سورة الفاتحة مكية نزلت كاملة , ندخل في تفسيرها إن شاء الله ,
*بسم الله الرحمن الرحيم *
وقع خلاف بين العلماء في قضية البسملة , هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا ,يعني يفتتح بها في كل السور .ولكنهم متفقون على أنها آية من آيات سورة النمل ,ولكن النصوص ترجح على أنها ليست آية من السورة , وأظهر دليل في مثل هذا الأمر :
ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ,فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ,فال تعالى :حمدني عبدي ,وإذا قال: الرحمن الرحيم ,قال تعالى : أثنى علي عبدي ,وإذا قال :مالك يوم الدين ,قال تعالى : مجدني عبدي ,فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ,قال تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين , وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم ,قال تعالى :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
بالنظر إلى هذا الحديث :
قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ,فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ,فال تعالى :حمدني عبدي ....
فإنه لم يقل بسم الله الرحمن الرحيم .. فلو كانت آية من السورة لقال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ......
ولكنه لم يقل . وكانت أول آية أتت في سياق الحديث هي الحمد لله رب العالمين , فدل ذلك على أن البسملة ليست آية من الفاتحة
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر , فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين...
لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها , فدل ذلك على أن أول آية في الفاتحة هي الحمد لله رب العالمين ,وإن كان الخلاف موجود بين العلماء .
- تفسير قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم :
الباء :حرف جر , اسم : اسم مجرور ,والجار والمجرور متعلقان بمحذوف مقدر بلفظ الجلالة الله ولبدء الفعل , فكأنما القارئ لما يشرع بالقراءة ويقول بسم الله : فإنه يتبرك بكل اسم به تعالى , ويقول ذلك لما يابس أو يأكل أو أي فعل يقوم به يبدؤه بسم الله
إذن الفعل محذوف نقدره بقولنا : بسم الله أقرأ ... بسم الله ألبس ....وعندما نأتي بسم الله عند بداية كل فعل فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر توقيفي ويوجد في نصوص تأمرنا بفعل ذلك .
والفوائد المحصلة عن البسملة :
1- إتباع للسنة الشريفة
2- أن الأمر الذي نشرع فيه يحتاج إلى البركة والتيمن بسم الله عز وجل لا باسم غيره ,فلا شك أن الخيرات والبركات تحيط بالعبد لما يبدأ باسم الله (تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام )فاسم الله مبارك
3- الاستعانة : أي بسم الله نستعين لا باسم غيره , والمعين هو الله عز وجل .
4 – حصر التبرك والاستعانة بالله تعالى وحده .
وللأسف أننا نقرأ هذه العبارات ( البسملة والحوقلة والحمدلة و...)من باب العادة لا من باب العبادة , دون أن نستشعر معنى هذه الألفاظ والأذكار التي نقولها . لا بد أن نستحضر القلب عند التلفظ بذكر الله وأن يمتلئ القلب بتعظيم الرب لشعور الحاجة والافتقار الى الله تعالى وأن الخيرات والبركات ستتنزل علينا لما نبدأ عملنا مستعينين بالله , ونحتاج الى أن ندرب أنفسنا على استحضار هذه المعاني وليس التلفظ بها من باب الترديد والحفظ والضبط , فلما استعين بالله عند البدء بالقراءة إذن أنا احتاج الى أن أظهر الانكسار والافتقار الى الله عز وجل , فلا بد أن يكون قلبي عامر بهذا الشعور ويستشعر معانيها العظيمة , حتى يحصل النفع للعبد فتتنزل عليه البركات والرحمات , فينتفع بما يقرأ , لوما نفقد هذا الاستشعار بالمعنى نجد أن البركة قليلة وإن كان الإنسان يحصل الخير الكثير منها ,ولكن مع استحضار المعاني يكون أثرها أعظم وأوقع . فالإنسان لما يبدأ بسم الله فإنه يلقي كل ما عنده ويلجأ لله تعالى الذي سيعينه على الانتفاع بما يقرأ ونيل الخيرات والبركات وهو يقرأ ويؤثر في قلبه ويقوده الى العمل الصالح .
الله : اسم من أسماء الرب عز وجل , وتتبعه كل الأسماء , فإذا قلنا من هو الرحمن ؟؟هو الله ... من هو الرحيم ؟ هو الله ...وهكذا , فكل الأسماء عائدة الى اسم الله تعالى , فهذا الاسم لا يسمى به إلا هو عز وجل , وهو أصل الأسماء الحسنى كلها .
ما معنى الله ؟؟ المألوه المعبود محبة وتعظيما المستحق لإفراده بالعبادة , يتأله له ويتعبد له الخلق جميعهم ,,هناك آلهة كثيرة مزعومة وأرباب كثر غير مستحقين للعبادة لأنها باطلة
لماذا الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالعبادة له وحده ولا يقع في قلوبنا شك أو تردد بل نوقن أن الله تعالى هو وحده مستحق للعبادة لا غيره ؟؟ - الله تعالى مستحق للعبادة لاتصافه بصفات الإلوهية التي تجعلنا نقر ونؤمن أنه مستحق للعبادة وحده فصفات الكمال كلها صفات الله تعالى وهو رب العالمين انفرد بالخلق والرزق والأمانة والإحياء والإماتة والنفع والصر والعطاء والمنع والملك والتدبير وتصريف شؤون الخلق ..... وهو منزه عن كل نقص وعجز
- لإحسانه الى الخلق يقر الخلق الى من أحسن إليهم فشملهم برحمته تعالى فهو الذي ينزل هلم المطر وهو الذي أعدهم وأمدهم ويكفيهم ويعطيهم بالليل والنهار وعطاؤه ومنعه للمؤمن والكافر والفاجر و....
- لكمال ذاته فلا نقص فيها بوجه من الوجوه وأسماؤه حسنى بلفت من الحسن غايته وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ,إن أعطى فبفضله وإن منع فبعدله , فعندنا من الذنوب ما يحرمنا من فضل الله . سبحان الله
, فكل هذا يجعل القلب لا يلتفت الى غيره فيفرد بالعبادة وحده .
* الرحمن الرحيم *.....
الرحمن والرحيم : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شئ وعمت كل حي وكتبها للمتقين لأنبيائه ورسله فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة ومن عداهم لهم نصيب منها – هذا كلام الشيخ رحمه الله – لا شك أن هناك منهج وطريقة لأهل السنة والجماعة في التعامل مع أسماء الله عز وجل وصفاته فما أثبته الله عز وجر لنفسه من الأسماء والصفات نثبتها نحن , ونقول إن كان اسم فهذا من أسماء الله عز وجل بلغ من الحسن غايته , والاسم يدل على صفة , فهي ليست أسماء مجردة وهذه الصفة مشتقة من هذا الاسم , وهذه الصفة عليا لله عز وجل وقد تتعدى الى الخلق فيرون أثرها , وقد توصف ذاته بها فتكون صفة ذاتية .
الرحمن :هذا اسم ويشتق منه الصفة التي هي الرحمة فهو ذو الرحمة الواسعة
الرحيم : هذا اسم ويشتق منه الصفة أيضا التي هي الرحمة ,
فكلا الاسمان دالان على صفة الرحمة , وصفة الرحمة من أوسع الصفات ,الدليل على ذلك : قوله تعالى :* ورحمتي وسعت كل شئ *
ولكن في اسم الرحمن : وصف لذاته فهي صفة ذاتية , إما الرحيم فهو اسم يدل على الرحمة الواصلة التي تتعدى وتصل الى الخلق فهو يرحم العباد , وهذا صفة فعلية , إذن لما نقول الغفور الرحيم : فنقول إن الرحيم هنا اسم لله تعالى يدل على صفة ذاتية لله تعالى وهي الرحمة , لكن لما اجتمع اسما الله تعالى الرحمن والرحيم : فنجد أن كلاهما يدلان على الرحمة لكن كل منهما يتناول معنى مختلف , فالرحمن يدل على صفة ذاتية وهي الرحمة الواسعة التي يتصف بها لذاته , والرحيم يدل على الرحمة الواصلة التي تتعدى للخلق وهي صفة لفعله بأنه يرحم عباده من يشاء , ورحمته تكون وفق حكمة يعلمها وحده سبحانه وتعالى , الصفة الفعلية متعلقة بالمشيئة : أي أنه يرحم من يشاء ويعذب من يشاء , وهذا من وراءه حكمة , ورحمته تتنزل متى شاء هو وحده , فهو يختار أن ينزل المطر في هذا الوقت مثلا أو غيره .. ويختار أن يرفع الكرب والغمة متى شاء .. ويختار الرحمة كيفما شاء إما بالعطاء أو بالمنع ,إذن رحمته تكون لمن شاء ومتى شاء وكيف شاء . فهي صفة فعلية متعلقة بالمشيئة .
خلاصة الكلام :الرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله الحسنى , الرحمن هو ذو الرحمة الواسعة وهي صفة ذاتية , والرحيم هو ذو الرحمة الواصلة التي تصل الى عباده وتتعدى لهم فيرون آثارها .
ما معنى كتبها للمتقين ؟؟؟
لا شك أنه لا يوجد أحد إلا له نصيب من الرحمة , فكل ما نحن فيه وكل ما نتقلب فيه من رحمة الله بنا سواء إقامة الجسد وصحة البدن وتعاقب الليل والنهار ...... وهذه الرحمة عمت البار والفاجر والمؤمن والكافر والبهائم وكل حي ّ, ولكن لما نقول بسم الله مستعينين بالله الرحمن الرحيم فإننا نرجو أن نكون من الذين خصهم الله برحمته الخاصة وهم أولياؤه المتقين * ورحمتي وسعت كل شئ فسـأكتبها للذين يتقون ....*
فهؤلاء لهم رحمة خاصة تزيد على بقية الخلق مما يجعل العبد يتشوق الى نيل رحمة الله الخاصة .
إذن الرحمة : رحمة عامة لكل حي ولكل المخلوقات, ورحمة خاصة ينالها المتقون أولياء الله الذين جاهدوا بالاستقامة على أمر الله عز وجل فكانوا إما سابقين بالخيرات أو مقتصدين وهؤلاء الذين اصطفاهم الله عز وجل وهم من عباده الذين ينالون أعظم نصيب من الرحمة بل الرحمة المطلقة وما عداهم ينال نصيب أو شئ من الرحمة . فلابد لنا عندما نقول بسم الله الرحمن الرحيم أن نشوق نفوسنا لنيل الرحمة الخاصة , والله سبحانه وتعالى أنزل الى الدنيا رحمة واحدة وادخر لعباده تسع وتسعون رحمة في الآخرة , نسأل الله العظيم من فضله .
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها : الإيمان بأسماء الله وصفاته وأحكام الصفات : أي الإيمان بأن لله تعالى أسماء وأسماؤه حسنى وأسماؤه هذه يشتق منها صفات وصفات الله عز وجل عليا , وكل اسم يدل على ذات الله عز وجل ويدل على صفة من صفاته ويدل على فعله وأثر ذاك قد يتعدى الى الخلق كصفة الرحمة .... فيؤمنون مثلا بالرحمن الرحيم هو ذو الرحمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم والنعم كلها آثار رحمته ... وهكذا في سائر الأسماء , وإثبات ذلك يكون بالوجه الذي يليق بجلاله من غير تحريف أو تأويل أو تكليف .
حيث نجد في بعض الكتب عن تفسير الرحمة , أنهم يقولون بأن لله عز وجل رحمة حقيقية لأنه يقتضي ذلك أن يكون هناك خضوع ورقة وانعطاف وهذا لا يليق بجلال الله تعالى فلذلك نثبت أن الله يرحم ولكن الرحمة هذه هي الإنعام , فمعنى الرحيم : أي أنه يريد أن ينعم على خلقه .... , وطبعا هذا التفسير تأويل وتحريف لهذه الصفة التي وصف الله تعالى بها نفسه , فهذه الصفة حقيقية ولكنها تختلف عن رحمة المخلوق , فالمخلوق يحدث منه اللين والخضوع والانعطاف لأن رحمته تليق به , لكن رحمة الله عز وجل تليق بجلاله عز وجل لا يشبهه المخلوق بصفاته ولا في ذاته ولا في أسماءه ولا في أفعاله , والصحيح أن الله يرحم عباده ومن آثار رحمته الإنعام وليس الرحمن هي إرادة الإنعام .
إذن من فسر صفة الرحمة بالإنعام , نرد عليه ونقول بأنهم فسروا هذه الصفة بالأثر ( من آثار الرحمة الإنعام ) ومن قال أن الرحمة تقتضي اللين والخضوع وأن هذا لا يليق بالله عز وجل ولذلك تنفى الصفة عن الله تعالى , فنرد عليه بأن الله تعالى لا يشبه خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله , فالله له رحمة تليق بجلاله والمخلوق له رحمة تليق به والله تعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .ولما فسروها بإرادة الإنعام فهم لهم موقف من الأفعال الاختيارية , فالصفات الفعلية متعلقة بالمشيئة إن شاء أنعم وإن شاء منع , فالله تعالى يختار يريد أو لا يريد.فيقولون أنه هل من أحد يجبر الله تعالى على أن يريد أو لا يريد .... فنقول أن الله تعالى يريد أن ينعم على خلقه ولكن بالمشيئة التي يريدها .
خلاصة الكلام من هذه كلها تفاسير بعيدة تماما عن المعنى الحقيقي فيجب التنبه لها .
وبهذا نكون قد أنهينا تفسير البسملة , نبدأ بآيات الفاتحة الدرس القادم إن شاء الله
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تم الدرس الأول بحمد الله تعالى