الحديث التاسع عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) [متفق عليه].
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث العظيم والميزان الدقيق: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم)) يعني في أمور الدنيا، ((ولا تنظروا إلى من فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) النظر في أمور الدنيا ينبغي أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن الدنيا ليست بهدف، فإذا نظرت إلى من هو دونك دعاك هذا إلى شكر ما أنت فيه من نعمة، بخلاف ما لو نظرت إلى من هو فوقك، يعني لو سألت موظف راتبه ألف ريال، موظف صغير وعنده أسرة وقلت له: أحمد ربك أنت في نعمة، يقول: يا أخي الناس يتقاضون على عشرة آلاف وعشرين ألف، وأنا.....، نظر إلى فوقه هذا يبي يشكر ذا؟ هذا يزدري نعمة الله عليه، لكن لو نظر إلى أناس يتمنون شرب قطرة من الماء، الحمد لله في نعمة، وفي رغد ما فيه أحد، إذا نظر إلى من هو دونه دعاه ذلك إلى شكر الله -عز وجل-، وعدم ازدراء النعمة، لكن لو نظر إلى من هو فوقه الأمور لا تنتهي، يعني هب أنك نظرت إلى من هو فوقك قليلاً، ثم نظرت إلى من فوقه ومن فوقه ما تنتهي الدنيا هذه، بينما لو نظرت إلى من هم دونك حتماً سوف تشكر نعمة الله عليك ولا تزدري ما أعطاك، والمسلم يتقلب بنعم، بنعم لا يقدر قدرها، لو لم يكن في ذلك إلا الإسلام.
ذكر ابن القيم في بعض كتبه أن مسلماً أسره الكفار فكتب هذا الأسير إلى صاحبٍ له يتشكى ويتظلم، قال: أنا أسير عند الكفار، وأنا أريد منك كذا.... قال: أشكر ربك، هذا الأسير قيّد وصفّد بالقيود، كتب إلى صاحبه قيدت وأوذيت، فقال: أشكر ربك، طيب، عمل بهذه النصيحة وشكر، سُلسل معه وقيد معه شخص آخر في قيده شخص مبطون، يحتاج إلى قضاء الحاجة باستمرار، ولا يستطيع أن ينتقل إلى مكان قضاء الحاجة، فأرسل إلى صاحبه: قيد معي واحد آذاني برائحته، وبما يخرج منه، قال له: أشكر ربك، أرسل له هذا المقيد قال: علام أشكر؟ وش أشد من وضعٍ أنا فيه؟ قال: أشكر ربك على أنك لست مثلهم، يعني لو مت الآن ومآلك إلى النار مثلهم أبد الآبدين، هذه ما هي نعمة ذي؟ فاعترف بالنعمة، وشكر ربه من قلبه، فانفك القيد تلقائياً، وخرج من الأسر، ما يشعر الإنسان أنه يتقلب في نعم، حتى الناس الذين ابتلاهم الله -جل وعلا-، إما بفقر أو بأمراض لو بحثوا على وجه الأرض وجدوا من أقاربهم وممن حولهم من هم أشد منهم، يعني لو نظرت إلى : مثلاً لا تملك شيء ومدين بأموال عندك نعم أخرى، عندك نعمة الدين التي لا يعدلها نعمة، عندك نعمة الصحة، نعم تتقلب فيها لا تكاد....، نعمة البصر، نعمة السمع، لو الإنسان يفني عمره بشكر هذه النعم ما وفاها حقها، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] المريض الذي يتقلب إذا تذكر أن هذا المرض قد يكون خيراً له في دينه ودنياه، قد يكون الله -جل وعلا- صرف عنه ما هو أعظم من هذا المرض، لو تصورنا هذه الأمور وشكرنا الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا إلى من هو دوننا دعانا ذلك إلى شكر الله -جل وعلا- بحيث لا نزدري نعمة الله علينا، الشخص الذي يسكن في بيت صغير وليس بجميل، ينقصه بعض الأمور، يا أخي انظر إلى أناس يسكنون في صناديق، وش وضعهم بالصيف هؤلاء والشتاء؟ وصاحب الصندقة ينظر إلى ناسٍ ما عندهم صندقة يسكنون على الأرصفة، عوائل في البلدان الأخرى تسكن على الأرصفة؛ لكن هذا الميزان في أمور الدنيا، أما في أمور الآخرة فالذي ينبغي العكس تنظر إلى من هو فوقك، تقول: أنا -ولله الحمد- منّ الله علي أقرأ القرآن في كل شهر، يا أخي انظر إلى من يقرأ القرآن في كل أسبوع، بحيث تزداد من العمل الصالح، إذا نظرت إلى من هو فوقك، القدوات، وإمامهم وسيدهم محمد -عليه الصلاة والسلام-، قام من الليل حتى تفطرت قدماه، تنظر في أمور الدين والعبادات إلى من هو فوقك في البذل والإحسان إلى من هو فوقك، ما تقول: والله أنا الحمد لله أنا لو نظرت إلى نفسي ونظرت إلى زملائي أنا أبرك منهم، وخير منهم ما ينفع هذا، يعني بعض العامة الذين سافروا إلى الأقطار، وذهبوا إلى بلاد الكفار مئات الملايين، بل ألوف الملايين كفار، يقول: إحنا بخير، نحن ما ننكر أننا بخير؛ لكن نحتاج إلى مزيد من هذا الخير، إذا نظرنا إلى الكفار ما عملنا، كما قال بعضهم الذين سافروا قالوا: والله أبداً ما لكم مكان في النار، النار تبي تمتلي من الصين والهند ويمين ويسار مليارات، لا يا أخي لا تنظر إلى هؤلاء، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك؟ انظر إلى من نجا كيف نجا؟ عليك بخلاص نفسك، وليكن قدوتك وأسوتك من أمرت بالاقتداء به الائتساء به، فلتنظر إلى من همته فوق همتك في أمور الآخرة لتزداد من الأعمال الصالحة ولتحتقر عملك، ولا تعجب نفسك وعملك، ولتتواضع لربك، فهذه موازين شرعية، ينبغي أن تكون بين عيني المسلم، لا سيما طالب العلم، طالب العلم تسمو همته إلى أن يكون مثل شيخه فلان، طيب اطلع فوق شوف شيوخه؟ شوف علماء الإسلام؛ لأنه إذا نظر إلى شيخه ومستواه قال: الحمد لله نحن على الجادة، وعلى الطريقة والمسألة أيام ونصل -إن شاء الله-، لا يا أخي ضاعف من الجهد في العلم والعمل لكي تصل إلى ما تريد -إن شاء الله تعالى-.
|