يوم أمس, 04:47 AM
|
#4
|
نفع الله بك الأمة
|
ثم ذكر ما لأجله استحقوا هذه الكرامة فقال: "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا "7 "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا "8. بيَّنَ- سبحانه – في هذه الآية وفي آيات متعددة، الأسباب التي من أجلها وصلوا إلى النعيم الدائم. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ: والنذر: هو إيجاب المكلف على نفسه شيئًا لم يكن واجبًا عليه، سواء كان منجّزًا أو معلقًا. *النذر المنجز أو المطلق:كأن يقول: لله علي أن أصلي ركعتين مثلاً دون اشتراط. "أنَّ عُمَرَ سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قالَ: فأوْفِ بنَذْرِكَ."الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري. " أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ."الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح البخاري. ومثل نذر امرأة عمران " "إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" آل عمران: 35. وفي الكلام دلالة على أنها كانت تعتقد أن ما في بطنها ذكر لا إناث حيث إنها تناجى ربها عن جزم وقطع من غير اشتراط وتعليق حيث تقول نذرت لك ما في بطني محررًا من غير أن تقول مثلا إن كان ذكرًا ونحو ذلك. *النذر المعلق: كأن يقول: علي لله صيام ثلاثة أيام إن شفاني من مرضي، أو لله علي أن أتصدق بدرهم أو أذبح شاة إن حصل كذا.وهذا النوع مكروه. "نَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، وقَالَ: إنَّه لا يَرُدُّ شيئًا، ولَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ به مِنَالبَخِيلِ. "الراوي : عبد الله بن عمر - صحيح البخاري. "لا يَأْتي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بشيءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ له، ولَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إلى القَدَرِ قدْ قُدِّرَ له، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ به مِنَ البَخِيلِ، فيُؤْتي عليه ما لَمْ يَكُنْ يُؤْتي عليه مِن قَبْلُ. "الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري. شرح الحديث:النَّذْرُ هو إيجابُ المرْءِ فِعلَ أمْرٍ على نَفْسِه لم يُلزِمْه به الشَّارعُ، كأنْ يقولَ الإنسانُ: علَيَّ ذَبيحةٌ، أو أتَصدَّقُ بكذا إنْ شَفَى اللهُ مَريضي؛ فهو في صُورةِ الشَّرطِ على اللهِ عزَّ وجلَّ.
هذا الحديثُ من الأَحَادِيثِ القُدسيَّةِ كما ورد في روايةٍ أُخرى للبُخاريِّ، وَلكنَّه لَمْ يُصرَّحْ بنِسْبَتِه إِلَى اللهِ تعالَى هنا، وفيه يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النَّذْرَ لا يَأتي لابنِ آدَمَ بشَيْءٍ لم يَكُنْ قد قَدَّره اللهُ له، "ولكنْ يُلقِيه النَّذرُ إلى القَدَرِ قدْ قُدِّرَ له"، معناه: أنَّ النَّذرَ لا يَصنَعُ شَيئًا، وإنما يُلقيه إلى القَدَرِ؛ فإن كان قد قُدِّر وقع، وإلَّا فلا؛ فالنَّذرُ لا يُقدِّمُ شيئًا ولا يُؤخِّرُه، بلِ الخَيرُ والشَّرُّ يَجْري وَفْقَ مَقاديرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فالمَقدورُ لا يَتغيَّرُ مِن شَرٍّ إلى خَيرٍ بسَبَبِ النَّذرِ.
وأخبر أنَّ اللهَ سُبحانَه يَستخرِجُ بالنَّذرِ الخَيرَ مِن البَخيلِ والشَّحِيحِ؛ فهو أشبَهُ بإلْزامِ البَخيلِ بإخراجِ شَيءٍ لم يكُنْ يُريدُ أنْ يُخرِجَه من تِلْقاءِ نَفْسِه؛ فالمعنى: أطِيعوا اللهَ ابتِداءً وطَواعِيةً، ولا تَطْلُبوا للطَّاعةِ مُقابِلًا، فعادةُ النَّاسِ تَعليقُ النُّذورِ على حُصولِ المَنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ؛ فإنَّ ذلك فِعلُ البَخيلِ؛ إذِ لا يأتي بهذه القُربةِ تَطوُّعًا ابتداءً، بل في مُقابَلةٍ؛ بنَحوِ شِفاءِ مَريضٍ ممَّا علَّقَ النَّذرَ عليه، وأمَّا السَّخيُّ الكريمُ فإذا أرادَ أنْ يَتقرَّبَ إلى اللهِ تعالَى، استَعجَلَ فيه وأتَى به في الحالِ، فشَأنُ الكَريمِ أنْ يُبادِرَ بالعَطاءِ، وأنْ يُسابِقَ إلى فِعلِ الخَيرِ؛ طلبًا لِمَرضاةِ اللهِ، والبَخيلُ لا تُطاوِعُه نَفْسُه بإخْراجِ شَيءٍ مِن يَدِه إلَّا في مُقابَلةِ عِوَضٍ يُستوْفى أوَّلًا!
فإذا نذر وتحقَّق ما أراد، يعطي هذا البَخيلُ للهِ على ذلك الأمرِ الذي بِسَبَبِه نَذَرَ -كالشِّفاء- ما لم يكُنْ يُعطيه ويخرِجُه لله مِن قَبْلِ النَّذْرِ.
وفي الحَديثِ: إشارَةٌ إلى ذَمِّ النَّذرِ المُعلَّقِ.الدرر السنية. وكلا النوعين يجب الوفاء به إذا كان المنذور فعل طاعة . لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ " صحيح البخاري. " كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينِ . "الراوي : عقبة بن عامر - صحيح مسلم. قال ابن عباس" من نذر نذرًا لم يُسمِّه فكفَّارتُه كفارةُ يمينٍ ومن نذر نذرًا في معصيةٍ فكفَّارتُه كفارةُ يمينٍ ومن نذر نذرًا لا يطيقُه فكفارتُه كفارةُيمينٍ"الراوي : عبد الله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : إرواء الغليل- موقوف على ابن عباس. وقدْ ذُكِرتْ كفَّارةُ اليَمينِ على التَّرتيبِ في قولِه تَعالى"لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ"المائدة: 89. يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، ومن أوفى بما أوجبه على نفسه فهو على الوفاء بما أوجبه الله عليه أولى. وجيء بصيغة المضارع في قوله: يُوفُونَ للدلالة على تجدد وفائهم في كل وقت وحين.
والتعريف في النذر " يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " للجنس، لأنه يعم كل نذر. ويستعاض عن النذر المكروه عند رجاء ذهاب هم وبلاء أو استجلاب خير يستعاض عنه بالتوسل بالأعمال الصالحة. " سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا:إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ،فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّكانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا،اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ:اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا،اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ." الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري. الدُّعاءُ والتَّقرُّبُ إلى اللهِ تعالَى بصالِحِ الأعمالِ والإخلاصِ سَبَبٌ لتَفْريجِ كُلِّ كَرْبٍ.
وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا: أي: ويَخافُونَ يومَ القيامةِ الَّذي شرُّه في غايةِ الانتِشارِ والامتِدادِ، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك. وجاء لفظ اليوم " يَوْمًا" منكرًا، ووصف بأن له شرًا مستطيرًا.. لتهويل أمره، وتعظيم شأنه، حتى يستعد الناس لاستقباله بالإيمان والعمل الصالح. وذكر فعل كَانَ للدلالة على تمكن الخبر من المخبر عنه وإلا فإن شر ذلك اليوم ليس واقعًا في الماضي وإنما يقع بعد مستقبل بعيد ، ويجوز أن يجعل ذلك من التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهًا على تحقق وقوعه. شَرُّهُ : والشر : العذاب والجزاء السوء.
مُسْتَطِيرًا :والمستطير : هو اسم فاعل من استطار القاصر ، والسين والتاء في استطار للمبالغة وأصله طار مثل استكبر . والطيران مجازي مستعار لانتشار الشيء وامتداده تشبيهًا له بانتشار الطير في الجو ، ومنه قولهم : الفجر المستطير وهو الفجر الصادق الذي ينتشر ضوءه في الأفق ويقال : استطار الحريق إذا انتشر وتلاحق . ثم وصفهم- سبحانه - بصفات أخرى : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِحُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا : أي: ويُطْعِمونَ الطَّعامَ الذي هو قوامُ الأبدانِ - مع محَبَّتِهم إيَّاه، واشتِهائِهم له، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم.- فيُؤْثِرونَ به المِسكينَ، وهو المحتاج إلى غيره لفقره وسكونه عن الحركة..واليتيم: وهو الصَّغيرَ الَّذي فَقَدَ أباه، والأسير: وهو من أصبح أمره بيد غيره. "مُوجِبُ الجنةِ؛ إطعامُ الطعامِ، وإفشاءُ السلامِ، وحُسنُ الكلامِ."خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : هانئ بن يزيد بن نهيك أبو شريح - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب "يا أَيُّها الناسُ ! أَفْشُوا السلامَ ، و أطْعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلامٍ"خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : عبدالله بن سلام - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع. "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"9. إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ: يَقولُ الأبرارُ بيان لشدة إخلاصهم، ولطهارة نفوسهم ، يقدمون الطعام لهؤلاء المحتاجين مع حبهم لهذا الطعام، ومع حاجتهم إليه.. ثم يقولون لهم بلسان الحال أو المقال: إنما نطعمكم ابتغاء وجه الله-تبارك وتعالى- وطلبًا لمثوبته ورحمته. النية هي روح العمل وأساسه، والعمل تابع يُبنى عليها، وبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.وعلى العامل أن ينوي الإخلاص .
والإخلاص هو: تصفية العمل من كل شائبة، بحيث لا يمازج هذا العملَ شيءٌ من الشوائب في والإرادات، وأعنى بذلك إرادات النفس، إما بطلب التزين في قلوب الخلق، وإما بطلب مدحهم، والهرب من ذمهم، أو بطلب تعظيمهم، أو بطلب أموالهم، أو خدمتهم، أو محبتهم، أو أن يقضوا له حوائجه، أو غير ذلك من العلل والشوائب والإرادات السيئة التي تجتمع على شيء واحد، وهو: إرادة ما سوى الله عز وجل بهذا العمل. وعليه: فالإخلاص هو توحيد الإرادة والقصد، أن تفرد الله عز وجل بقصدك وإرادتك فلا تلتفت إلى شيء مع الله -تبارك وتعالى.
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا: أي: لا نريد منكم جزاء على ما قدمناه لكم، ولا نريد منكم شكرًا ولا ثناءً على ما فعلناه، فإننا لا نلتمس ذلك إلا من الله-تبارك وتعالى- خالقنا وخالقكم. والمراد بالجزاء : ما هو عوض عن العطية من خدمة وإعانة ، وبالشكور ذكرهم بالمزية ،والثناء عليهم. أي: لا جزاءً ماليًّا ماديًّا ولا ثناءً قوليًّا. يقولون ذلك لهم تأنيسًا لهم ودفعًا لانكسار النفس الحاصل عند الإطعام ، أي ما نطعمكم إلا استجابة لما أمر الله ، فالمطعِم لهم هو الله .
فالقول قول باللسان ، وهم ما يقولونه إلا وهو مضمر في نفوسهم . وعن مجاهد أنه قال : ما تكلموا به ولكن علمه الله فأثنى به عليهم
|
|
|