ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   قسم الدورات العلمية المكثفة (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=411)
-   -   [تفريغ] تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215)

أم الخطاب78 15-11-09 02:27 AM

صفحة الشرح الصوتي للمادة متجدد أسبوعياً بإذن الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نبذة عن المحاضرة :
  • مقدمة .
  • من الحديث الأول(ميزان الأعمال الظاهرة والباطنة) إلى الحديث الثالث (الدين النصيحة) .


لتحميل الشريط الأول

من هنــــــــا

أم الخطاب78 15-11-09 02:34 AM

تفريغ الشرح للمادة ,, كل اسبوع بإذن الله حسب الجدول المخصص له
 
شرح جوامع الأخبار (1)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، مكتب الشيخ عبد الكريم الخضير العلمي بالتعاون مع تسجيلات الراية الإسلامية يقدم:
شرح كتاب جوامع الأخبار للعلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، لفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير -حفظه الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن المناسبات الطيبة التي نرجو أن تكون مباركةً ومفيدة مثل هذه الاجتماعات في بيتٍ من بيوت الله، نتدارس كتاباً من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التدوين في السنة تحدثنا عنه مراراً في مناسباتٍ كثيرة، وأنواع المصنفات، ومقاصد المؤلفين، ومناهج المصنفين، تُحدث عنه في مناسباتٍ كثيرة، وألفت فيه المؤلفات، فلسنا بحاجة إلى الإطالة بذكره، بعد عصر التدوين التي ألفت فيه الكتب الأصلية التي تروي الأحاديث بالأسانيد، رأى أهل العلم تيسير العلم على المتعلمين، فألفت المختصرات المجردة ليحفظها طلاب العلم في جميع أبواب الدين، فألف في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، وفي بقية أبواب الدين كالجهاد والسير والفتن والملاحم والرقاق والاعتصام وغيرها من أبواب الدين التي تدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) بعد أن دونت الأحاديث في الكتب المطولة المسندة وتقاصرت الهمم عن درسها فضلاً عن حفظها لجأ أهل العلم إلى تقريبه وتيسيره على المتعلمين، فألفت هذه المختصرات التي لوحظ نفعها، ولله الحمد.
وصارت جادة يسلكها المتعلمون بتوجيهٍ من شيوخهم، يبدؤون فيها بالأخصر، ثم الذي يليه مما هو أطول منه ثم الذي يليه إلى أن يتأهل الطالب لدراسة الكتب الأصلية، ولذا ألفوا في الأحكام في أحاديث الأحكام كتب كثيرة مجردة عن الأسانيد، وألفوا في أبواب خاصة أجزاء اشتملت على أحاديث مما تهم طالب العلم، ومما ألف الأحاديث الجوامع التي هي من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام-، ألف فيها جمع من أهل العلم من أبرزهم النووي -رحمه الله تعالى- في كتاب الأربعين، جوامع وقواعد لا يسعني أنا طالب العلم كل حديث قاعدة من قواعد الشريعة، والنووي قصد العدد لحديثٍ ورد في ذلك، من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعث يوم القيامة في زمرة الفقهاء. اعتمد على هذا الحديث وقد اتفق الحافظ على تضعيفه، إلا أنه كما نقل في مقدمة الأربعين في فضائل الأعمال والجمهور يعملون بالضعيف في فضائل الأعمال. بل نقل الاتفاق على ذلك، واتفاقه منقوظ لوجود المخالف، لكن يبقى أنه قول الجمهور بشروطٍ اشترطوها، وهو ممن يرى هذا الرأي العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فألف هذا الكتاب رجاء أن يندرج في موعود الحديث، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمة الله عليه-، ولسنا بحاجة إلى بيان سيرته، وذكر مناقبه ومؤلفاته وتلاميذه، وشيء من أخباره؛ لأن الموضوع يطول بهذه الطريقة، الشيخ لما لم يصح عنده الحديث ويرى أن الضعيف لا يعمل به لم يعتمد العدة التي اعتمدها النووي، إنما جمع أحاديث يرى أن طلاب العلم في أمس الحاجة إليها، فجمع ما يقرب من مائة حديث هي في الحقيقة جوامع، ولذا سمى كتابه المتن: جوامع الأخبار.
وتداول بعض الناس في رسائل الجوال اسماً محرفاً لهذا الكتاب سموه (عيون الأخبار) فخشيت أن يظن بعض الطلاب أنه كتاب من كتب الأدب، وما أشبه ذلك؛ لكن الإعلانات -ولله الحمد- على الصواب.
جوامع الأخبار: يعني الأخبار الجامعة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، والجوامع جمع جامع، والأخبار جمع خبر، والمراد به الكلام المختصر، الذي يحمل من المعاني أكثر من واقعه من حيث اللفظ، هذا الكلام المختصر أو الموجز فهذا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، فالموصوف الأخبار، والصفة الجوامع، والأخبار جمع خبر، والخبر أعم من أن يكون حديثاً أو أثراً؛ لكنه هنا يراد به الحديث، فالكتاب مؤلف من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- فإنه أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، فيأتي بالمعنى المطلوب بأوجز عبارة، بما لا يستطيع أن يعبر عنه بعض الناس إلا بكلامٍ طويل حتى يفحم غيره عن مراده، هذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- الاختصار في الكلام مع الوضوح بحيث لا يدخل في حيّز المعاياة والإلغاز، لا، كلام واضح إلا أنه مختصر، بحيث يسهل فهمه وحفظه، وعلى هذا جرى صحابته الكرام، لا يشققون الكلام، ولا يتفننون في العبارات، إنما يأتون بالمقصود بأوجز عبارة، جرى هذا سلف هذه الأمة، وأما إعجاز القرآن الذي أعيى الفصحاء، وأفحم البلغاء، فلسنا بحاجةٍ إلى بيانه.
المقصود أن عندنا أخبار جوامع، سلك مسلكه -عليه الصلاة والسلام- صحابته الكرام، فصاروا يبينون للناس ما ينبغي بيانه، وما أخذ عليهم العهد في بيانه بأوجز عبارة، وسلف الأمة كلهم على هذا، يعني من قارن بين فتاوى الصحابة بفتاوى من جاء بعدهم، وكذلك الأئمة المتقدمون وجد البون الشاسع، تجد الإمام من أئمة السلف يجيب بكلمة أو بجملة ويبسطها المتأخر في رسالة أو في جزء، وقد أوضح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في كتابه (فضل علم السلف على الخلف) هذا الباب أتم إيضاح، وبيّن أن سلف هذه الأمة لا يعنون بتشقيق الكلام، ولا توسيعه، ولا الاستطراد، إنما يعنون ببيان ما يحتاج إلى بيانه مع عدم التكلف في الكلام، ولذا يقول -رحمه الله عليه-: "من فضّل عالماً على آخر بكثرة كلامه فقد فضل الخلف على السلف" نعم، قد تدعو الحاجة إلى مزيد البسط والبيان؛ لأن المستفتي قد لا يفهم المراد بالعبارة الموجزة، وكذلك الموجه والمنصوح قد لا يتبين من خلال الكلام الوجيز، وقد يكون الكلام مرتب بمقدمات ونتائج بحيث لا تفهم النتائج إلا إذا بسطت المقدمات، كما يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يبسط الكلام، ولا نقول: أن هذا استطراد لا حاجة له، بل الحاجة داعية إليه؛ لأن الناس في عصره يحتاجون إلى مثل هذا، بينما عندنا في عصرنا تجد الإنسان يتمحل ويستطرد ويشقق ويذهب يميناً وشمالاً بما لا حاجة إليه، وتكبير الكتب ونفخها سمة هذا العصر، بحيث أخرجت بعض كتب السلف بطريقةٍ تصد عن تحصيلها والإفادة منها، فعلينا بالقصد، القصد القصد، وعلى هذا يوجه طالب العلم بالعناية بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يربيه على هذه الطريقة وبسنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها هي المبينة للقرآن وموضحه له، وأيضاً كلام الأئمة الموثوقين المعتمدين الراسخين في العلم المعروفين بسلامة القصد وصحة العمل ممن يقرن العلم بالعمل، ومن المتأخرين فيما نحسب -والله يتولى الجميع- مؤلف هذا الكتاب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-.
ونبدأ بالمقصود بعد هذه المقدمة التي نرجو أن تكون نافعة، الحال يستدعي أكثر من ذلك؛ لكن الأحاديث تسعة وتسعين حديث في مدة ستة أيام، ما أدري على أي وجهٍ تشرح هذه الأحاديث، نحن بحاجة في كل يوم إلى أن نأخذ ستة عشر حديث سبعة عشر حديث، ما أدري كيف نشرح، والله المستعان؛ لأن هذه الأحاديث جوامع، كل حديث على الأقل الأحوال يحتاج إلى يوم، أقل الأحوال يكفيه يوم، كل حديث؛ لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، نأتي بشيءٍ منه، مما نرى أن طلاب العلم بحاجة إليه، نسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد والعصمة من الزلل في القول والعمل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ، وصدق اتباعٍ إلى يوم الدين، أما بعد: فيقول العلامة المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي عليه -رحمه الله تعالى- وغفر له ولنا ولشيخنا أجمعين:
"الحمد لله، المحمود على ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العظيمة العليا، وعلى آثارها الشاملة للأولى والأخرى، وأصلي وأسلم على محمد أجمع الخلق لكل وصف حميد، وخلق رشيد، وقول سديد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد، أما بعد: فليس بعد كلام الله أصدق ولا أنفع ولا أجمع لخير الدنيا والآخرة من كلام رسول وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ هو أعلم الخلق، وأعظمهم نصحاً وإرشاداً وهداية، وأبلغهم بياناً وتأصيلاً وتفصيلاً، وأحسنهم تعليماً.
وقد أوتي -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث كان يتكلم بالكلام القليل لفظه، الكثيرة معانيه، مع كمال الوضوح والبيان الذي هو أعلى رتب البيان، وقد بدا لي أن أذكر جملة صالحة من أحاديثه الجوامع في المواضيع الكلية، والجوامع في جنس أو نوع أو باب من أبواب العلم، مع التكلم على مقاصدها، وما تدل عليه، على وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط، فأقول: مستعيناً بالله، سائلاً منه التيسير والتسهيل.
الحديث الأول:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))
[متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة التي قرأها الشيخ هي مقدمة للمتن والشرح معاً، ولذا لما ذكر أنه بدا له أن يذكر جملةً صالحة من الأحاديث الجوامع بدا له أيضاً أن يعلق عليها، ويتكلم على مقاصدها، وما تدل عليه على وجهٍ يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط، وتعرفون أن الدروس هذه في المتن لا في الشرح، بعض المحققين يجتهد ويذكر عناوين يدخلها في أصل الكتاب، ولا شك أن هذا تصرف في كتب أهل العلم، فينبغي أن تترك كما هي، إذا رأى المحقق أو الناشر أو المعلق الحاجة داعية إلى شيء يجعله في حاشية، ولا يدخل في صلب الكتاب ما ليس منه.
الحديث الأول: حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- في النية يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) [متفق عليه].
الحديث مخرج في الصحيحين في البخاري، وهو أول حديث في الصحيح، يرويه الإمام البخاري -رحمة الله عليه- من طريق الحميدي شيخه، شيخه الحميدي عبد الله بن الزبير عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- على المنبر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولا يروى ولا يصح إلا بهذا الطريق عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة عن عمر -رضي الله عنه-، وهذا من أفراد الصحيح، كما هو معلوم، من غرائب الصحيح، ومثله: آخر حديثٍ فيه: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) هذا الحديث أيضاً من غرائب الصحيح، وهو نظير ما عندنا، فرد مطلق غريب في أربع طبقات، هذا الحديث لا يرويه، يروى بسندٍ صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر، ولا يروى عن عمر قد خطب به على المنبر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا يروى عنه إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي ولا يروى عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر، حتى قال بعضهم: أنه بلغ عدد من يرويه عن يحيى بن سعيد سبعمائة راوي، وإن كان الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد، وأنه من بداية الطلب إلى أن ألف الفتح لم يتيسر له أكثر من مائة طريق، على كل حال هذا الحديث من الغرائب، وافتتح به الإمام البخاري صحيحه وكأنه -رحمة الله عليه- يريد أن يرد على من يرى العدد في قبول الرواية، وأن خبر الواحد غير مقبول، وهو المعروف عن المعتزلة، وتبناه بعض أهل العلم؛ لكنه قول مرذول، ضعيف جداً، وإن تظاهر قائله بالاستظلال برد عمر -رضي الله عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان، حتى يشهد له من يروي الحديث معه، فعمر يحتاط للسنة -رضي الله عنه وأرضاه- وإلا ثبت في مناسباتٍ كثيرة أنه قبل خبر الواحد؛ لكن يحتاط ونرد على من أراد أن يستغل هذا الاحتياط في رد السنة، على كل حال هذا القول مشى على بعض أهل العلم كالحاكم فيما يومئ إليه كلامه، والبيهقي فيما يشعر به بعض تصرفاته، وابن العربي في عارضة الأحوذي، لما خرج الترمذي حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) قال ابن العربي في شرحه: "لم يخرجه البخاري" البخاري صححه فيما نقله عنه الترمذي، قال: "لم يخرجه البخاري؛ لأنه ليس على شرطه؛ لأنه من روايةٍ واحد عن واحد" نقول: خرج أحاديث بهذه الصفة، وليس من شرطه عدم التخريج براوية واحد عن واحد أبداً، بل أول حديث وآخر حديث يشهدان برد هذه الدعوة.
هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول، فهو مقطوع بصحته، مقطوع به، وبنوا عليه حكماً من أعظم الأحكام، وإن كان له ما يشهد له من نصوص الكتاب والسنة.
((إنما الأعمال بالنيات)) فالنية شرط لكل أو لصحة كل عملٍ شرعي، وعليها مدار القبول مع الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والموافقة لسنته -صلى الله عليه وسلم-، فلا يصح أي عملٍ شرعي إلا بتوافر هذين الشرطين، الشرط الثاني يدل عليه الحديث الثاني؛ لكن النية لها شأن عظيم {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة] وفي هذا الحديث يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) حصر، فلا تصح الأعمال إلا بالنيات الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى، فالنية: القصد للعمل تقرباً إلى الله تعالى، ابتغاءً لوجهه، هذه هي النية، وجميع أمور الآخرة لا تصح إلا بهذا، فليحذر طالب العلم، يحذر المصلي المسلم مثلاً أن يصلي لأمرٍ من أمور الدنيا، أو لما يرى من نظر غيره إليه، أو يصوم كذلك، أو يحج كذلك؛ لكن من أعظم الأمور التي هي من مزلة الأقدام طلب العلم؛ لأن العلم الشرعي المورث للخشية من أمور الآخرة المحظة التي لا يجوز التشريف فيها، ولذا جاء في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار، رجل طلب العلم وعلّم الناس عقود خمسين ستين سنة يطلب العلم، ويعلم الناس الخير، ومع ذلك هو من الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار، ماذا صنعت يا فلان؟ تعلمت العلم وعلمته الناس، فيقال له: كذبت، تعلمت وعلمت ليقال: عالم وقد قيل، نسأل الله السلامة والعافية، فالأمر خطير، على طالب العلم أن يسعى في تصحيح النية من بداية الطلب، وإلا من تعلم لغير الله كما يقول أهل العلم مُكر به، وهذا أكثر وأعظم ما يخشى على أهل العلم وطلابه من هذا، تعلمت ليقال: عالم وقد قيل، فأنت الآن ترجو شيئاً وقد حصل، انتهى. فليكن طالب العلم على حرصٍ شديد في تصحيح هذا الأمر، وأكثر ما يسأل الطلاب، طلاب التعليم النظامي الذين دخلوا في الكليات الشرعية بنياتٍ مدخولة، إنسان أمامه مستقبل وظروف حياة، وأمور ضاغطة تنازع الإنسان في نيته الصالحة، فيحاول جاهد ثم بعد ذلك يبوء بالفشل، النية شرود، قد تحصل في وقتٍ من الأوقات ثم يطرؤ عليها ما يضعفها أو يفقدها نسأل الله السلامة والعافية، فهل من العلاج أن يترك الطالب الذي دخل بهذه النية أو يستمر على ما حفّ به الطريق من مخاوف؟
نقول: عليه أن يستمر، وليس العلاج في الترك، إنما عليه مع هذا الاستمراء المجاهدة، يجاهد نفسه في تصحيح النية، ويكثر من قراءة النصوص التي تحثّ على تحصيل العلم وثواب المتعلمين والمعلمين، ورفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، وليستحضر أن هذه الدنيا بجميع ما فيها لا تعدل شيئاً بالنسبة للآخرة، طيب، تعلم ليقال عالم ليمدح، ليصدر في المجالس، ثم ماذا؟ ليذكره فلان وفلان، ألا يعلم هذا المسكين الذي يطرب ويفرح بذكر فلان وعلان من الملأ أنه إذا ذكر الله وحده، ذكر الله في نفسه، ذكره الله في نفسه، أين هذا من هذا لو كانت لنا عقول؟ والله أثنى عليك الشيخ فلان، أو أثنى الأمير فلان، أو الحاكم فلان، وبعدين؟ ثم ماذا؟ يعني هل مثل هذا يقارن بمثل ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه))؟ لكن نظرتنا التي هي نظرة الدون بسبب ما اقترفنا، وبسبب التخليط في المآكل والمشارب والمقاصد، التخليط والتفريط في الأوامر والنواهي أصبنا بمثل هذا، صرنا ننظر إلى الدنيا، وأنها غاية، وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، طيب جناح البعوضة ماذا يُقص لك من هذا الجناح مهما بلغت من الشرف والمال والأبهة والجاه ماذا يقص لك من هذا الجناح التي لا تزنه الدنيا كلها؟ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، بدقيقتين فقط، في دقيقتين ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، بملياراتها بمتعها كلها، لا تزن عند الله -جل وعلا- ركعتي الفجر، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ونخشى أننا في يومٍ من الأيام نعض على الأكف بل نقطع الأكف عضاً حينما تبلى السرائر، وينطبق علينا قول الله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] أنت تظن أن تعلمك وتعليمك في ميزان حسناتك ثم يكون العكس، فالعلم الشرعي ما فيه حل وسط، تقول: أخرج كفاف لا لي ولا علي، إما أن تدخل في {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] أو تكون ممن تسعر به النار، فعلينا أن نجتهد في هذا الباب، والحديث يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) يعني صحة الأعمال الشرعية إنما تكون بالنيات، يعني ما الفرق بين طالب علم، طالب من طلاب الكتاب والسنة والعقيدة والشريعة وبين طبيب أو مهندس؟ هذا إما أن يكون في أعلى الدرجات أو في النار حسب مقصده وهدفه، وذاك قد يخرج كفافاً لا له ولا عليه، وقد يسيء في مهنته، وفي صنعته فيعاقب عقوبة العصاة، وقد يحسن إلى الناس، ويحسن القصد فيثاب على عمله، فهذه العلوم الدنيوية من طب وهندسة وزراعة ونجارة وصناعة كلها مما لا يبتغى به وجه الله في الأصل أمرها سهل، اطلبها للدنيا لأنها من أجلها أوجدت؛ لكن العلم؟ ينتبه الإنسان لما خلق له وهو العبادة، الهدف من وجوده في هذه الدنيا العبادة، فليحرص على أن يجعل جميع تصرفاته عبادة، نومه عبادة، إذا نوى به أن يتقرب أو يتقوى به على ما يرضي الله -جل وعلا-، أكله عبادة، شربه عبادة، مزاحه عبادة، معاشرة أهله له فيها أجر، وكل هذا بالنية الصالحة، فالنية شأنها عظيم لكنها أمرها خطير، تحتاج إلى تعاهد، فعلينا أن نعنى بها.



((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) ليس لك إلا ما نويت، فالنية يحتاج إليها في العبادة بقصد وجه الله -جل وعلا- بها، ويقصد بالنية أيضاً ما يميّز العبادة من عبادة، وما يميز العادة من العبادة، وهكذا ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه الجملة حذفها البخاري -رحمة الله عليه- في الموضع الأول من صحيحه؛ لأنه إنما أورد الحديث في الموضع الأول كالخطبة للكتاب، فإذا أورد هذه الجملة في الموضع الأول قد يظن به أنه ألف هذا الكتاب مخلصاً فيه لله -جل وعلا-؛ لأن الجملة الأولى: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا هو المخلص، واقتصر على قوله: ((ومن كانت هجرته لدنياً يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) اتهاماً لنفسه -رحمة الله عليه-.




((من كانت هجرته)) الهجرة في الأصل: الترك، ترك ما نهى الله عنه، ويراد بها الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، الهجرة واجبة، حكمها باقٍ إلى قيام الساعة، ولا يجوز البقاء بين أظهر الكفار إلا لعاجز، والعاجز مستثنى بالنص، {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] هؤلاء مستثنون، أما من قدر على الهجرة فإنها تلزمه يهاجر إلى بلاد الإسلام، ومثل هذا قل: لو كان في بلاد بدعة ويوجد بلاد سنة، أيضاً الهجرة مطلوبة، بلاد معصية ويوجد بلاد أهل صلاح وتقوى الهجرة مطلوبة، إذا كثرت الفتن وخشي الإنسان على دينه يهاجر ويعتزل، ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)) هذا من خشي على نفسه أن يتأثر، ولا يستطيع أن يؤثر بغيره مثل هذا ينتقل.
((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) اتحاد الشرط والجزاء معروف أنه في العربية لا يجوز، لا يجوز أن تقول: (من قام قام) و(من قعد قعد)، لا بد من اختلاف الشرط مع الجزاء؛ لأنه كيف يكون جواب الشرط هو فعله؟ فلا بد حينئذٍ من التأويل، من التقدير هنا، كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصداً فهجرته إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً مثلاً.


هذا الذي هجرته إلى الله ورسوله لا شك أنه هو الذي حقق الهدف الشرعي من الهجرة، أما من كانت هجرته لغير ذلك، هجرته إلى محرم الهجرة حرام، إلى مكروه الهجرة مكروه، هجرة إلى مباح هاجر من أجل مباح، انتقل من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى مكة أو إلى الرياض ليزاول التجارة طرق الأبواب في المدينة ما استطاع، ما رزق في التجارة، أو بحث عن زوجة ما وجد، فقيل له: تجد في مكة أو في الرياض أو في بلدٍ آخر فانتقل، هذه هجرة، هاجر من هذا البلد من أجل هذه المرأة التي يغلب على ظنه حصولها، أو هذه الدنيا التي يقال له: أن الفرص أكثر في مكة أو في الرياض فيهاجر من أجلها هل يذم أو لا يذم؟ الحديث ساقه سياق الذم، ((ومن كانت هجرته لدنياً يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) السياق سياق ذم لأنه في مقابل سياق المدح في الجملة الأولى، فهل يذم من انتقل من بلد إلى بلد طلباً للرزق أو طلباً لزوجة لأنه لم يجد؟ يذم وإلا ما يذم؟ لا يذم، بل قد يمدح إذا ترتب على طلب هذه المرأة إعفاف نفسه، والنكاح من سنن المرسلين، النكاح من سنتي، ((ومن رغب عن سنتي فليس مني)) فما وجد امرأة انتقل، هاجر إلى بلدٍ آخر ليجد امرأة يذم وإلا ما يذم؟ إنما سياق الخبر سياق الذم، لماذا؟ لأنه في حق من يظهر للناس أنه هاجر إلى الله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر للدنيا أو هاجر لامرأة، وفي هذا القصة المعروفة مهاجر أم قيس، هاجر يظهر أنه مهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، وقصده وهدفه من الهجرة أن يتزوج هذه المرأة، يذم في هذه الحالة.
وذكرنا مثال في مناسباتٍ كثيرة لو أن شخصاً في يوم الاثنين إذا بقي على أذان المغرب ساعة حمل التمر والقهوة والماء وما أدري إيش في كيس وذهب ليفطر في المسجد، وفل الصماط قبل أذان المغرب، والناس يتواردون مع الأذان وبعده ولما أذن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وأكل وشرب، وحمد الله على ذلك، وهو ما صام، يعني لو هو صائم ما في إشكال؛ لكن هذا ما صام، الأكل في المسجد ما فيه شيء جائز، الأكل ما فيه إشكال؛ لكن كونه أوهم الناس بفعله أنه صائم يذم من هذه الحيثية، يذم من هذه الحيثية، يعني فات فل الصماط قبيل أذان المغرب يوم الاثنين مثلاً أو الخميس، ووضع التمر على هيئة الصوام، وكل من دخل مع باب المسجد تفضل يا أبو فلان، تفضل يا أبو فلان، بسم الله، وينتظر حتى يؤذن، ويأكل على طريقة الصوام هذا لا شك أنه يذم، وإن كان القصد في الأكل أنه مباح، وأيضاً الأكل في المسجد مباح ما في إشكال؛ لكن إذا أوهم الناس بعمله أنه يتقرب هنا يأتي الذم، وإلا فالأصل أن الهجرة من أجل الدنيا أو من أجل المرأة التي يتزوجها ما فيه إشكال، بل قد يؤجر عليه، فننتبه لمثل هذا، والله المستعان.
وعرفنا أن الحديث، حديث عمر دليل للشرط الأول مما يشترط لصحة العبادات، وهو الإخلاص، وعرفنا أن الإخلاص شأنه عظيم، ويحتاج إلى جهاد، النفس تحتاج إلى جهاد في هذا الباب، وتتفلت على صاحبها؛ لكن إذا حرص الإنسان وصدق في جهاده لنفسه يعينه الله -جل وعلا-، من صدق مع الله أعانه ووفقه، تردد في كلام بعض العلماء أنهم طلبوا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، فهل ندخل في هذه النية نطلب العلم لغير الله، ونقول: تأتي النية فيما بعد؟ وما يدريك لعل المنية تخترم قبل أن تصح نيتك، فأنت جاهد من أول لحظة، جاهد من أول لحظة، تدخل بنية مدخولة تطلب العلم الشرعي قال الله وقال رسوله لأمرٍ من الأمور تقول: لا النية تأتي، طيب جميع العصاة على هذا الأمر، يزاولون المعاصي على نية أنهم يتوبون منها، وما يدريكم لعل المنية تخترم الواحد قبل تصحيح نيته فيهلك.




طيب الحديث الثاني.


أم الخطاب78 15-11-09 02:35 AM

الحديث الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه..)) -وفي رواية-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
هذا حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين تقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) في رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
((من أحدث)) هذا يلي الشرط الثاني لصحة العبادات، وهو أن تكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى طريقته، على هديه وعلى طريقته، فلا بد من الإخلاص والمتابعة، وبعض أهل العلم يقول: يكفي الشرط الثاني عن الشرط الأول، ما نحتاج أن نقول إخلاص، يكفي أن نقول: متابعة، إذا فعل المسلم العمل على ضوء ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تابع النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمله، يكفي لقبوله، لماذا؟ لأن من لوازم الاتباع الإخلاص؛ لأن العمل الذي لم يخلص فيه ولم يرد به وجه الله -عز وجل- لا تتم متابعته للنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بالإخلاص؛ لأن عمله -عليه الصلاة والسلام- وقع كذلك، يعني مخلصاً فيه لله -جل وعلا-، كلام مقبول وإلا غير مقبول؟ يعني شخص عمل، صلى كما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن بنيةٍ غير خالصة هل تم الاتباع؟ ما تم الاتباع، إذاً فُقد شرط الاتباع، ومن لازم الاتباع الإخلاص، يقول: يكفي اشتراط الاتباع عن اشتراط الإخلاص، نعم قد تدخل النية والإخلاص على سبيل الإجمال في الاتباع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقع منه عمل شرعي لم يخلص فيه لله -جل وعلا-.
إذاً من لازم الاتباع الإخلاص؛ لكن اشتراط النية أمر لا بد منه، والتنصيص على النية أمر لا محيد عنه، ولا مفرّ منه، اهتمام بشأنها وتعظيماً لأمرها؛ لأنه لو اقتصر على الاتباع فهم بعض الناس، ((صلوا كما رأيتموني)) رأيناه يصلي خلاص صلينا كما صلى، ويغفل عن النية؛ لأن النية أمر قلبي، إذاً لا بد من التنصيص عليها، وإن دخلت في عموم أو في إجمال الاتباع، اهتماماً بشأنها؛ لأن الناس يغفلون عنها مع كثرة ما جاء فيها من نصوص، فكيف لو لم تذكر من الشروط؟ لو لم تذكر شرط في كل عبادة، لو لم تذكر تركها الناس، هم الآن يغفلون عنها مع أن أهل العلم يؤكدون عليها دعماً أو تدعيماً لما قالوه بالنصوص الصحيحة الثابتة ويغفلون عنها، إذاً لا بد من ذكرها والتنصيص عليها، ولذا يرى بعض العلماء أن حديث عمر ينبغي أن يجعل في مقدمة كل باب من أبواب الدين، وهو يدخل في جميع أبواب الدين، كما قال أهل العلم أنه يدخل في سبعين باب من أبواب الدين، والبخاري يقول: دخل في ذلك الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة وغيرها.
لا شك أن هذا الحديث افتتح به كثير من الأئمة مؤلفاتهم اهتماماً بشأنه، وقال بعضهم: أنه ينبغي أن يدخل في كل باب من أبواب الدين، الباب الأول حديث الأعمال بالنيات، ثم الأحاديث التي تليها، الباب الثاني حديث: الأعمال بالنيات؛ لأن الباب الثاني محتاج إلى النية، الباب الثالث محتاج إلى النية الرابع، إذاً يذكر في كل باب؛ لأنه من متطلبات هذا الباب، فكيف نقتصر على الاتباع ونغفل النية التي هي عبارة عن الإخلاص، بعضهم يرى أن حديث عمر ربع الدين، والدين كله يدور على أربعة أحاديث:

عمدة الدين عندنا كلمات أربع *** من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما *** ليس يعنيك واعملن بنية
إشادة أهل العلم بالحديثين وكلامهم في هذا كثير، فنقتصر على هذا.
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أحدث في أمرنا)) في أمرنا يعني في ديننا، في شرعنا، فالإحداث لا يقبل في الدين ما ليس منه البتة، مهما كان الدافع له، ولو كان الدافع له الإخلاص ونية الإخلاص، فالإحداث في الدين ابتداع، فكل عملٍ لم يسبق له شرعية من كتابٍ أو سنة والمقصود بذلك أمور الدين فإنه بدعة، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سبق، وفي اصطلاح أهل العلم: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتابٍ ولا سنة، والبدع كلها ضلالة بدون استثناء، البدع في الدين التي لم يسبق لها شرعية كلها ضلال، وكل بدعةٍ ضلالة، هناك وسائل، أما المقاصد فلا إشكال في أنها غير قابلة لإدخال أي شيءٍ فيها؛ لكن وسائل مثل هذه المكبرات مثلاً؟ محدثة، وتستعمل في عبادة، جمع من أهل العلم توقفوا فيها فلم يستعملوا هذه المكبرات يقولون: نتقرب إلى الله -جل وعلا- بمحدث؟ ما يمكن، وماتوا على ذلك، مع إنهم أئمة وخطباء وعلماء كبار ما استعملوا هذه المحدثات؛ لكن مع الجموع الغفيرة لا شك أن مصلحتها راجحة، ولذا أهل العلم تواطئوا على استعمالها؛ لكن ينبغي أن ننظر إلى القول الآخر أيضاً نظر اعتبار، ليس عارياً عن الصواب من كل وجه؛ لكن الحاجة داعية، فيبقى أنه ينبغي أن يكون استعمالها بقدر الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، ونجد بعض الأئمة يستعمل هذه المكبرات، ويرفع عليها رفعاً يقلق المصلين، ويشوش على الناس، ويستعمل المؤثرات كأنه ملحن، تردد الصوت من أجل إيش؟ الأصل في هذه الأمور المنع، هذه الأمور المحدثة؛ لكن احتيج إليها، إمام ما خلفه إلا اثنين أو ثلاثة يرفع على المكبر المؤثرات وما أدري إيش؟ على شان إيش؟ مثل هذا لا يحتاج إلى مكبر، شيخ عنده خمسة طلاب عشرة طلاب ما يحتاج إلى مكبر؛ لكن كثر الجمع بدلاً من المستملين عند أهل العلم في السابق يحضر جموع غفيرة؛ لكن يبلغ الصوت بالاستملاء، المستملي يقف واحد هنا وواحد هنا وواحد بعيد وثالث ورابع وعاشر بقدر الجمع الذي عنده فيبلغ، يقول الشيخ كذا ثم ينقله الأقرب ثم الأبعد ثم الأبعد وهكذا، فهذه بقدر الحاجة تستعمل.
البدع كلها مذمومة ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو مردود)) يعني مردود، ولو بعث عليه الإخلاص، لا يكفي الإخلاص، لا يكفي حسن القصد، بل لا بد من الشرط الثاني وهو الاتباع، إذاً هل يمكن أن يقال في البدع ما يمدح ويحمد؟ بدع محمودة وبدع مذمومة؟ أو نقول بالقول الآخر بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع مباحة، بدع مكروهة، بدع محرمة؟ الأحكام الخمسة كما قال بعضهم؟ هل هذا التقسيم له وجه؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) كل بدعة ضلالة ونقول: بدعة واجبة؟ هل نقول: بدعة واجبة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) من صيغ العموم؟ من أهل العلم من قال ذلك، وعمدتهم في التقسيم قول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" فنعم من صيغ المدح، والبدعة بدعة، فهذه بدعة ممدوحة؛ لأن نِعْم من صيغ المدح؟ فهل هذا الكلام صحيح؟ الكلام صحيح عن عمر ثابت في البخاري ليس لأحدٍ كلام، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وفي الشرع: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، هل نقول: إن قولنا: بدعة ممدوحة أو محمودة أو بدعة واجبة اختلاف في الاصطلاح العرفي عن الاصطلاح الشرعي؟ يعني نظير ما قال أهل العلم في غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وهم يقولون: غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، هل نقول: أن هذا محادة للرسول يقول: واجب وأن تقول: ليس بواجب؟ أو نقول: أن هذا مما يختلف فيه العرف الشرعي، يعني الاصطلاح الشرعي عن الاصطلاح العرفي؟ يعني لو جاء لك شخص وقال: والله أنا عمري الآن خمسين ستين سنة ما رأيت جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقول: يا أخي أنت ناقضت القرآن، القرآن يقول: إما أنا ما شفت، يقول: أنا شفت جميع أنواع الجمال ما رأيت أصفر الأصفر عنده غير الأصفر المراد بالنص، الأصفر عنده.... إذاً ما في محادة، ومثله: غسل الجمعة واجب، الواجب في هذا اللفظ غير الواجب الذي اصطلح عليه أهل العلم، وهذا تخريج الكلام من أهل العلم، بقي عندنا قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" وهو أمر مشكل، الشاطبي في الاعتصام -رحمه الله تعالى- رد على من قسم البدع إلى بدع مذمومة وبدع ممدوحة وبدع محمودة، رد هذا التقسيم وقوض دعائمه بقوة؛ لكنه حمل البدعة في قول عمر على إيش؟ على المجاز، قال: بدعة مجاز وليست بحقيقة، شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاقتضاء يرى أنها بدعة لغوية وليست بدعة شرعية؛ لكن يرد على كلام الشاطبي أنه لا يوجد مجاز، لا في النصوص ولا في لغة العرب عند أهل التحقيق، شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من المحققين أنه لا يوجد مجاز يشكل عليه، في كلام شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية، تراويح، كما في الصحيح، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قيام الليل في رمضان جماعة ليلتين أو ثلاث جماعة في قيام رمضان وترك هذا القيام لا رغبة عنه، إنما خشية أن يفرض، فهل نقول: أن هذا العمل لم يسبق له مثال سبق؛ لتقول بدعة لغوية؟ سبق له مثال، وسبق له شرعية من السنة، إذاً ليس ببدعة لا لغوية ولا شرعية، كيف نحمل كلام عمر -رضي الله عنه-؟ مجاز ليس بمجاز، بدعة لغوية كما قال شيخ الإسلام ليست بدعة لغوية لأنه سبق لها مثال، وليس ببدعة شرعية اتفاقاً، لأن عمر -رضي الله عنه- لا يمكن أن يمدح بدعة شرعية، وأيضاً سبق له شرعية من السنة فليس ببدعة، يحمل كلام عمر -رضي الله عنه- على إيش؟
طالب:.....
على افتراض؟ افتراض إيش؟ عند أهل العلم تعبير بغير هذا قريب منه، المشاكلة، أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير أسلوب معروف في لغة العرب وفي النصوص الشرعية:

قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه *** قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصا

اطبخوا، مشاكلة، ما طبخ اطبخ {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة؛ لكن معاقبة الجاني سيئة؟ هذه ليست سيئة، إنما هي من باب المشاكلة والمجانسة في القرآن، وعلى هذا حمل بعض العلماء ما ورد من النصوص، ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) قال مجانسة {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] وكثير من النصوص التي جاءت بهذا الأسلوب.
مشاكلة في التعبير كأن قائلاً: ابتدعت يا عمر، هذا ما وجد في عهد أبي بكر، ولا في آخر عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "نعمت البدعة" فهذا من باب المجانسة والمشاكلة في التعبير.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) يعني ليس من الدين، يتعبد بعبادة لم يرد لها فيها شرع، هذا مبتدع، والبدع معروف أنها تتفاوت بحسب قربها وبعدها عن مقاصد الشرع، ونصوص الشارع وعلى حسب الآثار المترتبة عليها، وهناك البدع الكبرى المكفرة المخرجة عن الملة، وهناك البدع المفسقة، وهناك البدع الصغرى، المقصود أن موضوع البدع والابتداع أمر خطير في غاية الأهمية، ويحتاج إلى بحوث ولقاءاتٍ عديدة، بعض المبتدعة الكبار، كبار المبتدعة الفارابي مثلاً جاور في آخر عمره بمكة، وهو معروف وضعه، جاور بمكة، إيش هذه المجاورة؟ جاور يصوم الدهر؛ لكن على ما يفطر؟ قالوا: أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، هذه مجاورة؟ هذا زيغ، هذا ضلال، شخص وصف بأنه من أهل الصيام والقيام من العباد والزهاد، يقول أحمد أمين في مذكراته: أنه فقده يقول: درسنا في مدرسة القضاء الشرعي فقدته مدة سنوات طويلة فسافرت إلى تركيا فوجدته قد اعتزل الدنيا، يقوم الليل، ويصوم الدهر؛ لكن متى يصوم؟ يبدأ الصيام من الضحى، من الساعة تسع، لماذا؟ يقول في الشقة التي تحت السكن الذي يسكنه عائلة مدري قال: يهودية أو نصرانية ويخشى أن يزعجهم إذا قام يعد السحور؟ هل هذا اتباع؟ يا إخوة الضلال لا نهاية له، والبدع يجر بعضها بعضاً حتى ينسلخ الإنسان من دينه وهو لا يشعر، فعلينا أن نتبع، فقد كفينا ولله الحمد، كل ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما تحتاجه الأمة نقل إلينا نقلاً صحيحاً لا شك فيه ولا مرية، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- الذي فيه العصمة والمخرج من الفتن، وعلينا أيضاً أن نعنى بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- لنعبد الله على بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] أما الذي لا يتبع هذا شأنه، والله المستعان.
فلا شك أن هذا الحديث مع الحديث السابق ميزان للأعمال الظاهرة والباطنة، فالحديث الأول ميزان للأعمال الباطنة، والحديث الثاني ميزان للأعمال الظاهرة، وعلينا أن نعنى بالأمرين معاً ظاهراً وباطناً، يوجد وهذا مع الأسف الشديد يحسه الإنسان في نفسه العناية ببعض الأمور الظاهرة، أما أمور الباطن وأعمال القلوب فنحن في غفلةٍ تامة عنها، إذا نظرنا إلى الخوف من الله -جل وعلا-، إلى الخشية منه، إلى التوكل عليه، إلى الصبر إلى المصائب، إذا اختبرت بعض الأخيار صفر في هذه الأمور، فعلينا أن نعنى بالباطن كعنايتنا بالظاهر، إن لم تكن أشد، فالمعول على القلوب وأعمال القلوب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء] نحتاج إلى علاج هذه القلوب، نحتاج إلى أن نزلي هذه الشحناء، وهذه البغضاء، وهذا التنافس والتدابر والتقاطع، نحتاج إلى ذلك، نحتاج إلى تصفية القلوب على مراد الله -جل وعلا-، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان.

أم الخطاب78 15-11-09 02:36 AM

الحديث الثالث: وعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)) [رواه مسلم].
هذا الحديث، حديث تميم الداري وليس له في البخاري شيء من الأحاديث، وليس له من الأحاديث في مسلم إلا هذا الحديث، ليس له في مسلم إلا هذا الحديث يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث الجساسة النبي -عليه الصلاة والسلام- يرويه عن تميم، فمما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لتميم الداري هذا الحديث فقط في صحيح مسلم، وهذا الحديث كسابقيه يحتاج في شرحه إلى دروس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة)) ثلاثاً، هذا التكرار يوجد في الصحيح أو لا يوجد؟ وين الحفاظ؟ مكرر ثلاثاً؟ التكرار هذا لا يوجد في مسلم، والمؤلف -رحمه الله- قلد النووي في التكرار وفي العزو، إنما يوجد هذا التكرار في المستخرج، مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، بعض الناس يعتمد على المستخرجات، نبي نطلع قليلاً عما يحتاجه الحديث، بعض المؤلفين يعتمد على المستخرجات ويعزو للكتب الأصلية، فهنا اعتمد على المستخرج وعزي إلى الكتاب الأصلي، وهذا الذين ينشدون الدقة في العزو والتأليف هنا مختل، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- قلد النووي في الأربعين، وإلا فالأصل أن التكرار لا يوجد في مسلم، فكيف نقول: رواه مسلم؟ يوجد في المستخرج على صحيح مسلم، والمستخرج معروف تعريفه، الذين لهم عناية بالسنة، يعرفون معنى الاستخراج، وهو أن يعمد الإمام أو الحافظ إلى كتابٍ من كتاب السنة الأصلية فيخرج الأحاديث من طريقه هو بأسانيده هو، من غير طريق صاحب الكتاب، وبعض المؤلفين كالبيهقي مثلاً، الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ابن الأثير في جامع الأصول، ينقلون عن المستخرجات ويعزون إلى الأصول؛ لكن هذا ينبغي أن يجتنب، إذا أردت أن تعزو لمسلم ارجع إلى مسلم، وانقل من مسلم بالحرف؛ لأن الذين يجوزون الرواية بالمعنى وهم الجمهور، قالوا: تجوز الراوية من الحفظ بالمعنى، أما من الكتب المدونة، الحديث المكتوب لا تجوز روايتها بالمعنى؛ لأن الوصول إلى اللفظ متيسر، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

واستخرجوا على الصحيح كأبي *** عوانةٍ ونحوه فاجتنبِ
عزوك ألفاظ المتون لهما *** إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما

خالف المستخرج الصحيح هنا، فكيف أعزوه للصحيح؟ فلا بد من الرجوع إلى المصدر الذي يراد النقل منه، فالدقة والتحري أمر لا بد منه، ولا شك أن تكرار النصيحة، وأنها هي الدين لأهميتها.
((الدين النصيحة)) الدين النصيحة هذا الأسلوب تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يدل على الحصر، فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حصر الدين بالنصيحة، كما حصل نظيره في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) الحج عرفة فقط وإلا هناك أعمال غير عرفة؟ في أعمال غير عرفة، ((الدين النصيحة)) في أعمال غير النصيحة وإلا ما في أعمال؟ في أعمال غير النصيحة؛ لكن يمكن حمله على الحصر الحقيقي بدلاً من الحصر الإضافي، إذا قلنا: أولاً: النصيحة: فعيلة من النصح وهو التخليص، أقول: نصحت العسل إذا خلصته من الشوائب، وتقول: نصح زيد الثوب بالمنصحة، يعني خاط الخرق الذي في الثوب بالإبرة، الإبرة هي المنصحة؛ فكأن الناصح يرقع هذه الخروق وهذه الفتوق في نفسه وفي غيره، فلا شك أن من تدين بالدين فقد نصح نفسه.
(الدين النصيحة) إذا قلنا: أن الدين هو النصيحة، إذا جعلنا الدين بخصاله من الإسلام والإيمان والإحسان هو النصيحة فيكون الدين على أسلوب الحصر في أسلوب المعاصرين نقول: الدين يساوي النصيحة، قصرت في بعض الأعمال؟ إذاً اختلت النصيحة وتبعاً لذلك اختل الدين، وإذا اختل الدين فقد اختلت النصيحة، إذاً الدين هو النصيحة، نعم قد يفهم الإنسان من النصيحة أنك ترى على فلان مخالفة، أثر مخالفة مثلاً تذهب تكلمه أنت في تصورك أن هذا شيء من الدين، شيء من متطلبات الدين صحيح؛ لكن أنت إذا تصورت من جهةٍ أخرى أن النصيحة إذا أخذتها بعمومها وشمولها و(أن) هذه جنسية يدخل فيها جميع الدين، يعني إذا فعل محظور، إذا فعل الشخص محظور هل حقق النصيحة لنفسه قبل غيره؟ ما حقق النصيحة، إذاً ما حقق النصيحة ما حقق كمال الدين، إذا ترك مأمور كذلك، فإذا أردنا أن نقول: أن النصيحة بعمومها وشمولها تساوي الدين، وأي قدحٍ في النصيحة قدح في الدين، من هذه الحيثية يكون الحصر حقيقي؛ لكن إذا حملنا النصيحة على معناها العرفي، وهي بذل النصح للمنصوح، وحيازة الحظ له، قلنا: أن القصر إضافي وليس بحقيقي، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) إذا قلت: الشاعر زيد أو الشاعر حسان، هذا حصر إضافي لأن في شعراء آخرون كثر، حصر إضافي، وهنا إن حملت على معناها العرفي وهو إضافي، وإن حملتها على عمومها فهو حصر حقيقي.
(النصيحة) لا يوجد كلمة واحدة يعبر بها عن المقصود، عن مقصود الحديث غير هذه الكلمة فهي جامعة لجميع خصال الدين، وجميع أنواع النصح، وجميع المنصوحين، كما قالوا: في الفلاح، لا يوجد شيء يجمع خيري الدنيا والآخرة مثل كلمة الفلاح.
((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قالوا: يعني الصحابة، كعادتهم، يبادرون بالسؤال عما يشكل عليهم، كثير من الناس تجد يمر عليه الأمر في غاية الأهمية، ويخفى عليه حقيقته ما يفهم، ولا يستوضح؛ لكن لو كان هذا من أمور الدنيا، مساهمة وإلا اشتراك في شيء ذهب يبحث عن حقيقة الأمر، وعن مردوده، وعن نسبة النجاح ونسبة الربح؛ لكن يأتيه الأمر من دين الله في غاية الأهمية يخصه ومع ذلك لا يبحث عن كيفية تطبيقه، وهنا ليطبقوا مفاد الحديث قالوا: لمن يا رسول الله؟ لأن التعميم قد لا يستوعبه كثير من الناس، فلا بد من التحديد والتعيين، قالوا: لمن يا رسول الله؟ وهذا من حرصهم على الخير، قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) لخمسة: لله، كيف تنصح لله؟ الآن النصيحة مردودها وفائدتها للناصح أو للمنصوح؟ العرفية فائدتها للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يبيع داره بكذا؟ تذهب تنصحه تقول له: الدار ما تنباع وأنت ما أنت لاقي مثله، هذا حياز الحظ له للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يزوج بنته من فاسق من فاجر شخص ليس بكفءٍ لها، ذهبت تسدي إليه النصيحة، جاءك يستشيرك فأسديت له النصيحة، الفائدة للمنصوح، والعائد بالدرجة الأولى للمنصوح؛ لكن إذا كانت النصيحة لله؟ الله -جل وعلا- ليس بحاجة لمثل هذا، علام نحمل النصيحة لله -جل وعلا-؟ وهذه النصيحة وإن جاءت في النص أنها لله -جل وعلا-، إلا أن عائدها للناصح، والله -جل وعلا- غني الغنى المطلق عن أفعال عباده، النصيحة لله: اعتقاد أنه هو الرب الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، واعتقاد أنه المستحق للعبادة بجميع أضربها وصنوفها، وأنه لا يجوز أن يصرف شيء من أنواعها لغيره، واعتقاد وإثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه من أسماء الجلال ونعوت الجمال والكمال من الأسماء الحسنى والصفات العليا، هذه النصيحة لله -جل وعلا-، هو أن يعبد -جل وعلا- على مراده، إذاً هذا النصيحة حيازة الحظ للمنصوح أو للناصح؟ للناصح {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم}
[(111) سورة التوبة] اشترى هل هذا مثل ما يشتري زيد العبد الفلاني ليخدمه؟ لا لا، اشتراه لنفسه، فالله -جل وعلا- غني عن خلقه، فهذه حيازة الحظ للناصح على أن يعبد الله -جل وعلا- على ضوء ما شرع، وأن يعتقد فيه الاعتقاد الصحيح الموافق للكتاب والسنة على ضوء ما جاء عنه، وأن يثبت له ما يليق بجلاله وعظمته مما أثبته لنفسه.
النصيحة لكتاب الله -جل وعلا- وهو القرآن المحفوظ بين الدفتين من الزيادة والنقصان، والنصيحة له بأمرٍ يعود للناصح، بأن يعظم، ويقرأ، ولا يهجر، وأن يعمل به ولا يخالف، يقرأ على الوجه المأمور به، يحفظ، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت]
وهو أيضاً نعتقد أنه كلام الله، وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأن من قام يقرؤه كأنه يخاطب الله -جل وعلا-، فنقرأ القرآن، نحفظ القرآن، نقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل بنية الإفادة والاستفادة، بالعمل بما جاء به من أوامر وترك ما نهى عنه، وهذا الكتاب شأنه عظيم، وثواب قراءته جزيل من الله -جل وعلا-، الحرف بعشر حسنات، يعني هذا أقل تقدير، هذا أقل تقدير الحرف بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، بحسب ما يقر في القلب من تعظيم لحرمات الله -جل وعلا- وحدوده والإخلاص والمتابعة بقدر هذا يؤجر الإنسان، ولسنا بحاجة إلى بيان فضل القرآن، وفضل تلاوة القرآن، وحفظ القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن هذه نصوصها مستفيضة لا تخفى على طالب علم.
(ولكتابه ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-) الرسول النبي المصطفى الإمام القدوة المجتبى -عليه الصلاة والسلام-، تكون النصيحة له بتعظيمه وتوقيره وتعزيره والاقتداء به والائتساء به والائتمار بأوامره واجتناب ما نهى عنه مبلغاً عن ربه -جل وعلا-، المقصود أن النصيحة له اتخاذه قدوة في كل ما أمر به، اجتناب كل ما نهى عنه وفعل جميع ما فعله على مراده وعلى هيئته وكيفيته، كما سيأتي في حديث: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ((خذوا عني مناسككم)) {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب]
نعم هو الأسوة وهو القدوة، ومن تعظيمه تعظيم سنته -عليه الصلاة والسلام-، والانتصار لسنته وتعليم سنته، وتعلم السنة وتعليم السنة والعمل بها والذب عنها والرد على كل من يتطاول عليها، وقد كثروا في هذه الأزمان المتأخرة لا كثرهم الله، (ولرسوله) ولا يتم الاقتداء به والائتساء به إلا بإدامة النظر في سنته، وفي سيرته، وفي شمائله -عليه الصلاة والسلام-، وفي خصائصه، وفي معجزاته ودلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، كثير من الناس لا يجد في قلبه من التعظيم للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يوجد، وسبب هذا البعد عن السنة، البعد عن السنة، البعد عن دراسة السيرة والمواقف منه -عليه الصلاة والسلام-، المواقف المشرفة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا، ومع ما جاء في تعظيمه وتوقيره إلا أنه لا يجوز بحال أن يصرف له حق من حقوق الله -جل وعلا-، فلا إفراط ولا تفريط، لا يجوز أن نغلو به -عليه الصلاة والسلام-، أو نبالغ في رفع مقامه عن المكانة التي أنزله الله -جل وعلا- إياها، وهو سيد البشر، وأفضل الخلق، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، مناقبه -عليه الصلاة والسلام- وشمائله ومعجزاته ودلائل نبوته كثيرة جداً، علينا أن نُعنى بها؛ لكن لا يجوز أن نصرف له شيئاً من حقوق الله -جل وعلا-((ولأئمة المسلمين)) أكثر العلماء على أن المراد بالأئمة الولاة، الحكام، ومنهم من يرى أن المراد بأئمة المسلمين العلماء، ولا يمنع أن يراد الحكام والعلماء؛ لأنهم كلهم أئمة، وكلهم أهل أمرٍ ونهي، فنصح الأئمة الذين هم الحكام يكون بطاعتهم والانطواء تحت لواءهم، والجهاد تحت رايتهم، والصلاة خلفهم، والدعاء لهم، وبذل النصح لهم، بذل النصح لهم، يدخل دخول أولي من باب النصيحة لهم؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف ولا يترتب عليه أثر سلبي؛ لأن الأئمة ليسوا بمعصومين يحصل منهم مخالفات كما يحصل من غيرهم، يقع منهم المنكرات كما يقع من غيرهم، والمطالبة بالإنكار عامة، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه)) ينكر على كل أحد يرتكب منكر لكن بالأسلوب الذي يحقق الغرض، يزيل المنكر، ولا يترتب عليه منكر أعظم منه، يعني إذا أردت أن تنكر منكر ترتب عليه منكر أعظم منه أفسدت أكثر مما أصلحت، فعليك أن تسلك الأساليب المجدية النافعة، تقول: والله ما لي قدرة أنصح الكبار، أنا ليست لي وسيلة إلى الوصول إليهم، بلغ من فوقك، ومن فوقك يبلغ من فوقه، ومن فوقه يصل إليهم وينصحهم، يبذل لهم النصيحة، قد يقول قائل: بعض المنكرات ميئوس منها إيش أنصح وبعدين ثم ماذا؟ نصحنا نصحنا، نقول: يا أخي لا تستعجل النتائج، النتائج ليست بيدك، أنت مأمور بالإنكار، تستطيع تنكر بيدك لا بأس هذا الأصل، إن لم تستطع بلسانك، لم تستطع بقلبك، الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، تقول: هذا المنكر من سنين والناس يطالبون بتغييره ما تغير، النتائج ليست بيدك، عليك بذل السبب أنت أمرت بأمر ائتمر به، ليس لك ما وراء هذا الأمر، والغيرة مطلوبة من المسلم، ودليل على صدق إيمانه، والذي لا يغار على حدود الله ومحارم الله هذا يخشى عليه، الذي لا ينكر المنكر ولا بقلبه هذا ليس وراء ذلك من الإيمان شيء، فالذي لا يغار هذا يخشى عليه، طيب الذي يغار بقدر المطلوب من الغيرة، يعني هل الدين يأتي بمثل أن ترى شخص سكران فتضرب رأسه بخشبة حتى يموت؟ تقول: باعثه الغيرة، قد يكون باعثه الغيرة؛ لكن وش الإنكار هذا؟ غيرة مذمومة؛ لأن الخلائق والصفات والشمائل التي طلبها الشرع لا تخلو من طرفين ووسط، إفراط وتفريط، ودين الله -جل وعلا- في الوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فعلينا أن ننكر، وعلينا أن ننصح؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف، ولا يترتب عليه مفسدة أعظم، بالرفق، باللين، الله رفيق يحب الرفق، يحتاج إلى مثل هذا، لين ولطف ورفق، وهذا على كافة المستويات، اللين والرفق هو المؤثر، أما المنازعة والمشاحنة والمحادة والكلام القبيح والبذيء والخصومات ورفع الأصوات هذه لا تجدي شيئاً.
نعم ولي الأمر الذي بيده التغيير باليد، نعم يأطر الناس أطراً على الحق إذا لم يمتثلوا بكلامه، يأطر الناس على الحق، ويمنعهم من ارتكاب المحرمات، يأطرهم على فعل الواجبات، لكن آحاد الناس ليس له ذلك، إنما غايته أن يبذل النصيحة، ولا يقصر في هذا الباب، ولا ييأس ولا يقنط، بل عليه أن يمتثل ما أمر به والنتائج بيد الله -جل وعلا-، يبذل السبب والمسببات بيد المسبب -جل وعلا-.
((ولأئمة المسلمين)) هذا بالنسبة للحكام، أيضاً ينص أهل العلم في هذه المسألة سواءً كان الأئمة الحكام أو العلماء، أيضاً العلماء قد أدرجوا في هذا من تمام نصحهم أخذ العلم عنهم، وتعظيمهم وتوقيرهم وتقديرهم في حدود ما أمر الله به ورسوله، واستفتاءهم وعدم تنقصهم والحط من شأنهم وقدرهم، ولو أخطأ، يعني في معصوم، الخطأ من تمام النصيحة أن تبين له بالأسلوب المناسب، ما تقول يا شيخ: أخطأت، فضلاً عن كونك في المجالس تقول: أخطأ فلان، وأنت ما قدمت له كلمة، ما تواجه تقول له: يا شيخ أخطأت، هذا الأسلوب لا يناسب، تسأله على سبيل الاستفهام، يا شيخ ما حكم كذا؟ إذا أجابك بما نقل إليك عنه من خطأ تقول: لو كان في هذه المسألة كذا، ألا يفهم من قوله -جل وعلا- كذا؟ ألا يفهم من الحديث كذا؟ بالأسلوب الذي يحقق المصلحة، ومع الأسف الشديد أنه يوجد في المجالس من بين طلاب العلم الكلام لا يصل إلى المنتقد مع الأسف الشديد، ينتشر بين الناس والمنتقد ما دري، لا سيما إذا كان الكلام في الأئمة المقتدى بهم أهل العلم والعمل الذي يسعى أعداء الإسلام لإسقاطهم، وتنزيل قدرهم، فنفقد القدوات، يعني إذا خسرنا الكبار ماذا نكسب؟ فيمن نقتدي، إذا خسرنا العلماء أهل العلم والعمل، والعدو يفرح بمثل هذا، في تضييع الناس، فإذا كان أهل العلم يفتون بأنه يحرم البقاء في بلدٍ ليس فيه عالم يوجه الناس ويفتي الناس وينصح الناس، فكيف إذا وجد علماء لكن وجودهم مثل عدمهم أسقطوا على مصطلح بعض الناس؟ هذه كارثة، وما أوتي المسلمون في أقطار الأرض إلا بهذه الطريقة، نعم علينا أن نعتقد جازمين أنهم ليسوا بمعصومين، يحصل منهم الخطأ، يحصل منهم الزلل، تحصل الهفوات، ليسوا بمعصومين؛ لكن إيش المانع أنه يناقش، يناقش من أخطأ، من تمام النصيحة أن يناقش، وأيضاً يؤكد أهل العلم شراح الحديث في هذه المسألة أن لا يغروا بالثناء الكاذب، الإمام الفاعل الدارس العلامة شيخ الإسلام مفتي العنان مفتي الفرق وبعدين؟ تجده ما يصل ولا إلى مرتبة عالم، هو طالب علم ما زال، ثم تضفى عليه هذه الألفاظ وهذه الأوصاف ثم يغتر بنفسه يصيبه شيء فيهلك، يغتر به الناس فيضلوا، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ننزل الناس منازلهم، فلا إفراط ولا تفريط، نعم من أهل العلم من أهل الخير من أهل الفضل، من أهل الصلاح، فلا نذمهم ونبين مثالبهم أمام العامة، ولا نغلو بهم ونمدحهم أكثر من واقعهم فنغرر بهم.
((وعامتهم)) وعامة المسلمين المراد من سوى من ذكر هؤلاء تبذل لهم النصيحة، يوجهون، يسددون، يبين لهم ما يحتاجون من أحكام في العبادات، في المعاملات، في الأمور التي يحتاجونها، وهذا من نصيحتهم، إذا وجد مخالفة عند شخص بينت له بالأسلوب المناسب، إذا استشارك في أمرٍ من أموره الخاصة تمحضه النصيحة، وتحب له ما تحب لنفسك، ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) هناك مسائل جزئية قد تحب لفلان ما لا تحبه لنفسك، وقد تنصح فلاناً نظراً لمصلحة العامة، وإن كان ليس في مصلحته الخاصة، مثال ذلك شخص جاءك شخص من زملائك أو من طلابك، يقول: أنا والله رشحت للوظيفة الفلانية، ورشحت للقضاء، الفرار من القضاء التحذير من القضاء، القضاء مزلة قدم هذا ثابت ومعروف مسألة هذه الأمة؛ لكن إذا دعاك شخص أنت لا ترضى القضاء بنفسك، فهل تقول: أنا ما أرضى القضاء لنفسي لا أرضاه لك، والأمة مضطرة إلى وجود قضاة؟ هنا نرجح المصلحة العامة فنقول: لا يا أخي هذا يتعين هذا لا بد منه، إن لم يقم به أنت وأمثالك من يقوم به؟ إذا كان كفءً لذلك تقدم المصلحة العامة على مصلحته، إذا لم يكن كفءً لذلك فلا تقدم مصلحته على مصلحة العامة، لو جاء شخص فرح وعينته بالقضاء، دين ودنيا، وترى مصلحة الأمة لا يتولى مثل هذا تمحضه النصيحة، يا أخي السلف ضربوا على القضاء ما قبلوا، أئمة الإسلام كلهم هربوا من القضاء وتركوا القضاء، فالنصيحة قد تختلف من شخصٍ إلى آخر، فهذا ينصح بالقضاء وهذا يحذر من القضاء نظراً للمصلحة العامة، فهذا أيضاً وإن كان فيه من جهة عدم نصح له إلا أن في نصح للعامة، لعامة المسلمين وللأئمة بكاملها، وهو أيضاً نصح له إذا لم يكن كفءً لذلك.
والحديث الكلام فيه يطول جداً؛ لأنه يمكن أن ينتظم جميع الأبواب أيضاً، يمكن إدخال جميع الأبواب تحت حديث (الدين النصيحة) لأن الدين يشمل خصال الدين كلها، الإسلام والإيمان والإحسان، يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، يشمل ما يتعلق بالخالق وما يتعلق بالمخلوق، المقصود أن فيه من العموم والشمول ما يجعلنا نقتصر على هذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-11-09 11:00 AM

تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار
 
شرح جوامع الأخبار (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنْقُصُ منه، فلما وَلَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" هو يريد الجنة، ويريد أقرب طريق يوصل إلى الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) توحد الله -جل وعلا-، لا تشرك معه في أي نوع من أنواع العبادة معه شيئاً، تعبد الله، تحقق الهدف الشرعي من وجودك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ((ولا تشرك به شيئاً)) لأنك قد تأتي بجميع أنواع العبادة وتصرف شيئاً منها لغيره فلا تنفعك حينئذٍ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، تعبد الله هو معنى المثبت (إلا الله)، ولا تشرك به شيئاً هو معنى المنفي في كلمة التوحيد (لا إله) وكلمة التوحيد هي أعظم كلمة، أعظم مشهودٍ عليه، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] شهدوا على هذه الكلمة التي هي أعظم مشهودٍ به، وشهد عليها أعظم الشهود وهو الله -جل وعلا- الخالق، وأعظم الشهود من خلقه الملائكة وأهل العلم، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، الشرك ومنه الأكبر والأصغر والأكبر الذي لا يغفر، الموجب للخلود في النار أمره خطير، والشرك الأصغر أيضاً شأنه عظيم في الشرع، وقد قرر جمع من أهل العلم أن الشرك بنوعيه غير قابل للمغفرة، لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] (أن يشرك به) يدخل به الشرك الأكبر والأًصغر، فلا بد أن يعذب سواء كان شركه أكبر أو أصغر؛ لكن من كان شركه أكبر يخلد، ومن كان شركه أصغر يعذب بقدر ما اقترف ثم يخرج من النار، وجمع من أهل العلم يرون أن حكم الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر، داخل تحت المشيئة.
((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) هذه دعائم الإسلام، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله)) وهي في الحديث معناها في قوله: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) ((وإقام الصلاة)) وهو يقول: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) بقي الحج، فإما أن يكون قبل فرضه، قبل أن يفرض الحج، أو يكون هذا الشخص عرف من حاله أنه غير مستطيع للحج، وإلا فالحج هو المتمم للأركان الخمسة، كما جاء في حديث سؤال جبريل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) وغيرها مما يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام كالأركان الأربعة.
((تقيم الصلاة المكتوبة)) وهي الصلوات الخمس، وما أوجبه الله -جل وعلا-، وهنا يراد به الصلوات الخمس، أما ما وجب لأمرٍ عارض مما اختلف فيه أهل العلم كالعيد والوتر والكسوف هذه مختلف في وجوبها، والجمهور على استحبابها، الذي يدخل الجنة (إقامة الصلاة المكتوبة) وهل هناك فرق بين الإقامة والأداء؟ لأنه قال: ((تقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة)) تقيم الإقامة والاستقامة لا بد أن يكون هذا المقام قويماً مستقيماً، يُبتغى به ويراد به وجه الله -جل وعلا-، وموافق لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فليس معنى إقامة الصلاة مجرد أداؤها على الوجه المسقط للطلب المجزئ وإن اشتمل على مخالفات أو لم يتحقق فيه لب الصلاة وهو الخشوع، (تقيم الصلاة) هذا الشخص الذي خرج من صلاته وليس له منها شيء، نعم ما يؤمر بإعادتها؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط؛ لكن هل يدخل في هذا الحديث، هل مثل هذه الصلاة التي خرج صاحبها بالعشر من أجلها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ لا، يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، كثير من الناس -والله يعفو ويسامح كثير من طلاب العلم ونحن منهم- ندخل الصلاة ونخرج كأننا ما عملنا شيء، لب الصلاة، حضور القلب، الخشوع، الانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، هذا لا يكاد يوجد، ولذا تجد الإمام خلفه خمسة صفوف يخطئ في القرآن، ويخطئ في عدد الركعات ويسهو كثيراً ما يجد من يرد عليه، وكثير من المصلين إذا سلم الإمام تقول: وش قرأ؟ ماذا قرأ الإمام وهو من الحفاظ ما يجيبك بشيء، والله ما يدري وش قال؟ فإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، نحتاج إلى إقامة الصلاة، لا بد أن نفقه كيف نقيم الصلاة في ظاهرها وباطنها، كيف نخرج منها بالأجر الكامل.
((وتؤدي الزكاة المفروضة)) هناك تقيم، وهنا تؤدي للفرق بينهما؛ لأن الزكاة مال ينتزع من هذا المبلغ، ويدفع إلى المستحق، ما يختلف في فلان عن فلان، فلان أداه بنفسه، أداه بشيك، أداه بنقد، أعطاه فلان، قال ادفعه لفلان، حول الحساب، ما يختلف، تؤدي المقصود أنك تؤديها إلى مستحقها، من أحد الأصناف الثمانية، أما تقيم لا، يختلف، الزكاة المفروضة مكتوبة، وإن كان الكتب والفرض عند أهل العلم يدلان على الوجوب ولا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، إلا أن الألفاظ توحي بأن هناك فروق تدل على أن الكتب آكد من الفرض، ولذا جاءت الصلاة لأنها أهم الأركان بكونها مكتوبة، والزكاة وهي التي تليها بكونها مفروضة. ((وتصوم رمضان)) يعني تصوم شهر رمضان إذا شهدت الشهر وثبت عندك دخوله يجب عليك أن تصوم {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وهذا ركن من أركان الإسلام، والأركان الخمسة عند أهل العلم الركن الأول الذي لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فالذي لم يأت في الركن الأول هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، من ترك الركن الأول أو الركن الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس الأول تركه كفر على القول المعتمد والمفتى به، وهو المعروف عند الصحابة، وأما بقية الأركان العملية فتكفير تاركها وتارك واحدٍ منها محل خلافٍ بين أهل العلم، نقله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان؛ لكن الجمهور على عدم كفر تارك أحد هذه الأركان إلا أنه يبقى أنه على خطرٍ عظيم، خطر عظيم دعامة من دعائم الإسلام، ركن من أركان الإسلام، لا يثبت قدم الإسلام إلا عليه ويترك، وحينئذٍ يتساهل المسلم فيه؟ لا يعني أن كون الإنسان لا يكفر بترك الصيام أو بأداء الزكاة أن الأمر سهل، لا، الأمر عظيم خطير في غاية الخطورة؛ لكن فرق بين أن يكفر الإنسان وبين أن يقال له: أن هذا عمل عظيم وشنيع وقد يؤدي به إلى الخروج من الدين، وهو لا يشعر إذا استخف بهذه الأمور العظيمة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الكفر شأنه عظيم عند أهل العلم.
قال: "والذي نفسي بيده" أقسم هذا الأعرابي بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((والذي نفسي بيده)) ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقسم على الأمور المهمة صدر من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة، يقسم على الأمر المهم، ولو لم يستحلف، ولا يعارض هذا قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لأن هذا أمر مهم، فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في الأمور غير المهمة، فللإنسان أن يحلف ولو لم يستحلف.
"والذي نفسي بيده" قسم والواو واو القسم، والذي نفسي بيده مقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، بعض الشراح يقول: "والذي نفسي بيده" يعني روحي في تصرفه، لا شك إن كان هذا القائل ممن لا يعرف بإثبات الصفات ينكر عليه، نقول: تأويل هذا، وإذا كان ممن ينكر اليد لله -جل وعلا- لأنه قال بعضهم "والذي نفسي بيده" روحي في تصرفه، يعني فسر باللازم، ولا يوجد أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، وهذا من لازم كون النفس التي هي الروح باليد، فإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها، والتأويل مذهب الخلف الذي حادوا عن الجادة، وارتكبوا التأويل، وحرفوا النصوص، ونفوا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا" يعني مما ذكر، يعني ولا الحج، يعني ولا الحج، لماذا؟ لأنه لم يلزمه الحج أو لم يكن الحج قد فرض، أو نقل وتركه بعض الرواة، يعني وجد في بعض الروايات.
"لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" أقسم أن لا يزيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) هذا مدح وإلا ذم؟ مدح، لكن لو قلت لك: قم يا فلان أوتر، الآن جوف الليل الثلث الأخير صلي لك ركعتين بين يدي الله وأوتر، ثم أقسم أن لا يوتر، يذم وإلا ما يذم؟ يقول الإمام أحمد: "من ترك الوتر رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته" وهذا أقسم أن لا يزيد على المكتوبة خمس، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ تقول: واحد يقول: صيام عرفة يكفر سنتين، يقول: والله ما أصوم، طيب صيام يوم عاشوراء والله ما أصوم، الصدقة؟ قال: أنا والله دافع الزكاة بالملي، بالقيراط، بالقطمير، والله ما أزيد هللة؟ يذم وإلا ما يذم؟ لكن هنا قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" هذه أشكل على كثير من أهل العلم كيف يحسن من لا يزيد من الطاعات، وهذه الطاعات مهما أتى بها لا بد من وجود الخلل الذي يكمل بالنوافل، فالإنسان محتاج إلى النوافل على ما سيأتي، محتاج حاجة ماسة للنوافل ليكمل هذه الفرائض، وهذا يقسم أن لا يزيد ويمدح؟! ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فإما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف بالوحي أن هذا الرجل لن ينقص شيء بالفعل، فإذا أتى بما افترض الله عليه بحذافيره بحيث لا ينقص منه شيء استحق الجنة، ومنهم من قال أن المعنى: "والله لا أزيد على ما افترض الله عليّ شيء" ما أزيد على الصلوات المكتوبة هذه، ما أجعل الظهر خمس، ولا أنقص منها ما يجعلها ثلاث، ما أزيد على الفجر أخليها ثلاث أو واحدة أو أنقص، وهكذا، فالزيادة في ذات العبادة المفروضة، وبهذا نخرج من الإشكال؛ لكن ينبغي أن ظاهر اللفظ، ظاهر النص يدل على أنه لن يزيد على ما افترض الله عليه، ولذلك المكتوبة المفروضة، تنصيص على رمضان، يدل على أنها مقصودة لذاتها، فلا يزيد عليها من التنقل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن هذا سوف يفي بما التزم به بالوحي، فقرر أنه من أهل الجنة، الذي لا يترك من الواجبات شيء ويترك المستحبات، طبيعة المستحبات أنها لا يعاقب تاركها، فإذا كان لا يعاقب إذاً يدخل الجنة، طيب؟ المحرمات ما لها ذكر هنا، لو عبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأقام الصلاة المكتوبة، وأدى الزكاة المفروضة، وصام رمضان، وصار يزني ويشرب ويرتكب المحرمات، يدخل في هذا الحديث أو لا يدخل؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ هو عبد الله أتى بهذه الأركان الخمسة وحصل منه ما حصل من المحرمات، هل نقول: أن من سره إلى رجل من أهل الجنة، يعني مآله إلى الجنة؟ يفهم هذا الكلام من النص، هل نقول: مآله إلى الجنة، بمعنى أنه لو ارتكب محرمات عذب بقدرها وخرج؟ لا، النص ما يوحي بهذا، ما يفهم من النص هذا، وإن ألجأ إليه هذا الإشكال عند بعض الشراح؛ لكن من أقام الصلاة، من أقام الإقامة غير الأداء، وأدى الزكاة المفروضة لم ينقص منها شيء، وصام رمضان مثل هذا لن يزاول شيء من المحرمات، وإن أصابه شيء من الغفلة بادر ووفق إلى التوبة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إقامة الصلاة على الوجه المأمور به تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً ضمن ارتكاب المحرم بإقامة الصلاة، ما يوفق لأداء الزكاة بدقة وقد ارتكب محرمات، ما يوفق لأداء الصلاة لإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء وقد أخل ببعض الواجبات، الصيام صوم رمضان الهدف من الصيام إيش؟ ذيل آية الفرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] ليش؟ لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يا أخي كيف يتقي وهو صايم رمضان؟ دعونا من صيامنا الذي هو مجرد مظهر شكل، مسقط للطلب، لا نؤمر بإعادة، ولا نأمر بإعادة، لكن الكلام على روح العبادة، هل يتصور أن شخص صائم رمضان لله -جل وعلا- على مراده لم يرفث ولم يفسق؟ هل يتصور أنه يبي يوفق يبي يزاول شيء مما حرم الله، من صام على الوجه المطلوب لا شك أنه سوف يعصم، فإذا أقام الصلاة على الوجه المطلوب نهته عن الفحشاء والمنكر، ويوجد بين كثير من المصلين، كثير من الصوام ارتكاب بعض المحرمات أثناء أداء العبادة، مع الأسف الشديد، تجده وهو صائم يغتاب، تجده يغش، تجده يرتكب محرمات، وهو يصلي، قائم بين يدي الله -جل وعلا-، في أقدس بقعة، وفي أشرف وقت ومكان تجده قد يرتكب محرم، تمر بين يديه امرأة فيتبعها النظرة، أو امرأة يمر بين يديها رجل تتبعه النظرة، وقد أُمر بالغض، تجده يخطط وهو في صلاته لأمورٍ غير محمودة، لماذا؟ لأنها فقدت اللب، وليس معنى هذا أننا نقول: الصلاة هذه بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، مجزئة مسقطة للطلب لا يؤمر بالإعادة؛ لكن القبول شيء آخر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الآثار المترتبة على هذه العبادة يفقدها الإنسان إذا لم يوجد اللب، الخشوع والخضوع تقف بين يدي الخالق مخبت منيب، ولو امتثلنا هذا ما حصل بيننا ما يحصل، تجد الإنسان في طول أيامه مفرط، تارك للسانه العنان يقول ويجرح ويعدل وفلان وعلان ويغتاب وينم، ثم بعد ذلك يريد أن يوفق لأداء العبادات على الوجه المطلوب، تجده مثلاً يسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو ديدنه الكلام في الناس والغش وسوء المعاملات والرفث والفسوق، ويقول: الحج أربعة أيام لن أتكلم بكلمة، لا يستطيع البتة، لا يمكن أن يحضر حج؛ لأنه لا يعان على هذه الأربعة الأيام، ولم يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، هذه أيام شدة لا بد أن يقدم في أيام الرخاء ليعان على الحفظ في أيام الشدة، لا بد، هذا أمر لا بد منه، لا بد أن نجعل هذا نصب أعيننا، تجد كثير من الإخوان فيهم الحفاظ وفيهم الأخيار؛ لكن ما عودوا أنفسهم على نصيب ثابت من كتاب الله -جل وعلا-، يكون ديدناً له في كل يوم ورد يومي لا يتركه سفراً ولا حضراً، ثم بعد ذلك تأتي الأوقات والفرص والمواسم يبي يقرأ القرآن ما يقدر يقرأ، هذا ما تعرف على الله في الرخاء، فنهتم بهذا، نقدم لأنفسنا في أيام الرخاء لنعرف في أوقات الشدة، كثير من الناس نعم صلاة مسقطة مجزئه مسقطة للطلب؛ لكن هل ترتب عليها آثارها؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] وليس نفي القبول نفي للصحة، لا، إنما هو نفي للثواب المرتب على الصحة، الصلاة صحيحة ومجزئة، والله المستعان.

أم الخطاب78 24-11-09 11:03 AM

الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثَّقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل: ((آمنت بالله، ثم استقم)) [رواه مسلم].
الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك" يعني قول لا يحتاج إلى استفهام، ولا استيضاح، قول مختصر أحفظه وأطبقه، يريد كلام جامع لخير الدنيا والآخرة، قول مختصر وجامع يمكن تصويره وتطبيقه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) يعني هل يكفي الشخص أن يقول: آمنت بالله؟ لا بد أن يقول ويفعل، لا بد أن يؤمن بالله -جل وعلا-، يحقق هذه الخصلة العظيمة من خصال الدين وهي الإيمان بالله -جل وعلا-، الذي ربط به صحة الأعمال، ((قل آمنت بالله)) فمعنى هذا آمن الله -جل وعلا-، والإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وبعبارةٍ أخصر: قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالإيمان اعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، فالإيمان مركب من هذه الأمور الثلاثة، يعتقد الإنسان في قلبه، وينطق بلسانه، ويعمل بأركانه، فلو وقر الإيمان في قلبه، واقتنع به وصدق، وآمن بجميع ما يجب الإيمان به؛ لكنه لم ينطق، ما نطق بالشهادة، هذا مسلم وإلا غير مسلم؟ لا بد من النطق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا...)) لا بد أن ينطق، وإلا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فقد يقر الإسلام في قلب العبد والإيمان لكنه لا يتمكن من النطق، إن كان لا يتمكن من النطق بسبب آفة أبكم، تكفي منه الإشارة المفهمة؛ لكن إذا كان ينطق، يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا لا يقبل منه، ولو عرف من حاله ودلت القرائن على أنه وقر الإيمان في قلبه، ويسأل سائل سؤال قديم يقول: شخص من زملائه في بلد أفريقي هذا مسلم يقول: واحد من زملائي في الجامعة نصراني وعليه مما يلبسون، واقتنع بالإسلام، اقتنع قناعة تامة بقي النطق، قلت له: نذهب إلى الشيخ الفلاني لتعلن إسلامك، فذهبوا إلى الشيخ الفلاني فقال الآن: باقي ربع ساعة على أذان الظهر دعوني حتى أتجهز للصلاة وأصلي، وإذا رجعت -إن شاء الله- تعلن إسلامك، يقول: خرجنا من عند هذا الشخص، وإذا في تبادل إطلاق نار فقتل الرجل، يعني مسألة واقعية، هل ندفنه في مقابر المسلمين؟ نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه؟ لا، ما بعد أسلم؟! لا بد أن ينطق، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالله -جل وعلا- يتولاه، لا أحد يحول بين الله -جل وعلا- وبين رحمته لخلقه؛ لكن هذا في أحكام الدنيا ما نطق، فالإيمان عبارة عن القول باللسان والاعتقاد بالجنان، والعمل بالأركان، وجنس العمل كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية ركن من أركان وشرط من شروط الإيمان، لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره فيه أدنى شك يعتقد ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان التي جاءت في حديث جبريل المشهور، لا بد أن يعتقد هذه الأشياء ويؤمن بها، ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره أدنى شك، ولا يحتمل النقيض، (قل آمنت بالله) يكفي؟ ثم استقم، استقم يعني استمر على هذا الدين القويم، وعلى هذا الاعتقاد المستقيم، لا بد من الاستمرار على ذلك، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] لا بد من الاستقامة المستمرة التي لا حد لها ولا تنقطع إلا بانقطاع التكليف، ويوجد من غلاة المتصوفة بعض المراتب لبعض الأولياء الذين ينقطع عنهم التكليف، وهذا ضلال، والله -جل وعلا- يخاطب نبيه -عليه الصلاة والسلام- بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] حتى تموت، حتى يأتيك الموت، وإذا كان هذا بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن دونه لا شك أنه من باب أولى، في آية فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [(30) سورة فصلت] إن الذين قالوا ربنا الله، آمنوا به رباً، خالقاً مدبراً رازقاً، آمنوا بجميع ما يجب الإيمان به، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه، بجميع الأركان، ثم استقاموا على ذلك واستمروا عليه، تتنزل عليهم الملائكة عند الوفاة ألا تخافوا مما أمامكم، تأمين، ولا تحزنوا على ما تركتم، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [(31) سورة فصلت] لا تخافوا مما أمامكم لأنكم آمنتم وأيقنتم وصدقتم وأذعنتم وانقدتم ثم استمر أمركم على ذلك وحالكم إلى أن متم، إلى أن وصلتم إلى هذا الحد، لا تخافوا ولا تحزنوا على ما خلفتم من ذراري وأموال، وكثير من الناس في مثل الظروف التي نعيشها يصرح أنه الآن الحياة ما فيها لذة ولا فيها طعم، تستوي هي والموت؛ لكن إذا تذكر الإنسان أن خلفه صبية صغار أبو سنة وسنتين وبنات يحتاجون إلى رعاية أنت مع وجودك بين أظهرهم على تستطيع أن تدفع عنهم شيء؟ أنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسه فثق بربك واترك، وتوكل عليه، واعتمد عليه، وافعل ما أمرت به، يعني ما هو طلب أو تساوي الحياة والموت والمرجح وهو مجرد وجود هؤلاء الصبية؟ لا، أنت إذا عملت بما أمرت به فلا تخاف مما أمامك، ولا تحزن على ما خلفت، على هؤلاء الصبية لا تحزن لهم من يتكفل بهم؛ لكن ليكن حزنك على نفسك، انظر في حقيقة ما قدمت، هل هو بالفعل يوصلك إلى دار القرار؟ أو فيه ما فيه؟ راجع نفسك، كثير من الناس تجده في المجالس والله لولا هؤلاء البزارين وهؤلاء الأطفال مدري وش يصير عليهم، بهذه الفتن كان الواحد يتمنى الموت، يا أخي ما يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بك، نعم إذا غلب على ظنك أنك تفتن في دينك إذا غلب على ظنك فلا بأس جاءت بعض النصوص ما يدل على ذلك، أما أن تتمنى الموت لأنه قد يحصل لك ما يحصل من نقصٍ في دنياك، لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، وما يدريك أنك تخلف وتبقى مدة تصوم فيها كذا عام، وتصلي فيها كذا فرض، وتنفع نفسك وتنفع غيرك، يمد الله في عمرك أو يمد الله في عمرك فتنفع وتنتفع، وحينئذٍ هذا الكلام لا مجال له، هذه الأيام أيام الفتن لا شك أنها لمن وفق وأسهم في دفع هذه الفتن وفي إنقاذ المسلمين منها لا شك أنه خير له من أيام السعد وأفضل، وأقرب إلى أن تكون منحة سيقت له في هذا العصر الذي تأخر فيه، أما إذا كانت هذه الفتن آثارها عليه بأن يتأثر فيها، ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، مثل هذا لو تمنى أن يكون مكان صاحب القبر لما يغلب على ظنه أنه ليست من أهل التأثير وليس من أهل النفع، بل يخشى عليه أن يفتن في دينه مثل هذا جاء ما يؤيد إذا كان الهدف الخوف على الدين، إذا كان خوفه على دينه فمثل هذا لا مانع أن يتمنى الموت.
هذه أسئلة يا إخوة.
هذا يقول: ما حكم الهجرة من فلسطين في ظل الوضع الحالي؟
البلدان التي نزل فيها العدو الهجرة منها لا شك أنها استسلام وتسليم للبلد للعدو بحيث لا يجد المقاومة ولا يتصور خروجه من هذا البلد في يوم من الأيام، فالأصل البقاء فيها ومقاومة العدو بقدر الإمكان؛ لكن إذا خشي الإنسان أنه يفتن، امرأة قالت: أنا والله لا أستطيع أن أقاوم وأخشى أن يعتدي علي أحد من الكفار وتيسرت الهجرة فتهاجر، أما الذي يستطيع أن يقاوم العدو لا يجوز له أن يهاجر، فلمن تترك بلاد المسلمين، وإذا قيل بهذا فإذا حل العدو ببلدٍ آخر يسلم ويهاجر المسلمون، فإذا حلوا في بلد آخر وهكذا ما يبقى للمسلمين شيء.
يقول: أعاني من الألم بالرقبة وعند التسليم لا أستطيع أن ألتفت يمين ويسار، وأقوم بإلفاف الجسم على أي شيء..
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إذا كنت لا تستطيع أن تدير رقبتك يميناً وشمالاً فتسلم بالنطق مع النية، نية الخروج من الصلاة وما عدا ذلك لا يلزم.
يقول: ما درجة وما صحة حديث: ((أن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة))؟
هذا الحديث لا أعرفه مرفوعاً، لا أعرفه مرفوعاً، فإن كان مأخوذ من واقع المبتدعة، وأنهم لظنهم على حق وأنهم في الغالب لا يوفقون لتوبة فمعناه صحيح، أما مرفوع لا أعرفه مرفوعاً.
يقول: هل تكفي الهجرة من بلدٍ كفر إلى بلد آخر نستطيع أن نظهر فيه الدين، وأن ندخل أبناءنا إلى المدارس الإسلامية مثل بريطانيا أم يجب الهجرة لبلدٍ مسلم مع العلم أن بلداننا في مشاكل كثيرة ومحاربة، هل يجوز لرجل يقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته الذي تزوج في المغرب؟
الهجرة من بلدٍ إلى بلد الأصل أن الهجرة تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هذه الهجرة الشرعية؛ لكن إذا لم يستطع الهجرة إلى بلد الإسلام فهجرته إلى بلدٍ يكون فيه التخفيف على المسلمين ومزاولة عباداتهم أكثر من البلد الذي هو فيه تعين عليه، والمسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن البقاء بين ظهراني المشركين لا يجوز.
يقول: هل يجوز لرجل مقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته التي...؟
نعم، يجوز أن ينيبه عنه بالوكالة يكون وصياً له على بناته.
هل يجوز التبرع بعضوٍ لإنقاذ شخصٍ من الموت؟
أفتى بعض أهل العلم بذلك للمصلحة الراجحة، ولا ضرر يترتب على إن كان ميتاً لا يتضرر؛ لكن المترجح عندي أنه لا يجوز التبرع بعضو لا من حيٍ ولا ميت؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
يقول: نحن في بلاد الكفر وقد بدأنا في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وانتهينا من الأربعين النووية وتكملة ابن رجب، وشرعنا في حفظ عمدة الأحكام ولكن وجدنا... كأنهم وجدوا صعوبة، ما فما هي أفضل وأسهل طريقة لحفظها؟
أولاً: تفهم هذه الأحاديث؛ لأن فهم النص يعين على حفظه، فيقرأ مع هذه الأحاديث بعض الشروح المختصرة، المختصرة جداً، التي لا تعيق عن إتمام الحفظ في أقرب مدة، والعمدة لها شرح مختصر اسمه: (خلاصة الكلام) للشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله تعالى- يعين على فهم الحديث ثم حفظه.
يقول: هل يصدق الوثني إذا أخبرنا أن اللحم مذبوح وفق الشريعة الإسلامية؟
لا يصدق؛ لأنه ليس بثقة، وخبر غير الثقة غير مقبول.
يقول: ذكرتم أن الحاكم والبيهقي فيما يشعر فيه كلامهما وابن العربي اشترطوا العدد لقبول خبر الواحد، أليس قولهم مختص بشرط البخاري في صحيحه؟
كلامهم منه ما يفهم منه الإطلاق، وحُمل بعض كلامهم على ما يتعلق بالبخاري، وعلى كل حال ليس بشرطٍ للبخاري فضلاً عن الإطلاق، الكرماني شارح البخاري في مواضع يقرر أن البخاري يشترط أن يكون الخبر من رواية اثنين عن اثنين على الأقل، وهو يشرح الصحيح ويصادفه أول حديث في الصحيح يرد هذه الدعوة.
الحديث السادس: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)‏)[متفق عليه]‏،‏ وزاد الترمذي والنسائي‏:‏ ‏(‏(والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم)‏)‏ وزاد البيهقي‏:‏ (‏(‏والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله‏)‏)‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) المسلم من اتصف بهذا الوصف، وهو الإسلام الذي لا يقبل الله -جل وعلا- ديناً سواه، من استسلم لله -جل وعلا-، وانقاد له ظاهراً وباطناً، هذا المسلم حقيقته من سلم المسلمون من لسانه ويده، بعد أن قام بالأركان التي استحق بها أن يكون مسلماً، فالمسلم الكامل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتنصيص على بعض الخصال التي هي من مقتضيات الإسلام للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولكون بعض الناس ممن انتسبوا إلى الإسلام يتساهل فيها، فاحتيج إلى التنصيص عليها، المسلم من سلم، والمهاجر من هجر، والمؤمن من أمن، والمجاهد من جاهد، نرى الاتفاق بين الوصف والموصوف، بين الوصف والموصوف، فالمسلم من سلم، فالسلامة في الإسلام، السلامة في الإسلام في الدنيا والآخرة، والأمن في الإيمان وهكذا، ولا شك أن الاشتراك في أصل المادة يدل على الاشتراك في أصل المعنى، ولذا قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وأيضاً التنصيص على المسلمين للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، وأنهم أولى من غيرهم في ملاحظة هذه الأمور، وهي السلامة مما يؤذيهم من قبل إخوانهم المسلمين، وإن كان الوصف لا مفهوم له، وإنما نص على المسلم لكونه أولى ما تنبغي العناية به، وإن كان من دخل في عهد المسلمين وفي أمانهم له من الحقوق ما يوجب عدم التعدي عليهم والإضرار بهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه، في الحديث قال: ((من لسانه)) ولم يقل من كلامه، من لسانه ليشمل ما جميع ما يمكن أن يصدر من اللسان من قول أو حركة؛ لأن المسلم قد يسيء إلى آخر؛ لأن الشخص قد يسيء إلى غيره بلسانه من غير أن يتكلم، يعني إذا كان الشخص يخشى أن يضبط عليه شيء من كلامه ويشهد عليه أساء إلى غيره بلسانه باستهزاء أو سخرة وهمز ولمز بلسانه، فهذا أعم من الكلام، ولذا قال: ((من سلم المسلمون من لسانه)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره بقولٍ أو أي حركةٍ يزاولها بلسانه مما يؤذي غيره به، وعظم الإنسان شأن اللسان وأنه يورد الإنسان موارد الهلاك.

احفظ لسانك أيها الإنسانُ *** لا يلدغنك إنه ثعبانُ
((كف عليك لسانك)) وإنما لمؤاخذون بما نتكلم به قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟)) فاللسان شأنه عظيم، إن تكلم بخير انتفع صاحبه، ونفع غيره، وإن تكلم بشر تضرر صاحبه وإن سكت وكان له في السكوت مندوحة الحمد لله السكوت هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يقول كلمة الحق فأقل الأحوال أن يسكت عن القول الباطل، فاللسان شأنه عظيم وآفاته كثيرة، ومنه تجتمع السيئات الكثيرة؛ لأن حركته أخف من حركة غيره، فالإنسان قد يعصي بلسانه لخفة حركته بحيث لا يحتاج إلى عناء وإلى تعب يفتح هذا الفم ويتكلم، قال فلان وقال علان، وفلان فيه وعلان فيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار.
يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام"، فالعلماء مضطرون للكلام في الناس جرحاً وتعديلاً وقبول للشهادات لا شك أنها مزلة قدم، وهم مع ذلك مضطرون فكيف بشخص لا تدعو الضرورة إلى أن يتكلم في فلان أو علان؟ بحيث يعمل الأعمال الصالحة أمثال الجبال ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، شتم هذا وقذف هذا، أخذ مال هذا، تكلم في عرض هذا، هذا فلان يأخذ من حسناته وفلان من حسناته، والله المستعان، حديث المفلس لا يخفى عليكم، فلننتبه إلى هذا أشد الانتباه، ولنستعمل هذه النعمة، نعمة النطق فيما يرضي الله -جل وعلا-، وهذا هو شكرها، ولو نظرنا إلى فئام من الناس سلبوا هذه النعمة لا يتكلمون، وفي الغالب أن الذي لا يتكلم أصم، فإذا سلب نعمة السمع والكلام في السابق وجوده قريب من عدمه، ورأينا الصم البكم رأيناهم في مواضع الخير لا وجود لهم إلا نادراً؛ لكن الآن وقد تيسرت الأمور يشاركون مشاركةً تامة، التقينا بهم في المناسبات مراراً لا ينقصهم شيء، يفهمون ويعبرون بطرقهم المناسب وبالإشارات لا ينقصهم شيء في كثير من تصرفاتهم أسرع من الذين يتكلمون، فإذا كان هذا الشخص لا يتكلم ولا يسمع ومن العجائب أنه يوجد شخص لا يتكلم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسه، هذا كيف يصل إليه العلم والخير، وقد حضر في مجلس كنت أنا موجود فيه فتكلم بكلمة أثرت في جميع الحاضرين لمدة ساعة، أمر عجب، وهذا شخص تعني تكليفه ما هو مثل تكليف الذي يسر الله له النطق، فلماذا لا نشكر هذه النعمة ونصرفها فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة؟ وبدلاً من القيل والقال، قال الله وقال رسوله، علم الناس الخير، تعلم أولاً ثم علم غيرك، وأسدي النصيحة لغيرك، والله المستعان.
((وبيده)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره، لا على نفسه وبدنه ولا على ماله، ولا على ولده، لا يجوز له أن يتعدى ويظلم غيره، فإذا كف الإنسان لسانه عن إخوانه، كف لسانه عما حرم الله عليه، وكف يده فلم يستعملها إلا فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو فيما يحتاج إليه، وبإمكانه أن يستعمل هذه الحاجة العادية التي يحتاجها في حياته اليومية بمزاولة يده بإمكانه أن يجعلها عبادة بالنية الصالحة، يرفع اللقمة لفمه ليأكل ينوي بها التقوي على طاعة الله عبادة، يضع اللقمة في فيه امرأته يؤجر على ذلك بالنية الصالحة، وكثير من الناس يغفل عن هذا الباب، ولو استحضر النية في جميع تصرفاته لحصل على الأجور مما لا يخطر له على بال، ولكن الناس معطى ومحروم، والإنسان يسعى لإصلاح نفسه، وفيما يخلصها من عذاب الله -جل وعلا-، ومما يقربها من رضوانه.
((والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) عرفنا أن الهجرة هي الترك، وهي في الاصطلاح اصطلاح أهل العلم الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهنا (من هجر) يعني من ترك ما نهى الله عنه، المهاجر من هجر، التارك الحقيقي هو من ترك ما نهى الله عنه، وبهذا يتبين أهمية ترك المحظورات، ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) (إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه) هذا لا خيار فيه، أما المأمور بالاستطاعة، الأمور لأنه إيجاد، والترك لا يصعب إلا عند منازعة النفس شهواتها هذا أمر آخر؛ لكن يتصور أن الإنسان يعجز عن فعل المأمور؛ لكن لا يتصور منه أن يعجز عن ترك المحظور، لهذا يستدل من يقول: أن ترك المحرمات أعظم من فعل المأمورات؛ لأن فعل المأمورات فيه استثناء، ما استطعتم، مقرون بالاستطاعة، بخلاف ترك المحظورات، وهذا سيأتي الكلام عليه لاحقاً -إن شاء الله تعالى-.
متفق عليه، وزاد الترمذي والنسائي: ((والمؤمن من أمنه الناس)) المؤمن وعرفنا أن الاشتراك في أصل المادة، الاشتراك اللفظي في أصل المادة يوحي بالاشتراك المعنوي؛ لأن الاشتقاق بقسميه الأكبر والأصغر فيه اشتراك، نوع اشتراك، ((والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) نعم، المؤمن لا بد أن يحقق أركان الإيمان؛ لكن لا يكمل إيمانه إلا إذا أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، هناك قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وهنا قال: ((المؤمن من أمنه الناس)) يعني من مقتضى المقابلة أن يقول: "من أمنه المؤمنون على دمائهم وأموالهم" لكن المسألة أعم في الأموال والدماء، وهي التي يتصور منها الاعتداء بكثرة، هذا يشمل جميع الناس، مؤمنهم ومسلمهم وكافرهم الذي هو غير حربي ((على دمائهم)) وشأن الدماء عظيم في الإسلام، ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) الدماء شأنها عظيم، وجاء في تعظيم شأن القتل ما جاء من النصوص القطعية من الكتاب وصحيح السنة ما لا يحتاج إلى أن يذكر به مثلكم وأنتم طلاب علم، ولو لم يكن في ذلك إلا آية النساء، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء] ونفي القتل عن المؤمن إلا على طريق الخطأ، هذا الأصل في المؤمن، يخطئ، يريد أن يصيب هدف، يصيب صيد فيقع على مسلم من باب الخطأ هذا يحصل، أما على طريق القصد والعمد فهذا لا يحصل، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [(92) سورة النساء] ولذا أعقبه في الآية الأخرى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] فالقتل شأنه عظيم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68-69) سورة الفرقان] نسأل الله العافية، و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فشأن القتل عظيم في الإسلام، شأنه خطير، ولذا كان القتل عن عمد أعظم من أن يُكفر، من أعظم من أن تكون له كفارة، وعند أهل العلم أن القتل العمد ليس له كفارة، كما أن اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار ليس لها كفارة، لعظم شأنه أعظم من أن يكفر.
((وأموالهم)) والأموال كذلك، وجاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس ووجوب المحافظة عليها، ومنها الدماء والأموال، وعلى كل حال هذا أمر بين واضح لعامة المسلمين فضلاً عن خواصهم، وترخص مثل هذه الأمور وتكثر وتفحش وتصعب السيطرة عليها في أوقات الفتن، نسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا وإياكم الفتن، وجميع بلاد المسلمين ما ظهر منها وما بطن، فالفتن إذا زادت صعب السيطرة عليها، قد يقول قائل: كيف توجد مثل هذه الفتن في أفضل القرون ولا يستطيعون أن يسيطروا عليها؟ خليفة المسلمين أمير المؤمنين صاحب السوابق يقتل في بيته وهو صائم قائم لا ينقذه المسلمون؟ نقول: نعم هذا شأن الفتن، أم المؤمنين التي أوصت كل من جاءها فيمن يبايع قالت: تبايع علي بن أبي طالب، ومع ذلك تخرج يوم الجمل، فيقال -كما في الصحيح-: "والله إنها زوجته في الدنيا والآخرة؛ ولكن الله ابتلاكم" فأمور الفتن شأنها عظيم جداً، فكل مسلم عليه ما عليه في المساهمة لا سيما طلاب العلم المساهمة في التخفيف أو القضاء على الفتن بقدر الإمكان، ((على دمائهم وأموالهم)) وزاد البيهقي: ((والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)) معروف أن الجهاد في النصوص عموماً وحقيقته الشرعية، حقيقته الشرعية بنصوص الكتاب والسنة الذي جاء الثواب العظيم فيه ومن قتل فيه مقبلاً غير مدبر شأنه عظيم أيضاً، وهو شهيد، المقصود به مجاهدة العدو، قتال الأعداء، هذه حقيقته الشرعية في غالب النصوص، وهنا أيضاً من أصل المادة يؤخذ أن من معاني الجهاد جهاد النفس، وجهاد النفس يكون على الطاعة، ويكون أيضاً عن المعصية تجاهد نفسك، وتقهر نفسك، وتمرن نفسك على طاعة الله -جل وعلا- وتأطرها على طاعة الله، وتجتنب محارم الله -جل وعلا-، وحينئذٍ هذا من أعظم أبواب الجهاد، وهذه أيضاً حقيقة شرعية؛ لأن الشارع نطق بها، وقد يكون باللفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، ويدخل الجهاد، جهاد الأعداء في الجهاد المنصوص عليه هنا دخولاً أولياً، كيف؟ لأنه من طاعة الله، فإذا جاهد نفسه على قتال الأعداء دخل في المجاهد دخولاً أولياً في هذا النص، وقصر العام على بعض أفراده كما هنا لا يقتضي التخصيص، فمجاهدة النفس في طاعة الله فرد من أفراد العموم الذي هو أصل الجهاد، وهذا لا يقتضي التخصيص، كما جاء في تفسير القوة بالرمي، ((ألا إن القوة الرمي)) {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء في التفسير: ((ألا إن القوة الرمي)) هل القوة الرمي فقط؟ أو جميع ما يتخذ من أسباب لنصر الدين وقمع العدو كلها قوة، فالتنصيص على هذا الفرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص وله نظائر.

أم الخطاب78 24-11-09 11:04 AM

الحديث السابع: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً‏،‏ ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‏:‏ إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر‏))[متفق عليه]‏.‏
الحديث السابع: حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أربع من كن فيه كان منافقاً)) أولاً: المنافق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، هذا هو النفاق الذي جاء الوعيد الشديد في حق أهله، وأنه في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية، فإذا كان الإنسان يبطن الكفر ويظهر الإسلام فهذا هو المنافق، وإذا أظهر كفره فهو كافر، والنفاق يوجد غالباً في حال قوة المسلمين وعز الإسلام، ليضطر من في قلبه شيء أن يكتمه؛ لأنه لو أظهر ما عنده أخذ بسيف الحق؛ لكن يبرز وينجم النفاق في ظروف يكون فيها الإسلام فيه شيء من الضعف، وفي الأوقات الحرجة والصعبة ينجم النفاق، المقصود أن النفاق الموجود في حديثنا هو النفاق العملي، وهو بريد ودهليز إلى النفاق الاعتقادي، ((أربع)) يعني خصال ((من كنّ فيه)) يعني مجتمعات، ((كان منافقاً خالصاً)) منافقاً خالصاً؛ لأن هذه الأمور أو الخصال الأربع لا تجتمع في قلب سليم البتة، ((ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق)) يعني النفاق مركب من هذه الخصال، والمراد بذلك النفاق العملي، وكما قلنا هو طريق ودهليز يوصل إلى النفاق الاعتقادي، نسأل الله السلامة والعافية، كما أن الأمور يجر بعضها بعضاً، ولذا تورع السلف عن كثيرٍ من المباحات، لماذا؟ لأن الإكثار منها يجرهم إلى ما فوقه من المكروهات والشبهات، ثم بعد ذلك يستمرئ الإنسان ويطلب هذه المكروهات فلا يجدها إلا بوسائل غير مباحة، فيرتكب المحرمات والذنوب والمعاصي، لا شك أنها تجر إلى ما فوقها حتى ينسلخ المسلم عن دينه.
ولذا على الإنسان أن يحتاط لنفسه، وعليه أن يسد جميع الذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة؛ لأن من أكثر من شيء ولو كان في أصله مباح لا شك أنه سوف يطلبه في يوم من الأيام ثم لا يجده إلا بعد ارتكاب أو تجاوز بعض الأمور، فنهمه واعتياده لهذا الأمر يجره إلى من فوقه، ولذا قد يقول قائل: ليش السلف يتركون المباحات؟ المباح لا ثواب لا في تركه ولا في عمله، مستوي الطرفين، نقول: نعم، يتركونه لئلا تجر؛ لأن النفس لا نهاية لها، إذا اعتادت على شيء لا تطيق فراقه، اعتادت على شيء مباح ما تطيق الفراق، فهذا المباح قد لا يصل إليه في يوم من الأيام إلا بارتكاب بعض الأمور التي هي غير مباحة.
((حتى يدعها)) يعني حتى يتركها، ويدع: فعل مضارع ومعناه الترك، وهذه المادة استعمل فيها المصدر، (ودعهم) ((لينتهين أقواماً عن ودعهم الجمعات)) هذا المصدر مستعمل (ودعهم) يعني تركهم، ((وحتى يدعها)) ودع: فعل الأمر أيضاً مستعمل: ((دع ما يريبك)) بقي الماضي، يقول أهل العلم: أنه أميت ماضيه، (ودع) أميت ماضيه وقرئ في الشواذ: (ما ودعك ربك) بمعنى ما تركك، ما ودعك، على كل حال الماضي أميت كما نص على ذلك جمهور أهل اللغة.
((إذا اؤتمن خان)) الأمانة شأنها عظيم، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لشدتها وصعوبتها {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [(72) سورة الأحزاب] هذا هو السبب في كونه حملها، هو حملها التزم حملها؛ لكن هل وفّى بما التزم؟ نعم منهم من وفّى ومنهم من خان، والحديث في حق الصنف الثاني ((إذا اؤتمن خان)) إذا أودع وديعة، أو وضعت عنده أمانة خانها وتصرف فيها وجحدها، أو غيرها وبدلها هذه خيانة، والخيانة شأنها عظيم، والله المستعان.
((وإذا حدث كذب)) حدث تكلم كذب، والكذب أن يخبر عن الشيء على خلاف ما هو عليه، على خلاف الواقع، فإذا أخبر عن شيءٍ على خلاف واقعه مع علمه بذلك فقد كذب، يقول: حضر زيد، وزيد ما حضر، مات عمرو، وعمرو ما مات، هذا كذب نسأل الله العافية، قد يقول قائل: هناك كذب ما يضر، ليش نرتب هذه الآثام على أمور سهلة ميسورة؟ وهذه يرتكبها كثير من الناس، إما نكتة ليضحك القوم، أو ليتخلص من موقف، ما يضره، يعني مجرد إحراج يسير بينه وبين زملائه وين أنت يا فلان؟ والله انشغلت، وهو ما انشغل (والصدق منجاة) كما في حديث الثلاثة الذين خلفوا، قصة الثلاثة الذين خلفوا الصدق منجاة، فتجد كثير من الناس يتساهل في أول الأمر في الأخبار التي لا يترتب عليها شيء، ثم يجره ذلك التساهل إلى أن يكون الكذب ديدن (إذا حدث كذب) قد يحتاج إلى شيءٍ من التورية والمعاريض، وفيها مندوحة عن الكذب، فتقبل المعاريض إذا كان الإنسان مضطراً إليها، ولا يترتب عليها مفسدة لآخر.
أيضاً هناك ظروف وصنوف من العلوم هي على خلاف الواقع، فمثلاً المناظرات بعض العلماء يعقد مناظرات، مناظرة بين سني وقدري، مناظرة بين سني وشيعي، مناظرة بين سني وجهمي، قال السني، قال الجهمي، وما في أحد، هو الذي نسجها، وأخبر عن هذه المناظرة بخلاف الواقع، سلكها أهل العلم ورأوا أن المصلحة راجحة في مثل هذا، أيضاً المقامات، مقامات الحريري خمسمائة صفحة، مقامات البديع، مقامات السيوطي، حدث الحارث بن همام قال: ما حدث ولا حُدث؛ لكن قالوا: أن في هذه المقامات من العلوم لا سيما علوم اللغة يحتاج إليها طلاب العلم، وهذه وسيلة من وسائل التعليم يروا أنها يتجاوز عنها، ولذا قال الحريري تمنى أن لو خرج منها كفافاً لا له ولا عليه، رغم أنها نفعت حقيقةً هذه المقامات نفعت، والنحاة كلهم يتواطئون على قولهم: (ضرب زيد عمراً) لا ضارب ولا مضروب، لا زيد ولا عمرو، مثل هذه الأمور يتجاوزون، ويتسامحون فيها؛ لأن المصلحة المترتبة عليها أعظم من المفسدة، عقد مناظرة بين العلوم، قال علم التفسير كذا، قال علم الحديث كذا، رد علم الفقه بكذا.. الخ، لا راد ولا مردود، هذا لا شك أنه إخبار عما هو في الحقيقة خلاف الواقع؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة المترتبة عليه.
وأقوال: أن من اتقى حتى مثل هذا، وفي الأمور الصريحة وفي بيان العلم وإيصاله إلى مستحقه ما فيه مندوحة عن ارتكاب مثل هذه الأمور ولا يثرب أيضاً على من فعلها باعتبار المصلحة الراجحة؛ لكن الإنسان يختار لنفسه الأحوط، (إذا حدث كذب) من أعظم الكذب، الكذب الذي يترتب عليه اقتطاع حق مسلم، أو إراقة دم مسلم، من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، هذا شيء عظيم، اقتضاء حق المسلم أيضاً، شهادة الزور جاء فيها ما فيها، أعظم من ذلك الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء فيه الحديث المتواتر، ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وبعض أهل العلم يقول: ما له توبة الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضهم حكم بكفره؛ لكن هذا قول مردود؛ لكن لعظم هذا الكذب الذي يكذب به على النبي، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على سائر الناس، وأعظم من ذلك الكذب على الله، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية، ومن أظهر أو أوضح مظاهر الكذب على الله الجرأة على الفتيا بغير علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] فيتورع طالب العلم عن مثل هذا، ونرى من يفتي وهو ليس من أهل العلم، نرى صغار الطلاب يبادرون إلى الإجابة على كثير من الأسئلة التي يتورع عنها كبار سلف هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يسعى في خلاصه، وأهل العلم يقررون أن على المفتي أن يسعى في خلاصه قبل أن يسعى بخلاص المستفتي، لماذا؟ لأن نفسك أهم عليك، لماذا جلس يفتي الناس؟ إلا لمصلحته هو، لما يرجو من ثواب الله -جل وعلا-، فإذا انعكست المسألة وكسب من السيئات الشيء العظيم بسبب ما يرجو فيه ثواب الله هذا خسران، خسر الدنيا والآخرة، فلنتقي مثل هذا، والله المستعان.
((إذا عاهد غدر)) الأمر ليس بالسهل، العهد والميثاق إذا أعطى الإنسان ثمرة فؤاده وصفقة يمينه، ثم بعد ذلك يغدر به هذا شأنه عظيم لأن المعاهَد يأمن من عاهده وحينئذٍ ينقض عليه فيغدر به، يعطيه العهد والميثاق ثم يغدر به، وينصب لكل غادرٍ لواء هذه غدرة فلان نسأل الله العافية، بين الخلائق، فالأمر ليس بالسهل، تقسم أنك لا تخبر أحد، تقسم أنك لا تفعل ثم بعد ذلك تغدر، أحياناً قد يكون هناك مصالح ومفاسد، مفسد في الأرض، شخص مفسد في الأرض ضرره متعدي، يخشى على الأمة من ضرره، فإذا قبض عليه مثلاً أخبرنا بما عندك ولك الأيمان المغلظة أن ما في أحد يغدرك، هذا قد يوجد، مفسد أو مروج، مفسد لنساء المسلمين وشباب المسلمين بطرقه ووسائله، هذا قد يقبض عليه أهل الحسبة أو غيرهم ثم يقسمون له ويعطونه الأيمان المغلظة أنهم لن يخبروا أحد حتى إذا أخبر بجميع ما عنده، من الصعب بعد هذا أن يترك، من الصعب أن يترك لأنه لا يؤمن أيضاً، فينتاب المسألة مثل هذا الحديث إذا عاهد غدر وينتابها أيضاً أن تركه هكذا أيضاً فيه ما فيه، وحينئذٍ تقدر المصلحة والمفسدة، والعلماء ينظرون في مثل هذه القضايا.
((وإذا خاصم فجر)) الإنسان قد يحتاج إلى الخصومة والتقاضي؛ لكن عليه، يجب عليه الإنصاف من نفسه فلا يتعدى على غيره، لا يجوز له أن يتعدى على غيره، وذلك بأن يكون ألحن من الخصم في حجته، عنده بيان وقوة حجة، بحيث يكسب القضية، هذا متوعد بمثل هذا، هذا فيه خصلة من خصال المنافقين، وأكثر المنافقين أهل بيان وأهل حجج وخصومات، تمرسوا هذا المكر والخديعة، فهذه من سماتهم، فليتق الله -جل وعلا- من يمثل أمام القضاة في الخصومات، سواء كانوا لأنفسهم أو لغيرهم من المحامين، هذا أمر خطير جداً، المحامي عليه الإنصاف، ينظر في القضية قبل أن يقبلها من صاحبها، وينصح صاحبه الذي يريد أن يخاصم عنه إذا لم يكن له نصيب في القضية، يقول له: اتق الله يا فلان؛ لكن بعض المحامين يوجد فيهم أهل خير وفضل وصلاح؛ لكن بعضهم إذا زيد في الجعل في الأجرة ارتكب كل ما تيسر له من مباح ومحظور ليكسب القضية، وهنا قضايا حقيقةً امتحان ابتلاء، شخص تو فاتح مكتب المحاماة، يقال له: خذ مليون على هذه القضية كان يتمنى ألف لا شك أنه سوف يجلب على هذه القضية كل ما أوتي من بيان وحجج بحق أو بغير حق؛ لكن هنا المحك وهنا الاختبار، إن تركها لله عوضه الله خيراً منها، إن أقدم دخل في الحديث. ((وإذا خاصم فجر)) فعلينا أن ننصف من أنفسنا ولا ندخل فيما نعلم أنه باطل، أو فيما يتبين أنه حق، القاضي شريح -رحمه الله- جاءه ابن له وقال: إن بيني وآل فلان خصومة أعرضها عليك فإن كان لي الحق قاضيتهم، وإن كان مالي حق تركتهم، فعرضها على أبيه، فقال: لك الحق هاتوه، فلما حضروا حكم على ولده، قال: يا أبت ما اتفقنا على أنه كان ما لي حق ما أجيبهم، ليش تتعبنا وتطلب الخصومة وكذا، قال: نعم لو قلت: الحق لهم ولا شيء لك ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، صلح؛ لأن كثير من الناس مستعد يدفع شيء يسير ولا يروح إلى القضاة ويجرجر بهذه المحاكم والشهود، يعني لو تدعي شخص بمليون ريال وأنت ما عندك شيء أبداً، ما هو صحيح، وكل يوم تقف عليه يالله مشينا المحكمة وعنده أشغال تعرف أنه مشغول ما هو مستعد يروح معك، وتتخلص أنت وإياه على عشرة آلاف، يبي يعطيك عشرة آلاف، وهو يضحك، وابن القاضي شريح يقول: لو قلت: أن الحق لهم ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، خلينا نحسم المادة من هنا، فنكن على حذرٍ من ذكر هذا، والله المستعان.
الحديث الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا‏؟‏ من خلق كذا‏؟‏ حتى يقول‏:‏ من خلق الله‏؟‏ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ)‏)‏‏ متفق عليه، وفي لفظ: ‏(‏(فليقل‏:‏ آمنت بالله ورسله)‏)‏ متفق عليه‏، وفي لفظ: (‏(‏لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون‏:‏ من خلق الله‏؟‏‏)‏‏).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي الشيطان أحدكم)) والشيطان يطلق ويراد به الشيطان الأكبر إبليس لعنه الله، ويطلق ويراد به واحد الشياطين، وكما أن في الجن شياطين في الإنس شياطين، فالاحتمال قائم أنه الشيطان الأكبر أو أحد الشياطين من شياطين الإنس والجن، ((يأتي الشيطان أحدكم)) يعني من المسلمين، وشياطين الإنس تسلطوا على المسلمين في مثل هذه الأسئلة، ومثل هذه الشبهات، كانت مثل هذه الأسئلة أمور نفسية وخواطر وهواجس؛ لكن الآن بيوت المسلمين الآن من يحصنها من مثل هذه الشبهات؟ تلقى إليهم من خلال القنوات، الإنسان امرأة لا تقرأ ولا تكتب تستمع لمثل هذه الشبهات، وشاب أو شابة يلقى إليهم من الشبهات والشهوات ما تشيب لها الذوائب، نسأل الله السلامة والعافية، فمقاومة مثل هذه الشرور بأمور: أولاً: يجاهد الإنسان بقدر الإمكان ألا يستعمل من هذه الآلات شيئاً، ولو كان فيها شيء من النفع؛ لأن مفاسدها أعظم، ويحذر الناس منها، ويقدَم للناس ابتداءً ما يحصنهم من هذه الشهوات والشبهات، وإلا فالأمر جد خطير؛ لأنه يوجد الآن تأثير واضح جداً على كبار السن فضلاً عن الصغار، شياب، سبعين، ثمانين، كانوا عمار مساجد لا يحضرون الصلوات في المسجد، الليل كله سهر على القنوات، ويقلبون من قناة إلى أخرى وكذا وينظرون لمثل هذه الأمور، شياب بدؤوا بالأسفار على شان إيش يسافرون؟ لأنهم لا يتمكنون من حصول ما يريدون في هذه البلاد، ولله الحمد، الله المستعان.
((يأتي الشيطان أحدكم)) وتيسرت الآن الأسباب لشياطين الإنس والجن، وحدث ولا حرج الآن، شياطين الإنس مثلما تشوفون من خلال وسائل الإعلام شيء ما يخطر على البال ولا أحد يقف في وجوههم، وشياطين الجن تسلطت على البيوت بسبب البعد عن ذكر الله، وجلب الأسباب التي تدعو إلى مخالطة هذه الشياطين ومشاركتهم للمسلمين في بيوتهم في أكلهم وشربهم ومسكنهم، الأمر يا إخوان من كل فج، تكالب على المسلمين من كل وجه، يعني شخص بيته مملوء بصور تمنع من دخول الملائكة، وفيه مزامير تجلب الشياطين، ولا ذكر، ولا قراءة قرآن، ولا زيادة نوافل، يعني إن أدى الصلاة فبلا روح، يعني مثل هذا وش اللي يمنع أنه يكون مركز من مراكز الشياطين؟! كثير من الناس يشكو، يرى في النوم مفزعات، ولده يفعل كذا، وبنته تسوي كذا، يا إخوان الأمر خطير، من يطرد هذه الشياطين من البيوت إلا الذكر؟ شخص خطب امرأة، يعني هذه وقائع، فرفضته، فذهب إلى ساحر، وقال: هذه مائة ألف ودبر هذه؟ قال: أمهلني أسبوع، بس شياطينه عجزت، كل ما أرادوا أن يصلوا ردوا، جاءه قال: أسبوع ثاني ومثله، وثالث ومثله، قال: يا أخي هذه المرأة عجزنا عنها، عجزنا عنها البتة، امرأة صالحة، محصنة بالأوراد والأذكار، ماذا صنع هؤلاء الشياطين لما عجزوا عن هذه المرأة الصالحة؟ ذهبوا إلى أخت الخاطب فابتليت بهم، والله المستعان.
شخص من الشباب الصالحين لما تمت الساعة اثنا عشر ونصف دوخل، دخله جني، فاستدعي واحد من طلاب العلم من جيرانه ليقرأ عليه فرقاه، تكلم الجني قال: "ما الذي جعلك تدخل في هذا المسكين عبد صالح محافظ على الأذكار محافظ على كذا، قال: "والله أنظرته إلى الساعة الثانية عشرة ليقرأ آية الكرسي ما قرأ آية الكرسي ودخلت، فالمسألة تحتاج إلى عناية أيها الإخوان، عندنا حصون نتحصن بها، ومع ذلك نترك، العمر يمضي كله في القيل والقال وهذه أمور، يعني الذكر هل يكلف شيء؟ أنت جالس قائم نايم في مجلس خالي، ما يكلفك شيء، ((سبق المفردون)) ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] المسألة يعني أمور لا تكلف شيء، وآثارها عظيمة، فوائد الذكر شيء لا يخطر على البال، يعني مما أحصاه ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة، لكن وراء ذلك أضعاف مضاعفة، يعني الإنسان هل هو مبرأ من الذنوب والمعاصي في مثل هذه الظروف؟ يعني ما الذي يضيره أن يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر؟ يعني في دقيقة ونصف لا تزيد، فلنتحصن من هؤلاء الشياطين؛ وليكن حذرنا من شياطين الإنس أشد؛ لأن شياطين الجن نستطيع أن نحصن بالأذكار؛ لكن شياطين الإنس لا بد أن نفر منهم فرارنا من الأسود.
((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟)) يستدرج، من خلق كذا؟ من خلق الدنيا؟ من خلق الجبال؟ من خلق الأرض؟ من خلق السماء؟ من خلق الجنة؟ من خلق النار؟ إلى أن يستدرج بالإنسان، يجيب المسلم الله الله، خلقها الله، حتى يقول: من خلق الله؟ اعتماداً على ما من مخلوق إلا وله خالق؟ الإنسان في الذهن لا يمكن أن يوجد نفسه، من خلق الله؟ وهنا هل يستطيع الإنسان بعقله الضعيف أن يستمر في هذه الأسئلة؟ لا بد من حسم المادة، وحسمها يكون بثلاثة أمور، ذكرت في الحديث، إذا بلغ إلى هذا الحد فليستعد بالله من هذا الشيطان الذي أغواه وأضله، ولينته مباشرةً ما يتجاوز، ما يقول: هذا السؤال صعب هات اللي بعده، لا لا، خلاص يحسم الموقف، ولينته فوراً، ثم بعد ذلك في اللفظ الآخر يقول: ((آمنت بالله ورسله)) لا بد من التسليم التام المطلق، وقدم الإسلام كما قرر أهل العلم لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لا بد أن يكون هذا آخر المطاف، (آمنت بالله ورسله) آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، فلا بد للإنسان أن يقف مهما كان، وهؤلاء الذين يدعون إلى المناقشات والمحاورات والمناظرات وتلقى في بيوت الناس مناظرات تظلهم هؤلاء لا شك أن أهدافهم سيئة، وإلا هناك أمور لا بد أن يقف، صاحب الحق لا بد أن يقف؛ لأنها إن كانت المناظرة مع من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمداً نبياً، لا بد أن يقف إلى هذا الحد؛ لكن إن كانت من شياطين الإنس والجن يتجاوزون الحد، المسلم عنده أمور لا بد أن يسلم بها ولو لم يحتملها عقله؛ لأن عقل الإنسان محدود، يعني الشبهات التي أثيرت على حديث النزول مثلاً، نحن نقطع بأن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة؛ لأن النصوص القطعية جاءت بذلك، ونجزم معتقدين لا يساورنا بذلك أدنى شك أن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، كيف تجمع بين هذا وهذا؟ يقول شيخ الإسلام: "المقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو منه العرش" يعني لو ناظرك جهمي وإلا شيء في مثل هذا بيقتنع؟ ممكن يقتنع بمثل هذا؟ أبداً ما في مثل حسم المادة مع هؤلاء، وفي لفظٍ: ((لا يزالون يتساءلون حتى تقولون: من خلق الله؟)) وهنا يبين هذا اللفظ أن هذا الذي يقول من شياطين الإنس، ولمسنا هذا واضح وظاهر من خلال هذه القنوات، من خلق الله؟ ويكون الجواب بالثلاثة الأمور السابقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-11-09 11:49 AM

الشريط الثاني

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

من الحديث الرابع(العمل الذي يدخل الجنة) إلى الحديث الثامن (رد كيد الشيطان وتجديد الإيمان) .

للتحميل من



هنــــــــــــــا

الشهيدة بإذن الله 30-11-09 10:48 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرح جوامع الأخبار (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنْقُصُ منه، فلما وَلَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" هو يريد الجنة، ويريد أقرب طريق يوصل إلى الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً))توحد الله -جل وعلا-، لا تشرك معه في أي نوع من أنواع العبادة معه شيئاً، تعبد الله، تحقق الهدف الشرعي من وجودك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ((ولا تشرك به شيئاً)) لأنك قد تأتي بجميع أنواع العبادة وتصرف شيئاً منها لغيره فلا تنفعك حينئذٍ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، تعبد الله هو معنى المثبت (إلا الله)، ولا تشرك به شيئاً هو معنى المنفي في كلمة التوحيد (لا إله) وكلمة التوحيد هي أعظم كلمة، أعظم مشهودٍ عليه، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] شهدوا على هذه الكلمة التي هي أعظم مشهودٍ به، وشهد عليها أعظم الشهود وهو الله -جل وعلا- الخالق، وأعظم الشهود من خلقه الملائكة وأهل العلم، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، الشرك ومنه الأكبر والأصغر والأكبر الذي لا يغفر، الموجب للخلود في النار أمره خطير، والشرك الأصغر أيضاً شأنه عظيم في الشرع، وقد قرر جمع من أهل العلم أن الشرك بنوعيه غير قابل للمغفرة، لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] (أن يشرك به) يدخل به الشرك الأكبر والأًصغر، فلا بد أن يعذب سواء كان شركه أكبر أو أصغر؛ لكن من كان شركه أكبر يخلد، ومن كان شركه أصغر يعذب بقدر ما اقترف ثم يخرج من النار، وجمع من أهل العلم يرون أن حكم الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر، داخل تحت المشيئة.
((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) هذه دعائم الإسلام، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله)) وهي في الحديث معناها في قوله: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) ((وإقام الصلاة)) وهو يقول: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) بقي الحج، فإما أن يكون قبل فرضه، قبل أن يفرض الحج، أو يكون هذا الشخص عرف من حاله أنه غير مستطيع للحج، وإلا فالحج هو المتمم للأركان الخمسة، كما جاء في حديث سؤال جبريل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) وغيرها مما يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام كالأركان الأربعة.
((تقيم الصلاة المكتوبة)) وهي الصلوات الخمس، وما أوجبه الله -جل وعلا-، وهنا يراد به الصلوات الخمس، أما ما وجب لأمرٍ عارض مما اختلف فيه أهل العلم كالعيد والوتر والكسوف هذه مختلف في وجوبها، والجمهور على استحبابها، الذي يدخل الجنة (إقامة الصلاة المكتوبة) وهل هناك فرق بين الإقامة والأداء؟ لأنه قال: ((تقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة)) تقيم الإقامة والاستقامة لا بد أن يكون هذا المقام قويماً مستقيماً، يُبتغى به ويراد به وجه الله -جل وعلا-، وموافق لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فليس معنى إقامة الصلاة مجرد أداؤها على الوجه المسقط للطلب المجزئ وإن اشتمل على مخالفات أو لم يتحقق فيه لب الصلاة وهو الخشوع، (تقيم الصلاة) هذا الشخص الذي خرج من صلاته وليس له منها شيء، نعم ما يؤمر بإعادتها؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط؛ لكن هل يدخل في هذا الحديث، هل مثل هذه الصلاة التي خرج صاحبها بالعشر من أجلها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ لا، يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، كثير من الناس -والله يعفو ويسامح كثير من طلاب العلم ونحن منهم- ندخل الصلاة ونخرج كأننا ما عملنا شيء، لب الصلاة، حضور القلب، الخشوع، الانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، هذا لا يكاد يوجد، ولذا تجد الإمام خلفه خمسة صفوف يخطئ في القرآن، ويخطئ في عدد الركعات ويسهو كثيراً ما يجد من يرد عليه، وكثير من المصلين إذا سلم الإمام تقول: وش قرأ؟ ماذا قرأ الإمام وهو من الحفاظ ما يجيبك بشيء، والله ما يدري وش قال؟ فإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، نحتاج إلى إقامة الصلاة، لا بد أن نفقه كيف نقيم الصلاة في ظاهرها وباطنها، كيف نخرج منها بالأجر الكامل.
((وتؤدي الزكاة المفروضة)) هناك تقيم، وهنا تؤدي للفرق بينهما؛ لأن الزكاة مال ينتزع من هذا المبلغ، ويدفع إلى المستحق، ما يختلف في فلان عن فلان، فلان أداه بنفسه، أداه بشيك، أداه بنقد، أعطاه فلان، قال ادفعه لفلان، حول الحساب، ما يختلف، تؤدي المقصود أنك تؤديها إلى مستحقها، من أحد الأصناف الثمانية، أما تقيم لا، يختلف، الزكاة المفروضة مكتوبة، وإن كان الكتب والفرض عند أهل العلم يدلان على الوجوب ولا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، إلا أن الألفاظ توحي بأن هناك فروق تدل على أن الكتب آكد من الفرض، ولذا جاءت الصلاة لأنها أهم الأركان بكونها مكتوبة، والزكاة وهي التي تليها بكونها مفروضة. ((وتصوم رمضان)) يعني تصوم شهر رمضان إذا شهدت الشهر وثبت عندك دخوله يجب عليك أن تصوم {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وهذا ركن من أركان الإسلام، والأركان الخمسة عند أهل العلم الركن الأول الذي لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فالذي لم يأت في الركن الأول هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، من ترك الركن الأول أو الركن الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس الأول تركه كفر على القول المعتمد والمفتى به، وهو المعروف عند الصحابة، وأما بقية الأركان العملية فتكفير تاركها وتارك واحدٍ منها محل خلافٍ بين أهل العلم، نقله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان؛ لكن الجمهور على عدم كفر تارك أحد هذه الأركان إلا أنه يبقى أنه على خطرٍ عظيم، خطر عظيم دعامة من دعائم الإسلام، ركن من أركان الإسلام، لا يثبت قدم الإسلام إلا عليه ويترك، وحينئذٍ يتساهل المسلم فيه؟ لا يعني أن كون الإنسان لا يكفر بترك الصيام أو بأداء الزكاة أن الأمر سهل، لا، الأمر عظيم خطير في غاية الخطورة؛ لكن فرق بين أن يكفر الإنسان وبين أن يقال له: أن هذا عمل عظيم وشنيع وقد يؤدي به إلى الخروج من الدين، وهو لا يشعر إذا استخف بهذه الأمور العظيمة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الكفر شأنه عظيم عند أهل العلم.
قال: "والذي نفسي بيده" أقسم هذا الأعرابي بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((والذي نفسي بيده)) ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقسم على الأمور المهمة صدر من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة، يقسم على الأمر المهم، ولو لم يستحلف، ولا يعارض هذا قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة]لأن هذا أمر مهم، فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في الأمور غير المهمة، فللإنسان أن يحلف ولو لم يستحلف.
"والذي نفسي بيده" قسم والواو واو القسم، والذي نفسي بيده مقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، بعض الشراح يقول: "والذي نفسي بيده" يعني روحي في تصرفه، لا شك إن كان هذا القائل ممن لا يعرف بإثبات الصفات ينكر عليه، نقول: تأويل هذا، وإذا كان ممن ينكر اليد لله -جل وعلا- لأنه قال بعضهم "والذي نفسي بيده" روحي في تصرفه، يعني فسر باللازم، ولا يوجد أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، وهذا من لازم كون النفس التي هي الروح باليد، فإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها، والتأويل مذهب الخلف الذي حادوا عن الجادة، وارتكبوا التأويل، وحرفوا النصوص، ونفوا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا" يعني مما ذكر، يعني ولا الحج، يعني ولا الحج، لماذا؟ لأنه لم يلزمه الحج أو لم يكن الحج قد فرض، أو نقل وتركه بعض الرواة، يعني وجد في بعض الروايات.
"لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" أقسم أن لا يزيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) هذا مدح وإلا ذم؟ مدح، لكن لو قلت لك: قم يا فلان أوتر، الآن جوف الليل الثلث الأخير صلي لك ركعتين بين يدي الله وأوتر، ثم أقسم أن لا يوتر، يذم وإلا ما يذم؟ يقول الإمام أحمد: "من ترك الوتر رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته" وهذا أقسم أن لا يزيد على المكتوبة خمس، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ تقول: واحد يقول: صيام عرفة يكفر سنتين، يقول: والله ما أصوم، طيب صيام يوم عاشوراء والله ما أصوم، الصدقة؟ قال: أنا والله دافع الزكاة بالملي، بالقيراط، بالقطمير، والله ما أزيد هللة؟ يذم وإلا ما يذم؟ لكن هنا قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" هذه أشكل على كثير من أهل العلم كيف يحسن من لا يزيد من الطاعات، وهذه الطاعات مهما أتى بها لا بد من وجود الخلل الذي يكمل بالنوافل، فالإنسان محتاج إلى النوافل على ما سيأتي، محتاج حاجة ماسة للنوافل ليكمل هذه الفرائض، وهذا يقسم أن لا يزيد ويمدح؟! ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فإما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف بالوحي أن هذا الرجل لن ينقص شيء بالفعل، فإذا أتى بما افترض الله عليه بحذافيره بحيث لا ينقص منه شيء استحق الجنة، ومنهم من قال أن المعنى: "والله لا أزيد على ما افترض الله عليّ شيء" ما أزيد على الصلوات المكتوبة هذه، ما أجعل الظهر خمس، ولا أنقص منها ما يجعلها ثلاث، ما أزيد على الفجر أخليها ثلاث أو واحدة أو أنقص، وهكذا، فالزيادة في ذات العبادة المفروضة، وبهذا نخرج من الإشكال؛ لكن ينبغي أن ظاهر اللفظ، ظاهر النص يدل على أنه لن يزيد على ما افترض الله عليه، ولذلك المكتوبة المفروضة، تنصيص على رمضان، يدل على أنها مقصودة لذاتها، فلا يزيد عليها من التنقل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن هذا سوف يفي بما التزم به بالوحي، فقرر أنه من أهل الجنة، الذي لا يترك من الواجبات شيء ويترك المستحبات، طبيعة المستحبات أنها لا يعاقب تاركها، فإذا كان لا يعاقب إذاً يدخل الجنة، طيب؟ المحرمات ما لها ذكر هنا، لو عبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأقام الصلاة المكتوبة، وأدى الزكاة المفروضة، وصام رمضان، وصار يزني ويشرب ويرتكب المحرمات، يدخل في هذا الحديث أو لا يدخل؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ هو عبد الله أتى بهذه الأركان الخمسة وحصل منه ما حصل من المحرمات، هل نقول: أن من سره إلى رجل من أهل الجنة، يعني مآله إلى الجنة؟ يفهم هذا الكلام من النص، هل نقول: مآله إلى الجنة، بمعنى أنه لو ارتكب محرمات عذب بقدرها وخرج؟ لا، النص ما يوحي بهذا، ما يفهم من النص هذا، وإن ألجأ إليه هذا الإشكال عند بعض الشراح؛ لكن من أقام الصلاة، من أقام الإقامة غير الأداء، وأدى الزكاة المفروضة لم ينقص منها شيء، وصام رمضان مثل هذا لن يزاول شيء من المحرمات، وإن أصابه شيء من الغفلة بادر ووفق إلى التوبة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إقامة الصلاة على الوجه المأمور به تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً ضمن ارتكاب المحرم بإقامة الصلاة، ما يوفق لأداء الزكاة بدقة وقد ارتكب محرمات، ما يوفق لأداء الصلاة لإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء وقد أخل ببعض الواجبات، الصيام صوم رمضان الهدف من الصيام إيش؟ ذيل آية الفرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] ليش؟ لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يا أخي كيف يتقي وهو صايم رمضان؟ دعونا من صيامنا الذي هو مجرد مظهر شكل، مسقط للطلب، لا نؤمر بإعادة، ولا نأمر بإعادة، لكن الكلام على روح العبادة، هل يتصور أن شخص صائم رمضان لله -جل وعلا- على مراده لم يرفث ولم يفسق؟ هل يتصور أنه يبي يوفق يبي يزاول شيء مما حرم الله، من صام على الوجه المطلوب لا شك أنه سوف يعصم، فإذا أقام الصلاة على الوجه المطلوب نهته عن الفحشاء والمنكر، ويوجد بين كثير من المصلين، كثير من الصوام ارتكاب بعض المحرمات أثناء أداء العبادة، مع الأسف الشديد، تجده وهو صائم يغتاب، تجده يغش، تجده يرتكب محرمات، وهو يصلي، قائم بين يدي الله -جل وعلا-، في أقدس بقعة، وفي أشرف وقت ومكان تجده قد يرتكب محرم، تمر بين يديه امرأة فيتبعها النظرة، أو امرأة يمر بين يديها رجل تتبعه النظرة، وقد أُمر بالغض، تجده يخطط وهو في صلاته لأمورٍ غير محمودة، لماذا؟ لأنها فقدت اللب، وليس معنى هذا أننا نقول: الصلاة هذه بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، مجزئة مسقطة للطلب لا يؤمر بالإعادة؛ لكن القبول شيء آخر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الآثار المترتبة على هذه العبادة يفقدها الإنسان إذا لم يوجد اللب، الخشوع والخضوع تقف بين يدي الخالق مخبت منيب، ولو امتثلنا هذا ما حصل بيننا ما يحصل، تجد الإنسان في طول أيامه مفرط، تارك للسانه العنان يقول ويجرح ويعدل وفلان وعلان ويغتاب وينم، ثم بعد ذلك يريد أن يوفق لأداء العبادات على الوجه المطلوب، تجده مثلاً يسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو ديدنه الكلام في الناس والغش وسوء المعاملات والرفث والفسوق، ويقول: الحج أربعة أيام لن أتكلم بكلمة، لا يستطيع البتة، لا يمكن أن يحضر حج؛ لأنه لا يعان على هذه الأربعة الأيام، ولم يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، هذه أيام شدة لا بد أن يقدم في أيام الرخاء ليعان على الحفظ في أيام الشدة، لا بد، هذا أمر لا بد منه، لا بد أن نجعل هذا نصب أعيننا، تجد كثير من الإخوان فيهم الحفاظ وفيهم الأخيار؛ لكن ما عودوا أنفسهم على نصيب ثابت من كتاب الله -جل وعلا-، يكون ديدناً له في كل يوم ورد يومي لا يتركه سفراً ولا حضراً، ثم بعد ذلك تأتي الأوقات والفرص والمواسم يبي يقرأ القرآن ما يقدر يقرأ، هذا ما تعرف على الله في الرخاء، فنهتم بهذا، نقدم لأنفسنا في أيام الرخاء لنعرف في أوقات الشدة، كثير من الناس نعم صلاة مسقطة مجزئه مسقطة للطلب؛ لكن هل ترتب عليها آثارها؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] وليس نفي القبول نفي للصحة، لا، إنما هو نفي للثواب المرتب على الصحة، الصلاة صحيحة ومجزئة، والله المستعان.

الشهيدة بإذن الله 30-11-09 10:50 PM

الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثَّقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل: ((آمنت بالله، ثم استقم)) [رواه مسلم].
الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك" يعني قول لا يحتاج إلى استفهام، ولا استيضاح، قول مختصر أحفظه وأطبقه، يريد كلام جامع لخير الدنيا والآخرة، قول مختصر وجامع يمكن تصويره وتطبيقه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) يعني هل يكفي الشخص أن يقول: آمنت بالله؟ لا بد أن يقول ويفعل، لا بد أن يؤمن بالله -جل وعلا-، يحقق هذه الخصلة العظيمة من خصال الدين وهي الإيمان بالله -جل وعلا-، الذي ربط به صحة الأعمال، ((قل آمنت بالله)) فمعنى هذا آمن الله -جل وعلا-، والإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وبعبارةٍ أخصر: قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالإيمان اعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، فالإيمان مركب من هذه الأمور الثلاثة، يعتقد الإنسان في قلبه، وينطق بلسانه، ويعمل بأركانه، فلو وقر الإيمان في قلبه، واقتنع به وصدق، وآمن بجميع ما يجب الإيمان به؛ لكنه لم ينطق، ما نطق بالشهادة، هذا مسلم وإلا غير مسلم؟ لا بد من النطق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا...)) لا بد أن ينطق، وإلا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فقد يقر الإسلام في قلب العبد والإيمان لكنه لا يتمكن من النطق، إن كان لا يتمكن من النطق بسبب آفة أبكم، تكفي منه الإشارة المفهمة؛ لكن إذا كان ينطق، يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا لا يقبل منه، ولو عرف من حاله ودلت القرائن على أنه وقر الإيمان في قلبه، ويسأل سائل سؤال قديم يقول: شخص من زملائه في بلد أفريقي هذا مسلم يقول: واحد من زملائي في الجامعة نصراني وعليه مما يلبسون، واقتنع بالإسلام، اقتنع قناعة تامة بقي النطق، قلت له: نذهب إلى الشيخ الفلاني لتعلن إسلامك، فذهبوا إلى الشيخ الفلاني فقال الآن: باقي ربع ساعة على أذان الظهر دعوني حتى أتجهز للصلاة وأصلي، وإذا رجعت -إن شاء الله- تعلن إسلامك، يقول: خرجنا من عند هذا الشخص، وإذا في تبادل إطلاق نار فقتل الرجل، يعني مسألة واقعية، هل ندفنه في مقابر المسلمين؟ نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه؟ لا، ما بعد أسلم؟! لا بد أن ينطق، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالله -جل وعلا- يتولاه، لا أحد يحول بين الله -جل وعلا- وبين رحمته لخلقه؛ لكن هذا في أحكام الدنيا ما نطق، فالإيمان عبارة عن القول باللسان والاعتقاد بالجنان، والعمل بالأركان، وجنس العمل كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية ركن من أركان وشرط من شروط الإيمان، لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره فيه أدنى شك يعتقد ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان التي جاءت في حديث جبريل المشهور، لا بد أن يعتقد هذه الأشياء ويؤمن بها، ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره أدنى شك، ولا يحتمل النقيض، (قل آمنت بالله) يكفي؟ ثم استقم، استقم يعني استمر على هذا الدين القويم، وعلى هذا الاعتقاد المستقيم، لا بد من الاستمرار على ذلك، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] لا بد من الاستقامة المستمرة التي لا حد لها ولا تنقطع إلا بانقطاع التكليف، ويوجد من غلاة المتصوفة بعض المراتب لبعض الأولياء الذين ينقطع عنهم التكليف، وهذا ضلال، والله -جل وعلا- يخاطب نبيه -عليه الصلاة والسلام- بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] حتى تموت، حتى يأتيك الموت، وإذا كان هذا بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن دونه لا شك أنه من باب أولى، في آية فصلت:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [(30) سورة فصلت] إن الذين قالوا ربنا الله، آمنوا به رباً، خالقاً مدبراً رازقاً، آمنوا بجميع ما يجب الإيمان به، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه، بجميع الأركان، ثم استقاموا على ذلك واستمروا عليه، تتنزل عليهم الملائكة عند الوفاة ألا تخافوا مما أمامكم، تأمين، ولا تحزنوا على ما تركتم، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [(31) سورة فصلت] لا تخافوا مما أمامكم لأنكم آمنتم وأيقنتم وصدقتم وأذعنتم وانقدتم ثم استمر أمركم على ذلك وحالكم إلى أن متم، إلى أن وصلتم إلى هذا الحد، لا تخافوا ولا تحزنوا على ما خلفتم من ذراري وأموال، وكثير من الناس في مثل الظروف التي نعيشها يصرح أنه الآن الحياة ما فيها لذة ولا فيها طعم، تستوي هي والموت؛ لكن إذا تذكر الإنسان أن خلفه صبية صغار أبو سنة وسنتين وبنات يحتاجون إلى رعاية أنت مع وجودك بين أظهرهم على تستطيع أن تدفع عنهم شيء؟ أنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسه فثق بربك واترك، وتوكل عليه، واعتمد عليه، وافعل ما أمرت به، يعني ما هو طلب أو تساوي الحياة والموت والمرجح وهو مجرد وجود هؤلاء الصبية؟ لا، أنت إذا عملت بما أمرت به فلا تخاف مما أمامك، ولا تحزن على ما خلفت، على هؤلاء الصبية لا تحزن لهم من يتكفل بهم؛ لكن ليكن حزنك على نفسك، انظر في حقيقة ما قدمت، هل هو بالفعل يوصلك إلى دار القرار؟ أو فيه ما فيه؟ راجع نفسك، كثير من الناس تجده في المجالس والله لولا هؤلاء البزارين وهؤلاء الأطفال مدري وش يصير عليهم، بهذه الفتن كان الواحد يتمنى الموت، يا أخي ما يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بك، نعم إذا غلب على ظنك أنك تفتن في دينك إذا غلب على ظنك فلا بأس جاءت بعض النصوص ما يدل على ذلك، أما أن تتمنى الموت لأنه قد يحصل لك ما يحصل من نقصٍ في دنياك، لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، وما يدريك أنك تخلف وتبقى مدة تصوم فيها كذا عام، وتصلي فيها كذا فرض، وتنفع نفسك وتنفع غيرك، يمد الله في عمرك أو يمد الله في عمرك فتنفع وتنتفع، وحينئذٍ هذا الكلام لا مجال له، هذه الأيام أيام الفتن لا شك أنها لمن وفق وأسهم في دفع هذه الفتن وفي إنقاذ المسلمين منها لا شك أنه خير له من أيام السعد وأفضل، وأقرب إلى أن تكون منحة سيقت له في هذا العصر الذي تأخر فيه، أما إذا كانت هذه الفتن آثارها عليه بأن يتأثر فيها، ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، مثل هذا لو تمنى أن يكون مكان صاحب القبر لما يغلب على ظنه أنه ليست من أهل التأثير وليس من أهل النفع، بل يخشى عليه أن يفتن في دينه مثل هذا جاء ما يؤيد إذا كان الهدف الخوف على الدين، إذا كان خوفه على دينه فمثل هذا لا مانع أن يتمنى الموت.
هذه أسئلة يا إخوة.
هذا يقول: ما حكم الهجرة من فلسطين في ظل الوضع الحالي؟
البلدان التي نزل فيها العدو الهجرة منها لا شك أنها استسلام وتسليم للبلد للعدو بحيث لا يجد المقاومة ولا يتصور خروجه من هذا البلد في يوم من الأيام، فالأصل البقاء فيها ومقاومة العدو بقدر الإمكان؛ لكن إذا خشي الإنسان أنه يفتن، امرأة قالت: أنا والله لا أستطيع أن أقاوم وأخشى أن يعتدي علي أحد من الكفار وتيسرت الهجرة فتهاجر، أما الذي يستطيع أن يقاوم العدو لا يجوز له أن يهاجر، فلمن تترك بلاد المسلمين، وإذا قيل بهذا فإذا حل العدو ببلدٍ آخر يسلم ويهاجر المسلمون، فإذا حلوا في بلد آخر وهكذا ما يبقى للمسلمين شيء.
يقول: أعاني من الألم بالرقبة وعند التسليم لا أستطيع أن ألتفت يمين ويسار، وأقوم بإلفاف الجسم على أي شيء..
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إذا كنت لا تستطيع أن تدير رقبتك يميناً وشمالاً فتسلم بالنطق مع النية، نية الخروج من الصلاة وما عدا ذلك لا يلزم.
يقول: ما درجة وما صحة حديث: ((أن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة))؟
هذا الحديث لا أعرفه مرفوعاً، لا أعرفه مرفوعاً، فإن كان مأخوذ من واقع المبتدعة، وأنهم لظنهم على حق وأنهم في الغالب لا يوفقون لتوبة فمعناه صحيح، أما مرفوع لا أعرفه مرفوعاً.
يقول: هل تكفي الهجرة من بلدٍ كفر إلى بلد آخر نستطيع أن نظهر فيه الدين، وأن ندخل أبناءنا إلى المدارس الإسلامية مثل بريطانيا أم يجب الهجرة لبلدٍ مسلم مع العلم أن بلداننا في مشاكل كثيرة ومحاربة، هل يجوز لرجل يقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته الذي تزوج في المغرب؟
الهجرة من بلدٍ إلى بلد الأصل أن الهجرة تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هذه الهجرة الشرعية؛ لكن إذا لم يستطع الهجرة إلى بلد الإسلام فهجرته إلى بلدٍ يكون فيه التخفيف على المسلمين ومزاولة عباداتهم أكثر من البلد الذي هو فيه تعين عليه، والمسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن البقاء بين ظهراني المشركين لا يجوز.
يقول: هل يجوز لرجل مقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته التي...؟
نعم، يجوز أن ينيبه عنه بالوكالة يكون وصياً له على بناته.
هل يجوز التبرع بعضوٍ لإنقاذ شخصٍ من الموت؟
أفتى بعض أهل العلم بذلك للمصلحة الراجحة، ولا ضرر يترتب على إن كان ميتاً لا يتضرر؛ لكن المترجح عندي أنه لا يجوز التبرع بعضو لا من حيٍ ولا ميت؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
يقول: نحن في بلاد الكفر وقد بدأنا في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وانتهينا من الأربعين النووية وتكملة ابن رجب، وشرعنا في حفظ عمدة الأحكام ولكن وجدنا... كأنهم وجدوا صعوبة، ما فما هي أفضل وأسهل طريقة لحفظها؟
أولاً: تفهم هذه الأحاديث؛ لأن فهم النص يعين على حفظه، فيقرأ مع هذه الأحاديث بعض الشروح المختصرة، المختصرة جداً، التي لا تعيق عن إتمام الحفظ في أقرب مدة، والعمدة لها شرح مختصر اسمه: (خلاصة الكلام) للشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله تعالى- يعين على فهم الحديث ثم حفظه.
يقول: هل يصدق الوثني إذا أخبرنا أن اللحم مذبوح وفق الشريعة الإسلامية؟
لا يصدق؛ لأنه ليس بثقة، وخبر غير الثقة غير مقبول.
يقول: ذكرتم أن الحاكم والبيهقي فيما يشعر فيه كلامهما وابن العربي اشترطوا العدد لقبول خبر الواحد، أليس قولهم مختص بشرط البخاري في صحيحه؟
كلامهم منه ما يفهم منه الإطلاق، وحُمل بعض كلامهم على ما يتعلق بالبخاري، وعلى كل حال ليس بشرطٍ للبخاري فضلاً عن الإطلاق، الكرماني شارح البخاري في مواضع يقرر أن البخاري يشترط أن يكون الخبر من رواية اثنين عن اثنين على الأقل، وهو يشرح الصحيح ويصادفه أول حديث في الصحيح يرد هذه الدعوة.
الحديث السادس: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)‏)[متفق عليه]‏،‏ وزاد الترمذي والنسائي‏:‏ ‏(‏(والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم)‏)‏ وزاد البيهقي‏:‏ (‏(‏والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله‏)‏)‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) المسلم من اتصف بهذا الوصف، وهو الإسلام الذي لا يقبل الله -جل وعلا- ديناً سواه، من استسلم لله -جل وعلا-، وانقاد له ظاهراً وباطناً، هذا المسلم حقيقته من سلم المسلمون من لسانه ويده، بعد أن قام بالأركان التي استحق بها أن يكون مسلماً، فالمسلم الكامل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتنصيص على بعض الخصال التي هي من مقتضيات الإسلام للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولكون بعض الناس ممن انتسبوا إلى الإسلام يتساهل فيها، فاحتيج إلى التنصيص عليها، المسلم من سلم، والمهاجر من هجر، والمؤمن من أمن، والمجاهد من جاهد، نرى الاتفاق بين الوصف والموصوف، بين الوصف والموصوف، فالمسلم من سلم، فالسلامة في الإسلام، السلامة في الإسلام في الدنيا والآخرة، والأمن في الإيمان وهكذا، ولا شك أن الاشتراك في أصل المادة يدل على الاشتراك في أصل المعنى، ولذا قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وأيضاً التنصيص على المسلمين للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، وأنهم أولى من غيرهم في ملاحظة هذه الأمور، وهي السلامة مما يؤذيهم من قبل إخوانهم المسلمين، وإن كان الوصف لا مفهوم له، وإنما نص على المسلم لكونه أولى ما تنبغي العناية به، وإن كان من دخل في عهد المسلمين وفي أمانهم له من الحقوق ما يوجب عدم التعدي عليهم والإضرار بهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه، في الحديث قال: ((من لسانه)) ولم يقل من كلامه، من لسانه ليشمل ما جميع ما يمكن أن يصدر من اللسان من قول أو حركة؛ لأن المسلم قد يسيء إلى آخر؛ لأن الشخص قد يسيء إلى غيره بلسانه من غير أن يتكلم، يعني إذا كان الشخص يخشى أن يضبط عليه شيء من كلامه ويشهد عليه أساء إلى غيره بلسانه باستهزاء أو سخرة وهمز ولمز بلسانه، فهذا أعم من الكلام، ولذا قال: ((من سلم المسلمون من لسانه)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره بقولٍ أو أي حركةٍ يزاولها بلسانه مما يؤذي غيره به، وعظم الإنسان شأن اللسان وأنه يورد الإنسان موارد الهلاك.

احفظ لسانك أيها الإنسانُ *** لا يلدغنك إنه ثعبانُ
((كف عليك لسانك)) وإنما لمؤاخذون بما نتكلم به قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:((ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟)) فاللسان شأنه عظيم، إن تكلم بخير انتفع صاحبه، ونفع غيره، وإن تكلم بشر تضرر صاحبه وإن سكت وكان له في السكوت مندوحة الحمد لله السكوت هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يقول كلمة الحق فأقل الأحوال أن يسكت عن القول الباطل، فاللسان شأنه عظيم وآفاته كثيرة، ومنه تجتمع السيئات الكثيرة؛ لأن حركته أخف من حركة غيره، فالإنسان قد يعصي بلسانه لخفة حركته بحيث لا يحتاج إلى عناء وإلى تعب يفتح هذا الفم ويتكلم، قال فلان وقال علان، وفلان فيه وعلان فيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار.
يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام"، فالعلماء مضطرون للكلام في الناس جرحاً وتعديلاً وقبول للشهادات لا شك أنها مزلة قدم، وهم مع ذلك مضطرون فكيف بشخص لا تدعو الضرورة إلى أن يتكلم في فلان أو علان؟ بحيث يعمل الأعمال الصالحة أمثال الجبال ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، شتم هذا وقذف هذا، أخذ مال هذا، تكلم في عرض هذا، هذا فلان يأخذ من حسناته وفلان من حسناته، والله المستعان، حديث المفلس لا يخفى عليكم، فلننتبه إلى هذا أشد الانتباه، ولنستعمل هذه النعمة، نعمة النطق فيما يرضي الله -جل وعلا-، وهذا هو شكرها، ولو نظرنا إلى فئام من الناس سلبوا هذه النعمة لا يتكلمون، وفي الغالب أن الذي لا يتكلم أصم، فإذا سلب نعمة السمع والكلام في السابق وجوده قريب من عدمه، ورأينا الصم البكم رأيناهم في مواضع الخير لا وجود لهم إلا نادراً؛ لكن الآن وقد تيسرت الأمور يشاركون مشاركةً تامة، التقينا بهم في المناسبات مراراً لا ينقصهم شيء، يفهمون ويعبرون بطرقهم المناسب وبالإشارات لا ينقصهم شيء في كثير من تصرفاتهم أسرع من الذين يتكلمون، فإذا كان هذا الشخص لا يتكلم ولا يسمع ومن العجائب أنه يوجد شخص لا يتكلم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسه، هذا كيف يصل إليه العلم والخير، وقد حضر في مجلس كنت أنا موجود فيه فتكلم بكلمة أثرت في جميع الحاضرين لمدة ساعة، أمر عجب، وهذا شخص تعني تكليفه ما هو مثل تكليف الذي يسر الله له النطق، فلماذا لا نشكر هذه النعمة ونصرفها فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة؟ وبدلاً من القيل والقال، قال الله وقال رسوله، علم الناس الخير، تعلم أولاً ثم علم غيرك، وأسدي النصيحة لغيرك، والله المستعان.
((وبيده)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره، لا على نفسه وبدنه ولا على ماله، ولا على ولده، لا يجوز له أن يتعدى ويظلم غيره، فإذا كف الإنسان لسانه عن إخوانه، كف لسانه عما حرم الله عليه، وكف يده فلم يستعملها إلا فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو فيما يحتاج إليه، وبإمكانه أن يستعمل هذه الحاجة العادية التي يحتاجها في حياته اليومية بمزاولة يده بإمكانه أن يجعلها عبادة بالنية الصالحة، يرفع اللقمة لفمه ليأكل ينوي بها التقوي على طاعة الله عبادة، يضع اللقمة في فيه امرأته يؤجر على ذلك بالنية الصالحة، وكثير من الناس يغفل عن هذا الباب، ولو استحضر النية في جميع تصرفاته لحصل على الأجور مما لا يخطر له على بال، ولكن الناس معطى ومحروم، والإنسان يسعى لإصلاح نفسه، وفيما يخلصها من عذاب الله -جل وعلا-، ومما يقربها من رضوانه.
((والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) عرفنا أن الهجرة هي الترك، وهي في الاصطلاح اصطلاح أهل العلم الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهنا (من هجر) يعني من ترك ما نهى الله عنه، المهاجر من هجر، التارك الحقيقي هو من ترك ما نهى الله عنه، وبهذا يتبين أهمية ترك المحظورات، ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) (إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه) هذا لا خيار فيه، أما المأمور بالاستطاعة، الأمور لأنه إيجاد، والترك لا يصعب إلا عند منازعة النفس شهواتها هذا أمر آخر؛ لكن يتصور أن الإنسان يعجز عن فعل المأمور؛ لكن لا يتصور منه أن يعجز عن ترك المحظور، لهذا يستدل من يقول: أن ترك المحرمات أعظم من فعل المأمورات؛ لأن فعل المأمورات فيه استثناء، ما استطعتم، مقرون بالاستطاعة، بخلاف ترك المحظورات، وهذا سيأتي الكلام عليه لاحقاً -إن شاء الله تعالى-.
متفق عليه، وزاد الترمذي والنسائي: ((والمؤمن من أمنه الناس)) المؤمن وعرفنا أن الاشتراك في أصل المادة، الاشتراك اللفظي في أصل المادة يوحي بالاشتراك المعنوي؛ لأن الاشتقاق بقسميه الأكبر والأصغر فيه اشتراك، نوع اشتراك، ((والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) نعم، المؤمن لا بد أن يحقق أركان الإيمان؛ لكن لا يكمل إيمانه إلا إذا أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، هناك قال: ((المسلم من سلم المسلمون))وهنا قال: ((المؤمن من أمنه الناس)) يعني من مقتضى المقابلة أن يقول: "من أمنه المؤمنون على دمائهم وأموالهم" لكن المسألة أعم في الأموال والدماء، وهي التي يتصور منها الاعتداء بكثرة، هذا يشمل جميع الناس، مؤمنهم ومسلمهم وكافرهم الذي هو غير حربي ((على دمائهم)) وشأن الدماء عظيم في الإسلام، ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) الدماء شأنها عظيم، وجاء في تعظيم شأن القتل ما جاء من النصوص القطعية من الكتاب وصحيح السنة ما لا يحتاج إلى أن يذكر به مثلكم وأنتم طلاب علم، ولو لم يكن في ذلك إلا آية النساء،{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء] ونفي القتل عن المؤمن إلا على طريق الخطأ، هذا الأصل في المؤمن، يخطئ، يريد أن يصيب هدف، يصيب صيد فيقع على مسلم من باب الخطأ هذا يحصل، أما على طريق القصد والعمد فهذا لا يحصل، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [(92) سورة النساء] ولذا أعقبه في الآية الأخرى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] فالقتل شأنه عظيم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68-69) سورة الفرقان] نسأل الله العافية، و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فشأن القتل عظيم في الإسلام، شأنه خطير، ولذا كان القتل عن عمد أعظم من أن يُكفر، من أعظم من أن تكون له كفارة، وعند أهل العلم أن القتل العمد ليس له كفارة، كما أن اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار ليس لها كفارة، لعظم شأنه أعظم من أن يكفر.
((وأموالهم)) والأموال كذلك، وجاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس ووجوب المحافظة عليها، ومنها الدماء والأموال، وعلى كل حال هذا أمر بين واضح لعامة المسلمين فضلاً عن خواصهم، وترخص مثل هذه الأمور وتكثر وتفحش وتصعب السيطرة عليها في أوقات الفتن، نسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا وإياكم الفتن، وجميع بلاد المسلمين ما ظهر منها وما بطن، فالفتن إذا زادت صعب السيطرة عليها، قد يقول قائل: كيف توجد مثل هذه الفتن في أفضل القرون ولا يستطيعون أن يسيطروا عليها؟ خليفة المسلمين أمير المؤمنين صاحب السوابق يقتل في بيته وهو صائم قائم لا ينقذه المسلمون؟ نقول: نعم هذا شأن الفتن، أم المؤمنين التي أوصت كل من جاءها فيمن يبايع قالت: تبايع علي بن أبي طالب، ومع ذلك تخرج يوم الجمل، فيقال -كما في الصحيح-: "والله إنها زوجته في الدنيا والآخرة؛ ولكن الله ابتلاكم" فأمور الفتن شأنها عظيم جداً، فكل مسلم عليه ما عليه في المساهمة لا سيما طلاب العلم المساهمة في التخفيف أو القضاء على الفتن بقدر الإمكان، ((على دمائهم وأموالهم)) وزاد البيهقي:((والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)) معروف أن الجهاد في النصوص عموماً وحقيقته الشرعية، حقيقته الشرعية بنصوص الكتاب والسنة الذي جاء الثواب العظيم فيه ومن قتل فيه مقبلاً غير مدبر شأنه عظيم أيضاً، وهو شهيد، المقصود به مجاهدة العدو، قتال الأعداء، هذه حقيقته الشرعية في غالب النصوص، وهنا أيضاً من أصل المادة يؤخذ أن من معاني الجهاد جهاد النفس، وجهاد النفس يكون على الطاعة، ويكون أيضاً عن المعصية تجاهد نفسك، وتقهر نفسك، وتمرن نفسك على طاعة الله -جل وعلا- وتأطرها على طاعة الله، وتجتنب محارم الله -جل وعلا-، وحينئذٍ هذا من أعظم أبواب الجهاد، وهذه أيضاً حقيقة شرعية؛ لأن الشارع نطق بها، وقد يكون باللفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، ويدخل الجهاد، جهاد الأعداء في الجهاد المنصوص عليه هنا دخولاً أولياً، كيف؟ لأنه من طاعة الله، فإذا جاهد نفسه على قتال الأعداء دخل في المجاهد دخولاً أولياً في هذا النص، وقصر العام على بعض أفراده كما هنا لا يقتضي التخصيص، فمجاهدة النفس في طاعة الله فرد من أفراد العموم الذي هو أصل الجهاد، وهذا لا يقتضي التخصيص، كما جاء في تفسير القوة بالرمي، ((ألا إن القوة الرمي)){وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء في التفسير: ((ألا إن القوة الرمي)) هل القوة الرمي فقط؟ أو جميع ما يتخذ من أسباب لنصر الدين وقمع العدو كلها قوة، فالتنصيص على هذا الفرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص وله نظائر.
.

الشهيدة بإذن الله 30-11-09 10:50 PM

الحديث السابع: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً‏،‏ ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‏:‏ إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر‏))[متفق عليه]‏.‏
الحديث السابع: حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:((أربع من كن فيه كان منافقاً)) أولاً: المنافق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، هذا هو النفاق الذي جاء الوعيد الشديد في حق أهله، وأنه في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية، فإذا كان الإنسان يبطن الكفر ويظهر الإسلام فهذا هو المنافق، وإذا أظهر كفره فهو كافر، والنفاق يوجد غالباً في حال قوة المسلمين وعز الإسلام، ليضطر من في قلبه شيء أن يكتمه؛ لأنه لو أظهر ما عنده أخذ بسيف الحق؛ لكن يبرز وينجم النفاق في ظروف يكون فيها الإسلام فيه شيء من الضعف، وفي الأوقات الحرجة والصعبة ينجم النفاق، المقصود أن النفاق الموجود في حديثنا هو النفاق العملي، وهو بريد ودهليز إلى النفاق الاعتقادي، ((أربع)) يعني خصال ((من كنّ فيه)) يعني مجتمعات، ((كان منافقاً خالصاً)) منافقاً خالصاً؛ لأن هذه الأمور أو الخصال الأربع لا تجتمع في قلب سليم البتة، ((ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق))يعني النفاق مركب من هذه الخصال، والمراد بذلك النفاق العملي، وكما قلنا هو طريق ودهليز يوصل إلى النفاق الاعتقادي، نسأل الله السلامة والعافية، كما أن الأمور يجر بعضها بعضاً، ولذا تورع السلف عن كثيرٍ من المباحات، لماذا؟ لأن الإكثار منها يجرهم إلى ما فوقه من المكروهات والشبهات، ثم بعد ذلك يستمرئ الإنسان ويطلب هذه المكروهات فلا يجدها إلا بوسائل غير مباحة، فيرتكب المحرمات والذنوب والمعاصي، لا شك أنها تجر إلى ما فوقها حتى ينسلخ المسلم عن دينه.
ولذا على الإنسان أن يحتاط لنفسه، وعليه أن يسد جميع الذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة؛ لأن من أكثر من شيء ولو كان في أصله مباح لا شك أنه سوف يطلبه في يوم من الأيام ثم لا يجده إلا بعد ارتكاب أو تجاوز بعض الأمور، فنهمه واعتياده لهذا الأمر يجره إلى من فوقه، ولذا قد يقول قائل: ليش السلف يتركون المباحات؟ المباح لا ثواب لا في تركه ولا في عمله، مستوي الطرفين، نقول: نعم، يتركونه لئلا تجر؛ لأن النفس لا نهاية لها، إذا اعتادت على شيء لا تطيق فراقه، اعتادت على شيء مباح ما تطيق الفراق، فهذا المباح قد لا يصل إليه في يوم من الأيام إلا بارتكاب بعض الأمور التي هي غير مباحة.
((حتى يدعها)) يعني حتى يتركها، ويدع: فعل مضارع ومعناه الترك، وهذه المادة استعمل فيها المصدر، (ودعهم) ((لينتهين أقواماً عن ودعهم الجمعات)) هذا المصدر مستعمل (ودعهم) يعني تركهم، ((وحتى يدعها)) ودع: فعل الأمر أيضاً مستعمل: ((دع ما يريبك)) بقي الماضي، يقول أهل العلم: أنه أميت ماضيه، (ودع) أميت ماضيه وقرئ في الشواذ: (ما ودعك ربك) بمعنى ما تركك، ما ودعك، على كل حال الماضي أميت كما نص على ذلك جمهور أهل اللغة.
((إذا اؤتمن خان)) الأمانة شأنها عظيم، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[(58) سورة النساء] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لشدتها وصعوبتها {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [(72) سورة الأحزاب] هذا هو السبب في كونه حملها، هو حملها التزم حملها؛ لكن هل وفّى بما التزم؟ نعم منهم من وفّى ومنهم من خان، والحديث في حق الصنف الثاني ((إذا اؤتمن خان)) إذا أودع وديعة، أو وضعت عنده أمانة خانها وتصرف فيها وجحدها، أو غيرها وبدلها هذه خيانة، والخيانة شأنها عظيم، والله المستعان.
((وإذا حدث كذب)) حدث تكلم كذب، والكذب أن يخبر عن الشيء على خلاف ما هو عليه، على خلاف الواقع، فإذا أخبر عن شيءٍ على خلاف واقعه مع علمه بذلك فقد كذب، يقول: حضر زيد، وزيد ما حضر، مات عمرو، وعمرو ما مات، هذا كذب نسأل الله العافية، قد يقول قائل: هناك كذب ما يضر، ليش نرتب هذه الآثام على أمور سهلة ميسورة؟ وهذه يرتكبها كثير من الناس، إما نكتة ليضحك القوم، أو ليتخلص من موقف، ما يضره، يعني مجرد إحراج يسير بينه وبين زملائه وين أنت يا فلان؟ والله انشغلت، وهو ما انشغل (والصدق منجاة) كما في حديث الثلاثة الذين خلفوا، قصة الثلاثة الذين خلفوا الصدق منجاة، فتجد كثير من الناس يتساهل في أول الأمر في الأخبار التي لا يترتب عليها شيء، ثم يجره ذلك التساهل إلى أن يكون الكذب ديدن (إذا حدث كذب) قد يحتاج إلى شيءٍ من التورية والمعاريض، وفيها مندوحة عن الكذب، فتقبل المعاريض إذا كان الإنسان مضطراً إليها، ولا يترتب عليها مفسدة لآخر.
أيضاً هناك ظروف وصنوف من العلوم هي على خلاف الواقع، فمثلاً المناظرات بعض العلماء يعقد مناظرات، مناظرة بين سني وقدري، مناظرة بين سني وشيعي، مناظرة بين سني وجهمي، قال السني، قال الجهمي، وما في أحد، هو الذي نسجها، وأخبر عن هذه المناظرة بخلاف الواقع، سلكها أهل العلم ورأوا أن المصلحة راجحة في مثل هذا، أيضاً المقامات، مقامات الحريري خمسمائة صفحة، مقامات البديع، مقامات السيوطي، حدث الحارث بن همام قال: ما حدث ولا حُدث؛ لكن قالوا: أن في هذه المقامات من العلوم لا سيما علوم اللغة يحتاج إليها طلاب العلم، وهذه وسيلة من وسائل التعليم يروا أنها يتجاوز عنها، ولذا قال الحريري تمنى أن لو خرج منها كفافاً لا له ولا عليه، رغم أنها نفعت حقيقةً هذه المقامات نفعت، والنحاة كلهم يتواطئون على قولهم: (ضرب زيد عمراً) لا ضارب ولا مضروب، لا زيد ولا عمرو، مثل هذه الأمور يتجاوزون، ويتسامحون فيها؛ لأن المصلحة المترتبة عليها أعظم من المفسدة، عقد مناظرة بين العلوم، قال علم التفسير كذا، قال علم الحديث كذا، رد علم الفقه بكذا.. الخ، لا راد ولا مردود، هذا لا شك أنه إخبار عما هو في الحقيقة خلاف الواقع؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة المترتبة عليه.
وأقوال: أن من اتقى حتى مثل هذا، وفي الأمور الصريحة وفي بيان العلم وإيصاله إلى مستحقه ما فيه مندوحة عن ارتكاب مثل هذه الأمور ولا يثرب أيضاً على من فعلها باعتبار المصلحة الراجحة؛ لكن الإنسان يختار لنفسه الأحوط، (إذا حدث كذب) من أعظم الكذب، الكذب الذي يترتب عليه اقتطاع حق مسلم، أو إراقة دم مسلم، من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، هذا شيء عظيم، اقتضاء حق المسلم أيضاً، شهادة الزور جاء فيها ما فيها، أعظم من ذلك الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء فيه الحديث المتواتر، ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وبعض أهل العلم يقول: ما له توبة الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضهم حكم بكفره؛ لكن هذا قول مردود؛ لكن لعظم هذا الكذب الذي يكذب به على النبي، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على سائر الناس، وأعظم من ذلك الكذب على الله، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية، ومن أظهر أو أوضح مظاهر الكذب على الله الجرأة على الفتيا بغير علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[(116) سورة النحل] فيتورع طالب العلم عن مثل هذا، ونرى من يفتي وهو ليس من أهل العلم، نرى صغار الطلاب يبادرون إلى الإجابة على كثير من الأسئلة التي يتورع عنها كبار سلف هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يسعى في خلاصه، وأهل العلم يقررون أن على المفتي أن يسعى في خلاصه قبل أن يسعى بخلاص المستفتي، لماذا؟ لأن نفسك أهم عليك، لماذا جلس يفتي الناس؟ إلا لمصلحته هو، لما يرجو من ثواب الله -جل وعلا-، فإذا انعكست المسألة وكسب من السيئات الشيء العظيم بسبب ما يرجو فيه ثواب الله هذا خسران، خسر الدنيا والآخرة، فلنتقي مثل هذا، والله المستعان.
((إذا عاهد غدر)) الأمر ليس بالسهل، العهد والميثاق إذا أعطى الإنسان ثمرة فؤاده وصفقة يمينه، ثم بعد ذلك يغدر به هذا شأنه عظيم لأن المعاهَد يأمن من عاهده وحينئذٍ ينقض عليه فيغدر به، يعطيه العهد والميثاق ثم يغدر به، وينصب لكل غادرٍ لواء هذه غدرة فلان نسأل الله العافية، بين الخلائق، فالأمر ليس بالسهل، تقسم أنك لا تخبر أحد، تقسم أنك لا تفعل ثم بعد ذلك تغدر، أحياناً قد يكون هناك مصالح ومفاسد، مفسد في الأرض، شخص مفسد في الأرض ضرره متعدي، يخشى على الأمة من ضرره، فإذا قبض عليه مثلاً أخبرنا بما عندك ولك الأيمان المغلظة أن ما في أحد يغدرك، هذا قد يوجد، مفسد أو مروج، مفسد لنساء المسلمين وشباب المسلمين بطرقه ووسائله، هذا قد يقبض عليه أهل الحسبة أو غيرهم ثم يقسمون له ويعطونه الأيمان المغلظة أنهم لن يخبروا أحد حتى إذا أخبر بجميع ما عنده، من الصعب بعد هذا أن يترك، من الصعب أن يترك لأنه لا يؤمن أيضاً، فينتاب المسألة مثل هذا الحديث إذا عاهد غدر وينتابها أيضاً أن تركه هكذا أيضاً فيه ما فيه، وحينئذٍ تقدر المصلحة والمفسدة، والعلماء ينظرون في مثل هذه القضايا.
((وإذا خاصم فجر)) الإنسان قد يحتاج إلى الخصومة والتقاضي؛ لكن عليه، يجب عليه الإنصاف من نفسه فلا يتعدى على غيره، لا يجوز له أن يتعدى على غيره، وذلك بأن يكون ألحن من الخصم في حجته، عنده بيان وقوة حجة، بحيث يكسب القضية، هذا متوعد بمثل هذا، هذا فيه خصلة من خصال المنافقين، وأكثر المنافقين أهل بيان وأهل حجج وخصومات، تمرسوا هذا المكر والخديعة، فهذه من سماتهم، فليتق الله -جل وعلا- من يمثل أمام القضاة في الخصومات، سواء كانوا لأنفسهم أو لغيرهم من المحامين، هذا أمر خطير جداً، المحامي عليه الإنصاف، ينظر في القضية قبل أن يقبلها من صاحبها، وينصح صاحبه الذي يريد أن يخاصم عنه إذا لم يكن له نصيب في القضية، يقول له: اتق الله يا فلان؛ لكن بعض المحامين يوجد فيهم أهل خير وفضل وصلاح؛ لكن بعضهم إذا زيد في الجعل في الأجرة ارتكب كل ما تيسر له من مباح ومحظور ليكسب القضية، وهنا قضايا حقيقةً امتحان ابتلاء، شخص تو فاتح مكتب المحاماة، يقال له: خذ مليون على هذه القضية كان يتمنى ألف لا شك أنه سوف يجلب على هذه القضية كل ما أوتي من بيان وحجج بحق أو بغير حق؛ لكن هنا المحك وهنا الاختبار، إن تركها لله عوضه الله خيراً منها، إن أقدم دخل في الحديث. ((وإذا خاصم فجر)) فعلينا أن ننصف من أنفسنا ولا ندخل فيما نعلم أنه باطل، أو فيما يتبين أنه حق، القاضي شريح -رحمه الله- جاءه ابن له وقال: إن بيني وآل فلان خصومة أعرضها عليك فإن كان لي الحق قاضيتهم، وإن كان مالي حق تركتهم، فعرضها على أبيه، فقال: لك الحق هاتوه، فلما حضروا حكم على ولده، قال: يا أبت ما اتفقنا على أنه كان ما لي حق ما أجيبهم، ليش تتعبنا وتطلب الخصومة وكذا، قال: نعم لو قلت: الحق لهم ولا شيء لك ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، صلح؛ لأن كثير من الناس مستعد يدفع شيء يسير ولا يروح إلى القضاة ويجرجر بهذه المحاكم والشهود، يعني لو تدعي شخص بمليون ريال وأنت ما عندك شيء أبداً، ما هو صحيح، وكل يوم تقف عليه يالله مشينا المحكمة وعنده أشغال تعرف أنه مشغول ما هو مستعد يروح معك، وتتخلص أنت وإياه على عشرة آلاف، يبي يعطيك عشرة آلاف، وهو يضحك، وابن القاضي شريح يقول: لو قلت: أن الحق لهم ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، خلينا نحسم المادة من هنا، فنكن على حذرٍ من ذكر هذا، والله المستعان.
الحديث الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا‏؟‏ من خلق كذا‏؟‏ حتى يقول‏:‏ من خلق الله‏؟‏ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ)‏)‏‏ متفق عليه، وفي لفظ: ‏(‏(فليقل‏:‏ آمنت بالله ورسله)‏)‏ متفق عليه‏، وفي لفظ: (‏(‏لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون‏:‏ من خلق الله‏؟‏‏)‏‏).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي الشيطان أحدكم)) والشيطان يطلق ويراد به الشيطان الأكبر إبليس لعنه الله، ويطلق ويراد به واحد الشياطين، وكما أن في الجن شياطين في الإنس شياطين، فالاحتمال قائم أنه الشيطان الأكبر أو أحد الشياطين من شياطين الإنس والجن، ((يأتي الشيطان أحدكم)) يعني من المسلمين، وشياطين الإنس تسلطوا على المسلمين في مثل هذه الأسئلة، ومثل هذه الشبهات، كانت مثل هذه الأسئلة أمور نفسية وخواطر وهواجس؛ لكن الآن بيوت المسلمين الآن من يحصنها من مثل هذه الشبهات؟ تلقى إليهم من خلال القنوات، الإنسان امرأة لا تقرأ ولا تكتب تستمع لمثل هذه الشبهات، وشاب أو شابة يلقى إليهم من الشبهات والشهوات ما تشيب لها الذوائب، نسأل الله السلامة والعافية، فمقاومة مثل هذه الشرور بأمور: أولاً: يجاهد الإنسان بقدر الإمكان ألا يستعمل من هذه الآلات شيئاً، ولو كان فيها شيء من النفع؛ لأن مفاسدها أعظم، ويحذر الناس منها، ويقدَم للناس ابتداءً ما يحصنهم من هذه الشهوات والشبهات، وإلا فالأمر جد خطير؛ لأنه يوجد الآن تأثير واضح جداً على كبار السن فضلاً عن الصغار، شياب، سبعين، ثمانين، كانوا عمار مساجد لا يحضرون الصلوات في المسجد، الليل كله سهر على القنوات، ويقلبون من قناة إلى أخرى وكذا وينظرون لمثل هذه الأمور، شياب بدؤوا بالأسفار على شان إيش يسافرون؟ لأنهم لا يتمكنون من حصول ما يريدون في هذه البلاد، ولله الحمد، الله المستعان.
((يأتي الشيطان أحدكم)) وتيسرت الآن الأسباب لشياطين الإنس والجن، وحدث ولا حرج الآن، شياطين الإنس مثلما تشوفون من خلال وسائل الإعلام شيء ما يخطر على البال ولا أحد يقف في وجوههم، وشياطين الجن تسلطت على البيوت بسبب البعد عن ذكر الله، وجلب الأسباب التي تدعو إلى مخالطة هذه الشياطين ومشاركتهم للمسلمين في بيوتهم في أكلهم وشربهم ومسكنهم، الأمر يا إخوان من كل فج، تكالب على المسلمين من كل وجه، يعني شخص بيته مملوء بصور تمنع من دخول الملائكة، وفيه مزامير تجلب الشياطين، ولا ذكر، ولا قراءة قرآن، ولا زيادة نوافل، يعني إن أدى الصلاة فبلا روح، يعني مثل هذا وش اللي يمنع أنه يكون مركز من مراكز الشياطين؟! كثير من الناس يشكو، يرى في النوم مفزعات، ولده يفعل كذا، وبنته تسوي كذا، يا إخوان الأمر خطير، من يطرد هذه الشياطين من البيوت إلا الذكر؟ شخص خطب امرأة، يعني هذه وقائع، فرفضته، فذهب إلى ساحر، وقال: هذه مائة ألف ودبر هذه؟ قال: أمهلني أسبوع، بس شياطينه عجزت، كل ما أرادوا أن يصلوا ردوا، جاءه قال: أسبوع ثاني ومثله، وثالث ومثله، قال: يا أخي هذه المرأة عجزنا عنها، عجزنا عنها البتة، امرأة صالحة، محصنة بالأوراد والأذكار، ماذا صنع هؤلاء الشياطين لما عجزوا عن هذه المرأة الصالحة؟ ذهبوا إلى أخت الخاطب فابتليت بهم، والله المستعان.
شخص من الشباب الصالحين لما تمت الساعة اثنا عشر ونصف دوخل، دخله جني، فاستدعي واحد من طلاب العلم من جيرانه ليقرأ عليه فرقاه، تكلم الجني قال: "ما الذي جعلك تدخل في هذا المسكين عبد صالح محافظ على الأذكار محافظ على كذا، قال: "والله أنظرته إلى الساعة الثانية عشرة ليقرأ آية الكرسي ما قرأ آية الكرسي ودخلت، فالمسألة تحتاج إلى عناية أيها الإخوان، عندنا حصون نتحصن بها، ومع ذلك نترك، العمر يمضي كله في القيل والقال وهذه أمور، يعني الذكر هل يكلف شيء؟ أنت جالس قائم نايم في مجلس خالي، ما يكلفك شيء، ((سبق المفردون)) ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] المسألة يعني أمور لا تكلف شيء، وآثارها عظيمة، فوائد الذكر شيء لا يخطر على البال، يعني مما أحصاه ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة، لكن وراء ذلك أضعاف مضاعفة، يعني الإنسان هل هو مبرأ من الذنوب والمعاصي في مثل هذه الظروف؟ يعني ما الذي يضيره أن يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر؟ يعني في دقيقة ونصف لا تزيد، فلنتحصن من هؤلاء الشياطين؛ وليكن حذرنا من شياطين الإنس أشد؛ لأن شياطين الجن نستطيع أن نحصن بالأذكار؛ لكن شياطين الإنس لا بد أن نفر منهم فرارنا من الأسود.
((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟)) يستدرج، من خلق كذا؟ من خلق الدنيا؟ من خلق الجبال؟ من خلق الأرض؟ من خلق السماء؟ من خلق الجنة؟ من خلق النار؟ إلى أن يستدرج بالإنسان، يجيب المسلم الله الله، خلقها الله، حتى يقول: من خلق الله؟ اعتماداً على ما من مخلوق إلا وله خالق؟ الإنسان في الذهن لا يمكن أن يوجد نفسه، من خلق الله؟ وهنا هل يستطيع الإنسان بعقله الضعيف أن يستمر في هذه الأسئلة؟ لا بد من حسم المادة، وحسمها يكون بثلاثة أمور، ذكرت في الحديث، إذا بلغ إلى هذا الحد فليستعد بالله من هذا الشيطان الذي أغواه وأضله، ولينته مباشرةً ما يتجاوز، ما يقول: هذا السؤال صعب هات اللي بعده، لا لا، خلاص يحسم الموقف، ولينته فوراً، ثم بعد ذلك في اللفظ الآخر يقول: ((آمنت بالله ورسله)) لا بد من التسليم التام المطلق، وقدم الإسلام كما قرر أهل العلم لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لا بد أن يكون هذا آخر المطاف، (آمنت بالله ورسله) آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، فلا بد للإنسان أن يقف مهما كان، وهؤلاء الذين يدعون إلى المناقشات والمحاورات والمناظرات وتلقى في بيوت الناس مناظرات تظلهم هؤلاء لا شك أن أهدافهم سيئة، وإلا هناك أمور لا بد أن يقف، صاحب الحق لا بد أن يقف؛ لأنها إن كانت المناظرة مع من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمداً نبياً، لا بد أن يقف إلى هذا الحد؛ لكن إن كانت من شياطين الإنس والجن يتجاوزون الحد، المسلم عنده أمور لا بد أن يسلم بها ولو لم يحتملها عقله؛ لأن عقل الإنسان محدود، يعني الشبهات التي أثيرت على حديث النزول مثلاً، نحن نقطع بأن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة؛ لأن النصوص القطعية جاءت بذلك، ونجزم معتقدين لا يساورنا بذلك أدنى شك أن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، كيف تجمع بين هذا وهذا؟ يقول شيخ الإسلام: "المقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو منه العرش" يعني لو ناظرك جهمي وإلا شيء في مثل هذا بيقتنع؟ ممكن يقتنع بمثل هذا؟ أبداً ما في مثل حسم المادة مع هؤلاء، وفي لفظٍ: ((لا يزالون يتساءلون حتى تقولون: من خلق الله؟)) وهنا يبين هذا اللفظ أن هذا الذي يقول من شياطين الإنس، ولمسنا هذا واضح وظاهر من خلال هذه القنوات، من خلق الله؟ ويكون الجواب بالثلاثة الأمور السابقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أم الخطاب78 30-11-09 11:37 PM

مقرر الدرس الثاني هنا حبيباتي

http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215

شكر الله لأخيتنا الشهيدة بإذن الله ..

أم الزهراوين 03-12-09 06:40 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكن الله اخواتي
بارك الله فيكن واحسن اليكن
اين اجد تفريغ المقرر الثالث؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أم الخطاب78 04-12-09 02:17 PM

مقرر الشريط الثالث لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (3)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه (جوامع الأخبار):
الحديث التاسع: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (‏(‏كل شيء بقدّر حتى العَجْز والكَيْس)‏)‏ رواه مسلم‏.‏

الحديث عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر)) {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر]


لا يخرج شيء عن قدر الله -جل وعلا-، كل شيء مقدر ومكتوب ومسطر، حتى العجز والكيس، الإنسان المسترخي العاجز الكسول مكتوب عليه هذا، والكيّس الفطن الحازم أيضاً مكتوب له هذا قبل أن يخلق، هذه الأمور مكتوبة عليه، لما علم الله -جل وعلا- في طبع الأول مما يناسب العجز، وما علمه في طبع الثاني وتركيبه مما يناسب الكيس فلا ظلم؛ لأن العاجز قد يقول هذا أمر مقدر علي، عاجز، هذا مكتوب عليّ ما لي مفر منه، نقول: نعم، أنت مكتوب عليك كذا، ومكتوب عليك أنك تطيع أو تعصي، كل هذه بقدر؛ لكن لا يجوز لك أن تحتج بالقدر على المعايب، على ما تعاب عليه لا يجوز لك بحال أن تحتج بالقدر، تراخيت وعجزت وتكاسلت عن أداء واجب، نقول: نعم وإن كان مكتوباً عليك إلا أنه لا يجوز لك أن تحتج به؛ لأن الله جعل فيك وركب فيك من الحرية والاختيار ما يناسب مقاومة هذا العجز، فتكون ممن كتب له الكيس، وما يدريك هل اطلعت على ما كتب عليك؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) لا ظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] فالاحتجاج بالقدر على المعاصي والمعايب لا يجوز بحال، بينما يحتج به على المصائب، ولذا في حديث الاحتجاج، احتجاج آدم وموسى، احتج آدم وموسى، موسى قال: أنت آدم وخلقك الله بيده، وأدخلك جنته، وفعل وترك وكذا، أخرجت نفسك وذريتك من الجنة، احتج آدم بالقدر، قال: "كم وجدت هذا مكتوباً عليّ قبل أن أخلق" قال: بكذا وكذا، فحجّ آدم موسى، آدم عصى بلا شك، فأكل من الشجرة لكنه ندم وتاب، وتاب الله عليه، فبقيت عنده آثار المعصية وهي المصيبة، فللإنسان أن يحتج بالقدر على المصائب، بينما المعايب وما يعاب عليه هذا لا يجوز له أن يحتج بالقدر عليها، والاحتجاج بالقدر على المصائب ديدن المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] هذا ديدنهم الاحتجاج بالقدر، نشرح شرح مناسب يا إخوان؛ لأن الطلب كثير على إنهاء الكتاب، إذاً نشرح شرح نمشي يعني ما نطيل فيه، تقرير بعض المسائل، وإن كانت مسائل مهمة وتحتاج إلى وقوفٍ طويل وإيضاح وبيان لكن الوقت مثلما ترون.


أم الخطاب78 04-12-09 02:19 PM

الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏(من دعا إلى هُدَىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً‏،‏ ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)‏)[رواه مسلم]‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه)) من دعا إلى هدى، من دعا إلى خير، من دعا إلى فضل، من دعا إلى عملٍ صالح، من دعا إلى تقوى، من دعا إلى تعلم علمٍ شرعي، المقصود أن أبواب الخير كثيرة جداً، فمن دعا إلى بابٍ واحد من أبوابها واستجيب له، استجيب لدعوته، واستقام من دعاه إلى هذا الهدى وعمل به كان لهذا الداعي من الأجر مثل أجور من اتبعه، هذا أمر عظيم جداً، ينبغي أن ينتبه له طالب العلم من البداية، إذا تعلم شيئاً يعلمه الناس، فإذا عملوا به كان له من الأجر مثل أجورهم، وفي هذا حث على التعليم والدعوة ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) فإذا دعوت الناس إلى الخير والفضل والاستقامة، دعوت شخص إلى الإكثار من النوافل، ولو كان مستقيم، لاحظت عليه تقصير في نوافل العبادات، تقصير مع كتاب الله -جل وعلا-، حثثته على ذلك وبينت له ما له من الأجر فالتزم ذلك وصار يقرأ القرآن باستمرار، لك مثل أجره، هذه من الأمور ومن الأجور التي لا تخطر على بال المسلمين، يعني تصور أنك دعوت هذا الشخص فاستجاب وعمل بهذا العمل خمسين سنة، لك من الأجر طول عمره، بقدر ما عمل، ثم هذا الشخص دعا آخر إلى هدى فاستجاب له لك أجره وأجر من هداه؛ لأن من هداه له أجره ولك أجر الجميع، يعني شيء أمور لا تخطر على بال المسلم، من الدعوة إلى الهدى إضافةً إلى الدعوة التي هي الأصل في الباب التأليف، قد يستفيد وينتفع شخص من كلمةٍ تقولها من قلبٍ ناصح، ومن إخلاص، ينتفع بها شخص ويعمل بها أنت دعوته إلى هذا الهدى، فهذه أبواب خير مضاعفة أضعاف لا تخطر على بال، وكم من شخص قرون يستمر عمله، قرون لا ينقطع عمله، فالعلم الذي ينتفع به، سواء كان أدى عن طريق الدعوة، عن طريق التعليم، أو عن طريق التأليف، هذا شأنه عظيم، فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، افترض أن هذا الشخص قلت له، لاحظت على زميلك أنه مفرط في حق القرآن مثلاً، وبينت له أن هذا القرآن كل حرف عشر حسنات، وأنت جالس، وأنت نائم، وأنت مضطجع، وأنت كذا تقرأ القرآن {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ولا يكلفك شيء، فأخذ يقرأ القرآن في أول الأمر شيئاً فشيئاً إلى أن يكون ديدنه القرآن، له من الأجور الشيء الكثير، ولمن دله وهداه إلى هذا الهدى مثل الأجر، ولمن اقتدى بالثاني أجره، وكذلك ينقلب الأجر أيضاً إلى الداعي الأول، وفضل الله لا يحد، قد يقول قائل: من يحيط بهذه الحسنات؟ يعني أنت تحاسب من؟ قد يقول قائل: مثلاً شخص اهتدى على يديه مائة ألف، كيف؟ مائة ألف وله مثل أجورهم؟! نعم له مثل أجورهم، فضل الله لا يحد ولا يحاط به، إذا كان أدنى أهل الجنة منزلة آخر من يخرج من النار يقال له: يتمنى فيتمنى ملك أعظم ملك في الدنيا، فيقال له: لك وعشرة أمثاله، فالمسألة لا نتعاظم مثل هذه الأمور، ولا نقصر فيها، ولا نتعاجز عنها؛ لأن كثير من الناس يسمع مثل هذا الكلام وبين مصدق وبين متردد، أمور يعني، جاء في بعض الأخبار وإن كان فيه مقال في المسند: ((إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة بألفي ألف حسنة)) يعني إذا كانت قراءة القرآن التي لا تكلف شيئاً، يقرؤه بعض الناس بست ساعات، يعني أقل تقريب ثلاثة ملايين حسنة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أجور لا تخطر على البال، ولا تظن أن البند ما يتحمل، وإلا الميزانية مقصرة، لا لا، بيده كل شيء، بس الإنسان يسعى لخلاص نفسه، ثم بعد ذلك يسعى إلى تعدي الخير لينفع إخوانه، وينصح لإخوانه، ويدلهم على الهدى؛ ليكسب من الأجور ما يلقاه غداً -إن شاء الله تعالى-، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، لا يقال: يا فلان السعاية عليك وإلا على البائع وإلا على المشتري لا لا، أجر هذا كامل وأجر هذا كامل، ما عليك، يعني أنت لو دللت شخص على مساهمة وقلت له: فلان فاتح مساهمة نبي نروح.... أولاً هذا ما هو معطيك مثل أجر ذا، مثل ما أعطاه هذا ولا هو معطيك شيء أصلاً إلا أن كسب.... ثم بعد ذلك يبي يعطيك أجرة المثل اثنين ونصف في المائة، وين هذا من هذا؟ وتجد الناس يلهثون وراء هذا الثاني الدنيا الدنية ليل نهار، ولا عنده استعداد ينصح أخاه يصلي بجنبه يلاحظ عليه أمور ما يسدي له كلمة نصح قد تنقذه من هلكة، يبذل له نصيحة بخمس دقائق يمكن تغير حياته، وهنا يكون له من الأجر مثل أجر هذا الذي دله وهداه ((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه)) نسأل الله السلامة والعافية.
يعني تتصورون بعض الناس ألف سنة أجره ماشي، وآخر ألف سنة أوزاره ماشية ((من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فليكن الإنسان على حذر، وليحرص أشد الحرص على كسب ما ينفعه يوم القيامة، أحوج ما يكون إليه، ويحرص أشد الحرص على المحافظة على مكتسباته؛ لأن بعض الناس يأتي ويكسب ويفعل ويروح ويمين ويسار وحريص على الخير والبذل والدعوة والتعليم ثم يسعى إلى تفريق هذه الأمور، بنفسه يفرقها، فإذا حرص الإنسان على اكتساب الحسنات يكون حرصه على المحافظة عليها أشد، والله المستعان.

أم الخطاب78 04-12-09 02:21 PM

الحديث الحادي عشر: عن معاوية -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)‏)[متفق عليه]‏.‏



نعم هذا حديث معاوية -رضي الله عنه- في الصحيحين وغيرهما ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ((من يرد الله به خيراً)) (خيراً) نكرة في سياق الشرط فتعم جميع أنواع الخير، قد يقول قائل: نعم نكرة في سياق الشرط والأصل فيها أنها للعموم؛ لكن نشوف من تفقه في الدين بعضهم فقراء، ومن أسماء المال الخير {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} يعني مالاً، فكيف ((من يرد الله به خيراً)) وفقير ما عنده خير ما عنده مال؟ نقول: يا أخي هذا الخير وإن سماه الله -جل وعلا- خيراً بحسب ما تعارف عليه الناس إلا أنه بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء؛ لأن بعض الناس يقول: ((من يرد الله به خيراً)) الخير المال، {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [(180) سورة البقرة)] ونجد بعض من تفقه في الدين لا مال له؟ هل نقول: أن هذا الخبر خالف الواقع؟ لا، خير الدنيا بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من نفس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة)) من قال: من كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا كلها لا شيء بالنسبة لكرب يوم القيامة، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) والفقه الفهم، والمراد به ما يترتب عليه من العمل به؛ لأن الفقه والفهم والعلم إذا لم يقترن بالعمل لا قيمة له، بل هو وبال على صاحبه، فضلاً عن أن يقرن بشيءٍ من المخالفات من المعاصي، قد يقول قائل: نجد من فقهه الله في الدين وعنده مخالفات، بعض الفساق يحملون شيئاً من الدين، نقول: هذا ما يحمله الفاسق من الدين ومن الفقه ليس بعلمٍ ولا فقه في الحقيقة ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) فما يحمله الفساق وإن سماه الناس علماً وسموه فقهاً إلا أنه ليس بشيء؛ لأن الفقه في الدين إنما هو في الحقيقة ما نفع، أما الذي لا ينفع فليس بفقه، وليس بعلم ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) العدول الثقاة هم الذين يحملون العلم، العلم الحقيقي النافع، أما ما يحمله غيرهم وإن سمي علماً بمعنى أنه إدراك وتحصيل لبعض العلوم لكنه في الحقيقة ليس بعلم، ويشير إلى ذلك قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] إيش معنى بجهالة؟ هل معنى أن الإنسان إذا زنى وهو يعرف أن الزنا حرام ليست له توبة؟ إنما التوبة للشخص الذي يجهل الحكم؟ لا، يقول أهل العلم: كل من وقع في معصية فهو جاهل، إذاً العاصي جاهل، ولا يجتمع الجهل والعلم في وقتٍ واحد، لأنهما متضادان، فما يحمله الفساق ليس بعلم، وإن ادعي ذلك، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

قلت: ولابن عبد البر كل من عني *** بحمله العلم ولم يوهنِ
فإنه عدل بقول المصطفى *** يحمل هذا العلم لكن خولفا

رأي ابن عبد البر أن كل من عرف بحمل العلم فإنه عدل؛ لكن المطلوب العكس، أن كل عدل يحمل فهو عالم، بخلاف غير العدل فليس بعالم، وهو حث للعدول الثقاة بحمل العلم بحيث لا يترك المجال للفساق الذين يستغلون هذا العلم لصرف الناس عن دينهم بالتحريف والتأويل، وتضييع الناس، ولهذا يكثر المسخ في آخر الزمان في هذه الأمة كما ذكر ابن القيم وغيره، ويكون في طائفتين من الناس، للحكام الظلمة الذين يضلون الناس عن دينهم، وللعلماء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل تبعاً لأهوائهم ومصالحهم.



المقصود أن الأمر خطير، يعني يميلك، نعم خير الفقه في الدين خير، لكن يبقى أنه لا بد من العمل بهذا العلم، والفقه أعم من أن يكون فقه الأحكام الشرعية العملية في العبادات والمعاملات ونحوها، بل أعظم منه وإن كان عظيماً الفقه الأكبر الذي هو الاعتقاد، وهو فقه وأيضاً جميع أبواب الدين كما يقول في الحديث: ((يفقهه في الدين)) يعني بجميع أبوابه، فيحرص الإنسان على دراسة كتاب الإيمان مثلاً، كتاب التوحيد، كتاب الطهارة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، البيوع، المعاملات، الأقضية، المناكحات، المغازي، السير، الشمائل، الفتن، الاعتصام، الدعوات، الأذكار، كل هذه أبواب الدين، بعض أبواب الدين يهملها كثير من طلبة العلم لا يلقون لها بالاً، أبواب الرقاق مثلاً، من منا صار ديدنه النظر في هذه الأبواب التي تدعو الإنسان إلى الوجل والخوف من الله -جل وعلا-؟ {إالَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [(2) سورة الأنفال] لكن الإنسان الذي حلال حرام وفقه وما أدري إيش؟ حاله خير ويعبد الله على بصيرة؛ لكن يبقى أنه ما الذي يحدوه إلى هذه الأحكام إلى مثل هذه الأبواب المهملة المهجورة، فعلينا أن ننتبه لهذا يا إخوان، ولذا قال: ((في الدين)) يراد به جميع أبواب الدين من العلوم النافعة، مما اشتمل عليه الوحيان، وأيضاً يعنى طالب العلم إضافةً إلى الوحيين من نصوص الكتاب والسنة إلى ما يخدم نصوص الوحيين، وما يعين على فهم نصوص الوحيين من الكتب الوسائل التي تعين على فهمهما من كتب الأصول وعلوم القرآن وأصول الحديث وأصول الفقه وعلوم الآلة، علوم العربية، وكلها تخدم الكتاب والسنة؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، وبهذا إذا سلك الجادة ووفق بمعلمٍ ناصحٍ مشفق يدله على الطريق المناسب والجادة المطروقة عند أهل العلم، فبإذن الله يدرك ما يريد -إن شاء الله تعالى-.


أم الخطاب78 04-12-09 02:24 PM

الحديث الثاني عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف‏،‏ وفي كلٍّ خير،‏ احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز، ‏وإن أصابك شيء فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل‏:‏ قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان‏)‏) [رواه مسلم]‏.‏
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) نعم المؤمن الضعيف فيه خير كثير ينفع نفسه؛ لكن المؤمن القوي ينفع نفسه ويتعدى نفعه إلى غيره، والكل فيه خير، ((المؤمن القوي خير)) وهذه أفعل تفضيل، خير وشر من أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل هنا مثلها أحب مستعملة على بابها، أفعل التفضيل مستعمل على بابه، بمعنى أن المؤمن القوي والمؤمن الضعيف في كل منهما خير، يشتركان في هذه الصفة، ويزيد أحدهما وهو المؤمن القوي في هذه الصفة على الثاني وهو المؤمن الضعيف، فهي مستعملة على بابها؛ لكن في مثل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] هل هي على بابها؟ لا، ليست على بابها، لماذا؟ لأنه لا يشترك أصحاب الجنة وأصحاب النار بالخير؛ لأن أصحاب النار لا خير عندهم، ولا خير فيهم، ولا أعد لهم شيء من الخير، بل هم في شر مستمر، فأفعل التفضيل ليست على بابها، وهنا في الحديث أفعل التفضيل على بابها، فالمؤمن القوي فيه خير، والمؤمن الضعيف فيه خير؛ لكن وإن اشتركا في هذه الصفة إلا أن المؤمن القوي أدخل وأعرق في هذه الصفة، وأعظم في هذه الصفة من المؤمن الضعيف لما يترتب على ذلك من قوة وحزم وعزم وإصرار على أفعال الخير اللازمة والمتعدية، المؤمن الضعيف قد يضعف عن بعض ما أوجب الله عليه، وقد تضعف نفسه أمام المغريات فيرتكب بعض ما نهى الله عنه، وقد يضعف أيضاً عن إيصال وتعدية الخير إلى غيره بخلاف المؤمن القوي، وإن كان في الجميع خير؛ لأن الإيمان خير.
((احرص على ما ينفعك)) ما ينفعك في دينك وفي تحقيق الهدف الذي خلقت من أجله وهو العبودية لله -جل وعلا-، ومع ذلك لا تنس نصيبك من الدنيا، احرص على ما ينفعك، كثير من الناس بحاجة إلى هذا الأمر، تجده يضيع وقته من غير فائدة، لا في دينه ولا في دنياه، لا يشغل نفسه بما يرجع إليه بالخير لا في الدنيا ولا في الآخرة، وكثير من الناس بحاجة إلى أن يقال له: لا تنس نصيك من الآخرة، لما يرى من حال كثير من الناس من اللهف وراء الدنيا، أعطوا الدنيا أكبر من حقها، وأخذوها من غير وجوهها، وصرفوها بغير مستحقها.
المقصود أن الناس بحاجةٍ ماسة إلى الحرص على ما ينفع، والهدف الأصلي الذي من أجله خلق الإنسان وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، فلنحرص على تحقيق هذا الهدف وما يعين على تحقيق هذا الهدف، ولذا قال -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]
فاحرص على ما ينفعك في هذا وهذا، والتوازن لا بد منه، أمر مطلوب؛ لأنه لا يمكن أن يقوم الدين إلا بشيءٍ مما يعين عليه من أمور الدنيا.
((واستعن بالله)) احرص على ما ينفعك، ابذل، لكن لا تعتمد على نفسك، وتقول: أني فعلت وعرفت ودرست وخططت والنتائج مضمونة، لا لا ما في، استعن بالله، فالمرء من غير إعانة وعون من الله -جل وعلا- عمله وبال عليه.

ثإذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده
لا بد من الاستعانة بالله في كل شيء، وإذا أمرنا بطلب الإعانة من الله -جل وعلا- على تحقيق العبودية في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] على تحقيق العبودية الجملة التي سبقتها وعلى غيرها مما يعين على تحقيقها، ((استعن بالله)) ارتبط بربك، ثق بربك ولا تعجز، لا تيأس، لا تمل، لا تكل، احرص على ما ينفعك، تعلم، اعمل، ابذل، أأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، ولا تعجز تقول: والله الناس خلاص انتهوا ما فيهم خير، وتيأس وتكسل وتترك الأمر والنهي، لا يا أخي أنت مأمور ببذل السبب والنتائج بيد الله -جل وعلا-.
((وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا.. فإن لو تفتح عمل الشيطان)) بدأت بمشروعٍ تجاري فخلال السنة أرباحك قليلة، لو أني دخلت في العقار كان المكاسب أعظم، لو أني فعلت كذا، لا لا، لو تفتح عمل الشيطان؛ لأنه لا ينتهي، فلا يجوز أن يقول: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، وما يدريك لأنك لو فعلت كذا كان الأمر عليك أشد وأعظم؟ هذا غيب، واحتمال أن يكون اشتغالك بهذا دون هذا خير لك في دينك ودنياك، وأن يكون الله -جل وعلا- صرف عنك من الشرور والبلاء مما لو دخلت في المشاريع الأخرى شيء لا تقدر على تحمله؛ ((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) الله -جل وعلا- هو الذي قدر، وهو الذي أراد أن أعمل هذا العمل، وله المشيئة التامة والقدرة النافذة، لا بد أن ترضى بما قدر الله لك.

وكن صابراً للفقر وادرع الرضا *** بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ
أنت أصبت بمصيبة، خسرت، وقعت من أعلى أو من كذا ، أو حصل لك ما حصل من ضرر في بدنك، في مالك، في ولدك، قدر الله وما شاء فعل؛ ولكن قدر الله وما شاء فعل، اصبر على المقدور، كل شيءٍ له أجره إذا رضيت بما قدر الله لك -جل وعلا-، صبرت على القدر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر].
((فإن لو تفتح عمل الشيطان)) وهذا في أمور الدنيا، لا تقول: لو أني كذا وكذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولما سقت الهدي)) هذا في أمور الدين، يعني بإمكانك أن تقول: لو أني صليت في المكان الفلاني ما قلت قدام، يعني تأسف وتندم على ما فات، تلوم نفسك لما حصل لك على تفريطك في أمر الدين؛ لأن بعض الناس إذا كان له مشوار يطلع مع الأذان ويترك المسجد الذي جنبه بناءً على أنه بيدرك الصلاة، وهذا في الغالب مجرب، وأنه في الغالب أنه ما يدرك الصلاة، بهذه الطريقة ما يدرك، فيلوم نفسه، لو أني صليت جنب البيت وما طلعت كان... يلوم نفسه على فوات أمرٍ ديني، أما على أمور الدنيا لا، تفتح عمل الشيطان، وعلى هذا إذا حصل منك نقص في أمر الدين وأسفت عليه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- تداركت في المستقبل؛ لكن في أمر الدنيا تقول: لو أني دخلت باب العقار مثلاً بدلاً من الأجهزة وما الأجهزة اللي وش تكسب وش تطلع؟ أو الأغذية وش فيها من المكاسب، العقار ما شاء الله، أسفت على ما فعلت وانتقلت من الأغذية أو الأجهزة أو العقار، ثم حصل لها كارثة، جائحة، إيش تستفيد؟ ولا شك أن هذا اعتراض على القدر؛ لكن في أمور الدين جاء ما يدل على جوازه.

أم الخطاب78 04-12-09 02:25 PM

الحديث الثالث عشر: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضها بعضاً)) وشبك بين أصابعه"‏ متفق عليه‏.‏
نعم في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏، وعادة أصحاب المختصرات أن يأتوا بالحديث الأول عن فلان، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأنه كلام جديد مستأنف، لم يسبقه كلام آخر، وتقدير ذلك أروي عن عمر بن الخطاب، ثم الحديث الثاني: وعن عائشة -رضي الله عنها- وعن ابن عمر، وعن ابن عمرو، وعن أبي موسى، كلها تعطف على ما تقدم، هذه هي الجادة، وعلى كل حال الأمر واضح ولا فيه لبس ولا فيه إشكال حتى لو حذفت الواو، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" يعني افترض أن شخصاً مؤمناً خالياً بنفسه ليس عنده أحد، ترجحت عنده العزلة واعتزل، أو كان من طبعه أنه لا يحب الخلطة فاعتزل مثل هذا يحصل النقص والخلل عنده الكبير في أمور الدنيا وهذا ظاهر، وفي أمور الدين أيضاً؛ لأن الناس يحتاجون إلى أن يشد بعضهم بعضاً، يشجع بعضهم بعضاً، يسند بعضهم بعضاً، حاجة فلان عند فلان فتقضى مقابل حاجة فلان عند فلان، فالمسلمون والمؤمنون كالبنيان، بلا شك يعني الخلل لو انفرد الإنسان بنفسه، مثل الخلل الذي يحصل عند انصداع الجدار، فحيث ينفرج بعضه عن بعض، لا شك أنه مآله إلى السقوط، فإذا اجتمع المؤمنون وتكاملوا، كل عنده مما يحتاجه غيره ما ليس عند غيره، لا شك أن الأمور تتكامل، والمؤمن أو الإنسان عموماً كما يقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- مدني بالطبع، يقرر ابن القيم في مواضع من كتبه، وإن كانت تنسب لابن خلدون؛ لكن ابن القيم قبل ابن خلدون، مدني بطبعه، لا يمكن أن يعيش بمفرده، هو بحاجة إلى أن يأكل، وإلى أن يشرب، وإلى أن يأنس، وإلى أن يتزوج وينجب ويتعامل ولذلك شرعت المعاملات؛ فكل إنسان بحاجة إلى ما في يد أخيه في البيع والشراء، ولذلكم أحل الله البيع، أما إنسان يقول: أنا لست بحاجة إلى الناس، نعم قد يحتاج إلى التقليل من مخالطة الناس ومعاشرتهم، هذا يمكن إذا رأى أن المصلحة في ذلك؛ لكن ينقطع انقطاعاً كلياً، وينفرد عن الناس حصل هذا لبعض الناس فوجدوا موتى، ولم يعلم أحد بموتهم إلا بعد مدة، فلا بد من الاجتماع، ولا بد من أن يشدّ المؤمن أزر أخيه المؤمن لا بد أن يقضي حاجة أخيه، لا بد أن يكون بيده مما يحتاجه أخوه والعكس، فالأمة بمجموعها متكاملة، هذا قوي ببدنه يعين، وهذا قوي بماله يعين، وهذا ضعيف يحتاج إلى إعانة، وهذا مريض يحتاج إلى طب، وهذا طبيب يطبب، وهذا معلم يعلم، وهذا متعلم يتعلم، والأمة كلها بهذه الطريقة مشتبكة، وهي كالبنيان، نعم تضع القاعدة ثم تضع اللبِن وتجعل ما يربط هذه اللبنة بالأخرى حتى يشتد البنيان، والترابط القوي المتين لا شك أنه يؤهل للعيش المتين القوي المستمر بإذن الله تعالى، لأنكم تجدون في البنايات القديمة من الطين والبن مئات السنين مترابطة؛ لكن لو شيدت لبنة واحدة فوق الأخرى بدون ترابط ما جلست ولا شهر، تجدون بعض الأبنية صروح عالية من الطين، ولا اسمنت ولا حديد وتضربها السيول قرون ومع ذلك ثابتة وباقية؛ لأنها يشد بعضها بعضاً، وهكذا حال المسلم والمؤمن ينبغي أن يكون عوناً لأخيه، غوثاً للمحتاجين، باذل، ولذا جاء مدح البذل والإحسان بينما جاء ذم الشح والبخل على الإنسان أن يبذل من بدنه لإعانة الآخرين ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) إذا كان يحسن شيء يحتاجه أخوه يقدم له، كثير من الناس يستصعب بعض الأشياء السهلة تدخل عند جارك، جارك ما يحسن شيء أخرق ما يحسن شيء عنده فيش بس يبي ربط، وأنت معك مفك اربطه وينتهي الإشكال، بينما نجد الآن يسود في دنيا الناس اليوم وهو موجود بين المسلمين مع الأسف الشديد العكس، يأتي صاحب السيارة، يجيب سيارته المسكين سطحة للورشة يشوفها المهندس يرى أن المسألة مسألة ربط سلك بسلك لا تأخذ ولا دقيقة ولا تكلفه شيء، يقول: السيارة تحتاج إلى أسبوع شغل؛ لأنه لو ربط سلك وقال: هات عشر ريالات، قال: والله على شان إيش عشر ريال؟ لكن لما يقول له: بعد أسبوع يجي يركنها ثم يربط هالسلك يقول: هات خمسمائة ريال، ويعطيه خمسمائة ريال والشكوى إلى الله، وفي الأصل أن مثل هذه الأمور يربط السلك وينتهي الإشكال، هذا إذا كان البناء مترابطاً، لكن الإشكال أن الناس سادهم الآن الشح والحسد والأنانية، كل شيء يريده لنفسه، ولا يريد لغيره ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) لا شك أن مثل هذه التصرفات خلل في واقع المسلمين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" نجيب مثال يخص طلاب العلم، جيت إلى مكتبة وجدت كتاب ناقص جزء، هذا الجزء عندك تقدر تكمل هذه النسخة تقول له: بكم الكتاب يقول لك: بمائة ريال، يعني لو كان كامل يمكن بخمسمائة ريال، هل يمكن أن تقول له: عندي جزء يكمل هذه النسخة ثم أشتريها منك؟ يمكن أن تقول؟ ما تقول، جهاد نفس هنا، ما تقول، فلو قلت له: عندي جزء يكمل هذه النسخة قال: أعطيك قيمة الجزء وأبيع عليك نسخة كاملة، لكن ما دامت النسخة ناقصة بمائة ريال هذه فرصة، وين؟ بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كذا وكذا والنصح لكل مسلم، طبق الصحابة هذا الحديث بأروع الأمثلة، جرير بن عبد الله البجلي يشتري الفرس بكم؟ بثلاثمائة، يقول: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، طيب أربعمائة، قال: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، بخمسمائة إلى أن أوصله ثمانمائة، هل يسود بين المسلمين مثل هذا النصح؟ بما يوصف مثل جرير لو وجد في عصرنا؟ يوصف بإيش؟ يكفي أن يقال: مغفل؟ ما يكفي عند الناس أن يقال: مغفل؛ لأن الموازين مختلة، منقلبة الموازين، يأتي صاحب السيارة يحتاج إلى ثانية أو ثواني يربط السلك يقول له: توكل على الله هذه ما تكلف شيء، يقول السيارة يا لله تبي أسبوع شغل، ثم بعد ذلك مجرد ما يشد السلك يتوكل على الله، يعني هل هذا يقارب صنيع جرير أو هذا مناقضة تامة لصنيع الصحابة؟ والأصل أن المسلم للمسلم كالبنيان يعني إلى وقتٍ قريب لما كانت الدنيا ليست هدف للمسلمين، إنما المسلمون وجدوا للعبودية، يقف الشخص بحاجة إلى أن يبني بيت، وش أعظم من بناء البيت؟ الآن هم البيت، يجلس سنتين يعمر، يجلس عمره كله مدين بسبب البيت، يقف باب المسجد وقال: أعان الله من يعين، يالله لبنة طين، وينتهي يومين ثلاثة وينتهي البيت، ابن عمر -رضي الله عنهما- راوي حديث: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يبني بيته بأسبوع، بنفسه، يبنيه بأسبوع، وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" الهدف تحقيق العبودية، وأمور الدنيا ماشية، نعم الدين أنه ليس دين كسل ولا خمول ولا كذا، يحثنا على العمل؛ لكن يحثنا على العمل لما يترتب على هذا العمل كسب المال من أجل مساعدة المحتاجين والإنفاق على المعاويز، وعدم التعرض والحاجة إلى الناس، وتكفف الناس، وأن يكفي نفسه ومن يعول لتحقيق ما خلق من أجله، والآن تجد الإنسان سنتين ثلاث يعمر ثم ماذا؟ وكم سمعنا وعلمنا ورأينا من أخذ يعمر البيت خمس ست عشر سنين ثم يفرش ويموت ما سكن، قصص ليست واحدة ولا ثنتين ولا عشر، والأمر أهون من ذلك. ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) يعني ما يضيرك يا أخي أن تجد شيء وأنت من أهل الصنعة ومن أهل المعرفة والخبرة شيء يحتاج إلى ربطٍ يسير ما يكلفك شيء اربطه يا أخي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كسب الحجام خبيث)) على شان إيش؟ يسود روح التعاون بين الناس، احجم للناس بلاش يا أخي، يتعاون الناس بمثل هذه الأمور السهلة اليسيرة، والله المستعان، وقل مثل هذا في كثير من الصنائع التي لا تكلف شيء، نعم الإنسان الأجرة ما فيها شيء، يعني تأخذ أجرة على صاحبك لكن أجرة مثل، لا تكلفه فوق ما يطيق، وشبك النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أصابعه، وكثيراً ما يقرن الكلام النظري بالتطبيق العملي لكي يثبت، والله المستعان.


أم الخطاب78 04-12-09 02:30 PM

الحديث الرابع عشر: عن أبي موسى -رضي الله عنه- ‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة، قال‏:‏ (‏(‏اشفعوا فلتؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء)‏)[متفق عليه]‏.‏



وهذا أيضاً عن أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة قال: ((اشفعوا تؤجروا)) النبي -عليه الصلاة والسلام- من حرصه على أن يكسب المسلمون الأجر والثواب يقول مثل هذا الكلام، وإلا قد يقول قائل: كيف تقول؟ يعني لو دخل واحد على رئيس مصلحة أو مدير دائرة وأنت جالس عنده ثم جاء واحد يقدم طلب يعني تستثقل أن يقول لك يا فلان انفع نفسك، اشفع لصاحبك، قد يقول صاحب الطلب والجالس: اقبل حاجة بدون شفاعة؟ يعني ما يقوله الإنسان بمقالة أو حاله؟ إذا كنت تريد أن نشفع اقضها بدون شفاعة؟ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حرصه ونصحه لأمته يقول مثل هذا الكلام؛ لأن الشفاعة ما تكلف شيء، ((اشفعوا تؤجروا)) ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء، النتيجة ليست بيدك، كثير من الناس أوتي جاه فيأتيه المحتاج ليشفع له عند فلان وعلان يقول له عجزنا، هذا كتاب ناله مراراً ما استفاد، يا أخي اكتب، أنت تريد الأجر؟ يقض الله على لسان مخلوقه ما شاء، طلب وإلا ما أجاب، قبل ما قبل، هذا ليس لك، النتائج ليست لك، أنت مأمور بالشفاعة، من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له كفل منها، فالشفاعة لا تكلف شيئاً هي مجرد كلمة، والآن بعد ما يحتاج إلى أن تلبس حذاءك وبشتك وتروح تشفع، لا، إما تلفون أو ورقة، اكتب وأنت جالس، يثبت لك هذا الأجر ونعرف من ساد، ساد الأمة لا بقوته ولا بماله ولا بشيء بمثل هذه الشفاعات، لأن بعض الناس يتصور أن كل ما كتب تهبط قيمته، ينزل مستواه، لا، لا، أبداً العكس، الذي يتولى الشفاعة للناس لا شك أن الله -جل وعلا- يرفعه في الدنيا والآخرة، النووي -رحمه الله- كان صاحب شفاعات، من جاءه كلم عنه الولاة، وكتب، ويسمع أحياناً ما يسره وأحياناً ما يسوؤه، يضيره شيء؟ ما يضيره، يحصل له الأجر والباقي على الله، بعث له الوالي مرةً من المرات قال: لا تشفع لأحد، فجاءه شخص وشفع له، والثاني شفع له، لما نظر الوالي قال وين المسألة؟ اعترف بأن أمره لله، وإلا بعض الناس إذا جاءه مثل هذا الكلام الخشن تأخذه العزة بالإثم وييأس وخلاص ينتهي كل شيء بالنسبة له؛ لكن النووي أعاد الشفاعة، ثم قال الوالي: أشهد أنه يشفع لله، فأجاب الطلب صار ما يرد له طلب، وأدركنا من الشيوخ من يشفع للصغير والكبير عند الكبير والصغير، ورفع الله -جل وعلا- منزلته في الدنيا والآخرة، والآخرة الله أعلم بها لكن هذا الذي يغلب على الظن، امتثالاً لهذا الحديث: ((اشفعوا تؤجروا)) يعني ما الذي يضيرك أن تكلم فلان وإلا علان من أجل فلان، وإذا كانت هذه الشفاعة أيضاً فيما يقرب إلى الله و-جل وعلا- كنت ممن دل على خير، لك نصيب من هذا الأجر، أشركت شركت صاحب هذا الأجر.



((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء)) النتائج ليست بيد الشافع، ولا المشفوع له، ولا المشفوع عنده، الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع، ((إنما أنا قاسم والله معطي)) اشفع لفلان يعط من بيت المال كذا أو يعط من مال فلان التاجر كذا، الله المعطي -جل وعلا-، المسألة ليست ملزمة؛ لكن أنت تحصل على الأجر المرتب على الشفاعة من هذا الحديث الصحيح، وعاد كونه يجاب أو لا يجاب، تمنى أن يجاب طلبك، تمنى، وترجو ذلك إذا لم يجب حصل لك الأجر وتحقيقه، والمسبب هو الله -جل وعلا-، هو الذي يرتب المسببات على أسبابها، والله المستعان.

أم الخطاب78 04-12-09 02:32 PM

الحديث الخامس عشر: عن عائشة -رضي الله عنها-‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ (‏(‏أنزلوا الناس منازلهم)‏)[رواه أبو داود]‏.‏




حديث عائشة -رضي الله عنها- عند أبي داود بصريح الأمر ((أنزلوا الناس منازلهم)) وهو في صحيح مسلم، في صحيح مسلم في المقدمة تقول عائشة -رضي الله عنها-: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم"، وعند أبي داود بلفظ الأمر: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وفي صحيح مسلم: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وقول الصحابي: "أمرنا أو نهينا" لا شك أنه ينصرف إلى الآمر والناهي في الحقيقة هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا آمر ولا ناهي بالأحكام الشرعية إلى الله -جل وعلا- كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) أو رسوله المبلغ عنه كما في قول الصحابي: "أمرنا" فالآمر هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولذا عبرت عائشة، جاءت باللفظ النبوي وعبرت وقالت: "أمرنا"، وقالت باللفظ النبوي بقوله: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وعلى هذا الآمر هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في صريح رواية أبي داود، وأيضاً كلمة: "أمرنا ونهينا" تساوي: "افعلوا أو لا تفعلوا" فجاءت عند أبي داود بصريح الأمر وجاءت في مسلم بالتعبير عنه خلافاً لمن يقول: أن الصحابي لا بد أن يصرح بالآمر، لا بد أن يقول: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وإلا فلا يقبل، لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن هذا الكلام ليس بصحيح، الصحابي لا يطلق الأمر والنهي لا سيما في المسائل الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي.

قول الصحابي من السنة أو *** نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ *** على الصحيح وهو قول الأكثرِ


أما كونها تدل على الأمر الملزم كصيغة (افعلوا) بهذا قال جماهير أهل العلم، وإن قال داود الظاهري وبعض المتكلمين أنه لا يحتج بها، وليست ملزمة حتى ينقل اللفظ النبوي، لماذا؟ يقول: لأن الصحابي قد يسمع أمراً، يسمع كلام أي كلام فيظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، يسمع كلام خبر وإلا شيء يقول: أمرنا؟ نقول: لا يا أخي، هذا الكلام باطل؛ لأن الصحابة إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية من تترك له المعرفة، من يعرفها بعدهم، لا أحد يعرف إذا لم يعرف الصحابة، يعني نظن بالصحابة أنهم يسمعون كلام أخبار يقولون: أمرنا ونهينا ما هو صحيح، فقول عائشة: أمرنا هو مساوٍ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وهذا الحديث لا شك أنه عظيم، على ضوئه يتعامل المسلمون مع بعض، فالكبير له معاملة، والصغير له معاملة، العالم له معاملة، الجاهل له معاملة تليق به، الرجل له معاملة، المرأة لها معاملة، من الظلم للإنسان أن يعامل الكبير معاملة صبي صغير، من الظلم أيضاً أن يعامل الصغير بمنزلة شيخ كبير، أو جاهل تنزله منزلة عالم، وتشرح عليه وتحمله مسؤولية مثل العالم، أو عالم تعامله معاملة جاهل فلا تحترمه ولا تقدره قدره، أيضاً من الظلم العظيم أن تعامل المرأة معاملة الرجل، تقحمهما فيما لا يصلح لها وتركيبها لا يناسبه، من الظلم أيضاً أن تجعل الرجل مثل المرأة، ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، لما ركبت عليه المرأة من أمور لا تناسب الرجال، وما ركب عليه الرجل من أمور لا يناسب النساء، لا شك أننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، سواء كان في مستواهم العلمي أو عدمه، كبار صغار رجال نساء، نعم الناس تتفاوت عقولهم، تتفاوت مداركهم، كل إنسان له معاملة تليق به، وتفضيل الجنس على الجنس لا يعني أن فلان من الناس أفضل من جميع النساء؟ لا، أو أن فلانة من النساء دون جميع الرجال؟ لا، إنما هو تفضيل جنس على جنس، كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا فلانة وفلانة، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. تصور رجل يتخصص في تربية الأطفال هذا بيعيش هذا؟ يبي يحسن هذا؟ ما يمكن، إلا بعد أن انقلبت الموازين وفسدت التصورات وصار تخصص كثير من الرجال قوابل يولدون النساء، ويعلن في الصحف بشرى سارة قدم البروفسور فلان لتوليد مواليد مدري إيش؟ فساد تصور، والله المستعان.



لكن هذا الحديث حديث عظيم، ميزان يجعل المسلم يتعامل مع الناس على ضوئه، من الظلم أن يأتي شيخ كبير عالم جليل ثم يعامل معاملة آحاد الناس، ولا يلقى له بال، هذا ظلم له، من الظلم أن يأتي طالب علم ولو كان عنده ما عنده من علمٍ يناسب سنه ومستواه ثم يشاد به، يقال الإمام العلامة العارف العابد الزاهد إيش الكلام هذا؟ هذا ظلم له وإيقاع له في مفاسد عظيمة لا يحتملها هو وتغرير له، وتغرير به، ونجد أيضاً على الساحة مسألة الإعجاب، إعجاب بعض الناس، ترفع بعض الناس إلى السها وتنزل بعض الناس إلى.. هذا ظلم أيضاً، مخالفة للنص الصحيح هذا الذي معنا، بل أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.




ونسمع ونقرأ قال العلامة فلان، وما يزال في طور الطلب، فضلاً عن أن يكون عالماً، وهذه الكلمة نرى لها امتهان اليوم بين أظهر الناس، ويحتقر بعض الكبار بعد، بالمقابل يحتقر بعض الكبار؛ لأنه وقع في خطأ من وجهة نظرك، أنت ترى أنه خطأ أو عنده تقصير فيما تحسب؛ لكن أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كل إنسان وما يليق به، والله المستعان.


أم الخطاب78 04-12-09 02:33 PM

الحديث السادس عشر: عن أبي صِرْمَةَ -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏من ضارَّ ضار الله به‏.‏ ومن شاقَّ شَقَّ الله عليه)‏)‏ [رواه الترمذي وابن ماجه‏].‏



يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس عشر: وعن أبي حرمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضار ضار الله به، ومن شاق شاق الله عليه)) الجزاء من جنس العمل، ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه، من رفق بهم فارفق بهم)) هذه قاعدة مضطردة في الشرع: الجزاء من جنس العمل، الذي يعفو عن الناس ويسامحهم يعامل بالعفو والمسامحة، الذي يأخذ حقه بالقطمير يعامل بهذه المعاملة، وحديث الرجل من بني إسرائيل الذي كان يداين الناس معروف في الصحيح، والله -جل وعلا- أحق بالعفو، فمن آذى الناس وضار بالناس ضار الله به، وشق على الناس يشق الله عليه، من يسر على الناس يسر الله أمره في الدنيا، من يسر على معسر من أنظر معسراً، من أقال نادماً، نصوص كثيرة تدل على هذا الأصل العظيم، وأن الله -جل وعلا- أحق بالعفو من الخلق؛ لكن قد يفهم بعض الناس أن هذا عام فيمن يستحق الضرر ومن لا يستحق الضرر، لا شك أن هذا فيمن لا يستحق الضرر، أما من يستحق الضرر من الجناة لا بد أن يضار، يعني بالمقابل فإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه؛ لأن هذه الأمور أمور شرعية حدود شرعت لتحقق أهداف، وليس معنى هذا أننا نعطل الحدود من أجل أن لا نقع في مثل هذا، جزاء {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] والمماثلة في العقوبات شرعية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ماثل في القوم من عكل أو عرينة الذين اجتووا المدينة فأمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما أمر، قتلوا الراعي، وسملوا عينيه، فعل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما فعلوا، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] لا نقول: أن هذا ضار، لا، هذا بفعله هذا وإن كان ضرراً على هذا الذي تسبب على نفسه بالضرر إلا أنه يردع غيره، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] يعني شخص يقتل آخر فتقول: يا أخي إراقة دم مسلم اتركه، بدل ما نخسر اثنين خلينا نخسر واحد، نقول: لا يا أخي أنت لو ما خسرت هذا الواحد خسرت آلاف، من الذي يردع الثاني والثالث إلا معرفة أن هذا أقيم عليه الحد؟ يعني زيد قتل عمرو، فإذا أريد أقامة الحد القصاص على زيد يقول لك: الأمة ما هي بحاجة إلى كثرة دماء، وكذا خلي اللي راح راح، يغفر الله لنا وله، ولا نخسر اثنين، خلينا نخسر واحد وواحد يبقى، عضو فاعل في المجتمع ومنجز وعنده أعمال، لا يا أخي، هذا الشخص لو ترك لا شك أن القتل سوف يسود ويكثر وشواهد الأحوال معروفة في الشرق والغرب، جرائم القتل والاغتيالات والاغتصابات وأمور تشيب لها الذوائب، وعندنا -ولله الحمد- مع إقامة الحدود مثلما ترون، الأمور نسبية، ليس معنى هذا أنه لا يحصل شيء البتة؟ حصل هذا في عصره -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن المسألة نسبية، مسائل نسبية، فنحن -ولله الحمد- نعيش في أمن، حاول من حاول في إثارة الفتن والقلائل؛ لكن ما زلنا -ولله الحمد- في خير، نسأل الله -جل وعلا- أن يديم علينا هذا الخير، وأن يوفقنا للاستمرار في فعل الأسباب المثبتة، والتي تعين على بقاء هذا الخير، والله المستعان.



((من ضار ضار الله به)) تسعى للضرر بأخيك الجزاء من جنس العمل، لا بد وأن يحصل لك الضرر، والمثل يقول: "من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها" ((ومن شاق شق الله عليه)) تجد رئيس المصلحة ومدير الدائرة سمح وحبيب في حدود النظام بحيث لا يتسيب الناس، يعامل الناس معاملة حسنة، تجد هذا محل احترام وتقدير وتسامح وتجاوز ممن فوقه وممن دونه، ويعيش في راحة وطمأنينة بال لا يدركها أحد، وشخص يدعي الكيس والحزم ويريد أن يضبط الناس ويأطرهم؛ لكن وبعدين؟ لا شك أن اللين والرفق والليونة مع الناس التي تؤدي إلى تضييع أمور المسلمين هذا ضياع؛ لكن يبقى أنه يمكن أن تؤدى الحقوق مع الرفق واللين، مع طيب الاستقبال، مع طيب الكلام، مع حسن الخلق؛ لكن هذا الذي يريد أن يأطر الناس لا، لا، أبداً هون على نفسك، العوام يقولون: "ما يعطى الملك إلا من يحمله" يعني من يستطيع حمله، فمثل هذا من تحته من الموظفين كل يوم طالع واحد، يبحثون عن النقل يمين ويسار، ولا يصفي له أحد، تجد من فوقه يسلط عليه، ((من شاق شق الله به)) ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) لكن ليس معنى هذا التضييع، بل لا بد للأعمال العامة من القوي الأمين، قوي أمين، لا بد من توافر الشرطين، وإلا إذا كان قوي وليست معه أمانة ضاعت الأمور، وإذا وجدت الأمانة مع الضعف أيضاً تضيع الأمور، فلا بد من توافر هذين الشرطين لتولية الأكفاء، وإلا إن لم نسع لتحقيق هذين الشرطين وقعنا في ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) لا بد أن نسعى لاختيار الأصلح، الذي يستطيع أن يتعامل مع من دونه ومع من فوقه يحقق الهدف، ولا يترتب على ذلك تسيب ولا ضياع ولا تضييع لأمر الله -جل وعلا-، ولا تضييع لحقوق الناس.



أم الخطاب78 04-12-09 02:37 PM

الحديث السابع عشر: عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏اتق الله حيثما كنت‏،‏ وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن‏)‏) [رواه الإمام أحمد والترمذي]‏.‏




عن أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت)) الأمر بالتقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين، بالتقوى، والتقوى أصلها من الوقاية، بأن تجعل الله بينك وبين عذاب الله ما يقيك منه، وذلك بفعل المأمور وترك المحظور، تفعل ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه، هذه هي التقوى، فعل المأمورات وترك المحظورات، حيثما كنت، في أي مكانٍ كنت، سواء كنت بين الناس أو كنت خالياً منفرداً، وسواء كنت في بلدٍ أو في آخر؛ لأنه مع الأسف يوجد بعض الناس من يظهر عليه آثار الاستقامة والالتزام في بلد ثم إذا سافر إلى بلدٍ آخر تنصل من هذه الأمور، والله -جل وعلا- هو الرب، هو المعبود في كل مكان، ((فاتق الله حينما كنت)) ونحن مأمورون بأن يكون السر كالعلانية، وأن تكون الحضرة كالغيبة، وإلا فالمسألة رياء، إذا كان الإنسان يتزين أمام الناس ويتنسك ثم إذا خرج وخلا بنفسه ارتكب ما ارتكب من محارم الله ما امتثل، ما اتق الله حينما كان، ((اتق الله حينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] فإذا عمل غفل الإنسان وأخل بالتقوى وارتكب بعض المحرمات عليه أن يبادر بالتوبة بشروطها، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وعليه أيضاً أن يتبعها حسنة تمحها، تمحوا أثرها؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والرجل الذي حصل منه ما حصل من تقبيل المرأة الأجنبية، جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى معه، قال: ((هل صليت معنا؟)) قال: نعم، قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] وليس معنى هذا أنه فتح باب للناس أو للإنسان أن يرتكب السيئات ثم بعد ذلك يتبعه الحسنات وأتوب منها؟ ما الذي يضمن أن تعيش إلى أن تفعل حسنة تمحها؟ أولاً: مثل هذا خاص بالصغائر، أما الكبائر لا بد لها من توبة، لا بد لها من توبة الكبائر، أما إتباعها بالحسنة فلا، كما سيأتي في حديث: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) لا بد من هذا القيد، ((فأتبع السيئة –يعني من الصغائر- الحسنة تمحها)) فإذا قال: أنا سهل يرسل النظر، ويصلي ويذهب أثرها، النظر محرم، وقد يتيسر له شيء من اللمم من تقبيل وشبهه، يقول: أصلي وتروح، يا أخي من يضمن أن تعيش إلى أن تصلي؟ إشكال الإقدام على المعصية مع الإصرار مع العلم مع الاستحضار هذا يجعلها كبيرة لأنه استخفاف لأمر الله -جل وعلا-، ومن الذي يضمن لك أن توفق لأن تعمل حسنة تمحها، إذا أقدمت على المعصية مصراً عليها؟.



((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) لا شك أنك لن تسع الناس لا بجسدك ولا بمالك ولا بجاهك، إنما تسعهم بإيش؟ بخلقك، خالقهم بخلقٍ حسن، ومع الأسف الشديد تجد بعض الناس إذا استقبل أخاه لا يختلف معه في شيء البتة، يستقبله استقبال كأنه وحش، هل هذا من الخلق الحسن؟ ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)) أقل الأحوال البشاشة يا أخي، هذا مسلم، زد على ذلك إذا كان من طلبة العلم، أضف على ذلك إذا كان من أهل العلم، ولو أخطأ ليس بمعصوم، ولو أنت اللي تقرر الخطأ والصواب، المسألة أمور اجتهادية تنتابها وجهات نظر ومع ذلك يوالى ويعادى عليها، هل هذا من الإنصاف؟ هل هذا من تطبيق مثل هذه السنن؟ ((خالق الناس بخلقٍ حسن)) خالق الناس عامة الناس، فضلاً عن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، تجد أهل العلم الكبار الآن في المجالس المناشير رايحة جاية، تلوكها الناس بألسنتهم من عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، وما جرأ العوام على العلماء إلا بعض طلاب العلم، فلان أخطأ، وفلان فعل، وفلان ترك، وإلا العوام غافلين ما عندهم شيء من هذا، لكن لما تكلم علم الناس وتطاولوا عليهم زالت مهابتهم من القلب، وزوال هيبة أهل العلم من القلوب مؤذن بخطر عظيم؛ لأنه يزيل الثقة بهم، فإذا زالت الثقة بأهل العلم بمن يتقدي عامة الناس؟ فهذا أمر لا بد من الانتباه له، وعليك أن تعامل كل إنسان بما يناسبه، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم.


شخص له قدم في الإسلام، وله يد في هداية الناس ودعوتهم إلى الله أخطأ أو زل يا أخي اترك له مسافة، الله -جل وعلا- يعني تقبل الخطأ من عامة الناس، وهذا خطأ غير مقصود أو متأول أو رأى فيه المصلحة، نعم الخطأ لا بد من رده، لا بد من التنبيه على الخطأ، لا بد من الرد المناسب على من يخطئ، لا بد من بيان الحق؛ لكن بالأسلوب المجدي النافع، مو معنى أنه خطأ خلاص انتهى، دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، مذهب أهل السنة وسط بين الخوارج وبين المرجئة، المرجئة يتركون المساحة الواسعة: افعل ما شئت، وما زلت في دائرة الإيمان، بينما الخوارج أبداً تخطئ خطأ واحد خرجت من الملة، ولا هذا ولا هذا، ولا يتبين مذهب أهل السنة ووسطية أهل السنة إلا إذا عرفنا الأطراف، ولذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية –
رحمه الله تعالى- برع في كتابه الواسطية، حين بين مذهب أهل السنة من خلال ذكر الطرفين في أبواب الدين، فعلينا أن ننظر إلى إخواننا بعين الإنصاف، نعم من كان عنده بدعة ويخشى من تعديها إلى غيره، وهو يدعو إلى بدعته، وتجد الناس يستجيبون لدعوته الآن حذر منه، حذر منه حذر من بدعته، ولا عليك من شخصه؛ لأن بعض الناس يقع في الذوات، بل بعض الناس يصل إلى حد القذف، نسأل الله العافية، على شان إيش؟ احرص على نفسك قبل غيرك، أنت تعرض نفسك الآن لعقوبات ما تدري قدرها، تجني على نفسك بمعاصي وذنوب يمكن ما تحسب لها حساب، فالإنسان عليه أن يحفظ ويحرص على حفظ مكتسباته ومقتنياته لما يرضي الله -جل وعلا-، لا يوزع أعماله، ويبقى أن العاصي مذموم والمبتدع مذموم، وكذا، وكل له معاملته في الشرع، ويبقى أن الأصل خالق الناس بخلق حسن، لا بد من إحسان الخلق مع الناس كلهم، وكل على ما يليق به؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في الحديث الصحيح السابق.

أم الخطاب78 04-12-09 02:41 PM

لحفظ التفريغ على الوورد
زوري هذه الصفحة

http://www.khudheir.com/audio/1325

الاختبار بأذن الله الثلاثاء القادم
وفق الله الجميع:icon57:

أم الخطاب78 04-12-09 02:46 PM

وضعته في موضوع بالقسم بعنوان مقرر الشريط الثالث لمادة جوامع الأخبــار

أم الخطاب78 04-12-09 02:53 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الشريط الثالث

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير


نبذة عن المحاضرة :
  • من الحديث التاسع(الإيمان بالقدر خيره وشره) إلى الحديث السابع عشر(خصال الخير الجامعة) .


أم جهاد وأحمد 09-12-09 12:30 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الشريط الرابع

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير





نبذة عن المحاضرة :
  • من الحديث الثامن عشر (‏(الظلم ظلمات يوم القيامة‏))[متفق عليه]
  • إلى الحديث الحديث الخامس والعشرون (‏(‏صلُّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم‏)‏) [متفق عليه]‏.






    حملي من هنا على بركة الله

أم جهاد وأحمد 09-12-09 01:04 PM

الشريط الرابع لشرح جوامع الأخبـــار
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقرأ:
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:

الحديث الثامن عشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏(الظلم ظلمات يوم القيامة‏))[متفق عليه]‏.‏

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن عشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) [حديث متفق عليه] والظلم مرتعه وخيم وشأنه عظيم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، وتتفاوت شدته وقوته وضعفه بسبب الأثر المترتب عليه، وهو أنواع ودركات، أعظمه -نسأل الله السلامة والعافية- الشرك، وبه فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الظلم، في قوله -جل وعلا-:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[(82) سورة الأنعام] قال: الشرك، وأحال على قول لقمان: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] لا شك أن الشرك لا سيما الأكبر هو أعظم أنواع الظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، فموضع التوجه، توجه الإنسان لمن خلقه ورزقه وأوجده من العدم إلى الوجود، فمثل هذا يجب أن يكون التوجه إليه، فلو أن شخصاً استأجر أجيراً ودفع له ما دفع من الأجرة، ثم أخذ هذا الأجير يعمل ويؤدي ما يترتب على عمله لغير مستأجره ظلمه، فكيف بمن خلق ورزق وأوجد من العدم؟ كيف يؤدى الحق الذي هو أعظم الحقوق حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وأدى إلى غيره؟ لا شك أن هذا هو أعظم أنواع الظلم، وقصره النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير آية الأنعام على الشرك، وهذا التفسير منه -عليه الصلاة والسلام- تفسير للعام ببعض أفراده، وتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي الحصر، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، نكرة في سياق النفي تعم جميع أنواع الظلم؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسره ببعض أفراده، وهذا له نظائر كثيرة ذكرنا في درسٍ مضى تفسير القوة بالرمي، ولا يعني أننا لا نستعد للعدو بغير الرمي، ولا يعني أننا لا نتقي من أنواع الظلم إلا الشرك، نعم التنصيص على بعض الأفراد من قبل الشارع إنما هو للعناية به، والاهتمام بشأنه، لا شك أن الشرك -نسأل الله السلامة والعافية- لا سيما الأكبر المخرج عن الملة الموجب للخلود في النار هذا أعظم ما يجب أن يتقيه المسلم، ثم بعد ذلك يليه ما يليه من أنواع الظلم، من ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، هذه أنواع من الظلم، وقد حرم الله -جل وعلا- الظلم على نفسه، ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) يعني لا يظلم بعضكم بعضاً، فعلى الإنسان أن يتقي ويجتنب الظلم، لا ظلم الإنسان لنفسه بأن يدنسها بأوغار الشرك والبدع والمعاصي، ولا ظلم الإنسان لغيره، لا ظلم المسلم وشأنه عظيم، وظلم من لا يستحق الظلم من غير المسلمين غير الحربيين، وكذلك ظلم البهائم أيضاً، ظلم أن تحمل الدابة من لا تطيق، أن يقصر في نفقتها، كل هذا ظلم لها، وكل هذا لا يجوز داخل في الآية، الذين آمنوا ولم يلبسوا، يعني لم يخلطوا إيمانهم بظلم في جميع أنواعه وصوره وأشكاله، أولئك لهم الأمن، الأمن التام المطلق؛ لكن إذا وجد الشرك فلا أمن البتة، إذا وجد الشرك ذهب الأمن، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور] هذا أقوى ما يثبت الأمن ويقوي دعائمه، الالتزام بالتوحيد، وتحقيق التوحيد، وتخليصه من شوائب الشرك، أولئك لهم الأمن، يعني التام المطلق، ولم يلبسوه بأي ظلم؛ لكن إذا اتقوا الشرك ووقعوا في أنواع من الظلم سواء كان من ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره لهم من الأمن بقدر ما حققوه من الاتباع، وكلما قرب من الكمال زاد الأمن، وكلما نقص نقص، والحصة بالحصة، كما يقول ابن القيم، يقول: بعض الناس قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسره بالشرك، فلا يدخل فيه شيء من..... نقول: لا يا أخي فسره بالشرك، ويبقى أن الظلم نكرة في سياق النفي يعم جميع أنواع الظلم، نص على الشرك لعظم شأنه، فلا يجوز للإنسان أن يظلم نفسه، ولا يجوز له أن يظلم غيره، حتى غير المسلمين، يعني غير الحربيين، والبهائم يدخل في هذا.
((الظلم ظلمات يوم القيامة)) الظلم يبعث على الخوف، ويسلب الأمن، وأيضاً هو في يوم القيامة ظلمات، إذا كان العدل بما في ذلك تحقيق التوحيد، وهو العدل التام نور يوم القيامة، والمقسطون على منابر من نور يوم القيامة، فإذا كان الظلم ظلمات فالعدل نور يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح: ((المقسطون على منابر من نور يوم القيامة)) الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا، فلا يقول الإنسان: أنا ما لي علاقة بأحد كيف يتصور مني الظلم؟ يتصور منك الظلم أمرت بالعدل والإنصاف، والأمة أمة عدل وإنصاف، وأمة وسط، خيار عدول يشهدون على الناس؛ لكن لا بد من العدل والإنصاف، وهذا على مستوى الأفراد والجماعات، ليس من العدل أن تسأل عن شخص هفوته يسيرة فتجعل هذه الهفوة من العظائم أو العكس لا بد من العدل والإنصاف، ولا يجوز لك وأنت بصدد راوٍ من الرواة ضعفه يسير تجعله شديد أو العكس، وقل مثل هذا في جميع التصرفات، فالعدل لا بد منه، {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [(90) سورة النحل] فإذا كان الظلم ظلمات والإنسان بحاجة إلى النور في تلك المضائق، {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} [(12) سورة الحديد] بسبب العدل؛ لأن المقسطين على منابر من نور بسبب الالتزام بالعدل الأكبر وهو التوحيد، تحقيق التوحيد ونفي الشرك وما يوصل إلى الشرك من وسائل، والظلم هو التعدي على النفس، يعني لو تعدى الإنسان على نفسه بقطع أنملة من أنامله، أو إصبع من أصابعه ظلم نفسه، وكذا إذا تعدى على غيره في دمه وماله وعرضه هذا ظلم، فليحذر الإنسان من أن يتخبط في الظلمات يوم القيامة، وهو لا يشعر، بسبب الظلم ونحن مأمورون بالعدل حتى بين من بيننا وبينهم عداوة، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(8) سورة المائدة] يعني لا يحملكم بغض قوم على أن لا تعدلوا بينهم، لا بد من العدل، والله المستعان.
أيضاً من الظلم وهو ظاهر في أوساط المسلمين مع الأسف الشديد ظلم بعض الناس لأولادهم، وعدم معاملتهم بالعدل، ظلم بعض الناس لزوجاتهم، وهذا أيضاً مع الأسف الشديد موجود بين المسلمين؛ لكن على المسلم أن يتقي الظلم؛ لأن شأنه عظيم وعاقبته وخيمة.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 01:17 PM

الحديث التاسع عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏(‏(انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)‏)[متفق عليه‏].‏
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث العظيم والميزان الدقيق: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم)) يعني في أمور الدنيا، ((ولا تنظروا إلى من فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) النظر في أمور الدنيا ينبغي أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن الدنيا ليست بهدف، فإذا نظرت إلى من هو دونك دعاك هذا إلى شكر ما أنت فيه من نعمة، بخلاف ما لو نظرت إلى من هو فوقك، يعني لو سألت موظف راتبه ألف ريال، موظف صغير وعنده أسرة وقلت له: أحمد ربك أنت في نعمة، يقول: يا أخي الناس يتقاضون على عشرة آلاف وعشرين ألف، وأنا.....، نظر إلى فوقه هذا يبي يشكر ذا؟ هذا يزدري نعمة الله عليه، لكن لو نظر إلى أناس يتمنون شرب قطرة من الماء، الحمد لله في نعمة، وفي رغد ما فيه أحد، إذا نظر إلى من هو دونه دعاه ذلك إلى شكر الله -عز وجل-، وعدم ازدراء النعمة، لكن لو نظر إلى من هو فوقه الأمور لا تنتهي، يعني هب أنك نظرت إلى من هو فوقك قليلاً، ثم نظرت إلى من فوقه ومن فوقه ما تنتهي الدنيا هذه، بينما لو نظرت إلى من هم دونك حتماً سوف تشكر نعمة الله عليك ولا تزدري ما أعطاك، والمسلم يتقلب بنعم، بنعم لا يقدر قدرها، لو لم يكن في ذلك إلا الإسلام.
ذكر ابن القيم في بعض كتبه أن مسلماً أسره الكفار فكتب هذا الأسير إلى صاحبٍ له يتشكى ويتظلم، قال: أنا أسير عند الكفار، وأنا أريد منك كذا.... قال: أشكر ربك، هذا الأسير قيّد وصفّد بالقيود، كتب إلى صاحبه قيدت وأوذيت، فقال: أشكر ربك، طيب، عمل بهذه النصيحة وشكر، سُلسل معه وقيد معه شخص آخر في قيده شخص مبطون، يحتاج إلى قضاء الحاجة باستمرار، ولا يستطيع أن ينتقل إلى مكان قضاء الحاجة، فأرسل إلى صاحبه: قيد معي واحد آذاني برائحته، وبما يخرج منه، قال له: أشكر ربك، أرسل له هذا المقيد قال: علام أشكر؟ وش أشد من وضعٍ أنا فيه؟ قال: أشكر ربك على أنك لست مثلهم، يعني لو مت الآن ومآلك إلى النار مثلهم أبد الآبدين، هذه ما هي نعمة ذي؟ فاعترف بالنعمة، وشكر ربه من قلبه، فانفك القيد تلقائياً، وخرج من الأسر، ما يشعر الإنسان أنه يتقلب في نعم، حتى الناس الذين ابتلاهم الله -جل وعلا-، إما بفقر أو بأمراض لو بحثوا على وجه الأرض وجدوا من أقاربهم وممن حولهم من هم أشد منهم، يعني لو نظرت إلى : مثلاً لا تملك شيء ومدين بأموال عندك نعم أخرى، عندك نعمة الدين التي لا يعدلها نعمة، عندك نعمة الصحة، نعم تتقلب فيها لا تكاد....، نعمة البصر، نعمة السمع، لو الإنسان يفني عمره بشكر هذه النعم ما وفاها حقها، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] المريض الذي يتقلب إذا تذكر أن هذا المرض قد يكون خيراً له في دينه ودنياه، قد يكون الله -جل وعلا- صرف عنه ما هو أعظم من هذا المرض، لو تصورنا هذه الأمور وشكرنا الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا إلى من هو دوننا دعانا ذلك إلى شكر الله -جل وعلا- بحيث لا نزدري نعمة الله علينا، الشخص الذي يسكن في بيت صغير وليس بجميل، ينقصه بعض الأمور، يا أخي انظر إلى أناس يسكنون في صناديق، وش وضعهم بالصيف هؤلاء والشتاء؟ وصاحب الصندقة ينظر إلى ناسٍ ما عندهم صندقة يسكنون على الأرصفة، عوائل في البلدان الأخرى تسكن على الأرصفة؛ لكن هذا الميزان في أمور الدنيا، أما في أمور الآخرة فالذي ينبغي العكس تنظر إلى من هو فوقك، تقول: أنا -ولله الحمد- منّ الله علي أقرأ القرآن في كل شهر، يا أخي انظر إلى من يقرأ القرآن في كل أسبوع، بحيث تزداد من العمل الصالح، إذا نظرت إلى من هو فوقك، القدوات، وإمامهم وسيدهم محمد -عليه الصلاة والسلام-، قام من الليل حتى تفطرت قدماه، تنظر في أمور الدين والعبادات إلى من هو فوقك في البذل والإحسان إلى من هو فوقك، ما تقول: والله أنا الحمد لله أنا لو نظرت إلى نفسي ونظرت إلى زملائي أنا أبرك منهم، وخير منهم ما ينفع هذا، يعني بعض العامة الذين سافروا إلى الأقطار، وذهبوا إلى بلاد الكفار مئات الملايين، بل ألوف الملايين كفار، يقول: إحنا بخير، نحن ما ننكر أننا بخير؛ لكن نحتاج إلى مزيد من هذا الخير، إذا نظرنا إلى الكفار ما عملنا، كما قال بعضهم الذين سافروا قالوا: والله أبداً ما لكم مكان في النار، النار تبي تمتلي من الصين والهند ويمين ويسار مليارات، لا يا أخي لا تنظر إلى هؤلاء، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك؟ انظر إلى من نجا كيف نجا؟ عليك بخلاص نفسك، وليكن قدوتك وأسوتك من أمرت بالاقتداء به الائتساء به، فلتنظر إلى من همته فوق همتك في أمور الآخرة لتزداد من الأعمال الصالحة ولتحتقر عملك، ولا تعجب نفسك وعملك، ولتتواضع لربك، فهذه موازين شرعية، ينبغي أن تكون بين عيني المسلم، لا سيما طالب العلم، طالب العلم تسمو همته إلى أن يكون مثل شيخه فلان، طيب اطلع فوق شوف شيوخه؟ شوف علماء الإسلام؛ لأنه إذا نظر إلى شيخه ومستواه قال: الحمد لله نحن على الجادة، وعلى الطريقة والمسألة أيام ونصل -إن شاء الله-، لا يا أخي ضاعف من الجهد في العلم والعمل لكي تصل إلى ما تريد -إن شاء الله تعالى-.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 01:23 PM

الحديث العشرون: عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:(‏(‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‏)‏) [متفق عليه‏].
الشيخ -رحمه الله تعالى- ينتقل في كتابه وينتقي من الأحاديث الجوامع في جميع أبواب الدين، فمن أبواب العقائد إلى أبواب الآداب إلى أبواب العبادات، يقول -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) [متفق عليه] الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، فلا يقبل دليل على الاشتراط، والمراد بنفي القبول هنا نفي الصحة، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقةً من غلول)) المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة، ويرد نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على الصحة، ففي مثل هذا: ((لا يقبل الله..)) إذا صلى من غير طهارة صلاته مردودة وليست بصحيحة، ((لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار)) نفي القبول ونفي الصحة، على هذا لو صلى من غير طهارة صلاته باطلة تلزمه الإعادة لماذا؟ لأنه أخل بشرطٍ من شروطها، ولو قدر أنه صلى ناسياً من غير طهارة تلزمه الإعادة؛ لأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، بينما يأتي نفي القبول في بعض النصوص ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه...)) ((لا يقبل الله صلاة عبدٍ آبق)) الشروط كانت كلها متوافرة فهو في عرف الفقهاء صلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب؛ لكن ليس فيها ثواب، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فحصر القبول على المتقين، ومفهومه أن الفساق لا يتقبل الله منهم، لا يتقبل الله من الفساق، هل معنى هذا نفي للصحة؟ هل من صلى وهو فاسق نقول له: أعد صلاتك؟ من صام وهو فاسق يقال له: أعد صيامك؟ لا، المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على الصحة، طيب، هذا شخص صلى ثم تذكر أنه ليس على طهارة نسي، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا تلزمه الإعادة وإلا ما تلزم؟ تلزمه الإعادة؛ لأن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، تلزمه الإعادة وهو ناسي؟ نعم تلزمه الإعادة وهو ناسي، والقاعدة عند أهل العلم: أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم؛ لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فشخص صلى الظهر ناسياً خمس ركعات، نقول: صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل هذه الركعة الزائدة لأنها موجودة بمنزلة المعدود، ولا شيء عليه، صلاتك صحيحة إن ذكرت وأنت في الصلاة أو قريب منها تسجد للسهو وإلا ما عليك شيء إذا طالت المدة، وهنا نقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؛ لكن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فمن صلى الظهر ثلاث ركعات، يقول: أنا والله نسيت، والله يقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا، نقول: لا، لا بد أن تأتي بركعةٍ رابعة، وإن طال الفصل لا بد من إعادة الفصل، لكنك وإن نسيت إلا أن المعدوم لا يمكن أن ينزل منزلة الموجود بسبب النسيان، وهذه قاعدة مضطردة عند أهل العلم، ومن صلى ناسياً الحدث عليه أن يعيد؛ لكن صلى وعلى بدنه نجاسة ناسياً متطهر الحدث مرتفع؛ لكن على بدنه نجاسة ناسياً صلاته صحيحة؛ لأن هذا موجود نزله منزلة المعدوم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر أن في نعله قذر ما أعاد الصلاة، خلع النعل وانتهى، ولو لم يعلم إلا بعد فراغه من الصلاة ما يلزمه الإعادة، فالطهارة من الحدث هو يشمل الأكبر والأصغر الموجب للغسل والموجب للوضوء أمر لا بد منه شرط من شروط الصلاة، ((لا يقبل الله صلاةً بغير طهور ولا صدقةً من غلول)) والحديث في صحيح مسلم من حديث ابن عمر لما زار ابن عامر فقال له: انصحني أو عضني أو ادع لي، قال: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقةً من غلول)) وكنت على البصرة، كيف كنت على البصرة؟ يعني كان أمير على البصرة، والولايات مظنة لأن يدخل على الإنسان بعض الشيء بقصدٍ أو بغير قصد، فمثل هذا ينبغي أن يحتاط له، والله المستعان.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 02:54 PM

الحديث الحادي والعشرون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏عشر من الفطرة‏:‏ قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، يعني الاستنجاء‏))قال الراوي‏:"ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة‏"‏ [رواه مسلم]‏.
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عشر من الفطرة)) الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هي الخلقة، أصل الخلقة التي خلق الله عباده عليها، وجبلهم عليها، ومنهم من يقول: الدين؛ لأن الله -جل وعلا- فطرهم على الدين، ما من مولود إلا يولد على الفطرة، يعني على الملة وعلى الدين، لكن المؤثرات بعد الولادة تجتاله عن هذا الدين وعن هذه الفطرة، عشر من الفطرة، يعني عشر خصال من الفطرة، قص الشارب، وإعفاء اللحية التي هي من سمة الرجال، وقد أمرنا بإعفاء الشوارب، وإعفاء اللحى، فلا يليق بالمسلم أن يرسل شاربه؛ لأنه يجتمع فيه أوساخ وأقذار، ويقع فيما يشرب، وفيما يؤكل، وينزل من الأنف أشياء، فهو واسطة بين الأنف وبين الفم، فينبغي أن ينظف، وكذلك إعفاء اللحية، وقد جاءت الأوامر الشرعية بإعفائها وإكرامها، وجاء في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان كث اللحية، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وهذا هو الثابت المرفوع عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عن بعض الصحابة كابن عمر أنهم يأخذون من اللحية ما زاد على القبضة، لا سيما في النسك، ابن عمر -رضي الله عنه- ثبت عنه أنه كان يأخذ منه ما زاد على القبضة، ويتأول قوله -جل وعلا-: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني في آنٍ واحد، فالواو عنده هذه للجمع وليست للتقسيم، يعني ما هو محلقين بعضكم محلق وبعضكم مقصر، ليست للتقسيم ولا للتنويع، إنما هي للجمع، هذا فهمه -رضي الله عنه-، فإذا كان الرأس بيحلق إيش يبقى؟ إيش يقصر لو حلق الرأس؟ لا بد يقصر اللحية، هذا فهمه -رضي الله تعالى عنه-، والذي عندنا في الباب من النصوص المرفوعة هو إعفاء اللحية، وتوفير اللحية، وإكرام اللحية، ولا تقابل مثل هذه النصوص بما نقل عن أي شخص كائناً من كان؛ لأن الموقوف لا يقابل المرفوع أبداً، وما استمرئ الناس حلق اللحى حتى تساهلوا في القص، والقص ما له نهاية، وليتهم اقتصروا على القبضة، إنما المسألة خطوات، إذا دخل المقص دخل الموس، تجدون علماء كبار فحول في الأقطار تساهلوا في هذا الأمر، وقصوا ما زاد على القبضة، ثم نقص هذا وزاد، يوضبون، ولازم تتساوى اللحية، وجار المقص، وما أدري إيش؟ وغفلت عن الحلاق، على شان إيش؟ خطوات، ثم بعد ذلك تسامحوا، إيش يبون؟ هل اقتصر الناس على القبضة؟ القبضة إيش معنى القبضة؟ القبضة يقبض على يده ويأخذ ما زاد، ومر علينا ومر عليكم من يدرس الكتاب والسنة، التفسير والحديث والفقه من هم؟ أمهلوا لأنفسهم فأخذوا كل شيء، ما هي مسألة قبضة، الشيطان لا ينتهي عند حد، ودرّسنا واحد في الشريعة قبل خمسة وثلاثين سنة يقول: القبضة هكذا، أصبع واحد، لا ورافع أنه الأصبع، رافع، ذي قبضة؟ هذا من تلاعب الشيطان، فقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، سمعنا التوفير، سمعنا الإكرام، سمعنا الإعفاء، جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- ما جاء {يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [(94) سورة طـه] بلحيته، اللحية طويلة شلون يبي يأخذ وهي قصيرة؟ فعلينا أن نحافظ على هذه، هي شعيرة من شعائر الإسلام، شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، وقد جاء الأمر بها، فحلقها حرام، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على تحريم حلق اللحية، ثم يأتي من يأتي ويقول: أن هذه من باب الآداب، ومن باب العادات، يعني إذا قال: سنة مؤكدة تشفق الناس، مع طول الزمن وكثرة رؤية من يتساهل في هذه الشعيرة، فعلى المسلم أن يثبت لا سيما طالب العلم أن يأخذ الدين بقوة، بحزم وعزم، لا يتأثر بكل كلام، وبكل ناعق، طبيب من الشرق باكستاني أو هندي، طبيب ليس عنده من العلم الشرعي شيء لحيته كثّة طويلة، دخل عليه أستاذ في الفقه من الجهات حليق، قال الطبيب يا أستاذ إيش أنت؟ قال: أنا أستاذ في الفقه الإسلامي، قال: أين اللحية؟ قال: اللحية سنة، يعني أمرها سهل، السنة أمرها سهل، قال: أنا ما يعرف سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ بس، انتهى الإشكال، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ ما بيننا سنة ولا بدعة، يبي يتفلسف سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هذا ما عنده، صحيح أنت مأمور بالاقتداء، افترض أنها سنة أنت غني عن هذه السنة؟ إيش اللي يقابل السنة؟ والله المستعان. والسواك، جاء فيه ما يدل على أنه من السنن المؤكدة، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي لفظ: ((عند كل وضوء)) فهو من سنن الفطرة، ومطهرة للفم، ومرضاة للرب، ويتأكد استحبابه عند تغير الفم، وعند الصلاة، وعند إرادة الوضوء، فهو سنة مؤكدة، والأمر فيه أمر استحباب، أما أمر الوجوب الذي يترتب عليه المشقة فهو منتفي، ولذا يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) والمراد بهذا أمر الوجوب، المنتفي أمر الوجوب؛ لأن (لولا) حرف امتناع لوجود، فامتنع الأمر لوجود المشقة، والممتنع هو أمر الوجوب، وهذا من أقوى أدلة الجمهور على أن الأمر المطلق للوجوب؛ لأن أمر الاستحباب ثابت هنا، إذا أضفنا هذا إلى قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النــور] لا شك أن مخالفة الأمر أمر عظيم، نسأل الله السلامة والعافية، فالسواك مأمور به، وهو عبادة، ويبقى أنه يتأكد في مواضع منها إرادة الوضوء، إرادة الصلاة، عند تغير الفم، عند القيام من النوم، والجمهور على أن السواك يكون بالشمال، باليد اليسرى، ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أنه لا يعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين مع أن جده المجد يقول باستحباب التسوك باليمين، والسبب أنه ينظر إليه من جهتين أنه عبادة وامتثال أمر، فالأحق به اليمين، وإذا قلنا: أنه إزالة قذر ووسخ فبالشمال، وعامة أهل العلم على أن التسوك يكون بالشمال، والمراد بالسواك استعمال العود اللين الذي لا يجرح اللثة لإزالة ما علق بالأسنان واللسان من أوساخ.
واستنشاق الماء، الاستنشاق وجاء الأمر به، فهو واجب في الوضوء، من واجبات الوضوء، ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء)) جاء الأمر بالاستنشاق والاستنثار، والاستنشاق إدخال المال إلى الأنف بالنفس، والاستنثار إخراج الماء أيضاً من الأنف بالنفس، والمقصود به تنظيف ما يدخل، وهو مظنة لأن تدخله الأوساخ والغبار وما أشبه، وهذا من كمال هذه الشرعية التي جاءت بالنظافة، ومباعدة الأوساخ والأقذار، وهذا لائق بالاستنجاء، في غسال يغسل ملابس أمريكي جاء وأعلن إسلامه من غير دعوة، ما دعي إلى الإسلام، فسئل عن السبب قال: أنه غسال إذا غسل ملابس المسلمين وجد الروائح طيبة، وإذا غسل ملابس غير المسلمين وجد الروائح الكريهة، والفرق هو الاستنجاء، وهذا سيأتي، لكن ديننا دين النظافة، دين الفطرة، دين الألفة والمحبة، ولا يمكن أن تجتمع الألفة مع المحبة مع الأوساخ ومزاولة القاذورات، الشخص القذر الوسخ الذي تنبعث منه الروائح الكريهة لا يمكن أن يؤلف وهذا من أسباب الألفة، الاستنشاق واجب، من واجبات الوضوء، وأوجبه بعضهم لكل قائمٍ من النوم؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومه؛ لكن هو متأكد في حق المتوضئ، وهو داخل في فرض الوجه مع المضمضة؛ لأنه لم ينص عليه في آية الوضوء، آية المائدة، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة]
ولذا لم يوجبه جمع من أهل العلم، توضأ كما أمرك الله، الله -جل وعلا-، ما أمرك في كتابه أن تستنشق، ولا تتمضمض، هذه حجة من لا يرى الوجوب، لكن جاء الأمر بالاستنشاق، ((فإذا توضأت فمضمض)) أيضاً جاء الأمر بالمضمضة؛ لكن ما جاء في الاستنشاق أقوى مما جاء في المضمضة، وعلى كل حال المضمضة والاستنشاق داخلان في الوجه، لأنهما من أجزائه وفي حدوده، وإن كان من يقول بالقول الآخر يتأول الآية على أن المراد بالوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا تحصل بالفم والأنف، على كل حال المسألة خلافية والنصوص من السنة المبينة لما أجمل في القرآن تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق.
قص الأظافر إذا طالت، لأنها يجتمع تحتها أوساخ ومنظرها أيضاً كريه ومؤذي، وهي أيضاً مؤذية إذا مرت من أدنى جهة من جهات البدن تجرح، فلا يجوز أن تطال الأظافر، وإن اقترن بذلك تقليد للكفار أو الفساق ازداد الأمر، وقد حد الأمر -عليه الصلاة والسلام- حداً لهذه الزوائد في أخذها بالأربعين، أربعين يوماً، قص الأظافر وغسل البراجم التي هي المغافل في البدن؛ والتي لا يصل إليها الماء، فإذا لم يصل إليها الماء تراكمت فيها الأوساخ.
ونتف الإبط، وهو أيضاً إذا طال شعره مع ما يخرج منه من عرق ولكونه مكتوم إذا اجتمع هذا العرق مع هذا الشعر زادت الرائحة الكريهة، فأمرنا بنتف الإبط؛ لأن هذا من السنة، من الفطرة، وهو أيضاً داخل فيما حد فيه بالأربعين، نتف الذي هو قلع الشعر؛ لكن لو استعمل الاستحداد فيه أو إزالته بأي وسيلةٍ بنورة أو شبهها كفى، المقصود الإزالة، وإن كان النتف أولى؛ لأن النتف يزيل الشعر من أصوله، فالأوساخ في أصول الشعر تنتهي معه، بينما الحلق قد لا يفي بجميع الغرض، نعم يخفف.
وحلق العانة، حلق العانة: وهي ما ينبت حول القبل والدبر لمن بلغ سن التكليف، هذا يحلق لأنه كغيره من هذه الزوائد التي هي مؤذية بنفسها ومجتمع للأوساخ والقاذورات، وديننا دين النظافة، ولذا اشترط في الطهارة لأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويقال في هذا مثل ما قيل في نتف الإبط، يعني لو نتفت العانة دون حلق أجزأ ذلك؛ لأن المقصود الإزالة.
وانتقاص الماء، انتقاص الماء: وهذا يعني الاستنجاء، فسره الراوي بالاستنجاء، انتقاص الماء، ولولا تفسير الراوي لصعب معناه، إيش انتقاص الماء؟ إلا إذا كان هناك ما يدل في لغة العرب على أن هذا استعمال محدد للاستنجاء، وإلا الانتقاص والنقص والأخذ من الماء يكون للاستنجاء ولغيره، لكنه فسره الراوي وأراحنا من الاضطراب، والراوي أدرى بما رواه، أعرف بما رواه، يعني الاستنجاء، والاستنجاء السين والتاء لطلب النجو الذي هو نفس الخارج، والمراد قطعه، والاستنجاء يفرق أهل العلم بينه وبين الاستجمار بأن الاستنجاء يكون بالماء، والاستجمار يكون بالحجار، الجمار التي هي الحجارة، ولا شك أن هذا أمر لا بد منه، ولا يصح قبله عند أهل العلم وضوء ولا تيمم، لا بد من إزالته وقطعه، قطع الأثر الخارج بالكلية بالماء لتعود خشونة المحل في الاستنجاء، وأما الاستجمار فيزال ما يقدر على إزالته بالعدد المحدد، ثلاثة أحجار فأكثر، وما زاد على ذلك بحيث إذا بقي أثر لا يزيله إلا الماء فإنه معفو عنه.
قال الراوي: "ونسيت العاشرة" نسيت الخصلة العاشرة "إلا أن تكون المضمضة" والمضمضة إدخال الماء في الفم، وتحريكه باللسان، وإدارته ومجّه، بعض كتب اللغة تنص على المجّ، فإذا أدخل الماء في فمه وأداره بلسانه وشدقيه ثم ابتلعه، هنا يكون تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم إذا أدخلنا المج في مسمى المضمضة قلنا: ما تمضمض، وبعض كتب اللغة تنص على أن المج من المضمضة، وهنا علة قد لا يتفطن لها بعض الناس، أن هذا الوسخ الذي في الفم والمطلوب إزالته ينبغي أن يخرج، وجاء في حديثٍ فيه كلام الحث على إخراج ما بقي في الفم، في الأسنان وما أشبه ذلك، يعني ما ابتلعته فكله، وما عداه فلا، لأنه إذا بقي في الفم ودخل عليه الهواء، وتأكسد على ما يقولون، يحللون، يتلوث، لا شك أن هذا من كمال العناية الشرعية، فالمج من أصل المضمضة، فإذا تمضمض فليمجّ الماء، ومنهم من يقول: أن المضمضة هي إدارة الماء فقط، والمج ليس مما يسمى المضمضة، وعلى هذا لو ابتلعه يقال: أنه تمضمض.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 03:19 PM

الحديث الثاني والعشرون: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:(‏(‏الماء طهور لا ينجسه شيء)‏)‏‏ [رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي]‏.‏
نعم، في حديث أبي سعيد، هذا الحديث الذي يدل على أن الأصل في الماء من أي مصدرٍ كان سواء نبع من الأرض، أو نزل من السماء فإنه على الأصل، الأصل فيه أنه طهور، لا ينجسه شيء، وجاء الاستثناء من حديث أبي سعيد وحديث أبي أمامة: ((إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه لنجاسة تحدث فيه)) لكن هذه الزيادة ضعيفة باتفاق الحفاظ؛ لكن أهل العلم أجمعوا على أن الماء المتغير بالنجاسة أنه نجس، يبقى الحديث على عمومه، إلا ما استثني، ودليل الاستثناء الإجماع، وإلا فالزيادة ضعيفة، والإجماع عند أهل العلم لا بد أن يكون له مستند، ولو لم نقف على هذا المستند، ومنهم من يقوي هذه الزيادة المتفق على ضعفها بالإجماع، كما يقوي الترمذي الأخبار والأحاديث بالعمل، بعمل أهل العلم، وعليه العمل عند أهل العلم.
على كل حال المسألة متفق عليها بين أهل العلم، لم يخالف أحد في أن الماء إذا تغير بنجاسة أنه نجس، سواء كان التغير في اللون أو الطعم أو الريح؛ لأن المستعمل لهذا الماء المتغير مستعمل لنجاسة، إن الماء طهور لا ينجسه شيء، وهذا الحديث عمومه يقتضي أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير، قلّ أو أكثر، عمومه يقتضي أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قلَّ أو كثُر، هذا العموم وهو استدلال بالمنطوق إلا أنه بالعموم معارض بمفهوم حديث ابن عمر، حديث القلتين: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) مفهومه أنه إذا لم يبلغ القلتين فإنه يحمل الخبث، فعندنا تعارض بين منطوقٍ عام ومفهومٍ خاص، فإذا نظرنا إلى النصين من حيث العموم والخصوص لا شك أن الخاص مقدم على العام، وهذا أمر متفق عليه؛ لكن إذا نظرنا إليهما من باب المنطوق والمفهوم، لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم، ولذا اختلف أهل العلم في التفريق بين القليل والكثير، هل نفرق بين القليل والكثير بناءً على حديث ابن عمر في القلتين أو لا نفرق عملاً بإطلاق حديث أبي سعيد؟ لأن في كل حديثٍ جهة قوة وجهة ضعف، عموم الحديث ضعف، وكونه منطوق قوة، وفي حديث القلتين منطوقه أو مفهومه فيه ضعف، وخصوصه فيه قوة، إذا جاء عندنا تعارض في مثل هذا فهل نقدم المنطوق على المفهوم ونلغي المفهوم ويكون حديث ابن عمر لا مفهوم له لأنه معارض لمنطوق حديث أبي سعيد؟ أو نلغي العموم نقصر عموم حديث أبي سعيد على بعض أفراده لمعارضته بالخاص من مفهوم حديث ابن عمر؟ والمسألة من المضايق، لا بد من أن ننتبه لمثل هذا، الآن لما يختلف الأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد يفرقون بين القليل والكثير، مالك لا يفرق، ما عنده مالك، طاهر وطهور واحد، طاهر ونجس، طاهر يشرب، طاهر يتوضأ به، وإلا نجس، والفارق عنده التغير، الثلاثة عندهم لا، قد يكون الماء لم يتغير لكنه لقلته لكونه أقل من القلتين عند الشافعية والحنابلة أو لكونه أقل من عشرة في عشرة غدير كما يقول محمد بن الحسن، أو حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر عند الحنفية تفاصيل معروفة، لكن هم في عداد من يفرق بين الكثير والقليل، فالثلاثة في جهة، ومذهب مالك في جهة، الآن إذا نظرنا إلى مذهب مالك رجح قوله بأي شيء؟ بالعمل بمنطوق حديث أبي سعيد، وهذا المنطوق مقدم على المفهوم، لكن أولئك رجحوا مذهبهم بخصوص حديث ابن عمر المأخوذ من المفهوم على عموم حديث أبي سعيد، المسألة لا بد من فهمها يا إخوان، هؤلاء أئمة كبار، يعني الإنسان سهل عليه قال شيخ الإسلام ما في واسطة، طاهر ونجس، ولا يوجد في النصوص ما يدل على أن هناك واسطة، يعني من السهل أن نقول مثل هذا الكلام؛ لكن إذا فهمنا وجهات نظر الأئمة، أئمة كبار فحول، وكل مذهب فيه وجه قوة، فلا بد من فهم، شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى يرجح مذهب مالك، ويصحح حديث القلتين؛ لكنه يعمل بمنطوقه ولا يعمل بمفهومه؛ لأن مفهومه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، من جهةٍ أخرى من قال بالقول الآخر قال: عندنا مفهوم يخصِص؛ لأن التخصيص يكون بأدنى شيء، التخصيص ما هو مثل النسخ رفع كلي للحكم، هذا رفع جزئي، والتخصيص يكون بالعقل أحياناً، أحياناً التخصيص يكون لمجرد استرواح لرفع التعارض بين النصوص يقال: هذا عام وهذا خاص، فالأئمة الثلاثة رجحوا مذهبهم بأن عموم حديث أبي سعيد مخصوص بمفهوم حديث ابن عمر؛ لكن لو أتينا للنظائر وجدنا أن أهل العلم يلغون المفهوم إذا عورض بمنطوق، فمثلاً {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}[(80) سورة التوبة]مفهومه أنه لو استغفر واحد وسبعين غفر لهم؟ لكن هذا المفهوم معارض بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء]لو استغفرت ألف مرة، فألغينا المفهوم لأنه عورض بالمنطوق، ما قلنا: إن عموم {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] مخصوص بمفهوم{إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] فألغينا المفهوم، وهذه نظيرتها تماماً {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}[(130) سورة آل عمران] يعني لو كانت نسبة الربا عشرة بالمائة عشرين بالمائة خمسين بالمائة، ما صارت أضعاف، مفهوم هذه الآية أن الربا إذا لم يصل إلى الأضعاف فإنه يكون حلالاً، لكن النصوص كلها التي جاءت في الباب تدل على أن الربا قليله وكثيره حرام، فألغي مفهوم هذه الآية بمنطوق النصوص الأخرى، ولا شك أن المفهوم معتبر عند جمهور العلماء؛ لكن يبقى أنه إذا لم يعارض بمنطوقٍ أقوى منه، ومثلما ذكرنا أن النصين بينهما عموم وخصوص، باعتبار المنطوق والمفهوم بينما أيضاً وجه قوة للنص الآخر من حيثيةٍ أخرى، فما الراجح من القولين؟ يعني إذا نظرنا إلى النظائر التي ذكرناها رجحنا رأي مالك، وأن المنطوق أقوى من المفهوم، رجحنا رأي مالك بآية {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] وآية {أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] كلها نظيرة مع الإمام مالك، أيضاً القول بالتفريق بين القليل والكثير، أولاً: حديث القلتين الكلام فيه كثير جداً؛ من حيث الثبوت، حتى حكم عليه أهل العلم بالاضطراب في سنده ومتنه؛ لكن على القول بصحته وهو مصحح عند جمع من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية يصححه، ابن حجر يصححه، لكن شيخ الإسلام يصححه ويعمل بمنطوقه دون مفهومه؛ لأن المفهوم معارض، طيب القول بالتفريق الذي يراه الأئمة الثلاثة لزم عليه من الحرج والضيق في كثيرٍ من المسائل بحيث صار بعض المسائل لا يمكن تصورها يعني في باب المياه مثلاً مسائل معقدة جداً، يعني أهل العلم أصحاب النظرة الواسعة يقولون: أن الشرع لا يأتي بمثل هذه المسائل، فيها شيء من التعقيد، طيب لو جئنا بمثال، هذا المثال ذكره النووي في المجموع، يقول: هذا برميل يسع قلتين، ومملوء يعني على اصطلاحهم كثير وإلا قليل؟ كثير، وقع فيه نجاسة، وما غيرت شيء من لونه وطعمه ولا ريحه، جئنا بدلو وغرفنا منه بحيث ينقص عن القلتين، وش يقول لك النووي والشافعية؟ يقولون: أن الذي في جوف الدلو طاهر وإلا نجس؟ طاهر لأنه أكثر من قلتين، قلتين فأكثر، لكن الذي يتساقط منه، الذي صار فيه بعد أن نقص عن القلتين، يقول أهل العلم: هل يأتي الشرع بمثل هذا؟ تأتي بدلو تغرف من ماء طاهر عندك فيكون ما في جوفه طاهر، وما يتساقط منه من برى نجس؟ ولذا الغزالي في الإحياء تمنى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب الإمام مالك، على شان يتخلصون من هذه القضايا، وهذه المسائل المشكلة، وما الذي دعا الغزالي وهو بالنسبة للشافعية إمام من أئمتهم، ما الذي دعاه أن يتمنى؟ التزامه بتقليد المذهب، وإلا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- قال: ما علينا من المذهب، رجح ما يرجحه الدليل من وجهة نظره، وما يعتقده، وما يدين الله به ولا عليه، فلا شك أنه نشأ عن التفريق بين الطاهر والطهور، مسائل يعني لا يستوعبها كثير من طلاب العلم، ولا يأتي شرع سمته اليسر والسهولة وعدم الشدة والوضوح لا يأتي بمثل هذه الصورة، وعلى كل حال يبقى مذاهب الأئمة محترمة، والأئمة محل تقدير، ويعترف لهم بالفضل، وأما بالنسبة للترجيح فالإنسان يرجح ما يدين الله به -جل وعلا-، فأنت وقعت هذه النجاسة لا ترى لها أثر إن الماء طهور لا ينجسه شيء، حديث: ((إن الماء طهور)) يعرف بحديث؟ بئر بضاعة، وبئر بضاعة جاء فيها أنها بئر يلقى فيها النتن، ولحوم الكلاب، الحيض، نجاسات، لكنها لم تتغير، فإذا وقعت نجاسة يسيرة بمثل هذا الماء ولا أثرت فيه إن الماء طهور لا ينجسه شيء، ولماذا نضيق على أنفسنا؟ نعم إذا شككت أو تورعت هذا شيء ثاني؛ لكن يبقى أنك ما تمنع الناس وتضيق عليهم؛ لأن الاحتياط في مثل هذا لا يمكن، ما يمكن الاحتياط، شخص ما عنده إلا هذا الماء الذي في البرميل، ووقع فيه نجاسة، كيف تحتاط؟ وافترض المسألة في شخص ما عنده إلا هو، إما أن يتوضأ في هذا الماء الذي هو طاهر عند مالك، أو يعدل إلى التيمم، وعنده واجد من الماء، الآن من كون الشخص عنده هذا الماء المشكوك فيه، والمختلف فيه، وعنده ماء ثاني يمكن أن يتوضأ به، هذا يتورع لا بأس؛ لكن إذا كانت المسألة بين أن يعدل إلى التيمم وواجب للماء هنا لا بد من حسم الموضوع، ولا يرد في مثل هذا احتياط ولا ورع، الورع والاحتياط فيما إذا وجد غيره، الماء طهور لا ينجسه شيء، هذا الأصل في الماء، فإذا كان عندك ماء هذا وصفه، باقي على خلقته، غير متغير، وشككت فيه هل وقع فيه نجاسة أو لم تقع؟ فتبني على الأصل، أن الأصل فيه الطهارة، إن الماء طهور لا ينجسه شيء.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 04:10 PM

الحديث الثالث والعشرون: عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهرة‏:‏ (‏(‏إنها ليست بنجس، إنها من الطوّافين عليكم والطّوّافات)‏)[رواه مالك وأحمد وأهل السنن الأربع]‏.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي قتادة وهو الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهرة: ((إنما ليست بنجس)) والعلة في ذلك: ((إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) يعني العلة المنصوصة، الهرة ليست بنجسة، هذا الحكم الشرعي، والعلة في ذلك كونها من الطوافين عليكم والطوافات، فهذه الطوافة من هذه الهرة لا شك أن الطوافة تقتضي مشقة التحرز، وكانت البيوت تعج بمثل هذه الحيوانات، لا يستطيع أحد أن يتحرز منها، الآن خفت في البيوت لإحكام الأبواب، الأبواب محكمة؛ لكن مع ذلك تبقى من الطوافين، والعلة منصوصة، نقول: العلة المنصوصة، والعلل المنصوصة تدور مع الأحكام، فإذا وجدت هذه الطوافة من أي حيوانٍ كان بحيث يشق التحرز منه فإنه يأخذ نفس الحكم بالقياس، منهم من يقول: يأخذ الحكم بعموم العلة، ومنهم من يقول: بالقياس والعلة تجمع بينهما، الرابط العلة، أهل العلم نظروا إلى النص باعتبار أن الطوافة من لازمها المشقة، فإذا كان من يخالط الناس ويطوف عليهم بحيث يشق عليهم التحرز منه تسليةً له، ولذا قالوا: "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر" كيف نظروا إلى الخلقة؟ يعني لو جاءت فأرة وشربت من ماء نقول: طاهر وإلا نجس؟ طاهر ليش؟ لأنها دون الهرة، ويشق التحرز منها، لماذا لم ينظروا إلى ما هو أعظم من الهرة من الطوافين؟ لأن ما هو أعظم من الهرة لا يشق التحرز منه، يعني الهر لصغر حجمه، وما دونه في الخلقة من باب أولى، يمكن يغالب الناس ويدخل من حيث لا يشعرون؛ لكن حيوان كبير سهل ترده عن دخول البيت، أو عن دخول مكان الطعام سهل التحرز منه، فنظروا إلى أن المشقة في صغار الحجم، وحددوا الحجم بالهرة التي جاءت فيها النص، وقالوا: إن ما فوق الهرة لا يشق التحرز منه، يعني لو كان عند إنسان كلب، كلب وهو فوق الهرة بالحجم، في بيت مرابط له؛ لكن مثل هذا الكلب لا يشق التحرز منه لكبر حجمه، الأبواب ترده، ترده الأبواب، أما الهر لصغر حجمه، وكانت الأبواب ليس فيها من الإحكام مثل أبوابنا الآن، سهل يعني تدخل يدك وتفتح لو ما عندك مفتاح في الأبواب الأولى، وسهل أنه يدخل عليك الباب ولا يتأثر؛ لأن فيها فجوات بحيث تدخل فيها ومعها، والأمور مبنيات على اليسر والسهولة في أمور المسلمين؛ لكن الآن شغل غلق والأبواب بحيث يحجب الهواء ما يدخل، الهواء ما يدخل، وكل شيء له ضريبة، إن قفل على إصبع قطع الأصبع، إن أنقفل على بزر البزر خطر عليه، كل شيء له ضريبة، صحيح أنها نافعة ومفيدة وتمنع الهواء وتمنع الغبار؛ لكن لها ضرائب، نعود إلى الأبواب في الماضي يدخل الهر من تحت، يدخل الهر من عند الكوة سهل، لكن لو جاء أكبر من الهر ما يقدر يدخل، فهم نظروا إلى الحجم من هذه الحيثية؛ لأن ما كان أكبر من الهر يمكن التحرز منه، يعني لو عندهم في الفناء كلب وإلا حمار سهل أن يغلق عنه باب الصالة، بينما الهرة لخفتها وصغر حجمها وقل أسهل منها بالنسبة للفأر، فالمشقة قاعدة عند أهل العلم أنها تجلب التيسير، ما دام يشق التحرز من هذه الأمور خفف فيها، وحكم بطهارتها، ولو حكم بنجاسة الهرة لحصل من المشقة والعنت الشديد ما لا يتصور، هناك أيضاً من الحشرات ما هو طاهر، وهو ما النفس له سائلة، يعني ما فيه دم، الذي ما فيه دم عند أهل العلم طاهر حياً وميتاً، الذباب مثلاً طاهر وش الدليل؟ إذا وقع الذباب في طعام أحدكم أو في شراب أحدكم فليغمسه، إذا كان الطعام حار بيموت، فدليل على طهارة ما له نفس سائلة عند أهل العلم؛ لأن السبب المنجس بعد الموت هو احتقان الدم، وهذه لا دم فيها، وأيضاً لو حكم بنجاستها لوجد العنت والمشقة الموجودة في تنجيس الهرة لو قيل به، جاء الأمر بغسل ما ولغت فيه الهرة مرة واحدة؛ لكنه محمول على الاستحباب عند من يقول بثبوته، وإلا فهي طاهرة، أما الكلاب فقد جاء الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب سبعاً إحداها أو أولاهن أو إحداهن أو أخراهن، أو عفروه الثامنة بالتراب.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 04:33 PM

الحديث الرابع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر‏)‏) [رواه مسلم]‏.‏
((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة)) الصلوات الخمس التي تتكرر في كل يوم وليلة، والجمعة التي تتكرر في كل أسبوع، ((ورمضان إلى رمضان)) الذي يتكرر في كل سنة ((مكفرات لما بينهما)) وجاء أيضاً: ((العمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) وفي لفظٍ: ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر لا بد لها من التوبة، أما الصغائر فتكفرها الصلوات الخمس، تكفرها صلاة الجمعة إلى الجمعة، يكفرها صيام رمضان إلى رمضان، مجرد اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر، {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] يعني الصغائر، وهذا من فضل الله -جل وعلا-، وإلا لو كانت هذه الأمور لا تكفر الصغائر، والإنسان يزاول من الذنوب والمعاصي من الصغائر الشيء الذي لا يخطر له على بال، ولا يلقي له بال يتساهل فيه ويتسامح؛ لكن هذه الأمور من فضل الله -جل وعلا- أنه جعل هذه الحسنات والأعمال الصالحة تكفرها ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) هذه حسنات مكفرة، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] وقصة من جاء بعد أن ألم بشيءٍ من الصغائر، وصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صليت معنا؟)) قال: نعم، قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] ولا يعني هذا أن الإنسان يسترسل في الصغائر، ويقول: أنا بصلي وتروح، لا يا أخي أنت إذا نظرت إلى قدر من عصيت ما أقدمت على معصية، ولا شك أن الاستخفاف بالمحرمات ولو كانت صغائر قد يجعلها عظائم؛ لأنك لا بد أن تنظر إلى من عصيت، فليحذر المسلم من هذه المعاصي، يبقى النظر في هذه العبادات المكفرة، هل الصلاة المكفرة لهذه الذنوب والجمعة المكفرة والصيام المكفر أي صلاة؟ وأي صيام؟ يعني هل هي الصلاة المسقطة للطلب؟ هل هي الصلاة التي ليست للمصلي إلا عشرها هذه تكفر شيء؟ نأخذ النص يعني بعمومه وننظر إلى خفايا الأمور، نغفل عن خفايا الأمور، شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى يقول: "هذه الصلاة التي لم ينصرف صاحبها من الأجر بشيء أو بالعشر مثلاً هذه أن كفرت نفسها بركة" فلننتبه لمثل هذا، لا نقول: الحمد لله صلينا وانتهينا، وبعض الناس يسترسل في الجرائم والمنكرات في الفواحش والموبقات ويقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] يا أخي وما يدريك أن حسناتك مقبولة؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان، لا شك أن الاستدلال بالنص هو الأصل؛ لكن يبقى أن النصوص لها ما يحتف بها، وتؤخذ النصوص مجتمعة لا نأخذ بنصٍ يرضينا ونترك نص يحكم علينا، لا بد أن ينظر إلى الأمور بشمول، الذي قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[(114) سورة هود] الله -جل وعلا-، والسيئات لا تقضي على الحسنات إلا عند الإحباطية من الخوارج والمعتزلة، وهذا من فضل الله -جل وعلا- يعني الحسنة على ما سيأتي بعشر أمثالها مضاعفات وأضعاف كثيرة، وتبقى أن السيئة سيئة لا تضاعف؛ لكن يبقى أن يكون الإنسان خائفاً وجلاً فإذا كان حال الصحابة أنهم يأتون بالحسنات وبالطاعات، ومع ذلك يخافون من عدم القبول {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] خائفة، تقول عائشة: "أهم الذين يزنون ويشربون ويسرقون؟" قال: ((لا يا ابنة الصديق هم الذين يصلون ويصومون ويحجون لكنهم وجلون يخافون أن ترد عليهم أعمالهم)) فعلى الإنسان أن يخاف في مثل هذه الأمور، ولا يقدم على السيئات باعتبار أن الصلوات تكفر والجمعة تكفر، أولاً: الاستخفاف بالمعاصي شأنه عظيم، والأمر الثاني: أنه لا بد من اجتناب الكبائر لتكفر الصغائر، بقي أن الحديث فيه إشارة إلى أن الذنوب متفاوتة بدءً مما يخرج من الملة إلى المحقرات، فهي متفاوتة، والحديث يدل على أن هناك كبائر وهناك صغائر، والكبائر متفاوتة من الموبقات ومنها ما دون ذلك، والصغائر أيضاً متفاوتة، وأهل العلم يختلفون اختلاف كبير في الحد والضابط الذي يضبط الصغيرة من الكبيرة، فمنهم من يرى أن الكبيرة: ما رتب عليه حد الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو غضب أو لعن أو تعود عليه بنار، أو قيل فيه: "ليس منا" أو لا يدخل الجنة، أو لم ير رائحة الجنة، هذه في حيز قسم الكبائر، وما دون ذلك فهي صغيرة، يقول ناظم الكبائر الحجاوي في منظومة الكبائر لما ذكر القيد هذا قال :
وزاد حفيد المجيد أو جاء وعيده *** بنفي لإيمانٍ أو بلعن مبعدِ
بنفي لإيمان –لا يؤمن أحدكم-، المقصود أن أهل العلم تكلموا في هذا كلاماً طويلاً، منهم من يفرق بين الكبائر والصغائر يجعل الكبائر فيما كانت تحريمه تحريم غايات ومقاصد، ويجعل الصغائر ما كان تحريمه من باب تحريم الوسائل، ويبقى أن هذا ليس بضابط؛ لأن ما يعتبر وسيلة عند قوم هو غاية عند آخرين، ويختلفون في تحديد الوسيلة والغاية، وجاءت نصوص قوية جداً في بعض الوسائل، فمثلاً التصوير جاء: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)) هل نستطيع أن نقول: التصوير صغيرة؟ لا يمكن، ومع ذلكم يقرر أهل العلم أن التصوير يعني ما هو لذاته، لما فيه من مضاهاة خلق الله، وخشية أن تعبد؛ لأنها هي السبب الأول لانتشار الشرك، ويبقى أنها محرمة لذاتها، كما دل على ذلك النص.

أم جهاد وأحمد 09-12-09 04:53 PM

الحديث الخامس والعشرون: عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(‏(‏صلُّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم‏)‏) [متفق عليه]‏.
حديث مالك بن الحويرث وقد وفد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورأى صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحفظ عنه صفة الصلاة، وجاء عنه في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يرد عن غيره، فنقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هذا الميزان الشرعي للصلاة، أن نصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن فعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للواجب، وبيان الواجب واجب، ويبقى أن هذا البيان لكونه فعل جاء في بعضه ما يدل على التأكد، وفي بعضه ما يدل على التوسط، وفي بعضه ما يدل على التساهل والتسامح بنصوصٍ أخرى، ولذا قسم أهل العلم أفعال الصلاة إلى أركان، وإلى واجبات، وإلى سنن، مالك بن الحويرث رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، رآه يقف، يكبر، يقرأ، يكبر، يركع، يكبر ويقول: سمع الله لمن حمده، يركع، يسجد، ورآه أيضاً يجلس بين الركعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، نقل عنه هذا، فهل هذه الأفعال التي رآها مالك بن الحويرث على حدٍ سواء؟ لا، جاءت النصوص الأخرى المبينة لهذا الفعل، فمثلاً تكبيرة الإحرام هل نقول: أن تكبيرة الإحرام مثل رفع اليدين في الحكم؟ لا، هل نقول: أن الجلسة بين السجدتين مثل الجلسة التي يسميها بعضهم جلسة الاستراحة؟ لا، هل نقول: أن الركوع أو السجود مثل التورك أو الافتراش؟ لا، أفعال الصلاة المتفاوتة أهل العلم قسموها إلى أقسام، تبعاً لما ورد من النصوص المقسمة والموزعة والمفرقة لأفعاله -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فالأصل أن هذه قاعدة أن نصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن فعله بيان لما أجمل في القرآن، الأمر بالصلاة في القرآن مجمل يحتاج إلى بيان، بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وبقوله، لكن أفعاله منها ما حمل على الركنية، ومنها ما حمل على الوجوب، ومنها ما حمل على الاستحباب، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لأنه هو القدوة وهو الأسوة، وليس لأحدٍ أن يجتهد مع ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، نعم للعلماء أن يجتهدوا في فهم كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وفي فهم فعله، أو في تنزيل قوله وربطه بفعله، لهم أن يجتهدوا وينظروا، ولذا وجد الخلاف، وإلا قد يقول قائل: كيف يختلف الأئمة ويختلف الصحابة وهم يرون النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في اليوم والليلة خمس مرات؟ يصلي أضعاف ذلك من النوافل يشوفون شلون اختلفوا؟ يختلفون في الفهوم، النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يطيل، وقد يقصر، وقد يستعمل بعض السنن، وقد يترك بعض السنن لبيان الجواز، المقصود أن صلاته -عليه الصلاة والسلام- بيان لما أجمل من الأوامر في القرآن والسنة، والأصل أن هذا البيان واجب لأنه جاءت فيه النصوص ما يدل على أن مفردات هذا البيان الفعلي منها ما هو متأكد جداً بحيث يصل إلى حد الركنية الذي تبطل الصلاة بتركه، أو الواجب التي تبطل الصلاة بعمد تركه ويجبر بسجود السهو مع السهو والنسيان، وما لا يلزم بتركه شيء كالسنن، وأهل العلم فصلوا هذا تبعاً للنصوص الواردة في ذلك.
((وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) حضرت الصلاة، الأذان يعرفه أهل العلم بأنه الإعلام بدخول وقت الصلاة، فقوله: إذا حضرت الصلاة يعني حضر وقتها، فالأذان إعلام لدخول الوقت، فلا يصح الأذان قبل دخول الوقت إلا في صلاة الصبح، إن بلالاً يؤذن بليل، طيب بعد طلوع الوقت مثلاً هل يؤذن أو ما يؤذن؟ يعني نام شخص أو مجموعة ناموا، استيقظوا بعد طلوع الشمس يؤذنون وإلا ما يؤذنون؟ نعم يؤذنون، بعد الوقت، لو الإنسان حبس في منصرفه من عرفة إلى مزدلفة حتى انتصف الليل، يعني ما هو قال أهل العلم أن الأذان إعلام لدخول الوقت الآن قرب خروج الوقت، إذاً الأذان يكون أحياناً للوقت، وأحياناً يكون للإعلان للصلاة، فيما إذا ناموا عن الصلاة كما فعل -عليه الصلاة والسلام- لما نام عن صلاة الصبح. ((فليؤذن لكم أحدكم)) الأذان ما يشترط له من الشروط مثلما يشترط للإمامة، الأذان يكون صيت، ثقة، أمين، عارف بالأوقات؛ لكن لا يشترط له أكثر من هذا، بينما الإمامة ((وليؤمكم أكبركم)) الإمامة لها شروط، ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فالأقرأ هو الأولى بالإمامة، وإن حمله الأكثر على أن المراد به الأفقه، الحديث: ((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلماً)) أقدمهم هجرة، أكبرهم سناً، المقصود أن لها أوصاف، الأولى بها الأمكن في هذه الأوصاف، فيؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم به، وأحفظهم له، وأضبطهم لقراءته، والأكثر يرون أن المراد بالأقرأ هو الأفقه، ولو كان غيرها أكثر من القرآن؛ لأن الإمام يعرض له في صلاته أمور إن لم يكن أفقه لا يستطيع أن يتخلص من هذه الأمور التي عرضت له، ولو كان حافظاً لكتاب الله، مجوداً له، لكن النص نص واضح بأن المقدم الأقرأ لكتاب الله، وإن كان غيره أفقه منه، بدليل أن الفقه لا سيما فقه الصلاة جله مأخوذ من السنة، والسنة مرتبة ثانية بعد الأقرأ، كما في النص، إذاً المقدم مطلقاً هو الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ولنقل: الأفقه؛ لأن فقه الصلاة مأخوذ من السنة، ثم الأكبر، أقدمهم سلم إسلام، وهنا يقول: ((وليؤمكم أكبركم)) وجاء تقديم الكبير في أماكن، ولا شك أن الشرع جعل للكبير ميزة، لما أراد أن يتحدث ولي الدم قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) ولا شك أن الكبر كبار السن مقدم في شريعة الإسلام؛ لكن مع التساهل، لا نقول: يؤم الأكبر مع وجود من هو أقرأ منه، لا، الترتيب مطلوب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم جهاد وأحمد 10-12-09 11:52 AM

أخواتي على هذا الرابط تجدن تفريغ الشريط الرابع :
http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31710

أم الخطاب78 10-12-09 03:16 PM

الحديث الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا‏؟‏ من خلق كذا‏؟‏ حتى يقول‏:‏ من خلق الله‏؟‏ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ)‏)‏‏ متفق عليه، وفي لفظ: ‏(‏(فليقل‏:‏ آمنت بالله ورسله)‏)‏ متفق عليه‏، وفي لفظ: (‏(‏لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون‏:‏ من خلق الله‏؟‏‏)‏‏).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي الشيطان أحدكم)) والشيطان يطلق ويراد به الشيطان الأكبر إبليس لعنه الله، ويطلق ويراد به واحد الشياطين، وكما أن في الجن شياطين في الإنس شياطين، فالاحتمال قائم أنه الشيطان الأكبر أو أحد الشياطين من شياطين الإنس والجن، ((يأتي الشيطان أحدكم)) يعني من المسلمين، وشياطين الإنس تسلطوا على المسلمين في مثل هذه الأسئلة، ومثل هذه الشبهات، كانت مثل هذه الأسئلة أمور نفسية وخواطر وهواجس؛ لكن الآن بيوت المسلمين الآن من يحصنها من مثل هذه الشبهات؟ تلقى إليهم من خلال القنوات، الإنسان امرأة لا تقرأ ولا تكتب تستمع لمثل هذه الشبهات، وشاب أو شابة يلقى إليهم من الشبهات والشهوات ما تشيب لها الذوائب، نسأل الله السلامة والعافية، فمقاومة مثل هذه الشرور بأمور: أولاً: يجاهد الإنسان بقدر الإمكان ألا يستعمل من هذه الآلات شيئاً، ولو كان فيها شيء من النفع؛ لأن مفاسدها أعظم، ويحذر الناس منها، ويقدَم للناس ابتداءً ما يحصنهم من هذه الشهوات والشبهات، وإلا فالأمر جد خطير؛ لأنه يوجد الآن تأثير واضح جداً على كبار السن فضلاً عن الصغار، شياب، سبعين، ثمانين، كانوا عمار مساجد لا يحضرون الصلوات في المسجد، الليل كله سهر على القنوات، ويقلبون من قناة إلى أخرى وكذا وينظرون لمثل هذه الأمور، شياب بدؤوا بالأسفار على شان إيش يسافرون؟ لأنهم لا يتمكنون من حصول ما يريدون في هذه البلاد، ولله الحمد، الله المستعان.

((يأتي الشيطان أحدكم)) وتيسرت الآن الأسباب لشياطين الإنس والجن، وحدث ولا حرج الآن، شياطين الإنس مثلما تشوفون من خلال وسائل الإعلام شيء ما يخطر على البال ولا أحد يقف في وجوههم، وشياطين الجن تسلطت على البيوت بسبب البعد عن ذكر الله، وجلب الأسباب التي تدعو إلى مخالطة هذه الشياطين ومشاركتهم للمسلمين في بيوتهم في أكلهم وشربهم ومسكنهم، الأمر يا إخوان من كل فج، تكالب على المسلمين من كل وجه، يعني شخص بيته مملوء بصور تمنع من دخول الملائكة، وفيه مزامير تجلب الشياطين، ولا ذكر، ولا قراءة قرآن، ولا زيادة نوافل، يعني إن أدى الصلاة فبلا روح، يعني مثل هذا وش اللي يمنع أنه يكون مركز من مراكز الشياطين؟! كثير من الناس يشكو، يرى في النوم مفزعات، ولده يفعل كذا، وبنته تسوي كذا، يا إخوان الأمر خطير، من يطرد هذه الشياطين من البيوت إلا الذكر؟ شخص خطب امرأة، يعني هذه وقائع، فرفضته، فذهب إلى ساحر، وقال: هذه مائة ألف ودبر هذه؟ قال: أمهلني أسبوع، بس شياطينه عجزت، كل ما أرادوا أن يصلوا ردوا، جاءه قال: أسبوع ثاني ومثله، وثالث ومثله، قال: يا أخي هذه المرأة عجزنا عنها، عجزنا عنها البتة، امرأة صالحة، محصنة بالأوراد والأذكار، ماذا صنع هؤلاء الشياطين لما عجزوا عن هذه المرأة الصالحة؟ ذهبوا إلى أخت الخاطب فابتليت بهم، والله المستعان.
شخص من الشباب الصالحين لما تمت الساعة اثنا عشر ونصف دوخل، دخله جني، فاستدعي واحد من طلاب العلم من جيرانه ليقرأ عليه فرقاه، تكلم الجني قال: "ما الذي جعلك تدخل في هذا المسكين عبد صالح محافظ على الأذكار محافظ على كذا، قال: "والله أنظرته إلى الساعة الثانية عشرة ليقرأ آية الكرسي ما قرأ آية الكرسي ودخلت، فالمسألة تحتاج إلى عناية أيها الإخوان، عندنا حصون نتحصن بها، ومع ذلك نترك، العمر يمضي كله في القيل والقال وهذه أمور، يعني الذكر هل يكلف شيء؟ أنت جالس قائم نايم في مجلس خالي، ما يكلفك شيء، ((سبق المفردون)) ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] المسألة يعني أمور لا تكلف شيء، وآثارها عظيمة، فوائد الذكر شيء لا يخطر على البال، يعني مما أحصاه ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة، لكن وراء ذلك أضعاف مضاعفة، يعني الإنسان هل هو مبرأ من الذنوب والمعاصي في مثل هذه الظروف؟ يعني ما الذي يضيره أن يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر؟ يعني في دقيقة ونصف لا تزيد، فلنتحصن من هؤلاء الشياطين؛ وليكن حذرنا من شياطين الإنس أشد؛ لأن شياطين الجن نستطيع أن نحصن بالأذكار؛ لكن شياطين الإنس لا بد أن نفر منهم فرارنا من الأسود.
((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟)) يستدرج، من خلق كذا؟ من خلق الدنيا؟ من خلق الجبال؟ من خلق الأرض؟ من خلق السماء؟ من خلق الجنة؟ من خلق النار؟ إلى أن يستدرج بالإنسان، يجيب المسلم الله الله، خلقها الله، حتى يقول: من خلق الله؟ اعتماداً على ما من مخلوق إلا وله خالق؟ الإنسان في الذهن لا يمكن أن يوجد نفسه، من خلق الله؟ وهنا هل يستطيع الإنسان بعقله الضعيف أن يستمر في هذه الأسئلة؟ لا بد من حسم المادة، وحسمها يكون بثلاثة أمور، ذكرت في الحديث، إذا بلغ إلى هذا الحد فليستعد بالله من هذا الشيطان الذي أغواه وأضله، ولينته مباشرةً ما يتجاوز، ما يقول: هذا السؤال صعب هات اللي بعده، لا لا، خلاص يحسم الموقف، ولينته فوراً، ثم بعد ذلك في اللفظ الآخر يقول: ((آمنت بالله ورسله)) لا بد من التسليم التام المطلق، وقدم الإسلام كما قرر أهل العلم لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لا بد أن يكون هذا آخر المطاف، (آمنت بالله ورسله) آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، فلا بد للإنسان أن يقف مهما كان، وهؤلاء الذين يدعون إلى المناقشات والمحاورات والمناظرات وتلقى في بيوت الناس مناظرات تظلهم هؤلاء لا شك أن أهدافهم سيئة، وإلا هناك أمور لا بد أن يقف، صاحب الحق لا بد أن يقف؛ لأنها إن كانت المناظرة مع من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمداً نبياً، لا بد أن يقف إلى هذا الحد؛ لكن إن كانت من شياطين الإنس والجن يتجاوزون الحد، المسلم عنده أمور لا بد أن يسلم بها ولو لم يحتملها عقله؛ لأن عقل الإنسان محدود، يعني الشبهات التي أثيرت على حديث النزول مثلاً، نحن نقطع بأن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة؛ لأن النصوص القطعية جاءت بذلك، ونجزم معتقدين لا يساورنا بذلك أدنى شك أن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، كيف تجمع بين هذا وهذا؟ يقول شيخ الإسلام: "المقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو منه العرش" يعني لو ناظرك جهمي وإلا شيء في مثل هذا بيقتنع؟ ممكن يقتنع بمثل هذا؟ أبداً ما في مثل حسم المادة مع هؤلاء، وفي لفظٍ: ((لا يزالون يتساءلون حتى تقولون: من خلق الله؟)) وهنا يبين هذا اللفظ أن هذا الذي يقول من شياطين الإنس، ولمسنا هذا واضح وظاهر من خلال هذه القنوات، من خلق الله؟ ويكون الجواب بالثلاثة الأمور السابقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 19-12-09 11:17 AM

شرح جوامع الأخبار (5)
شرح حديث: ((أعطيت خمساً)) و‏حديث (‏(إن الدين يُسْر)) وحديث: ((حق المسلم على المسلم ست)) وحديث: ((إذا مرض العبد أو سافر)) وحديث: ((سرعوا بالجنازة))‏ وحديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسق)) وحديث: ((ومن يستعفف يُعفّه الله))
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفضل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:
الحديث السادس والعشرون: عن جابر بن عبد الله --رضي الله عنه-ما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي‏:‏ نصرت بالرُّعبِ مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً‏،‏ فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ قبلي،‏ وأعطيت الشفاعة‏،‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏) [متفق عليه]‏.
هذا الحديث، حديث جابر في الخصائص النبوية وخصائصه -عليه الصلاة والسلام- منها ما هو خاص به لشخصه، ومنها ما يتناول الأمة دون سائر الأمم، خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة جداً ألفت فيها المؤلفات، الخصائص النبوية، منها هذه الخمسة: ((أعطيت خمساً)) يعني من الخصال ((لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر)) بعض الروايات: ((شهرين)) ولا شك أن الشهر ذاهباً وإياباً يكون شهرين، ((نصرت بالرعب)) يقذف الله -جل وعلا- في قلوب أعدائه الرعب من هذه المسافة البعيدة الطويلة، فهل هذا خاص بشخصه -عليه الصلاة والسلام- كما أعطي الشفاعة أو هو له ولأمته دون سائر الأمم كما في قوله: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً))؟ بمعنى أنه مهما كانت الأمة من الالتزام والاستقامة، وكان قائدها أقرب إلى تحقيق الأوامر والنواهي من غيره، وأقرب إلى تطبيق سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هل ينصر بالرعب تبعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويكون نصره بالرعب بقدر ما عنده من استقامة، بحيث لو كان مفرطاً ينصر بالرعب مسيرة نصف شهر، مسيرة عشرة أيام، مسيرة يوم مثلاً، أو نقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله: ((وأعطيت الشفاعة))؟ لا شك أن الرعب موجود في كل من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام-، والهيبة التي يقذفها الله -جل وعلا- في قلوب العباد وإن كان هذا الشخص في ظاهره صاحب خلق، وصاحب ابتسامة، وصاحب لين جانب؛ لكن بقدر ما عنده من الاستقامة يجعل الله في قلوب غيره من الرهبة له والهيبة ما يجب، وكل له نصيبه بقدر اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا شيء مشاهد، تجد شخص من أهل العلم، وإن كان من أسهل الناس، ومن أطيبهم خلق، وأكثرهم بشاشة، تجده أحياناً تريد أن تسأله خمسة أسئلة تضيع أربعة، إيش بيسوي بك؟ ما هو مسوي شيء؛ لكن هذا رعب، هذه هيبة، وهذا حاصل، تأتي إلى الشخص وهو من خير الناس، من العباد والزهاد تسأله، والله إيش السبب؟ بيده سيف وإلا.... ما بيده شيء، لا شك أن مثل هذه هيبة يضعها الله -جل وعلا-، وضعها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ووضعها في أتباعه، وكل بحسبه، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أسهل الناس خلق، وألينهم جانب، عرف بالرفق واللين والحكمة، والله المستعان.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وعلى هذا لو كان في الأمة ما يؤهلها لمثل هذا الرعب ما وصلت إلى هذا الحد، وجاء في حديث في آخر الزمان: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) أمن قلة يا رسول الله؟ قال: ((لا أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم)) هذا دليل على أننا لما انصرفنا نزعت المهابة، لو استقمنا وجدت المهابة، وهذه المهابة هي الرعب، ما تسلط علينا الأعداء إلا بعد أن وقعنا في المخالفات؛ لكن لو استقمنا حسب لنا العدو حسابات، والله المستعان.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) يعني في أي مكان؛ لأنها مسجد، وإذا لم يجد الماء يتيمم طهور، وجاء في بعض الألفاظ في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) اللفظ الذي معنا استدل به من يقول: أنه يتيمم على كل ما على وجه الأرض، ((جعلت الأرض مسجداً وطهوراً)) كل ما فيه مسجد طهور، تيمم على أي شيءٍ على وجه الأرض، كل ما على وجه الأرض من صعيد تيمم به أياً كان، اللفظ الآخر: ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) استدل به من يقول: أنه لا يصح التيمم إلا بترابٍ له غبار يعلق باليد، بدليل: (تربتها) ((جعلت لي الأرض كلها مسجداً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) هذا عام مخصوص، جاء ما يخصصه مثلاً الصلاة في المقبرة تصح وإلا ما تصح؟ عموم الحديث يتناول المقبرة؛ لكن جاء ما يدل على تخصيص بعض البقاع.
طيب، هنا مسألة ويتبناها ابن عبد البر بقوة، وهي أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص الذي هو تقليل أفراد العام، تقليل لهذا التشريف، إذاً أحاديث الخصائص لا تقتضي التخصيص، فعند ابن عبد البر يجوز أن تصلي في المقبرة لأنك خصصت حديث الخصائص، وقللت هذا التشريف، إذاً تصلي في المقبرة؛ لأن أحاديث التخصيص لا تقبل التخصيص، هذا الكلام مقبول وإلا غير مقبول؟
طالب:.......
لماذا؟ نعم، كيف؟ مصادم لنص، لكن خلونا نتنزل على رأيه، نقول: هذا تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن المحافظة على حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لا بد منها؛ لكن إذا تعارضت حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع حقوق الله -جل وعلا-، والمنع من الصلاة في مثل هذا المكان صيانةً لحق الله -جل وعلا-، ولا شك أن المحافظة على حق الله -جل وعلا- أولى من المحافظة على حقه -عليه الصلاة والسلام-، عند التعارض لا سيما وأن الحق الإلهي يدعمه النص الخاص، إذاً نخصص ((وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً)).
والرواية الأخرى: ((وتربتها)) طيب وش اللي بين التراب والأرض؟ بينهما عموم وخصوص وإلا إطلاق وتقييد؟ يعني من قال: أنه لا يتمم إلا بالتراب هل نقول: أنه قال الخاص مقدم على العام، أو قال المطلق يقيد بالمقيد؟ مطلق ومقيد، وإلا عام خاص؟ وش الفرق بينهما؟ من أي البابين؟ عام وخاص وإلا مطلق ومقيد؟ إيش الفرق بين التقييد والتخصيص؟ التقييد في الأوصاف، والتخصيص في الأفراد، إذاً هل الأرض ذات أفراد أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف اختلاف جذري إذا قلنا: تقييد وإذا قلنا: تخصيص، إيش يقول؟
طالب:.......
ذات أفراد، إذاً عموم وخصوص أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف تبعاً لهذا، الذين قالوا: لا يصح التيمم إلا بالتراب جعلوا ذلك من باب التقييد، والذين قالوا: يصح التيمم بجميع ما على وجه الأرض فإما أن يحكموا على الزيادة بأنها شاذة (تربتها) أو يقولوا: من باب العموم والخصوص، والتنصيص على بعض أفراد العام بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إنما التخصيص إذا اختلف حكم العام على الخاص.
طالب:.......
ها، انتهينا وإلا ما انتهينا، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) والنص الآخر في الصحيح في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل نقول: أن التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ يعني إذا قلنا: "فتحرير رقبة" إذا قيل: أعتق رقبة، ثم قيل: أعتق زيداً، أو قيل: أعتق مؤمناً، زيد فرد من أفراد العام، والمؤمن وصف من أوصافها، فرق بين هذا وهذا، إذا قلنا: أعتق رقبة، ثم قلنا: أعتق زيداً، نقول: زيد فرد من أفراد الرقبة، وعلى هذا لو أعتقنا رقبة غير زيد لكن ينبغي أن يكون زيد أولى من غيره؛ لأن التنصيص على بعض الأفراد للحكم الموافق لا يقتضي التخصيص، بخلاف ما لو قال: أعتق رقبة ولا تعتق زيداً، قلنا: لا ما يمكن أن نعتق زيد؛ لأنه خاص مقدم على العام؛ لأن الحكم مخالف؛ لكن لما يقول: أعتق رقبة، وأعتق مؤمنة، نحمل المطلق على المقيد، فرق بين هذا وهذا، هذا فرد من أفراد العام، وهذا وصف من أوصافه. وعلى كل حال تحرير الموضوع بدقة لا تجده عند أحد، يعني مشكل، يلوكون في مثل هذا، ويقول: أطلق في وصف الأرض ثم خصص، إيش معنى أطلق ثم خصص؟ هذا موجود في بعض الشروح، ولذلك تبقى المسألة إما أن نقول: إن كانت من باب العموم والخصوص فالتنصيص على التراب يقتضي أنه أولى من غيره، العناية بشأنه والاهتمام به لكن التيمم بغيره مجزئ لا سيما وأنه يتصور أنه لا يوجد تراب، تجد رمل، نجد صخر، نجد شيء، فإلزام الناس بالتراب مشقة، والتيمم إنما عدل عن الوضوء إلى التيمم دفعاً للمشقة، وهذا هو اللائق أن نقول: أنه من باب العموم والخصوص التنصيص على التراب لكونه أولى، ولا يعني هذا أنه لا يتمم بغير التراب؛ لأن العدول عن الوضوء إلى التيمم إنما هو رفع للمشقة، طيب أنت في مكان ما فيه تراب إما جبال وإلا رمال وإلا شيء؟ تبي تركب السيارة تدور تراب؟ يا أخي اركب السيارة دور ماء أفضل لك، ما ارتفعت المشقة حينئذٍ، وعلى هذا إذا قلنا: من باب العموم والخصوص يكون التراب أولى من غيره، بحيث لو كان عندك يمينك تراب وبيسارك حجارة وإلا رمل تيمم بالتراب أفضل؛ لأن التنصيص عليه يقتضي الاهتمام بشأنه، وإذا قلنا: مطلق ومقيد كما يقول الشافعية والحنابلة وقعنا في الحرج، فلا تتيمم إلا بالتراب.
((وأحلت لي الغنائم)) الغنائم أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تحل لأحدٍ من قبله، تترك، إن كانت مقبولة جاءت نار فأحرقتها، وإن كانت غير مقبولة تركت وفسدت، المقصود أنها لم تحل لأحد من الأنبياء قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل هي أفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن العلماء يختلفون في أفضل المكاسب، منهم من يقول: الصناعة؛ لأنها مهنة بعض الأنبياء، ومنهم من يقول: الزراعة، وجاء في فضل الزراعة نصوص، ومنهم من يقول: الرعي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رعى الغنم، وما من نبي إلا رعى الغنم؛ لكن يبقى أن الغنائم هي أطيب وأفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) فهي أطيب المكاسب، ((وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ من قبلي، وأعطيت الشفاعة)) والمراد بها الشفاعة العظمى التي تخلص الناس من شدائد الموقف، ويعتذر عنها الأنبياء، يعتذر عنها أولو العزم، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا لها)).
((وكان النبي يبعث إلى القوم خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)) الأنبياء كلهم دعواتهم خاصة، ولذا يسوغ للشخص أن يتعبد على ديانة موسى مع وجود عيسى؛ لأن عيسى بعث إلى قومه، يسوغ للخضر أن يتعبد ويخرج عن شريعة موسى؛ لأن موسى ليست رسالته عامة؛ لكن هل يسوغ لأحدٍ الآن بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتعبد بغير ما شرعه الله على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يمكن، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى هذا ناقض من النواقض، كافر، طيب الذين يتعبدون على ملة موسى وعلى ملة عيسى، هؤلاء كفار وإلا غير كفار؟ كفار، ويقرر أهل العلم أن من شك في كفرهم كفر إجماعاً، لا يمكن أن يعبد الله بغير شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، حتى عيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
((وبعثت إلى الناس عامة)) ((وما من يهودي ولا نصراني...)) إلا إيش؟ الحديث صحيح ((ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ولم يؤمن بي إلا دخل النار)) بلا شك يبقى مسألة وهي: هل مثل هؤلاء من اليهود والنصارى هم كفار بلا شك يبقى هل نقول لهم: مشركون؟ أو نقول: إنهم كفار وإن كان فيهم شرك؟ إيش الفرق بين القولين؟ الآن ما جاء التخفيف في ذبائحهم؟ وجاء التخفيف في جواز نكاح نسائهم؟ جاء التخفيف فيه، إذاً ليسوا مثل الكفار من كل وجه، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] لا شك أن الشرك وقع فيهم، الشرك وقع في اليهود والنصارى؛ لكن هل هم مشركون؟ فنحتاج إلى مخصص في نكاح المشركات، {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] نحتاج إلى مخصص فنبحث عن مثل قوله -جل وعلا-: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [(24) سورة النساء] المقصود أننا إذا قلنا: أنهم مشركون لا بد أن نبحث عن مخصص، لا شك أن فيهم شرك، وهم كفار، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الذي يقرره جمع من أهل العلم أنهم وإن كانوا كفاراً لا يوصفون بأنهم مشركون، وإنما هم كفار فيهم شرك، يعني فرق بين أن يقال: فلان مشرك، وبين أن يقال: فيه شرك، وفرق بين أن يقال: منافق، وبين أن يقال: فيه نفاق، وبين أن يقال: جاهلي ، وبين أن يقال: أبو ذر فيه جاهلية، يعني فرق بين هذه الأمور، فبعض أهل العلم لحظ هذا وفرق بينهم وبين غيرهم، وعلى كل حال هم كفار، والله المستعان.

أم الخطاب78 19-12-09 11:17 AM

الحديث السابع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "‏أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث‏:‏ صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"‏ [متفق عليه]‏.
هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة ولغيره من الصحابة، أوصى بها أبا ذر، وأبا الدرداء كأبي هريرة، ووصيته -عليه الصلاة والسلام- لواحد من أمته هي للجميع؛ لأن ما يطلب من أبي هريرة يطلب من غيره، وحكمه على الواحد حكمه على الجميع، إلا ما دل الدليل على اختصاص، وهنا لا دليل، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي" وجاء ما يدل على أنه لم يتخل خليلاً -عليه الصلاة والسلام-، كونه يُتّخَذ خليل لا يعني أنه اتخذ خليلاً، "أوصاني خليلي" والخلة كمال المحبة وغايتها، وينبغي أن يكون كل مسلم يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- غاية المحبة، أكثر من حبه لنفسه، والمراد بالمحبة المحبة التي بها يؤثر أمره ونهيه وشرعه على هوى نفسه، وولده ووالده والناس أجمعين.
"أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث" ثلاث خصال، ثلاث خلال "صيام ثلاثة أيام من كل شهر" وهذا يعدل صيام السنة؛ لأن كل يوم بعشرة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، فصيام ثلاثة أيام على ثلاثين يوم، فإذا صام الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر كأنه صام الدهر، فكأنما صار الدهر، صيام ثلاثة أيام ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم، كيف يشبه الممدوح بالمذموم؟ نعم، كيف؟ في الأجر، يعني التشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه، قد يكون المشبه به له أكثر من وجه للشبه، فيشابهه من وجه دون وجه، يعني تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هل هي من كل وجه؟ لا، تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس المذموم من الوجه المحمود لا الوجه المذموم، وقل مثل هذا في تشبيه تقديم اليدين على الركبتين ببروك البعير، والمسألة تطول يعني لو أخذنا أفرادها وفصلنا من انتهت؛ لكن هنا شبه صيام ثلاثة أيام بصيام الدهر في الأجر والثواب، لا على ما يترتب على صيام الدهر من الذم الوارد في النص، صيام ثلاثة أيام جاء تقييدها بأنها الأيام البيض، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، جاء في حديث مقبول، لا بأس به، يمكن أن يعتمد عليه، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لكن لو صام الاثنين ما يتيسر له صيام البيض مثلاً، أيام متوالية، وصام الاثنين أو الخميس مثلاً لأنه إجازته صام ثلاث خميسات وإلا ثلاث اثنينات كفاه، حصل له الأجر الموعود -إن شاء الله تعالى-.
"صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى" ركعتي الضحى أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، أكثر من واحد من الصحابة، وجاء في حديث: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..)) والإنسان فيه من السلامة ثلاثمائة وستين مفصل، عليه أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، ويكفي عن ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، فإذا صلى الإنسان هاتين الركعتين نفذ هذه الوصية، وتصدق عن جسده وبدنه ومفاصله، وبرئ من عهدة هذه المفاصل، فركعتا الضحى لهما شأن عظيم، فمن جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى انتهى الإشكال، وإن لم يثبت عنده حديث: ((من جلس الصبح في جماعة ثم جلس ينتظر حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كأجر حجةٍ تامة)) يعني إن لم يثبت عنده هذا فهذا، يجلس، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه يجلس في مصلاه حتى ترتفع الشمس، من فعله، هذا في الصحيح ما لأحدٍ كلام، فإذا صلى ركعتين امتثالاً لهذه الوصية وش نقول ابتدع؟! وإن كان ممن يقبل مثل ذلك الخبر، وقد صحح عند بعضهم، وحسنه بعضهم، والمسألة قابلة يعني في مثل هذا الباب، يتسامح أهل العلم في قبول مثل هذا، وعمل به يرجى له ثوابه، أما ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين شرح حال المقربين، وذكر برنامجهم اليومي، وشرح حال أصحاب اليمين، وهم دونهم في المنزلة، هؤلاء لهم برنامج وهؤلاء لهم برنامج، وشرح حال المقربين كأنه يحكي واقعه، يصور حياته -رحمه الله- ومع ذلكم يقسم -رحمه الله تعالى- أنه ما شمّ لهم رائحة، وهو معروف بالعبادة، معروف بالانقطاع، ومؤلفاته تفوح بشيءٍ من هذا، يقسم أنه ما شمّ لهم رائحة، لما شرح حال المقربين بالنسبة لأصحاب اليمين قال: يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس، ثم يصلون ركعتين ويخرجون، لما شرح حال المقربين وهم أعظم شأناً، وأنهم يتقدمون، ويصلون وراء الإمام، ويتدبرون في قراءة الإمام، وصلاة الصبح مشهودة، وقرآن الفجر مشهود، يجلسون إلى أن تنتشر الشمس فإن شاؤوا صلوا ركعتين، وإن شاؤوا قاموا بدون صلاة، لماذا فرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ أصحاب اليمين انتهوا، بيرحون لأعمالهم، لدنياهم، فيصلون هاتين الركعتين، المقربين وين يبون؟ يبون يروحون لأعمال عبادات أخرى، منها صلاة النوافل، يعني ما انتهوا.
"وركعتي الضحى" ووقتها من ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال، وأقلها ركعتان عند أهل العلم، وأكثرها ثمان؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى يوم الفتح ثمان ركعات، منهم من يقول: أن هذه صلاة الفتح، ومنهم..، وجاء كلام كثير جداً في ركعتي الضحى، وجاء عن بعض الصحابة أنه ما كان يداوم عليها، المقصود أن مثل هذا الحديث يقرر المشروعية، وأنها وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينبغي للمسلم لا سيما طالب العلم أن يفرط فيها.
"وأن أوتر قبل أن أنام" الوتر حق وجاء الأمر به، وهو من آكد العبادات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتركه سفراً ولا حضراً، وأقله ركعة؛ لأنه ثبت عن بعض أنه أوتر بركعة، وأكثره إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عنه أيضاً صلاة الليل مثنى مثنى، وهذا يقتضي إطلاق العدد ولو مائة ركعة؛ لأنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) تصلي واحدة توتر لك ما قد صليت، المقصود أنه ليس هناك عدد محدد لا يزاد عليه ولا ينقص؛ لأن عائشة تقول: ما زاد -عليه الصلاة والسلام- عن إحدى عشرة، وثبت بالفعل أنه زاد، يعني هذا على حد علمها، وإطلاق الخبر مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يدل على أنه لا حد، لكن من تقيد بغالب أحواله -عليه الصلاة والسلام-، وهو الإحدى عشرة كماً وكيفاً، لا شك أنه أفضل، كماً وكيفاً، ما يقول لي: إحدى عشرة ويصليهن بعشر دقائق، يقول: خلاص هذا قيام النبي -عليه الصلاة والسلام-! لا يا أخي قرأ في الركعة الأولى البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وش بتسوي أنت؟ تقول لي: خلاص أن اقتديت وينتهي، نعم إذا اقتديت بالكم، تنظر إلى الكيف، وإلا جاء في النصوص ما يدل على أن على المسلم أن يكثر من التعبد، أعني على نفسك بكثرة السجود، والإكثار من التعبد ما لم يكن عائقاً عما هو أهمّ منه مشروح، يبقى أن هناك موازنة بين الفضائل، وأثر عن سلف هذه الأمة الركعات في اليوم والليلة بالمئات، وإن كان بعضهم يذكر أعداد قد لا يستوعبها الوقت، لما قال صاحب منهاج الكرامة الرافضي ابن مطهر الحلي يقول: "أن علي بن أبي طالب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة" قال شيخ الإسلام: الوقت لا يستوعب؟ يستوعب ألف ركعة؟! لكن أثر عن الإمام أحمد أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، إذا قلت: ثلاثمائة ركعة، والركعة المجزية يعني أقل قدر مجزئ تؤدى بدقيقة، فيحتاج إلى ست ساعات، إذا قلنا: دقيقتين يبي أثنا عشر يبي يطمئن اثنا عشر ساعة، والله المستعان، والإنسان إذا عرض هذه الأمور وهذه الأحوال على حاله وفعله وطريقته يعني يكاد يجزم بأن هذا مستحيل؛ لكن هناك أمور مجربة ظُنت مستحيلة وصارت من أيسر الأمور، كنا إلى عهدٍ قريب أن حفظ عشرة آلاف حديث مستحيل، ما يمكن يحاط بها، والآن يوجد من الشباب من يحفظ عشرة آلاف حديث، فكنا نظن أن ما في أحد يمكن يجلس ويقرأ القرآن بجلسة مستحيل، وجلس من طلوع الشمس إلى أذان الظهر وختم، وكنا نقول: وين اللي يقرؤون؟ خلاص انتهى، ما عندنا جلد ولا صبر، وجد من يقرأ اثنا عشر ساعة في الكتب، المسألة مسألة تحتاج إلى تعرف على الله في أوقات الرخاء وتقدم لنفسك ويعينك ربك، والنفس تحتمل وتنقاد إذا روضت على مراد الله -جل وعلا-.
"وأن أوتر قبل أن أنام" وهذا بالنسبة لمن يخشي أن لا يقوم من آخر الليل، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يوتر قبل أن ينام؛ لأنه يخشى أن تغلبه عيناه فيفوته الوتر، وعمر -رضي الله عنه- يوتر من آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يوتر آخر الليل، وصلاة آخر الليل أفضل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) والصلاة في الثلث الأخير في وقت النزول الإلهي لا شك أنها أفضل.


أم الخطاب78 19-12-09 11:18 AM

الحديث الثامن والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -‏:‏ ‏(‏(إن الدين يُسْر، ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدْوة والروحة، وشيء من الدُّلَجة‏))‏ [متفق عليه]‏‏ وفي لفظ: ‏(‏(والقصدَ القصدَ تَبْلُغوا)‏)‏‏ [‏متفق عليه].
هذا الحديث حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الدين يسر)) الدين يسر، وليس فيه عسر، ((يسرا ولا تعسرا)) {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [(286) سورة البقرة] فديننا يسر، وهذه الكلمة ينبغي أن تنزّل في منزلها، في منزلتها اللائقة بها، ليس للإنسان أن يتنصل من التكاليف والواجبات استدلالاً بأن الدين يسر، إذا خرج عن المألوف وشق عليه قال: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] نعم الدين لا شك أنه يسر، بمعنى أن جميع التكاليف ولاحظ كلمة تكاليف مع قوله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] إذاً فيه تكليف، ليس معنى كونه يسر أنه لا يأتي بما لا تهواه النفوس، ويشق أحياناً على بعض الناس؟ لا، فيه تكاليف، وفيه ما يشق على النفوس، وفيه خلاف ما تهواه القلوب، وما جبلت عليه النفوس؛ لأن الدين دين تكاليف، وحفت الجنة بالمكاره، وصيام الهواجر في شدته لا بد منه؛ لكن إذا وصل الأمر إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما أن يأتي ويقول: أنا والله لا أستطيع أترك الشاهي في نهار رمضان يقول: الدين يسر؟ نقول: لا يا أخي، أو أسوأ من ذلك أن يقول: لا أستطيع أن أترك الدخان، فلذا لا أصوم لأن الدين يسر، نقول: لا ما هو صحيح ، صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا بد منه، ولو كان على خلاف ما تهواه؛ لكن إذا وصل إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يمكن أن.... دين بشيءٍ لا يستطيع الإنسان الإتيان به، إن الدين يسر؛ لأن هذه الكلمة الآن صارت تتداول، يتداولها بعض من يروج للخروج من الدين، والانسحاب من الدين من أهل الزيغ، من المفتونين، يروجون بالنصوص الصحيحة الصريحة وينسون تكاليف، يعني يصل الحد ببعض العشاق مثلاً إلى قريب من الموت، نقول: الدين يسر اتصل بمن عشقت؟ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأنت ما تستطيع، افعل ما شئت، ما هو صحيح أبداً، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، مهما كان الأمر، والدين يسر تقول: أنا والله ما أقدر أصلي مع الجماعة، الدين يسر، والرسول قال: ((صل قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) يبي يصلي فوق الفراش؟ نقول: لا يا أخي، حيث ينادى بها، ومع ذلك الدين يسر، ما كلفك بأمرٍ لا تطيقه، ما قال: صلاة الظهر ثلاث ساعات، صلاة الظهر ما تزيد على عشر دقائق، هل في هذا ما يشق؟ هل في هذا ما لا تطيقه الأبدان؟ لا، ومع ذلكم الدين تكاليف، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، نعم تأتي إلى المشروعات فتزيد عليها تنقطع، شيء شرعه الله -جل وعلا- فتزيد عليه، تقوم الليل كله، تصوم النهار كله، لا بد أن تنقطع، تكون كالمنبت، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، الدين يسر في جميع تكاليفه، عقائد، أصول الدين ميسرة مسهلة واضحة ولله الحمد، وكذلك فروعه، الصلوات في حدود المقبول والمعقول المطاق، واجعل لك فسحة إذا كنت تستطيع الزيادة من التنفل فانفع نفسك، وأكثر من ذلك إذا لم تستطع شغلك شاغل معذور، اشتغلت بأمرٍ مهم كذلك، اشتغلت بالأهم كذلك؛ لكن أما أن تترك كل شيء وتقول: الدين يسر، هذا أخذ إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على عائشة وعندها امرأة اسمها الحولاء بنت تويت، تذكر من صلاتها وصيامها، ولها حبل إذا تعبت تستمسك به، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مه مه، اكففوا، عليكم من الدين ما تطيقون، فإن الله -جل وعلا- لا يمل حتى تملوا)) ولا شك أن الإكثار الذي يخرج عن حد المشروع مآله إلى الانقطاع، فسددوا وقاربوا وأبشروا، سددوا وقاربوا، وتنوع العبادات مقصود شرعي، تنوع العبادات من مقاصد الشرع، شرع نوافل الصلاة، شرع نوافل الصدقات، شرع النوافل للصيام، أما الأمور المفروضة الواجبة التي مكتوبة لا بد من القدر المشترك فيها على جميع المكلفين إلا العاجز، يبقى أن ما زاد على ذلك من النوافل تنوعت العبادات رحمةً ورفقاً بالعباد؛ لأن الناس يتفاوتون في ميولهم واتجاهاتهم، بعض الناس عنده استعداد يصلي مائة ركعة ولا يدفع ريال واحد، وبعض الناس عنده استعداد يصوم الأيام المتتابعة الهواجر ولا يدفع نزر يسير من ماله، وبعض الناس مستعد يدفع الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، هذا لا شك أنه من رحمة الله بعباده، الذي له ميول إلى الإنفاق ينفق، الذي له ميول إلى العبادات البدنية يتعبد، الحمد لله، ويبقى أن القدر المشترك بين الجميع الفرائض لا بد منها، والتفاوت هذا في النوافل، وأنتم تدركون أحياناً الإنسان عنده استعداد يجلس ساعتين ثلاث يقرأ عشرة أجزاء من القرآن، ثم جاء إلى صلاة الركعتين من أصعب الأمور، تشاهدون طلاب ومر عليكم مذاكرة وما مذاكرة، يجلس إلى الثلث الأخير من الليل، ثم يكون الوتر عليه ولو بثلاث ركعات أشق من الجبل، فالنفس أحياناً تنشط، وأحياناً تكسل، أحياناً تميل إلى العمل هذا، وأحياناً تميل...، وهذا التنوع نعمة ورحمة من الله -جل وعلا- بعباده، فسددوا وقاربوا، التسديد والمقاربة مطلوبة، يعني ابن عمر جاءه شخص مقبل راغب في العبادة وقال: إنه يريد أن يقرأ القرآن في كل يوم، قراءة القرآن في كل يوم ممكنة، وأثرت عن بعض السلف، وجاء عن عثمان أنه قرأ القرآن في ركعة وجاء عن كثير من التابعين أنهم يقرؤون القرآن في كل يوم، لا سيما في المواسم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) يا رسول الله أطيق أكثر من ذلك، ((اقرأه في الشهر مرتين)) ((اقرأ القرآن ثلاث مرات في الشهر)) ثم قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) في هذا درس ينبغي أن ينتبه له المربون، إذا جاءك شخص مندفع أكثر عليه يا أخي؛ لأنك لو أعطيته...، قال: أبا أقرأ القرآن في كل يوم اقرأ القرآن في ثلاث مثلاً، الرغبة تحدوه إلى أن يقرأ القرآن في كل يوم، وش اللي صار من ابن عمر؟ صار يقرأ القرآن في ثلاث، وأخيراً قال: ليتني قبلت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا جاءك شخص مندفع تمتص منه شيء؛ لأنك إذا أعطيته شيء بيزيد، وهذه طبيعة النفس، جبلت النفوس على هذا، إذا جاءك شخص متراخي ما يفتح القرآن يا أخي تقول: عثمان يقرأ القرآن في ركعة، وين أنت ما تفتح القرآن إلا في رمضان، إن تيسر لك جلست قبل الإقامة، وأنت طالب علم، والسلف حالهم مع القرآن كذا، تشجعه وتنهض من همته، فالمسألة مسألة علاج، وهكذا ينبغي أن يكون حال الداعية مع اختلاف المدعوين، أحياناً يكون الداعية في أوساط مفرطة متشددة، هؤلاء يحسن بالداعي أنه يلقي عليهم النصوص الواضحة في الوعد، فيهم من التشديد وفيهم من الشبه من الخوارج وفيهم كذا، يلقي عليهم نصوص الوعد، ويكثر من هذه النصوص ليمتص بعض ما عندهم، إذا كان بالمقابل في مجتمع متفلت ضايع، مفرطين، هؤلاء يعالجهم بنصوص الوعيد، ولذا جاءت النصوص الشرعية بهذا وهذا، وإلا بالإمكان أن ينزل القرآن على صفةٍ واحدة، على وصفٍ متوسط، لا إفراط ولا تفريط، لا وعد ولا وعيد على القدر المطلوب، لا؛ لأن النفوس ليست واحدة، النفوس ليست واحدة، لأنها لو جاءت على وتيرة واحدة كلها بالتوسط فلا بد من أن يشط يمين وإلا يسار، خليه يشط لليمين يعالج بنصوص اليسار، إن شط لليسار يعالج بنصوص اليمين، وبهذا تبرز وسطية هذه الملة، وسطية هذه الملة تبرز بمثل هذا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما أراد أن يبين وسطية أهل السنة والجماعة ذكر المذاهب من الجهتين، فإذا كان الداعية في مجتمع يغلب عليه الإرجاء، يكثر من نصوص الوعيد، والعكس إذا كان في مجتمع فيه بعض الخوارج يكثر من نصوص الوعد، ويعالج كل بما يناسبه، ((فسددوا وقاربوا)) سددوا: الزموا السداد في أقوالكم وأفعالكم، في عباداتكم، في معاملاتكم، وقاربوا: احرصوا على القرب من الكمال، ((وابشروا)) بالوعد الذي رتب على هذه الأفعال.
((واستعينوا بالغدوة والروحة)) الغدوة السير أول النهار، والروحة السير آخر النهار، ((وشيء من الدلجة)) من الليل، فبهذا تقطع المسافات الحسية، فلنقطع هذه المسافة المعنوية في سيرنا إلى الله -جل وعلا- مستعينين بهذه التوجيهات النبوية، فنستغل أول الوقت الذي هو محل البركة، بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، يعني يستغله طالب العلم بما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وليكن نصيب القرآن في هذا الوقت هو الأوفر، وآخر النهار يتركه لما يقربه أيضاً من الله -جل وعلا- من علومٍ أخرى، ومن عباداتٍ متنوعة، ويأخذ من الليل نصيبه والباقي لشؤونه وحياته، ((وشيء من الدلجة)) وفي لفظ: ((القصد القصد تبلغوا)) المنبت يأتي حديث عهد استقامة والتزام، وعنده ردة فعل مما بدر منه من ارتكاب لبعض المحرمات، وترك لبعض الواجبات، وتساهل في بعض الأمور، تجده يأتي متحمساً؛ لكن يقال له: القصد القصد يا أخي؛ لأن مثل هذا إذا جاء مندفع لا يؤمن أن يمل ويترك، يقال له: القصد القصد.


أم الخطاب78 19-12-09 11:19 AM

الحديث التاسع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏(حق المسلم على المسلم ست))‏‏ قيل‏:‏ وما هنّ يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ((إذا لقيته فسلّم عليه‏،‏ وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته‏،‏ وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه‏)‏) [رواه مسلم]‏.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع والعشرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حق المسلم على المسلم ست)) ست خصال وبالاستقراء في النصوص نجد أن الحقوق كثيرة، والحصر في هذه الست لا شك أنه للعناية بها، ولا يليق بمسلمٍ أن يقول مثلما قال بعضهم في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) يقول: في هذا الحصر نظر، وهو ينظّر في كلام من؟ كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم ثبت أنه تكلم أكثر من ثلاثة؛ لكن هذا سوء أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، في الوقت الذي تكلم به النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يخبر إلا بهؤلاء الثلاثة؛ لأنه لا يعلم الغيب، ثم أخبر بعد ذلك بغيرهم، وهنا نقول: أن الحقوق كثيرة من أهمها هذه الست، التي تجمع خير الدنيا والآخرة، وتجلب الألفة والمودة بين المسلمين، ((لا تدخل الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) ولهذا قال في الخصلة الأولى: ((حق المسلم على المسلم ست)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ فتصور أن واحد من الصحابة يسمع حق المسلم على المسلم ست ثم يخرج ما يعرف هذه الست، ما يمكن، لا بد أن يسأل، ولا بد أن يتثبت، ولا بد أن يستفصل، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه)) هذا هو الذي ينشر المودة والمحبة بين المسلمين، إذا لقيته فسلم عليه، في بلاد المسلمين الأصل في الناس الإسلام، في البلدان المختلطة على حسب ما يغلب على الظن، إن غلب على ظنك أن هذا مسلم ابدأه بالسلام، أما إذا بدأك بالسلامة فلا مندوحة لك عن الإجابة، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [(94) سورة النساء] لا، إذا ألقى عليك السلام تجيب، فإن غلب على ظنك أنه مسلم تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن غلب على ظنك أنه ليس بمسلم تقول: وعليكم، الجواب لا بد منه، إذا لقيته فسلم عليه، السلام له آداب والتوجيه الشرعي جاء بالأولى بالبداءة، الصغير يسلم على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والعدد القليل على الكثير، وهكذا؛ لكن إذا حرم الأولى مرّ شخص كبير وشخص صغير ما سلم الصغير، نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؛ لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم يقول: لا، الحق لي، وهذا يستعمله تستعمل في الأقارب بكثرة، تجد هذا أكبر من هذا يقول: لا أنا ما أزوره الحق لي، تجد هذا عمه وهذا ابن الأخ العم ما يزور ابن أخيه يقول: لا الحق لي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) ((إذا لقيته فسلم عليه)) السلام سنة مؤكدة عند أهل العلم، ورده واجب، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فإذا قال المسلم: السلام عليكم يقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله، إن زاد وبركاته في كل جملةٍ عشر حسنات، يخير المسلم بين التعريف والتنكير، فيقول: السلام عليكم، أو يقول: سلام عليكم، هذا بالنسبة في السلام على الحي، يخير بين التعريف والتنكير، السلام على غير المسلم، بداءته بالسلام، السلام الذي هو السلام المشروع في حق المسلمين لا تجوز بدائتهم بالسلام؛ لكن إذا سلم عليه بمثل ما جاء في القرآن والسنة، السلام على ما اتبع الهدى، هذا هو الأصل، ورد السلام ينبغي أن يكون بالأحسن، أو أقل الأحوال بالمثل، قال: السلام عليكم تقول: وعليكم السلام، والأحسن أن تقول: ورحمة الله وبركاته، ولا يجزئ عن هذا غير هذه الجملة، فإذا سلم فقال: السلام عليكم بعض الناس يقول: صباح الخير، بعض الناس يقول: أهلاً وسهلاً، كثير من الناس يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول: مرحباً، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أم هانئ جاءت وسلمت عليه، وأيضاً فاطمة ابنته، أم هانئ تقول: السلام عليك يا رسول الله فقال: من أنت؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بأم هانئ، وما نقل أنه رد السلام بلفظه، فمن أهل العلم من يرى أن الرد يجزئ بمثل هذا مرحباً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد بهذا، ويسقط به الواجب، والجمهور على أنه لا يسقط الواجب بمرحباً فقط، ولو لم تنقل للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها؛ ولأنها وردت في أحاديث كثيرة.
((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه)) نعم، تجبر خاطره، تجيب دعوته، إذا لم يكن عليك مشقة أو ضرر أو يكن ثم منكر لا يمكن تغييره، لا سيما ما يتعلق بوليمة العرس، وقد أوجب الإجابة إليها أهل العلم؛ لكن شريطة أن لا يكون هناك منكر لا يستطاع تغييره، كثير من الأعراس في زماننا تشتمل على منكرات يوجد بعضها عند الرجال، وأكثر هذه المنكرات عند النساء، ومع الأسف الشديد أنه يوجد من نساء المسلمين وبنات المسلمين من يحضر مثل هذه الاجتماعات، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كاسيات عاريات)) وما يحصل من المنكرات والجرائم، وأمور لا تخطر على البال يعرفها إخواننا أهل الحسبة، فهذه مصائب يجر بعضها إلى بعض، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحتاط لأهله، إجابة الدعوة مستحبة عموماً، متأكدة، أوجبها أهل العلم بالنسبة لوليمة العرس، ((وإذا دعاك فأجبه)) ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجبه، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) إن كان صائماً فليصل، يعني يدعو، الصلاة اللغوية، وإن كان قال بعضهم أن المراد به الصلاة الشرعية يصلي ركعتين وينصرف، على كل حال إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر وإلا فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأيضاً إذا كان الداعي ماله حلال، أما إذا كان ماله وكسبه حرام، فمثل هذا لا ينبغي إجابة دعوته، وإذا دعاك فأجبه، الصحابة -رضوان الله عليهم- دعا بعضهم بعضاً وأجابوا، ورجع بعضهم بسببٍ يسير، في أعيننا لا شيء، وجد ستاير على الجدران، سلمان وأبو الدرداء دعاهم ابن عمر فلما دخلوا وجدوا ستاير على الجدران، فرجعوا، ما كانوا يظنون بمثل ابن عمر الزاهد بزهده وورعه يضع ستائر على الجدران، وش ذا المنكر ذا الذي في عرفنا إيش يصير هذا؟ فيما نسمع وما نرى من منكرات يتداولها الناس من غير نكير، والله المستعان.
((وإذا استنصحك فانصح له)) تقدم في حديث الدين النصيحة ما يغني عن كثرة الكلام في كل الجملة، على كل حال إذا استنصحك طلب منك النصيحة، أراد أن يدخل في مشروع علمي وإلا تجاري وإلا أي... تنصحه، تمحضه النصيحة، إذا أراد أن يستشيرك في مصاهرة فلان، أو التزوج من فلانة أو ما أشبه ذلك يجب عليك أن تمحضه النصيحة، وأن تحب له ما تحب لنفسك.
((وإذا عطس فحمد الله فشمته)) إذا عطس، العطاس معروف، تخرج معه الأبخرة من الدماغ التي لو تراكمت لأضرت بالإنسان، فهذه نعمة، العطاس نعمة، العاطس يحمد الله شكراً على هذه النعمة ويستحق أن يشمّت، فإذا عطس فقال: الحمد لله يشمت فيقال: يرحمك الله، ويجيب العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، فهذه دعوات يتبادلها المسلمون، تدعو إلى الألفة والمحبة والمودة، وتجلب الأجور؛ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه ثبت لهم من الأجر مثله.
((وإذا مرض فعده)) زيارة المريض وعيادته تظافرت بها النصوص، إن كانت زيارته وهو سليم ليس بحاجةٍ إليك من أفضل الأعمال، فكيف بعيادته إذا مرض اطمئناناً على صحته، وتأنيساً له، وتذكيراً له؟! ونقل النووي الإجماع على أن عيادة المريض سنة؛ لكن الإمام البخاري ترجم في قوله: باب وجوب عيادة المريض، وهنا الأمر صريح ((وإذا مرض فعده)) فعيادة المريض متأكدة لا سيما في حق من له عليك حق من الأقارب، والمعارف والأصهار وأهل الخير والفضل، ومن تريد أن تسدي له نصيحة في مثل هذا الظرف، عله أن يتدارك ما فات، فالأجور تتضاعف بما يحتف بها، ((وإذا مرض فعده)) ويعاد المريض ولو كان لا يعي، بعض الناس يقول فلان بالعناية جيت وإلا ما جيت ما في فرق، عدناه وإلا ما عدناه هو ما يدري عنا، وزيارة المغمى عليه سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- زار جابراً وهو مغمىً عليه، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن تفطن له، ولا يحرم الإنسان نفسه، تجد كثير من الناس تمر عليه السنة ما زار المستشفيات، ولا زار المقابر مثلاً، القبور واتعظ وتذكر، ودعا لإخوانه، ولا عاد زار أقاربه ولا تبع جنازة، هذا حرمان، ونجد من بعض المسلمين من يتتبع الجنائز، ويصلي عليها، ويتبعها للأجر الثابت في ذلك، فيعود المرضى، ويحافظ على الواجبات، ويأتي بجميع ما ندب إليه من المستحبات، أو بجلها أو كثيرٍ منها، ويقرأ ويعلم، وهو أيضاً في عمله يعني البركة ما لها نهاية، ويوجد من المسلمين من يداوم الدوام الكامل، وله نصيب وافر من قراءة القرآن، ويدرس في كل يوم في آخر النهار، ويزور القبور، ويزور المرضى، ويجيب الدعوات، وله نصيب من قيام الليل، ومن التأليف، بعض الناس يقول: وش نلحق؟ تلحق يا أخي، بس مرن نفسك على برنامج معين، وانتهى الإشكال.
((وإذا مات فاتبعه)) تصلي عليه تحصل على القيراط وشيّعه، شارك في دفنه لتحصل على القيراط الثاني، لا يفرط في مثل هذه الأجور إلا محروم، والله المستعان.



الساعة الآن 06:34 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .