الحديث السابع عشر: عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) [رواه الإمام أحمد والترمذي].
عن أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت)) الأمر بالتقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين، بالتقوى، والتقوى أصلها من الوقاية، بأن تجعل الله بينك وبين عذاب الله ما يقيك منه، وذلك بفعل المأمور وترك المحظور، تفعل ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه، هذه هي التقوى، فعل المأمورات وترك المحظورات، حيثما كنت، في أي مكانٍ كنت، سواء كنت بين الناس أو كنت خالياً منفرداً، وسواء كنت في بلدٍ أو في آخر؛ لأنه مع الأسف يوجد بعض الناس من يظهر عليه آثار الاستقامة والالتزام في بلد ثم إذا سافر إلى بلدٍ آخر تنصل من هذه الأمور، والله -جل وعلا- هو الرب، هو المعبود في كل مكان، ((فاتق الله حينما كنت)) ونحن مأمورون بأن يكون السر كالعلانية، وأن تكون الحضرة كالغيبة، وإلا فالمسألة رياء، إذا كان الإنسان يتزين أمام الناس ويتنسك ثم إذا خرج وخلا بنفسه ارتكب ما ارتكب من محارم الله ما امتثل، ما اتق الله حينما كان، ((اتق الله حينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] فإذا عمل غفل الإنسان وأخل بالتقوى وارتكب بعض المحرمات عليه أن يبادر بالتوبة بشروطها، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وعليه أيضاً أن يتبعها حسنة تمحها، تمحوا أثرها؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والرجل الذي حصل منه ما حصل من تقبيل المرأة الأجنبية، جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى معه، قال: ((هل صليت معنا؟)) قال: نعم، قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] وليس معنى هذا أنه فتح باب للناس أو للإنسان أن يرتكب السيئات ثم بعد ذلك يتبعه الحسنات وأتوب منها؟ ما الذي يضمن أن تعيش إلى أن تفعل حسنة تمحها؟ أولاً: مثل هذا خاص بالصغائر، أما الكبائر لا بد لها من توبة، لا بد لها من توبة الكبائر، أما إتباعها بالحسنة فلا، كما سيأتي في حديث: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) لا بد من هذا القيد، ((فأتبع السيئة –يعني من الصغائر- الحسنة تمحها)) فإذا قال: أنا سهل يرسل النظر، ويصلي ويذهب أثرها، النظر محرم، وقد يتيسر له شيء من اللمم من تقبيل وشبهه، يقول: أصلي وتروح، يا أخي من يضمن أن تعيش إلى أن تصلي؟ إشكال الإقدام على المعصية مع الإصرار مع العلم مع الاستحضار هذا يجعلها كبيرة لأنه استخفاف لأمر الله -جل وعلا-، ومن الذي يضمن لك أن توفق لأن تعمل حسنة تمحها، إذا أقدمت على المعصية مصراً عليها؟.
((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) لا شك أنك لن تسع الناس لا بجسدك ولا بمالك ولا بجاهك، إنما تسعهم بإيش؟ بخلقك، خالقهم بخلقٍ حسن، ومع الأسف الشديد تجد بعض الناس إذا استقبل أخاه لا يختلف معه في شيء البتة، يستقبله استقبال كأنه وحش، هل هذا من الخلق الحسن؟ ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)) أقل الأحوال البشاشة يا أخي، هذا مسلم، زد على ذلك إذا كان من طلبة العلم، أضف على ذلك إذا كان من أهل العلم، ولو أخطأ ليس بمعصوم، ولو أنت اللي تقرر الخطأ والصواب، المسألة أمور اجتهادية تنتابها وجهات نظر ومع ذلك يوالى ويعادى عليها، هل هذا من الإنصاف؟ هل هذا من تطبيق مثل هذه السنن؟ ((خالق الناس بخلقٍ حسن)) خالق الناس عامة الناس، فضلاً عن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، تجد أهل العلم الكبار الآن في المجالس المناشير رايحة جاية، تلوكها الناس بألسنتهم من عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، وما جرأ العوام على العلماء إلا بعض طلاب العلم، فلان أخطأ، وفلان فعل، وفلان ترك، وإلا العوام غافلين ما عندهم شيء من هذا، لكن لما تكلم علم الناس وتطاولوا عليهم زالت مهابتهم من القلب، وزوال هيبة أهل العلم من القلوب مؤذن بخطر عظيم؛ لأنه يزيل الثقة بهم، فإذا زالت الثقة بأهل العلم بمن يتقدي عامة الناس؟ فهذا أمر لا بد من الانتباه له، وعليك أن تعامل كل إنسان بما يناسبه، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
شخص له قدم في الإسلام، وله يد في هداية الناس ودعوتهم إلى الله أخطأ أو زل يا أخي اترك له مسافة، الله -جل وعلا- يعني تقبل الخطأ من عامة الناس، وهذا خطأ غير مقصود أو متأول أو رأى فيه المصلحة، نعم الخطأ لا بد من رده، لا بد من التنبيه على الخطأ، لا بد من الرد المناسب على من يخطئ، لا بد من بيان الحق؛ لكن بالأسلوب المجدي النافع، مو معنى أنه خطأ خلاص انتهى، دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، مذهب أهل السنة وسط بين الخوارج وبين المرجئة، المرجئة يتركون المساحة الواسعة: افعل ما شئت، وما زلت في دائرة الإيمان، بينما الخوارج أبداً تخطئ خطأ واحد خرجت من الملة، ولا هذا ولا هذا، ولا يتبين مذهب أهل السنة ووسطية أهل السنة إلا إذا عرفنا الأطراف، ولذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية –
رحمه الله تعالى- برع في كتابه الواسطية، حين بين مذهب أهل السنة من خلال ذكر الطرفين في أبواب الدين، فعلينا أن ننظر إلى إخواننا بعين الإنصاف، نعم من كان عنده بدعة ويخشى من تعديها إلى غيره، وهو يدعو إلى بدعته، وتجد الناس يستجيبون لدعوته الآن حذر منه، حذر منه حذر من بدعته، ولا عليك من شخصه؛ لأن بعض الناس يقع في الذوات، بل بعض الناس يصل إلى حد القذف، نسأل الله العافية، على شان إيش؟ احرص على نفسك قبل غيرك، أنت تعرض نفسك الآن لعقوبات ما تدري قدرها، تجني على نفسك بمعاصي وذنوب يمكن ما تحسب لها حساب، فالإنسان عليه أن يحفظ ويحرص على حفظ مكتسباته ومقتنياته لما يرضي الله -جل وعلا-، لا يوزع أعماله، ويبقى أن العاصي مذموم والمبتدع مذموم، وكذا، وكل له معاملته في الشرع، ويبقى أن الأصل خالق الناس بخلق حسن، لا بد من إحسان الخلق مع الناس كلهم، وكل على ما يليق به؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في الحديث الصحيح السابق.
|