عرض مشاركة واحدة
قديم 24-11-09, 11:00 AM   #5
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار

شرح جوامع الأخبار (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنْقُصُ منه، فلما وَلَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" هو يريد الجنة، ويريد أقرب طريق يوصل إلى الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) توحد الله -جل وعلا-، لا تشرك معه في أي نوع من أنواع العبادة معه شيئاً، تعبد الله، تحقق الهدف الشرعي من وجودك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ((ولا تشرك به شيئاً)) لأنك قد تأتي بجميع أنواع العبادة وتصرف شيئاً منها لغيره فلا تنفعك حينئذٍ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، تعبد الله هو معنى المثبت (إلا الله)، ولا تشرك به شيئاً هو معنى المنفي في كلمة التوحيد (لا إله) وكلمة التوحيد هي أعظم كلمة، أعظم مشهودٍ عليه، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] شهدوا على هذه الكلمة التي هي أعظم مشهودٍ به، وشهد عليها أعظم الشهود وهو الله -جل وعلا- الخالق، وأعظم الشهود من خلقه الملائكة وأهل العلم، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، الشرك ومنه الأكبر والأصغر والأكبر الذي لا يغفر، الموجب للخلود في النار أمره خطير، والشرك الأصغر أيضاً شأنه عظيم في الشرع، وقد قرر جمع من أهل العلم أن الشرك بنوعيه غير قابل للمغفرة، لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] (أن يشرك به) يدخل به الشرك الأكبر والأًصغر، فلا بد أن يعذب سواء كان شركه أكبر أو أصغر؛ لكن من كان شركه أكبر يخلد، ومن كان شركه أصغر يعذب بقدر ما اقترف ثم يخرج من النار، وجمع من أهل العلم يرون أن حكم الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر، داخل تحت المشيئة.
((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) هذه دعائم الإسلام، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله)) وهي في الحديث معناها في قوله: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) ((وإقام الصلاة)) وهو يقول: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) بقي الحج، فإما أن يكون قبل فرضه، قبل أن يفرض الحج، أو يكون هذا الشخص عرف من حاله أنه غير مستطيع للحج، وإلا فالحج هو المتمم للأركان الخمسة، كما جاء في حديث سؤال جبريل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) وغيرها مما يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام كالأركان الأربعة.
((تقيم الصلاة المكتوبة)) وهي الصلوات الخمس، وما أوجبه الله -جل وعلا-، وهنا يراد به الصلوات الخمس، أما ما وجب لأمرٍ عارض مما اختلف فيه أهل العلم كالعيد والوتر والكسوف هذه مختلف في وجوبها، والجمهور على استحبابها، الذي يدخل الجنة (إقامة الصلاة المكتوبة) وهل هناك فرق بين الإقامة والأداء؟ لأنه قال: ((تقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة)) تقيم الإقامة والاستقامة لا بد أن يكون هذا المقام قويماً مستقيماً، يُبتغى به ويراد به وجه الله -جل وعلا-، وموافق لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فليس معنى إقامة الصلاة مجرد أداؤها على الوجه المسقط للطلب المجزئ وإن اشتمل على مخالفات أو لم يتحقق فيه لب الصلاة وهو الخشوع، (تقيم الصلاة) هذا الشخص الذي خرج من صلاته وليس له منها شيء، نعم ما يؤمر بإعادتها؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط؛ لكن هل يدخل في هذا الحديث، هل مثل هذه الصلاة التي خرج صاحبها بالعشر من أجلها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ لا، يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، كثير من الناس -والله يعفو ويسامح كثير من طلاب العلم ونحن منهم- ندخل الصلاة ونخرج كأننا ما عملنا شيء، لب الصلاة، حضور القلب، الخشوع، الانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، هذا لا يكاد يوجد، ولذا تجد الإمام خلفه خمسة صفوف يخطئ في القرآن، ويخطئ في عدد الركعات ويسهو كثيراً ما يجد من يرد عليه، وكثير من المصلين إذا سلم الإمام تقول: وش قرأ؟ ماذا قرأ الإمام وهو من الحفاظ ما يجيبك بشيء، والله ما يدري وش قال؟ فإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، نحتاج إلى إقامة الصلاة، لا بد أن نفقه كيف نقيم الصلاة في ظاهرها وباطنها، كيف نخرج منها بالأجر الكامل.
((وتؤدي الزكاة المفروضة)) هناك تقيم، وهنا تؤدي للفرق بينهما؛ لأن الزكاة مال ينتزع من هذا المبلغ، ويدفع إلى المستحق، ما يختلف في فلان عن فلان، فلان أداه بنفسه، أداه بشيك، أداه بنقد، أعطاه فلان، قال ادفعه لفلان، حول الحساب، ما يختلف، تؤدي المقصود أنك تؤديها إلى مستحقها، من أحد الأصناف الثمانية، أما تقيم لا، يختلف، الزكاة المفروضة مكتوبة، وإن كان الكتب والفرض عند أهل العلم يدلان على الوجوب ولا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، إلا أن الألفاظ توحي بأن هناك فروق تدل على أن الكتب آكد من الفرض، ولذا جاءت الصلاة لأنها أهم الأركان بكونها مكتوبة، والزكاة وهي التي تليها بكونها مفروضة. ((وتصوم رمضان)) يعني تصوم شهر رمضان إذا شهدت الشهر وثبت عندك دخوله يجب عليك أن تصوم {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وهذا ركن من أركان الإسلام، والأركان الخمسة عند أهل العلم الركن الأول الذي لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فالذي لم يأت في الركن الأول هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، من ترك الركن الأول أو الركن الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس الأول تركه كفر على القول المعتمد والمفتى به، وهو المعروف عند الصحابة، وأما بقية الأركان العملية فتكفير تاركها وتارك واحدٍ منها محل خلافٍ بين أهل العلم، نقله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان؛ لكن الجمهور على عدم كفر تارك أحد هذه الأركان إلا أنه يبقى أنه على خطرٍ عظيم، خطر عظيم دعامة من دعائم الإسلام، ركن من أركان الإسلام، لا يثبت قدم الإسلام إلا عليه ويترك، وحينئذٍ يتساهل المسلم فيه؟ لا يعني أن كون الإنسان لا يكفر بترك الصيام أو بأداء الزكاة أن الأمر سهل، لا، الأمر عظيم خطير في غاية الخطورة؛ لكن فرق بين أن يكفر الإنسان وبين أن يقال له: أن هذا عمل عظيم وشنيع وقد يؤدي به إلى الخروج من الدين، وهو لا يشعر إذا استخف بهذه الأمور العظيمة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الكفر شأنه عظيم عند أهل العلم.
قال: "والذي نفسي بيده" أقسم هذا الأعرابي بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((والذي نفسي بيده)) ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقسم على الأمور المهمة صدر من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة، يقسم على الأمر المهم، ولو لم يستحلف، ولا يعارض هذا قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لأن هذا أمر مهم، فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في الأمور غير المهمة، فللإنسان أن يحلف ولو لم يستحلف.
"والذي نفسي بيده" قسم والواو واو القسم، والذي نفسي بيده مقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، بعض الشراح يقول: "والذي نفسي بيده" يعني روحي في تصرفه، لا شك إن كان هذا القائل ممن لا يعرف بإثبات الصفات ينكر عليه، نقول: تأويل هذا، وإذا كان ممن ينكر اليد لله -جل وعلا- لأنه قال بعضهم "والذي نفسي بيده" روحي في تصرفه، يعني فسر باللازم، ولا يوجد أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، وهذا من لازم كون النفس التي هي الروح باليد، فإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها، والتأويل مذهب الخلف الذي حادوا عن الجادة، وارتكبوا التأويل، وحرفوا النصوص، ونفوا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا" يعني مما ذكر، يعني ولا الحج، يعني ولا الحج، لماذا؟ لأنه لم يلزمه الحج أو لم يكن الحج قد فرض، أو نقل وتركه بعض الرواة، يعني وجد في بعض الروايات.
"لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" أقسم أن لا يزيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) هذا مدح وإلا ذم؟ مدح، لكن لو قلت لك: قم يا فلان أوتر، الآن جوف الليل الثلث الأخير صلي لك ركعتين بين يدي الله وأوتر، ثم أقسم أن لا يوتر، يذم وإلا ما يذم؟ يقول الإمام أحمد: "من ترك الوتر رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته" وهذا أقسم أن لا يزيد على المكتوبة خمس، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ تقول: واحد يقول: صيام عرفة يكفر سنتين، يقول: والله ما أصوم، طيب صيام يوم عاشوراء والله ما أصوم، الصدقة؟ قال: أنا والله دافع الزكاة بالملي، بالقيراط، بالقطمير، والله ما أزيد هللة؟ يذم وإلا ما يذم؟ لكن هنا قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" هذه أشكل على كثير من أهل العلم كيف يحسن من لا يزيد من الطاعات، وهذه الطاعات مهما أتى بها لا بد من وجود الخلل الذي يكمل بالنوافل، فالإنسان محتاج إلى النوافل على ما سيأتي، محتاج حاجة ماسة للنوافل ليكمل هذه الفرائض، وهذا يقسم أن لا يزيد ويمدح؟! ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فإما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف بالوحي أن هذا الرجل لن ينقص شيء بالفعل، فإذا أتى بما افترض الله عليه بحذافيره بحيث لا ينقص منه شيء استحق الجنة، ومنهم من قال أن المعنى: "والله لا أزيد على ما افترض الله عليّ شيء" ما أزيد على الصلوات المكتوبة هذه، ما أجعل الظهر خمس، ولا أنقص منها ما يجعلها ثلاث، ما أزيد على الفجر أخليها ثلاث أو واحدة أو أنقص، وهكذا، فالزيادة في ذات العبادة المفروضة، وبهذا نخرج من الإشكال؛ لكن ينبغي أن ظاهر اللفظ، ظاهر النص يدل على أنه لن يزيد على ما افترض الله عليه، ولذلك المكتوبة المفروضة، تنصيص على رمضان، يدل على أنها مقصودة لذاتها، فلا يزيد عليها من التنقل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن هذا سوف يفي بما التزم به بالوحي، فقرر أنه من أهل الجنة، الذي لا يترك من الواجبات شيء ويترك المستحبات، طبيعة المستحبات أنها لا يعاقب تاركها، فإذا كان لا يعاقب إذاً يدخل الجنة، طيب؟ المحرمات ما لها ذكر هنا، لو عبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأقام الصلاة المكتوبة، وأدى الزكاة المفروضة، وصام رمضان، وصار يزني ويشرب ويرتكب المحرمات، يدخل في هذا الحديث أو لا يدخل؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ هو عبد الله أتى بهذه الأركان الخمسة وحصل منه ما حصل من المحرمات، هل نقول: أن من سره إلى رجل من أهل الجنة، يعني مآله إلى الجنة؟ يفهم هذا الكلام من النص، هل نقول: مآله إلى الجنة، بمعنى أنه لو ارتكب محرمات عذب بقدرها وخرج؟ لا، النص ما يوحي بهذا، ما يفهم من النص هذا، وإن ألجأ إليه هذا الإشكال عند بعض الشراح؛ لكن من أقام الصلاة، من أقام الإقامة غير الأداء، وأدى الزكاة المفروضة لم ينقص منها شيء، وصام رمضان مثل هذا لن يزاول شيء من المحرمات، وإن أصابه شيء من الغفلة بادر ووفق إلى التوبة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إقامة الصلاة على الوجه المأمور به تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً ضمن ارتكاب المحرم بإقامة الصلاة، ما يوفق لأداء الزكاة بدقة وقد ارتكب محرمات، ما يوفق لأداء الصلاة لإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء وقد أخل ببعض الواجبات، الصيام صوم رمضان الهدف من الصيام إيش؟ ذيل آية الفرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] ليش؟ لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يا أخي كيف يتقي وهو صايم رمضان؟ دعونا من صيامنا الذي هو مجرد مظهر شكل، مسقط للطلب، لا نؤمر بإعادة، ولا نأمر بإعادة، لكن الكلام على روح العبادة، هل يتصور أن شخص صائم رمضان لله -جل وعلا- على مراده لم يرفث ولم يفسق؟ هل يتصور أنه يبي يوفق يبي يزاول شيء مما حرم الله، من صام على الوجه المطلوب لا شك أنه سوف يعصم، فإذا أقام الصلاة على الوجه المطلوب نهته عن الفحشاء والمنكر، ويوجد بين كثير من المصلين، كثير من الصوام ارتكاب بعض المحرمات أثناء أداء العبادة، مع الأسف الشديد، تجده وهو صائم يغتاب، تجده يغش، تجده يرتكب محرمات، وهو يصلي، قائم بين يدي الله -جل وعلا-، في أقدس بقعة، وفي أشرف وقت ومكان تجده قد يرتكب محرم، تمر بين يديه امرأة فيتبعها النظرة، أو امرأة يمر بين يديها رجل تتبعه النظرة، وقد أُمر بالغض، تجده يخطط وهو في صلاته لأمورٍ غير محمودة، لماذا؟ لأنها فقدت اللب، وليس معنى هذا أننا نقول: الصلاة هذه بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، مجزئة مسقطة للطلب لا يؤمر بالإعادة؛ لكن القبول شيء آخر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الآثار المترتبة على هذه العبادة يفقدها الإنسان إذا لم يوجد اللب، الخشوع والخضوع تقف بين يدي الخالق مخبت منيب، ولو امتثلنا هذا ما حصل بيننا ما يحصل، تجد الإنسان في طول أيامه مفرط، تارك للسانه العنان يقول ويجرح ويعدل وفلان وعلان ويغتاب وينم، ثم بعد ذلك يريد أن يوفق لأداء العبادات على الوجه المطلوب، تجده مثلاً يسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو ديدنه الكلام في الناس والغش وسوء المعاملات والرفث والفسوق، ويقول: الحج أربعة أيام لن أتكلم بكلمة، لا يستطيع البتة، لا يمكن أن يحضر حج؛ لأنه لا يعان على هذه الأربعة الأيام، ولم يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، هذه أيام شدة لا بد أن يقدم في أيام الرخاء ليعان على الحفظ في أيام الشدة، لا بد، هذا أمر لا بد منه، لا بد أن نجعل هذا نصب أعيننا، تجد كثير من الإخوان فيهم الحفاظ وفيهم الأخيار؛ لكن ما عودوا أنفسهم على نصيب ثابت من كتاب الله -جل وعلا-، يكون ديدناً له في كل يوم ورد يومي لا يتركه سفراً ولا حضراً، ثم بعد ذلك تأتي الأوقات والفرص والمواسم يبي يقرأ القرآن ما يقدر يقرأ، هذا ما تعرف على الله في الرخاء، فنهتم بهذا، نقدم لأنفسنا في أيام الرخاء لنعرف في أوقات الشدة، كثير من الناس نعم صلاة مسقطة مجزئه مسقطة للطلب؛ لكن هل ترتب عليها آثارها؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] وليس نفي القبول نفي للصحة، لا، إنما هو نفي للثواب المرتب على الصحة، الصلاة صحيحة ومجزئة، والله المستعان.



توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس