الأربعون النووية الحديث الأول
إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أعمالنا وسيئات أعمالنا، فإنها من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وإن وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معنا بفضل الله ومنه الحديث الثاني من هذه الأربعين المباركة للسيد الحصور الإمام النووي عَنْ عُمَرَ t قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ r. فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r.«الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْت. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثت مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قَلَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».
هذا الحديث كما يسميه بعض أهل العلم، يسميه بأم السنة كما أن الفاتحة هي أم القرآن وذلك لأن جميع السنة تعود إلى هذا الحديث، وهذا الحديث قد اشتمل في كلماته هذه الموجزة في اللفظ الكبيرة في المعنى اشتمل على الشريعة كلها ففيه بيان العقيدة لبيان أركان الإيمان الستة، وفيه بيان الشريعة بذكر أركان الإسلام الخمسة، وفيه الكلام عن السلوك والأخلاق لذكر الإحسان، هذا الحديث كما ترون إن عمر t وقد مرت معنا ترجمته كان جالسًا عند رسول الله r فأتى جبريل في هذه الهيئة التي وصفها عمر جاء متعلما في حسن أدبه، وحسن سؤاله، ومعلما لغيره من الصحابة عن طريق أنه كان متسببًا في السؤال.
اليوم لأن الفوائد التي ذكرها الشيخ العثيمين طويلة فندخل على الفوائد مباشرة وإذا وجدت فائدة في الحديث في رواية أخرى لهذا الحديث ذكرتها ونحن نسير، وآمل من الله U أن يشرح لي صدري، وأن ييسر لي أمري، وأن يحلل عقدة من لساني فتفقهوا قولي، اسأل الله ذلك إنه ولي ذلك ومولاه.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى يستفاد من الحديث مايلي:
الفائدة الأولى -أن من هدي النبي rمجالسة أصحابه وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي r .
الفائدة الثانية:ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عشرة من الناس ومجالسة وألا ينزوي عنهم.
الفائدة الثالثة: هناك فائدة لم يذكره الشيخ قبل هذه الفائدة وهي قوله: «إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ»، هنا عمر رأى هذا الداخل فلفت نظره هذا المنظر الذي جاء به فوصفه بأمرين كلاهما مدح، أمر هو مكتسب، والأمر جبلي، ماوصف به عمر رضي الله عنه الداخل:وصفه بوصفين:
الوصف الأول المكتسب: « شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، »، وهو أن هذا الطالب الذي أتى معلمًا ومتعلمًا أتى في أحسن ثوب وأحسن زي، ومن السنة لبس البياض كما قال النبي r«البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم»
الوصف الثاني الجبلي: « شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ» في رواية ابن ماجة قال شعر الرأس، فإذن أتى فيظهر رأسه، ويظهر أنه كان شديد السواد في رأسه.
ما يجب علي طالب العلم حال مخالطته للعلماء ولإخوانه :
يجب علي طالب العلم حال مخالطته للعلماء ولإخوانهأن يلبس ثيابًا نظيفةً لسنا صوفية يقولون أن المرقع أو الملابس المتسخة دلالة على الزهد نقول أبدًا إنما اختيار الثياب ولبس هذه الثياب بهذه الطريقة سنة، وذكر هذه الصفة في هذا الحديث دلالة على أنها صفة مدح ،وهذه المسألة تؤثر في نفوس من يراه.
والصفة الأخرى: « لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ»، أي مع هذا البياض الشديد وشدة سواد الشعر لا يرى عليه غبار ولا يرى على ثوبه أشياء من التي تعرض للمسافر في سفره من اتساخ الثوب وغيرها، قال: «وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ»، طبعا هنا قال لا يرى عليه أثر السفر، في رواية عند أبي يعلى قال: « لا نرى عليه أثر السفر» وكأن هذا المنظر شغل الصحابة كلهم لما دخل بهذا المنظر الأنيق نظروا إليه جميعًا.
كذلك أيضا الفائدة التي ذكرها الشيخ مجالسة النبي r لأصحابه، بعض طلبة العلم قد يظن أحيانا أن الانزواء والعزلة عن باقي إخوانه هذا هو المقصود، نقول لا إنما العزلة بقدر، والخلطة أيضا تكون بقدر كما سيبين الشيخ.
الفائدة الرابعة: ومن فوائد الحديث أن الخلطة مع الناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسانعلى دينه، فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل؛ لقول النبي r: «يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن».
وهذا الحديث رواه البخاري ورواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري، يقول يوشك أي يقترب، اقترب أن يكون خير مال الرجل، وفي رواية أبي داود «مال المسلم غنما» وهنا قال « غنم يتبع بها شعف الجبال»، وشعف الجبال- أي أعلى الجبال، ومواقع القطر: أي المطر.
لماذا يفعل ذلك؟ قال« يفر بدينه من الفتن».فالمسلم مطالب أن يفر من الفتن ولا يواجه هذه الفتن ، مغترًا بقوة إيمانه، فإن الفتن خطافة.
الفائدة الخامسة: ومن فوائد هذا الحديث:أن الملائكة - عليهم الصلاة والسلام - يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر؛ لأن جبريل - عليه الصلاة والسلام- طلع على الصحابة على الوصف المذكور فيالحديث رجل شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه من الصحابة أحد.
وهو أن الذي أخبرهم أن هذا جبريل، الوحي المعصوم النبي r قال: هذا جبريل، فبعض الناس قد يقول أنه تأتيه الملائكة، نقول ما الدليل؟ فلو أن شخصا أتاك قال لك أنا جبريل وأتيتك الآن أسلم عليك، تصدق أم لا، ليس عندنا برهان ولا دليل، ولذلك هذا مسلك خطير جدا أن الناس يأخذوا هذا الحديث فيقولون أنه يجوز أن تتصور الملائكة أو يتصور الجن في صورة آدمي كما في بعض الأحاديث يقول يخرج فيكلمني ويفعل كذا واستعين به في كذا وكذا، نقول من الذي أدراك أن هذا ملك، يذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (في تلبيس إبليس على المتعبدين في قصة الحارث الكذاب قال وكان يخرج بأصحابه إلى دير المِران فيريهم أشخاص بيض على خيول فيقول هذه هي الملائكة، )من الذي أدرانا، نحتاج إلى وحي حتى يقول أن الذي أتاك هو ملك حتى نتيقن من هذه المسألة، فدع عنك، كل ما يقوله الصوفية الذين يغالون في هذه القضية، فانتبه،لأن بعض من انتسب أو من ينسب إلى العلمقال كنا جالسين مرة في مكة واختلفنا في مسألة فأتانا شخص فقال يا مشايخ انتبهوا إلى الاسم المُعرَّف في قوله ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف: 84]. قال انظر إلى الاسم المُعرَّف لتحل لكم القضية، قال فوجدنا الحل فلما انصرف طلبناه فلم نجده فيقول هذا الشيخ يقول فظننت أنه ملك، من الذي أخبرك المسألة تحتاج إلى وحي يخبرنا أن هذا هو ملك.
الفائدة السادسة:حسن أدب المتعلم أمام المعلم حيث جلس جبريل - عليه الصلاة والسلام – أمام النبي rهذه الجلسة.
هنا نأخذ فائدة كلمة (أمام النبي) فلا ينبغي أن يجلس الطالب بجوار المعلم أو خلفه ليكون الإقبال بينك وبين المعلم على جهة الإقبال المطلوب.
قال: (هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعدادلما يلقى إليه)، الجلسات أنه لا يجلس مستندًا إلى شيء في غير اتجاه المعلم، بعض أهل العلم يذكرون أنه ينبغي أن يغطي رجليه أيضًا بثوبه إذا جلس .
قال: (والاستعداد لما يلقى إليه، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ،) هنا أسند ركبتيه إلى ركبتيه – أي ركبة جبريل u إلى ركبة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهذا فيه الإقبال على العالم، والقرب منه عند المحادثة لئلا يحتاج إلى رفع صوت وإلى إزعاج فيقترب منه ويضع رجله إلى ركبتيه إلى ركبتيه، ولذلك يقول أهل العلم قاعدة: «أن من احتَرم احُترم، ومن أقبَل أُقبل عليه ولا يستفيد طالب العلم من المعلم بمثل الأدب»، أحفظوا هذه بمثل الأدب.
قال: (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ) هنا اختلف أهل العلم، ووضع كفيه على فخذيه بعض أهل العلم قالوا أن هذه الضمائر تعود إلى جبريل u أي ووضع كفى نفسه على فخذي نفسه، وبعضهم قال ووضعه كفيه على ركبتيه أي وضع جبريل كفيه على ركبتي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا التأويل الثاني وهو وضع كفيه على ركبتيه يسانده الحديث الصحيح الذي عند النسائي، قال وفيه وضع يده على ركبتي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فظهر المراد، يبقى إذن الأقرب أن جبريل وضع يده على ركبتي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.