بسم الله الرحمن الرحيم
كلّما هممت بكتابة ما مرّ به القلب من انعاشات و كيف السبيل إليها وجدت السبيل واحداً إنّه الصــــــــدق مع الله ..... فيقدّر لكِ ما فيه صلاح هذا القلب .... سأذكر لكم مرّة من هذه المرات أترككم مع هذه الانعاشة ليخرج كلّ منّا بفوائد قلبية :
و الله ما في مرّة صدقَتْ فيها مع الله إلّا و قد منّ الله عليها بأضعاف ما تريد
بعد أن ذاقت المعاني القلبية للعبادات عانت من فتور في قلبها ....لا تملك إلا أنّها لجأت إلى مقلّب القلوب و سألته أن يرقق قلبها و أن يربط عليه و كانت صادقة فيما تريد ......فسبحان الله العليم الذي قدّر لها من المقادير ما زلزل القلب :
إنّها مقادير الربّ جلّ و علا:
* رؤيا
بدأتها برؤيا ...فقد رأت و كأنّها في أرض يها العديد من الغرف و عندما سألت عنها قيل لها أنّها لـ عبد الله فدخلت الغرفة الأولي فوجدتها ضيّقة فسألت من معها .. إنّها ضيّقة كيف يجلس فيها عبد الله ؟!... أريد غرفة أخرى ...فتذهب إلى غرفة أخرى ..فتقول هذه ضيّقة كيف يجلس فيها عبد الله؟!! ....أريد الغرفة الواسعة .....فيشير إليها من معها إلى الجهة الأخرى فسارت نحو الطريق و عندما اقتربت و جدت أن عليها عبور طريق تسير عليه القطارات فجلست قليلا في إحدى القطارات... تريد العبور و لكنها ترى أنّه صعب عليها ...فسألت من معها.. كيف السبيل للخروج من هذا المكان و العبور؟ فأشار إليها أن تخرج عبر النافذة و خرج من معها أرادت الخروج مثله ما استطاعت فأشار إليها أنّ الغرف الواسعة هناك و نظر مرافقها بعينين دامعتين قائلاً كنت أعدّها لنفسي لكن أخذها منّي عبد الله و انصرف... و بقيت وحيدة تفكر في الخروج فنظرت فوجدت هناك مكان واسع فخرجت منه بسهولة و عندما همّت بالخروج وجدت الطريق سهل و يسير و عبرته بيسر... و هناك دخلت إحدى الغرف فإذا بها واااسعة ووجدت هناك جدّها الميّت بانتظارها فمكثت معه يتجولون في الغرفة لكنهم ما يستطيعون الخروج منها.
استيقظت من النوم و هي تقول لأهلها... رأيت القبور لقد كنت أختار قبري ... و أخذت تقول إنّي ميّتة
لم يمرّ على هذه الرؤيا عدّة أيام إلا و تلّقت :
* الإنذار الثاني :
ذهبت لصلاة الجمعة و مازال أثر الرؤيا على قلبها فإذا بالإمام يخطب أتدرون عن ماذا؟................إنّه الموت
يرتفع صوت الإمام بآيات الله عزّ و جلّ:
وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)ق
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)الجمعة
و تنهال الآيات على قلبها لتخترقه فيرتجف القلب و البدن ....كنّ في الدنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل......ليس الغريب غريب الشام و اليمن ..إنّ الغريب غريب اللحد و الكفن ..كلمات كالسيل على القلب ..تشعر و كأنّ قلبها سيتوقف من سرعة ضرباته تدفن رأسها بين كفيها و هي تتساءل بأي حال ألقي ربّي ...بأيّ قلبٍ ألقاك ربّي!!!
انتهت الخطبة ... خرجت مسرعة و تسترجع في رأسها الرؤيا و مازات كلمات الخطبة ترّنّ في أذنها و لسان حالها يقول لقد اقترب أجلــــــــي.
كان هذا زلزال لقلبها ترك أثراً عظيماً ........فكتبت وصيّتها ...و صارت تنتظر الموت في كلّ لحظة تعيشها ...اليوم أصبح كله عبادة ...ما تحبّ أن تقبض عليه تفعله طوال اليوم ............إلى أن جاء...
* الزلزال الثالث:
اسيقظت من نومها في نفس الموعد كما اعتادت من توفيق الله لها ...حملت الأدوات .. سكون غطّى المكان ..ما يقطعه سوى دقات الساعة و كأنها تخبرها بدنو ِ الأجل
جلست تستغفر و تذكر ثمّ أخذت تتلو آيات الله عزّ و جلّ ....فجأة شعرت بشيء غريب يسري في جسدها ...لم تعد تشعر بقدميها ...لم تعد تشعر ببدنها كله ...تداخلت الصور في عينيها ..قالت لنفسها ...أنّه الموت الذي أنتظره ...أنها الروح تخرج .......أرادت نطق الشهادة ....كلّما همّت بقولــ أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله ...كان لسانها يقول أشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ... اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني و أنا أمتك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بكَ من شرّ ما صنعت أبوء لك بنعمتك علّ و أبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت ..............
.لم تكن تتحكم في مقالها ...ما يخرج كان يخرج من القلب ...فهذا الذكر ما اعتادت عليه في أوقات الرخاء
هذا الذكر كانت تذكره بقلبها .....هذا ما خرج منها وقت محنتها ....و ما كان له أثرٌ عظيم على قلبها أنّ كلّ أهلها نائمون ما معاها أحد إلا الحيّ القيّوم ....بدأ الشعور الذي أصابها يختفي شيئاً فشيئا....إلى أن هدأت النفس و سكنت وواصلت أنسها و مناجتها و هي على يقين أنّه ما لها أحد في هذه الدنيا و لن ينفعها أحد إلا مالك أمرها ...إلا من كان معها وقت محنتها ....إلا من لطف بها و رحمها ...إلا من سألته هداية قلبها ...فوهبها أفضل ممّا تريد .....تحيا و مازالت تحيا بذكرى أنّها ميّتة ...فجعلت نصيبا ثابتاً من الدعاء ..لخاتمتها ...لخروج روحها .. لسؤالها ...لقبرها ...لما تحبّ أن يكون مآلها....و أخيراً طلبت من أسرتها شراء كفنها ........صارت تحيا بقلب حيّ محفورٌ فيه ذكريات تلك الأيّام .....
أعيد.... و أكرّر....إنّه الصـــــــــــــــــدق مع الله ...إذا صدقنا رأينا توفيق الله و حكمته فيما يقّدره لنا من مقادير يكون فيها صلاح قلوبنا و حياتها.
.
اللّهمّ اهدِ قلوبنا صراطك المستقيم.. و اربِط عليها يا رحمن يا رحيم.
ربّ لك الحمد حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه.