عرض مشاركة واحدة
قديم 23-02-07, 03:36 PM   #11
مُحبة العلم
~مشارِكة~
افتراضي

فالمصنف يدعو للقارئ أن يكون مباركاً في عمره و عمله و في وقته و في علمه و أن يكون نافعاً للعباد حيثما نزل و حيثما حل.و هذا فضل عظيم و كبير و جليل لمن حصل له، لأن من بورك له في وقته شغله بطاعة الله و لم يضيعه، و استغله فيما يعود عليه بالنفع.
و من بورك له في علمه نفعه الله به و نفع به العباد. و لذلك قال عيسى {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (31) سورة مريم. إن من بورك له في وقته فهو الموفق فنسأل الله عز و جل أن يبارك لنا في أوقاتنا و في أعمالنا.

و المراد بالبركة هنا البركة السببية و ليست ذاتية، لأنه ليس هناك أحد مبارك بركة ذاتية إلا الرسول صلى الله عليه و سلم. فإن الصحابة كانوا يتبركون بأبعاضه كأظفاره أو ثيابه.و إن أعظم من بورك له في وقته الحبيب صلى الله عليه و سلم
ننظر...
يوم الفتح وقت المعركة وقت حرب معركة كبيرة و الرسول عليه الصلاة و السلام قائد أمة و مع ذلك من بركة وقته يصلي الضحى ثمان ركعات. إن هذا لا شك من بركة وقته عليه الصلاة و السلام.
لأن بعض الناس لو يُشغل شغل قليل ترك كثير من العبادات قال "أنا مشغول أن مرتبط"، و بعض الناس يوفق له في عمره و في عمله، فهذا النبي عليه الصلاة و السلام معنا قائد أمة و قائد معركة، و معروف للجميع أن القائد يكون مشغول جداً جداً و مع ذلك يجد وقت ليصلي الضحى ثمان ركعات.

نعم و ممن بورك له في وقته و عمره الإمام النووي رحمه الله. فلم يتجاوز عمره الخمس و الأربعين و مع ذلك ألف مؤلفات عظيمة مع قصر حياته. بل كان عند في اليوم الواحد اثني عشر درساً كما ذُكر ذلك في ترجمته.

فينبغي على الإنسان أو من أراد أن يبارك له في وقته فعليه بالإخلاص فهو أساس الأعمال و أساس القبول و أساس رفعتها عند الله عز و جل و الإخلاص هو أعظم العبادات و أجلها.
ثانياً: دعاء الله بذلك (اللهم اجعلني مباركاً)، كان من دعاء بعض السلف لبعض: (أسأل الله أن يجعلك مباركاً).

قال المصنف: وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أذَنبَ اسْتَغْفَرَ. فَإِنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثُ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ.

أيضاً من دعاء المصنف للقارئ و الطالب أن يجعله ممن إذا أعطي شكر و إذا ابتلي صبر و إذا أذنب استغفر فإن هؤلاء عنوان السعادة.

لماذا هذه الثلاث عنوان السعادة؟
الجواب: لأن الإنسان في هذه الدنيا لا ينفك عن حال من هذه الحالات الثلاث. إما أن يعطى و إما أن يبتلى و إما أن يذنب و يقع في الذنب. فإن قام بوظيفة كل حالة فهو السعيد لأنه حقق عبودية الله عز و جل فيها.
لأن الإنسان إما أن يكون في نعمة، فما هي وظيفة هذه النعمة؟ ما هو واجبه تجاه هذه النعمة؟ شكرها و القيام بشكرها.
و إما أن يقع في ذنب و لا يسلم أحد من الذنوب، فما هو الواجب على من وقع في ذنب؟ الواجب عليه أن يستغفر ربه و أن يتوب و أن يعود إلى الله عز و جل.
و إما أن يكون في محنة و بلية و مصيبة، فما هو موقف المسلم إذا أصيب ببلاء أو مصيبة؟ موقفه الصبر و الاحتساب-احتساب الأجر عند الله-.
فلذلك صارت هذه الثلاث من أعظم أسباب السعادة لأنه حقق العبودية لله على كل أحواله و هكذا المؤمن حقاً يسعى في رضى الله و تحقيق عبوديته على أي حالة يمر بها في حياته.
نعم واضح؟ ما السبب في أن هذه الثلاث هي أسباب السعادة؟
طيب نمر عليها سريعاً بشيء من التفصيل.

السبب الأول: إذا أعطي شكر نعم من أسباب السعادة أن يشكر الإنسان ربه على نعمه العظيمة الجليلة.
و الشكر تعريفه له أركان ثلاث من أراد أن يحقق الشكر لازم يحقق هذه الأركان، يكون بالقلب و يكون باللسان و يكون بالجوارح.
بالقلب: ما معنى الشكر بالقلب؟ هو إيمان القلب بأن النعمة من الله تعالى و أن له المنة في ذلك و أنه فقط سبب. أن النعمة و المنة من الله تبارك و تعالى هذا شكر القلب.
باللسان: التحدث بنعمة الله اعترافاً لا افتخاراً.
بالجوارح: الشكر بالجوارح القيام بطاعة المنعم. أن يطيع الله عز و جل بهذه الأعضاء. أعطاك اللسان تطيع الله في اللسان، أعطاك الأرجل تطيع الله في الأرجل، أعطاك الأيدي تطيع الله في الأيدي.

و لذلك جاء في الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم (كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه) فقالت له عائشة: (لم تفعل ذلك و قد غفر الله لك ما تقد من ذنبك و ما تأخر؟) قال: (أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟)
هذه أركان الشكر و من حققها فقد حقق الشكر. يقول الشاعر:
أفادتي منكم النعماء ثلاثة****** يدي و لساني و الضمير المحجبا
ذكر ثلاث أركان:
يدي: يعني الجوارح، لساني: القول بالثناء على الله بالنعمة، الضمير المحجبَ: الاعتقاد.
و الله عز و جل يُذكِّر عباده بنعمه عليهم و يدعوهم إلى تذكرها كما قال تعالى {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} (103) سورة آل عمران، و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (9) سورة الأحزاب.

و الشكر له فضائل و ثمرات نمر عليها سريعاً
أولاً: أن الله أمر به قال تعالى: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة و قال تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (66) سورة الزمر.
ثانياً: الثناء على الشاكرين و أن الشكر سبيل رسل الله و أنبيائه كما قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (120-121) سورة النحل، و قال تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (3) سورة الإسراء.
ثالثاً: أن الشكر نفع للشاكر نفسه قال: { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} (12) سورة لقمان، و قال تعالى: {سَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران. فالمستفيد أولاً و أخيراً من هو؟ الشاكر فإن الله يثيبه و يزيد نعمه فالمستفيد هو الشاكر. فالله عز و جل ليس بحاجة إلى طاعاتنا، فلا تنفعه طاعة الطائعين و لا تضره معصية العاصين.
رابعاً: أن الشكر مانع من العذاب كما قال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} (147) سورة النساء.
خامساً: أن الشكر سبباً لزيادة النعم و بقائها كما قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمٌْ} (7) سورة إبراهيم.
سادساً: و أيضاً الصفوة المختارة و عباد الله الصالحين يسألون الله أن يوزعهم أن يوفقهم لشكر النعم كما قال تعالى عن سليمان: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} (19) سورة النمل.
سابعاً: أن الشاكرين قليل و هذا دليل على أن من شكر فهو من هؤلاء القلة و غالباً القلة هم الأفضل و الأعظم قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (13) سورة سبأ.

كيف نحقق الشكر؟
أولاً: سؤال الله ذلك، نعم، بأن يوفقنا لشكره و نتضرع بذلك، كما قال الله عن سليمان: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} (19) سورة النمل. و النبي صلى الله عليه و سلم معاذ فقال له -كما مر قبل قليل في الدعاء- أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك)

ثالثاً: أن ينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا، ينظر للفقراء و من هم أقل منه، فإذا فعل ذلك استعظم ما أعطاه الله. و لذلك قال صلى الله عليه و سلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم و لا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).
نعم أحسن شيء لمن أراد أن يشكر نعمة الله أن يجالس الفقراء أن يجالس المساكين أن يجالس المرضى أن يجالس من هو أقل منه. إن من يجالس الأغنياء فإنه لن يرى نعمة الله عليه، فيقول (فلان سيارته أحسن من سيارتي، بيته أحسن من بيتي، وظيفته أحسن من وظيفتي، ماله أكثر من مالي) نعم فلذلك من أراد أن يحقق الشكر فلينظر من هو أقل منه.
مُحبة العلم غير متواجد حالياً