يوم أمس, 04:50 AM
|
#6
|
نفع الله بك الأمة
|
"عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا" 18. قيل :السلسبيل وصف مشتق من السلاسة بمعنى السهولة واللين، يقال: ماء سلسل، أي:عذب سائغ للشاربين، ومعنى تُسَمَّى على هذا القول أي: توصف بالسلاسة والعذوبة.
وقيل: السلسبيل: اسم لهذه العين، لقوله-تبارك وتعالى- تُسَمَّى.
أي: أن هؤلاء الأبرار- بجانب كل ما تقدم من نعم ؛ يسقون- أيضًا- من عين فيها- أي: في الجنة- تسمى سلسبيلا، وذلك لسلاسة مائها ولذته وعذوبته، وسهولة نزوله إلى الحلق. "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا" 19.. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ :ويَطوفُ على الأبرارِ في الجنَّةِ بالشَّرابِ أو غَيرِه. والطواف : مشي مكرر حول شيء أو بين أشياء . وِلْدَانٌ : أولادٌ صِغارٌ على سنٍّ واحِدةٍ، فلا يَهرَمونَ ولا يموتونَ.، ويطلق الوليد على الصبي مجازًا مشهورًا بعلاقة ما كان ، لقصد تقريب عهده بالولادة ، وأحسن ما يُتخذ للخدمة الولدان لأنهم أخف حركة وأسرع مشيًا ولأن المخدوم لا يتحرج إذا أمرهم أو نهاهم . مُّخَلَّدُونَ : دائمون على ما هم عليه من النضارة والشباب ، ووصفوا بأنهم مخلدون للاحتراس مما يوهمه اشتقاق ولدان من أنهم يَشُبُّون ويكتهلون ، أي لا تتغير صفاتهم فهم ولدان دومًا وإلا فإن خلود الذوات في الجنة معلوم فما كان ذكره إلا لأنه تخليد خاص . إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا: إذا رأيتَهم ظَنَنْتَهم -لحُسْنِهم وانتِشارِهم لخِدمةِ الأبرارِ- لُؤلؤًا مُفَرَّقًا.
إذا رأيتَهم في انتِشارِهم لخِدمةِ الأبرارِ ، وكثرتهم ، وصباحة وجوههم ، وحسن ألوانهم وثيابهم وحُليهم ، حسبتهم لُؤلؤًا مُفَرَّقًا . ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن . اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم. "وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا"20. ثَمَّ : ثم هنا ظرف مكان. مختص بالبعيد .معناه: أن بصرك أينما وقع في الجنة رأيت نعيمًا وملكًا كبيرًا عَظيمًا هنيئًا واسعًا -أهلَ الجَنَّةِ كلَّهم ملوكٌ فيها - وسُلطانًا باهِرًا أعَدَّه اللهُ تعالى للأبرارِ. وفائدة هذا التشبيه تقريب المشبه لمدارك العقول . " عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا"21. لفظةُ: عَالِيَهُمْ : تدل على كَونِ ذلك اللِّباسِ ظاهِرًا بارِزًا يُجَمِّلُ ظواهِرَهم، ليس بمَنزِلةِ الشِّعارِ الباطِنِ، بل الَّذي يُلبَسُ فوقَ الثِّيابِ للزِّينةِ والجَمالِ. قال الطبري في التفسير: والسندس: هو ما رق من الديباج، والإستبرق هو الديباج الغليظ.
الدِّيباج هو نَسيج مِنَ الحرير الأَصيلِ، مُلَوَّنٌ أَلْوانًا مُخْتَلِفَةً وتصنع منه ثِياب ظاهرها وباطنها من الحرير. والمعنى: أن هؤلاء الأبرار، أصحاب النعيم المقيم، والمُلك الكبير، عليهم ثيابٌ مِن حريرٍ رقيقٍ ، ومِن فَوقِها ثيابٌ مِن حريرٍ غَليظٍ له بَريقٌ ولَمَعانٌ على سبيل التنعم والجمع بين محاسن الثياب.
وكانت تلك الملابس من اللون الأخضر، لأنها أبهج للنفس، وشعار لباس الملوك.
ثلاثة حُببت للناس : الماء والخضرة والوجه الحسن. فَرُغِّبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة. وفائدة هذا التشبيه تقريب المشبه لمدارك العقول مع اعتقاد "في الجنةِ ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمِعَت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ."خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند. عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال : ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ" خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب . وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ: والمعنى أن المؤمن يحلى في الجنة بالفضة. والأساور : جمع سوار وهو حُلي شكله أسطواني فارغ الوسط يلبسه النساء في معاصمهن ولا يلبسه الرجال إلا الملوك. كان الملوك فى الزمان الأول يحلون بها ويسورون من يكرمونه. قال صلى الله عليه وسلم "تبلغُ الحِلْيةُ من المؤمِنِ حيث يبلُغُ الوضوءُ "خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 2911 -التخريج : أخرجه مسلم:250. "كُنْتُ خَلْفَ أبِي هُرَيْرَةَ وهو يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ، فَكانَ يَمُدُّ يَدَهُ حتَّى تَبْلُغَ إبْطَهُ فَقُلتُ له: يا أبا هُرَيْرَةَ ما هذا الوُضُوءُ؟ فقالَ: يا بَنِي فَرُّوخَ أنتُمْ هاهُنا؟ لو عَلِمْتُ أنَّكُمْ هاهُنا ما تَوَضَّأْتُ هذا الوُضُوءَ، سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ."الراوي : أبو هريرة - صحيح مسلم. يستفاد من الحديث: استحباب إتمام الوضوء، وإسباغه. ومما يتزين به المؤمنون يوم القيامة الحلي. تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ:أي تصلُ زينة المؤمن يوم القيامة إلى ما يصل إليه الماء الذي يتوضأ به، والوضوء يبلُغ إلى المرافق، وعلى هذا يكون الذراع كله مملوءًا بالحلية، نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يُحلَّون بهذا الحُلِيِّ. والمراد بالحلية:ما يُتزينُ به من الأساور، ونحوها، وقيل: النور. شرح الحديث: في هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو حازمٍ الأشجعيُّ أنَّه كانَ واقِفًا خَلْفَ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَتَوَضَّأُ للصَّلاةِ، فَكانَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه يَغسِلُ يَدَيه وذِراعَيه إلى أن يَبلُغَ الإبطَينِ؛ مُبالَغةً ورَغبةً في غَسلِ أطوَلِ جُزءٍ مِنَ الذِّارعَينِ، فسألَه أبو حازمٍ عن سببِ هذا الوُضوءِ الذي لم يَعهَد أن يَرَى أحدًا يَتوضَّأُ مِثلَه، فقالَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه"يا بَنِي فرُّوخَ، أنتُم هاهُنا؟" أي: حاضِرُونَ وتَرَوني، وبَنُو فرُّوخَ: هُمُ العَجَمُ، وقيلَ: إنَّ فرُّوخَ من وَلدِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهُو أخو إسماعيلَ وإسحاقَ، ومِن ولدِه العَجَمُ، ثُمَّ أخبَرَ أنَّه لو يَعلَمُ أنَّ أحدًا يَراه ما تَوضَّأ هذا الوُضوءَ.
وأرادَ أبو هُرَيرةَ بكَلامِه هذا أنَّه يَنبَغي لمَن يُقتدى به إذا تَرخَّصَ في أمرٍ أو تَشدَّدَ فيه مع نفسِه، أو لاعتقادِه في ذلك مَذهَبًا شَذَّ به عنِ النَّاسِ: ألَّا يَفعَلَه بحَضرةِ العامَّةِ؛ لئلَّا يَترخَّصوا برُخصتِه لغَيرِ ضَرورةٍ أو يَعتقِدُوا أنَّ ما تَشدَّدَ فيه هو الفرضُ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
حلية المؤمن في الجنة، أبو هريرة فعل هذا ليُزاد له في الحلية، جاء في الحديث: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، فجعل يزيد حتى تكون الحليةُ تستمر، ولكن هذا لا يدل على شرعية الزيادة، يكون مبلغ الحلية مبلغ الوضوء إلى منتهى المرفقين، ما بعد المرفقين.ا.هـ. وإنما هذا اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه، ولهذا أخفى وضوءه، وقال لما أُنكر عليه: لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء.كتاب شرح سنن النسائي – الراجحي. وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا : أُسنِدَ سَقْيُ الشَّرابِ إلى ربِّهم؛ إظهارًا لكَرامتِهم، أي: أمَر هو بسَقْيِهم، كما يُقالُ: أطْعَمَهم رَبُّ الدَّارِ وسَقاهم . أو أُسنِدَ سَقْيُه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه أُرِيدَ به نوعٌ آخَرُ يَفوقُ على النَّوعينِ المُتقدِّمَينِ. وجاء لفظ " طَهُورًا" بصيغة المبالغة، للإشعار بأن هذا الشراب قد بلغ النهاية في الطهارة.شَرَابًا طَهُورًا: طاهر مطهر .فالطاهر ليس بالضرورة مطهِّر فكثير من السوائل طاهرة لكنها ليست بالضرورة مطهِّرة. واستعمال طَهُور هنا مناسب لسياق الآيات وتشتمل المعاني كلها الطاهر والمطهر والمبالغة فيهما. عبارة طهور أنها لم ترد في القرآن إلا في موردين: أحدهما في مورد المطر "وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا "الفرقان 48 .الذي يطهر كل شئ ويحيي البلاد الميتة، والآخر في مورد الآية التي نحن بصدد بحثها، وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا: وهو الشراب الخاص بأهل الجنة. ولم يذكر الكتاب ما يبين نوع ذلك الشراب، فلندع أمره إلى الله."إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا"22 .ثم ختم- سبحانه - هذا العطاء الواسع العظيم، ببيان ما يُقالُ لهم، أو يقولُ لهم ربُّهم، عند تمتعهم بكل هذا النعيم، إِنَّ هذا النعيم الذي تعيشون فيه كانَ لَكُمْ جَزاءً على إيمانكم وعملكم الصالح في الدنيا.وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا:أي: مرضيًا ومقبولًا عند خالقكم، فازدادوا- أيها الأبرار- سرورًا على سروركم، وبهجة على بهجتكم. والإتيانُ بفِعلِ كَانَ في قولِه تعالى: وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ؛ للدَّلالةِ على تَحقيقِ كَونِه سَعْيًا مَشكورًا. وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه. وبعد هذا التفصيل لما أعده الله-تبارك وتعالى- لعباده الأخيار من أصناف النعيم، المتعلق بمأكلهم، ومشربهم.. أخذت السورة الكريمة.
في أواخرها- في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.فقال عز من قائل:
|
|
|