شرح جوامع الأخبار (10)
شرح حديث: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل..) وحديث: (لا حسد إلا في اثنتين..) وحديث: (اللهم إني أسألك الهدى..) وحديث: (من أحب أن يزحزح عن النار..) وحديث: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً..) وحديث: (خذي من ماله بالمعروف..) وحديث: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان..) وحديث: ( كُلْ واشرب..) وحديث: (تلك عاجل بشرى المؤمن..) وحديث: (رضا الله في رضا الوالدين..) وحديث: (ثلاث لا يَغُلُّ..) وحديث: (إنما الناس كالإبل المائة..) وحديث: (يأتي على الناس زمان القابض على دينه..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ وآله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، وصدق اتباعٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فيقول العلامة المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله-، وغفر له، ولنا، ولشيخنا أجمعين.
الحديث السابع والثمانون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن))
[رواه مسلم].
نعم هذا الحديث العظيم الذي فيه أن سورة الإخلاص على قصرها تعدل ثلث القرآن، ولا شك أن هذا من فضل الله -جل وعلا-، ورحمته بعباده، ثلث القرآن كم تستغرق من الوقت؟ لو قرأ الواحد قل هو الله أحد عشر مرات، أو أكثر، أو مائة، ما تأخذ وقت، ومع ذلكم قراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، والتمس أهل العلم لهذا التعديل وجه، فرأوا من ذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية، وله مصنف في هذه المسألة، جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، مصنف نفيس، وله أيضاً تفسير سورة الإخلاص؛ لكن التعديل يرى جمع من أهل العلم أن القرآن مشتمل على أحكام، ومشتمل على قصص، ومشتمل على عقائد تتعلق بالله -جل وعلا-، وهذا هو أعظمها، وهو الذي اشتملت عليه هذه الآية، فما يتعلق بتوحيد الله -جل وعلا-، وإثبات ما يجب إثباته له، وإفراده بالوحدانية فهو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، هذه تضمنته هذه السورة، وتضمن قسم آخر من القرآن الأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة، وقسم ثالث اشتمل على القصص والأخبار التي ذكرت للعظة والاعتبار {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [(111) سورة يوسف] ما كان حديثاً يفترى، ما هو مجرد قصص وتسلية، لا، للعبرة والاعتبار، قد مضى القوم كما قال عمر -رضي الله عنه-: مضى القوم ولم يرد به سوانا، فعلينا أن نعتبر بما قصه الله -جل وعلا- في كتابه، وعلينا أن نعمل بما جاء في الكتاب من الأوامر والنواهي، وعلينا أن نعتقد ما تضمنه هذا الكتاب العظيم من عقائد فيما يتعلق بالله -جل وعلا- بأسمائه وصفاته وتنزيهه ومماثلة المخلوقين له.
الحديث الثامن والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها)) [متفق عليه].
((لا حسد إلا في اثنتين)) جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة في ذم الحسد، وجاء ما يدل على أنه يأكل الحسنات، وأنه داء من أدواء القلب، ويحتاج إلى علاج، وأن القلب السليم المنجي النافع بريء من الحسد، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت الحسد في مسألتين: ((لا حسد إلا في اثنتين)) الحسد إن كان الحاسد يتمنى زوال النعمة عن المحسود، فهذا هو المذموم، وإن كان الحاسد لا يتمنى زوال النعمة عن المحسود، بل يتمنى لنفسه نظير هذه النعمة فهذه هي الغبطة المحمودة الواردة في هذا الحديث، ((لا حسد)) يعني لا غبطة بأن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل ما لفلان، ((لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطته على هلكته في الحق)) يعني يدور مع الحق حيثما دار من غير إسرافٍ ولا تقتير، يعطي فلاناً ويعطي فلاناً المحتاج، ويعطي.. ينفقه في سبيل الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث: ((ما يسرني أن لي مثل أحدٍ ذهباً تأتي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله ويساره وأمامه ومن خلفه، هذه فائدة المال، أما المال يكنز ويدخر في البيوت ويراقب زاد وإلا نقص، هذا وبال على صاحبه، ما فائدة المال الذي إذا زاد شيئاً يسيراً احتاج صاحبه إلى علاج، إذا نقص شيئاً يسيراً احتاج إلى علاج، يراقب الشاشات زاد الضغط يحتاج إلى حبة هذه للضغط، نزل يحتاج إلى حبة سكر، هذا مال؟ هذا وبال على صاحبه، عذاب في الدنيا قبل الآخرة؛ لكن وجود المال الصالح عند الرجل الصالح ينفقه على المحتاجين، ينفع به نفسه، يقدمه لآخرته نعم، هذا المغبون، ((فسلطه الله على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) الحكمة إذا اقترنت مع القرآن، فالمراد بها السنة، وإذا تفردت شملت ما جاء في الكتاب والسنة، يعني رجلاً آتاه الله علماً شرعياً، مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- استفاد من هذا العلم في نفسه، وأفاد غيره، علمه الناس، وقضى بينهم، فقد تعلم، ثم عمل، ثم علّم، وبهذا استحق أن يكون ربانياً إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا-، هذا الذي يستحق أن يحسد، هذا الذي يستحق أن يغبط، أما شخص تعلم علماً مهما حصل بواسطته من وظائف الدنيا؛ لكنه لا يعمل به، ولا يعلمه، هذا وبال عليه، والله المستعان.
الحديث التاسع والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو، فيقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) [رواه مسلم].
هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، الهدى والتقى، يسأل الله -جل وعلا- الهدى، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، والتقى أن ييسر له فعل الأوامر، ويكفه عن فعل ما حرمه عليه، هذا بالنسبة لأمور الدين، وأن يرزقه العفاف، والعفاف في الكفاف كما تقدم، يعفه عما في أيدي الناس، والغنى يغنيه عما في أيديهم، فلا يحتاج إلى أن يتكفف الناس، وينزل بهم حوائجه، إنما يرتبط بربه -جل وعلا-، الذي أغناه عنهم.
الحديث التسعون: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه))
[رواه مسلم].
حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة)) فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فاز، الذي يسمع هذا الكلام في كتاب الله -جل وعلا- تتوق نفسه إلى هذه الزحزحة، وإدخال الجنة، تتوق نفسه إلى هذا الفوز؛ لكن بالأماني؟ يتمنى فقط؟ ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) لا بد من الإيمان بالله -جل وعلا-، وإلا إذا كان غير مؤمن بالله -جل وعلا-، الجنة عليه حرام، مصيره إلى النار، نسأل الله العافية، خالداً مخلد؛ لأن الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام؛ لأنه لا يقول قائل: قد لا يتصف بالإيمان، ويتصف بالإسلام، ومآله إلى الجنة، نقول: الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام، فمن ليس بمسلم، وليس بمؤمن هذا من أهل النار، فإذا أراد أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة يأتي بالشرط الأول وهو الإيمان، لا بد أن يكون متلبساً بهذا الوصف الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر، ((وليأت إلى الناس)) هذا بالنسبة لمعاملة الخالق الإيمان، ومعاملة المخلوق يكون محسناً في تعامله مع ربه، ومع خلقه بأن يأتي للناس الشيء الذي يحب إن يؤتى إليه، أي تصرف تتصرفه مع أخيك المسلم لا بد أن تعرضه على نفسك، وتفكر فيه لو أن هذا التصرف صدر منه إليّ، هل أقبل هذا التصرف وإلا لا؟ إن كنت تقبله لا بأس، إن كنت لا تقبله توقف، إذا كنت تمزح مع صاحبك، وتثقل عليه بالمزح، هل أنت ترضى مثل هذا المزح لنفسك؟ يعني لو صدر منه تتحمل؟ إذا كنت تتحمل فالمسألة مرفوعة، الكلفة مرفوعة بينك وبين صاحبك، امزح معه، إذا كنت لا تتحمل مثل هذه التصرفات فلا تتصرف فيها مع إخوانك، ((وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه))، والله أعلم.