عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-08, 05:51 PM   #5
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
c8



المتن :
10" - هجر الترفه:
لا تسترسل في (التنعم والرفاهية)، فإن ”البذاذة من الإيمان”[1]، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
“وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا 000”[2].
شرح الشيخ :
يقول لا تسترسل في التنعم والرفاهية ... وهذه نصيحة تقال لطالب العلم ولغيره , لان الاسترسال في ذلك مخالف لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم , فقد كان ينهى عن كثرة الإبذاء
ويأمر بالاحتفاء أحيانا, والانسان الذي يعتاد الرفاهية يصعب عليه معالجة الأمور ,لأنه قد تأتيه الأمور على وجه لا يتمكن معه من الرفاهية ومثال ذلك :
ان النبي صلى الله عليه وسلك كان يأمر بالاحتفاء أحيانا , بعض الناس لا يحتفون , دائما عليه جورب وخف أو نعل , هذا الرجل لو عرض له عرض ٌ ما , وقيل له تمشي 500 متر بدون تنعل , لوجدت ذلك يشق عليه مشقة عظيمة , وربما تدمى قدمه من مماس الأرض , لكن لو عوَّد نفسه على الخشونة وترك الترفه دائما , لحصل له خير كثير .
ثم إن البدن إذا لم يعتاد على مثل هذه الأمور لم يكن عنده مناعة , فتجده يتألم من أي شئ من ذلك , فمثلا تجد الآن أيدي العمال أقوى بكثير من أيدي طلبة العلم , لأنها اعتادت على ذلك
وكان العمال فيما سبق يتعاملون مع الطين واللبن إذا مسست أيديهم كأنما مسست حجرا من خشونتها ,وربما لو أنه ضم أصابعه على يدك لآلمك كثيرا .
فترفيه الإنسان نفسه كثيرا لا شك ضرر عليه كبير .
قوله : " البذاذة من الإيمان " ما هي البذاذة ؟؟؟
البذاذة : عدم التنعم والترفه , وهي ليست البذاءة , هناك فرق بينهما .
البذاءة صفة غير محمودة , أما البذاذة فهي صفة محمودة .
يقول :
المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
“وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا 000”[3].
هذه الجمله تحذيرية , العرب عندهم جمل تحذيرية وعندهم جمل إغرائية .فإن وردت في مغرور فهي إغراء , وإن وردت في محذور فهي تحذير .
فلو قلت لشخص : الأسد الأسد , هذا تحذير .
وإن قلت : الغزال الغزا ل, هذا إغراء .
أما ( إيَّا ) فهي للتحذير .
قال أبو مالك : إياك والشر ونحوه , نصب بما استجار وجر
ومعنى إياكم : أحذركم ,
والتنعم : الواو للعطف , وقيل للمعية , والمعنى :
أحذركم أن تكونوا مع التنعم ,باللباس أو البدن , والمراد بذلك كثرته .
لأن التنعم بما أحل الله على وجه لا إسراف فيه , من الأمور المحمودة بلا شك .
ومن ترك التنعم بما أحل الله من غير سبب شرعي , هو مذموم .,
أما قوله زي العجم ... ما هو زي العجم ؟؟؟
هو الشكل . سواء كان باللحية أو شعر الرأس أو اللباس ...فإننا منهون عن زي العجم , والمراد بالعجم كل ما سوى العرب , لكن المسلم من العجم التحق بالأعرابي حكما , لأنه اقتدى بمن بعث في الأميين رسولا , صلى الله عليه وسلم .
تمعددوا أي كأنه يقول اتركوا زي العجم وعليكم زي العرب .
اخشوشنوا : هو من الخشونة التي هي ضد الليونة والتنعم .
وكل هذا وصايا نافعة من عمر رضي الله عنه , لو أن الناس عملوا بها , سواء طلبة العلم أو غيرهم , لكان في هذا خير كثير .
لكن الآن في البلاد التي منَّ الله عليها بالأمن وطيب العيش زكثرة المال , صار الأمر بالعكس , التنعم موجود ولا يعجب الإنسان إلا أن يركب مركبا مريحا ويبني قصرا مشيدا ...
ولهذا كثرت الأمراض التي تترتب على عدم الحركة , كالسمنة والضغط وضيق التنفس , غيرها
تجد الشاب اذا صعد جبلا لا ينتصف الجبل إلا وقد انقطع نفسه , وانت تكون مستريح لأنك متعود على ذلك وهو لا مع أنه شاب , كذلك الأمر :
زي العجم موجود يترقبون كل موضة تخرج حتى يقلدوها , وقد أتعبت النساء رجالها تجدها تأتي الصباح بلباس نظيف ساتر , ثم تنزل آخر النهار الى السوق فإذا بموضة جديدة , تجدها تريد ان تشتريه مع أنه أبلى وأسوأ من الأول , لكن هذا جديد تريد شراؤه , خصوصا من منَّ الله عليه بالمال , فلا يهمها تشتر ما تريد , وهذا غلط .
كذلك المجلات التي كثرت بين أيدي النساء تسمى البردة , تأخذها وتنظر ما فيها حتى ولو كان لا يتناسب مع اللباس الشرعي , لكنه جديد ؟ نسأل الله السلامة والهداية .
المتن :
وعليه، فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخى الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟!
فكن حذراً في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من:
الرصانة والتعقل.
أو التمشيخ والرهبنة.أو التصابي وحب الظهور.
فخذ مم اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.
وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه[4]:
“أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب”.
أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.
والناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض[5].
فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتى بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفه بالسمت الصالح والهدي الحسن.
وتطلب دلائل ذلك في كتب السنة الرقاق، لا سيما في ”الجامع” للخطيب[6].
ولا تستنكر هذه الإشارة، فما زال أهل العلم ينبهون على هذا في كتب الرقاق والآداب واللباس[7]، والله أعلم.
شرح الشيخ :
هو لما ذكر , وفقه الله , هجر الترفه , أطنب في ذكر اللباس , لأن اللباس الظاهر عنوان على اللباس الباطن .
ولهذا يمر بك رجلان كلاهما عليه ثوب مثل الآخر , فتزدري أحدهما ولا تهتم بالآخر,
تزدري باللباس ان يكون على غير هذا المنظر . إما بالكيفية أو باللون أو بالخياطة أو غير ذلك , والثاني لا ترفه به رأسا ولا ترى بلباسه بأسا , لأن لكل قالب ما يناسبه .
مثلا لبس العقال : في الأصل لا بأس فيه , وبعضهم يقول أنه العمامة العصرية , وعمامة الرسول عليه الصلاة والسلام لفافة تطوى على الرأس , لكن هذا مطوي جاهز ليس عليك إلا أن تضعه على رأسك , عمامة ميسرة , ولهذا كان بعض الناس فيما سبق يجعلون ( العقل ) بيضاء لتكون كالعمامة تماما , وهذه العقل لا يلبسها كل الناس على حد سواء , مثلا يمر بك رجلان كلاهما يلبسان العقال أحدهما تزدريه والثاني لا تهتم به , لأن الأول لبس ما لا يلبسه مثله والثاني لبس ما لا يلبسه مثله ولا تهتم به .
وايضا مثلا مر بك رجلان أحدهما ميكانيكي عليه بنطلون والآخر عالم أيضا عليه بنطلون في بلد لا يلبس العلماء فيه البنطال ,تجد نفسك تزدري الثاني ولا تزدري الأول .
المهم أن الشيخ وفقه الله , يقول أن بعض الناس يكون مشغولا بالتأنق في ملابسه , حتى وإن كانت مباحة , فلا ينبغي أن يكون أكبر همك الهندمة والتأنق في اللباس , كالتأنق في لبس الغترة وأجعلها مرزاب لما مرزابين أو ثلاثة .. لا تهتم لذلك , ولكن أيضا لا تكون بالعكس , لا تهتم بنفسك ولا بلباسك , وقد سبق أن التجمل باللباس مما يحبه الله عز وجل , وهذا عمر رضي الله عنه يقول : أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب .
لأنه جما ل, وقول الشيخ بكر أبو زيد , وفقه الله , :
، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق
لأن كل انسان قد يزن من لاقاه بحسب ما عليه من اللباس , كما يزنه بالنسبة لحكاته وكلامه وأقواله , وخفته ورزانته .
والناس مجبولون على التشبه بعضهم ببعض ,ولذلك إذا ظهر نوع جديد من اللباس تجد الناس يتطايرون عليه .
ثم حذر من لباس التصابي , وهو أن يلبس الشيخ الكبير سنا ما يلبسه الصبيان , من رقيق الثياب وما أشبه ذلك .
أما اللباس الإفرنجي فغير خاف عليك حكمه , ما هو حكمه ؟
التحريم
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من تشبه بقوم فهو منهم .
لكن ما هو اللباس الافرنجي ؟؟
هو اللباس المختص بهم بحيث لا يلبسه غيرهم , وإذا رآه الرائي قال إن لابسه من الإفرنج , وأما ما كان شائعا بين الناس , من الإفرنج وغيرهم , فهذا لا يكون من التشبه , لكن من جهة أخرى قد يحرم كأن يكون حريرا بالنسبة للرجال , أو قصيرا بالنسبة للنساء وما أشبه ذلك ,
ولما خاف الشيخ بكر ان يذهب الذهن بعيدا قال :
وليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه
كما بفعله بعض الناس , إظهارا للزهد .تجد ثوبه مشق ومتسخ لا يهتم به , يقول أنا مآلي للتراب والأرض تأكل البدن وتوسخ البدن , ... لا .. الانسان يجب ان يعتني بنفسه ولا يأتي بهزءا في حقه , رحم الله امرئ كف الغيبة عن نفسه ,


انتهى الشريط الثاني


[1] - كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، راجع له:”السلسة الصحيحة”(رقم 341) و”تعظيم قدر الصلاة”(رقم 484) لابن نصر المروزي.
[2] - “مسند على بن الجعد”(1 / 517) (رقم 1030)، وعنه”الفروسية” لابن القيم (ص9)، و”أدب الإملاء والاستملاء”(ص118). وأصله في الصحيحين وغيرهما.
[3] - “مسند على بن الجعد”(1 / 517) (رقم 1030)، وعنه”الفروسية” لابن القيم (ص9)، و”أدب الإملاء والاستملاء”(ص118). وأصله في الصحيحين وغيرهما.
[4] -”الإحكام” للقرافي (ص 271).
[5] -”مجموع الفتاوى”(28 / 150).
[6] - “الجامع”(1 / 153 155).
[7] - “أدب الإملاء والاستملاء”(ص116 119)،”اقتضاء الصراط المستقيم”،”مجموع الفتاوى”(21 /539)، وانظر ”الروح” لابن القيم (ص40).



توقيع إيمان مصطفى عمر
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس