عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-08, 08:04 AM   #15
علو الهمة
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 02-02-2008
المشاركات: 99
علو الهمة is on a distinguished road
c5




ثمَّ ذكرَ منْ أسمائِهِ ما يقتضي نُصْـرَةَ أوليائِهِ وتمكِينَهُم ورفعَ الظـلمِ عنهُمْ، وهوَ أنَّهُ سبحـانَهُ ((العليُّ الكبيرُ)) ، فهوَ العليُّ بذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، ودينُهُ هوَ أعلى الأديانِ، وعبادُهُ المؤمنونَ هم الأعْلَوْنَ، ومَنْ سِوَاهُم فهم الأذلُّونَ الأرْذَلُونَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يغلبَ الأذلُّ الأعلَى.

وكذلكَ كونُهُ ((الكبيرَ)) أكبرَ منْ كلِّ شيءٍ بذاتِهِ وصفاتِهِ؛ وهذهِ الصفةُ تستلزمُ عِدَّةَ صفاتٍ أخرى؛ كالقُوَّةِ والقدرةِ والقهرِ والجبروتِ وشدَّةِ البطْشِ، وغيرِها من الصفاتِ التي تَقَرُّ بها عيونُ أوليائِهِ بأنَّ ربَّهُم الذي يعبدونَهُ ـ وهذهِ صفاتُهُ ـ لا يمكنُ أنْ يخْذُلَهُم، ولا يَعْجَزُ عنْ نُصْرَتِهِم.

فكونُهُ العليَّ يقتضي عدمَ خِذْلانِهِم، وكونُهُ الكبيرَ يقتضي عدمَ عَجْزِهِ عنْ نُصْرَتِهم.



ثمَّ لمَّا كانت النفسُ البشريَّةُ مجبولةً على الاستعجالِ، وكأنَّ قائلاً قالَ: ما دامَ الأمرُ كذلكَ فَلِمَ لا يُعَجِّلُ النصرَ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) } [الحجِّ: 63]، فلفتَ أنظارَهُم إلى التفَكُّرِ في آيَةٍ منْ آياتِهِ المُشَاهَدَةِ ليَسْتَدِلُّوا بها على حكمتِهِ تعالى فيما غابَ عنهم علمُهُ، وذلكَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قادرٌ على أنْ يُنْبِتَ النباتَ بغيرِ ماءٍ أصلاً، ولكِنَّهُ لطيفٌ خبيرٌ يُوصِلُ الخيرَ إلى عبادِهِ بأسبابٍ خَفِيَّةٍ وجليَّةٍ على ما تقتضيهِ حكمتُهُ ورحمتُهُ؛ فكما أنَّهُ يُنـزلُ الماءَ من السحابِ وهوَ سببٌ مُشَاهَدٌ، ثمَّ يأخذُ الماءُ دَوْرَتَهُ معَ بذورِ النباتِ تحتَ الأرضِ الصالحةِ للنباتِ وهوَ سببٌ خفِيٌّ، ثمَّ ما تَلْبَثُ الأرضُ أنْ تَخْضَرَّ ويَعُمَّها الربيعُ فيستبشرُ بهِ أهلُ الأرضِ ويُسَرُّونَ مِنْ بعدِ ما كادُوا يُبْلِسونَ منْ شدَّةِ الجدْبِ والإمحالِ؛ فكذلكَ ماأنـزلَ اللَّهُ إلى عبادِهِ منْ أوامرِهِ وأوْحَى إليهم منْ كلامِهِ هوَ كالغيثِ إذا خالطَ القلوبَ المستقيمةَ أخذَ دَوْرَتَهُ معَ بَذْرةِ الفطرةِ السليمةِ، فأينعتْ ثمارُهُ، ورَبَعَتْ أقطارُهُ، وانجلَتْ عنهُ القسوَةُ، وعمَّتْهُ الصحوَةُ، فانطَلَقَت التباشيرُ بطلوعِ الفجرِ وإدبارِ الليْلِ، وانقشاعِ سحابةِ الظلامِ الدامسِ.

وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ المسلمينَ إنَّما يُنْصَرُونَ بتمَسُّكِهِم بما أُوحِيَ إليهم واستِقَامَتِهِمْ على طاعةِ ربِّهِم، فلا تَلْبَثُ الآثارُ والنتائجُ أنْ تَبْدُوَ ظاهرةً جليَّةً بإذنِ اللطيفِ الخبيرِ، فعليهم الاشتغالُ بإصلاحِ قلوبِهم وأعمَالِهِم وتركِ الاستعجالِ؛ فكلُّ ما قدَّرَ الرحمنُ مفعولٌ. وهكذا بَقِيَّةُ الآياتِ.

فانظرْ إلى جلالةِ هذا الكتابِ العزيزِ كيفَ يُجَلِّي الحزنَ، ويُذْهِبُ الهمَّ عنْ قلوبِ أولياءِ اللَّهِ المؤمنينَ الذينَ يتلونَهُ حقَّ تلاوتِهِ.





إنَّ أسماءَ اللَّهِ الحسنى ربيعُ قلوبِ المؤمنينَ العارفينَ تَفْتَحُ لهم بابَ الإيمانِ واليقينِ، وتجْلُو الرَّانَ والرَّيْبَ عنْ قلوبِهم، فتَرَاهُم يُسارعونَ بامتثالِ أوامرِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ واجتنابِ نواهيهِ وتصديقِ أخبارِهِ، وإذا دهَمَهُمْ أمرٌ كانَ فزَعُهُم وفِرَارُهُم إلى ربِّهِم عزَّ وجلَّ لما عَلِمُوا منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ.
فهم أولياء الله تعالى الذين يحبهم ويحبونه، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويؤيدهم بنصره، ويحفظهم بحفظه، فهم حزبه المقربون، ومن عداهم فحزب الشيطان، استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.
وما ثم خيار ثالث:
- فإما أن تكون من حزب الله جل وعلا، فتؤمن به وتتوكل عليه، وتقوم بما أوجبه عليك، فتجد الحياة الطيبة في الحياة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة في جنة عرضها كعرض السماء والأرض، أعد الله فيها لعباده المؤمنين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

-وإما أن تعرض فتكون من حزب الشيطان، تمتع في الدنيا قليلاً، ثم تذاق فيها الخزي والذل والهوان، وفي الآخرة عذاب شديد في نار جهنم وبئس المصير.

فكن من حزب الله وبادر إلى التقرب إليه ونصرة دينه بما أقدرك الله عليه.
ولا تكن من حزب الشيطان فتكون من الخاسرين، واحذر كيده وحبائله، وتسويفه وتزيينه، وإياك أن تتبع خطواته ، فإنه عدو مضل مبين.



اللَّهُمَّ هَيِّئْ لنا منْ أمْرِنا رَشَداً، ووفِّقْنا لصالحِ الأقوالِ والأعْمَالِ، والأخلاقِ والأحوالِ، يا حيُّ يا قَيُّومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهم ربَّنَا باركْ لنا في أوْقَاتِنا وأعْمَالِنا، وأنْ يُوَفِّقَنا لاتِّبَاعِ رِضْوَانِهِ واجتنابِ مَسَاخِطِهِ، وأنْ يُيَسِّرَ لنا العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ والدعوةَ إليهِ على بصيرةٍ إيماناً واحتساباً.
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينْفَعُنا، وانْفَعْنَا بما علَّمْتَنَا، وزِدْنَا علماً وهُدًى وصلاحاً، إنَّكَ قريبٌ مُجِيبٌ.
اللَّهُمَّ تقَبَّلْ منَّا إنَّكَ أنتَ السميعُ العليمُ، واغفِرْ لنا وارْحَمْنَا إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ.



اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ، وَبَارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ في العالمينَ، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.





توقيع علو الهمة
[url=http://alejaaby.com/up][img]http://alejaaby.com/up/uploads/d4b127970c.gif[/img][/url]
علو الهمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس