنع الأم عن الغذاء رغم حاجة الجنين للطعام , لكن الله تعالى ما تركه هملا , رباه وهو في بطن أمه , إذن الله يربي الولد مع تربية أمه له , وتربية الله له هو إيجاده من العدم , وهذه تربية الإيجاد والإعداد ثم الإمداد ,. فالله تعالى :أوجد وأعد َّ ثم أمد َّ.
وهذه أطوار انتقال من حال الى حال , فالمخلوق كان عدما فأوجده الله فأصبح شيئا ثم بعد ذلك نقلَّه الله في أطوار وأعده حتى يكون مهيئا للمكان والزمان الذي هو فيه , فهذه تربية .
وأيضا هيأ أن يكون جنينا في بطن أمه فإذا خرج الى الدنيا أصبح في صورة أخرى وأن يعيش في حال آخر , سبحان الله العظيم , وكان عقله ما يفقه ولا يعلم شئ ثم نمى هذا العقل بالعلم شيئا فشيئا , إذن الله تعالى أعده , ثم أمده سبحانه وتعالى حينما كان في بطن أمه ثم أمده وهو خارجه أي أعطاه الرزق , وهكذا لجميع المخلوقات , فالله تعالى لم يترك خلقه هملا في الجانب المادي ( الإيجاد والإعداد والإمداد )ما ترك شيئا من خلقه _ لا صخر ولا حجر ولا حي ولا إنس ولا جن ..... _ كلها جعلها الله تعالى في حالة من الحالات التي تستطيع أن تواصل حياتها وتقوم بالوظيفة التي خلقها الله تعالى لها , فهو رب العالمين , أعد لخلقه الآلات التي تمكنه من التكيف مع الحالة التي هو فيها , سبحان من خلق و برأ وصور وأعد وأمد ....
وقول الشيخ : وإنعامه عليهم : أي تابعهم بالنعم , التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء , فهي من الضروريات بعد توفيق الله , فما بهم من نعمة فمنه تعالى .
فهذه وقفة جميلة جدا مع تربية الله تعالى لعباده فكوننا نتأمل هذا الجانب من تربية الله لخلقه يجعلنا نحلق ونفكر وننظر في آيات الله الكونية وتشهد كل خلية فينا أن الله هو رب العالمين
لكن لما ينقلنا الى جانب ربوبية الله عز وجل الخاصة , يخص أولياءه بتربية خاصة , هذا يجعل العبد يفرح وينشرح صدره , فالله عز وجل فوق ما ينعم على عباده فإنه يختار من يخصه عز وجل , ومن انشغل بالمنعم عن النعمة وجعل النعمة وسيلة , فإن الله تعالى يخصه بمزيد عناية وفضل إنعام , يختلف عن بقية خلقه ,
لكن قبل أن نقف مع تربة الله الخاصة لا بد أن نتطرق الى أمر مهم ...
لما نقول رب العالمين وتعريف الرب ... نذكر ما هي أفعال الرب وما هي أوصاف الرب ؟؟؟؟
على سبيل المثال .. كيف يكون رب الأسرة ؟ ما هي الصفات المطلوبة منه ؟؟ ... يجب أن يكون يملك ويدبر ويتصرف في شؤون الأسرة وعنده قدرة وأن يكون عنده تدبير وتصريف وأن يربي وأن يرعى .... ولله المثل الأعلى , أفعال الرب عز وجل منها : الخلق والرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع و....
ولكن أجمع صفات الرب الفعلية ثلاثة , أوصاف الرب من اجتمع في ثلاثة أوصاف :
1" الخلق – 2" الملك – 3" التدبير .
يتبع >>>>

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:27 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-08, 01:20 PM   #4
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon188 تابع الدرس الثاني ....

يقول الشيخ السعدي : وتربيته لخلقه نوعان : عامة وخاصة


العامة : هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا


والخاصة : تربيته لأوليائه , فيربيهم بالأيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبينهم .


وحقيقتها تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر ولعل هذا المعنى في السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب , فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة فدل قوله رب العالمين على انفراده بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار .




لنقف مع هذا الكلام : التربية العامة ... وهي لجميع المخلوقات , إيجاده لهم من العدم وإعداده لهم بالهداية ورزقه لهم بالإمداد لما فيه مصالحهم لبقائهم في الدنيا . وبالنظر الى المخلوقات سوى الإنسان , نجد أن الله تعالى فطرها أن تحمي نفسها من الهلاك ويخصص لها مواسم للتناسل وفطرها على إرضاع أولادها وأن تحافظ وتدافع عنهم , وهداهم لما فيه مصلحتهم حتى تستمر في الحياة . وهذه الهداية ما يستطيع أي إنسان أن يدبر ويعلم هذه المخلوقات كيف تحمي نفسها من الهلاك , أما الله عز وجل هو الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هداهم , خلقه ليعيش ويتكيف في هذه الحياة الدنيا ويبحث عن رزقه ويحافظ على حياته ويسعى الى البقاء , سبحان الله العظيم , فهذه كلها أمور فطر عليها مخلوقاته بهداية منه.



فإننا نجد مثلا الطفل الذي لا يعمل عقله ولا يدرك شئ لو حملناه وحركناه بطريقة مفاجئة نجده يخاف على نفسه , ولو غطينا وجهه فإننا نجده يتحرك ويدفع عن نفسه الموت , وغيرها ....سبحان الله العظيم , هذه هداية من الله عز وجل .




أكمل من التربية العامة وأعظم منها هي التربية الخاصة ,خص بها أولياؤه _ يربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبينهم _ هذا الإيمان لا يستطيع أي أحد يوجده في قلب العبد , صحيح أن الله تعالى أمرنا ببذل الأسباب لزيادة هذا الإيمان , لكن من يخلق هذا الإيمان ويجعله في القلب ؟؟؟ هو الله عز وجل .



ويخلق التوفيق له و الهداية له ويخلق تحبيب الإيمان في القلب وتزيينه , فالإيمان قول وعمل واعتقاد , وهذا نوع من التربية الخاصة


الله تعالى يوفق العبد لأنه يطرق باب التوبة ,يقول تعالى :( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ), يخاطب الله تعالى نبيه الكريم بأن ليس له القدرة على أن يخلق الإيمان في قلب عمه .


فإيجاد الإيمان وتربيته في القلب لا يملكه أحد إن كنا نبذل أسبابه , فالمعطي هو الله عز وجل وهو المنشط له , فلذلك علينا أن نطرق باب الله عز وجل في أن يوفقنا للإيمان ويحببنا به ويزينه لنا ويثبته في قلوبنا .


مثلا نجد إنسان إيمانه ضعيف ونفسه تطمح للشهوات ثم بعدها يبدأ يحضر مجالس الذكر وأقبل قلبه على القرآن فزاد الإيمان في قلبه , وفقه الله عز وجل الى إن يترك كل مكان يصرفه عن الله عز وجل , ثم قام هذا الإنسان بطلب العلم الشرعي , فرسخ الإيمان أكثر من ذي قبل , بدأ يداوم على الطاعات فزاد إيمانه .... وهكذا , وفقه الله تعالى وكمله .




قد يموت الإنسان عنده ضعف في يقينه أو صبره , ولكن الله تعالى يسوق له من البلاءات والامتحانات الشديد ة التي تخرجه من حال اعتاد عليه الى حال يحتاج الى أن يشتد ساعد الإيمان عنده فيدافع ويجاهد ويستعين بالله , ويلجأ الى الله فيتربى عنده الصبر وقوة التوكل اليقين ويحسن المجاهدة والثبات بعد توفيق الله عز وجل له على هذا الطريق وترسخ قدمه في دين الله عز وجل .




وقد يخرج الشخص في بيت أهله بعيدين تماما عن الله ولكن الله يربي هذا الشخص في هذا البيت وقد يكون الإنسان في بيت من الدلال والرعاية ثم يفقد الأب والأم ومن يرعاه فيحتاج الى أن يشتد ساعد الصبر عنده , كما هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم , رباه الله عز وجل وهيأ له البيت الذي يتربى فيه .




وقد يكون الإنسان ملازما لوالديه مثل يوسف عليه السلام ثم يمتحنه الله ويختبره ويجعله يمر في امتحانات شديدة وعظيمة حتى يوصله الله لكمالات عظيمة ادخرها له , مثلما ادخر الله سبحانه وتعالى الكمالات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما قلَّبه في هذه الأحوال العظيمة .



وعلى هذا نقيس سواء ما مر به الأنبياء عليهم السلام , أو ما هم دون الأنبياء من الصديقين والشهداء والصالحين , كل ما أراد الله أن يخصه بهذه التربية الخاصة , ويكمله بهذه الكمالات ويريد أن يدفع عنه الله الصوارف والعوائق الحائلة بينه وبين الله .




لا شك أن الله تعالى كلما أراد الإنسان أن ينصرف الى الدنيا أخذ الدنيا التي في يده وكلما أراد أن يركن الى الدنيا أصابه الله ببعض الأمراض حتى يكون العبد على حالة مع الله تعالى ما فيها قواطع ولا شواغر , فالله تعالى في سابق علمه يعلم أن هذا الإنسان لو انه استمر في هذا الأمر فإنه يفسد , ولكن الله عز وجل من تربيته لهذا الإنسان يجعله يزهد في الدنيا ويرغبه في الآخرة فهو يصرف عنه كل العوائق التي تحول بينه وبين مواصلة السير الى الله عز وجل , وهذا حقيقة هو تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .




*******


أنصح بكتاب : المواهب الربانية , وهو كتاب مقتطع من كتاب تفسير السعدي , أو ربما له نفس الطريقة , حيث أنه بدأ بكتابته بأول ليالي شهر رمضان وانتهى منه في أواخره , فكانت كالهبات من الله تعالى , وقفات مع آيات اختارها كانت جميلة جدا , حيث كانت له وقفة مع لطف الله عز وجل وتربيته لعباده , وضرب أمثلة رائعة لتوفيق الله تعالى ولطفه لحفظ العبد وتربيته لكل خير



*********




يقول الشيخ : وحقيقتها تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .



إذن يربي الله عز وجل العبد بالتوفيق للخير بل ويحميه من الشر , أحيانا يجد الإنسان نفسه يريد أن يقع في معصية , فسبحان الله , من فضل الله تعالى عليه يكفه عنها ويزهد فيها , أو يأتيه واعظ من ربه يجعله يقلق فيكف عن فعل المعصية , وأحيانا يكون الإنسان في حالة من الكسل والعجز ثم يجد نفسه نشيطا يدفعه مثلا لقيام الليل أو قراءة كتاب أو ختم جزء من القرآن الكريم وغيرها ..... كل هذا تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .






يقول الشيخ: ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب .



قلما نجد في دعاء الأنبياء أنهم يقولون اللهم , وفي نصوص القرآن نجد في آيات الدعاء : ربنا – رب – ربي -.... وهذا نوع من الاعتراف بأنه رب ,كون العبد لما يحمد الله فإنه يعترف بأن الله هو المدبر وهو الخالق المالك وهو المتصرف وأمر العبد كله بيده سبحانه وتعالى , فهنا تظهر فاقة العبد للرب ويظهر أن هناك رب ومربوب , و يعترف بنقصه وكمال ربه عز وجل ولذلك يبسط كفيه ويقول يا رب .


وكون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب فغن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة فدل قول رب العالمين على انفراده بالخلق والتدبير والنعم



وسبحان من دبر أمور هؤلاء الخلق , كل يوم هو في شان , الملائكة في صعود ونزول تدبر بشان هذا السلطان العظيم وهذا الملك العظيم , في صعود مقداره خمسمائة سنة ونزول مقداره خمسمائة سنة , يمضون من أمر الله .





فوائد هذه الآية * الحمد لله رب العالمين *



1" – يستحب أن ندعو الله عز وجل بربوبيته وإظهار الافتقار إليه , مازال العبد يقول يا رب يا رب في السر والعلانية حتى يجيبه الرب في السر والعلانية _ كما قال أحد السلف الصالح رضي الله عنهم _




2" – انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير والنعم واثبات كمال غناه فهو رب العالمين ليس محتاج إليهم واثبات تمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار



3" – إثبات الحمد الكامل لله عز وجل بدليل قولنا ( الحمد ) وهذه ( الـ) دالة على الاستغراق , فالحمد كله لله رب العالمين



4" – أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل بجميع الوجوه , ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره يقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , وإذا أصابه خلاف ذلك قال الحمد لله على كل حال , فكان عليه الصلاة والسلام يحمد الله تعالى على كل أحيانه .



5" – تقديم وصف الله تعالى بالإلوهية علة وصف الربوبية : قال العلماء إما لأن الله هو اسم العلم الخاص به عز وجل وتتبعه كل الأسماء , حيث أننا نقول من هو الرحمن ؟ هو الله , من هو الرحيم ؟ هو الله .


وقال بعضهم لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الإلوهية فقط , فهنا أثبت لهم الإلوهية وأن من أقر بالربوبية لزمه أن يقر بالإلوهية .


ومن هنا نستفيد من دعوتنا للآخرين , حيث نتدرج بالدعوة ونبدأ بإثبات ما نراه , أو بماذا نتفق مع الخصم . نبدأ بأوصاف الرب عز وجل ... من الذي خلق ؟ من الذي رزق ؟؟ .... فإذا أقر بهذه الأمور وأن الله هو الخالق الرازق ..... فنقول : أنه من الجهل ومن السفه أن يقر الإنسان بكل هذا ثم يصرف امتنانه لغير الله عز وجل


وسبحان الله العظيم , العرب حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بكل هذا لكنهم جعلوا بينهم وبين الله وسطاء وشفعاء قالوا : * ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى * , مع اعترافهم بأن الخالق والرازق والمالك هو الله عز وجل .

إذن من أقر بتوحيد الربوبية , إن كان عاقلا لزمه أن يقر بتوحيد الإلوهية


6" – عموم ربوبيته سبحانه وتعالى لجميع العالمين , وهذا نأخذه من قوله عز وجل * رب العالمين * وكل ما سوى الله هو عالم .




**********************************



* الرحمن الرحيم *


سبق وأن تم شرحها , ولكن لنتأمل هنا معا الرحمات الخاصة التي يخص بها الله عز وجل أهل الإيمان .



من الرحمة الخاصة : ** إرسال الرسل , فهذه الرحمة تنعم بها الروح , وهي من أعظم الرحمات تتنزل على الخلق وينتفع بها المتقون .


فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو رحمة للعالمين والذين انتفعوا هم قليل , ونالوا حظا عظيما من هذه الرحمة وخيرا وافرا من الهداية , وما يترتب على هذه الطاعة من الثواب العظيم الذي تكفل به الله عز وجل لأهل هدايته بحسب مراتبهم .



** أيضا نزول القرآن علينا رحمة خاصة ,



** ما يمر علينا من كفاية الله وإنزال اليقين والإيمان وكشف الكربات والثبات في المواطن وانتفاع الانسان من سويعات عمره في طاعة الله عز وجل ..... كلها رحمات الله تعالى على عبده ,وكلما كان العبد تقواه أكمل كل ما كان له الحظ الأوفر من رحمة الله سبحانه وتعالى .


فنحن نفتتح دعاءنا في سورة الفاتحة بقولنا :



*الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *




أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه . إنه غفور رحيم


والسلام عليكم ورحمة الله



تم الدرس الثاني بحمد الله

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:26 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
قديم 24-07-08, 12:17 AM   #5
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
c8 الدرس الثالث

تفسير سورة الفاتحة
الجزء الثالث


بسم الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المجحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , صلى الله عليه وسلم أما بعد :


يقول الله تعالى :

* مالك يوم الدين *


سبحان الله اذا ذكر الرب , رب العالمين , الرب من أفعاله الملك والتدبير والخلق وأفعال أخرى منها الرزق والاماتة والاحياء والضر والعطاء و غيرها



يقول السعدي رحمه الله :مالك يوم الدين :المالك : هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف بمماليكه بجميع انواع التصرفات .



طبعا كلمة مالك قرأت بطريقتين : قرأت مالك , وقرأت ملك , وسبحان الله هناك فرق بين المالك وبين الملك , وكلاهما في حق الله عز وجل صفات مدح .
بينما في حق المخلوق عندما نقول ملك او مالك فقد يكون ملك بالاسم لا يملك شيئا او انه يملك شيئا معينا ولا يملك كل شئ , وقد يكون مالك لشئ ولا يكون ملكا ً ,إذن الملك بالنسبة للبشر ملك ٌ نسبي


والله عز وجل وصف نفسه بانه ملك ومالك وهي صفات مدح

له ملك ويدبر ويصرف ويأمر وينهى ويرتب على هذا الأمر وهذا النهي , فمن أطاعه أثابه ومن عصاه عاقبه , وله ان يتصرف بمملكته ومماليكه كيف يشاء , سبحان الله العظيم , إذن هنا نثبت لله عز وجل الملك بأنه ملك ومالك ,

وفي هذه الآية الكريمة : أضاف الله تعالى ملكه الى يوم الدين , هل ملكُ الله تعالى خاص بيوم الدين فقط ؟؟ ...هل الله عز وجل لا يملك الا يوم الدين؟؟ ألا يملك الدنيا وأهل الدنيا ؟؟


ان الله تعالى يملك الدنيا والآخرة ويملك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء , وفي هذه الآية خص الله ملكه بيوم الدين لأن ملكه يومئذ ظاهر .على كل ملك فلفت أنظار العباد الى هذا اليوم الذي يكون ملكه ظاهر على كل ملك


يقول السعدي : يوم الدين هو يوم يدان الناس فيه بأعمالهم خيرها وشرها لان في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته وانقطاع أملاك الخلائق .


أي يجازى الناس على أعمالهم خيرها وشرها , فهو يوم الجزاء


وملك الله عز وجل يظهر للخلق في هذا اليوم تمام الظهور , فكل الملوك تحت ملك الله تعالى , ويُرى الجبارون في ذلك اليوم كأمثال الذر , يطؤهم الخلق , فأين ملكهم ؟؟ ظهر ملك الله تعالى القهار الجبار المتصرف سبحانه وتعالى ,وظهر كمال ملكه , والملوك كلهم لا ملك لهم لانه زال وجبروتهم زال فأصبحوا لا يملكون شيئا, والسلطان والهيمنة على الناس زال فأصبحوا مهانين , وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كأمثال الذر , سبحان الله العظيم .


** يظهر كمال ملكه تعالى في ان الخلق يشهدون بأن مالك الملك هو الله عز وجل , فما يستطيع أحد أن يرفع رأسه في ذلك اليوم .


ربما يغتر الانسان بنفسه في الدنيا ويغتر بملكه وما يملك , لكن في الآخرة لا مجال للإنكار ولا مجال لغياب العقل , بل كل يشهد بأن الملك لله عز وجل وملكه ظاهر على خلقه .


** كما يظهر كمال عدل الله عز وجل وانقطاع أملاك الخلق , ومن صور عدله الظاهر في ذلك اليوم أنه يساوي بين الخلق كلهم , ويجعلهم ويحشرهم في مكان واحد , الجن والإنس والأحرار والعبيد والوحوش وكل ما خلق الله تعالى يجعلهم في أرض المحشر , سبحانه وتعالى , وكلهم في حال من الإذعان لعظمته والخضوع لعزته منتظرين جزاءه راجين ثوابه خائفون من عقابه , ما يستطيع أحد أن يتكلم بل يهمس ,

( خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وعنت الوجوه للحي القيوم ),

سبحان الله خضعت لظهور ملك الله عز وجل , وانقطع كل ملك آخر , والرقاب ذليلة في ذلك اليوم , فلذلك خصه بالذكر وأضاف ملكه اليه مع أنه مالك للدنيا والآخرة ومالك ليوم الدنيا ويوم الدين , وغيره من الأيام , سبحانه وتعالى .


الفوائد من هذه الآية :


أولا : اثبات ملك الله عز وجل وملكوته يوم الدين


لأن في ذلك اليوم تتلاشي جميع الملكيات والملوك , ويزول كل ملك للبشر , يأتون مفلسين ليس عندهم شئ إلا العمل , فراج ٍ للثواب وخائف من العقاب , ويظهر ملك الرب عز وجل

ويوم يأذن الله تعالى بالفناء للخلق وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات , ينادي الله عز وجل ويقول : لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيب أحد , فيقول تعالى مجيبا نفسه : لله الواحد القهار .


وهذا يشعرنا بالخوف من ذلك اليوم العظيم والمهيب , يوم تشيب له الولدان , يوم تصفى فيه الحسابات , هو يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل , يوم ظهور العدل والجزاء في أرض المحشر , حتى البهائم التي كانت يعتدي بعضها على بعض في الدنيا فيأذن الله عز وجل للشاة الشمَّـاء أن تقتص من الشاة القرناء , وكذلك بالنسبة لبقية الحيوانات , ثم يقول لها كوني ترابا .


إذن الحالة عظيمة , والعباد في حالة من الخوف يقدمون على الله لا شئ معهم فيحاسب الله عز وجل على كل صغيرة وكبيرة بل مثاقيل الذر


(إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ),

( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).


فالعباد يُحاسَبون بموازين تزن مثقال الذرة , وما تزن الذرة ؟؟؟ ولكن من ظهور كمال عدل الله فإنه يحاسب ولو مثقال ذرة . فسبحان الله العظيم .




ثانيا : إثبات البعث والجزاء

( مالك يوم الدين ) إذن هناك يوم الدين , وهناك مالك له , فنحن نثبت ان لله عز وجل ملكا وأيضا نثبت أن هناك يوما لمجازاة الخلق وهو يوم القيامة .


وهذا من صفات أهل الإيمان , يؤمنون بأن هناك يوم آخر وهناك حساب وعقاب ومجازاة على الأعمال , إن خيرا فخير , وإن شرا فشر , وهذا من عقيدة أهل الإيمان , يخافون من هذا اليوم ويعملون له ويستعدون له ويعطون هذا اليوم حقه , ويعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله عز وجل ليس بينه وبينهم ترجمان ,


بينما الكافر لا يؤمن بهذا , بل يظن أن الدنيا فرصة واحدة يعيشها ثم يموت كما تموت البهائم .



ثالثا : حث الإنسان على العمل الى ذلك اليوم الذي يدان فيه العاملون


فيوم القيامة يجعل في نفس العبد الخوف منه وأنه سيلاقي الله عز وجل , وفي نفس الوقت يحرك في نفسه الرغبة في العمل لأنه يعلم أن الله تعالى سوف يجازيه , ويحاسبه على كل صغيرة وكبيرة , ان كان مفرطا ومسرفا على نفسه فليكف عن هذا التفريط , وإن كان كسولا أو عاجزا أيضا يكف عن الكسل ويحث نفسه على المسارعة في العمل .


**************



نأتي للآية التي بعدها


يقول الله عز وجل


(إياك نعبد وإياك نستعين )



يتبع >>

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:26 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-08, 07:21 PM   #6
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon59 تابع الدرس الثالث

نأتي للآية التي بعدها


يقول الله عز وجل

(إياك نعبد وإياك نستعين )


عندما بدأنا بالسورة علمنا الرب عز وجل أن نحمده ونقدم بين يدي دعائنا الثناء على الله عز وجل
وهذا من آداب الدعاء


فنقول : * الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين *


إذن دعونا الله تعالى بألوهيته وربوبيته وملكه ورحمته سبحانه وتعالى , بأن حمدناه وأثنينا عليه ومجدناه .


يقول الشيخ السعدي رحمه الله : * إياك نعبد وإياك نستعين * , أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة ,
لأن تقديم المعمول يفيد الحصر , وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ,
فكأنه يقول نعبدك ولا نعبد غيرك , ونستعين بك ولا نستعين بغيرك .


** هنا قدم إياك على نعبد , ولم يقل نعبدك يا رب ونستعينك , بل قال تعالى * اياك * اياك انت يارب نعبدك , و هذا التقديم يفيد الحصر أي نعبدك وحدك ونخصك بالعبادة وحدك , وهذا معنى توحيد الألوهية .


فالعبادة هنا تخص الله تعالى وحده , وكأن العبد يعترف بين يدي ربه أنه مفرد لربه عز وجل بالعبادة , وربه المألوه المعبود المستحق للعبادة .


** أيضا قدم إياك على نستعين , وهذا أفاد الحصر , والاستعانة عمل من الاعمال التي يجب صرفها لله عز وجل ,
أن يستعين العبد ويعتمد على ربه عز وجل ,


والاستعانة عبادة خاصة من العبادات العظيمة , نفرد بها الله تعالى ,
وهي تعد نصف الدين

( التوكل على الله والاستعانة به ) ,


فنحن لا نستطيع أن نعبد الله عز وجل لوحدنا هكذا , لا نعتمد بذلك على أنفسنا ولا على قدراتنا أو ذكائنا , إنما نحتاج الى طلب العون من الله عز وجل , والاعتماد والتوكل عليه , والثقة به ,
فهو المعين وحده سبحانه وتعالى على العبادة .


نحن نعبدك ونفردك بالعبادة يارب ونستعينك على هذه العبادة , نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة .

إذن هنا كما قال الشيخ : تقديم المعمول يفيد الحصر , وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.


أي حصر العبادة لله وحدة والاستعانة به وحده


** وأيضا تقديم العبادة على الاستعانة , من باب تقديم العام على الخاص , هذا قول الشيخ السعدي .


فالعبادة عامة وهي غاية , والاستعانة جزء من العبادة ,


فالعبادة داخل فيها الاستعانة

واذا اردنا تعريف العبادة كما ذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : قال

العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال و الأعمال الظاهرة والباطنة .

والاستعانة من أفراد العبادة , ومن أنواعها , ولذلك قدم هنا العام على الخاص

وهذا اسلوب يُستخدم في القرآن الكريم وفي السنة الشرفة .


** وأيضا نرى أن العبادة نصرفها لله عز وجل , والاستعانة نطلبها من الله عز وجل ,


والذي يريد هذه الاستعانة هو العبد , فهي طلب العبد ,


والعبادة طلب الرب من العبد ,

إذن حق الله : العبادة
وحق العبد : الاستعانة ,

وهنا في هذه الآية قدم حق الله عز وجل على حق العبد .





خلاصة الكلام :

فائدة تقديم العبادة على الاستعانة:
1" – تقديم العام على الخاص :فالعبادة عامة والاستعانة جزء من العبادة
2"- تقديم حق الله على حق العبد : فالعبادة هي مراد الله من العبد , والاستعانة هي طلب العبد من ربه عز وجل .




يقول السعدي : والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرو والباطنة .

وهذا تعريف شيخ الاسلام ابن تيمية

وقال السعدي : والاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار , مع الثقة به في تحصيل ذلك .

طبعا الاعتماد غير الثقة .


أعتمد يعني أستند , وتشمل أيضا التفويض والتوكل على الله في جلب المنافع ودفع المضار , مع أمر آخر : الثقة به : وهذا هو حقيقة التوكل .


لتبيين المقصود من ذلك نقول :

أحيانا قد نعتمد على شخص في إنجاز عمل ما , وقد لا نكون واثقين من أمانته , ولا نثق بإخلاصه لنا , فهو قد ينجز هذا العمل فعلا ولكن لا نثق به .

وأحيانا قد نثق بشخص , لكن نعرفه بأنه عاجز عن المساعدة ولا نستطيع الاعتماد عليه ,

فهذا وارد في البشر .


لكن مع التوكل على الله والاستعانة به في تحقيق المطالب ودفع المضار وجلب المنافع يجب ان يمتلئ القلب بإفراد الله بالاستعانة ,
وأن يتوجه القلب كله لله تعالى بالاعتماد عليه في هذا الأمر , دون الالتفات الى غيره ,
بالإضافة الى الثقة به .


ومن هنا نؤتى من إحدى الثغرتين :

إما أن يكون اعتمادنا على الله ضعيف, فنعتمد على غيره أكثر مما نعتمد عليه ,

وإما أن تكون ثقتنا بالله عز وجل ضعيفة , وتكون ثقتنا فيما بين يدينا أكثر من ثقتنا بالله عز وجل ,

كأن تكون ثقة الانسان بقدراته وعقله وتحصيله أكثر من ثقته بالله عز وجل , وهنا لا يحقق له مقصوده . سواء بالاستعانة بأمور الدنيا أو بأمور الآخرة .


إذن حينما نطرق باب الله عز وجل ونستجلب المنافع ومصالحنا الدنيوية والأخروية ونستدفع الشرور والأمور العظيمة التي تلحق بالعبد ,

لا بد من أن نحسن الاعتماد على الله ونفرد ه بذلك ونثق بالله عز وجل ,

هنا نكون قد حققنا الاستعانة المطلوبة .


سبحان الله العظيم , ان قضية العبد اذا حقق العبادة . التي هي مراد الرب عز وجل ,
وحقق الاستعانة بالله عز وجل على هذه العبادة , نال سعادة الدنيا والآخرة .

إذن حتى يكون الانسان في حالة من السعادة ,سواء في الدنيا والآخرة ,
السعادة التي تحقق له الاطمئنان النفسي ,

تعلمون انه اذاحقق مراد الرب عزوجل وتتبع رضاه ,ووحد الله عز وجل وأفرده بالعبادة ,
وانشغل بالأعمال الصالحة واستقام على شرع الله , في الزمن الذي يقضيه في هذه الدنيا , لا شك انه سيعقب ذلك الاطمئنان النفسي والسعادة النفسية , ويثاب العبد على طاعته في دنياه قبل آخرته .

ويجد راحة نفسية وسعادة بالرغم ما يمر به من البلايا لكن يوجد عنده معين نفسي , هو أثر الطاعة والعبادة , مع ما يدخره الله عز وجل له في الآخرة ,


يقول السعدي رحمه الله : والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية , والنجاة من جميع الشرور


إذن اذا اراد العبد ان يسعد وينجو من الشرور , فعليه بعبادة الله عز وجل وتوحيده , والاستعانة به على ذلك ,

فإنما يؤتى العبد من إحدى الأمرين :

-- إما أن تكون استعانته ضعيفة

-- أو تكون عبادته فيها من النقص ما يشوبها ويجعلها غير مقبولة .


لنفرض ان العبد يريد ان يطرق باب الرزق من الله عز وجل فإنه يعتمد على الله عز وجل في طلب التوفيق ويظن ويعتقد بأن الله هو الموفق في ذلك , مع بذل الاسباب , ثم الثقة بالله عز وجل بأنه سينجز له ما يريد, فلا يلتفت القلب لغيره سبحانه وتعالى ولا يعتمد العبد على ذكائه أو عمله أو الواسطة .... فقط يعتمد على الله عز وجل وما سبق هي أسباب قد تنفع وقد لا تنفع .


والعبد دائما يؤتى من هذه الثغرة :
يقول بأنه يستعين بالله ولكن قلبه لا يعتمد على الله وانما يعتمد على الواسطة أو مهاراته أو الواسطة أو شهاداته ,أو علمه وعقله ودينه ,

وعلى غيرها من الأمور التي تعتبر أسباب وهبه الله اياها .لا تنفعه إلا اذا جعلها الله تعالى نافعة .

إذن هو يبذل لأنه مأمور ببذل الأسباب الشرعية أو الأسباب القدرية , لكن لا يتكل عليها .

يبذلها دون النظر اليها , قد تنفع وقد لا تنفع , يعتمد فقط على الله تعالى

من حسن ظنه به , فيثق به سبحانه وتعالى فيحصل له المقصود .


وهذا الأمر يحتاج الى تصفية في القلب يا إخوتي , وقطع كل تعلقات القلب بغير الله تعالى ,
وليس من السهل عدم التفات القلب لغير الله تعالى


مثلا اذا كان بيدي مال , فأنا واثقة تماما ومطمئنة بأني بخير ولن يصيبني مكروه أو فقر ,

ولكن هل أن واثقة بما عندي أوثق بماعند الله عز وجل ؟؟؟

لأنه من الممكن أن يصيبني فقر .

الانسان لا يصل الى مرحلة عظيمة عند الله حتى يكون أوثق فيما عند الله أكثر من ثقته فيما عنده . وهذا من يحصله ؟؟؟؟؟؟


لنضرب مثال

أحدنا عنده واسطة لدخول عمل يسعى وراءه , لينظر الى التفات قلبه , هو طبعا سيقول : انا استعنت بالله , ولكن لينظر الى قلبه , هل هو معتمد فعلا على الله ؟؟ أم يوجد ميل بأن هذه الواسطة ما تدخلت في أمر الا حققت المقصود ؟


قليل منا من ينجح بهذا الإمتحان , لأن القلب سيلتفت الى هذه الواسطة بل ومن الممكن أن يعتمد عليها .

إذن لا يكفي الاعتماد وحده على الله تعالى بل الثقة في انجاز الله تعالى للمطلوب.

ما يعجزه الله تعالى أن يعطيك ولا ينقص من ملكه , وهو أهل لأن يعطيك ,

لذا اعتمد على الله لا على أي شئ مما تملكه أو عند غيرك من الناس ,

ثم الثقة بالله تعالى بأنه سيعطيك مما عنده ولو بعد حين ,

لأن الله تعالى يقول :

أنا عند ظن عبدي بي , فلظن بي ما يشاء , إن خيرا فخير وإن شر فشر .


فكما تظن بالله عز وجل يعطيك , ان شككت به فيعطيك على هذا الشك , وإن وثقت به أعطاك على ثقتك ,
لأنه أهل لذلك , فلما سوء الظن بالله عز وجل ؟؟؟

العبادة لا نسميها عبادة الا اذا كان فيها التأله والتعبد لله تعالة مع المحبة التعظيم

ولكن شروط قبولها :
1" أن تكون مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم أي المتابعة لسنته
2" أن تكون خالصة لله تعالى
ويوجد شروط أخرى تعتبر تفصيلات لهذين الشرطين الأساسيين .


وهذا قول الشيخ السعدي رحمه الله : وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله , فبهذين الأمرين تكون عبادة .

وقال أيضا رحمه الله :

وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته الى الاستعانة بالله تعالى , فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريد من فعل الأوامر واجتناب النواهي .

ذكرنا سابقا : أنه قدم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص

ومن باب تقديم حق الله تعالى على حق العبد

والآن نجد أن قدم العبادة على الاستعانة : لاحتياج العبد في جميع عباداته الى الاستعانة بالله عز وجل , اياك نعبد واياك نستعين ,

ويقصد بقوله : مع دخولها فيها , أن الاستعانة نوع من أنواع العبادات .

لذلك لا يظن أحدنا أنه يستطيع القيام بعبادة من العبادات بدون توفيق الله له , صحيح أن العبد مأمور أن يعمل ويجتهد ويتعبد ... ولكن لا يغيب عن ذهنه أن الموفق والمعين هو الله عز وجل , ومقدار حاجتنا للاستعانة بالله عز وجل كحاجتنا لهذا النفس الذي يتردد عندنا ,

هذا يظهر فقر العبد وحاجته لمولاه عز وجل في كل الأمور , الاستقامة والهداية وحتى إقامة الصلاة وإحسان الوضوء وإحسان الذكر , والمداومة والثبات على كل هذا , لا يستطيع الانسان أن يفعلها من نفسه , صحيح أنه يبدأ فيها لكنه قد لا يستطيع الإكمال .

فلو تأملنا لشدة حاجتنا للاستعانة و شدة حاجتنا للعبادة , ولكن من الغفلة قد لا يدرك المرء مدى حاجته للعبادة والاستعانة , حاجته بأن يبدأ بالعبادة وأن يخلصها من شوائب الشرك , وأن يوفق لها ويهتدي لها ويفعلها على الوجه المأمور به , وأن يأتي بها مستقيمة , وأن يداوم ويموت عليها ولا يقطعها , وأن تصعد هذه العبادة وتكون مقبولة عند الله عز وجل , وغيرها

كل هذه أمور نحتاج أن نستعين بالله تعالى عليها , اذن العبد محتاج في جميع عباداته الى الاستعانة .

سبحان الله

ان استحضر القلب كل هذه الأمور , لانكسر العبد وعلم بشدة فاقته وحاجته لمولاه عز وجل ,

ولعلم العبد أنه لا يستطيع القيام بشئ لوا توفيق الله له

وعلى العبد أن لا ينظر الى أعماله وكميتها , بل يذكر فاقته وحاجته ومعاصيه , حتى يقوده ذلك ويدفعه الى العمل , لأنه قد تكون أعماله هذه كلها لا تنفع عند الله عز وجل اذا شابها شئ من الشرك .


فالعبد يكون في حالة من الخوف من الله والرجاء بالله .يخاف ان يرد الله عليه عمله , ويرجوالله تعالى ان يقبل عمله , ويحسن الظن بأنه وفقه الى القيام بالأعمال على الوجه الذي يرضاه عز وجل , لكن لا ينظر الى أعماله .

لننظر الى الانسان الذي يمشي على الأرض ويقوم بعمل الطاعات والعبادات ويفعل كذا وكذا ,,, وأمور كلها خير وطاعات ..ينظر الى نفسه ويعظم ذلك في نفسه , فإذا ما وقع بالمرض فإنه يترك كل ذلك , وبالكاد يستطيع أن يأتي بالواجبات .

فمن الذي يعين إذن ؟؟ طبعا الله عز وجل , فلولا عون الله تعالى لعبده , ما استطاع العبد أن يتحرك . فالعبد محتاج الى ان الله يحوطه بعنايته ورعايته ويرحمه ويلطف به

وكم من لطف الله تعالى احاط بالعبد من غير أن يعلم العبد بذلك , يكفيه شر نفسه مثلا , ويدفع عنه أمور مغيبة عنه , فالعبد إن لم يعنه الله عز وجل لم يحصل له المراد من فعل الأوامر واجتناب النواهي .

إذن

حتى العبادة التي نعملها , لا ننظر بها الى أنفسنا ,لأنها من فضل الله ومنته علينا .ولاحق للعبد عند ربه , اذا كان الله تعالى هو الذي خلقه وبرأه وأعده وأمده وأمره ثم أعانه على فعل الأمر وأعطاه الأدوات المعينة له من عقل وغيره .. ووفقه الى أن يتحرك ويعمله , ولو وكل العبد الى نفسه ما استطاع ان يفعل شئ , فالعبد محتاج الى ان يطرق باب الله تعالى وينكسر بين يديه ويلجأ اليه ويستعين به , عز وجل , ليس فيأمر الآخرة فقط وإنما في أمور الدنيا والآخرة على حد سواء .

سبحان الله العظيم , جل جلاله .


من فوائد هذه الآية :


1" إخلاص العبادة لله عز وجل , قال تعالى * اياك نعبد *


فقد قدمنا اياك على نعبد , فلو قلنا نعبدك : لفهمنا انه نعبدك ونعبد غيرك , فحتى يكون المقصود لا اله إلا الله : قدم هنا المعمول اياك علة نعبد , فأصبح معنى القول ,لا اله نعبده إلا انت



2" إخلاص الاستعانة بالله عز وجل , لقوله تعالى * واياك نستعين * .




يقول تعالى :


* اهدنا الصراط المستقيم *



يقول الشيخ السعدي :(اهدنا الصراط المستقيم ) , أي دلنا وأرشدنا ووفقنا للصراط المستقيم



الهداية هنا تنقسم الى قسمين :


1" هداية دلالة وإرشاد وتعليم وبيان


2" هداية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر .



الاولى هداية التعليم والبيان , والعبد يقبله أو لا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل ما بعثت له من الهدى كمثل الغيث ,


فالرسول عرض رسالته على الناس , فانقسم الناس الى قسمين : مستقبل لهذا العلم ومنتفع به


ومنهم من لم يرفع به رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسل به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ,




الثانية : هداية التوفيق أي خلق التوفيق , أي ان الله تعالى يعطي العبد الأسباب التي تجعله يتعلم ويعمل ويستقيم ويصلي ويتصدق و... يعني يوفقه لكل خير ,ويعصمه من كل شر .


حينما نقول ( اهدنا الصراط المستقيم ) فإننا نطلب نوعين من الهداية , ان يعلمنا الله تعالى ويهدينا للعلم النافع ويهدينا للعمل بهذا العلم .



فالعبرة ليس بأني أعرف ولكن العبرة أني أعمل بما عرفت , فكم من المعلومات التي أعرفها ..الشئ الكثير . لكن هل أعمل بما أعلم ؟؟ والثبات على العمل والاستقامة عليه ؟


كلها أمور تحتاج الى عون وطلب الهداية .


لذا فإن طلب الهداية من أعظم المطالب .



ما هو الصراط المستقيم ؟



هل هو موجود في الحياة الدنيا ؟



نقول أن الصراط المستقيم هو الجسر الذي ينصب على ظهر جهنم .


لكن في الحياة الدنيا , يوجد شئ يسمى الصراط المستقيم ؟


وما هو الطريق الموصل الى الله عز وجل ؟



طبعا نقول : الاسلام


ولزوم دين الاسلام بما فيه من تشريعات أقوال وأفعال والاستقامة عليه وتطبيقه ,


هو الطريق الموصل لله عز وجل , الذي نسأل الله تعالى أن نستقيم عليه , وأن نطبق ما فيه ,


فنحن نسأل الله تعالى أن يهدينا : أي يدلنا ويعلمنا ما هو الاسلام , وما هي الاعتقادات التي يجب علينا ان نعتقدها , وكيف نثبت عليها , ثم العمل بما علمت ,حتى يكون هذا العلم نافع .


هذا الصراط المستقيم في الدنيا



أم في الآخرة فا الصراط المستقيم الذي كان بالنسبة لي معنويا في الدنيا , يصبح حقيقيا أسير عليه , وهو جسر ينصب على ظهر جهنم , ويكون سيري عليه سرعة وإنارة بحسب عملي في الدنيا .



نقف هنا ونكمل الدرس القادم ان شاء الله



أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه لعلكم ترحمون , وصلي اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمين تسليما كثيرا




والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:25 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[تفريغ] تفريغ الدروس الصوتية لمادة حلية طالب العلم سـمـا أرشيف الفصول السابقة 7 19-12-13 11:35 AM


الساعة الآن 12:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .