|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
01-02-13, 02:18 PM | #1 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
" الطريق إلى القرآن " مقالات نفيسة للغاية للشيخ إبراهيم السكران.
" الطريق إلى القرآن " مقالات نفيسة للغاية للشيخ إبراهيم السكران. بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا تفريغ كامل للكتاب الرائع النفيس: " الطريق إلى القرآن " للشيخ/ إبراهيم السكران - حفظه الله تعالى ونفع به - وهو عبارة عن مقالات متعددة للشيخ إبراهيم, مجموعة في كتاب واحد, وهذه المقالات تتحدث عن القرآن كما هو مبين من عنوان الكتاب, وقد أعجب به وانتفع منه الكثير من المشايخ وطلبة العلم وغيرهم من الناس. ويكفي لفضله: أنك لا تكاد تجد منه نسخة تقتنيها من المكتبات لسرعة نفاده منها إلا أن يشاء الله !. ويكفي لفضله أيضًا: أن المحامي عاصم المشعلي - وهو الذي كتب في تويتر عن زيارته للشيخ العلامة سليمان العلوان في السجن - نقل حكاية عن الشيخ العلوان ما يلي: " كما أظهر فرحه الشديد بكتاب (الطريق إلى القرآن) لمؤلفه الشيخ/ إبراهيم السكران وتمنى تبني مشروع مليون نسخة لإدخاله كل بيت وقال: فكرته نادرة ".اهـ (1) وها أنا أنشره هنا نسخًا ولصقًا لأفيد به الإخوة, ولتظهر نصوصه عند البحث العام في المحركات العالمية و في الملتقى خصوصًا. والله يجزي الشيخ إبراهيم خير الجزاء على تعظيمه لكتاب ربه سبحانه, ولنفعه بمقالاته هذه الناس. والحمد لله رب العالمين مما راق لي </b></i> |
01-02-13, 02:19 PM | #2 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
المحتوى/ 1- مدخل. 2- سطوة القرآن. 3- تأمل .. كيف انبهروا. 4- منازل الشعريين. 5- القلوب الصخرية. 6- الشاردون. 7- تطويل القرآن. 8- من منازل التدبر. 9- كل المنهج في أم الكتاب. 10- دوي الليالي الرمضانية. 11- خاتمة. </b></i> |
01-02-13, 02:21 PM | #3 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
مدخل : الحمد لله وبعد،، لطالما أبهرني حديث بعض الصالحين إذ يتحدثون عما يرونه من فرق مبهر في حياتهم، وعن فرقٍ عظيمٍ في فهمهم وصحة نظرهم واستقرار تفكيرهم؛ ببركة هذا القرآن .. ولطالما أبهرني حديث بعض الصالحين إذ يبثون شجواهم عما يجدونه في أنفسهم بعد تلاوة القرآن.. يتحدثون عن شيء يحسون به، كأنما يلمسونه بحواسهم، من قوة الإرادة في فعل الخيرات والتأبي على المعاصي.. وراحة النفس في صراعات الأفكار والمنافسات الاجتماعية .. بل لقد أبهرني فوق ذلك كله تشرّف النبي صلى الله عليه وسلم ذاته بالقرآن! سيد ولد آدم يتشرف بكتاب الله.. فانظر كيف يرسم القرآن حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل القرآن، وحال النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرآن، كما قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾ [الشورى:52]. وقول الله سبحانه ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف : 3]. فانظر بالله عليك كيف تأثرت حال النبي صلى الله عليه وسلم بعد إنزال القرآن عليه، بل انظر ما هو أعجب من ذلك وهو حال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة إذا راجع ودارس القرآن مع جبريل كيف يكون أجود بالخير من الريح المرسلة كما في البخاري، هذا وهو رسول الله الذي كمل يقينه وإيمانه، ومع ذلك يتأثر بالقرآن فيزداد نشاطه في الخير، فكيف بنفوسنا الضعيفة المحتاجة إلى دوام العلاقة مع هذا القرآن.. بل انظر كيف جعل خاصية الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة هذا القرآن فقال : ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ [البينة : 2]. وانظر إلى ذلك التصوير الشجي لحال أهل الإيمان في ليلهم كيف يسهرون مع القرآن ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [آل عمران : 113] . أترى أن الله جل وعلا ينوع ويعدد التوجيهات لتعميق العلاقة مع القرآن عبثاَ ؟ فتارةً يحثنا صراحة على التدبر ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [محمد : 24] .. وتارةً يحثنا على الإنصات إليه ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾ [الأعراف : 204] .. وتارةً يأمرنا بالتفنن في الأداء الصوتي الذي يخلب الألباب لتقترب من معاني هذا القرآن ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل : 4] . وتارةً يأمرنا بالتهيئة النفسية قبل قراءته بالاستعاذة من الشيطان لكي تصفو نفوسنا لاستقبال مضامينه ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل : 98] .. وتارةً يغرس في نفوسنا استبشاع البعد عن القرآن ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان : 30] .. وتارات أخرى ينبهنا على فضله، وتيسيره للذكر فهل من مدكر، وعظيم المنة به... الخ، كل ذلك ليرسخ علاقتنا بالقرآن .. فهل تُرى ذلك كله كان اتفاقاً ومصادفة لا تحمل وراءها الدلالات الخطيرة؟! بل هل من المعقول أن يكون القرآن الذي أقسم الله به، وتمدح بالتكلم به، وجعله أعظم الكتب السماوية التي أنزلها سبحانه، وخص به أفضل البشرية محمداً صلى الله عليه وسلم ، وجعل حفظ ألفاظه خاصية أهل العلم، هل من المعقول أن تكون كل هذه الخصائص والشرف والعظمة للقرآن ويكون كتاباً اعتيادياً في حياتنا؟! لا بد أن هذا الشرف للقرآن يعكس عظمةً في مضامين ومحتويات هذا القرآن ذاته، ولا بد أن يكون لهذا القرآن حضور في حياتنا يوازي هذه العظمة. وفي هذه الرسالة القصيرة التي بين يديك حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا، وآثاره المبهرة الحسية والمعنوية. </b></i> |
01-02-13, 02:22 PM | #4 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
1- سطـوة القـرآن من أعجب أسرار القرآن وأكثرها لفتاً للانتباه تلك السطوة الغريبة التي تخضع لها النفوس عند سماعه .. (سطوة القرآن) ظاهرة حارت فيها العقول .. حين يسري صوت القارئ في الغرفة يغشى المكان سكينة ملموسة تهبط على أرجاء ما حولك .. تشعر أن ثمة توتراً يغادر المكان .. كأن الجمادات من حولك أطبقت على الصمت.. كأن الحركة توقفت.. هناك شيء ما تشعر به لكنك لا تستطيع أن تعبر عنه.. حين تكون في غرفتك - مثلاً - ويصدح صوت القارئ من جهازك المحمول، أوحين تكون في سيارتك في لحظات انتظار ويتحول صوت الإذاعة إلى عرض آيات مسجلة من الحرم الشريف .. تشعر أن سكوناً غريباً يتهادى رويداً رويداً فيما حولك.. كأنما كنت في مصنع يرتطم دوي عجلاته ومحركاته ثم توقف كل شيء مرة واحدة.. كأنما توقف التيار الكهربائي عن هذا المصنع مرة واحدة فخيم الصمت وخفتت الأنوار وساد الهدوء المكان.. هذه ظاهرة ملموسة يصنعها (القرآن العظيم) في النفوس تحدث عنها الكثير من الناس بلغة مليئة بالحيرة والعجب.. يخاطبك أحياناً شاب مراهق يتذمر من والده أو أمه .. فتحاول أن تصوغ له عبارات تربوية جذابة لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعلا له .. وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك .. فإذا استعضت عن ذلك كله وقلت له كلمة واحدة فقط: يا أخي الكريم يقول تعالى ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:24] رأيت موقف هذا الفتى يختلف كلياً.. شاهدت هذا بأم عيني .. ومن شدة انفعالي بالموقف نسيت هذا الفتى ومشكلته .. وعدت أفكر في هذه السطوة المدهشة للقرآن.. كيف صمت هذا الشاب وأطرق لمجرد سماع قوله تعالى ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ .. حتى نغمات صوته تغيرت .. يا ألله كيف هزته هذه الآية هزاً .. حين قدمت للمجتمع الغربي أول مرة قبل ثلاث سنوات للدراسة؛ اعتنيت عناية بالغة بتتبع قصص وأخبار (حديثي العهد بالإسلام) .. كنت أحاول أن أستكشف سؤالاً واحداً فقط: ما هو أكثر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟ (حتى يمكن الاستفادة منه في دعوة البقية). كنت أتوقع أنني يمكن أن أصل إلى (نظرية معقدة) حول الموضوع، أو تفاصيل دقيقة حول هذه القضية لا يعرفها كثير من الناس، وقرأت لأجل ذلك الكثير من التجارب الذاتية لشخصيات غربية أسلمت، وشاهدت الكثير من المقاطع المسجلة يروي فيها غربيون قصة إسلامهم، وكم كنت مأخوذاً بأكثر عامل تردد في قصصهم، ألا وهو أنهم (سمعوا القرآن وشعروا بشعور غريب استحوذ عليهم) هذا السيناريو يتكرر تقريباً في أكثر قصص الذين أسلموا، وهم لا يعرفون اللغة العربية أصلاً! إنها سطوة القرآن.. والله يقول ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر : 21] هذا تأثر الجمادات فكيف بالبشر؟! ومن أعجب أخبار سطوة القرآن قصة شهيرة رواها البخاري في صحيحه وقد وقعت قبل الهجرة النبوية وذلك حين اشتد أذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب، فحينذاك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة، فخرج أبو بكر يريد الهجرة للحبشة فلقيه مالك بن الحارث (ابن الدغنّة) وهو سيد قبيلة القارَة، وهي قبيلة لها حلف مع قريش، وتعهد أن يجير أبا بكر ويحميه لكي يعبد ربه في مكة، يقول الراوي: (فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين). [البخاري: 2297] هذه الكلمة (فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم) من العبارات التي تطرق ذهني كثيراً حين أسمع تالياً للقرآن يأخذ الناس بتلابيبهم .. ومعنى يتقصّف أي يزدحمون ويكتظون حوله مأخوذين بجمال القرآن.. فانظر كيف كان أبو بكر لا يحتمل نفسه إذا قرأ القرآن فتغلبه دموعه .. وانظر لعوائل قريش كيف لم يستطع عتاة وصناديد الكفار الحيلولة بينهم وبين الهرب لسماع القرآن.. ومن أكثر الأمور إدهاشاً أن الله - جل وعلا - عرض هذه الظاهرة البشرية أمام القرآن على أنها دليل وحجة، فالله سبحانه وتعالى نبهنا إلى أن نلاحظ سطوة القرآن في النفوس باعتبارها من أعظم أدلة هذا القرآن ومن ينابيع اليقين بهذا الكتاب العظيم، ولم يشر القرآن إلى مجرد تأثر يسير، بل يصل الأمر إلى الخرور إلى الأرض .. هل هناك انفعال وتأثر وجداني أشد من السقوط إلى الأرض؟ تأمل معي هذا المشهد المدهش الذي يرويه ربنا جل وعلا عن سطوة القرآن في النفوس: ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء:107] بالله عليك أعد قراءة هذه الآية وأنت تتخيل هذا المشهد الذي ترسم هذه الآية تفاصيله: قوم ممن أوتو حظاً من العلم حين يتلى عليهم شيء من آيات القرآن لا يملكون أنفسهم فيخرون إلى الأرض ساجدين لله تأثراً وإخباتاً .. يا ألله ما أعظم هذا القرآن.. بل تأمل في أحوال قوم خير ممن سبق أن ذكرهم الله في الآية السابقة .. استمع إلى انفعال وتأثر قوم آخرين بآيات الوحي، يقول تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم:57] هذه الآية تصور جنس الأنبياء .. ليس رجلاً صالحاً فقط.. ولا قوم ممن أوتوا العلم .. ولا نبيّاً واحداً أو نبيين .. بل تصور الآية (جنس الأنبياء) .. وليست الآية تخبر عن مجرد أدب عند سماع الوحي وتأثر يسير به.. بل الآية تصور الأنبياء كيف يخرون إلى الأرض يبكون.. الأنبياء .. جنس الأنبياء .. يخرون للأرض يبكون حين يسمعون الوحي .. ماذا صنع في نفوسهم هذا الوحي العجيب؟ وقوم آخرون في عصر الرسالة ذكر الله خبرهم في معرض المدح والتثمين الضمني في صورة أخاذة مبهرة يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ [ المائدة:83] أي شخص يقرأ الآية السابقة يعلم أن هذا الذي فاض في عيونهم من الدموع حين سمعوا القرآن أنه شيء فاق قدرتهم على الاحتمال .. هذا السر الذي في القرآن هو الذي استثار تلك الدمعات التي أراقوها من عيونهم حين سمعوا كلام الله .. لماذا تساقطت دمعاتهم؟ إنها أسرار القرآن.. هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني الإنسان حين يسمعون القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أو ملاحظات نفسانية.. بل هي شيء أخبرنا الله أنه أودعه في هذا القرآن .. ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط .. بل - أيضاً - تأثيره الخارجي على الجوارح .. الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن.. قشعريرة عجيبة تسري في أوصال الإنسان حين يسمع القرآن .. يقول تعالى: ﴿اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر : 23] لاحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر، تقشعر الجلود، ثم تلين، إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الإيماني، بل والاستعداد المفتوح للانقياد لمضامين الآيات.. ولذلك مهما استعملت من (المحسّنات الخطابية) في أساليب مخاطبة الناس وإقناعهم فلا يمكن أن تصل لمستوى أن يقشعر الجلد في رهبة المواجهة الأولى بالآيات، ثم يلين الجلد والقلب لربه ومولاه، فيستسلم وينقاد بخضوع غير مشروط.. هذا شيء يراه المرء في تصرفات الناس أمامه.. جرب مثلاً أن تقول لشخص يستفتيك: هذه معاملة بنكية ربوية محرمة بالإجماع، وفي موقف آخر: قدم بآيات القرآن في تحريم الربا، ثم اذكر الحكم الشرعي، وسترى فارق الاستجابة بين الموقفين؛ بسبب ما تصنعه الآيات القرآنية من ترويض النفوس والقلوب لخالقها ومولاها، تماماً كما قال تعالى ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.. وفي مقابل ذلك كله .. حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا يخضع لمضامينها، ولا ينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره، وهو هاجر لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد الله من عباده، إذا رأيت ذلك كله؛ فاحمد الله يا أخي الكريم على العافية، وتذكر قول الله سبحانه ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 22] وحين يوفقك ربك فيكون لك حزب يومي من كتاب الله (كما كان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزاب يومية من القرآن) فحين تنهي تلاوة وردك اليومي فاحذر يا أخي الكريم أن تشعر بأي إدلال على الله أنك تقرأ القرآن، بل بمجرد أن تنتهي فاحمل نفسك على مقام إيماني آخر؛ وهو استشعار منة الله وفضله عليك أن أكرمك بهذه السويعة مع كتاب الله، فلولا فضل الله عليك لكانت تلك الدقائق ذهبت في الفضول كما ذهب غيرها، إذا التفتت النفس لذاتها بعد العمل الصالح نقص مسيرها إلى الله، فإذا التفتت إلى الله لتشكره على إعانته على العبادة ارتفعت في مدارج العبودية إلى ربها ومولاها، وقد نبهنا الله على ذلك بقوله تعالى ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: 21] وقول الله ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف : 43]. فتزكية النفوس فضل ورحمة من الله يتفضل بها على عبده، فهو بعد العبادة يحتاج إلى عبادة أخرى وهي الشكر والحمد، وبصورة أدق فالمرء يحتاج لعبادة قبل العبادة، وعبادة بعد العبادة، فهو يحتاج لعبادة الاستعانة قبل العبادة، ويحتاج لعبادة الشكر بعد العبادة.. وكثير من الناس إذا عزم على العبادة يجعل غاية عزمه التخطيط والتصميم الجازم .. وينسى أن كل هذه وسائل ثانوية .. وإنما الوسيلة الحقيقية هي (الاستعانة) .. ولذلك وبرغم أن الاستعانة في ذاتها عبادة إلا أن الله أفردها بالذكر بعد العبادة فقال ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة :5]. وهذه الاستعانة بالله عامة في كل شيء، في الشعائر، وفي المشروعات الإصلاحية، وفي مقاومة الانحرافات الشرعية، وفي الخطاب الدعوي، فمن استعان بالله ولجأ إليه فتح الله له أبواب توفيقه بألطف الأسباب التي لا يتصورها.. على أية حال، لا يمكن أن يفوت القارئ ملاحظة هذه الانفعالات التي يحدثها القرآن في النفوس، والتي هي (سطوة القرآن) فعلاً، والسطوة أصل معناها كما يقول ابن فارس (أصل يدل على القهر والعلو)، فالقرآن له قهر وعلو ملموس على النفوس، وهذا المعنى نظير وصف الله للقرآن بالإزهاق ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾[الإسراء : 81]، ونظير وصف الله للقرآن بالدمغ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ﴾[الأنبياء : 18]، ونظير وصف الله لقرآن بتصديع الكائنات ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾[الحشر : 21] ونظير تشبيه الله للقرآن بالبرق ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾[البقرة : 20] كما نبّه على هذا التشبيه ابن عباس رضي الله عنه. ولصحة هذا المعنى فإنك تجد في كتب الآثار أوصافاً للقرآن تدور حول أثره في النفوس، كعبارة (زواجر القرآن) وعبارة (قوارع القرآن)، ونحوها مما هو متداول في كتب الآثار. والسطوة بمعنى العقوبة فعلٌ لائق بالله كما جاء في بعض الآثار عند ابن حبان وغيره (إن الله إذا أنزل سطوته)، ويكثر في كتب التفسير بالمأثور كالطبري وابن كثير ونحوهم قوله (يحذرهم الله سطوته). اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم أحي قلوبنا بكتابك، اللهم اجعلنا ممن إذا استمع للقرآن اقشعر جلده ثم لان جلده وقلبه لكلامك، اللهم اجعلنا ممن إذا سمع ما أنزل إلى رسولك تفيض عيوننا بالدمع، اللهم اجعلنا ممن إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً، اللهم إنا نعوذ بك ونلتجئ إليك ونعتصم بجنابك أن لا تجعلنا من القاسية قلوبهم من ذكر الله. </b></i> |
01-02-13, 02:25 PM | #5 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
2- تأمل .. كيف انبهروا !
تأمل كيف تنفعل (الجمادات الصماء) بسكينة القرآن ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾[الحشر : 21]. الجبال الرواسي التي يضرب المثل في صلابتها تتصدع وتتشقق من هيبة كلام الله.. وتأمل كيف انبهر (نساء المشركين وأطفالهم) بسكينة القرآن، ففي صحيح البخاري : (أن أبا بكر ابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين)[البخاري: 2297]. والتقصف هو الازدحام والاكتظاظ.. وتأمل كيف انبهر (صناديد المشركين) بسكينة القرآن، ففي البخاري أن جبير بن مطعم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يفاوضه في أسارى بدر، فلما وصل إلى النبي وإذا بالمسلمين في صلاة المغرب، وكان النبي إمامهم، فسمع جبير قراءة النبي، ووصف كيف خلبت أحاسيسه سكينة القرآن، كما يقول جبير بن مطعم: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾[الطور : 35 - 37] كاد قلبي أن يطير)[البخاري : 4854]. لله در العرب ما أبلغ عباراتهم.. هكذا يصور جبير أحاسيسه حين سمع قوارع سورة الطور، حيث يقول: (كاد قلبي أن يطير)، هذا وهو مشرك، وفي لحظة عداوة تستعر إثر إعياء القتال، وقد جاء يريد تسليمه أسرى الحرب، ففي خضم هذه الحالة يبعد أن يتأثر المرء بكلام خصمه، لكن سكينة القرآن هزّته حتى كاد قلبه أن يطير.. وتأمل كيف انبهرت تلك المخلوقات الخفية (الجن) بسكينة القرآن، ذلك أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في موضع يقال له (بطن نخلة) وكان يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فهيأ الله له مجموعة من الجن يسمون (جن أهل نصيبين)، فاقتربوا من رسول الله وأصحابه، فلما سمعوا قراءة النبي في الصلاة انبهروا بسكينة القرآن، وأصبحوا يوصون بعضهم بالإنصات، كما يقول تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف : 29]. وأخبر الله في موضع آخر عن ما استحوذ على هؤلاء الجن من التعجب فقال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾[الجن : 1]. وتأمل كيف انبهر (صالحوا البشر) بسكينة القرآن، فلم تقتصر آثار الهيبة القرآنية على قلوبهم فقط، بل امتدت إلى الجلود فصارت تتقبّض من آثار القرآن، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾[الزمر : 23]. وتأمل كيف انبهر (صالحوا أهل الكتاب) بسكينة القرآن، فكانوا إذا سمعوا تالياً للقرآن ابتدرتهم دموعهم يراها الناظر تتلامع في محاجرهم كما صورها القرآن في قوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾[المائدة : 82-83]. وتأمل كيف انبهرت (الملائكة الكرام) بسكينة القرآن، فصارت تتهادى من السماء مقتربةً إلى الأرض حين سمعت أحد قراء الصحابة يتغنى بالقرآن في جوف الليل، كما في صحيح البخاري عن أسيد بن حضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال رسول الله "وتدري ما ذاك؟" قال: لا. قال رسول الله " تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم " ) [البخاري : 5018]. وتأمل كيف انبهر (الأنبياء) عليهم أزكى الصلاة والسلام بسكينة الوحي، كما يصور القرآن تأثرهم بكلام الله، وخرورهم إلى الأرض، وبكاءهم؛ كما في قوله تعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾[مريم : 58]. وأخيراً .. تأمل كيف انبهر أشرف الخلق على الإطلاق، وسيد ولد آدم (محمد) صلى الله عليه وسلم ؛ بسكينة القرآن، ففي البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ علي"، فقلت: أقرأ عليك يا رسول الله وعليك أنزل؟ فقال رسول الله: " إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، فقرأت النساء حتى إذا بلغت "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"، قال لي رسول الله: " كف، أو أمسك"، فرأيت عينيه تذرفان)[البخاري : 5055]. يا لأسرار القرآن .. ويا لعجائب هذه الهيبة القرآنية التي تتطامن على النفوس فتخبت لكلام الله، وتتسلل الدمعات والمرء يداريها ويتنحنح، ويشعر المسلم فعلاً أن نفسه ترفرف من بعد ما كانت تتثاقل إلى الأرض .. هكذا إذن .. الجمادات الرواسي تتصدع، ونساء المشركين وأطفالهم يتهافتون سراً لسماع القرآن، وصنديد جاء يفاوض في حالة حرب ومع ذلك "كاد قلبه يطير" مع سورة الطور، والجن استنصت بعضهم بعضاً وتعجبوا وولوا إلى قومهم منذرين، والمؤمنون الذين يخشون ربهم ظهر الاقشعرار في جلودهم، والقساوسة الصادقون فاضت عيونهم بالدمع، والملائكة الكرام دنت من السماء تتلألأ تقترب من قارئ في حرّات الحجاز يتغنى في جوف الليل بالبقرة، والأنبياء من لدن آدم إذا سمعوا كلام الله خروا إلى الأرض ساجدين باكين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع الآية تصور عرصات القيامة ولحظة الشهادة على الناس استوقف صاحبه ابن مسعود من شدة ما غلبه من البكاء.. رباه .. ما أعظم كلامك .. وما أحسن كتابك.. كتابٌ هذا منزلته، وهذا أثره؛ هل يليق بنا يا أخي الكريم أن نهمله؟ وهل يليق بنا أن نتصفح يومياً عشرات التعليقات والأخبار والإيميلات والمقالات، ومع ذلك ليس لـ (كتاب الله) نصيبٌ من يومنا؟ فهل كتب الناس أعظم من كتاب الله؟ وهل كلام المخلوقين أعظم من كلام الخالق؟! وهل روايات الساردين أعظم من قصص القرآن؟!! لقد اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قومه حين وقعوا في صفةٍ بشعة، فواحسرتاه إن شابهنا هؤلاء الكفار في هذه الصفة التي تذمر منها رسول الله، وجأر بالشكوى إلى الله منها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾[الفرقان : 30]. أي خسارة.. وأي حرمان.. أن يتجارى الكسل والخمول بالمرء حتى يتدهور في منحدرات (هجر القرآن).. إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حبيبنا الذي نفديه بأنفسنا وأهلينا وما نملك يشتكي إلى ربه الكفار بسبب (هجر القرآن) .. فهل نرضى لأنفسنا أن نخالف مراد حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل نرضى لأنفسنا أن ننزل في المربع الذي يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأين توقير نبينا صلى الله عليه وسلم؟. أخي الذي أحب له ما أحب لنفسي .. القضية لن تكلفنا الكثير، إنما هي دقائق معدودة من يومنا نجعلها حقاً حصرياً لكتاب الله .. نتقلب بين مواعظه وأحكامه وأخباره، فنتزكى بما يسيل في آياته العظيمة من نبض إيماني، ومعدن أخلاقي، والتزامات حقوقية، ورسالة عالمية إلى الناس كافة..</b></i> |
01-02-13, 02:28 PM | #6 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
3- منـازل الأشعـريين حادثةٌ حكاها لي مرةً أحد الأقارب قبل زهاء خمس عشرة سنة .. كان يتحدث لي بشكل عرضي لم يلقِ هو بالاً وهو يتحدث .. لكن قصته تلك لازالت تتناوب على ذهني بين فينة وأخرى .. قريبي هذا يسكن قرية حدودية في عالية نجد، ويروي لي أنه في الأيام العليلة من السنة يغلق أجهزة التكييف وينام قريباً من النافذة.. ويعلم عن دخول الثلث الأخير من الليل عبر صوت أحد الكهول في القرية يدخل المسجد مع الهزيع الأخير من الليل، وفي فناء المسجد يفترش طرفاً من السجادة الطويلة ويبدأ يرتل القرآن في صلاته بطريقة كبار السن المعهودة .. وهذه عادته كل ليلة.. منذ حكى لي قريبي تلك القصة وأنا أتحين ذلك الكهل لأرى صلاته الروحانية.. يا ليتك تراه وهو يقبض لحيته بين حين وآخر.. ثم يسترسل في قراءته.. لقد كاد يأخذ بأنحاء قلبي .. قراءته تلك ليست بتجويد مصقول.. ولا حتى بصوت أنيق.. ولكنها - وعزة جلال الله - فيها صدق ويقين أحس أن حوله هالة نور وهو يقرأ ويرتل.. صحيح أن القرآن بعامة يحمل طاقة تأثيرية تخلب لب المستمع .. ولكن هناك أمرٌ إضافي صرت ألمسه أخيراً .. وهو أن القرآن إذا خيم سكون الليل يكون عالماً آخر.. ثمة قدر إضافي في جلال القرآن لحظة سكون الليل.. ذلك الكهل القرآني .. توفي قبل سنيات قلائل رحمه الله رحمة واسعة .. ولكن ما الذي بعث قصته من مرقدها في ذهني؟ الحقيقة أن الذي أيقظ هذه القصة القديمة قصة مماثلة مرّت بي وأنا أتصفح صحيح البخاري .. وأنا واثق أنك منذ أن تقرأ هذه القصة في البخاري فلن تخطئ عينك وجه العلاقة .. فقد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل ، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل ، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار) [البخاري4232] لاحظ كيف لم ير النبي منازلهم بالنهار .. ثم استطاع أن يحدد موقعها لما خيم الليل بسبب ما بدأ يتسرب منها من حنين المرتلين.. إنها "منازل الأشعريين" .. يا ألله .. بالله عليك ألا تلمس في كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم حرارة الإعجاب لذلك الترتيل الذي يتهادى من منازلهم بالليل ؟! واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخبر عن مجرد سماعه مصادفة لتلاوتهم الليلية .. بل تكاد تتحسس كيف كان صلى الله عليه وسلم متأثراً بروعة ذلك الصوت القرآني لدرجة تتبع مصدره وتعيين موقعه في الليل، ثم الإخبار بذلك نهاراً.. هكذا يكشف مشاعره صلى الله عليه وسلم: (وأعرف منازل الأشعريين من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار).. هل تصدق أنني شعرت بحب جارف لأولئك الأشعريين الذين كانت أصواتهم بالقرآن بالليل تستثير إعجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بل لقد دفعني ذلك الحب أن أبحث عن شيء من أخبارهم في كتب التراجم والسير.. صحيح أنني وجدت لهم بعض الفضائل، لكنها لم تشفِ نفسي إلى الآن عن خبرهم، وخبر ليلهم الذي كانوا يسهرونه مع كتاب الله.. فاللهم ارض عن الأشعريين.. النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع القرآن بالنهار قطعاً، فلماذا جذبته قراءة الأشعريين وصار يتلفت إلى منازلهم إذن؟ لا أدري .. لكنني أميل إلى أنها أسرار القرآن بالليل .. فآيات القرآن إذا هبطت غيوم المساء صارت تتدفق بروحانية خاصة.. انبعاث صوت القارئ بالقرآن بين أمواج الليل الساكن قصة تنحني لها النفوس.. وقد مرت بي شواهد أخرى لاحظت فيها هذا الحنين النبوي لصوت القرآن بالليل.. ففي صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة لأبي موسى: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة) [مسلم : 1887]. يبدو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد اهتمامه لمصدر الصوت حين يسمع قارئاً يقرأ القرآن وسط ظلام الليل.. حتى أنه إذا أصبح أخبر أصحابه بتلك القراءات القرآنية الليلية.. وقوله "لو رأيتني وأنا أستمع" يدل على أن النبي أعار الأمر اهتمامه.. وأخذ ينصت.. تذكر معي هاهنا أن رسول الله يحفظ القرآن بإحفاظ الله له.. ومع ذلك ينصت لمصدر الصوت بالقرآن مهتماً .. ثم يخبر أصحابه بعد ذلك.. لماذا؟ إنها أسرار روحانية القرآن حين تستحوذ على سكون الليل البهيم.. ليس البشر فقط .. بل حتى الملائكة خرجت عن استتارها يوماً حين انبعث صوت الصحابي بالقرآن .. ففي صحيح البخاري عن أسيد بن حضير قال:"بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال رسول الله "وتدري ما ذاك؟" قال: لا. قال رسول الله: " تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم" [البخاري5018]. كلما سمعت قارئاً يتلوا شيئاً من سورة البقرة .. ومرت بي بعض المواضع المثيرة للعقل البشري.. وفي البقرة مواضع تهز النفوس هزاً أعظمها آية الكرسي التي كلها في أوصاف الجلال الإلهية، وقصة تقلب وجه الرسول في السماء تهفو نفسه لتغيير القبلة، وقصة ابتلاء إبراهيم الخليل بالكلمات وإمامته في الدين، وقصة الملأ من بني إسرائيل الذين طلبوا القتال ثم أخذوا يتساقطون على مراحل ، ومواضع عجيبة أخرى.. والمراد أنني كلما سمعت قارئاً يتلوا شيئاً من البقرة تذكرت تنزل الملائكة بأنوارهم حين أخذ أسيد بن الحضير يرتل البقرة وسط جنح الظلام.. لماذا تنزلت الملائكة كأنها المصابيح تتلألأ وخرجت عن استتارها؟ إنها عجائب كتاب الله حين يهيمن فوق سكون الليل.. بل تأمل في خبر أعجب من ذلك كله ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه بشتى الطرق - المباشرة وغير المباشرة - على تلاوة القرآن بالليل.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث رسائل ضمنية أثناء تحدثه مع أصحابه تغرس فيهم مركزية تلاوة القرآن إذا لفّ المساءُ المدينة.. ومن تلك القصص أنه ذُكِر مرة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل "شريح الحضرمي" فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بطريقة ليس من الصعب بتاتاً فهم الرسالة الضمنية فيها .. فقد روى النسائي وغيره بسند صحيح أن "شريحاً الحضرمي ذُكِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله " ذاك رجل لا يتوسد القرآن" [النسائي3/256] . دعني أعترف لك أولاً أنني حين قرأت هذا الحديث أول مرة لم يستبن لي وجهه؟ ما معنى " لا يتوسد القرآن"؟ وهل هناك أحد أصلاً يجعل القرآن وسادة لا سمح الله؟ وإذا بالمعنى أنه لا ينام بالليل ويترك حزبه من القرآن ، لكن البلاغة النبوية العظيمة صورت من ينام عن القرآن كأنه اتخذ القرآن وسادة! والنص له وجهان، إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يمدح من لا يتوسد القرآن، أو يذم من يتوسد القرآن، ورجح ابن الجوزي في غريبه والسندي في حاشيته الوجه الأول، وعلى كلا التقديرين فالحاصل هو تنبيه الرسول بطريقة بلاغية مثيرة على مكانة تلاوة القرآن بالليل.. إذا كان النوم عن القرآن شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذه "وسادة"، فيبدو أن وسائدنا تهتكت من كثرة النوم عليها! فاللهم ارحم الحال ولا تجعلنا ممن يتوسد محفوظاتنا من القرآن.. وفي كتاب الله إشارات إلى ذلك الجمال الأخاذ لقراءة الوحي بالليل .. منها أن الله تعالى أثنى مرة على قوم بذلك .. فقال تعالى في وصفهم: ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾[آل عمران113]. هل تستطيع أن تمنع الشجو حين تتخيل هؤلاء القوم الذين أحب الله فيهم التغني بآيات الوحي إذا أوى الناس إلى فرشهم؟ الله جل جلاله يثمن منهم هذا الموقف ويخلده في كتابه العظيم.. أخذت مرة أتأمل مثل هذه الأخبار القرآنية النبوية عن جلال القرآن في الليل.. وأخذت أتساءل : ما سبب ذلك يا ترى؟ هل هناك تفسير علمي لذلك؟ لم أصل لنتيجة حاسمة، لكن بدت لي بعض الإشارات في كتاب الله.. فقد أشار القرآن في غير موضع إلى كون الليل موضعاً للسكن كما قال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾[الأنعام 96]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾[النمل 86].. ففي أصل التكوين البشري يحتاج الإنسان إلى السكينة بالليل.. وتكون النفس مهيأة بما يعتريها من هذا الهدوء.. والوحي الإلهي من أعظم أسباب السكينة.. ومن هذا الباب كانت أحد الوجوه في تفسير ما في التابوت في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة:248] .. ولذلك فإن المعرض عن القرآن يصاب بالآلام النفسية كما قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾[طه:124] .. فالحياة الطيبة الحقيقية لا تكون إلا لأهل الإيمان كما قال تعالى : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[النحل97].. والمراد أن من تأمل اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم تجاه مصدر الصوت بالقرآن في الليل حين قال: (إني لأعرف منازل الأشعريين بالليل من أصواتهم بالقرآن) .. وحين قال لأبي موسى (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة) .. ومدح النبي صلى الله عليه وسلم لشريح الحضرمي بأنه (رجل لا يتوسد القرآن) .. وتنزل الملائكة كأنها المصابيح حين أخذ أسيد بن حضير يرتل سورة البقرة بالليل .. ومدح الله لأولئك القوم بأنهم ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾[آل عمران : 113] .. الخ من تأمل ذلك كله .. فهل سيبقى ليله يتصرم في سهرات ترفيهية مع الأصدقاء ، أو تصفح الترهات الفكرية ومقاطع اليوتيوب على شبكة الانترنت ؟! هل سيرحل أكثر اليوم وليس فيه إلا انهماك في تتبع تعليقات غير نافعة على شبكات التواصل الاجتماعي؟ هاهو العمر يمضي والناس من حولنا لا يمضي أسبوع إلا ويقال "أحسن الله عزاءك في فلان" .. فهل يا ترى سيفنى العمر هكذا في الفضول والترفيه ونحن لم نتذوق حلاوة كتاب الله آناء الليل؟ </b></i> |
02-02-13, 05:59 AM | #7 |
طالبة دورة أزاهير رَسم الحرف
|
نفع الله بك
جزاك الله خيرا على هذا الكنز العظيم |
09-04-13, 03:02 AM | #8 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
|
28-02-13, 10:12 PM | #9 |
~مشارِكة~
تاريخ التسجيل:
22-07-2008
المشاركات: 59
|
جزاك الله كل خير
|
09-04-13, 03:03 AM | #10 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي | مسلمة لله | روضة آداب طلب العلم | 31 | 02-08-16 12:15 PM |
[بحث] فوائد من فقه الصيام | لبنى أحمد | فقه الصيام | 12 | 11-12-13 02:23 AM |
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به | طـريق الشـروق | روضة القرآن وعلومه | 8 | 22-12-07 03:50 PM |