الحديث الحادي والخمسون: عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فائْتِ الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك)) [رواه البخاري ومسلم].
حديث عبد الرحمن بن سمرة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة)) وخطابه -عليه الصلاة والسلام- للواحد من أمته هو خطاب للجميع، فكل واحد منا يتجه له هذا الخطاب، ((يا عبد الرحمن ابن سمرة لا تسأل الإمارة)) وفي حكم الإمارة جميع الوظائف، وكان الأمر في صدر الأمة لا تحتاج الأمة إلا إلى أمير، والأمير وهو القاضي، وهو المنفذ، وهو الحاكم، وهو المفتي، وكل شيء، وكان يسمى عامل، الإمام الأعظم يعين في كل بلد عامل، نعم هم عمال؛ لأن عملهم لمصلحة الأمة، لا لمصالحهم الخاصة، ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) لماذا؟ لأنها مزلة قدم، وسؤالك للإمارة مع ما تتطلبه من شروط وكمالات تزكية للنفس، يعني إذا سألت ولاية وإلا إمارة وإلا قضاء وإلا وظيفة كأنك تقول لمن تسأله: أنا كفؤ لهذا العمل فهذا تزكية للنفس من جهة، الأمر الثاني: أن في خطر عظيم تدخل على أمرٍ تظنه سهل ثم بعد ذلك تتورط بأمور لا تحسب لها حساب، ولذا لما زار ابن عمر عبد الله بن عامر في مرضه وطلب منه أن يدعو له، وأن يوصيه قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقةً من غلول، وكنت على البصرة" يعني ابن عمر ما يشهد عليه بشيء، بشيء بين وواضح، لا، لكن مجرد كونك على البصرة لا بد أن يدخل عليك شيء؛ لأن الإنسان إذا خلي بينه وبين ما تشتهيه نفسه، ويميل إليه طبعه وليس عليه حسيب ولا رقيب ولا شيء لا بد أن يتساهل في بعض الأمور، "وكنت على البصرة" يعني اعد حساباتك، "ولا صدقةً من غلول"، والذي يؤخذ من بيت المال بغير حق غلول، لا تسأل الأمور لأنها مزلة قدم وعليها آثار، ويتضمن الطلب والسؤال أيضاً تزكية النفس، وأنه أهل وكفؤ لهذا العمل، فإنك إن أوتيت عن مسألةٍ وكلت إليها، يعني إذا سألت وكانت ثقتك بنفسك توصلك إلى هذا الحد أن تسأل هذه الولاية وهذه الإمارة وهذه الوظيفة توكل إلى نفسك؛ لأنك جئت من قوة لهذا العمل، وثقة تامة بالنفس، بخلاف إن أوتيتها من غير مسألة، إذا أعطي وولي على عملٍ من غير مسألة فلا شك أنه سوف يعان عليها، لا سيما إذا لم يستشرف لهذا العمل، ولم يوافق على مثل هذا العمل إلا بإلحاح مثل هذا لا شك أن الإعانة والتوفيق يكون حليفه بإذن الله تعالى، وإن أوتيتها عن غير مسألةٍ أعنت عليها، وأي مسلم يستغني عن إعانة الله -جل وعلا-؟ وعن توفيق الله تعالى؟ الإنسان إذا وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز، أمر مدرك، يدركه كل إنسان من نفسه.
المسألة الثانية مما اشتمل عليها، الحديث اشتمل على مسألتين: مسألة سؤال الإمارة، والثانية: اليمين، ((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حصل نزاع بينك وبين فلان من الناس وأقسمت أن لا تدخل بيته، أو لا تكلمه، ثم رأيت من المصلحة أنك تكلم فلان وتدخل بيته، فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك، في بعض الروايات تقديم الكفارة: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) أولاً: الكفارة سببها انعقاد اليمين، ووقتها الحنث، والقاعدة: أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز تقديمها على السبب اتفاقاً، ويجزئ تأخيرها عن الوقت اتفاقاً، والخلاف بينهما، فمثلاً اليمين أو الكفارة، كفارة اليمين سببها الانعقاد، انعقاد اليمين؛ لكن هل تجب عليه بها لمجرد السبب؟ لا، لا تجب، الاحتمال أنه ما يحنث ولا يجب عليه كفارة، لكن وقت الوجوب وتعين الوجوب إذا حنث في يمينه، فإذا قال: هذا إطعام عشرة مساكين، خمسة عشر صاع كم؟ نصف صاع، كل واحد له نصف صاع، خمسة آصع، يعني خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو رز، خذ يا أخي الفقير، أنا احتمال أني أحلف يمين فيما بعد، ثم لا أجد كفارة، نقول: ما يمكن قبل اليمين، قبل انعقاد السبب لا يمكن، حنث وانعقدت يمينه، جاء إلى بيت فيه مساكين وقال: هذا خمسة عشر كيلو كفارة يمين لأني حلفت ولا أدري بعد ........ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، أما قبل انعقاد اليمين لا، ما في خلاف أنها لا تجزئ، وبعد الحنث تجزئ اتفاقاً، وهنا يقول: ((فائت الذي هو خير)) يعني احنث في يمينك ((وكفر عن يمينك)) لكن لو قدم الكفارة قبل الحنث يجوز؛ لأنه في بعض الروايات: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) وأما كفارة الظهار فلا بد أن تكون قبل المسيس، تكون قبل المسيس، دم المتعة والقران سببها الإحرام بالعمرة في أشهر الحج بالنسبة للمتمتع وسببها الجمع بين النسكين بالنسبة للقارن، قبل الإحرام بالعمرة ما تجزئ، ما يجزئ الدم؛ لكن لما أحرم بالعمرة أو أحرم قارن ودخل مكة وطاف طواف العمرة وسعى وتحلل قال: الآن وقت سعة والناس بحاجة إلى لحم أنا أذبح الدم الآن قبل الحج، وقل مثل هذا في القارن، طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج، وقال: الناس الآن بحاجة إلى لحم ليش أنتظر إلى يوم العيد ويوم العيد الناس ما هم بحاجة؟ فيه الخلاف المذكور؛ لكن جمهور أهل العلم على أنها لا تجزئ إلا في يوم العيد، القاعدة هذه ذكرها ابن رجب في قواعده، وذكر لها أمثلة كثيرة فليرجع إليه.
((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حلفت: والله ما أدخل بيت فلان مثلاً، فرأيت أنك تدخل لا سيما إذا كان من أهل القرابة، تكفر عن يمينك وأنت مرتاح، حلفت على فلان أن يأكل عندك مثلاً، أو حلفت بعد تقديم الطعام أن يبدأ أو لا تأكل معه إكراماً له يكفر وإلا ما يكفر؟ يعني اليمين التي مقتضاها الإكرام، حديث أبي بكر في الصحيح إيش مضمونه؟ إيش مقتضاه؟ حلفوا أن لا يأكلوا، وحلف أن لا يأكل، فأكلوا ثم أكل، وهل أمروا بكفارة؟ وهل أمر أبو بكر بكفارة، ما في أمر بكفارة، فاستدل بعض أهل العلم على أن اليمين التي يراد منها الإكرام، إكرام الضيف أنها لا يلزمه فيها الكفارة، يجري مجرى اليمين عند بعضهم ما يقصد منه، ما يقصد من اليمين من الحث على فعلٍ أو المنع منه، ولذا لو طلق زوجته إن خرجت أو دخلت أو زارت أهل فلان أو كذا فمقتضى اليمين عند شيخ الإسلام ومن يقول بقوله أنه يكفر كفارة يمين، ولا شيء عليه، المقصود أن الفروع المترتبة على الحديث كثيرة جداً.
((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) من المسائل أحياناً قد يرى الإنسان من نفسه أن هذا العمل متعيّن عليه، متعيّن عليه بحيث لو أسند على غيره ضاع، فهل له أن يسأل؟ هل له أن يسأل؟ نعم، له أن يسأل، بدليل {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] لماذا؟ لتوافر الشرط المطلوب، فإذا توافرت الشروط المطلوبة لولايةٍ من الولايات، وتعيّن عليه بحيث لا يوجد غيره يقوم مقامه حينئذٍ يسوغ له أن يسأل، ولو سأل بطريق غير مباشر، لا ينبغي أن يسأل سؤال مباشر، إنما لو كان بغير مباشر كان حصل له الإعانة وحصل له المقصود.
الحديث الثاني والخمسون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه)) [رواه البخاري].
((من نذر أن يطيع الله)) يتعبد لله -جل وعلا- بطاعةٍ يحبها لزمه الوفاء، إلا إذا عجز، والطاعات إما أن تكون واجبات أو مستحبات، وهي مطلوبة بأصل الشارع، وتتأكد إذا قارنها عهد أو ميثاق أو نذر، عهد أو ميثاق أو نذر، يعني فرق بين أن يقول الإنسان في نفسه: إذا جاء الراتب أتصدق بمائة ريال، في نفسه، وبين أن يتحدث في المجالس أنه إذا جاء الراتب يتصدق بمائة ريال، وبين أن يقرن ذلك بالعهد والميثاق، إن كان في مجرد نفسه فهو مخير، ينظر في المصلحة، إذا تحدث في المجالس وحفظ عنه الناس ذلك فالوفاء متأكد، إذا قرن ذلك بالعهد والميثاق فالأمر أشد، لا بد من الوفاء، فإن لم يفِ؟ {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [(75-77) سورة التوبة] فمن نذر أن يتصدق بمبلغ كذا يلزمه الوفاء، والوفاء بالنذر واجب، لا سيما إذا كان فيه طاعة، ومثله لو نذر شيئاً مباحاً ويستطيع الوفاء به؛ لكن الكلام في لزوم الوفاء بنذر الطاعة، من نذر أن يطيع الله فليطعه، بخلاف من نذر أن يعصي، إذا نذر أن يعصي لا يجوز له الوفاء بهذا النذر بحال؛ لأن المعصية في الأصل ممنوعة شرعاً، والذي ينذر المعصية آثم، نذر أن يصوم صوم داود، وسواء كان هذا النذر مقرون بسبب أو غير مقرون بسبب، إن شفاه الله يصوم صوم داود، إن ردّ الله غائبه، إن شفى الله مريضه يصوم صيام داود، أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم الاثنين والخميس أو غير ذلك من الأيام التي يستحب صيامها، هذا يلزمه الوفاء إلا إذا عجز يكفر؛ لكن إذا نذر صياماً مستمراً، والصيام له بدل بالنسبة للعاجز وهو الإطعام، هل نقول: له كفر كفارة يمين لعجزك عن النذر كله، تخرج من العهدة، أو نقول: الصيام له بدل فإذا عجزت تطعم عن كل يوم مسكين إلى الأبد، كما أنك نذرت أن تصوم إلى الأبد تطعم عن كل يوم إلى الأبد، فيكون مثل ما وجب بأصل الشرع، أو يكفر كفارة واحدة وينتهي الإشكال، يكفر كفارة يمين ويخرج من عهدة النذر، كفارة يمين واحدة وإلا عن كل يوم مسكين؟ نعرف أن من أفطر في الصيام الواجب يطعم عن كل يوم مسكين، وهذا صيام واجب، أوجبه على نفسه، فهل نقول: أن ما أوجبه على نفسه مثلما وجب في أصل الشرع، فإذا عجز عن صوم يوم أطعم، إذا نشط استطاع ما يطعم، ويستمر هذا الحكم مثل ما أوجبه الشارع، أو نقول: ثبت العجز في حقه فيكفر كفارة يمين عن النذر كله، والمسألة لا تسلم من خلاف، أيهما أقوى؟ هو نذر أن يصوم صوم داود بقية عمره، فأوجب هذا على نفسه، والصيام له بدل، كفارة صيام يعني كل يوم كفارة؟ يعني لو نذر صوم يوم واحد، وعجز عن صوم هذا اليوم مثلما ما لو نذر أن يصوم بقية عمره صيام داود؟ فيها فرق؟ أولاً: لا شك أن هناك فرق كبير بين صيام أوجبه الإنسان على نفسه، وصيام هو في الحقيقة ركن من أركان الإسلام، لا بد من التفريق بين هذا وهذا، الأمر الثاني: أن النذر يقرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، باب من غرائب أبواب الدين، الأصل أن الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فإذا كانت الغاية واجبة كالوفاء بالنذر فوسيلته الأصل أن تكون واجبة؛ لكن هنا الوسيلة ممنوعة، مكروهة، جاء النهي عن النذر، وذم النذر وأنه لا يأتي بخير، ويستخرج به من البخيل، والغاية واجبة، وهنا الوسيلة ليس لها حكم الغاية، ولذا قرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، بخلاف أبواب الدين الأخرى فوسائلها لها أحكام الغايات.
((من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) نذر أن يقطع رحمه، يعق والديه، نذر أن يعتدي على جاره، يسرق كذا، لا يجوز له أن يعصي، فلا يتعارض ما أوجبه على نفسه ما حرمه الله ورسوله، ما يتعارض هذا، وإلا كان هذا معاندة ومشاقة لله -جل وعلا-.
الحديث الثالث والخمسون: عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يَدٌ على من سواهم، ولا يقتل ذو عَهْدٍ في عهده)) [رواه أبو داود والنسائي. ورواه ابن ماجه عن ابن عباس].
يقول -رحمه الله تعالى-: عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) المسلمون من اتصف بهذا الوصف فهو كغيره ممن اتصف به، المسلم مثله، ((تتكافأ دماؤهم)) فإذا قتل المسلم مسلماً قيد به، بخلاف ما لو قتل المسلم كافراً كما في قوله: ((لا يقتل مسلم بكافر)) ومثله أيضاً: الحر بالرقيق، كما هو مقرر عند أهل العلم، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) فالكفاءة إنما تكون بالإسلام، بغض النظر عن الأصل والحسب والنسب واللون، إذا وجد هذا الوصف فهو كفؤ لأخيه المسلم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض ولا لكذا إلا بالتقوى، هنا يتفاضل الناس، فإذا تحقق الشرط وهو الإسلام تكافأت الذمة، فيقتل المسلم بالمسلم، فالكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، الكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، وقل مثل هذا في الكفاءة في النكاح، مسلم كفؤ للمسلمة، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الأكفاء في الدين، فالكفاءة في الدين، والأنساب والألوان والبلدان لا قيمة لها إذا تحقق الشرط، باب الأكفاء في الدين وأورد حديث ضباعة بنت الزبير حين قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) وكانت تحت المقداد، المقداد مولى، وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الكفاءة في الدين فقط، من غير نظرٍ إلى أمور أخرى ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني أن المسلم إذا أعطى العهد والميثاق لأحد لزم جميع الأمة الوفاء بالعهد والميثاق، ولو كان أدناهم وأقلهم شأناً، ((ويرد عليهم أقصاهم)) يعني في هذا العهد والميثاق، أو استجابة الطلب من أقصى بلاد المسلمين إلى أقصاها، بحيث إذا استنصر المسلم في أقصى بلاد المسلمين على المسلم في أقصاها أن يرد هذا الطلب، يرده بالرفض وإلا بالقبول؟ {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [(72) سورة الأنفال] ((ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم)) كل هذه المعاني تدل على أن المسلمين يد واحدة، فلا أصول ولا أعراض، ولا تربة، ولا بلاد، ولا شيء، ولا حدود تفرق بين المسلمين، هذا الأصل، أنهم كلهم يد على من سواهم {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [(72) سورة الأنفال] إيش معنى هذا الكلام؟ أن المسلم إذا ظلم يجب نصره، يجب على المسلمين نصره، ويقول ابن العربي: "ولو لم يبق في المسلمين عين تطرف" هذه مبالغة؛ لكن يجب نصر المظلوم من المسلمين وجاء الأمر به: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فإذا كان ظالماً تكفه عن الظلم، وهو نصر له، وإذا كان مظلوماً تسعى جاهداً برفع الظلم عنه لكن الأمور والأحوال والظروف لها ما يحتف بها، إذا كنت عاجز عن نصره فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لكن يبقى إذا كنت قادر على نصره تعين عليك نصره.
((وهم يد على من سواهم)) ((ألا لا يقتل مسلم بكافر)) لا يقتل مسلم بكافر، مسلم قتل كافراً لا يقاد به، وإن كان كما في الحديث ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) لا يقتل مسلم بكافر، ((ولا ذو عهدٍ في عهده)) يعني لا يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن الجملة السابقة ((لا يقتل مسلم بكافر)) قد يفهم منها بعض الجهال من المسلمين أن في هذا إتاحة لقتل الكافر، وترخيص وإباحة، لا، يعني لو حصل أن مسلماً قتل كافراً لأمورٍ حصلت بينهما لا يقاد به؛ لكن يبقى أنه لا يجوز بحال أن يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن هذه الجملة الأولى قد يفهم منها بعض الجهال أن للمسلم أن يقتله، لا، ليس له ذلك، ولا يجوز بحالٍ أن يخفر ذو عهدٍ في عهده، بل لا بد من الوفاء بالعهود والعقود، لا بد من الوفاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [(1) سورة المائدة] و((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) ((من آذى ذمياً فقد آذاني)) إلى آخر ذلك من النصوص الثابتة الصحيحة الصريحة التي تحرم قتل النفس إلا بحقها، النفس بالنفس، الثيب الزاني، المرتد، الحربي، كل هؤلاء يستحقون القتل، أيضاً ليس للأفراد تنفيذ الحقوق أبداً، شخص ثبت عليه أنه ما يصلي، الجمهور على أنه يقتل إما مرتد عند من يكفره بترك الصلاة، أو حد عند الآخرين؛ لكن هل لإنسان أنه يقتل شخص لأنه ما يصلي؟ أو رأى ثيباً زاني له أن يرجمه؟ نقول: لا، ليس له ذلك؛ لأن هذا من حقوق ولي الأمر، وذلك افتيات عليه، والحدود إليه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: الرجل يجد عند امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ قال: نعم، وإلا لو ترك هذا المجال ما بقي أحد، ما بقي أمن، كل اثنين يصير بينهما مشاحة ومشاحنة يستدرجه ويدخله في بيته فيقتله، يقول: وجده عند امرأته، فهذه الأمور ليست للأفراد، ليست لأفراد الناس، ولو ثبت عنده ما يوجب قتله، نعم عليك أن ترفع بشأنه إلى ولي الأمر ليطبق الحد، وتطهر المجتمعات من المفسدين والمجرمين؛ لكن هذه الأمور منوطة بولي الأمر، والله المستعان.
الحديث الرابع والخمسون: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ فهو ضامن)) [رواه أبو داود والنسائي].
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لنخرج قليلاً عن المتون إلى هذا الإسناد وهذه السلسلة التي روي بواسطتها أحاديث كثيرة صحيفة كبيرة تروى بهذه السلسلة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، منهم من يصحح، ومنهم من يضعف، ومنهم من يتوسط، مسألة خلافية بين أهل العلم، وسبب الخلاف عود الضمير في قوله: "عن جده" عندنا عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عمرو بن شعيب هذا الراوي الأول، عن أبيه من؟ شعيب، يختلف في عود الضمير إلى شعيب؟ لا، عن جده؟ جده من؟ محمد وإلا عبد الله بن عمرو؟ يعني إذا قلنا: عن أبيه عن أبي عمروٍ وهو شعيب عن جده عن جد عمرو يكون محمد، محمد تابعي إذاً الخبر مرسل، وإذا قلنا: عن أبيه عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده جد الأب؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور الأب، جد الأب من هو؟ عبد الله بن عمرو بن العاص، وجاء التصريح به في مواضع، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ويبقى النظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمسألة خلافية، ولوجود هذا الخلاف مع الاختلاف في الضمير ضعف بعض أهل العلم ما روي بهذه السلسلة، ومنهم من صحح؛ لأن الجد يصرح به وعند هؤلاء ثبت سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وانتفى الإشكال؛ لكن بوجود مثل هذا الخلاف حكم جمع من الحفاظ على أن ما روي بهذه السلسلة لا يصل إلى درجة أعلى الصحيح، ولا ينزل عن درجة القبول فهو حسن شريطة أن يصح السند إلى عمرو.
هناك سلسلة نظير هذه السلسلة وهي بهز بن حكيم عن أبيه عن حكيم، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، هل في خلاف في عود الضمائر؟ بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، يعني الخلاف في عود الضمير هنا يرد هناك؟ لا يرد، لماذا؟ لأنهم بثلاثة، بهز وحكيم ومعاوية، حيدة هذا ما هو راوي؛ لأنه قبل الإسلام، إذاً ما في خلاف ما في عود الضمير، بهز عن حكيم عن معاوية، ما في خلاف في عود الضمائر؛ لكن الخلاف في بهز نفسه هل يصل إلى درجة الاحتجاج أو لا يصل؟ مسألة خلافية، وحكموا أيضاً عليها كما حكموا هنا على هذه السلسلة بالحسن، ويبقى المفاضلة بين السلسلتين أيهما أقوى فيما لو حصل تعارض بين حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مع حديث من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، المسألة أيضاً فيها خلاف بين أهل العلم؛ لأن هذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحح لها البخاري في غير الصحيح، سأل الترمذي عن حديث لعمرو بن شعيب عن أبيه قال: صحيح، بل قال: أصح ما في الباب، وخرج لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده تعليقاً، فمنهم من يقول: أن هذه السلسلة أقوى؛ لأن البخاري صحح لها، ومنهم من يقول: بهز بن حكيم أقوى؛ لأن البخاري خرج، وإن كان معلقاً، ولم يخرج بهذه السلسلة، المقصود أن هذه المسألة معروفة في علوم الحديث، وأكثر الإخوان يعرفها لكن من باب التذكير.
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن، زاول الطب وهو جاهل، جاء شخص في يده جرح وقال هذا المتطبب: هذا تخشى منه السراية، لا بد نبتر اليد يضمن، فعلى هذا الطبيب المشهود له بالخبرة والمعرفة إذا اجتهد وأخطأ، عالج مريض ومات، يضمن وإلا ما يضمن؟ لا ما يضمن، لكن إذا لم يعرف بطب عالج مريض ومات يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن، فهو ضامن، سواء كان في النفس أو في الطرف، يضمن، وقل مثل هذا في جميع العلوم، لو جاء مهندس وادعى خبير بالهندسة، وسوى مخطط للعمارة وطاحت العمارة، ثم تبين أنه ليس بمهندس هذا دعي، يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لكن لو شهد له بالخبرة والمعرفة وأخطأ ما يضمن البناية بالجص الآجر، وهذا معروف الجص الذي هو الآجر كيفية البناء به وخلطه يؤخذ بالتدريج شيء يسير ثم شيء يسير لأنه يموت بسرعة، ييبس بسرعة هائلة، فادعى شخص أنه معلم بناء فتعامل مع الجص الآجر هذا مثل الطين، وضعه في حوض وصب عليه الماء، وأخذ يخلط برجليه ثم بعد ذلك يبس عليه الجص وعجز عن الحركة، هذا يضمن القيمة وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه جاهل أفسده على صاحبه، والآن في مجتمعات المسلمين على كافة المستويات من يخالف هذا الحديث بدءً ممن يدعي العلم ويضمن الناس كفارات، ويضمنهم عقوبات وجزاءات وهو ليس من أهل العلم، هذا يضمن هذا، جاء شخص لجاهل وقال: ارتكبت كذا، قال: اذبح شاة، ليش شاة يا أخي ما سويت شيء؟ يضمن؛ لأنه ليس عنده من العلم ما يدل على مثل هذه الفتوى؛ لكن لو اجتهد عالم ومشهود له بالعلم والخبرة وأخطأ وقال: اذبح شاة ما يضمن، كما هو معروف، تدخل ورشة سيارات السيارة فيها أمر يسير جداً ما تحتمل شيئاً يقوم يفك المكينة ويخرب يضمن لك، هذا ما يفهم، اذكر مرة احنا في طريق من بلد إلى بلد السيارة صار فيها رجة، وأدخلناها ورشة، أول ما بدأ قال: المكينة ومحرك المكينة قلت: لا، لا، عرفت أن ما عنده سالفة قلت: لا، لا تعمل، المكينة ما وراها رجة، إما صفاية وإلا شيء يمكن، ثم نطلع لثاني ادعى عمل ثاني، وندخل ورشة ثالثة قال: شوف الكفر ألين من هذا غير وبس، غيرنا الكفر وما شاء الله، كل مهنة لها أطباؤها، لكن بعض الناس يفسد، يدخل بغير معرفة ولا ورع، ثم بعد ذلك يفسد لا بد أن يضمن، ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) فإذا تسبب في تلف في النفس أو في الطرف يضمن بلا شك، وقل مثل هذا في جميع الصنائع، بدءً من ادعاء العلم -وما أكثر من يدعي- ونزولاً إلى حوائج الناس، وما يحتاجونه في أبدانهم.
الحديث الخامس والخمسون: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)) [رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً].
نعم أيضاً يشهد له حديث: ((ادرءوا الحدود بالشبهات)) وله طرق؛ لكن لا يسلم من مقال لأهل العلم، وكذلك الحديث الذي معنا لا يسلم أيضاً، لكن كثير من أهل العلم يعمل بهذا، والسبب أن الخطأ في العفو هذا أمر مقرر يعني؛ لأن الله -جل وعلا- حث على العفو، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] ورحمة الله -جل وعلا- سبقت غضبه؛ لكن يبقى أن الحدود لا يجوز تعطيلها بحال، وإنما شرعت لتنفذ، شرعت لتترتب عليها آثارها، تطهير المجتمعات، لا يفهم من مثل هذا الحديث -نعم إذا وقع إنسان في هفوة وإلا زلة وأمكن أن يدرء له، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لقن ماعز وصرف عنه مراراً، وقالت الغامدية: "أتريد أن ترددني كما فعلت بماعز؟" المقصود أن مثل هذا إذا كانت الجرائم قليلة وخفيفة نعم الناس على الاستقامة والالتزام وحصل هفوات يسيرة نعم هذا منهج شرعي؛ لكن إذا كثر الخبث فلا بد من أطر الناس على الحق، ولا بد من تنفيذ شرع الله عليهم، ولا بد من تطهير مجتمعات المسلمين من هذه القاذورات، وإلا وجد الآن من ينادي بالستر المطلق، خلاص، هذا عاصي استر عليه، من ستر مسلماً ستره الله، يا أخي هذه توطئة إلى الإباحية، وتعطيل لحدود الله، نعم من حصلت منه هفوة وزلة هذا الأصل من ستر مسلماً ستره الله؛ لكن يصل الأمر إلى أن تعطل الحدود؟ ومجرد الشفاعة في الحد حرام، وغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على أسامة: ((أتشفع في حدٍ من حدود الله؟)) ويسعى بعض الناس بتعطيل الحدود بهذه الطريقة، لا شك أن الدعوة إلى الستر المطلق إيش معنى هذا؟ يا أخي أتركه لا تقبض عليه، اقبض عليه ثم استر عليه إيش الفائدة؟ هذه دعوة إلى الإباحية، توطئة إلى الإباحية، وعلينا أن نتوسط في أمورنا، شخص حصلت منه هفوة وإلا زلة وإلا شيء من ستر مسلماً ستره الله، أما أصحاب الجرائم وأرباب السوابق هؤلاء لا بد أن يؤطروا على الحق، لا بد من تطهير المجتمعات منهم، وإذا كان بعض أهل العلم يرى مضاعفة العقوبات حتى تطهر المجتمعات، ولذا جاء في حديث قتل الشارب في الرابعة: ((إذا شرب في الرابعة فاقتلوه)) الجمهور على أن هذا الخبر منسوخ، ونعرف أن عمر -رضي الله عنه- كان الحد أربعين فزاده إلى ثمانين؛ لأن الناس زادوا في الشرب ولم يردعهم الحد الأول زاد، مسألة القتل قتل الشارب في المرة الرابعة، الجمهور من أهل العلم على أنه منسوخ، ولذا يقول الترمذي: ليس في كتابي مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديثين، هذا الحديث حديث معاوية في قتل الشارب، وحديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير سفرٍ ولا مطرٍ أو من غير خوفٍ ولا مطر، يقول: ما عدا ذلك جمع أحاديث اتفق الأئمة على عدم العمل بها، وهذا الاتفاق في كثيرٍ منها منقوض، نأتي إلى حديث معاوية في قتل المدمن، في قتل الشارب، مراراً ما ردعه الحد، منهم من تبنى هذا الحكم، قال: يقتل في الرابعة إيش المانع؟ ونصره ابن حزم، وانتصر له، وانتصر لهذا القول السيوطي والشيخ أحمد شاكر، وألف فيه رسالة؛ لكن رأي شيخ الإسلام وابن القيم أنه يقتل تعزيراً، يعني قتله في الرابعة ليس بحد؛ لكن للإمام إذا رأى أن الناس لا يرتدعون بإقامة الحد أن يقتل تعزيراً حتى يكف الناس عن هذه الجريمة، عن أم الخبائث، والإمام له أن يعزر بما شاء، حتى قال بعض أهل العلم له إلى القتل في التعزير، ما يمكن أن يكف أهل الجرائم والمعصية إلا بأطرهم عن الحق، وهذا من أوجب الواجبات على ولي الأمر حفظ الأمن، إقامة الصلاة، إقامة الحج، إقامة الجهاد، إقامة الشعائر، تطهير المجتمعات من الفساد والمفسدين، هذه من واجبات ولي الأمر، وكلها بالدليل، المقصود أن مثل هذا لا يفهم منه تعطيل الحدود. ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم)) بلا شك أنه إذا كان الأمر محتمل هذا وهذا أنه يرجح العفو، والستر هو الأصل، فإن كان له مخرج فخلو سبيله، وقد أعرض النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ماعز مراراً، حتى رأى أنه لا مندوحة من إقامة الحد، ((فإن الإمام أن يخطئ في العفو..)) الآن على قتل شارب الخمر المدمن صدرت فتوى بقتل المروج، مروج المخدرات التي ضررها في البلدان لا يقدر قدره إلا من سمع بعض الأخبار، ما هو كل الأخبار، وما تفعله بأصحابها وأربابها من متعاطيها وأهليهم وذويهم الذين يعانون منهم شيء لا يخطر على البال، ولذا صدرت الفتوى بقتل المروج، ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم وإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)) وهذه المسألة إذا كانت تحتمل الخطأ، أما إذا كانت لا تحتمل الخطأ يعني وجدت مقدماتها كلها الشرعية فلتوجد نتائجها، يعني هذا الإمام وصله ما يوجب الحد، الإمام بين أمرين، والاحتمال قائم أن تطبيقه لهذا الحد خطأ، يخطئ في ترك العقوبة أفضل أن يخطئ في تنفيذ العقوبة؛ لكن إذا كان لا يتطرق الخطأ إلى الوسيلة التي بواسطتها عرف، لا يجوز له أن يعفو بحال، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده، ليس معنى هذا يخطئ في العفو، يخطئ في العقوبة، أنه ثبتت عنده الجريمة ثم يعفو يقول: لأن أخطئ....؟ لا، لا، إذا ثبتت لا بد من تنفيذها، وإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه كما في الخبر، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده ليعطل الحد، لكن المسألة إذا احتملت الخطأ، إذا كان احتمال الخطأ وارداً، فليكن خطؤه في العفو أفضل من خطئه وخير له من أن يخطئ في العقوبة، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|