عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-12, 02:18 PM   #3
حياة بنت عبد السلام
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 24-12-2011
المشاركات: 12
حياة بنت عبد السلام is on a distinguished road
افتراضي

الثالث :

باب الزهد والورع


الزهد: هو قلة الرغبة في الشيء، وإن شئت قلت: قلة الرغبة عنه.
وفي اصطلاح أهل الحقيقة: بغض الدنيا والإعراض عنها،
وقيل: ترك راحة الدنيا لراحة الآخرة، وقيل: أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك.
وقيل: بذل ما تملك ولا تؤثر ما تدرك. وقيل: ترك الأسف على معدوم، ونفي الفرح بمعلوم. قاله المناوي في تعريفاته.

وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذرّ مرفوعاً "الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك" انتهى فهذا التفسير النبوي يقدّم على كل تفسير.

والورع: تجنب الشبهات خوف الوقوع في محرّم، وقيل: ترك ما يريبك ونفي ما يعيبك؛ وقيل: الأخذ بالأوثق وحمل النفس على الأشق؛ وقيل: النظر في المطعم واللباس، وترك ما به بأس. وقيل: تجنب الشبهات، ومراقبة الخطرات.

---------------------------

وعن ابن عُمَر رضي الله عَنْهُما قال: أَخذَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بمنْكبيَّ فقال: "كُنْ في الدنيا كأَنّك غريبٌ أَوْ عابر سبيل" وكان ابن عمرَ يقولُ: إذا أمْسيتَ فلا تنتظر الصَّباح، وإذا أصْبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخُذْ منْ صحتك لسَقمك ومِنْ حيَاتك لموتِك. أخْرجه البُخاريُّ.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بمنكبيَّ) يروى بالإفراد والتثنية، وهو بكسر الكاف، مجمع الكتف والعضد
(فقال: "كُنْ في الدُّنْيا كأَنّك غريبٌ أَوْ عابرُ سبيل" وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك. أخرجه البخاري).

الغريب: من لا مسكن له يأويه، ولا سكن يأنس به، ولا بلد يستوطن فيه، قيل في المسيح: سعد المسيح يسيح لا ولد يموت ولا بناء يخرب. وعطف "عابر سبيل" من باب عطف الترقي و "أو" ليست للشك بل للتخيير أو الإباحة، والأمر للإرشاد.

والمعنى: قدر نفسك ونزلها منزلة من هو غريب أو عابر سبيل، لأن الغريب قد يستوطن؛ ويحتمل أن "أو" للإضراب والمعنى؛ بل كن في الدنيا كأنك عابر سبيل لأن الغريب قد يستوطن بلداً بخلاف عابر السبيل، فهمه قطع المسافة إلى مقصده، والمقصد هنا إلى الله {وأن إلى ربك المنتهى}. النجم 42 )

قال ابن بطال لما كان الغريب قليل الانبساط إلى الناس بل هو مستوحش منهم لا يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به فهو ذليل في نفسه خائف وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره إلا بقوته وتخفيفه من الأثقال غير متشبث بما يمنعه عن قطع سفره، معه زاده وراحلته يبلغانه إلى ما يغنيه من مقصده،
وفي هذا إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة مهنا والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره فكذلك المؤمن لا يحتاج في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل،
وقوله: "وكان ابن عمر إلخ" قال بعض العلماء: كلام ابن عمر متفرع من الحديث المرفوع وهو متضمن لنهاية تقصير الأجل من العاقل إذا أمسى ينبغي له أن لا ينتظر الصباح إذا أصبح ينبغي له أن لا ينتظرالمساء بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك.

وفي كلامه الأخبار بأنه لا بد للأنسان من الصحة والمرض فيغتنم أيام صحته وينفق ساعاته فيما يعود عليه نفعه فإنه لا يدري متى ينزل به مرض يحول بينه وبين فعل الطاعة ولأنه إذا مرض كتب له ما كان يعمل صحيحاً فقد أخذ من صحته لمرضه حظه من الطاعات.
وقوله: "من حياتك لموتك" أي خذ من أيام الحياة والصحة والنشاط لموتك بتقديم ما ينفعك بعد الموت وهو نظير حديث:"بادروا بالأعمال سبعاً ما تنتظروا إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فإنه شر منتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر" أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة.


--------------------------

ـــ وعن ابن عباس قال: كُنْتُ خَلُفَ النَّبِي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوماً، فقال: "يا غُلام، احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَك، وإذا سألت فاسألِ اللَّه، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّه". رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوماً فقال: "( يا غلام احفظ الله يحفظك ) جواب الأمر (احفظ الله تجده) مثله (تجاهك) في القاموس وجاهك وتجاهك مثلين تلقاء وجهك، (وإذا سألت) حاجة من حوائج الدارين، (فاسأل الله) فإن بيده أمورهما، "وإذا استعنت فاستعن بالله" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح،
وتمامه: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك جفت الأقلام وطويت الصحف"، وأخرجه أحمد عن ابن عباس بإسناد حسن

بلفظ:"كنت رديف النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: يا غلام أو يا غليم إلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى. قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله تعالى لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكربة وأن مع العسر يسراً"

وله ألفاظ أخر وهو حديث جليل أفرده بعض علماء الحنابلة بتصنيف مفرد فإنه اشتمل على وصايا جليلة.
والمراد من قوله:"احفظ الله" أي حدوده وعهوده وأوامره ونواهيه. وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده أن لا يتجاوزها ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهى عنه، فيدخل في ذلك فعل الواجبات كلها وترك المنهيات كلها.

وقال تعالى: {والحافظون لحدود الله} [التوبة:112] وقال: {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ} [سورة ق:32] فسر العلماء الحفيظ بالحافظ لأوامر الله، وفسر بالحافظ لذنوبه حتى يرجع منها فأمره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بحفظ الله يدخل فيه كل ما ذكر وتفاصيلها واسعة.
وقوله: "تجده أمامك" وفي اللفظ الآخر "يحفظك"، والمعنى متقارب أي تجده أمامك بالحفظ لك من شرور الدارين جزاء وفاقاً من باب "وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" ( البقره 40 ) يحفظه في دنياه عن غشيان الذنوب وعن كل أمر مرهوب ويحفظ ذريته من بعده كما قال تعالى: {وكان أبوهما صالحاً}. الكهف 82 )

وقوله: "فاسأل الله" أمر بإفراد الله عزّ وجلّ بالسؤال وإنزال الحاجات به وحده، وأخرج الترمذي مرفوعاً "سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل" وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعاً "من لا يسأل الله يغضب عليه" وفيه "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وفي حديث آخر: "يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع".

وقد بايع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جماعة من الصحابة على أن لا يسألوا الناس شيئاً منهم: الصدّيق وأبو ذرّ وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه أو يسقط خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله، وإفراد الله بطلب الحاجات دون خلقه يدل له العقل والسمع، فإن السؤال بذل لماء الوجه وذل لا يصلح إلا لله تعالى، لأنه القادر على كل شيء، الغني مطلقاً والعباد بخلاف هذا.

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث قدسي فيه: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر" وزاد في الترمذي وغيره "وذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".

وقوله: "إذا استعنت فاستعن بالله" مأخوذ من قوله: {وإيّاك نستعين} ( الفاتحه 5 ) أي نفردك بالاستعانة. أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يستعين بالله وحده في كل أموره، أي إفراده بالاستعانة على ما يريده وفي إفراده تعالى بالاستعانة فائدتان:
فالأولى: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في الطاعات.
والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عزّ وجلّ فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.

وفي الحديث الصحيح "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" وعلم صلى الله عليه وآله وسلم العباد أن يقولوا في خطبة الحاجة: "الحمد لله نستعينه" وعلم معاذاً أن يقول دبر الصلاة: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" فالعبد أحوج شيء إلى مولاه في طلب إعانته على فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات. قال يعقوب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصبر على المقدور: {والله المستعان على ما تصفون}. يوسف 18 )
وما ذكر من هذه الوصايا النبوية لا ينافي القيام بالأسباب، فإنها من جملة سؤال الله والاستعانة به، فإن من طلب رزقه بسبب من أسباب المعاش المأذون فيها رُزق من جهته فهو منه تعالى، وإن حرم فهو لمصلحة لا يعلمها ولو كشف الغطاء لعلم أن الحرمان خير من العطاء، والكسب الممدوح المأجور فاعله عليه هو ما كان لطلب الكفاية له ولمن يعوله، أو الزائد على ذلك إذا كان يعدّه لقرض محتاج أو صلة رحم أو إعانة طالب علم أو نحوه من وجوه الخير لا لغير ذلك، فإنه يكون من الاشتغال بالدنيا وفتح باب محبتها الذي هو رأس كل خطيئة.

وقد ورد في الحديث "كسب الحلال فريضة" أخرجه الطبراني والبيهقي والقضاعي عن ابن مسعود مرفوعاً وفيه عباد بن كثيرضعيف. وله شاهد من حديث أنس عند الديلمي "طلب الحلال واجب" ومن حديث ابن عباس مرفوعاً "طلب الحلال جهاد" رواه القضاعي ومثله في الحلية عن ابن عمر.

قال العلماء: الكسب الحلال مندوب أو واجب إلا للعالم المشتغل بالتدريس والحاكم المستغرقة أوقاته في إقامة الشريعة، ومن كان من أهل الولايات العامة كالإمام فترك الكسب بهم أولى لما فيه من الاشتغال عن القيام بما هم فيه. ويرزقون من الأموال المعدّة للمصالح.


--------------------------------

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي .
(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ بني آدمَ خطّاءُ) أي كثيرو الخطأ إذ هو صيغة مبالغة (وخير الخطّائين التّوَّابُون" أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي).
والحديث دال على أنه لا يخلو من الخطيئة إنسان لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما إليه دعاه وترك ما عنه نهاه؛

ولكنه تعالى بلطفه فتح باب التوبة لعباده، وأخبر أن خير الخطائين التوابون المكثرون للتوبة على قدر كثرة الخطأ، وفي الأحاديث أدلة على أن العبد إذا عصى الله وتاب تاب الله عليه ولا يزال كذلك ولن يهلك على الله إلا هالك.

وقد خص من هذا العموم يحيــــى بن زكريا عليه السلام فإنه قد ورد أنه ما همّ بخطيئة.
وروي أنه لقيه إبليس ومعه معاليق من كل شيء فسأله عنها فقال: هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم فقال: هل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر قال: هل غير ذلك، قال: لا قال: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً فقال إبليس: لله عليّ أن لا أنصح مسلماً أبداً.
حياة بنت عبد السلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس