أو كان خلافه في الدين
أي من خالف من الفرق والأفراد في أمر يتعلق بأمر ردة تخرجه من مقتضى هذا الدين، وفي أصل من أصول العقيدة اتفق عليها سلف هذه الأمة، يعني وقع في الردة كالباطنية والذين أشركوا من المنتسبين للأمة، فهؤلاء ليسوا من فرق أهل القبلة، ولذلك لما عد بعض السلف -كابن المبارك ويوسف بن أصباغ-، فرق المسلمين في وقتهم عدوا الثنتين والسبعين التي يرون أنها متوعده بالهلاك، قيل لهم: والجهمية؟ فقالوا: إن الجهمية –يقصدون غلاة الجهمية الذين أنكروا قواطع الدين- ليست من فرق المسلمين.
ثم بعد ذلك لما ظهرت الباطنية، أجمع سلف الأمة على أنه ليست من فرق المسلمين وإن ادعت الإسلام، أما بقية الفرق سواء أن كانت فرق قدرية غير غالية، أو فرق الشيعة غير الغالية، أو فرق المرجئة غير الغالية، أو فرق المتكلمين الجهمية التي لم تغلوا، أو فرق المعتزلة التي لم تقع في الغلو، أو فرق المتكلمين، التي لم تقع في الغلو، مادام هذا الغلو لم يخرج من الملة؛ فكلهم من فرق المسلمين، ويعامل أهلها معاملة المسلمين في كثير من الأمور، قد يكون لهم نوع من المعاملة لكشف شرهم وبيان خطرهم على عقائد الأمة، لكن هذه الأمور يقررها علماء الأمة في الوقت نفسه، بحسب ظروف المكان والزمان والأحوال.
قواعد التعامل مع أهل البدع ليست ثابته، إنما هي قواعد متغيره بحسب أحوال الأمة، وبحسب المصالح ودرء المفاسد.
ثم: الفرق الخالية عن الإسلام حكمهم حكم المرتدين
بمعنى أنهم لا يعاملون معاملة المسلمين.
سابعا: الجماعة والجمعة ،
ويدخل فيها أيضا شعائر الإسلام الظاهرة كصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، صلاة الجنائز، الآذان، هذه كلها من أعظم شعائر الإسلام، وهي علامات الإسلام الظاهرة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم على أهل البلاد إذا ما لم رفعوا شعيرة الآذان، يحكم عليهم بأنهم غير مسلمين، لأن الشعيرة الظاهرة التي تُعلن بصوت مرتفع، في كل بلد مسلم هي الآذان، فإذا لم يُرفع الآذان فمعنى هذا أن البلد ليس له حكم دار الإسلام وإن وجد فيه مسلمون، البلد لا يكون له حكم دار الإسلام، لأنه لا تظهر فيه شعائر الإسلام، فإذا ما لم يُُظهر الآذان؛ فمن الطبيعي أن لا تُظهر الصلاة، ولا الجمعة ولا الجماعات، إذن الجمعة والجماعات وهذه الأمور من أعظم شعائر دين الإسلام الظاهرة.
ويدخل في ذلك الصلاة خلف مستور الحال
أي المسلم الذي لا تعلم عنه شيئا، فالصلاة خلفه مشروعة ومعنى ذلك أن لا توقع نفسك وتوقع المسلمين في الوسواس، فتقول –مثلا- (أن لا أصلي وراء هذا المسلم حتى أتثبت من حاله)، فهذا لا يجوز، لأن الأصل في المسلمين -كما قلنا في الفقرة السابقة- السلامة، وكذلك أئمة المسلمين الذين يصلون الأولى ، بل يجب على كل مسلم أن يصلى خلف من لا يعرف حاله، ولا يجوز تركها بدعوى أنه مجهول، أو بدعوى وجود قرائن غير ثابتة على أنه لا تجوز الصلاة خلفه، بل إن هذا من البدع، يعني التوقف في الصلاة خلف أئمة المسلمين بغير بينة؛ هذا من البدع والوسواس الذي لا يجوز.
وعلى هذا كذلك؛ لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة؛ لكنها تصح، أكثر الناس لا يفرق بين لا تجوز ولا تصح، لا تجوز مثل الراجح في الصلاة على الأرض المغصوبة، يقال لا تجوز الصلاة في الأرض المغصوبة، لكن لا يعني أنها لا تصح، هي تصح على الراجح، فكذلك الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور من المسلمين، لا تجوز ، إلا إذا لم تمكن مع غيره، بمعنى إنه إذا كان أمامك أو في متناولك إمام صاحب بدعة ، وإمام آخر ليس بصاحب بدعة، ولا يترتب على ترك المبتدع فتنة ولا مفسدة، فيجب عليك أن تصلى خلف الأسلم، لكن لا يعني ذلك أنك لو صليت خلف المبتدع لا تصح صلاتك، إنها تصح ما دام هو مسلم وإن كان مبتدع، أو صاحب هوى أو فرقة، كما هو معروف.
إذا لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور من المسلمين مع إمكانها خلف غيره، أما إذا لم تمكن فإنها لا بأس بها وإن وقعت صحت، ويأثم فاعلها إلا إذا قصد دفع مفسدة أعظم، مثال ذلك، إذا كان الإمام المبتدع سلطان المسلمين، فتصلي خلفه، ولذلك كان الإمام أحمد أيتم المحنة ، والمأمون ليس فقط مبتدع بل كان داعية لبدعة ، وكان يفرض البدعة بقوة السلطان، ومع ذلك كان الإمام أحمد يصلي خلفه، لأن ترك الصلاة خلفه تؤدي لمفسدة أعظم، لأن العاطفيين والغوغائية وحدثاء الأسنان لو لم يصلي الإمام أحمد خلف المأمون؛ كفروا المأمون، وخرجوا عليه، فهذا فقه يجب أن يعلمه الناس ويفقهه طلاب العلم خاصة، فإن لم يوجد إلا مثله أو شر منه، جازت خلفه ولا يجوز ترك الجماعة بمعاذير أن في الأئمة أخطاء أو بدع أو فسق أو نحو ذلك .
ومن حكم بكفره كفر ردة؛ لم تصح الصلاة خلفه
لكن من الذي يحكم بأن فلان من الناس كفر كفرا يوقعه في الردة؟ الإمام، وإلا فلا، وإلا إذا فتحنا الباب لكل إنسان حتى وإن كان طالب علم؛ وقعت فتنة، فالناس تختلف اجتهاداتهم لأن الأمر عظيم.
تاسعا : الإمامة الكبرى،
يعني إمامة المسلمين، السلطان، الملك، الخلافة، أياً كان اسمها، الرئاسة، التي هي حكم البلاد، سواء كان بلاد المسلمين بعمومها، أو جزء يتجزأ من بلاد المسلمين، وبعض الناس يجهل، يقول ( جزء يتجزأ من بلاد المسلمين أمر حادث) لا؛ فبلاد المسلمين تجزأت حتى في عهد الخلفاء الراشدين، وكانت السلطة هنا وهنا كلها شرعية، كان هناك أناس يتبعون بيعة الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وفئة من المسلمين لا يزالون تحت إمامة وبيعة معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- وكلٌ له أحكامه.
إذا الإمامة الكبرى بحسب وضع البلد، والإمامة الكبرى تثبت بعدة أمور.
الأمر الأول: إجماع الأمة بالشورى
يعني إذا أجمع المسلمون -ويمثلهم أهل الحل والعقد- على إمام أو سلطان أو ملك، فيكون بذلك له حق السلطة والإمامة.
الأمر الثاني: بيعة أهل الحل والعقد ولو لم يكن الجميع
يعني مجموعة ممن لهم شأن في الأمة من العلماء ورؤساء العشائر زوي الرأي والتأثير في الأمة، ولو كانوا قلة، لو كانوا ثلاثة مثلا، فبايعوا سلطانا لزمت بيعته على الجميع، وصار إماما تجب له حقوق الإمامة بغير معصية الله حسب ما هو معروف.
الأمر الثالث: يكون بالتغلب، بمعنى تنازع سلاطين على الحكم وغلب واحد؛ فإذا غلب واستتب له الحكم وجبت بيعته وصار له حكم إمام المسلمين، وإن لم يكن هو الأفضل، وإن كان فاجرا أو ظالما كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث.
الأمر الرابع: الوصية
والوصية حدثت حتى في عهد الخلفاء الراشدين ، أبو بكر –رضي الله عنه- أوصى من بعده لمن؟ لعمر، وصورة الوصية قد تكون مثل ما حدث من أبي بكر –رضي الله عنه- وقد تكون أيضا مثل صورة ولاية العهد، كما حدث من معاوية –رضي الله عنه- حينما طلب البيعة ليزيد، وتسمى بولاية العهد، وهي نوع من الوصية.
فهذه الأمور الأربع أو غيرها ، أي صورة يتمكن فيها مسلم من الحكم في بلد من بلاد المسلمين ويستتب له الأمن والأمر، تجب بيعته وطاعته بالمعروف من غير منكر أو معصية الله.
إذاً، من تحققت له السلطة وجبت طاعته بالمعروف ومناصحته، وحرم الخروج عليه، إلا أذا ظهر منه كفر بواح، فيه من الله برهان ويقول به الراسخون في العلم وأهل الحل والعقد .
(عاشرا: الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.
الحادي عشر: يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية، وهو من أكبر الكبائر، وإنما يجوز قتال أهل البدعة والبغي، وأشباههم إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.
الثاني عشر: الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة ، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبتهم دين وإيمان، وكفرهم بغض ونفاق، مع الكف عما شجر بينهم، وترك الخوض فيه بما يقدح في قدرهم، وأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهم الخلفاء الراشدين ، وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتيبهم.
الثالث عشر: ومن الدين محبة آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وتوليهم وتعظيم قدر أزواجه أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن ومحبة أئمة السلف وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ، ومجانبة أهل البدع والأهواء.
الرابع عشر: الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.
الخامس عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة؛ من أعظم شعائر الإسلام، وأسباب حفظ جماعته وهما يجبان بحسب الطاعة والمصلحة معتبرة في ذلك. )
هذا استكمال لجوانب مفهوم الجماعة والإمامة ولوازمها، من ذلك أن الصلاة وهي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وكذلك الحج وهو ركن الإسلام، والجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، كل هذه من أصول الدين الواجبة مع سلاطين المسلمين، مع أمراء المسلمين، أبرارا كانوا أو فجارا، وهذه وصية الله ، وهي أيضا نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما أوصى به.
وقد يقول قائل: مع الأبرار، لا نختلف، لكن لماذا؟ وكيف؟ نصلى ونحجج ونجاهد مع الولاة غير الصالحين مع الفجار والظلمة؟
نقول : نعم، لماذا ؟ لأنهم قد ينصر الله بهم الدين، وإن كان فيهم ظلم ، وكونهم وقعوا في مثل هذه الأخطاء الكبيرة ؛ لا يعني أنهم لا يجوز طاعتهم ، لأن طاعتهم لمقامهم؛ لا لأشخاصهم ، المقام الذي تسلموه، وهو قيادة الأمة، وحفظ كيانها، وحفظ أمنها الذي لا تقوم به مصالح الأمة إلا به، فدين المسلمين ، ودمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، وحرياتهم، لا يمكن تستقيم إلا بسلطان، برا كان أو فاجرا، فإذا أقام الصلاة فنصلي خلفه، وإذا حج فنحج معه، وإذا جاهد نجاهد معه، لأن هذا مما يحفظ كيان الدين والأمة ، وذنبه هو عليه، لكن مع استمرار النصح له .
ومهما كان الأمر، ومهما اختلفنا عليه، فهي وصية من الناصح الأمين ، وهي أثمن وصية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك يحرم القتال بين المسلمين، مهما كانت مبرراته ما لم يكن القتال من أهل الحل والعقد والجماعة والسلطان ضد البغاة المفسدين، هذا ليس من القتال بين المسلمين، وهذا يسمى كف الشر، لكن القتال الذي منشأه التنازع على الدنيا ، أو التنازع على السلطان، أو الحمية الجاهلية، أو العصبية، أو أي غرض لا يُقصد به نصر الدين، أو قُصد به نصر الدين على وجه غير مشروع، فإنه يعتبر من أكبر الكبائر، إنما المشروع هو أن يقاتل من يعم فساده، سواء فساد في العقيدة كأهل البدع الذين يفتنون المسلمين ، فإذا ما كفوا عن فتنتهم للمسلمين وما كفوا عن خروجهم على السلطان إلا بالقتال؛ يُقاتلون، أهل البدع والفساد والبغي وأشباههم؛ يُقاتلون إذا صار شرهم يتعدى ولم يكفوا بالطرق السلمية ، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من القتال، فإنه يجوز لإمام المسلمين وأهل الحل والعقد أن يقاتلوهم، بحسب الحال والمصلحة، ما لم يكن هناك مفاسد كبرى.
ثم عرج أهل السنة والجماعة بعد هذه الأصول على أن من الجماعة فئة هي الفئة النموذجية القدوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وسبق أن قلت أن رأس الجماعة هم الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، هم رأس الجماعة وأولها، وهم الأنموذج الأول، وهم القدوة الأوائل، هم الذين رسموا سبيل المؤمنين ، هم الصحابة الكرام، وهم كلهم عدول في الدين، والعدالة هنا لا تعني أنه لا يرتكب منهم أحد أخطاء أو فسق، أو نحو ذلك، إنما العدالة في نقل الدين، لأن الله تعالى تكفل بحفظ الدين وكان مما تكفل الله به؛ أن عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الدين على الصحابة، عهده عليهم، فنقلوه، حتى من كان عنده شيء من الخطأ أو المعصية، الصحابة ليسوا كلهم معصومون ، بل كلهم ليسوا معصومون، لكن مع ذلك هم في نقل الدين هم عدول.
والشهادة لهم بالإيمان والفضل، يعني شهادة المسلم لهم بالإيمان والفضل، أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، بقواطع النصوص والإجماع، ولأن هذا من ضرورات الدين، لأن الطاعن في الصحابة يطعن في الدين، من الذي نقل لنا الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيرهم؟!، فالطعن فيهم لابد أن يرجع إلى الطعن في قلب الأمة، في ضمير الأمة، وما أشد على الأمة فيما يتعلق بمطاعن أهل الأهواء على السلف، ما أشد على الأمة من الطعن في خيارها، ولا أحد مسلم عنده نسبة من عقل يسمح لأحد أن يفترى ويطعن على الخيار.
ثم بعد ذلك : محبتهم دينا وإيماناً ؛لأن الله أمر به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
|