عرض مشاركة واحدة
قديم 19-07-10, 01:41 PM   #14
لآلئ الدعوة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القول في تأويل قوله تعالى : { الرحمن الرحيم } قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل قوله " الرحمن الرحيم " , في تأويل " بسم الله الرحمن الرحيم " , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . ولم يحتج إلى الإبانة عن وجه تكرير الله ذلك في هذا الموضع , إذ كنا لا نرى أن " بسم الله الرحمن الرحيم " من فاتحة الكتاب آية , فيكون علينا لسائل مسألة بأن يقول : ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع , وقد مضى وصف الله عز وجل به نفسه في قوله " بسم الله الرحمن الرحيم " , مع قرب مكان إحدى الآيتين من الأخرى ومجاورتها لصاحبتها ؟ بل ذلك لنا حجة على خطأ دعوى من ادعى أن بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب آية إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظ واحد مرتين من غير فصل يفصل بينهما . وغير موجود في شيء من كتاب الله آيتان متجاورتان مكررتان بلفظ واحد ومعنى واحد , لا فصل بينهما من كلام يخالف معناه معناهما , وإنما يأتي بتكرير آية بكمالها في السورة الواحدة , مع فصول تفصل بين ذلك , وكلام يعترض به معنى الآيات المكررات أو غير ألفاظها , ولا فاصل بين قول الله تبارك وتعالى اسمه " الرحمن الرحيم " من " بسم الله الرحمن الرحيم " , وقول الله : " الرحمن الرحيم " , من " الحمد لله رب العالمين " . فإن قال قائل : فإن " الحمد لله رب العالمين " فاصل بين ذلك . قيل : قد أنكر ذلك جماعة من أهل التأويل , وقالوا : إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم , وإنما هو : الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين ملك يوم الدين. واستشهدوا على صحة ما ادعوا من ذلك بقوله : " ملك يوم الدين " فقالوا : إن قوله : " ملك يوم الدين " تعليم من الله عبده أن يصفه بالملك في قراءة من قرأ ملك , وبالملك في قراءة من قرأ " مالك ". قالوا : فالذي هو أولى أن يكون مجاور وصفه بالملك أو الملك ما كان نظير ذلك من الوصف , وذلك هو قوله " رب العالمين " , الذي هو خبر من ملكه جميع أجناس الخلق , وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرا في المعنى من الثناء عليه , وذلك قوله : { الرحمن الرحيم } فزعموا أن ذلك لهم دليل على أن قوله " الرحمن الرحيم " بمعنى التقديم قبل " رب العالمين " , وإن كان في الظاهر مؤخرا. وقالوا : نظائر ذلك من التقديم الذي هو بمعنى التأخير والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى , من ذلك قول جرير بن عطية : طاف الخيال وأين منك لماما فارجع لزورك بالسلام سلاما بمعنى طاف الخيال لماما وأين هو منك. وكما قال جل ثناؤه في كتابه : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } 18 1 : 2 المعنى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا , وما أشبه ذلك . ففي ذلك دليل شاهد على صحة قول من أنكر أن تكون " بسم الله الرحمن الرحيم " من فاتحة الكتاب آية .

مَالِكِ

القول في تأويل قوله تعالى : { ملك } قال أبو جعفر : القراء مختلفون في تلاوة " ملك يوم الدين " , فبعضهم يتلوه : " ملك يوم الدين " , وبعضهم يتلوه : { مالك يوم الدين } وبعضهم يتلوه : { مالك يوم الدين } بنصب الكاف. وقد استقصينا حكاية الرواية عمن روي عنه في ذلك قراءة في " كتاب القراءات " , وأخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه , والعلة الموجبة صحة ما اخترنا من القراءة فيه , فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع , إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها . ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب , أن الملك من " الملك " مشتق , وأن المالك من " الملك " مأخوذ . فتأويل قراءة من قرأ ذلك : { مالك يوم الدين } أن لله الملك يوم الدين خالصا دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكا جبابرة ينازعونه الملك ويدافعون الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية . فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة , وأن له دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزة والبهاء , كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } 40 16 فأخبر تعالى أنه المنفرد يومئذ بالملك دون ملوك الدنيا الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلى ذلة وصغار , ومن دنياهم في المعاد إلى خسار. وأما تأويل قراءة من قرأ : { مالك يوم الدين } فما : 139 -حدثنا به أبو كريب , قال : حدثنا عثمان بن سعيد , عن بشر بن عمارة , قال : حدثنا أبو روق , عن الضحاك , عن عبد الله بن عباس : { مالك يوم الدين } يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا . ثم قال : { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } 20 108 وقال : { وخشعت الأصوات للرحمن } 78 38 , وقال : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } 21 28 قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة من قرأ " ملك " بمعنى " الملك " ; لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك , إذ كان معلوما أن لا ملك إلا وهو مالك , وقد يكون المالك لا ملكا . وبعد : فإن الله جل ذكره قد أخبر عباده في الآية التي قبل قوله : { مالك يوم الدين } أنه مالك جميع العالمين وسيدهم , ومصلحهم والناظر لهم , والرحيم بهم في الدنيا والآخرة ; بقوله : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم } فإذا كان جل ذكره قد أنبأهم عن ملكه إياهم كذلك بقوله : { رب العالمين } فأولى الصفات من صفاته جل ذكره , أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله : { رب العالمين الرحمن الرحيم } مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة , إذ كانت حكمته الحكمة التي لا تشبهها حكمة . وكان في إعادة وصفه جل ذكره بأنه مالك يوم الدين , إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله : { رب العالمين } مع تقارب الآيتين وتجاور الصفتين . وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظ مختلفة بمعان متفقة , لا تفيد سامع ما كرر منه فائدة به إليها حاجة . والذي لم يحوه من صفاته جل ذكره ما قبل قوله : { مالك يوم الدين } المعنى الذي في قوله : ملك يوم الدين " , وهو وصفه بأنه الملك . فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب وأحق التأويلين بالكتاب : قراءة من قرأه : " ملك يوم الدين " , بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين , دون قراءة من قرأ : { مالك يوم الدين } بمعنى : أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفردا به دون سائر خلقه. فإن ظن ظان أن قوله : { رب العالمين } نبأ عن ملكه إياهم في الدنيا دون الآخرة يوجب وصله بالنبأ عن نفسه أنه قد ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إياهم في الدنيا بقوله : { مالك يوم الدين } فقد أغفل وظن خطأ ; وذلك أنه لو جاز لظان أن يظن أن قوله : { رب العالمين } محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الآخرة مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل , أو في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم به منقول , أو بحجة موجودة في المعقول , لجاز لآخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله : { رب العالمين } دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين , إذ كان صحيحا بما قد قدمنا من البيان أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده . فإن غبي عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء , فإن في قول الله جل ثناؤه : { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين } 45 16 دلالة واضحة على أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالم الزمان الذي بعده . إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية , وأخبرهم بذلك في قوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } 3 110 الآية . فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا , لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين , بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة , المؤمنون به المتبعون منهاجه , دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه . فإذا كان بينا فساد تأويل متأول لو تأول قوله : { رب العالمين } أنه معني به : أن الله رب عالمي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون عالمي سائر الأزمنة غيره , كان واضحا فساد قول من زعم أن تأويله : رب عالم الدنيا دون عالم الآخرة , وأن مالك يوم الدين استحق الوصل به ليعلم أنه في الآخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا . ويسأل زاعم ذلك الفرق - بينه وبين متحكم مثله في تأويل قوله : { رب العالمين } تحكم , فقال : إنه إنما عني بذلك أنه رب عالمي زمان محمد دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده , كالذي زعم قائل هذا القول أنه عنى به عالم الدنيا دون عالم الآخرة - من أصل أو دلالة . فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله . وأما الزاعم أن تأويل قوله : { مالك يوم الدين } أنه الذي يملك إقامة يوم الدين , فإن الذي ألزمنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم , إذ كانت إقامة القيامة إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك في الدار التي أعد الله لهم فيها ما أعد . وهم العالمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله : { رب العالمين } وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ : { مالك يوم الدين } فإنه أراد : يا مالك يوم الدين , فنصبه بنية النداء والدعاء , كما قال جل ثناؤه : { يوسف أعرض عن هذا } 12 29 بتأويل : يا يوسف أعرض عن هذا . وكما قال الشاعر من بني أسد , وهو شعر فيما يقال جاهلي : إن كنت أزنيتني بها كذبا جزء , فلاقيت مثلها عجلا يريد : يا جزء . وكما قال الآخر : كذبتم وبيت الله لا تنكحونها بني شاب قرناها تصر وتحلب يريد : يا بني شاب قرناها . وإنما أورطه في قراءة ذلك بنصب الكاف من " مالك " على المعنى الذي وصفت حيرته في توجيه قوله : { إياك نعبد وإياك نستعين } وجهته مع جر : { مالك يوم الدين } وخفضه , فظن أنه لا يصح معنى ذلك بعد جره : { مالك يوم الدين } فنصب : مالك يوم الدين " ليكون { إياك نعبد } له خطابا , كأنه أراد : يا مالك يوم الدين , إياك نعبد , وإياك نستعين . ولو كان علم تأويل أول السورة وأن " الحمد لله رب العالمين " , أمر من الله عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عباس : أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم , عن الله : قل يا محمد : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين } وقل أيضا يا محمد : { إياك نعبد وإياك نستعين } وكان عقل عن العرب أن من شأنها إذا حكت أو أمرت بحكاية خبر يتلو القول , أن تخاطب ثم تخبر عن غائب , وتخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب ; لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب , كقولهم للرجل : قد قلت لأخيك : لو قمت لقمت , وقد قلت لأخيك : لو قام لقمت ; لسهل عليه مخرج ما استصعب عليه وجهته من جر : { مالك يوم الدين } ومن نظير " مالك يوم الدين " مجرورا , ثم عوده إلى الخطاب ب " إياك نعبد " لما ذكرنا قبل , البيت السائر من شعر أبي كبير الهذلي : يا لهف نفسي كان جدة خالد وبياض وجهك للتراب الأعفر فرجع إلى الخطاب بقوله : " وبياض وجهك " , بعد ما قد قضى الخبر عن خالد على معنى الخبر عن الغائب . ومنه قول لبيد بن ربيعة : باتت تشكى إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا فرجع إلى مخاطبة نفسه , وقد تقدم الخبر عنها على وجه الخبر عن الغائب . ومنه قول الله وهو أصدق قيل وأثبت حجة : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } 10 22 فخاطب ثم رجع إلى الخبر عن الغائب , ولم يقل : " وجرين بكم ". والشواهد من الشعر وكلام العرب في ذلك أكثر من أن تحصى , وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه . فقراءة : " مالك يوم الدين " محظورة غير جائزة , لإجماع جميع الحجة من القراء وعلماء الأمة على رفض القراءة بها .
يَوْمِ الدِّينِ

القول في تأويل قوله تعالى : { يوم الدين } قال أبو جعفر : والدين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال , كما قال كعب بن جعيل : إذا ما رمونا رميناهم ودناهم مثل ما يقرضونا وكما قال الآخر : واعلم وأيقن أن ملكك زائل واعلم بأنك ما تدين تدان يعني ما تجزي تجازى. ومن ذلك قول الله جل ثناؤه : { كلا بل تكذبون بالدين } 82 9 يعني بالجزاء { وإن عليكم لحافظين } 82 10 يحصون ما تعملون من الأعمال . وقوله تعالى : { فلولا إن كنتم غير مدينين } 56 86 يعني غير مجزيين بأعمالكم ولا محاسبين . وللدين معان في كلام العرب غير معنى الحساب والجزاء سنذكرها في أماكنها إن شاء الله . وبما قلنا في تأويل قوله : { يوم الدين } جاءت الآثار عن السلف من المفسرين , مع تصحيح الشواهد لتأويلهم الذي تأولوه في ذلك . 140 - حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء , قال : حدثنا عثمان بن سعيد , قال : حدثنا بشر بن عمارة , قال : حدثنا أبو روق , عن الضحاك , عن عبد الله بن عباس : { يوم الدين } قال : يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة , يدينهم بأعمالهم , إن خيرا فخير وإن شرا فشر , إلا من عفا عنه , فالأمر أمره. ثم قال : { ألا له الخلق والأمر } 7 54 141 - وحدثني موسى بن هارون الهمداني , قال : حدثنا عمرو بن حماد القناد , قال : حدثنا أسباط بن نصر الهمداني , عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي , عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " ملك يوم الدين " : هو يوم الحساب . 142 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { مالك يوم الدين } قال : يوم يدين الله العباد بأعمالهم . 143 -وحدثنا القاسم بن الحسن , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج : { مالك يوم الدين } قال : يوم يدان الناس بالحساب.



توقيع لآلئ الدعوة
[sor2]http://vb.jro7i.net/storeimg/girls-top.net_1338687781_970.jpg[/sor2]
لآلئ الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس