مقدمة الشارح رحمه الله ورضي عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف رحمه الله ورضي عنه - مقدمة بديعة عظيمة العقود :
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، كالمبتدعة والمشركين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وقيوم السماوات والأرضين . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه أجمعين .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فإن كتاب التوحيد الذى ألفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب ، وغفر له ولمن أجاب دعوته إلى يوم يقوم الحساب - قد جاء بديعاً فى معناه من بيان التوحيد ببراهينه ، وجمع جملا من أدلته لإيضاحه وتبيينه . فصار علماً للموحدين ، وحجة على الملحدين . فانتفع به الخلق الكثير ، والجم الغفير . فإن هذا الإمام رحمه الله فى مبدأ منشئه قد شرح الله صدره للحق المبين ، الذى بعث الله به المرسلين : من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين ، وإنكار ما كان عليه الكثير من شرك المشركين ، فأعلى الله همته ، وقوى عزيمته ، وتصدى لدعوة أهل نجد إلى التوحيد ، الذى هو أساس الإسلام والإيمان ، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور ، والطواغيت والأوثان ، وعن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان .
فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان ، وأقام الله به علم الجهاد ، وأدحض به شبه المعارضين من أهل الشرك والعناد ، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد ، الحاضر منهم والباد وانتشرت دعوته ومؤلفاته فى الآفاق ، حتى أقر الله له بالفضل من كان من أهل الشقاق . إلا من استحوذ عليه الشيطان . وكره إليه الإيمان ، فأصر على العناد والطغيان . وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته ، كما قال قتادة رحمه الله عن حال أول هذه الأمة إن المسلمين لما قالوا ( لا إله إلا الله) أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم ، وضاق بها إبليس ، وجنوده . فأبى الله إلا أن يمضيها ويظهرها ، ويفلجها وينصرها على من ناوأها ، إنها كلمة من خاصم بها فلج ، ومن قاتل بها نصر ، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة التى يقطعها الراكب فى ليال قلائل ، ويسير من الدهر ، في فئام من الناس ، لا يعرفونها ولا يقرون بها .
وقد شرح الله صدور كثير من العلماء لدعوته ، وسروا واستبشروا بطلعته ، وأثنوا عليه نثراً ونظماً .
موضوع كتاب التوحيد :
فموضوعه فى بيان ما بعث به الله رسله : من توحيد العبادة ، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة ، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافى كماله الواجب ، من الشرك الأصغر ونحوه ، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه .
أصل الكتاب :
وقد تصدى لشرحه حفيد المصنف ، وهو الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى فوضع عليه شرحاً أجاد فيه وأفاد ، وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد ، وسماه تيسير العزيز الحميد ، فى شرح كتاب التوحيد .
وحيث أطلق شيخ الإسلام فالمراد به أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ، و الحافظ فالمراد به أحمد بن حجر العسقلانى .
ولما قرأت شرحه رأيته أطنب فى مواضع ، وفى بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل ، ولم يكمله . فأخذت فى تهذيبه وتقريبه وتكميله ، وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميماً للفائدة وسميته فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد .
أ.هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشرح :
ابتدأ كتابه بالبسملة
1- اقتداء بالكتاب العزيز
2- وعملاً بحديث " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" أخرجه ابن حبان من طريقين . قال ابن صلاح : وال . ولأبى دواد وابن ماجه " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد
فهو أقطع " ولأحمد " كل أمر ذى بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع " وللدارقطني عن أبى هريرة مرفوعاً " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع " .
3- * قال العلماء : واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في مراسلاته
والمصنف قد اقتصر فى بعض نسخه على البسملة ، لأنها من أبلغ الثناء والذكر للحديث المتقدم . وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقتصر عليها فى مراسلاته ، كما فى كتابه لهرقل عظيم الروم ووقع لى نسخة بخطه رحمه الله تعالى بدأ فيها بالبسملة ، وثنى بالحمد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وآله
وباء بسم الله
للمصاحبة . وقيل : للاستعانة . فيكون التقدير : بسم الله أؤلف حال كونى مستعيناً بذكره ، متبركاً به
والاسم
مشتق من السمو وهو العلو . وقيل : من الوسم وهو العلامة ، لأن كل ما سمى فقد نوه باسمه ووسم .
قوله ( الله )
قال الكسائي والفراء : أصله الإله ، حذفوا الهمزة ، وأدغموا اللام فى اللام ، فصارتا لاماً واحدة مشددة مفخمة .
* اختلف العلماء هل اسم الله اسم مشتق كبقية أسماء الله تعالى أم اسم جامد
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : الصحيح : أنه مشتق ، وأن أصله الإله ، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ . وهو الجامع لمعانى الأسماء الحسنى والصفات العلى . والذين قالوا بالاشتقاق إنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى . وهى الإلهية كسائر أسمائه الحسنى ، كالعليم والقدير ، والسميع ، والبصير ، ونحو ذلك . فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب ، وهى قديمة ، ونحن لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها فى اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منه تولد الفرع من أصله
وأما تأويل الله فإنه على معنى ما روى لنا عن عبد الله بن عباس قال : هو الذى يألهه كل شئ ويعبده كل خلق وساق بسنده عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال : الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين فإن قال لنا قائل : وما دل على أن الألوهية هى العبادة وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلاً فى فعل ويفعل ، وذكر بيت رؤية بن العجاج .
لله در الغانيات المدة سبحن واسترجعن من تألهى
يعنى من تعبدى وطلبى الله بعملى .
فائدة نفيسة في اسم الله تعالى :
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : لهذا الاسم الثسريف عشر خصائص لفظية وساقها . ثم قال : وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم : " لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وكيف نحصى خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق ، وكل مدح وحمد ، وكل ثناء وكل مجد ، وكل جلال وكل كمال ، وكل عز وكل جمال ، وكل خير وإحسان ، وجود وفضل وبر فله ومنه ، فما ذكر هذا الاسم فى قليل إلا كثره ، ولا عند خوف إلا أزاله ، ولا عند كرب إلا كشفه ، ولا عند هم وغم إلا فرجه ، ولا عند ضيق إلا وسعه ، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة ، ولا ذليل إلا أناله العز ، ولا فقير إلا أصاره غنياً ، ولا مستوحشاً إلا آنسه ، ولا مغلوب إلا أيده ونصره ، ولا مضطر إلا كشف ضره ، ولا شريد إلا آواه . فهو الاسم الذى تكشف به الكربات ، وتستنزل به البركات ، وتجاب به الدعوات ، وتقال به العثرات ، وتستدفع به السيئات ، وتستجلب به الحسنات . وهو الاسم الذى قامت به الأرض والسماوات ، وبه أنزلت الكتب ، وبه أرسلت الرسل ، وبه شرعت الشرائع . وبه قامت الحدود ، وبه شرع الجهاد ، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء ، وبه حقت الحاقة . ووقعت الواقعة . وبه وضعت الموازين القسط ونصب الصراط ، وقام سوق الجنة والنار . وبه عبد رب العالمين وحمد ، وبحقه بعثت الرسل ، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور وبه الخصام وإليه المحاكمة ، وفيه الموالاة والمعاداة ، وبه سعد من عرفه وقام بحقه ، وبه شقى من جهله وترك حقه ، فهو سر الخلق والأمر . وبه قاما وثبتا ، وإليه انتهيا ، فالخلق به وإليه ولأجله . فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئاً منه ومنتهياً إليه ، وذلك موجبه ومقتضاه '3 : 191' " ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " إلى آخر كلامه رحمه الله .
قوله ( الرحمن الرحيم )
قال ابن جرير : حدثنى السري بن يحيى حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمى يقول : الرحمن بجميع الخلق ، والرحيم بالمؤمنين . وساق بسنده عن أبى سعيد - يعنى الخدرى - "قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم قال : الرحمن : رحمن الآخرة والدنيا . والرحيم : رحيم الآخرة" .
وقال ابن القيم قول ثاني في معناها :
وقال رحمه الله أيضاً : الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم . واذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى : '33 : 44' "وكان بالمؤمنين رحيماً " '9 : 117' "إنه بهم رؤوف رحيم" ولم يجيء قط رحمان بهم .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فاسمه الله دل على كونه مألوهاً معبوداً . يألهه الخلائق : محبة وتعظيماً وخضوعاً ، ومفزعاً إليه فى الحوائج والنوائب . وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد ، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه ، مستلزم لجميع صفات كماله . إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحى ، ولا سميع ، ولا بصير ، ولا قادر ، ولا متكلم ، ولافعال لما يريد ، ولا حكيم فى أقواله وأفعاله . فصفات الجلال والجمال أخص باسم الله ، وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع (العطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبر أمر الخليقة : أخص باسم الرب) ، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة والعطف أخص باسم الرحمن .
قال المصنف رحمه الله تعالى : الحمد لله .
ش : ومعناه الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على وجه التعظيم ،
*فرق بين الشكر والحمد
فالشكر أعم من الحمد من جهة متعلقه ، والحمد أعم من الشكر من جهة سببه
فالشكر يكون باللسان والقلب والجوارح ( اعملوا آل داوود شكرا )
و الحمد يكون باللسان والقلب
والحمد لله يكون في السراء والضراء و أما الشكر لا يكون إلا في السراء
قال المصنف رحمه الله : وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .
ش : أصح ما قيل فى معنى صلاة الله على عبده : ما ذكره البخارى رحمه الله تعالى عن أبى العالية قال : "صلاة الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة" وقرره ابن القيم رحمه الله ونصره فى كتابيه جلاء الأفهام وبدائع الفوائد .
* و صلاة الملائكة عليه يكون بالدعاء له كما فى المسند عن على مرفوعاً " الملائكة تصلى على أحدكم ما دام فى مصلاه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه "
اللهم أعنا على العلم النافع والعمل به وثبتنا على ذلك حتى نلقاك وأنت راض عنا
.
التعديل الأخير تم بواسطة أم معان ; 04-05-08 الساعة 10:02 PM
|