عرض مشاركة واحدة
قديم 27-10-14, 05:24 PM   #3
فاطمة سالم
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني1 بمعهد لعلوم الشرعية|
Ah11 إِنَّــــــــهُ اللَّطيفُ سُـــــــبــحَـــــــانَهُ .


ومِن لَطيفِ لطفِ اللهِ بعبدِه: أن يأجُرَه على أعمالٍ لم يعملْها بل عزَمَ عليها، فيعزِمُ على قُربةٍ من القُرَب ثم تَنحلُّ عزيمتُه لسببٍ من الأسبابِ فلا يفعلُها، فيحصُلُ له أجرُها، فانظر كيف لَطَفَ اللهُ به! فأوقَعَها في قلبِه، وأَدارَها في ضميرِه، وقد عَلِمَ تعالى أنه لا يفعلُها؛ سَوقاً لبِرِّهِ لعبدِه وإحسانِهِ بكلِّ طريق. وأَلطَفَ من ذلك: أنْ يُقيِّضَ لعبدِهِ طاعةً أخرى غيرَ التي عَزَمَ عليها، هي أنفعُ له منها؛ فيَدَعَ العبدُ الطاعةَ التي تُرضي ربَّه لطاعةٍ أخرى هي أرضى لله منها، فتحصُلُ له المفعولةُ بالفعل والمعزومُ عليها بالنية، وإذا كان من يُهاجِرُ إلى اللهِ ورسولِه، ثم يُدرِكُهُ الموتُ قبل حصولِ مقصودِه قد وقَعَ أجرُهُ على الله - مع أنّ قَطعَ الموتِ بغيرِ اختياره - فكيف بمن قَطَعت عليه نيتُه الفاضلةُ طاعةً قد عَزَمَ على فعلِها؟! وربما أدار اللهُ في ضميرِ عبدِه عِدَّةَ طاعات، كلُّ طاعةٍ لو انفردتْ لفعلَها العبد؛ لكمالِ رغبتِه، ولا يمكنُ فعلُ شيءٍ منها إلا بتفويتِ الأخرى، فيوَفِّقُهُ للموازنةِ بينها، وإيثارِ أفضلِها فعلاً، مع رجاءِ حصولِها جميعهاً عَزْماً ونيةً.

وأَلْطفُ من هذا: أنْ يُقدِّرَ تعالى لعبدِه ويبتليهِ بوجودِ أسبابِ المعصية، ويُوفِّرَ له دواعيها، وهو تعالى يعلمُ أنه لا يفعلُها؛ ليكونَ تَرْكُهُ لتلك المعصيةِ التي توفَّرَتْ أسبابُ فِعلِها مِن أكبرِ الطاعات، كما لَطَفَ بيوسفَ عليه السلام في مُراودةِ المرأة، وأحدُ السبعةِ الذين يُظلُّهمُ اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظل إلا ظله: رجلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال فقال: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ.

ومِن لُطفِ اللهِ بعبدِه: أنْ يُقدِّرَ خيراً وإحساناً مِن عبدِه، ويُجرِيَه على يدِ عبدِه الآخر، ويجعله طريقاً إلى وصولِه للمُستَحِق، فيُثِيبُ اللهُ الأولَ والآخِرَ.

ومِن لُطفِ اللهِ بعبدِه: أن يُجرِيَ بشيءٍ مِن مالِه شيئاً من المنافعِ وخيراً لغيرِه؛ فيُثيبهُ من حيث لا يحتسِبُ، فمَن غَرَسَ غرساًَ، أو زَرَعَ زرعاً؛ فأصابت منه رُوحٌ من الأرواحِ المحترمةِ شيئاً، آجرَ اللهُ صاحبَه وهو لا يدري! خصوصاً إذا كانتْ عنده نيةٌ حسنة، وعَقَدَ مع ربِّه عقْداً في أنه مهما تَرتّب على ماله شيءٌ من النفع، فأسألُك يا ربِّ أنْ تأجرَني، وتجعلَه قربةً لي عندك، وكذلك لو كان له بهائمُ انْتُفِعَ بدَرِّها ورُكُوبِها والحَمْلِ عليها، أو مساكنُ انْتُفِعَ بسُكناها ولو شيئاً قليلاً، أو ماعونٌ ونحوُه انْتُفِع به، أو عينٌ شُرِبَ منها، وغيرُ ذلك - ككتابٍ انْتُفع به في تعلُّمِ شيءٍ منه، أو مُصحفٍ قُرئ فيه - والله ذو الفضل العظيم.

ومِن لُطفِ اللهِ بعبدِه: أنْ يفتحَ له باباً من أبوابِ الخيرِ لم يكن له على بال، وليس ذلك لقلةِ رغبتِه فيه، وإنما هو غفلةٌ منه، وذهولٌ عن ذلك الطريق، فلم يَشعُرْ إلا وقد وَجَدَ في قلبِهِ الداعيَ إليه، واللافتَ إليه؛ ففَرِحَ بذلك، وعَرَفَ أنها مِن أَلطافِ سيِّدِه، وطُرُقِه التي قَيّضَ وصولهَا إليه؛ فصَرَفَ لها ضَميرَه، ووجّه إليها فِكْرَه، وأَدرَكَ منها ما شاء اللهُ وفَتَحَ" اهـ كلامه : .



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[المصدر: المقال في أغلبه ملخص من كتاب "المواهب الربانية" لابن سعدي (بتصرف) ، ص: (119) وما بعدها.]




توقيع فاطمة سالم



التعديل الأخير تم بواسطة أروى آل قشلان ; 29-10-14 الساعة 12:13 PM سبب آخر: إدراج المشاركات متتالية
فاطمة سالم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس