ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   روضة القرآن وعلومه (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=89)
-   -   الفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=21296)

عبد السلام بن إبراهيم الحصين 28-11-08 09:08 PM

الفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الأحرف السبعة التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ بها الناس إلى زمان عثمان هي الأحرف السبعة الموجودة الآن؟ أم هي غيرها.
ملاحظة: يرجى ذكر مصدر الإجابة.
وفقكم الله لما يحب ويرضى.

أم جهاد وأحمد 28-11-08 09:34 PM

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ونفع بكم

إن شاء الله تعالى نقوم بالبحث في هذا السؤال القيم

في انتظار مشاركاتكن اخواتي في الله

تغريد بلبل 29-11-08 08:54 PM

خلاصة القول
 
:icon57:الأحرف السبعة:icon57:

التعريف:

لغة: الحرف في أصل كلام العرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.

اصطلاحاً: الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.

بيان الأحرف السبعة في الحديث النبوي:
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذي لا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُ بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ يا عمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه ".

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".



الأحرف السبعة والقراءات السبع.
دلتنا النصوص على أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظن كثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييز بين الأحرف السبعة والقراءات.

وهذه القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت في القرن الرابع، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقة لعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس …

وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.

حقيقة الأحرف السبعة.
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:

المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.

أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.

ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.

ثالثها: وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.

رابعها: الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.

خامسها: التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.

سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.

سابعها: اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…

فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.

المذهب الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.

وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.

فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. .



:icon57:[-القراءات السبع]:icon57:

تعريف القراءة:

لغة: مصدر لـ: قرأ

واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.

هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للأمام المقرئ كما ذكرنا من قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم.



ضابط القراءة المقبولة:
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي:

كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.

يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:

الشرط الأول: موافقة العربية ولو بوجه:

ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.

الشرط الثاني: موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا:

وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه.

مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .

الشرط الثالث: تواتر السند:

وهو أن نعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.



أنواع القراءات حسب أسانيدها:
لقد قسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:

الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات .

الثاني: المشهور: وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.

الثالث: الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضر وعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].

الرابع: الشاذ: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغة الماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.

الخامس: الموضوع: وهو المختلق المكذوب.

السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.

وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويعاقب من قرأ بها.

هدا ملخص فقط من عدة بحوث طرحت بمنتديات قرانية

أم جهاد وأحمد 30-11-08 10:41 PM

سئل شيخ الإسلام عن: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) .
ما المراد بهذه السبعة؟
وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما، هي الأحرف السبعة، أو واحد منها؟
وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء، فيما احتمله خط المصحف؟
وهل تجوز القراءة برواية الأعمش، وابن محيصن، وغيرهما من القراءات الشاذة أم لا؟
وإذا جازت القراءة بها فهل تجوز الصلاة بها أم لا؟


قال شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: الحمد لله رب العالمين، هذه (مسألة كبيرة) قد تكلم فيها أصناف العلماء: من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم، حتى صنف فيها التصنيف المفرد، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي، المعروف بأبي شامة ، صاحب (شرح الشاطبية).

فأما ذكر أقاويل الناس، وأدلتهم، وتقرير الحق فيها مبسوطًا، فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك، وذكر ألفاظها، وسائر الأدلة، إلى ما لا يتسع له هذا المكان، ولا يليق بمثل هذا الجواب، ولكن نذكر النكت الجامعة، التي تنبه على المقصود بالجواب.

فنقول : لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن : (الأحرف السبعة) التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن أنزل عليها، ليست هي (قراءات القراء السبعة المشهورة)، بل أول من جمع قراءات هؤلاء، هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، من الأعمال الباطنة والظاهرة، وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعنيين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم.

ولهذا قال من قال من أئمه القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة؛ لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي، إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين.

ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقًا، كما قال عبد الله بن مسعود: إنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلمَّ، وتعال.

وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف، إن قلت: غفورًا رحيمًا، أو قلت: عزيزًا حكيمًا، فالله كذلك، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة .

وهذا كما في القراءات المشهورة: ( ربنا باعَد) و بَاعِدْ ( إلا أن يُخافا ألا يقيما ) و إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ ( ولَتَزول منه الجبال) بَلْ عَجِبْتَ ( بل عجبتُ ) ونحو ذلك.

ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقًا من وجه، متباينًا من وجه، كقوله: ( يَخْدَعُونَ ) يُخَادِعُونَ و ( يَكْذِبُونَ ) و يُكَذِّبُونِ ( لمستم ) و لامَسْتُمُ و حَتَّى يَطْهُرْنَ ( يَطَّهَّرْنَ ) ونحو ذلك.

فهذه القراءات، التى يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علمًا وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى؛ ظنًا أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله.

وأما ما اتحد لفظه ومعناه، وإنما يتنوع صفة النطق به كالهمزات، والمدات، والإمالات، ونقل الحركات، والإظهار، والإدغام، والاختلاس، وترقيق اللامات والراءات، أو تغليظها، ونحو ذلك مما يسمي القراء عامته الأصول، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى، إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ، لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا، ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه، واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهـذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها من أولى ما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى، وإن وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه اللفظ أو الشكل.

ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام، المتبوعون من السلف والأئمة، في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي، فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف، بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة حمزة كسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم، يختارون قراءة أبى جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي.

وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل العراق، الذين ثبت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب، ويقرؤونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.

وأما الذي ذكره القاضي عياض، ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ، الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف، كما سنبينه.

ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها، أو لم تثبت عنده كمن يكن في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات، فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه، فإن القراءة- كما قال زيد بن ثابت- سنة يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الآذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه.

وأما من علم نوعًا، ولم يعلم غيره، فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلمه، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا، فهلكوا .

وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني، مثل قراءة ابن مسعود، وأبى الدرداء -رضي الله عنهما-: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، و ( الذكرِ والأنثى ) كما قد ثبت ذلك فى الصحيحين. .

ومثل قراءة عبد الله : "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" ، وكقراءته: "إن كانت إلا زقية واحدة" ونحو ذلك. فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة، فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟
على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد، وروايتان عن مالك.

(إحداهما) يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين، كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.

(والثانية) لا يجوز ذلك- وهو قول أكثر العلماء- لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن تثبت، فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة؛ فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس- رضي الله عنهم- أن جبريل -عليه السلام- كان يعارض النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين . .

والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في مصحف، أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة: علي وغيره.

وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل، وهو أن القراءات السبعة هل هي حرف من حروف السبعة أم لا؟ فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والائمة أنها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.

وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة.

وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف، وأمر بترك ما سوى ذلك.

قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة. ومن نصر قول الأولين، يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره، من أن القراءة على الأحرف السبعة لم يكن واجبا على الأمة، وإنما كان جائزًا لهم مرخصًا لهم فيه، وقد جعل الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا، بل كان مفوضا إلى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره.

وأما ترتيب آيات السور، فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة؛ لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم.

قالوا: فكذلك الأحرف السبعة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق، وتختلف، وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.

ومن هؤلاء من يقول: بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم، وهو أرفق بهم، أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك.

وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب، وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.

وأما من قال عن ابن مسعود: أنه كان يجوز القراءة بالمعنى، فقد كذب عليه، وإنما قال: قد نظرت إلى القراء، فرأيت قراءتهم متقاربة. وإنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلمَّ، وتعال، فاقرؤوا كل ما علمتم أو كما قال.

ثم من جوز القراءة بما يخرج عن المصحف، مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك؛ لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها. ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة، وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن، وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين.

ولذا كان في المسألة (قول ثالث)، وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة -وهي الفاتحة عند القدرة عليها- لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة؛ لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل؛ لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها.

وهذا القول ينبني على (أصل) وهو: أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًا.

وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هؤلاء- كالقاضي أبي بكر- بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة آية من القرآن في غير سورة النمل، لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه.

والصواب القطع بخطأ هؤلاء، وأن البسملة آية من كتاب الله، حيث كتبها الصحابة في المصحف، إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن، وجردوه عما ليس منه، كالتخميس والتعشير وأسماء السور؛ ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها، كما أنها ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية، أنزلها الله في أول كل سورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.

وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات، فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كان واحد من القولين حق، وأنها آية من القرآن في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها بين السورتين. .

وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء، فيما احتمله خط المصحف؟ فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية؛ لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله، إذ ليس لأحد أن يقرأ قراءة بمجرد رأيه، بل القراءة سنة متبعة، وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمامي، وقد قرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء لم يكن واحد منها خارجًا عن المصحف.

ومما يوضح ذلك: أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء، ويتنوعون في بعض، كما اتفقوا في قوله تعالى: ... وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع وتنوعوا في موضعين، وقد بينا أن القراءتين كالآيتين، فزيادة القراءات كزيادة الآيات، لكن إذا كان الخط واحدًا، واللفظ محتملا كان ذلك أخصر في الرسم.

والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف، كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن ربي قال لي: أن قم في قريش فأنذرهم، فقلت: أي رب! إذًا يثلغوا رأسي- يشدخوا- فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانَ، فابعث جندًا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأَنفق أُنفق عليك .

فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم ، بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب.

وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة، كالأربعة الذين من الأنصار، وكعبد الله بن عمرو، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف.

وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة، التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراء- كالأعمش ويعقوب، وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح ونحوهم- هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده، كما ثبت ذلك.

وهذا- أيضًا- مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون لهم بإحسان، والأمة بعدهم، هل هو بما فيه من القراءات السبعة، وتمام العشرة، وغير ذلك، هل هو حرف من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها؟ أو هي مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: والأول قول أئمة السلف والعلماء، والثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم، وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا، خلافًا يتضاد فيه المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا.

وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف، هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم؛ إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع، لا إلى الرأي والابتداع.

أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة، فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرؤوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم، فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى.

وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة؛ لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين، كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين، شبيهًا بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين، فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا كما قال أبو عبد الرحمن السلمي- وهو الذي روى عن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه . كما رواه البخاري في صحيحه، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة- قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- كله آيات لم يتجاوزوها؛ حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.

ولهذا دخل في معنى قوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا، بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الإيمان، كما قال جندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانا، وأنتم تتعلمون القرآن، ثم تتعلمون الإيمان!

وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ونزل القرآن . وذكر الحديث بطوله .

ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك، وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس.

وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن، حروفه ومعانيه، وذلك مما أوحاه الله إليه، كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ...} ، وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف، كما ثبتت هذه القراءات، وليست شاذة حينئذ، والله أعلم.


// مجموع الفتاوى ، الجزء رقم 13، صفحة: 389 //

ام الخطاب 06-12-08 02:01 PM

تواترت الأخبارُ عَن النَبي (صلى الله عليه وسلم) بِنُزُولِ القُرآنِ الكَريم على سَبْعَة أحْرُف(1)، وجُمِعَتْ هذه الأخبارُ في الجوامع والسُنَن والمسانيد وموطأ الإمام (مالك) –رحمه الله- والمُصنفات والأجزاء الحديثية، وقد جاءت تلك الأخبار على أنواع ثلاثة:
الأول: ما يُفيدُ أنَّ اللهَ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أمرَ نبيَه (صلى الله عليه وسلم) على لِسان (جبريل) –عليه السلام- أن يُقرئ أمتَه القرآن على حَرْف، فسأل النبيَ (صلى الله عليه وسلم) المعافاة والمغفرة؛ لأنَّ أُمتَه لا تُطيق ذلك، فأمَرَه أن يقرَأه على حرفين، ثم على ثلاثة أحْرُف، ثم أمرَه -في الأخير- أن يُقرئَ أمتَه القرآن على سَبْعَة أحْرف، وأخبرَه أنَّ مَن قرأ بأي حَرْف مِن هذه الأحرف السَبعَة فقد أصاب.
وهذه الأخبارُ مِن رواية (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –رضي الله عنه، و(عَبْدِ الله بْنِ عَباس) –رضي الله عنه- [مُخْتَصَرًَا] والتي أخذها عن (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –كما جاء ذلك صريحًا في إحدى الروايات.
الثاني: ما يُفيد أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) لَقِيَ (جبريل) –عليه السلام- فأخبرَه أنَّه أُرسِلَ إلى أمَة أُميين: مِنْهُمْ العَجُوزُ وَالشَيْخ ُالكَبِيرُ والغُلامُ والجَاريةُ والرَّجُلُ الذي لم يَقْرأ كِتابًَا قَطُّ، فأخبره (جبريل) –عليه السلام- أن القرآن أنزِل على سَبْعَة أحرف.
وهذا الخَبَر مِن رواية (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –رضي الله عنه.
الثالث: ما يُفيد أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يوافِق الصحابَة –رَضيَ اللهُ عنهم- الذين عارضوا بعضَ القراءات –التي سَمِعوا بعض الصحابة يقرأون بها- والتي تُخالِف ما لُقِّنُوه مِن النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسِه، وفي هذه الروايات أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) أقرّ كلا مِنهم على قِراءتِه، مُخبِرًا إياهم أنَّ القرآنَ أُنزِل على سَبْعَة أحْرُف، وناهيًا إياهم عَن المِراء في القرآن؛ لأنَّ المِراءَ فيه كُفْرٌ –عِياذًا بالله.
وهذه الأخبار مِن رواية: عُمَر بْنِ الخَطَاب، أُبّيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وعَمرو بْنِ العَاصِ –رَضيَ اللهُ عنهم.
وإليكَ سياق حَديث مِن كل نوع مِن الأنواع الثلاثة السابِقَة:
النَّوع الأول: عَن (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضِيَ اللهُ عنه- أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) كانَ عِندَ أضَاةِ(2) بَنِي غِفَارٍ، قال فأتاه (جبريل) -عليه السلام- فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على حَرْفٍ، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثُم أتاه الثانيةَ فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على حَرْفين، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على ثلاثَةِ أحْرُفٍ، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثم جاءه الرابعةََ فقال: "إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فأيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عليه فقَدْ أصَابُوا" (3).
النَّوع الثاني: عَن (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) قال: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) (جِبْريلَ)، فقال: يا (جِبْريلُ) إنِّي بُعِثْتُ إلى أُمَةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمْ العَجُوزُ وَالشَيْخ ُالكَبِيرُ والغُلامُ والجَاريةُ والرَّجُلُ الذي لم يَقْرأ كِتابًا قَطُّ". قال: "يا (مُحَمَّدُ) إنَّ القُرآنَ أُنزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (4).
وفي الباب عن: عُمَرَ وحُذَيفةَ بْنِ الْيَمَانِ وأَبِي هُرَيْرَةَ وأُمِّ أيُّوبَ -وهي امرأة (أَبِي أيُّوبِ الأنصاري)- وسَمُرَةَ وابْنُ عَبَاسٍ وأَبِي جُهَيْم بْنِ الحَارِثِ بْنِ الِّصَّمةِ وعَمْرِو بْنِ العَاصِ وأَبِي بَكْرَةَ –رَضي الله عنهم أجْمعين.
قال (أبو عيسى): هذا حديث حسن صحيح، وقد رُويَ عن (أبي بن كعب) من غير وجه.
النَّوع الثالث: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يقولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ (الفُرْقَانِ) عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أنْ أعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أمْهَلْتُه حَتَى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُه بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أقْرَأْتَنِيهَا، فقال لي: أَرْسِلْه، ثُمَّ قَاَلَ له: اقْرَأ، فَقَرَأ. قَاَلَ: هَكَذَا أُنزِلَتْ، ثُم قَاَلَ لي: اقْرَأ، فَقَرَأتُ، قَاَلَ: هَكَذَا أُنزِلَتْ؛ إنَّ القُرآنَ أُنزِلَ عَلَىَ سَبْعَةِِ أحْرُفٍ؛ فاقْرَءُوا مِنْه مَاَ تَيَسَّرَ (5).
وحَدَثت مِثلُ هذه القِصة مع (أُبّيِّ بْنِ كَعْبٍ) و(عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ) –رَضي الله عَنهما- [كما عِند "مُسلِم" (820) و"أحمد" (20646)]، وحَدَثَ مِثلَها مع (عَمرو بْنِ العَاصِ) –رضي الله عنه- [كما عِند "أحمد"].

والذي يَعنينَا أولا: ما المَقصودُ بهذه الأحرف السَّبعَة؟!
اعْلَم –رَحِمَني اللهُ وإياك- أنَّ العُلماء اختلفوا في المراد بهذه الأحرف السَبْعة على خمسة وثلاثين قولا (!!) كما نَقَلَ الإمامُ (القُرطُبيُ) –رحمه الله- في تفسيرِه (1/89 مقدمة، طـ دار الغَد العربي بمصر) عَن الإمامِ الحافظِ (أبي حاتِم ابْنِ حِبَّان البُستِّي) –رحمه الله، ولكنه لم يذكُرْ مِنها إلا خمسة أقوال (!!)؛ ولعل السبب في ذلك هو أنَّ "أكثَرَها غيرُ مُختارٍ" –كما صَرَّح بذلك (المُنذِري) –رحمه الله- (كما في «فتح الباري»: (19/ 27، 31) )، وكذا الإمام (الزركشي)، كما في كِتابِه الماتِع «البُرهان في عُلوم القُرآن».
وأنا أذكرُ أشهرَ هذه الأقوال وأقواها وأولاها بالاعتبار بادئًا بأرجَحِها:
القول الأول: المراد سَبْعَة أوجُه مِن المعاني المُتفِقَة (6) بألفاظ مُختَلِفَة، يجوزُ أن يقرأ بأي حَرْفٍ مِنها على البَدَلِ مِن صاحبِه، نحو أقبِل، تعالَ، وهَلُم (7). وهو الذي عليه أكثر أهل العلم كسفيان بن عُيَينَة، عَبْد الله بن وَهب، الطَبَري والطَّحَاوي، ومال إليه الحافِظُ (ابنُ حَجَر) –رحمهم الله أجْمَعين- [مع بَعض الضوابِط الأخرى].
تنبيه: (وليس المُراد أنَّ كُلَ كَلِمَةٍ ولا جُملَةٍ مِنه تُقرأ عَلَى سَبْعَةِ أوجُه، [وهذا مُجمَعٌ عَلَيه]؛ بل المُراد أنَّ غاية ما انتهى إليه عدد القرءات في الكلمة الواحدة إلى سَبْعَة؛ [فلو كَانَ المُراد أنَّ كلَ كلَِمَةٍ مِنه تُقْرأ على سَبْعَة أوجُه، لَقَالَ النَبيُّ (صلى الله عليه وسلم) -مثلا-: "أُنزِلَ سَبْعَة أحْرُف"]. فإن قيل: فإنَّا نجِدُ بعضَ الكلمات يُقرأ على أكثَرِ مِن سَبْعَةِ أوجُه، فالجواب: أنَّ غالِبَ ذلك إما لا يُثبِتُ الزيادة، وإمَّا أن يكونَ مِن قَبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المَد والإمالة ونحوهما) (8).
قلتُ: وهذا القولُ مِن القوةِ بمكان؛ لو أضفْنا إليه ضابِطًا آخَرًا؛ وهو: تأدية المعنى باللفظ المُرادِف ولو كان مِن لُغَة واحِدة؛ لأنَّ لُغة (هِشام بن حَكيِم) –رَضيَ اللهُ عنه- بلِسَان قُرَيش، وكذلك (عُمَر بن الخَطاب) –رَضيَ اللهُ عنه-، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتُهما (9). وهذا يُضَعِف القولَ بأنَّ المُرادَ بالأحْرُف اللغات، ويُمكِن الجَمْعُ بينَهما بأنَّ "تغايُّرَ الألفاظ مع اتفاقِ المَعاني مَحْصُورٌ في سَبْعِ لُغات" (10)، وهذا أقْوى؛ لأنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج؛ كما يتضِحُ ذلك جَلياُ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) لأُبّيِّ بن كَعْب –رَضيِ اللهُ عنه- : "أُرْسِلَ إلَىَّ أنْ أقْرأ القُرآنَ عَلَى حُرْفٍ، فَرَدَدْتُ إلَيهِ أنْ هَوِّن على أُمَّتي"، إلى أن قال (صلى الله عليه وسلم): "فَرَدَّ إلَيَّ الثالثةَ أقْرأهُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (11)، وقولِه (صلى الله عليه وسلم) لجِبْريلَ –عليه السلام-: "وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك" (12)، وقولِه (صلى الله عليه وسلم): "فاقْرَءُوا مِنْه مَاَ تَيَسَّرَ"(13). وهذا القولُ يُوَفِقُ بينَ جميع الأحاديث الصحيحة الوارِدَة في هذا الباب، دون رَدٍ أو إهمَالٍ لأحَدِها، والحمدُ للهِ وحدَه على التوفيق.

تنبيهان هامان جدًّا:
(1) "الإباحة المذكورة في الأحاديث السابقة لم تَقَع بالتَّشَهي: أي أنَّ كلَ واحِدٍ يُغَيِّرُ الكلمة بمُرادِفِها في لُغَتِه؛ بل المُراعَى في ذلك السَّمَاع مِن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويُشير إلى ذلك قول كل مِن (عمر) و(هشام) –رَضي اللهُ عَنهما- "أقرأني النبي (صلى الله عليه وسلم)" (14). وهذا التنبيه يَردُ على قَوْل مَن قال: "إذَنْ يجوز روايته بالمَعنَى؛ فيذهَب التَّعبُد بلفظة ويتسِع الخَرْق، وتفوتُنا كثيرٌ مِن الأسرار الأحكام" (15)؛ فالرواية بالمَعنَى تَوقيفيةٌ مِن (رسول اللهِ) (صلى الله عليه وسلم) عَن (جِبْريلَ) –عليه السلام- عَن (اللهِ) –عَزَّ وَجَلَّ.
(2) "هذا الاختلاف في الألفاظ ليس من الاختلاف الذي قد نَفَاه اللهُ –تبارك وتعالى- عَن كِتابِه العزيز في قولِه (ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيه اختِلافًا كثيرًا) [النساء: 82]؛ لاتفاق المعاني"، كما قال الإمام (الطبري) –رَحِمَه الله- في «تَفسيرِه»، ص 50، طـ دار الغَد العربي بمصر.
ويقولُ شيخُ الإسلام (ابن تيميًّة) –رَحِمَه الله-: "ولا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْحُرُوفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا لا تَتَضَمَّنُ تَنَاقُضَ الْمَعْنَى وَتَضَادَّهُ; بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهَا مُتَّفِقًا أَوْ مُتَقَارِبًا كَمَا قَالَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ) –رَضي الله عَنه-: "إنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ أَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَتَعَالَ". وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ هُوَ مَعْنَى الآخَر; لَكِنْ كلا الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ وَهَذَا اختلاف تَنَوُّعٍ وَتَغَايُرٍ لا اخْتِلَافُ تَضَادٍّ وَتَنَاقُضٍ، وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم): "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، إنْ قُلْتَ: غَفُورًا رَحِيمًا أَوْ قُلْت: عَزِيزًا حَكِيمًا؛ فَاَللَّهُ كَذَلِكَ مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ" اهـ مِن كلامُه مِن «مَجموع الفتاوى»: (13/ 389). وقد بَيَّنًّا في تَنبيه (1) أنَّ هذا الاختلاف ليس بالتَّشَهي، والحمدُ لله.
الأدِلَّة:
1- حديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عنه- قَاَلَ: قَالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): يَا (أُبَيُّ) إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ، قُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاثَة، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى ثَلاثَة، قُلْتُ: عَلَى ثَلاثَة حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ. ثُمَّ قَالَ: "لَيْسَ مِنْهَا إلا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ" (16). ومثلُه حديث (أبي بَكرَة) و(عبادة بن الصامت) –رضي الله عنهما.
وجه الدلالة: فَسَر النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الأحرف السبعة بأنَّها تَغيير اللفظة مع الاحتفاظ بالمَعنى؛ فآية العذاب إنْ خُتِمَتْ بِرَحمَة أو آية الرَحْمة خُتِمَتْ بِعذاب، اختَلّ المَعنى، وضَرَبَ لنا (صلى الله عليه وسلم) في ذلك مثلا: كَلِمَتَي "سَميع عَلِيم" تُقرأ "عزيز حكيم"؛ لتقارُّب معناهما، ولكن بتوقيف مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) لا بالأهواء والآراء –كما بينّا في تَنبيه (1)، واللهُ أعْلَم.
2- حديث (عمر بن الخطاب) مع (هشام بن حزام) –رَضيَ اللهُ عنهما- [انظر: النوع الثالث مِن الأحاديث]، ومِثله: حديث (أُبَي بن كَعْبٍ) مع (عَبْدِ الله بن مَسعود)، و(عَمرو بن العاص) مع صحابي آخر –رَضِيَ الله عنهم أجْمَعين-:
وجه الدلالة: اتحادُ لُغَةِ (عمر) و(هشام) –رضي الله عنهما-؛ فكلاهما قُرَشي، ورغم ذلك فقد أنكَر الأول على الثاني قراءةً لم يُقرئِها له رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، فتحاكَما إلى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) فأقرّ كليهما على قِراءَتِه التي أخذاها عنَه (صلى الله عليه وسلم)، وفَسَر رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) تلك القِراءات بأنَّها "أحْرُف" وأنَّ القُرآن أُنزِل على سَبْعَة أحْرُف" فتَعَيّن –لاتحاد اللغة- صَرْفُ ذلك إلى الألفاظ بشرط اتفاق المعاني؛ كما يُبيّنُه حديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه. وإن قال قائِلٌ: ولِمَ لا نَصْرِف ذلك إلى صاِرف آخر. قُلتُ: كُلُ الصوارِف الأخرى ما هي إلا الأقوال الآتية في تفسير مَعنى "الأحرف السَبْعة"، والتي سَنُبَين ضَعفَها أو بُطلانَها، والله المُستعان.

القول الثاني: سَبْع لغات في القرآن على لغات العَرَب كلِها: يمنها ونزارها (17)، وإليه ذَهَبَ: ثعلب، أبو عبيد القاسِم بن سلام، الأزهري، الطَبَري، ابن عطية، البَيهقي، ابن حِبَّان (كما في «البرهان»/ للزركشي)، والسندي، ومَالَ إليه (الألُوسِي) –رَحِمَهم الله جَميعًا.
وحجتهم في ذلك: (أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لم يَجْهَلْ شيئًا مِنها، وكان قَد أوتي جَوامِع الكَلِم) (18)، وأنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج [كما في النوع الأول مِن الأحاديث]، فوَّجَب بِذَلِك نُزُولُه بِلُغات العَرَب ولَهَجَاتِهم، وإلا لا مَعنىً للتيسير ودَفْع الحَرَج.
ويقولون: (وليس مَعناه أن يكونَ في الحَرْفِ الواحِد سَبْعَة أوجُه؛ ولكن هذه اللغات السَبْعَ مُتفَرِقَة في القُرآن؛ فبعضُه بِلُغَة قُرَيش، وبعضُه بِلُغَة هُذَيل، وبعضُه بِلُغَة هُوازِن، وبَعضُه بِلُغَة اليَمَن. وبعضُ الأحياء (أي: اللغات) أسْعَدُ بها وأكثَرُ حظاُ فيها مِن بَعض؛ فيُعَبَر عَن المَعنى فيه مَرة بِعِبَارَةِ قُرَيش، ومَرة بِعِبَارَةِ هُذَيل، ومرة بِغَيرِ ذلك بِحَسَبِ الأفْصَح والأوْجَزِ في اللفظ، وإنْ كَانَ أغلَبُه نَزَل بِلُغَة قُرَيش [كما قال (ابْنُ عَبْدِ البَر) –رحمه الله-]؛ لقولِ (عُثمانَ بْنِ عَفَان) –رضي الله عنه- أثناء جَمْع المُصحَف: "ما اختلفتُم أنتم وَ(زَيْد) فاكتُبُوه بِلُغَة قُرَيش؛ فإنَّه نَزَل بِلُغَتِهم") (19).
ويقولون في كيفية نُزُولِ القُرآن على هذه السَبْع: "أنَّ (جِبْريلَ) –عليه السلام- كان يأتي رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) في كُلِ عَرْضَة بِحَرفٍ إلى أن تَمَّتْ" (20).
واعتُرِض على هذا القول بأنَّ لغات العرب أكثر مِن سَبْع ! وأُجيب بأنَّ المرادَ أفصَحُها، واختلَفوا في تعيينِّها على أقوالٍ عِدَة:
1- فقيل هي: لغة قُرَيش، هذيل، تميم، الأزد، ربيعة، هوازِن، سعد بن بكر.
2- قال بعضُهم: هذيل، كنانة، قيس، ضبة، تيم الرباب، أسيد بن خزيمة، قريش.
3- قيل: السَبْع في مُضَر خاصة لقول (عمر بن الخطاب) –رضي الله عنه-: "نزل القرآن بلغة مضر".
4- وقيل: بل السَبْع في بطون قُرَيش فحسب؛ لقولِه تعالى (وما أنزلنا من رسولٍ إلا بلسان قومِه) [إبراهيم: 4]، وبه جَزَم أبو الأعلى الأهوازي واختاره ابن قُتَيبة –رحمهما اللهُ تعالى.
5- وقيل: أنزِل أولا بلسان قُرَيش ومَن جاورَهم مِن الفُصحاء، ثم أُبيح للعَرَب أن تقرأهُ بِلُغاتِها؛ دفعًا للمشقة ولِمَا كان فيهم مِن الحَمّيَة، ولم يَقَع ذلك بالتَّشَهي؛ بل المَرعي فيه السماع مِن النبي (صلى الله عليه وسلم).
وهذا القَولُ ضَعيفٌ مِن وَجْه، قَويٌ مِن وَجْهٍ آخَر؛ وبذلك يُمكِن اعتمادُه ببَعضِ الضوابِط الأخرى:
فهو ضَعيفٌ؛ لأنَّ [(عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب) و(هِشامَ بْنَ حَكِيم) –رَضيَ اللهُ عَنهما- كِلاهما قُرَشي مِن لُغَةٍ واحِدَةٍ وقَبيلَةٍ واحِدَةٍ، وقَد اخْتَلَفَتْ قِرَاءتُهما، ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه، فدَلّ على أنَّ المُراد بالأحْرُفِ السَبْعَة غيرُ اللُغات] (21)؛ فوَجَبَ بَذَلِك صَرْفُ مَعنى "الأحْرُف السَبْعَة" إلى مَعنىً آخر غير "اللغات".
تَنبيه هام: لقد أجاب الإمام (الألوسي) -رحمه الله- عَن هذا الاعتِراض (22)، ولكن المُتأمِلَ لجوابِه –رحمه الله- يجِدْه إنَّما أجَابَ –فَحَسبُ- عَن قول الإمام (السيوطي) –رحمه الله-: "ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه" اهـ؛ بما حاصِلُه أنَّ: [مَرجِعَ "الأحُرُف السَبْعة" هو الرِواية عَن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لا الدِراية والرأي والتَشَّهي] (23)، وبذلك فجوابُه خارِج مَحَل النِزاع؛ لأنَّ ما قَالَه قد نَبَهنا عليه سابِقًا؛ راجِع تَنبيه (1).
أما وَجْه القُوَة في هذا القَول؛ أنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج؛ كما يتضِحُ ذلك جَلياُ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) لأُبّيِّ بن كَعْب –رَضيِ اللهُ عنه- : "أُرْسِلَ إلَىَّ أنْ أقْرأ القُرآنَ عَلَى حُرْفٍ، فَرَدَدْتُ إلَيهِ أنْ هَوِّن على أُمَّتي"، إلى أن قال (صلى الله عليه وسلم): "فَرَدَّ إلَيَّ الثالثةَ أقْرأهُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (24)؛ فوَّجَبَ صَرْفُ معنى "الأحْرُفِ السَبْعَة" إلى "لغات العَرَب ولهَجَاتِهم".
ويُجابُ عَن هذا الوَجْه بوَجْه "الضَعفِ" السابِق؛ باختلافِ (عُمرَ) و(هِشامَ) –رَضي اللهُ عنهما- في القِراءة رَغمَ اتحاد لُغَتِهما، ولكن لا يَليقُ بِنَا أن نَرُدَ هذا الحديثِ الصحيح الثابِت في "صحيح مُسلِم" (25)؛ فوَجَب التوفيقُ ولابُد، ومِن ثَمّ وَجَبَ المَصير إلى "القَولِ الأول" الذي جَمَع بين الأحاديث والأقوال ووَفَقَ بينها، ولا مُوَفِق إلا مَن وَفَقَه الله، والحمدُ لله عَلَى التَّوفيق.
ويتضِحُ في هذا القَول أنَّ أكثرَه آراء واجتهادات لا أدِلَة عليها –غالبًِا-؛ كنزول (جِبْريلَ) –عليه السلام- سَبْع مرات لإتمام الأحْرُف السَبْعَة، وتعيين اللغات التي أُنزِل عليها القُرآن الكَريم.
وبعضُه مَردودٌ؛ كقولِِهم: "هذه اللغات السَبْعَ مُتفَرِقَة في القُرآن" (26)؛ فهذا القَول باطِلٌ جِدًا لا شَكَ في ذلك؛ إذ (لو كانَت "الأحْرُفُ السَبْعَة" لُغاتٍ مُتفَرِقَةً في جَميع القُرآن، فغَير مُوجِب حَرْفٌ مِن ذلك اختلافًا بين تاليه؛ لأنَّ كُلَ تالٍ فإنَّما يَتلو ذَلِك "الحَرْفَ" تِلاوةً واحِدَة على ما هو به المُصحَف، وعلى ما أُنزِل) (27)، ولو كان كذلك لَمَا حَدَثَ اختِلافًا بين الصحابة –رَضيَ اللهُ عَنهم- في القِراءة؛ إذ لا مَعنىً لِذلك إطلاقًا؛ لأنَّ المُصحَفَ واحِدٌ، والسُوَرَ واحِدَة والآياتِ واحِدَةٌ لا تتغيّرُ؛ بل غايةُ الأمْرِ أنَّ هذه الآية بِلُغَة (قُرَيش)، وتلك بِلُغَة (هُذَيل)، وهكذا، فالقُرَشي مأمورٌ بِقراءة القُرآنِ كلُِه الذي يَحوي لُغاتٍ سِتًا غيرَ لُغَتِه، والهُذَيلي مأمورٌ بِقراءة القُرآنِ كلُِه الذي يَحوي لُغاتٍ سِتًا غيرَ لُغَتِه، فأينَ التيسيرُ الوارِدُ في الأحاديث، والذي مِن أجلِه أُنزِل القُرآنُ على سَبْعَة أحُرُف ؟! بل وكيفَ يحدُثُ الاختِلافَ بين الصحابَة في السُورَة الواحِدة، بل في الآية الواحِدَة، بلْه الكلمة الواحِدَة ؟!! وفي هذا الحَدِ كِفاية، واللهُ أعْلَم.

القول الثالث: المُراد بذلك سَبْعَة أصناف، وهو قول البَيضاوي والقاضي (ابن الطيب). واختلفوا في تعيينِها على عِدة أقوال:
1- معاني كتاب الله تعالى، وهي: أمر، نهي، وعد، وعيد، قصص، مجادلة، أمثال.
2- مُحكَم، مُتشابِه، ناسِخ، مَنسوخ، خصوص، عموم، وقصص.
3- إظهار الربوبية، إثبات الوَحْدانية، تَعظيم الألوهية، التَّعَبُّد لله، مُجانَبَةُ الشِرك، التَّرغيب في الثواب، والتَّرهيب مِن العِقاب.
وهذا القول ضَعيف جدًا؛ (إذ لا مُستَنَدَ له مِن كِتاب أو سُنَة ولا يوجَد وَجْهٌ للتَّخصيص) (28)، ولأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) (أشَارَ إلَى جوازِ القراءة بِكُلِ واحدٍ مِن الحُرُوف وإبدال حَرْفٍ بحَرْف، وقد تقَرَرَ إجماعُ المُسلمين أنَّه يَحرُّم إبدالُ آيةِ أمثالٍ بآية أحكام) (29)، و(لأنَّ هذا لا يُسمَى أحْرُفًا؛ وأيضًا فالإجماع على أنَّ التوسِعَة لم تَقَع في تَحْليل حلال ولا في تَغيير شَئٍ مِن المَعانِي) (30).
وانظر ردًا بليغًا للإمام (الطَبَري) –رحمه الله- في «تَفسيرِه»: (1/ 49: 52).

القول الرابِع: في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها كالإدغام والإظهار والتَفخيم والترقيق والمَد والقَصْر والتليين، وهلم جرا. رَجَحَه الإمامن: (النووي) و(الطيبي) –رحمهما الله.
وهو ضَعيفٌ؛ (لأنَّ ذلك ليس مِن الاختلاف الذي يتنَوَع فيه اللفظ والمَعنَى، واللفظ الواحد بهذه الصِفات باقٍ على وِحدَتِه، فليس فيه حينئذٍ جليل فائِدَة) (31).
قلتُ: والأحاديث الصحيحة السابِقة تَرُدُه، كقولِه (صلى الله عليه وسلم): "إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ" (32)؛ فدل ذلك على أنَّ اللفظ يتغير مع اتفاق المَعنَى، واختلاف كيفية النطق بالتلاوة لا يُغَيّر للفظة مِن قَريبٍ أو بَعيد. ثم لو كان ذلك هو المَقْصود لَمَا أنكَرَ (عُمرُ بن الخطاب) –رَضيِ اللهُ عنه- على (هِشام بْنِ حَكيم) –رَضيَ اللهُ عنه- وذَهَبَ به ليتحاكَمَا إلى رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)؛ بل غاية ما كان يفعَلُه أن يُعلِمَه بنفسه، فيقول له: لا تُفَخِّم هذا الحَرف ورقِقْه أو أظهِرْ ولا تَدْغِمْ وهكذا، ثم كونُ (هِشام) –رضي اللهُ عنه- غَيّر كيفية النُطق بالتلاوة، فهذا لا يَدْفَع (عُمَرَ) –رَضيَ اللهُ عنه- أن يظُنَ أنَّ هذه القراءة خطأٌ مِن أصلِها؛ بل غايته أنَّ هذا لَحْنٌ خَفي، مِن الصَعب أن يَقَع فيه رَجُلٌ فَصيحٌ يَنتمي لأفصَحِ القبائِل العربية "قُرَيش" !! فأصل القِراءة التي يقرأ بِها (عمر) –رَضيَ اللهُ عنه- هي نفسَها قراءة (هِشام) –رَضيَ اللهُ عنه- [بُناءً على هذا القول الضَعيف]، فلماذا يقول (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عنه- إذَن : "سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ (الفُرْقَانِ) عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَؤُهَا" إن لم يكُن يقصِد تغيير اللفظة، وتأمَل قولُه: "وَكِدْتُ أنْ أعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أمْهَلْتُه حَتَى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُه بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)" الحديث، تَعرِفْ أنَّ الأمرَ أكبرَ مِن مُجرَد تغيير كيفية النُطق التي لُقِنَها (عُمَرُ) –رَضِي اللهُ عنه- من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، واللهُ أعْلَم.

القول الخامِس: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد؛ إنما المراد التيسير والتسهيل والتوسِعَة؛ فقد جَرُوا على تكثير الآحاد بالسَبْعَة، والعشرات بالسَبعين، والمئات بالسُبْعمائة، وسِر التَّسبيع لا يَخفَى. وهو قول القاضي (عِياض) –رحمه الله- ومَن تبعه.
وهو خطأٌ؛ (لعدم ظهور مَعناه، ولأنَّه مَردودٌ بالأحاديث الصحيحة السابقة، كحَديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عنه-، وفيه: "[استزِدْه] حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ"، وحديث (أبي بَكرَة) –رَضيَ اللهُ عنه- وفي آخره: "فنظَرْتُ إلى ميكائيل فَسَكَتْ، فعَلِمتُ أنه قد انتَهَت العِدَة"، وهذا أقوى دليل على إرادة الانحصار، أضِف إلى ذلك أنَّ في جَمْع القِلَة "أحْرُف وليس حُروف" نوع إشارة إلى عَدَم الكَثرة كما لا يَخفَى) (33).

القول السادِس: خواتيم الآيات؛ فيجْعَل مكان (غَفور رَحيم) (سَميع بَصير). "وهذا فاسِدٌ للإجماع على مَنْع تغيير القُرآن للناس" –كما قال (المازري) –رحمه الله، كما في «شرح النووي –رحمه الله- على صحيح مسلم».

عمومًا نحن نؤمِن –إجمالا- بأنَّ القرآن أنزِل على سبعة أوجه، اختلف العلماء في المراد بها على أقوال عِدة، الراجِح منها ما ذكرناه، "ولم يثبت مِن وَجهٍ صَحيح تَعيين كل حرف من هذه الأحرف، ولم يكلفنا الله ذلك، غير أن هذه القراءة الآن غير خارجة عن الأحرف السبعة" –كما يقول الإمام (الزركشي) –رَحِمَه الله- في كِتابِه «البُرهان».

-----------------------------------

ثانيًا: هل الأحرف السَّبعة هي القِراءات السَّبع ؟!
(1) اتفق العُلماء جَميعًا أنَّ الأحرُفَ السبعة التي ذَكَر النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أنَّ القُرآن أنزِل عَليها ليسَت هي القراءات السبع المَشهورة.
أمَّا ما انتشرَ لدى العامَّة وأيضًا بعض الخاصَّة مِن أنَّ الأحرف السَّبعَة هي نفسها القِراءات السَّبع فهو خَطأ فادِحٌ، حتى قال الإمامُ (أبو شامة) –رَحِمَه الله-: "وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل" !!! كما في «فَتح الباري»: (19/ 37).
قال الإمام (مَكي بن أبي طالب) –رَحِمَه الله-: "وأمَّا مَن ظَنَّ أنَّ قِراءة هؤلاء القُراء كنافِع وعاصِم هي الأحرُف السَّبعة التي في الحَديث؛ فقد غلط غلطًا عظيمًا. ورَدَّ ذَلِك بتعليلٍ ما ألطفَه؛ بأنَّ هذا مفهومَه أنَّ ما عداها ليس قرآنًا !! فقال ما نَصُّه: "ويَلزَم مِن هذا أنَّ ما خَرج عَن قِراءة هؤلاء السَّبعة مِمَّا ثَبَت عَن الأئمة غَيرِهم ووافق خَطَّ المُصحَف، أن لا يكون قُرآنًا، وهذا غَلَطٌ عَظيم؛ فإنَّ الذين صَنَّفوا القِراءات مِن الأئمة المُتقدمين: كأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي حاتم السجستاني، وأبي جعفر الطبري، وإسماعيل بن إسحاق، والقاضي، قد ذكروا أضعاف هؤلاء [السًّبعَة]" اهـ نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 37)، والزيادة بين المَعكوفَتين مِن عِندي لتوضيح المَعنَى.
وتوضيحًا لقول الإمام (مَكي) –رَحِمَه الله- الذي قد يُشكِل على بَعض القُراء، أقول: لقد أنزِل القُرآنُ على سَبعة أحرُف، إن كانَت هي نفسها القِراءات السَّبع، فباقي القِراءات –إذَن- ليس لها نَصيبٌ مِن الأحرف السَّبعة التي هي كل القُرآن، فهي –على هذا القَول- ليست قُراءنًا، فتأمَل!
قال شَيخُ الإسلام (ابن تيميَّة) –رَحِمَه الله تعالى-:
"لا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ " الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ " الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ هِيَ "قِرَاءَاتِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةَ" بَلْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ قِرَاءَاتِ هَؤُلاء هُوَ الإمامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ بِبَغْدَادَ فَإِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ الْمَشْهُورَ مِنْ قِرَاءَاتِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ; إذْ هَذِهِ الأمصارُ الْخَمْسَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عِلْمُ النُّبُوَّةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْ الأعمال الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ فَلَمَّا أَرَادَ ذَلِكَ جَمَعَ قِرَاءَاتِ سَبْعَةِ مَشَاهِيرَ مِنْ أَئِمَّةِ قُرَّاءِ هَذِهِ الأمصار; لِيَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ لا لاعتقادِه أَوْ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ هِيَ الْحُرُوفُ السَّبْعَةُ أَوْ أَنَّ هَؤُلاء السَّبْعَةَ الْمُعَيَّنِينَ هُمْ الَّذِينَ لا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ قِرَاءَتِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ: لولا أَنَّ ابْنَ مُجَاهِدٍ سَبَقَنِي إلَى حَمْزَةَ لَجَعَلْت مَكَانَهُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ إمَامَ جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَإِمَامَ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ فِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ" اهـ كلامُه مِن «مَجموع الفتاوى»: (13/ 389).

(2) قال الإمام (مَكي بن أبي طالب) –رَحِمَه الله-: "هذه القِراءت التي يُقرأ بِها اليوم وصحت رواياتها عَن الأئمة؛ جُزءٌ مِن الأحرف السَّبعة التي نَزَل بها القُرآن" اهـ نَقلا عَن «فتح الباري»: (19/ 37).
وقال الإمامُ (أبو العباس بن عمار) –رَحِمَه الله-: "أصح ما عليه الحُذاق أنَّ الذي يُقرأ الآن [في المُصحَف هو] بعض الحُروف السَّبعة المأذون في قِراءتها لا كُلها، وضابِطُه ما وافق رَسمَ المُصحَف" اهـ نَقلا عَن «فتح الباري» (19/ 36)، والزيادة بين المَعكوفَتين مِن عِندي لتوضيح المَعنَى.
وقال الإمامُ (البَغوي) –رَحِمَه الله- في «شَرح السُّنَة»: "المُصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العَرضات على رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فأمر (عُثمان) –رَضي الله عَنه- بِنَسخِه في المَصاحِف وجَمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك؛ قَطعًا لمادة الخِلاف فصار ما يُخالِفُ خَطَّ المُصحف في حُكم المَنسوخ والمَرفوع كسائِر ما نُسخ ورُفِع، فليس لأحدٍ أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارِج عَن رَّسم المُصحَف" اهـ بتصرف يَسير نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 36: 37).
وبَيَّن الإمامُ (الزركشي) –رَحِمَه الله- في كِتابِه «البُرهان في عُلوم القُرآن» أنَّ الحَرف الذي استقر عليه الأمرُ هو حَرفُ (زَيد بن ثابِت) –رَضي الله عَنه؛ فقال: "السبعة أحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدى الناس منها إلا حرف (زيد بن ثابت) الذي جمع (عثمانُ) عليه المصاحف" اهـ.

(3) قال الإمامُ (ابن أبي هاشِم) –رَحِمَه الله-: "إنَّ السَّبب في اختلاف القِراءت السَّبع وغيرِها أنَّ الجِهات التي وُجِهَت إليها المَصاحِف كان بها مِن الصَّحابَة مَن حَمَل عَنه أهلُ تِلك الجِهَة، وكانت المصاحِف خالية مِن النُقط والشَّكل، فَثَبَت أهلُ كل ناحية على ما كانوا تَلقوه عَن الصحابة بِشَرط موافَقَة الخَط، وتركوا ما يُخالِفُ الخَطَّ؛ امتثالا لأمرِ (عُثمان) –رَضي الله عَنه- الذي وافقه عليه الصَّحابَةُ؛ لِما رأوا في ذلك مِن الاحتياط للقُرآن، فَمِن ثَمَّ نشأ الاختلافُ بين قُراء الأمصار مَع كونِهم مُتَمَسكين بِحَرفٍ واحِدٍ مِن السَّبعة" اهـ بتصرف يَسير جِدًّا نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 36: 37).
وصلى الله وسَلَّم على نَبيِّنا مُحمد وعلى آله وأصحابِه أجْمَعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منقول من ملتقى اهل التفسير
جزاك الله خيرا شيخنا لو تعطينا مثال على القول الثاني لانه بالمثال يرسخ المعنى ويفهم

رحمة نور 15-12-08 11:18 AM

ثبت في صحاح الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه) وعند مسلم من حديث أُبيٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف) .

وأخرج أبو يعلى في "مسنده" أن عثمان رضي الله عنه قال وهو على المنبر: " أُذَكِّرُ الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ ) لَمَّا قام، فقاموا حتى لم يُحْصَوا، فشهدوا بذلك، فقال: وأنا أشهد معهم " وقد ورد معنى هذا الحديث من رواية جمع من الصحابة، ونص بعض أهل العلم على تواتره.

غير أن أهل العلم ذهبوا في معنى الحديث مذاهب شتى، بعضها فيه نظر لا يُعوَّل عليه، وبعضها الآخر داخل في غيره وعائد إليه. ونحن نختار من أقوالهم أهم قولين، ونحيل من أراد الاستزادة في ذلك إلى كتب القراءات:

القول الأول: أن المراد بالأحرف السبعة لغات قبائل من العرب، وليس معناه أن يُقرأ الحرف الواحد على سبعة أوجه. وهذا القول هو اختيار القاسم بن سلاَّم ، وآخرون، وصححه البيهقي ، واختاره ابن عطية ، قال ابن الجزري : وأكثر العلماء على أنها لغات .

القول الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعاني المتفقة، بالألفاظ المختلفة، نحو: أقبل، هلُمَّ، تعال، عجِّل، أسرع... ونسب ابن عبد البر هذا القول إلى أكثر العلماء، وأسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ قوله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } (البقرة:20) (سعوا فيه) قال: فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث، قال: وفي مصحف عثمان رضي الله عنه الذي بأيدي الناس اليوم منها حرف واحد، وهذا القول اختيار الإمام الطبري .

ثم إن المحققين من أهل العلم ذهبوا إلى أن القراءات السبع المتواترة التي يتداولها الناس اليوم هي غير الأحرف السبعة التي وردت بها الأحاديث، بل هذه القراءات اختيارات أولئك الأئمة القراء؛ حيث اختار كل واحد منهم طريقة في القراءة مما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أقرأها غيره حتى عُرف بها، ونُسبت إليه، ويدل على ما ذكرنا ما نُقل عن أهل العلم في ذلك، إذ قالوا: "فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء ..أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك منه غلط عظيم". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى: " لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ..".

غير أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم غير خارجة عن الأحرف السبعة. وهذا الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف.

وبناء على هذا الاختيار، فإن المصاحف العثمانية التي بين أيدينا اليوم - كما قال السيوطي - تشتمل على ما يحتمل رسمها من الأحرف السبعة فقط، وهي جامعة للعرضة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، متضمنة لها.

ومن المفيد التنبيه في هذا السياق، إلى أن القراءة التي عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قُبض فيه، هي القراءة التي يقرأ بها الناس اليوم.

والحاصل من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، أن المقصود بالأحرف السبعة لغات للعرب على أرجح الأقوال، وأن عثمان رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة جمعوا القرآن على حرف واحد من تلك الأحرف، وهو حرف قريش، وصار المصحف العثماني شاملاً لحرف قريش، ولِمَا يحتمله رسمه من الأحرف الستة المتبقية؛ وأن القراءات المتواترة ما هي إلا قراءات ضمن حرف قريش، احتملها الرسم العثماني الذي لم يكن منقوطًا ولا مشكولاً حينذاك. كما أن نسبة القراءات السبع إلى القراء السبعة إنما هي نسبة اختيار وشهرة، واتباع للنقل والأثر ليس إلا. والله أعلم بالصواب .

رحمة نور 15-12-08 01:04 PM

المصدر "الشبكة الاسلامية"

ام منال 15-12-08 02:41 PM

قال الطاهر بن عاشور -رحمه الله - في -التحرير والتنوير:

ورد في حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم بن حزام في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ في الصلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ا قال أقرأنيها رسول الله ، فقلت كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله كذلك أنزلت ، ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه اه .
وفي الحديث إشكال ، وللعلماء في معناه أقوال يرجع إلى اعتبارين : أحدهما اعتبار الحديث منسوخا والآخر اعتباره محكما .
فأما الذين اعتبروا الحديث منسوخا وهو رأي جماعة منهم أبو بكر الباقلائي وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي والطبري والطحاوي ، وينسب إلى ابن عيينة وابن وهب قالوا كان ذلك رخصة في صدر الإسلام أباح الله للعرب أن يقرأوا القرآن بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها ، ثم نسخ ذلك بحمل الناس على لغة قريش لأنها التي بها نزل القرآن وزال العذر لكثرة الحفظ وتيسير الكتابة ، وقال ابن العربي دامت الرخصة مدة حياة النبي عليه السلام ، وظاهر كلامه أن ذلك نسخ بعد وفاة رسول الله * صلى الله عليه وسلم * ، فإما نسخ بإجماع الصحابة أو بوصاية من النبي * صلى الله عليه وسلم * ، واستدلوا على ذلك بقول عمر : إن القرآن نزل بلسان قريش ، وبنهيه عبد الله بن مسعود أن يقرأ * فتول عنهم حتى حين * وهي لغة هذيل في * حتى * ، وبقول عثمان لكتاب المصاحف فإذا اختلفتم في حرف فاكتبوه بلغة قريش فإنما نزل بلسانهم ، يريد أن لسان قريش هو الغالب على القرآن ، أو أراد أنه نزل بما نطقوا به من لغتهم وما غلب على لغتهم من لغات القبائل إذ كان عكاظ بأرض قريش وكانت مكة مهبط القبائل كلها .
ولهم في تحديد معنى الرخصة بسبعة أحرف ثلاثة أقوال :
الأول أن المراد بالأحرف الكلمات المترادفة للمعنى الواحد ، أي أنزل بتخيير قارئه أن يقرأه باللفظ الذي يحضره من المرادفات تسهيلا عليهم حتى يحيطوا بالمعنى . وعلى هذا الجواب فقيل المراد بالسبعة حقيقة العدد وهو قول الجمهور فيكون تحديدا للرخصة بأن لا يتجاوز سبعة مرادفات أو سبع لهجات أي من سبع لغات ؛ إذ لا يستقيم غير ذلك لأنه لا يتأتى في كلمة من القرآن أن يكون لها ستة مرادفات أصلا ، ولا في كلمة أن يكون فيها سبع لهجات إلا كلمات قليلة مثل أف - وجبريل - وأرجه . وقد اختلفوا في تعيين اللغات السبع ، فقال أبو عبيدة وابن عطية وأبو حاتم والباقلاني هي من عموم لغات العرب وهم : قريش ، وهذيل ، وتيم الرباب ، والأزد ، وربيعة ، وهوازن ، وسعد بن بكر من هوازن ، وبعضهم يعد قريشا ، وبني دارم ، والعليا من هوازن وهم سعد بن بكر ، وجشم بن بكر ، ونصر بن معاوية ، وثقيف ، قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم وهم بنو دارم .
وبعضهم يعد خزاعة ويطرح تميما ، وقال أبو علي الاهوازي ، وابن عبد البر ، وابن قتيبة هي لغات قبائل من مضر وهم قريش ، وهذيل ، وكنانة ، وقيس ، وضبة ، وتيم الرباب ، وأسد بن خزيمة ، وكلها من مضر .

القول الثاني : لجماعة منهم عياض : أن العدد غير مراد به حقيقته ، بل هو كناية عن التعدد والتوسع ، وكذلك المرادفات ولو من لغة واحدة كقوله * كالعهن المنفوش * وقرأ ابن مسعود كالصوف المنفوش ، وقرأ أبي * كلما أضاء لهم مشوا فيه * مروا فيه سعوا فيه ، وقرأ ابن مسعود * انظرونا نقتبس من نوركم * أخرونا ، أمهلونا ، وأقرأ ابن مسعود رجلا * إن شجرة الزقوم طعام الأثيم * فقال الرجل طعام اليتيم ، فأعاد له فلم يستطع أن يقول الأثيم فقال له ابن مسعود : أتستطيع أن تقول طعام الفاجر ا قال نعم ، قال فاقرأ كذلك ، وقد اختلف عمر وهشام بن حكيم ولغتهما واحدة .
القول الثالث : أن المراد التوسعة في نحو * كان الله سميعا عليما * أن يقرأ عليما حكيما ما لم يخرج عن المناسبة كذكره عقب آية عذاب أن يقول * وكان الله غفورا رحيما * أو عكسه وإلى هذا ذهب ابن عبد البر .

وأما الذين اعتبروا الحديث محكما غير منسوخ فقد ذهبوا في تأويله مذاهب :
*فقال جماعة منهم البيهقي وأبو الفضل الرازي أن المراد من الأحرف أنواع أغراض القرآن كالأمر والنهي ، والحلال والحرام ، أو أنواع كلامه كالخبر والإنشاء ، والحقيقة والمجاز : أو أنواع دلالته كالعموم والخصوص ، والظاهر والمؤول . ولا يخفى أن كل ذلك لا يناسب سياق الحديث على اختلاف رواياته من قصد التوسعة والرخصة . وقد تكلف هؤلاء حصر ما زعموه من الأغراض ونحوها في سبعة فذكروا كلاما لا يسلم من النقض .
*وذهب جماعة منهم أبو عبيد وثعلب والأزهري وعزي لابن عباس أن المراد أنه أنزل مشتملا على سبع لغات من لغات العرب مبثوثة في آيات القرآن لكن لا على تخيير القارئ ، وذهبوا في تعيينها إلى نحو ما ذهب إليه القائلون بالنسخ إلا أن الخلاف بين الفريقين في أن الأولين ذهبوا إلى تخيير القارئ في الكلمة الواحدة ، وهؤلاء أرادوا أن القرآن مبثوثة فيه كلمات من تلك اللغات ، لكن على وجه التعيين لا على وجه التخيير ، وهذا كما قال أبو هريرة : ما سمعت السكين إلا في قوله تعالى * وآتت كل واحدة منهن سكينا * ما كنا نقول إلا المدية ، وفي البخاري : إلا من النبئ في قصة حكم سليمان بين المرأتين من قول سليمان ايتوني بالسكين أقطعه بينكما ، وهذا الجواب لا يلاقي مساق الحديث من التوسعة ، ولا يستقيم من جهة العدد لأن المحققين ذكروا أن في القرآن كلمات كثيرة من لغات قبائل العرب ، وأنهاها السيوطي نقلا عن أبي بكر الواسطي إلى خمسين لغة .
*وذهب جماعة أن المراد من الأحرف لهجات العرب في كيفيات النطق كالفتح والإمالة ، والمد والقصر ، والهمز والتخفيف ، على معنى أن ذلك رخصة للعرب مع المحافظة على كلمات القرآن ، وهذا أحسن الأجوبة لمن تقدمنا ، وهنالك أجوبة أخرى ضعيفة لا ينبغي للعالم التعريج عليها وقد أنهى بعضهم جملة الأجوبة إلى خمسة وثلاثين جوابا .

*وعندي أنه إن كان حديث عمر وهشام بن حكيم قد حسن إفصاح راويه عن مقصد عمر فيما حدث به بأن لا يكون مرويا بالمعنى مع إخلال بالمقصود أنه يحتمل أن يرجع إلى ترتيب آي السور بأن يكون هشام قرأ سورة الفرقان على غير الترتيب الذي قرأ به عمر فتكون تلك رخصة لهم في أن يحفظوا سور القرآن بدون تعيين ترتيب الآيات من السورة ، وقد ذكر الباقلاني احتمال أن يكون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة كما يأتي في المقدمة الثامنة . فعلى رأينا هذا تكون هذه رخصة . ثم لم يزل الناس يتوخون بقراءتهم موافقة قراءة رسول الله * صلى الله عليه وسلم * حتى كان ترتيب المصحف في زمن أبي بكر على نحو العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله * صلى الله عليه وسلم * فأجمع الصحابة في عهد أبي بكر على ذلك لعلمهم بزوال موجب الرخصة .

ومن الناس من يظن المراد بالسبع في الحديث ما يطابق القراءات السبع التي اشتهرت بين أهل فن القراءات ، وذلك غلط ولم يقله أحد من أهل العلم ، وأجمع العلماء على خلافه كما قال أبو شامة : فإن انحصار القراءات في سبع لم يدل عليه دليل ، ولكنه أمر حصل إما بدون قصد أو بقصد التيمن بعدد السبعة أو بقصد إيهام أن هذه السبعة هي المرادة من الحديث تنويها بشأنها بين العامة ، ونقل السيوطي عن أبي العباس ابن عمار أنه قال : لقد فعل جاعل عدد القراءات سبعا ما لا ينبغي ، وأشكل به الأمر على العامة إذ أوهمهم أن هذه السبعة هي المرادة في الحديث ، وليت جامعها نقص عن السبعة أو زاد عليها .
قال السيوطي : وقد صنف ابن جبير المكي وهو قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة أئمة من كل مصر إماما ، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار كانت إلى خمسة أمصار .
قال ابن العربي في العواصم : أول من جمع القراءات في سبع ابن مجاهد غير أنه عد قراءة يعقوب سابعا ثم عوضها بقراءة الكسائي ، قال السيوطي وذلك على رأس الثلاثمائة : وقد اتفق الأئمة على أن قراءة يعقوب من القراءات الصحيحة مثل بقية السبعة ، وكذلك قراءة أبي جعفر وشيبة ، وإذ قد كان الاختلاف بين القراء سابقا على تدوين المصحف الإمام في زمن عثمان وكان هو الداعي لجمع المسلمين على مصحف واحد تعين أن الاختلاف لم يكن ناشئا عن الاجتهاد في قراءة ألفاظ المصحف فيما عدا اللهجات .


أم سكينة 19-12-08 06:36 PM

ذكر فيه
اي :مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسله ثم قال اقرأ يا هشام فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ فقرأتها فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه .

وقال الحافظ ابو عمرو بن عبد البر القرطبي المالكي في الاستذكار
وقال بعض المتأخرين من أهل العلم باللغة والقرآن ومعانيه تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة الأولى يعني الأحرف السبعة فوجدتها سبعة أنحاء.
1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل ( هن أَطْهَرُ لكم ) هود 78 و ( أَطْهَرَ لكم ) ( وَيَضِيْقُ صدرى ) الشعراء 13 و ( يَضِيْقَ ) ونحو هذا.
2- ومنها ما يتغير معناه ويزول الإعراب ولا تتغير صورته مثل قوله ( ربنا بعد بين أسفارنا ) سبأ 19 ( ربنا باعد بين أسفارنا).
3- ومنها ما يتغير معناه من الحروف واختلافها ولا تتغير صورته مثل قوله ( إلى العظام كيف ننشزها ) و ( ننشرها ) البقرة 259 .
4- ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه كقولك ( كالعهن المنفوش ) و ( كالصوف ) القارعة 5.
5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل قوله ( وطلع منضود ) و ( طلح منضود ) الواقعة 29.
6- ومنها بالتقديم والتأخير مثل ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) ق 19 و ( جاءت سكرة الحق بالموت ) .
7- ومنها بالزيادة والنقصان مثل ( تسع وتسعون نَعْجَة ً ) ص 23 و ( تسع وتسعون نعجة ً ). أنثى



المصدر : الإستذكار ج 2 ص483 الى 484

أمة الوهاب 19-12-08 07:38 PM




نزول القرآن على سبعة أحرف
قرأت أنه أثناء خلافة عثمان ، شُكلت لجنة يشرف عليها زيد بن ثابت لتتبع القرآن الكريم بكامله . لكن هذا النص "العثماني" لم يوفر قراءة موحدة ، حيث أن اللغة العربية الأولى لم يكن فيها حروف علة ، كما أن بعض الأحرف الصحيحة لم يكن لها نفس الشكل . وقد أوجدت علامات جديدة للتفريق بين الأحرف المختلفة . لكن ذلك لم يوقف الطرق المتعددة لقراءة القرآن .
ففي النصف الأول من القرن الرابع/العاشر توصل إمامُ قراءِ القرآن في بغداد ، ابن مجاهد ، لحل لهذه المشكلة . فقد قال إن الكلمة "حرف" يمكن أن تحل مكان "قراءة" . وقد أعلن عن سبع طرق للقراءة الصحيحة . لأنه حسب ما يراه ، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بسبعة أحرف ، تعني أن هناك سبع طرق موحاة لقراءة القرآن .
وفي هذه الأيام فإن القراءات المشهورة والمستخدمة هي : ورش ونافع وحفص عن عاصم .
أرجو أن تخبرني عن هذه الطرق المختلفة للقراءة . هل توجد أحاديث تتعلق بهذا ؟.


الحمد لله
أولاً :

اعلم –وفقك الله – أنّ القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف " . رواه البخاري ( 3047 ) ومسلم ( 819 ) .

ثانياً :

ما معنى الأحرف ؟

أحسن الأقوال مما قيل في معناها أنها سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى : فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض .

ومعنى " حرف " في اللغة : الوجه ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج /11 .

ثالثاً : قال بعض العلماء : إن معنى الأحرف لغات العرب وهذا بعيد لحديث عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ . فقال : هكذا أنزلت . ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت . إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه . رواه البخاري ( 2287 ) ومسلم ( 818 ) .

ومما هو معلوم أن " هشاماً " أسدي قرشي ، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة ، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان .

وقد ذكر العلماء قرابة أربعين قولاً في هذه المسألة ! ولعل الأرجح ما قد ذكرنا آنفاً . والله اعلم

رابعاً :

تبين أن الأحرف نزلت على ألفاظ متعددة كما بينه حديث عمر لأن إنكار عمر وقع على الحروف وليس على المعاني والخلاف بهذه الحروف ليس للتضاد ولكنه للتنوع كما قال ابن مسعود (( هو بمنزلة قول أحدكم هلمّ أقبل تعال )) .

خامساً :

أما تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد ، وإنما جاء العدد مصادفة واتفاقاً أو قصداً منه ليوافق ما ورد من كون الأحرف سبعة وقد ظن بعض الناس أن الأحرف هي القراءات وهذا خطأ ، ولا يُعرف هذا عن أهل العلم . والقراءات السبعة هي إحدى الأحرف السبعة وهي الحرف الذي جمع عثمان عليه المسلمين .

سادساً :

لما نسخ عثمان المصحف نسخه على حرف واحد ولكنه ترك النقط والتشكيل ليتسع هذا الرسم لحمل ما يستطيع حمله من الأحرف الأخرى فجاء المصحف برسمه محتملاً لبعض الأحرف فما احتمله جاءت به القراءة وما لم يحتمله نُسخ ، وذلك لأن الناس أنكر بعضهم على بعض عند اختلافهم في القراءة فجمعهم عثمان على نُسخه واحدة ليجمع شملهم .

سابعاً :

قولك إن مجاهداً ظن أن القراءة تحل محل الحرف فهذا غير صحيح . كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه . مجموعة الفتاوى / ج13 / 210

ثامناً :

وأما القرّاء السبعة فهم :

1- نافع المدني 2- ابن كثير المكي 3- عاصم الكوفي

4- حمزة الزيات الكوفي 5- الكسائي الكوفي 6- أبو عمرو بن العلاء البصري 7- عبد الله بن عامر الشامي

وأقواهم سنداً في القراءة : نافع وعاصم .

وأفصحهم : أبو عمرو والكسائي .

ويروي عن نافع : ورش وقالون .

ويروي عن عاصم : حفص وشعبة .

والله أعلم .



الإسلام سؤال وجواب

اخوة في الله 20-12-08 01:31 AM

الحمد لله و الصلاة و السلام على محمد و اله و اصحابه اجمعين
وبـــــــــــعد :
ان القران نزل على حرف واحد اول الامر و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ظل يستزيد جبريل حتى اقراه على سبعة احرف كلها شاف كاف و الدليل على ذالك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( اقراني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم ازل استزيده و يزيدني حتى انتهى على سبعة احرف) رواه البخاري(3047) ومسلم(819)
و لقد تباينت آراء العلماء حول الأحرف السبعة ،والأرجح أنها لغات ولهجات سبع ،نزل بها القرآن تيسيرًا للعرب ،حتى يسهل عليهم قراءة كتاب الله ،وذلك لاختلاف لهجاتهم ،فلما قرأ الناس القرآن ،ودخل غير العرب الإسلام ،وخشي أن تكون فتنة ،وحد عثمان حرف القراءة ،وجعله واحدًا ،والقراءات السبع هي قراءات للحرف الذي اختاره عثمان وهو لغة قريش .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور/ رياض المسيميري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد
ابن سعود الإسلامية .
حديث الأحرف السبعة من الأحاديث المتواترة تواتراً معنوياً ، وأخرجه الأئمة في مصنفاتهم، ولا يكاد يخلو منه مصنف في الحديث ، وممن أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأبو داود ، ومالك في الموطأ وغيرهم .
وقد اختلف العلماء في تبيين المراد من الأحرف السبعة حتى أوصلها السيوطي في الإتقان إلى أربعين قولاً .
والراجح من هذه الأقوال _ والله أعلم _ ما ذهب إليه جمهور العلماء أن الأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد .
وتوضيحه : أنَّ للعرب لغات متنوِّعة، ولهجات متعدّدة للتعبير عن معنى من المعاني ، فمثلاً : كلمة (( تعال )) يُعبَّر عنها بلغة قبيلة أخرى بـ (( هلم )) ، وقبيلة ثالثة بـ (( أقبل )) وهكذا .. فحيث تختلف لغات العرب في التعبير عن معنى من المعاني يأتي القرآن متنزلاً بألفاظ على قدر هذه اللغات لهذا المعنى الواحد ، وحيث لا يكون هناك اختلاف فإنه يأتي بلفظ واحد أو أكثر ، ولا يزيد على سبعة .
ويحسن التنبيه على أمرين قد يلتبسان على بعض الناس :
الأول : أن هذه الأحرف السبعة التي كان القرآن يُقرأ بها كانت من باب التيسير على الأمة حين نزول القرآن ، فلما ذلّت به ألسنتهم ، وائتلفوا على قراءته ، جمعهم عثمان –رضي الله عنه- على حرف واحد هو لسان قريش الذي يقرأ به القرآن اليوم .
الثاني : أن الأحرف السبعة ليست القراءات السبع المشهورة اليوم . فهذه القراءات هي قراءات للحرف الذي اجتمعت الأمة على قراءة القرآن به . انتهى

وفي معنى سبعة أحرف أقوال منها ما يقوله الزركشى من أنها سبع لغات لسبع قبائل من العرب. أي نزل القرآن بعضه بلغة قريش، وبعضه بلغه هذيل، وبعضه بلغة تميم، وبعضه بلغة أزد وربيعه، وبعضه بلغة هوازن وسعد بن بكر وهكذا .

وقيل:المراد بالحرف في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أنه الوجه من أوجه القراءة وبيان هذه الأحرف قد بينها العلماء في ما يلي:
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، ومن ذلك "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون". فقد قرئ (لأماناتهم).
الثاني: اختلاف وجوه الأفعال من ماض ومضارع وأمر، ومن ذلك قوله تعالى: "فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا" فقد قرئ "ربنا بعِّد".
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، ومن ذلك قوله تعالى: "ولا يضار كاتب ولا شهيد"، فقد قرئت بضم الراء في يضار وبفتحها.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة ومن ذلك قوله تعالى: "وما خلق الذكر والأنثى". فقد قرئ والذكر والأنثى.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير ، ومن ذلك قوله تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق" فقد قرئ وجاءت سكرة الحق بالموت.
السادس: الاختلاف بالإبدال ومن ذلك قوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها". فقد قرئ (ننشرها).
السابع: اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم، والإظهار والإدغام".
ومن ذلك قوله تعالى: "بلى قادرين" فقد قرئ أيضًا بالفتح والإمالة في لفظ بلى.
وهذا الوجه الذي ذكرناه هو ما اخترناه من أربعين قولاً ذكرها السيوطي وغيره.
وهو رأي الرازي وابن قتيبة والقاضي ابن الطيب وابن الجزري لا يختلف رأيهم عنه إلا في أنهم جعلوا الستة الأولى مما ذكرت سبعة ، وتركوا الوجه الأخير.
وهذه الأحرف انتقلت إلينا عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم فقد اشتهر بالإقراء منهم جماعة مثل : أبي وعلي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري .انتهى مختصرًا من كتب علوم القرآن
موقع اسلام سؤال جواب
اسلام اون لاين

ومض 20-12-08 12:15 PM

السلام عليكم

جزاكم الله خير وجاري البحث عن الإجابة

ومض 20-12-08 01:44 PM




بحثت عن الإجابة من مصدرين وإن شاء الله أكون وُفقت ..

المصدر الأول من /
كتاب مباحث علوم القرآن للشيخ مناع القطان .



هناك أكثر من قول : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة
سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، على معنى أنه حيث تختلف لغات العرب
في التعبير عن معنى من المعاني يأتي القرآن منزلا بألفاظ
على قدر هذه اللغات لهذا المعنة الواحد وحيث لا يكون هناك اختلاف
فإنه يأتي بلفظ واحد أو أكثر .

واختلفوا في تحديد اللغات السبع .

فقيل هي لغات قريش ، وهذيل ، وثقيف وهوازن وكنانه وتميم واليمن .

والقول الثاني : قال قوم أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن على معنى أنه في جملته لا يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم فأكثره بلغة قريش ....

وهذا الرأي يختلف عن سابقة لأنه يعني أن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني .

وقال أبو عبيد : ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه .....

والقول الثالث : أن المراد بها أوجه سبعة : من الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والمثل . أو من الأمر والنهي والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال .

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد ، وعلى حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زجر ، وأمر وحلال ومحكم ومتشابه وأمثال ".


....


المصدر الثاني من كتاب
كتاب الإتقان في علوم القرآن من موقع نداء الإيمان
http://www.al-eman.com/Islamlib/view...?BID=156&CID=6




المسألة الثالثة‏:‏ في الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها‏.‏


قلت‏:‏ ورد حديث نزل القرآن على سبة أحرف من رواية جمع من الصحابة‏:‏ أبيّ بن كعب وأنس وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسلمان ابن صرد وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمروبن أبي سلمة وعمروبن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبي بكرة وأبي جهم وأبي سعيد الخدري وأبي طلحة الأنصاري وأبي هريرة وأبي أيوب فهؤلاء أحد وعشرون صحابياً وقد نص أبو عبيد على تواتره‏.‏

وأخرج أبويعلى في مسنده أن عثمان قال على المنبر‏:‏ أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصدوا فشهدوا بذلك فقال‏:‏ وأنا أشهد معهم وسأسوق من رواتهم ما يحتاج إليه‏.‏

فأقول‏:‏ اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً‏.‏

أحدها‏:‏ أنه من المشكل الذي لا يدري معناه
لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى
وعلى الجهة قال ابن سعدان النحوي‏.‏

الثاني‏:‏ أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد
بل المراد التيسير والتسهيل والسعة ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد
كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في المئين
ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه‏.‏

ويرده ما في حديث ابن عباس في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف وفي حديث أبيّ عند مسلم إن ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف‏.‏

وفي لفظ عنه عند النسائي إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل‏:‏ اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل‏:‏ استزده حتى بلغ سبعة أحرف‏.‏

وفي حديث أبي بكرة اقرأه فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة فهذا يدل على إرادة حقيقية‏.‏

العدد وانحصاره‏.‏

الثالث‏:‏ أن المراد بها سبع قراءات وتعقب بأنه لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا القليل مثل‏:‏ ‏{‏عبد الطاغوت‏}‏ و‏{‏لا تقل لهما أف‏}‏ وأجيب بأن المراد أن كل كلمة تقرأ بوجه أووجهين أوثلاثة أوأكثر إلى سبعة‏.‏
ويشكل على هذا أن في الكلمات ما قرئ على أكثر وهذا يصلح أن يكون قولاً رابعاً‏.‏

الخامس‏:‏ أن المراد بها الأوجه التي يقع بها التغاير ذكره ابن قتيبة قال‏:‏ فأولها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته
مثل‏:‏ ولا يضار كاتب بالفتح والرفع
وثانيهما‏:‏ ما يتغير بالفعل مثل بعد وباعد بلفظ الطلب والماضي
وثالثها‏:‏ ما يتغير باللفظ مثل ننشرها ورابعها‏:‏ ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج
مثل طلح منضود وطلع
وخامسها‏:‏ ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق
وسكرة الحق بالموت
وسادسها‏:‏ ما يتغير بزيادة أونقصان مثل الذكر والأنثى ‏{‏وما خلق الذكر والأنثى‏}‏ وسابعها‏:‏ ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل كالعهن المنقوش وكالصوف المنفوش‏.‏

وتعقب هذا قاسم بن ثابت بأن الرخصة وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها‏.‏

وأجيب بأنه لا يلزم من ذلك توهين ما قاله ابن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقاً وإنما اطلع عليه بالاستقراء‏.‏

وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح‏:‏ الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف‏.‏

الأول‏:‏ اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث‏.‏

والثاني‏:‏ اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر‏.‏

الثالث‏:‏ وجوه الإعراب‏.‏

الرابع‏:‏ النقص والزيادة‏.‏

الخامس‏:‏ التقديم والتأخير‏.‏

السادس‏:‏ الإبدال‏.‏

السابع‏:‏ اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحوذلك وهذا هو القول السادس‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وهذا هو القول السابع‏.‏

وقال ابن الجزري‏:‏ قد تتبع تصحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحوالبخل بأربعة ويحسب بوجهين أومتغير في المعنى فقط نحو فتلقى آدم من ربه كلمات وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحوتبلووتتلو وعكس ذلك نحوالصراط والسراط أوبتغيرهما نحوفامضوا فاسعوا وإما في التقديم والتأخير نحوفيقتلون ويقتلون أوفي الزيادة والنقصان نحوأوصى ووصى فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها‏.‏

قال‏:‏ وأما نحواختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمال والتخفيف والتسهيل والنقل والإبدال فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع في اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظاً واحداً انتهى‏.‏

وهذا هو القول الثامن‏.‏

قلت‏:‏ ومن أمثلة التقديم والتأخير قراءة الجمهور و ‏{‏كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار‏}‏ وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر‏.‏

التاسع‏:‏ أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعالى وعلم وعجل وأسرع وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة أن جبريل قال‏:‏ يا محمد اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل‏:‏ استزده حتى بلغ سبعة أحرف قال‏:‏ كل شاف كاف ما لم تخلط آية عذاب برحمة أورحمة بعذاب نحوقولك تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل هذا اللفظ رواية أحمد وإسناده جيد‏.‏

وأخرج أحمد والطبراني أيضاً عن ابن مسعود نحوه‏.‏

وعند أبي داود عن أبيّ قلت‏:‏ سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً ما لم تخلط آية عذاب برحمة أورحمة بعذاب‏.‏

وعند أحمد من حديث أبي هريرة أنزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً وعنده أيضاً من حديث عمر بأن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذاباً وعذاباً مغفرة أسانيدها جياد‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا يكون في شيء منها معنى وضده ولا وجه يخالف معنى وجه خلافاً ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده‏.‏

ثم أسند عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ‏:‏ كلما أضاءوا لهم مشوا فيه مروا فيه سمعوا فيه‏.‏

وكان ابن مسعود يقرأ‏:‏ للذين آمنوا انظرونا أمهلونا أخرونا‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون‏.‏

وفي فضائل أبي عبيد من طريق عون بن عبد الله أن ابن مسعود اقرأ رجلاً‏:‏ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال الرجل‏:‏ طعام اليتيم فردها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال‏:‏ أتستطيع أن تقول طعام الفاجر قال نعم قال‏:‏ ما فعل‏.‏

القول العاشر‏:أن المراد سبع لغات وإلى هذا ذهب أبو عبيد وثعلب والزهري وآخرون واختاره ابن عطية وصححه البيهقي في الشعب‏.‏

وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة‏.‏

وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من الهوازن‏.‏

قال‏:‏ والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن‏.‏

ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أفصح العرب علياً هوازن وسفلي تميم‏:‏ يعني بني دارم‏.‏

وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن بلغة الكعبين‏:‏
كعب قريش وكعب خزاعة قيل‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ لأن الدار واحدة‏:‏
يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم‏.‏

وقال أبوحاتم السجستاني‏:‏ نزل بلغة قريش وهزيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر

واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال‏:‏ لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش ورده بقوله تعالى ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‏}‏
فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم‏.‏

قال‏:‏ وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيباً‏.‏

وقيل‏:‏ نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر‏:‏ نزل القرآن بلغة مضر‏.‏

وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل
وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش
فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات‏.‏

ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال‏:‏ أنزل القرآن أولاً بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها عن اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحداً منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد‏.‏

وزاد غيره أن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي بأن يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته بل المرعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

واستشكل بعضهم هذا بأنه يلزم عليه أن جبريل كان يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات‏.‏

وأجيب بأنه يلزم هذا لواجتمعت الأحرف السبعة في لفظ واحد ونحن قلنا‏:‏ كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت سبعة وبعد هذا كله رد القول بأن عمر بن الخطاب وهشام ابن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات‏.‏

القول الحادي عشر‏:‏ أن المراد سبعة أصناف والأحاديث السابقة ترده والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال‏.‏

واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال كان الكتاب الأول ينزل من باب وواحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب عن سبعة أحرف‏:‏ زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال الحديث‏.‏

وقد أجاب عنه قوم بأنه ليس المراد بالأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل في ظاهره في أن المراد أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيراً وتهويناً والشيء الواحد لا يكون حلالاً حراماً في آية واحدة‏.‏

قال البيهقي‏:‏ المراد بالسبعة الأحرف هنا‏:‏ الأنواع التي نزل عليها والمراد بها في تلك الأحاديث

اللغات التي يقرأ بها‏.‏


وقال غيره‏:‏ من أول السبعة الأحرف بهذا فهو فاسد لأنه محال أن يكون الحرف منها حراماً لا ما سواه وحلالاً ما سواه ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أوحرام كله أو أمثال كله‏.‏

وقال ابن عطية‏:‏ هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال
ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ هذا القول خطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام‏.‏

وقال أبو علي الأهوازي أبو العلاء والهمذاني‏:‏ قوله في الحديث زاجر وأمر إلى الخ استئناف كلام آخر‏:‏ أي هو زاجر‏:‏ أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من جهة الاتفاق في العدد‏.‏

ويؤيده أن في بعض طرقه زجراً وأمراً بالنصب‏:‏ أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة

وقال أبو شامة‏:‏ يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف‏:‏ أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه‏:‏ أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب‏.‏

وقيل المراد بها المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وأقسامه حكاه شيدلة عن الفقهاء‏.‏

وهذا هو القول الثاني عشر‏.‏

وقيل المراد بها الحذف والصلة والتقديم والتأخير والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب حكاه عن أهل اللغة‏.‏

وهذا هو القول الثلاث عشر‏.‏

وقيل المراد بها التذكير والتأنيث والشرط والجزاء والتصريف والإعراب والأقسام وجوابها والجمع والإفراد والتصغير والتعظيم واختلاف الأدوات حكاه عن النحاة‏.‏

وهذا هو الرابع عشر‏.‏

وقيل المراد بها سبعة أنواع من المعاملات‏:‏ الزهد والقناعة مع اليقين والجزم والخدمة مع الحياء والكرم والفتوة مع الفقر والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة حكاه عن الصوفية‏.‏

وهذا هو الخامس عشر‏.‏

القول السادس عشر‏:‏ أن المراد بها سبعة علوم‏:‏ علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه وعلم صفات الذات وعلم صفات الفعل وعلم جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع الكثير‏.‏

الثامن‏:‏ أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه‏.‏

وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلاً أتى أبا الدرداء فقال‏:‏ إن ابني جمع القرآن فقال‏:‏ الهم غفراً إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير‏.‏

قال‏:‏ وقد ظهر لي احتمال آخر وهوأن المراد بإثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال‏:‏ افتخر الحيان الأوس والخزرج

فقال الأوس‏:‏ منا أربعة‏:‏ من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن أبي ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت‏:‏ أي ابن أبي الأفلح فقال الخزرج‏:‏ منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم‏.‏

قال‏:‏ والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أنه بنى مسجداً بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن‏.‏

وهومحمول على ما كان نزل منه إذ ذاك‏.‏

قال‏:‏ وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة‏:‏ إنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشياً‏.‏

وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه صلى الله عليه وسلم في مرضه إماماً للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم اه‏.‏

وسبقه إلى نحوذلك ابن كثير‏.‏

قلت‏:‏ لكن أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال‏:‏ مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن‏.‏

قال ابن أشتة‏:‏ قال بعضهم‏:‏ يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظاً‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو جمع المصاحف‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ وقد ورد عن عليّ أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
أخرجه ابن أبي داود‏.‏

وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر وقال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ اقرأه في شهر الحديث‏.‏

وأخرج ابن أبي داود بسند حسن بن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار‏:‏ معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبيّ بن كعب وأبوالدرداء وأبوأيوب الأنصاري‏.‏

وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال‏:‏ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم‏:‏ معاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبوزيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة‏:‏ أبي الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الداري‏.‏

وأخرج هووابن أبي داود عن الشعبي قال‏:‏ جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة‏:‏ أبيّ ومعاذ وأبوالدرداء وسعيد بن عبيد وأبوزيد ومجمع بن جارية وقد أخذه إلا سورتين أوثلاثة‏.‏

وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات‏:‏ القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعد تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحداً وإن اختلف اللفظ فيها‏.‏

الثلاثون أمهات الهجاء الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب‏.‏

الحادي والثلاثون‏:‏ أنها في أسماء الرب مثل الغفور الرحيم السميع البصير العليم الحكيم‏.‏

الثاني والثلاثون‏:‏ هي آية في صفات الذات وآية تفسيرها في آية أخرى وآية بيانها في السنة الصحيحة وآية في قصة الأنبياء والرسل وآية في خلق الأشياء وآية في وصف الجنة وآية في وصف النار‏.‏

الثالث والثلاثون‏:‏ في وصف الصانع وآية في إثبات الوحدانية له وآية في إثبات صفاته‏:‏ وآية في إثبات رسله وآية في إثبات كتبه وآية في إثبات الإسلام وآية في نفي الكفر‏.‏

الرابع والثلاثون‏:‏ سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف‏.‏

الخامس والثلاثون‏:‏ الإيمان بالله ومجانبة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله‏.‏

قال ابن حبان‏:‏ فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها‏.‏

وقال المرسي‏:‏ هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر مع أن كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصص‏.‏

ومنها الأشياء لا أفهم معناها على الحقيقة وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم الذي في الصحيح فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفا في قراءة حروفه وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة وهوجهل قبيح‏.‏

تنبيه اختلف هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة>

فذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى غير ذلك وبنوا عليه أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء منها وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك‏.‏

وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنة لها لم تترك حرفاً منها‏.‏


قال ابن الجزري‏:‏ وهذا هو الذي يظهر صوابه‏.‏

ويجاب عن الأول بما ذكره ابن جرير أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة وإنما كان جائزاً لهم ومرخصاً لهم فيه فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك إجماعاً شائعاً وهم معصومون من الضلالة ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام ولاشك أن القرآن نسخ منه العرضة الأخيرة بالفعل المبني للمجهول فاتفق رأي الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا أنه قرآن مستقر في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك‏.‏

وأخرج ابن أشتة في المصاحف وابن أبي شيبة في فضائله من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال‏:‏ القراءة التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرؤها الناس اليوم‏.‏

وأخرج ابن أشتة عن ابن سيرين قال‏:‏ كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة في شهر رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين قيكون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة‏.‏

وقال البغوي في شرح السنة‏:‏ يقال إن زيد ابن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نسخ وما بقي وكتبها الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه وكان يقرئ الناس بها حتى مات ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر وجمعه وولاه عثمان كتب المصاحف‏.‏

[/COLOR]


[/COLOR][/CENTER]

هـــاجــر 21-12-08 05:02 PM

بحثت في مجالات عده منها الانتر نت... وكتاب علوم القرآن لالشيخ مناع القطان ...
:
واخترت هذه الإجابه من الشبكة العنكبوتيه ... واسأل الله ان اكون وفقة...
وقد نقلها صاحبها من كتابات وكلام اهل الخير التماسا للثواب والاجر

...............

ليس المراد بالقراءات السبع أو العشر الأحرف السبعة التي ورد عن النبي أن القرآن أنزل عليها، وإنما المراد بها القراءات المنقولة عن الأئمة السبعة المعروفين عند القراء، وهي داخلة في الأحرف السبعة المذكورة، ولم تكن القراءات السبع متميزة من غيرها، حتى قام الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، وكان على رأس الثلاث المائة ببغداد، فجمع قراءات سبعة من مشهوري أئمة الحرمين والعراقين والشام، وهم نافع، وعبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وعبدالله بن عامر، وعاصم، وحمزة، وعلي الكسائي.

وقد توهم بعض الناس أن قراءات السبعة هي الأحرف السبعة، وليس الأمر كذلك، والذي أوقع هؤلاء في هذه الشبهة أنهم سمعوا أن القرآن انزل على سبعة أحرف، وسمعوا قراءات السبعة، فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها، وقد لام كثير من العلماء المتقدمين ابن مجاهد على اختياره عدد السبعة، لما فيه من الإيهام، وقالوا: ألا اقتصر على ما دون هذا العدد أو زاد عليه؟ أو بين مراده منه، ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة.

قال أحمد بن عمار المهدوي: لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له، وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره: أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر. وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة، ووقع له أيضا في اقتصاره من رواة كل إمام على راويين: أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها، وقد تكون أشهر وأصح وأظهر، وربما بالغ من لا يفهم فكفر وخطأ.

وقال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد القراب في "الشافي": التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم، ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، لم يكن قرأ بأكثر من السبع، فصنف كتابا وسماه كتاب السبعة، فانتشر ذلك في العامة، وتوهموا أنه لا تجوز الزيادة على ما ذكر في ذلك الكتاب، لاشتهار ذكر مصنفه، وقد صنف غيره كتبا في القراءات بعده، وذكر لكل إمام من هؤلاء الأئمة روايات كثيرة وأنواعا من الاختلاف، ولم يقل أحد أنه: لا تجوز القراءة بتلك الروايات من أجل أنها غير مذكورة في كتاب ذلك المصنف، ولو كانت القراءة محصورة بسبع روايات لسبعة من القراء، لوجب أن لا تؤخذ عن كل واحد منهم إلا رواية واحدة، وهذا لا قائل به.

وقال الإمام أبو محمد مكي: قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة واطَّرَحَهم، قد ترك أبو حاتم وغيره ذكر حمزة والكسائي وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة. وكذلك زاد الطبري في "كتاب القراءات" له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا، وكذلك فعل أبو عبيد وإسماعيل القاضي، فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها؟! هذا تخلف عظيم! أكان ذلك بنص من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أم كيف ذلك؟ وكيف يكون ذلك والكسائي إنما لحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون وغيره، وكان السابع يعقوب الحضرمي، فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاث مائة ونحوها الكسائي في موضع يعقوب.

وقد نسب بعض الناس إلى ابن مجاهد أنه كان يتوهم أن هذه القراءات السبع هي الأحرف السبعة المذكورة في الحديث، وهو خطأ. والغريب في ذلك الإقدام على نسبة مثل هذا الوهم إلى مثل هذا الإمام، وقد بالغ صاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم في الرد على من نسب إليه ذلك.

أما نزول القرآن على سبعة أحرف وما يتعلق بذلك فقد أخرج البخاري مسلم عن ابن عباس أنه قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)"، زاد مسلم: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة إنما هي الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
وأخرجا أيضا عن عمر بن الخطاب أنه قال: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ الفرقان في حياة رسول الله ، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ، فكدت أساوره في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ فقال: أقرأنيها رسول الله ، فقلت: كذبت، فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها، فقال رسول الله: (اقرأ يا هشام)، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله: (كذلك أُنزلت)، ثم قال: (اقرأ يا عمر)، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله: (كذلك أُنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منها).
والأقوال في هذه الأحرف السبعة كثيرة، وغالبها بعيد عن الصواب، وكأن القائلين بذلك ذهلوا عن مورد حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف، فقالوا ما قالوا، وقال الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي:اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا، فذكرها، ونحن نذكر منها أربعة عشر قولا:
الأول: زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال.
الثاني: وعد, ووعيد، وحلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، واحتجاج.
الثالث: محكم، ومتشابه، وناسخ، ومنسوخ، وخصوص، وعموم، وقصص.
الرابع: سبع جهات لا يتعداها الكلام: لفظ خاص أريد به الخاص، ولفظ عام أريد به العام، ولفظ عام أريد به الخاص، ولفظ خاص أريد به العام، ولفظ يستغني بتنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون في العلم.
الخامس: إظهار الربوبية، وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية، والتعبد لله، ومجانبة الإشراك، والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب.
السادس: سبع لغات منها خمس في هوازن، واثنتان لسائر العرب.
السابع: سبع لغات متفرقة لجميع العرب، كل حرف منها لقبيلة مشهورة.
الثامن: سبع لغات: لغة قريش، ولغة لليمن، ولغة لجُرهم، ولغة لهوازن، ولغة لقضاعة، ولغة لتميم، ولغة لطيء.
التاسع: لغة الكعبين:كعب بن عمر، وكعب بن لؤي، ولهما سبع لغات.
العاشر: اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى واحد، مثل هلم وهات، وتعال وأقبل.
الحادي عشر: همزٌ، وإمالة، وفتح، وكسر، وتفخيم، ومد، وقصر.
الثاني عشر: أنها في أسماء الرب، مثل الغفور الرحيم، السميع البصير، العليم الحكيم.
الثالث عشر: هي آية في صفات الذات، وآية تفسيرها في آية أخرى، وآية بيانها في السنة الصحيحة، وآية في قصص الأنباء والرسل، وآية في خلق الأشياء، وآية في وصف الجنة، وآية في وصف النار.
الرابع عشر: أنها آية في إثبات الصانع، وآية في إثبات وحدانيته، وآية في إثبات صفاته، وآية في إثبات رسله، وآية في إثبات كتبه، وآية في إثبات الإسلام، وآية في إبطال الكفر.
وقد أوردها الحافظ جلال الدين السيوطي بأسرها في "الإتقان" ثم قال: قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا، وكلها محتملة، ويحتمل غيرها، وقال الشرف المرسي: هذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أنها كلها موجودة في القرآن، فلا أدري معنى التخصيص، ومنها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم الذي في الصحيح، فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه، وإنما اختلفا في قراءة حروفه، وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبع، وهو جهل قبيح. أهـ

وقال أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي: هذا الحديث من المشكل الذي لا يدرى معناه، لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء، وعلى الكلمة، وعلى المعنى، وعلى الجهة، ونحا نحوه الحافظ السيوطي في "حاشيته" على "سنن النسائي"، حيث قال بعد ذكره لحديث : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف: في المراد به أكثر من ثلاثين قولا، حكيتها في "الإتقان"، والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدرى تأويله.أهـ

وقد أفاض في بيان معناه كثير من الفقهاء والقراء وأهل التفسير والحديث والكلام وغيرهم، حتى إن بعضهم أفرده بالتصنيف، منهم العلامة عبدالرحمن المعروف بأبي شامة، وهو جدير بذلك.

وحاصل ما ذهب إليه العلماء أن معنى قوله أن معنى قوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي أُنزل موسعاً على القارئ أن يقرأه على سبعة أوجه، أي يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه، كأنه قال: أنزل على هذا الشرط أو على هذه التوسعة، وذلك لتسهيل قراءته، إذ لو أُخذوا بأن يقرؤوه على حرف واحد لشق عليهم كما تقدم"، انتهى ملخصاً من التبيان للشيخ طاهر الجزائري.

قال ابن الجزري"ولا زلت استشكل هذا الحديث وافكر فيه وامعن النظر فيه نيف وثلاثين سنه
حتي فتح الله علي بما يمكن ان يكون صوابا ان شاء الله تعالي
وذلك اني تتبعت القراءات كلها صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فاذا اختلافها يرجع الي سبعة اوجه لا يخرج عنها وهي:
1-ان يكون الاختلاف في الحركات بلا تغير في المعني والصوره نحو (يحسب) بفتح السين وكسرها
2-ان يكون بتغير في المعني فقط دون التغير في الصوره نحو (فتلقي ادم من ربه كلمات) علي ما فيها من قراءات
3-ان يكون في الحروف مع التغير في المعني لا الصوره نحو (تبلوا , تتلوا)
4-ان يكون في الحروف مع التغير في الصوره لا المعني نحو (الصراط , السراط)
5-ان يكون في الحروف والصوره نحو( يأتل , يتأل ) 6ان يكون في التقديم والتأخير نحو (فيقتلون ويقتلون) علي ما فيها من قراءات
7-ان تكون في الزياده والنقصان نحو (واوصي,ووصي)
هذه الاوجه السبعه لا يخرج الاختلاف عنها بحال
وجزاكم الله خيرا

http://www.soutalhaq.net/forum/showthread.php?p=105996

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

وأسال الله دوام التوفيق ... جزاكم الله خير

ام فيصل وبسنت 22-12-08 05:10 PM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيكم وسوف اقوم بالبحث عن السؤال وعندما اصل للاجابه سوف اوافيكم بها

نفع الله بكم وجزاكم خيرا

التمسوا لنا عذرا النت سيئ للغايه فلو تأخرنا سامحونا

عزيزة ام لينة 22-12-08 08:33 PM

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله.

اختلاف الأقوال في نزول القرآن على سبعة أحرف
556 - وسأسوق من رواتهم ما يحتاج إليه فأقول اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولا
أحدها أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة قاله ابن سعدان النحوي
557 - الثاني أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل والسعة ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه ويرده ما في حديث ابن عباس في الصحيحين أن رسول الله قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف وفي حديث أبي عند مسلم إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف
558 - وفي لفظ عنه عند النسائي إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده . . . حتى بلغ سبعة أحرف
559 - وفي حديث أبي بكرة عنده اقرأه فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة فهذا يدل على إرادة حقيقة العدد وانحصاره
560 - الثالث أن المراد بها سبع قراءات وتعقب بأنه لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلى القليل مثل وعبد الطاغوت و فلا تقل لهما أف
(1/130)
________________________________________
561 - الرابع وأجيب بأن المراد أن كل كلمة تقرأ بوجه أو وجهين أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة ويشكل على هذا أن في الكلمات ما قرئ على أكثر وهذا يصلح أن يكون قولا رابعا
562 - الخامس أن المراد بها الأوجه التي يقع فيها التغاير ذكره ابن قتيبة قال فأولها ما يتغير حركته ولا يزول معناه وصورته مثل ولا يضار كاتب بالفتح والرفع وثانيها ما يتغير بالفعل مثل باعد و باعد بلفظ الماضي والطلب وثالثها ما يتغير بالنقط مثل ننشزها و ننشرها ورابعها ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل طلح منضود وطلع وخامسها ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق وسكرة الحق بالموت وسادسها ما يتغير بزيادة أو نقصان مثل وما خلق الذكر والأنثى والذكر والأنثى وسابعها ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل كالعهن المنفوش وكالصوف المنفوش وتعقب هذا قاسم بن ثابت بأن الرخصة وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها وأجيب بأنه لا يلزم من ذلك توهين ما قاله ابن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وإنما اطلع عليه بالاستقراء
563 - السادس وقال أبو الفضل الرازي في اللوامح الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف الأول اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث الثاني اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الإعراب الرابع النقص والزيادة الخامس التقديم والتأخير السادس الإبدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك وهذا هو القول السادس
(1/131)
________________________________________
564 - السابع وقال بعضهم المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وهذا هو القول السابع
565 - الثامن وقال ابن الجزري قد تتبعت صحيح القراءة وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو بالبخل بأربعة ويحسب بوجهين أو متغير في المعنى فقط نحو فتلقى آدم من ربه كلمات وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو تبلو و تتلو أو عكس ذلك نحو الصراط و السراط أو بتغيرهما نحو وامضوا واسعوا وإما في التقديم والتأخير نحو فيقتلون ويقتلون أو في الزيادة والنقصان نحو وصى و أوصى فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها قال وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتحقيق والتسهيل والنقل والإبدال فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا انتهى وهذا هو القول الثامن ومن أمثلة التقديم والتأخير قراءة الجمهور كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر
566 - التاسع أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة أن جبريل قال يا محمد اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده . . . حتى بلغ سبعة أحرف قال كل شاف كاف ما لم تختم آية
(1/132)
________________________________________
عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو قولك تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل هذا اللفظ رواية أحمد وإسناده جيد وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه وعند أبي داود عن أبي قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب
567 - وعند أحمد من حديث أبي هريرة أنزل القرآن على سبعة آحرف عليما حكيما غفورا رحيما وعنده أيضا من حديث عمر أن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة أسانيدها جياد
568 - قال ابن عبد البر إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها إنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا يكون في شيء منها معنى وضده ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ثم أسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كلما أضاء لهم مشوا فيه مروا فيه سعوا فيه وكان ابن مسعود يقرأ للذين آمنوا انظرونا أمهلونا أخرونا
569 - قال الطحاوي وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون
570 - وفي فضائل أبي عبيد من طريق عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال الرجل طعام اليتيم فردها فلم يستقم بها لسانه فقال أتسطيع أن تقول طعام الفاجر قال نعم قال فافعل
571 - القول العاشر إن المراد سبع لغات وإلى هذا ذهب أبو عبيد وثعلب والأزهري وآخرون واختاره ابن عطية وصححه البيهقي في الشعب وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم
(1/133)
________________________________________
572 - وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبيين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك قال لأن الدار واحدة يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم
573 - وقال أبو حاتم السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش واحتج بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي
574 - وقال أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم قال وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر نصيبا
575 - وقيل نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر نزل القرآن بلغة مضر وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات
756 - ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد
577 - وزاد غيره أن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي بأن يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته بل المرعي في ذلك السماع من النبي
578 - واستشكل بعضهم هذا بأنه يلزم عليه أن جبريل كان يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات
وأجيب بأنه إنما يلزم هذا لو اجتمعت الأحرف السبعة في لفظ واحد ونحن قلنا كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت سبعة وبعد هذا كله رد
(1/134)
________________________________________
هذا القول بأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات
579 - القول الحادي عشر أن المراد سبعة أصناف والأحاديث السابقة ترده والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال . . . الحديث
580 - وقد أجاب عنه قوم بأنه ليس المراد بالأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيرا وتهوينا والشيء الواحد لا يكون حلالا وحراما في آية واحدة
581 - قال البيهقي المراد بالسبعة الأحرف هنا الأنواع التي نزل عليها والمراد بها في تلك الأحاديث اللغات التي يقرأ بها وقال غيره من أول الأحرف السبعة بهذا فهو فاسد لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو حلالا لا ما سواه ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أو حرام كله أو أمثال كله
582 - وقال ابن عطية هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة
583 - وقال الماوردي هذا القول خطأ لأنه أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام
584 - وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمذاني قوله في الحديث زاجر وآمر الخ استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أن في بعض طرقه زجرا وأمرا بالنصب أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة
(1/135)
________________________________________
585 - وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب
586 - الثاني عشر وقيل المراد بها المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وأقسامه حكاه شيذلة عن الفقهاء وهذا هو القول الثاني عشر
587 - الثالث عشر وقيل المراد بها الحذف والصلة والتقديم والتأخير والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب حكاه عن أهل اللغة وهذا هو القول الثالث عشر
588 - الرابع عشر وقيل المراد بها التذكير والتأنيث والشرط والجزاء والتصريف والإعراب والأقسام وجوابها والجمع والإفراد والتصغير والتعظيم واختلاف الأدوات حكاه عن النحاة وهذا هو الرابع عشر
589 - الخامس عشر وقيل المراد بها سبعة أنواع من المعاملات الزهد والقناعة مع اليقين والجزم والخدمة مع الحياء والكرم والفتوة مع الفقر والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة حكاه عن الصوفية وهذا هو الخامس عشر
590 - القول السادس عشر إن المراد بها سبعة علوم علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه وعلم صفات الذات وعلم صفات الفعل وعلم العفو والعذاب وعلم الحشر والحساب وعلم النبوات
591 - وقال ابن حجر ذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه
592 - قلت قد حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره عنه بواسطة الشرف المزني المرسي فقال قال ابن حبان اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا
(1/136)
________________________________________
فمنهم من قال هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال
الثاني حلال وحرام وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعد وأمثال
الثالث وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج
الرابع أمر ونهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال
الخامس محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص
السادس أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل
السابع أمر ونهي وحد وعلم وسر وظهر وبطن
الثامن ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار
التاسع حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات
العاشر أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص
الحادي عشر حلال وحرام وأمثال ومنصوص وقصص وإباحات
الثاني عشر ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال
الثالث عشر أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار
الرابع عشر مقدم ومؤخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال
الخامس عشر مفسر ومجمل ومقضي وندب وحتم وأمثال
السادس عشر أمر حتم وأمر ندب ونهي حتم ونهي ندب وأخبار وإباحات
السابع عشر أمر فرض ونهي حتم وأمر ندب ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص
الثامن عشر سبع جهات لا يتعداها الكلام لفظ خاص أريد به الخاص ولفظ عام أريد به العام ولفظ عام أريد به الخاص ولفظ خاص أريد به العام ولفظ ييستغنى بتنزيله عن تأويله ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون
التاسع عشر إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب
(1/137)
________________________________________
العشرون سبع لغات منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب
الحادي والعشرون سبع لغات متفرقة لجميع العرب كل حرف منها لقبيلة مشهورة
الثاني والعشرون سبع لغات أربع لعجز هوازن سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثلاث لقريش
الثالث والعشرون سبع لغات لغة قريش ولغة لليمن ولغة لجرهم ولغة لهوازن ولغة لقضاعة ولغة لتميم ولغة لطيء
الرابع والعشرون لغة الكعبيين كعب بن عمرو كعب بن لؤي ولهما سبع لغات
الخامس والعشرون اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى واحد مثل هلم وهات وتعال وأقبل
السادس والعشرون سبع قراءات لسبعة من الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم
السابع والعشرون همز وإمالة وفتح وكسر وتفخيم ومد وقصر
الثامن والعشرون تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها في شيء واحد
التاسع والعشرون كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف اللفظ فيه
الثلاثون أمهات الهجاء الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب
الحادي والثلاثون أنها في أسماء الرب مثل الغفور الرحيم السميع البصير العليم الحكيم
الثاني والثلاثون هي آية في صفات الذات آية تفسيرها في آية أخرى وآية بيانها في السنة الصحيحة وآية في قصة الأنبياء والرسل وآية في خلق الأشياء وآية في وصف الجنة وآية في وصف النار
(1/138)
________________________________________
الثالث والثلاثون آية في وصف الصانع وآية في إثبات الوحدانية له وآية في إثبات صفاته وآية في إثبات رسله وآية في إثبات كتبه وآية في إثبات الإسلام وآية في نفي الكفر
الرابع والثلاثون سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف
الخامس والثلاثون الإيمان بالله ومباينة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله
593 - قال ابن حبان فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا وكلها محتملة وتحتمل غيرها
594 - وقال المرسي هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر مع أن كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصيص وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه إنما اختلفا في قراءة حروفه وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح
تنبيه
595 - اختلف هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة فذهب جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى ذلك وبنوا عليه أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء منها وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك
596 - وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أنها مشتملة على ما يحتمل رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي على جبريل متضمنة لها لم تترك حرفا منها
597 - قال ابن الجزري وهذا هو الذي يظهر صوابه
598 - ويجاب عن الأول بما ذكره ابن جرير أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة وإنما كان جائزا لهم ومرخصا لهم فيه فلما رأى
(1/139)
________________________________________
الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك اجتماعا شائعا وهم معصومون من الضلالة ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام ولا شك أن القرآن نسخ منه في العرضة الأخيرة وغير فاتفق الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا أنه قرآن مستقر في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك
599 - أخرج ابن أشته في المصاحف وابن أبي شيبة في فضائله من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال القراءة التي عرضت على النبي في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرؤها الناس اليوم
600 - وأخرج ابن أشته عن ابن سيرين قال كان جبريل يعارض النبي كل سنة في شهر رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة
601 - وقال البغوي في شرح السنة يقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نسخ وما بقي وكتبها لرسول الله وقرأها عليه وكان يقرئ الناس بها حتى مات ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه وولاه عثمان كتب المصاحف

عزيزة ام لينة 22-12-08 08:38 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب : الإتقان في علوم القرآن
المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن السيوطي
دار النشر : دار الفكر - لبنان - 1416هـ- 1996م
الطبعة : الأولى
عدد الأجزاء / 2
تحقيق : سعيد المندوب

عزيزة ام لينة 25-12-08 10:24 AM

الفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبع
يجمع العلماء على أنه من الخطأ القول بأن الحرف السبعة هي القراءات السبع. يقول أبو شامة في كتابه: "المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالقرآن العزيز" ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث ? وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة ? وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل
ويقول مكي: "من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع ? وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما"
ويمكننا تأصيل الفوارق الأساسية بين الأحرف السبعة والقراءات السبع فيما يلي:
أولا - الأحرف السبعة قرآن ? وهي نزل من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز منقولة إلينا بالتواتر متعبد بتلاوتها جميعها.
في حين أن القراءات السبع هي اختلاف لفظ الحروف أي اختلاف لفظ الوحي المذكور في الحروف أي اختلاف في كيفية النطق للأحرف السبعة.
والقراءات السبع تعكس اختلاف اللهجات ? وكيفية النطق بالأحرف السبعة أي بالقرآن ? وكيفية أدائها من تخفيف وترقيق ? وتثقيل ? وتشديد ? وإمالة ? وإدغام وإظهار ? ومد ? وقصر ? وإظهار ? وإشباع ? وحركات إعراب... الخ فالقراءات مذاهب أئمة في كيفية أداء القرآن ? أي الأحرف السبعة
وأما الأحرف السبعة فهي قرآن ليعبر عن معنى واحد بألفاظ متعددة تصل أحيانا إلى السبعة فتكون هي الأحرف السبعة. وأحيانا ينزل القرآن بلفظ واحد أو أثنين أو ثلاثة حسب ما يقتضيه اختلاف وتعدد لغات العرب ? ويؤدي المعنى المطلوب. وذلك ضمن ما يحتمله اللفظ أو النص القرآني من وجوه التغاير والاختلاف فيه من إفراد وتثنية وجمع ? وتذكير ? وتأنيث مثل لفظ "لأمنتهم" في قوله تعالى: "والذين هم لأمنتهم وعهدهم راعون" فقد ورد رسمها هكذا في المصحف فهي تحتمل الإفراد مثل أمانتهم ? والجمع مثل أماناتهم ? وذلك لأن رسمها جاء دون ألف فهي لفظان يفيدان معني واحدا فقراءتها بالإفراد يعني الجنس الدال على الكثير وقراءتها بالجمع يعني الاستغراق الدال على الجنسية.
وكذلك يقصد بالأحرف السبعة الاختلاف في وجوه الإعراب مثل قوله تعالى: /4 ما هذا بشرا /4 "وما هذا بشر" بالنصب والرفع.
وكذلك الاختلاف في التصريف في الأفعال والأسماء مثل قوله تعالى: /4 فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا /4
وذلك بنصب ربنا لأنها منادى مضاف ? وتسكين باعد لأنها فعل أمر مبني على السكون أو /4 فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا /4 بضم ربنا لأنها فاعل ? وفتح باعد لأنها فعل ماض مبني على الفتح.
وكذلك الاختلاف في التقديم والتأخير مثل: قوله تعالى: /4 فيقتلون ويقتلون /4 ببناء الفعل الأول للمعلوم ? والثاني للمجهول ? أو "فيقتلون ويقتلون" ببناء الفعل الأول للمجهول والثاني للمعلوم.
وكذلك الاختلاف بالزيادة والنقص مثل قوله تعالى: /4 وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار /4 بنقص من ? "وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" بزيادة من وهما قراءتان متواترتان.
وبالنسبة للقراءات فالاختلافات في معظمها تدور حول:
1- مخارج الحروف: كالترقيق، والتفخيم، والميل إلى المخارج المجاورة، كنطق الصراط بإمالة الصاد إلى الزاي.
2- الأداء: كالمد، والقصر، والوقف، والوصل، والتسكين، والإمالة، والإشمام.
3- الرسم: كالتشديد، والتخفيف مثل: يُغشي يُغشَي. وفُتِحت وفتّحت بتشديد الياء.
4- الأدغام، والإظهار مثل تذكرون وتتذكرون.
5- الهمز ومد الألف مثل: ملك ومالك، ومسجد ومساجد لتحمل الرسم النطقين.
6- التنقيط والحركات النحوية مثل: يفعلون وتفعلون، ويغفر وتغفر، وفتبينوا وتثبتوا، وييأس ويتبين، وأرجلَكم وأرجلِكم.
ثانيا: الأحرف السبعة متواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بينما القراءات السبع متواترة عن الصحابة "رضوان الله عليهم" ومنها المشهور أيضا.
يقول الزركشي في البرهان عن القراءات السبع: "والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد"
وبالنسبة للأحرف السبعة فقد أورد السيوطي في إتقانه أسماء واحد وعشرين صحابيا شهدوا الحديث مما قطع بتواتره عند العلماء ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام.
ثالثاً الأحرف السبعة وردت في السنة النبوية على سبيل الحصر.
بينما القراءات السبع ورد عددها اجتهاداً، وهي ليست على سبيل الحصر - فهناك القراءات العشر، وهناك القراءات الأربع عشرة، وكل قراءة يتحقق فيها ضوابط الصحة الثلاث. فالنسبة للأحرف السبعة وردت بها الأحاديث النبوية حصراً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"
وقد أورد ابن جرير الطبري أحاديث كثيرة عن نزول القرآن على سبعة أحرف.
أما بالنسبة لعدد القراءات السبع فلم ترد به السنة النبوية، وتوافقه مع عدد الأحرف السبع إنما جاء مصادفة، وليس تحقيقا، وعليه فكل قراءة غير السبع تحقق فيها ضوابط الصحة الثلاث تعتبر صحيحة ويعتد بها، قال ابن الجزري في أول كتابة "النشر في القراءات العشر": كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها سواء أكانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ويقول القراب في "الشاطي": "التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين".

عزيزة ام لينة 25-12-08 10:28 AM

اتمنى ان اكون وفيت في البحث شيخي القدير عن السؤال المطلوب والله اعلم

أم جهاد وأحمد 01-01-09 10:50 PM

الأحرف السبعة
وردت الأحرف السبعة في الحديث المتفق عليه، ولفظه في البخاري : (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه )، غير أن المقصود من الأحرف السبعة تحديدًا اختلف فيه العلماء وأشكل على كثير منهم، حتى أن ابن الجزري قال: ¸ولازلت استشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيفٍ وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا•. والتبس الأمر على بعضهم حتى ظنوا أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. فما المراد بالأحرف السبعة؟ وما علاقتها بالقراءات السبع؟

المراد بالأحرف السبعة، اختلف فيه العلماء ـ كما أسلفنا ـ على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة نحو ¸أف ـ جبريل ـ أرْجه ـ وهيهات•.

فقال بعضهم: سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وهكذا، ورُدَّ هذا القول باختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهما قرشيان من قبيلة واحدة ولغتهما واحدة.

وقال بعضهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار إلى غير ذلك من الأمور. ورُدّ هذا القول بأن الاختلاف بين الصحابة لم يكن في فهم الحلال والحرام، وإنما في أداء القراءة.

وقال ابن قتيبة: هي أوجه سبعة يقع بها التغاير وهي: ـ
1- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتها ولايغيّر معناها. نحو: (هُنَّ أطْهرُ لكم ـ وأطْهرَ لكُم) (فنظِرةٌ إلى مَيْسَرةٍ ـ وإلى مَيْسُرَة).
2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها. نحو: (ربَّنا باعِدْ بَينَ أسْفارنا ـ وربُّنا بَاعَدَ بين أسفارنا).
3- أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها (كيف ننشرها ـ كيف ننشزها).
4- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها (كالعهن المنفوش ـ كالصوف المنفوش).
5- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها ومعناها (وطلح منضود ـ وطلع منضود).
6- أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير (وجاءت سكرة الموت بالحق ـ وجاءت سكرة الحق بالموت).
7 ـ أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ﴿إن الله هو الغني الحميد ـ إن الله الغني الحميد﴾ لقمان:26. ﴿جنات تجري تحتها الأنهار ـ جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ التوبة : 100.

وقريب من قول ابن قتيبة قول الرازي. وهما قولان يقومان على الاستقراء والاستنتاج دون دليل شرعي. وهما وما قبلهما من الأقوال لا تتضح فيهما الحكمة من الأحرف السبعة التي ذكرها رسول الله ³ في بعض ألفاظ الحديث: من التسهيل والتيسير على الأمة من شيخ كبير وصبيّ صغير لا يطيقون الاكتفاء بحرف واحد.

ومهما اختلف العلماء في تحديد المقصود من الأحرف السبعة، فهناك إجماع منهم دون شك على أن القرآن الذي بين أيدينا لا نقص فيه ولا زيادة على ما تركه لنا رسول الله ³، وجمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأرسله إلى الأمصار، وكان فعله بإجماع من الصحابة، حتى قال علي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود بسندٍ صحيح من طريق سويد بن غفلة: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا•
.
أما علاقة الأحرف السبعة بالقراءات السبع المشهورة بين الأمة فعلاقة في العدد، وهو أمر جعل بعض الناس يظنون أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة.
فالقراءات السبع من اختيار ابن مجاهد في نهاية القرن الثالث الهجري، والأحرف السبعة وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وذلك قبل ميلاد أئمة هذه القراءات.

عبد السلام بن إبراهيم الحصين 17-02-09 10:49 AM

جزاكم الله على هذه الجهود الطيبة في البحث عن إجابة، ومعرفة حقيقة هذه المسألة.
وأشكر جميع من شارك في تعلم هذه المسألة وساهم في وضع جواب لها.
ولعل أجمع هذه الإجابات وأوفاها ثلاثة:
1- إجابة تغريد بلبل.
2- إجابة الساعية للفردوس.
3- إجابة أم الخطاب.
وهذه الإجابات يكمل بعضها بعضا، ولكن أفضلها الأولى، وإن كانت تكمل كلها بعضًا.
وأما التمثيل على القول الثاني، وهو الذي يرى أن الأحرف هي لغات، فمثل قوله: {هلم إلينا}، فتقرأ: أقبل إلينا، تعال إلينا.
فالمقصود هو اختلاف لغة عن اللغة الأخرى في التعبير عن المعنى.
والله أعلم.

أم جهاد وأحمد 17-02-09 11:12 AM

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ونفع بكم
حتى يسهل عليكن اخواتي الاطلاع على الاجوبة المحددة من قبل الشيخة
نضع ان شاء الله تعالى بين أيديكن
مشاركة تغريد بلبل:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تغريد بلبل (المشاركة 164998)
:icon57:الأحرف السبعة:icon57:

التعريف:

لغة: الحرف في أصل كلام العرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.

اصطلاحاً: الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.

بيان الأحرف السبعة في الحديث النبوي:
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذي لا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُ بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ يا عمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه ".

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".



الأحرف السبعة والقراءات السبع.
دلتنا النصوص على أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظن كثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييز بين الأحرف السبعة والقراءات.

وهذه القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت في القرن الرابع، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقة لعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس …

وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.

حقيقة الأحرف السبعة.
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:

المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.

أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.

ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.

ثالثها: وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.

رابعها: الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.

خامسها: التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.

سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.

سابعها: اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…

فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.

المذهب الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.

وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.

فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. .



:icon57:[-القراءات السبع]:icon57:

تعريف القراءة:

لغة: مصدر لـ: قرأ

واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.

هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للأمام المقرئ كما ذكرنا من قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم.



ضابط القراءة المقبولة:
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي:

كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.

يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:

الشرط الأول: موافقة العربية ولو بوجه:

ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.

الشرط الثاني: موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا:

وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه.

مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .

الشرط الثالث: تواتر السند:

وهو أن نعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.



أنواع القراءات حسب أسانيدها:
لقد قسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:

الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات .

الثاني: المشهور: وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.

الثالث: الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضر وعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].

الرابع: الشاذ: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغة الماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.

الخامس: الموضوع: وهو المختلق المكذوب.

السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.

وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويعاقب من قرأ بها.

هدا ملخص فقط من عدة بحوث طرحت بمنتديات قرانية


أم جهاد وأحمد 17-02-09 11:16 AM

مشاركة الساعية للفردوس

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الساعية للفردوس (المشاركة 165326)
سئل شيخ الإسلام عن: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) .
ما المراد بهذه السبعة؟
وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما، هي الأحرف السبعة، أو واحد منها؟
وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء، فيما احتمله خط المصحف؟
وهل تجوز القراءة برواية الأعمش، وابن محيصن، وغيرهما من القراءات الشاذة أم لا؟
وإذا جازت القراءة بها فهل تجوز الصلاة بها أم لا؟


قال شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: الحمد لله رب العالمين، هذه (مسألة كبيرة) قد تكلم فيها أصناف العلماء: من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم، حتى صنف فيها التصنيف المفرد، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي، المعروف بأبي شامة ، صاحب (شرح الشاطبية).

فأما ذكر أقاويل الناس، وأدلتهم، وتقرير الحق فيها مبسوطًا، فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك، وذكر ألفاظها، وسائر الأدلة، إلى ما لا يتسع له هذا المكان، ولا يليق بمثل هذا الجواب، ولكن نذكر النكت الجامعة، التي تنبه على المقصود بالجواب.

فنقول : لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن : (الأحرف السبعة) التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن أنزل عليها، ليست هي (قراءات القراء السبعة المشهورة)، بل أول من جمع قراءات هؤلاء، هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، من الأعمال الباطنة والظاهرة، وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعنيين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم.

ولهذا قال من قال من أئمه القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة؛ لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي، إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين.

ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقًا، كما قال عبد الله بن مسعود: إنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلمَّ، وتعال.

وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف، إن قلت: غفورًا رحيمًا، أو قلت: عزيزًا حكيمًا، فالله كذلك، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة .

وهذا كما في القراءات المشهورة: ( ربنا باعَد) و بَاعِدْ ( إلا أن يُخافا ألا يقيما ) و إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ ( ولَتَزول منه الجبال) بَلْ عَجِبْتَ ( بل عجبتُ ) ونحو ذلك.

ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقًا من وجه، متباينًا من وجه، كقوله: ( يَخْدَعُونَ ) يُخَادِعُونَ و ( يَكْذِبُونَ ) و يُكَذِّبُونِ ( لمستم ) و لامَسْتُمُ و حَتَّى يَطْهُرْنَ ( يَطَّهَّرْنَ ) ونحو ذلك.

فهذه القراءات، التى يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علمًا وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى؛ ظنًا أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله.

وأما ما اتحد لفظه ومعناه، وإنما يتنوع صفة النطق به كالهمزات، والمدات، والإمالات، ونقل الحركات، والإظهار، والإدغام، والاختلاس، وترقيق اللامات والراءات، أو تغليظها، ونحو ذلك مما يسمي القراء عامته الأصول، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى، إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ، لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا، ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه، واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهـذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها من أولى ما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى، وإن وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه اللفظ أو الشكل.

ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام، المتبوعون من السلف والأئمة، في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي، فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف، بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة حمزة كسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم، يختارون قراءة أبى جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي.

وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل العراق، الذين ثبت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب، ويقرؤونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.

وأما الذي ذكره القاضي عياض، ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ، الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف، كما سنبينه.

ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها، أو لم تثبت عنده كمن يكن في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات، فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه، فإن القراءة- كما قال زيد بن ثابت- سنة يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الآذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه.

وأما من علم نوعًا، ولم يعلم غيره، فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلمه، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا، فهلكوا .

وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني، مثل قراءة ابن مسعود، وأبى الدرداء -رضي الله عنهما-: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، و ( الذكرِ والأنثى ) كما قد ثبت ذلك فى الصحيحين. .

ومثل قراءة عبد الله : "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" ، وكقراءته: "إن كانت إلا زقية واحدة" ونحو ذلك. فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة، فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟
على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد، وروايتان عن مالك.

(إحداهما) يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين، كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.

(والثانية) لا يجوز ذلك- وهو قول أكثر العلماء- لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن تثبت، فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة؛ فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس- رضي الله عنهم- أن جبريل -عليه السلام- كان يعارض النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين . .

والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في مصحف، أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة: علي وغيره.

وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل، وهو أن القراءات السبعة هل هي حرف من حروف السبعة أم لا؟ فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والائمة أنها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.

وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة.

وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف، وأمر بترك ما سوى ذلك.

قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة. ومن نصر قول الأولين، يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره، من أن القراءة على الأحرف السبعة لم يكن واجبا على الأمة، وإنما كان جائزًا لهم مرخصًا لهم فيه، وقد جعل الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا، بل كان مفوضا إلى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره.

وأما ترتيب آيات السور، فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة؛ لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم.

قالوا: فكذلك الأحرف السبعة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق، وتختلف، وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.

ومن هؤلاء من يقول: بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم، وهو أرفق بهم، أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك.

وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب، وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.

وأما من قال عن ابن مسعود: أنه كان يجوز القراءة بالمعنى، فقد كذب عليه، وإنما قال: قد نظرت إلى القراء، فرأيت قراءتهم متقاربة. وإنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلمَّ، وتعال، فاقرؤوا كل ما علمتم أو كما قال.

ثم من جوز القراءة بما يخرج عن المصحف، مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك؛ لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها. ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة، وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن، وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين.

ولذا كان في المسألة (قول ثالث)، وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة -وهي الفاتحة عند القدرة عليها- لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة؛ لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل؛ لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها.

وهذا القول ينبني على (أصل) وهو: أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًا.

وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هؤلاء- كالقاضي أبي بكر- بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة آية من القرآن في غير سورة النمل، لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه.

والصواب القطع بخطأ هؤلاء، وأن البسملة آية من كتاب الله، حيث كتبها الصحابة في المصحف، إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن، وجردوه عما ليس منه، كالتخميس والتعشير وأسماء السور؛ ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها، كما أنها ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية، أنزلها الله في أول كل سورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.

وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات، فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كان واحد من القولين حق، وأنها آية من القرآن في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها بين السورتين. .

وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء، فيما احتمله خط المصحف؟ فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية؛ لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله، إذ ليس لأحد أن يقرأ قراءة بمجرد رأيه، بل القراءة سنة متبعة، وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمامي، وقد قرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء لم يكن واحد منها خارجًا عن المصحف.

ومما يوضح ذلك: أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء، ويتنوعون في بعض، كما اتفقوا في قوله تعالى: ... وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع وتنوعوا في موضعين، وقد بينا أن القراءتين كالآيتين، فزيادة القراءات كزيادة الآيات، لكن إذا كان الخط واحدًا، واللفظ محتملا كان ذلك أخصر في الرسم.

والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف، كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن ربي قال لي: أن قم في قريش فأنذرهم، فقلت: أي رب! إذًا يثلغوا رأسي- يشدخوا- فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانَ، فابعث جندًا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأَنفق أُنفق عليك .

فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم ، بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب.

وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة، كالأربعة الذين من الأنصار، وكعبد الله بن عمرو، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف.

وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة، التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراء- كالأعمش ويعقوب، وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح ونحوهم- هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده، كما ثبت ذلك.

وهذا- أيضًا- مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون لهم بإحسان، والأمة بعدهم، هل هو بما فيه من القراءات السبعة، وتمام العشرة، وغير ذلك، هل هو حرف من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها؟ أو هي مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: والأول قول أئمة السلف والعلماء، والثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم، وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا، خلافًا يتضاد فيه المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا.

وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف، هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم؛ إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع، لا إلى الرأي والابتداع.

أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة، فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرؤوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم، فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى.

وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة؛ لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين، كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين، شبيهًا بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين، فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا كما قال أبو عبد الرحمن السلمي- وهو الذي روى عن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه . كما رواه البخاري في صحيحه، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة- قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- كله آيات لم يتجاوزوها؛ حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.

ولهذا دخل في معنى قوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا، بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الإيمان، كما قال جندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانا، وأنتم تتعلمون القرآن، ثم تتعلمون الإيمان!

وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ونزل القرآن . وذكر الحديث بطوله .

ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك، وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس.

وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن، حروفه ومعانيه، وذلك مما أوحاه الله إليه، كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ...} ، وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف، كما ثبتت هذه القراءات، وليست شاذة حينئذ، والله أعلم.


// مجموع الفتاوى ، الجزء رقم 13، صفحة: 389 //

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الساعية للفردوس (المشاركة 174678)
الأحرف السبعة
وردت الأحرف السبعة في الحديث المتفق عليه، ولفظه في البخاري : (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه )، غير أن المقصود من الأحرف السبعة تحديدًا اختلف فيه العلماء وأشكل على كثير منهم، حتى أن ابن الجزري قال: ¸ولازلت استشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيفٍ وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا•. والتبس الأمر على بعضهم حتى ظنوا أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. فما المراد بالأحرف السبعة؟ وما علاقتها بالقراءات السبع؟

المراد بالأحرف السبعة، اختلف فيه العلماء ـ كما أسلفنا ـ على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة نحو ¸أف ـ جبريل ـ أرْجه ـ وهيهات•.

فقال بعضهم: سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وهكذا، ورُدَّ هذا القول باختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهما قرشيان من قبيلة واحدة ولغتهما واحدة.

وقال بعضهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار إلى غير ذلك من الأمور. ورُدّ هذا القول بأن الاختلاف بين الصحابة لم يكن في فهم الحلال والحرام، وإنما في أداء القراءة.

وقال ابن قتيبة: هي أوجه سبعة يقع بها التغاير وهي: ـ
1- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتها ولايغيّر معناها. نحو: (هُنَّ أطْهرُ لكم ـ وأطْهرَ لكُم) (فنظِرةٌ إلى مَيْسَرةٍ ـ وإلى مَيْسُرَة).
2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها. نحو: (ربَّنا باعِدْ بَينَ أسْفارنا ـ وربُّنا بَاعَدَ بين أسفارنا).
3- أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها (كيف ننشرها ـ كيف ننشزها).
4- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها (كالعهن المنفوش ـ كالصوف المنفوش).
5- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها ومعناها (وطلح منضود ـ وطلع منضود).
6- أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير (وجاءت سكرة الموت بالحق ـ وجاءت سكرة الحق بالموت).
7 ـ أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ﴿إن الله هو الغني الحميد ـ إن الله الغني الحميد﴾ لقمان:26. ﴿جنات تجري تحتها الأنهار ـ جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ التوبة : 100.

وقريب من قول ابن قتيبة قول الرازي. وهما قولان يقومان على الاستقراء والاستنتاج دون دليل شرعي. وهما وما قبلهما من الأقوال لا تتضح فيهما الحكمة من الأحرف السبعة التي ذكرها رسول الله ³ في بعض ألفاظ الحديث: من التسهيل والتيسير على الأمة من شيخ كبير وصبيّ صغير لا يطيقون الاكتفاء بحرف واحد.

ومهما اختلف العلماء في تحديد المقصود من الأحرف السبعة، فهناك إجماع منهم دون شك على أن القرآن الذي بين أيدينا لا نقص فيه ولا زيادة على ما تركه لنا رسول الله ³، وجمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأرسله إلى الأمصار، وكان فعله بإجماع من الصحابة، حتى قال علي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود بسندٍ صحيح من طريق سويد بن غفلة: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا•
.
أما علاقة الأحرف السبعة بالقراءات السبع المشهورة بين الأمة فعلاقة في العدد، وهو أمر جعل بعض الناس يظنون أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة.
فالقراءات السبع من اختيار ابن مجاهد في نهاية القرن الثالث الهجري، والأحرف السبعة وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وذلك قبل ميلاد أئمة هذه القراءات.


أم جهاد وأحمد 17-02-09 11:19 AM

مشاركة ام الخطاب

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام الخطاب (المشاركة 167226)
تواترت الأخبارُ عَن النَبي (صلى الله عليه وسلم) بِنُزُولِ القُرآنِ الكَريم على سَبْعَة أحْرُف(1)، وجُمِعَتْ هذه الأخبارُ في الجوامع والسُنَن والمسانيد وموطأ الإمام (مالك) –رحمه الله- والمُصنفات والأجزاء الحديثية، وقد جاءت تلك الأخبار على أنواع ثلاثة:
الأول: ما يُفيدُ أنَّ اللهَ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أمرَ نبيَه (صلى الله عليه وسلم) على لِسان (جبريل) –عليه السلام- أن يُقرئ أمتَه القرآن على حَرْف، فسأل النبيَ (صلى الله عليه وسلم) المعافاة والمغفرة؛ لأنَّ أُمتَه لا تُطيق ذلك، فأمَرَه أن يقرَأه على حرفين، ثم على ثلاثة أحْرُف، ثم أمرَه -في الأخير- أن يُقرئَ أمتَه القرآن على سَبْعَة أحْرف، وأخبرَه أنَّ مَن قرأ بأي حَرْف مِن هذه الأحرف السَبعَة فقد أصاب.
وهذه الأخبارُ مِن رواية (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –رضي الله عنه، و(عَبْدِ الله بْنِ عَباس) –رضي الله عنه- [مُخْتَصَرًَا] والتي أخذها عن (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –كما جاء ذلك صريحًا في إحدى الروايات.
الثاني: ما يُفيد أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) لَقِيَ (جبريل) –عليه السلام- فأخبرَه أنَّه أُرسِلَ إلى أمَة أُميين: مِنْهُمْ العَجُوزُ وَالشَيْخ ُالكَبِيرُ والغُلامُ والجَاريةُ والرَّجُلُ الذي لم يَقْرأ كِتابًَا قَطُّ، فأخبره (جبريل) –عليه السلام- أن القرآن أنزِل على سَبْعَة أحرف.
وهذا الخَبَر مِن رواية (أُبَيِّ بْنِ كَعْب) –رضي الله عنه.
الثالث: ما يُفيد أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يوافِق الصحابَة –رَضيَ اللهُ عنهم- الذين عارضوا بعضَ القراءات –التي سَمِعوا بعض الصحابة يقرأون بها- والتي تُخالِف ما لُقِّنُوه مِن النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسِه، وفي هذه الروايات أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) أقرّ كلا مِنهم على قِراءتِه، مُخبِرًا إياهم أنَّ القرآنَ أُنزِل على سَبْعَة أحْرُف، وناهيًا إياهم عَن المِراء في القرآن؛ لأنَّ المِراءَ فيه كُفْرٌ –عِياذًا بالله.
وهذه الأخبار مِن رواية: عُمَر بْنِ الخَطَاب، أُبّيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وعَمرو بْنِ العَاصِ –رَضيَ اللهُ عنهم.
وإليكَ سياق حَديث مِن كل نوع مِن الأنواع الثلاثة السابِقَة:
النَّوع الأول: عَن (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضِيَ اللهُ عنه- أنَّ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) كانَ عِندَ أضَاةِ(2) بَنِي غِفَارٍ، قال فأتاه (جبريل) -عليه السلام- فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على حَرْفٍ، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثُم أتاه الثانيةَ فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على حَرْفين، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على ثلاثَةِ أحْرُفٍ، فقال: أسألُ اللهَ مُعَافاتَه ومَغْفِرَتَه وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك. ثم جاءه الرابعةََ فقال: "إنَّ اللهَ يأمُرُك أن تَقْرأ أمَّتُك القرآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فأيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عليه فقَدْ أصَابُوا" (3).
النَّوع الثاني: عَن (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) قال: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) (جِبْريلَ)، فقال: يا (جِبْريلُ) إنِّي بُعِثْتُ إلى أُمَةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمْ العَجُوزُ وَالشَيْخ ُالكَبِيرُ والغُلامُ والجَاريةُ والرَّجُلُ الذي لم يَقْرأ كِتابًا قَطُّ". قال: "يا (مُحَمَّدُ) إنَّ القُرآنَ أُنزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (4).
وفي الباب عن: عُمَرَ وحُذَيفةَ بْنِ الْيَمَانِ وأَبِي هُرَيْرَةَ وأُمِّ أيُّوبَ -وهي امرأة (أَبِي أيُّوبِ الأنصاري)- وسَمُرَةَ وابْنُ عَبَاسٍ وأَبِي جُهَيْم بْنِ الحَارِثِ بْنِ الِّصَّمةِ وعَمْرِو بْنِ العَاصِ وأَبِي بَكْرَةَ –رَضي الله عنهم أجْمعين.
قال (أبو عيسى): هذا حديث حسن صحيح، وقد رُويَ عن (أبي بن كعب) من غير وجه.
النَّوع الثالث: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يقولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ (الفُرْقَانِ) عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أنْ أعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أمْهَلْتُه حَتَى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُه بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أقْرَأْتَنِيهَا، فقال لي: أَرْسِلْه، ثُمَّ قَاَلَ له: اقْرَأ، فَقَرَأ. قَاَلَ: هَكَذَا أُنزِلَتْ، ثُم قَاَلَ لي: اقْرَأ، فَقَرَأتُ، قَاَلَ: هَكَذَا أُنزِلَتْ؛ إنَّ القُرآنَ أُنزِلَ عَلَىَ سَبْعَةِِ أحْرُفٍ؛ فاقْرَءُوا مِنْه مَاَ تَيَسَّرَ (5).
وحَدَثت مِثلُ هذه القِصة مع (أُبّيِّ بْنِ كَعْبٍ) و(عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ) –رَضي الله عَنهما- [كما عِند "مُسلِم" (820) و"أحمد" (20646)]، وحَدَثَ مِثلَها مع (عَمرو بْنِ العَاصِ) –رضي الله عنه- [كما عِند "أحمد"].

والذي يَعنينَا أولا: ما المَقصودُ بهذه الأحرف السَّبعَة؟!
اعْلَم –رَحِمَني اللهُ وإياك- أنَّ العُلماء اختلفوا في المراد بهذه الأحرف السَبْعة على خمسة وثلاثين قولا (!!) كما نَقَلَ الإمامُ (القُرطُبيُ) –رحمه الله- في تفسيرِه (1/89 مقدمة، طـ دار الغَد العربي بمصر) عَن الإمامِ الحافظِ (أبي حاتِم ابْنِ حِبَّان البُستِّي) –رحمه الله، ولكنه لم يذكُرْ مِنها إلا خمسة أقوال (!!)؛ ولعل السبب في ذلك هو أنَّ "أكثَرَها غيرُ مُختارٍ" –كما صَرَّح بذلك (المُنذِري) –رحمه الله- (كما في «فتح الباري»: (19/ 27، 31) )، وكذا الإمام (الزركشي)، كما في كِتابِه الماتِع «البُرهان في عُلوم القُرآن».
وأنا أذكرُ أشهرَ هذه الأقوال وأقواها وأولاها بالاعتبار بادئًا بأرجَحِها:
القول الأول: المراد سَبْعَة أوجُه مِن المعاني المُتفِقَة (6) بألفاظ مُختَلِفَة، يجوزُ أن يقرأ بأي حَرْفٍ مِنها على البَدَلِ مِن صاحبِه، نحو أقبِل، تعالَ، وهَلُم (7). وهو الذي عليه أكثر أهل العلم كسفيان بن عُيَينَة، عَبْد الله بن وَهب، الطَبَري والطَّحَاوي، ومال إليه الحافِظُ (ابنُ حَجَر) –رحمهم الله أجْمَعين- [مع بَعض الضوابِط الأخرى].
تنبيه: (وليس المُراد أنَّ كُلَ كَلِمَةٍ ولا جُملَةٍ مِنه تُقرأ عَلَى سَبْعَةِ أوجُه، [وهذا مُجمَعٌ عَلَيه]؛ بل المُراد أنَّ غاية ما انتهى إليه عدد القرءات في الكلمة الواحدة إلى سَبْعَة؛ [فلو كَانَ المُراد أنَّ كلَ كلَِمَةٍ مِنه تُقْرأ على سَبْعَة أوجُه، لَقَالَ النَبيُّ (صلى الله عليه وسلم) -مثلا-: "أُنزِلَ سَبْعَة أحْرُف"]. فإن قيل: فإنَّا نجِدُ بعضَ الكلمات يُقرأ على أكثَرِ مِن سَبْعَةِ أوجُه، فالجواب: أنَّ غالِبَ ذلك إما لا يُثبِتُ الزيادة، وإمَّا أن يكونَ مِن قَبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المَد والإمالة ونحوهما) (8).
قلتُ: وهذا القولُ مِن القوةِ بمكان؛ لو أضفْنا إليه ضابِطًا آخَرًا؛ وهو: تأدية المعنى باللفظ المُرادِف ولو كان مِن لُغَة واحِدة؛ لأنَّ لُغة (هِشام بن حَكيِم) –رَضيَ اللهُ عنه- بلِسَان قُرَيش، وكذلك (عُمَر بن الخَطاب) –رَضيَ اللهُ عنه-، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتُهما (9). وهذا يُضَعِف القولَ بأنَّ المُرادَ بالأحْرُف اللغات، ويُمكِن الجَمْعُ بينَهما بأنَّ "تغايُّرَ الألفاظ مع اتفاقِ المَعاني مَحْصُورٌ في سَبْعِ لُغات" (10)، وهذا أقْوى؛ لأنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج؛ كما يتضِحُ ذلك جَلياُ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) لأُبّيِّ بن كَعْب –رَضيِ اللهُ عنه- : "أُرْسِلَ إلَىَّ أنْ أقْرأ القُرآنَ عَلَى حُرْفٍ، فَرَدَدْتُ إلَيهِ أنْ هَوِّن على أُمَّتي"، إلى أن قال (صلى الله عليه وسلم): "فَرَدَّ إلَيَّ الثالثةَ أقْرأهُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (11)، وقولِه (صلى الله عليه وسلم) لجِبْريلَ –عليه السلام-: "وإنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذلك" (12)، وقولِه (صلى الله عليه وسلم): "فاقْرَءُوا مِنْه مَاَ تَيَسَّرَ"(13). وهذا القولُ يُوَفِقُ بينَ جميع الأحاديث الصحيحة الوارِدَة في هذا الباب، دون رَدٍ أو إهمَالٍ لأحَدِها، والحمدُ للهِ وحدَه على التوفيق.

تنبيهان هامان جدًّا:
(1) "الإباحة المذكورة في الأحاديث السابقة لم تَقَع بالتَّشَهي: أي أنَّ كلَ واحِدٍ يُغَيِّرُ الكلمة بمُرادِفِها في لُغَتِه؛ بل المُراعَى في ذلك السَّمَاع مِن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويُشير إلى ذلك قول كل مِن (عمر) و(هشام) –رَضي اللهُ عَنهما- "أقرأني النبي (صلى الله عليه وسلم)" (14). وهذا التنبيه يَردُ على قَوْل مَن قال: "إذَنْ يجوز روايته بالمَعنَى؛ فيذهَب التَّعبُد بلفظة ويتسِع الخَرْق، وتفوتُنا كثيرٌ مِن الأسرار الأحكام" (15)؛ فالرواية بالمَعنَى تَوقيفيةٌ مِن (رسول اللهِ) (صلى الله عليه وسلم) عَن (جِبْريلَ) –عليه السلام- عَن (اللهِ) –عَزَّ وَجَلَّ.
(2) "هذا الاختلاف في الألفاظ ليس من الاختلاف الذي قد نَفَاه اللهُ –تبارك وتعالى- عَن كِتابِه العزيز في قولِه (ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيه اختِلافًا كثيرًا) [النساء: 82]؛ لاتفاق المعاني"، كما قال الإمام (الطبري) –رَحِمَه الله- في «تَفسيرِه»، ص 50، طـ دار الغَد العربي بمصر.
ويقولُ شيخُ الإسلام (ابن تيميًّة) –رَحِمَه الله-: "ولا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْحُرُوفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا لا تَتَضَمَّنُ تَنَاقُضَ الْمَعْنَى وَتَضَادَّهُ; بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهَا مُتَّفِقًا أَوْ مُتَقَارِبًا كَمَا قَالَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ) –رَضي الله عَنه-: "إنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ أَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَتَعَالَ". وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ هُوَ مَعْنَى الآخَر; لَكِنْ كلا الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ وَهَذَا اختلاف تَنَوُّعٍ وَتَغَايُرٍ لا اخْتِلَافُ تَضَادٍّ وَتَنَاقُضٍ، وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم): "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، إنْ قُلْتَ: غَفُورًا رَحِيمًا أَوْ قُلْت: عَزِيزًا حَكِيمًا؛ فَاَللَّهُ كَذَلِكَ مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ" اهـ مِن كلامُه مِن «مَجموع الفتاوى»: (13/ 389). وقد بَيَّنًّا في تَنبيه (1) أنَّ هذا الاختلاف ليس بالتَّشَهي، والحمدُ لله.
الأدِلَّة:
1- حديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عنه- قَاَلَ: قَالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): يَا (أُبَيُّ) إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ، قُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاثَة، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى ثَلاثَة، قُلْتُ: عَلَى ثَلاثَة حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ. ثُمَّ قَالَ: "لَيْسَ مِنْهَا إلا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ" (16). ومثلُه حديث (أبي بَكرَة) و(عبادة بن الصامت) –رضي الله عنهما.
وجه الدلالة: فَسَر النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الأحرف السبعة بأنَّها تَغيير اللفظة مع الاحتفاظ بالمَعنى؛ فآية العذاب إنْ خُتِمَتْ بِرَحمَة أو آية الرَحْمة خُتِمَتْ بِعذاب، اختَلّ المَعنى، وضَرَبَ لنا (صلى الله عليه وسلم) في ذلك مثلا: كَلِمَتَي "سَميع عَلِيم" تُقرأ "عزيز حكيم"؛ لتقارُّب معناهما، ولكن بتوقيف مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) لا بالأهواء والآراء –كما بينّا في تَنبيه (1)، واللهُ أعْلَم.
2- حديث (عمر بن الخطاب) مع (هشام بن حزام) –رَضيَ اللهُ عنهما- [انظر: النوع الثالث مِن الأحاديث]، ومِثله: حديث (أُبَي بن كَعْبٍ) مع (عَبْدِ الله بن مَسعود)، و(عَمرو بن العاص) مع صحابي آخر –رَضِيَ الله عنهم أجْمَعين-:
وجه الدلالة: اتحادُ لُغَةِ (عمر) و(هشام) –رضي الله عنهما-؛ فكلاهما قُرَشي، ورغم ذلك فقد أنكَر الأول على الثاني قراءةً لم يُقرئِها له رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، فتحاكَما إلى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) فأقرّ كليهما على قِراءَتِه التي أخذاها عنَه (صلى الله عليه وسلم)، وفَسَر رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) تلك القِراءات بأنَّها "أحْرُف" وأنَّ القُرآن أُنزِل على سَبْعَة أحْرُف" فتَعَيّن –لاتحاد اللغة- صَرْفُ ذلك إلى الألفاظ بشرط اتفاق المعاني؛ كما يُبيّنُه حديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه. وإن قال قائِلٌ: ولِمَ لا نَصْرِف ذلك إلى صاِرف آخر. قُلتُ: كُلُ الصوارِف الأخرى ما هي إلا الأقوال الآتية في تفسير مَعنى "الأحرف السَبْعة"، والتي سَنُبَين ضَعفَها أو بُطلانَها، والله المُستعان.

القول الثاني: سَبْع لغات في القرآن على لغات العَرَب كلِها: يمنها ونزارها (17)، وإليه ذَهَبَ: ثعلب، أبو عبيد القاسِم بن سلام، الأزهري، الطَبَري، ابن عطية، البَيهقي، ابن حِبَّان (كما في «البرهان»/ للزركشي)، والسندي، ومَالَ إليه (الألُوسِي) –رَحِمَهم الله جَميعًا.
وحجتهم في ذلك: (أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لم يَجْهَلْ شيئًا مِنها، وكان قَد أوتي جَوامِع الكَلِم) (18)، وأنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج [كما في النوع الأول مِن الأحاديث]، فوَّجَب بِذَلِك نُزُولُه بِلُغات العَرَب ولَهَجَاتِهم، وإلا لا مَعنىً للتيسير ودَفْع الحَرَج.
ويقولون: (وليس مَعناه أن يكونَ في الحَرْفِ الواحِد سَبْعَة أوجُه؛ ولكن هذه اللغات السَبْعَ مُتفَرِقَة في القُرآن؛ فبعضُه بِلُغَة قُرَيش، وبعضُه بِلُغَة هُذَيل، وبعضُه بِلُغَة هُوازِن، وبَعضُه بِلُغَة اليَمَن. وبعضُ الأحياء (أي: اللغات) أسْعَدُ بها وأكثَرُ حظاُ فيها مِن بَعض؛ فيُعَبَر عَن المَعنى فيه مَرة بِعِبَارَةِ قُرَيش، ومَرة بِعِبَارَةِ هُذَيل، ومرة بِغَيرِ ذلك بِحَسَبِ الأفْصَح والأوْجَزِ في اللفظ، وإنْ كَانَ أغلَبُه نَزَل بِلُغَة قُرَيش [كما قال (ابْنُ عَبْدِ البَر) –رحمه الله-]؛ لقولِ (عُثمانَ بْنِ عَفَان) –رضي الله عنه- أثناء جَمْع المُصحَف: "ما اختلفتُم أنتم وَ(زَيْد) فاكتُبُوه بِلُغَة قُرَيش؛ فإنَّه نَزَل بِلُغَتِهم") (19).
ويقولون في كيفية نُزُولِ القُرآن على هذه السَبْع: "أنَّ (جِبْريلَ) –عليه السلام- كان يأتي رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) في كُلِ عَرْضَة بِحَرفٍ إلى أن تَمَّتْ" (20).
واعتُرِض على هذا القول بأنَّ لغات العرب أكثر مِن سَبْع ! وأُجيب بأنَّ المرادَ أفصَحُها، واختلَفوا في تعيينِّها على أقوالٍ عِدَة:
1- فقيل هي: لغة قُرَيش، هذيل، تميم، الأزد، ربيعة، هوازِن، سعد بن بكر.
2- قال بعضُهم: هذيل، كنانة، قيس، ضبة، تيم الرباب، أسيد بن خزيمة، قريش.
3- قيل: السَبْع في مُضَر خاصة لقول (عمر بن الخطاب) –رضي الله عنه-: "نزل القرآن بلغة مضر".
4- وقيل: بل السَبْع في بطون قُرَيش فحسب؛ لقولِه تعالى (وما أنزلنا من رسولٍ إلا بلسان قومِه) [إبراهيم: 4]، وبه جَزَم أبو الأعلى الأهوازي واختاره ابن قُتَيبة –رحمهما اللهُ تعالى.
5- وقيل: أنزِل أولا بلسان قُرَيش ومَن جاورَهم مِن الفُصحاء، ثم أُبيح للعَرَب أن تقرأهُ بِلُغاتِها؛ دفعًا للمشقة ولِمَا كان فيهم مِن الحَمّيَة، ولم يَقَع ذلك بالتَّشَهي؛ بل المَرعي فيه السماع مِن النبي (صلى الله عليه وسلم).
وهذا القَولُ ضَعيفٌ مِن وَجْه، قَويٌ مِن وَجْهٍ آخَر؛ وبذلك يُمكِن اعتمادُه ببَعضِ الضوابِط الأخرى:
فهو ضَعيفٌ؛ لأنَّ [(عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب) و(هِشامَ بْنَ حَكِيم) –رَضيَ اللهُ عَنهما- كِلاهما قُرَشي مِن لُغَةٍ واحِدَةٍ وقَبيلَةٍ واحِدَةٍ، وقَد اخْتَلَفَتْ قِرَاءتُهما، ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه، فدَلّ على أنَّ المُراد بالأحْرُفِ السَبْعَة غيرُ اللُغات] (21)؛ فوَجَبَ بَذَلِك صَرْفُ مَعنى "الأحْرُف السَبْعَة" إلى مَعنىً آخر غير "اللغات".
تَنبيه هام: لقد أجاب الإمام (الألوسي) -رحمه الله- عَن هذا الاعتِراض (22)، ولكن المُتأمِلَ لجوابِه –رحمه الله- يجِدْه إنَّما أجَابَ –فَحَسبُ- عَن قول الإمام (السيوطي) –رحمه الله-: "ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه" اهـ؛ بما حاصِلُه أنَّ: [مَرجِعَ "الأحُرُف السَبْعة" هو الرِواية عَن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لا الدِراية والرأي والتَشَّهي] (23)، وبذلك فجوابُه خارِج مَحَل النِزاع؛ لأنَّ ما قَالَه قد نَبَهنا عليه سابِقًا؛ راجِع تَنبيه (1).
أما وَجْه القُوَة في هذا القَول؛ أنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج؛ كما يتضِحُ ذلك جَلياُ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) لأُبّيِّ بن كَعْب –رَضيِ اللهُ عنه- : "أُرْسِلَ إلَىَّ أنْ أقْرأ القُرآنَ عَلَى حُرْفٍ، فَرَدَدْتُ إلَيهِ أنْ هَوِّن على أُمَّتي"، إلى أن قال (صلى الله عليه وسلم): "فَرَدَّ إلَيَّ الثالثةَ أقْرأهُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (24)؛ فوَّجَبَ صَرْفُ معنى "الأحْرُفِ السَبْعَة" إلى "لغات العَرَب ولهَجَاتِهم".
ويُجابُ عَن هذا الوَجْه بوَجْه "الضَعفِ" السابِق؛ باختلافِ (عُمرَ) و(هِشامَ) –رَضي اللهُ عنهما- في القِراءة رَغمَ اتحاد لُغَتِهما، ولكن لا يَليقُ بِنَا أن نَرُدَ هذا الحديثِ الصحيح الثابِت في "صحيح مُسلِم" (25)؛ فوَجَب التوفيقُ ولابُد، ومِن ثَمّ وَجَبَ المَصير إلى "القَولِ الأول" الذي جَمَع بين الأحاديث والأقوال ووَفَقَ بينها، ولا مُوَفِق إلا مَن وَفَقَه الله، والحمدُ لله عَلَى التَّوفيق.
ويتضِحُ في هذا القَول أنَّ أكثرَه آراء واجتهادات لا أدِلَة عليها –غالبًِا-؛ كنزول (جِبْريلَ) –عليه السلام- سَبْع مرات لإتمام الأحْرُف السَبْعَة، وتعيين اللغات التي أُنزِل عليها القُرآن الكَريم.
وبعضُه مَردودٌ؛ كقولِِهم: "هذه اللغات السَبْعَ مُتفَرِقَة في القُرآن" (26)؛ فهذا القَول باطِلٌ جِدًا لا شَكَ في ذلك؛ إذ (لو كانَت "الأحْرُفُ السَبْعَة" لُغاتٍ مُتفَرِقَةً في جَميع القُرآن، فغَير مُوجِب حَرْفٌ مِن ذلك اختلافًا بين تاليه؛ لأنَّ كُلَ تالٍ فإنَّما يَتلو ذَلِك "الحَرْفَ" تِلاوةً واحِدَة على ما هو به المُصحَف، وعلى ما أُنزِل) (27)، ولو كان كذلك لَمَا حَدَثَ اختِلافًا بين الصحابة –رَضيَ اللهُ عَنهم- في القِراءة؛ إذ لا مَعنىً لِذلك إطلاقًا؛ لأنَّ المُصحَفَ واحِدٌ، والسُوَرَ واحِدَة والآياتِ واحِدَةٌ لا تتغيّرُ؛ بل غايةُ الأمْرِ أنَّ هذه الآية بِلُغَة (قُرَيش)، وتلك بِلُغَة (هُذَيل)، وهكذا، فالقُرَشي مأمورٌ بِقراءة القُرآنِ كلُِه الذي يَحوي لُغاتٍ سِتًا غيرَ لُغَتِه، والهُذَيلي مأمورٌ بِقراءة القُرآنِ كلُِه الذي يَحوي لُغاتٍ سِتًا غيرَ لُغَتِه، فأينَ التيسيرُ الوارِدُ في الأحاديث، والذي مِن أجلِه أُنزِل القُرآنُ على سَبْعَة أحُرُف ؟! بل وكيفَ يحدُثُ الاختِلافَ بين الصحابَة في السُورَة الواحِدة، بل في الآية الواحِدَة، بلْه الكلمة الواحِدَة ؟!! وفي هذا الحَدِ كِفاية، واللهُ أعْلَم.

القول الثالث: المُراد بذلك سَبْعَة أصناف، وهو قول البَيضاوي والقاضي (ابن الطيب). واختلفوا في تعيينِها على عِدة أقوال:
1- معاني كتاب الله تعالى، وهي: أمر، نهي، وعد، وعيد، قصص، مجادلة، أمثال.
2- مُحكَم، مُتشابِه، ناسِخ، مَنسوخ، خصوص، عموم، وقصص.
3- إظهار الربوبية، إثبات الوَحْدانية، تَعظيم الألوهية، التَّعَبُّد لله، مُجانَبَةُ الشِرك، التَّرغيب في الثواب، والتَّرهيب مِن العِقاب.
وهذا القول ضَعيف جدًا؛ (إذ لا مُستَنَدَ له مِن كِتاب أو سُنَة ولا يوجَد وَجْهٌ للتَّخصيص) (28)، ولأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) (أشَارَ إلَى جوازِ القراءة بِكُلِ واحدٍ مِن الحُرُوف وإبدال حَرْفٍ بحَرْف، وقد تقَرَرَ إجماعُ المُسلمين أنَّه يَحرُّم إبدالُ آيةِ أمثالٍ بآية أحكام) (29)، و(لأنَّ هذا لا يُسمَى أحْرُفًا؛ وأيضًا فالإجماع على أنَّ التوسِعَة لم تَقَع في تَحْليل حلال ولا في تَغيير شَئٍ مِن المَعانِي) (30).
وانظر ردًا بليغًا للإمام (الطَبَري) –رحمه الله- في «تَفسيرِه»: (1/ 49: 52).

القول الرابِع: في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها كالإدغام والإظهار والتَفخيم والترقيق والمَد والقَصْر والتليين، وهلم جرا. رَجَحَه الإمامن: (النووي) و(الطيبي) –رحمهما الله.
وهو ضَعيفٌ؛ (لأنَّ ذلك ليس مِن الاختلاف الذي يتنَوَع فيه اللفظ والمَعنَى، واللفظ الواحد بهذه الصِفات باقٍ على وِحدَتِه، فليس فيه حينئذٍ جليل فائِدَة) (31).
قلتُ: والأحاديث الصحيحة السابِقة تَرُدُه، كقولِه (صلى الله عليه وسلم): "إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ" (32)؛ فدل ذلك على أنَّ اللفظ يتغير مع اتفاق المَعنَى، واختلاف كيفية النطق بالتلاوة لا يُغَيّر للفظة مِن قَريبٍ أو بَعيد. ثم لو كان ذلك هو المَقْصود لَمَا أنكَرَ (عُمرُ بن الخطاب) –رَضيِ اللهُ عنه- على (هِشام بْنِ حَكيم) –رَضيَ اللهُ عنه- وذَهَبَ به ليتحاكَمَا إلى رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)؛ بل غاية ما كان يفعَلُه أن يُعلِمَه بنفسه، فيقول له: لا تُفَخِّم هذا الحَرف ورقِقْه أو أظهِرْ ولا تَدْغِمْ وهكذا، ثم كونُ (هِشام) –رضي اللهُ عنه- غَيّر كيفية النُطق بالتلاوة، فهذا لا يَدْفَع (عُمَرَ) –رَضيَ اللهُ عنه- أن يظُنَ أنَّ هذه القراءة خطأٌ مِن أصلِها؛ بل غايته أنَّ هذا لَحْنٌ خَفي، مِن الصَعب أن يَقَع فيه رَجُلٌ فَصيحٌ يَنتمي لأفصَحِ القبائِل العربية "قُرَيش" !! فأصل القِراءة التي يقرأ بِها (عمر) –رَضيَ اللهُ عنه- هي نفسَها قراءة (هِشام) –رَضيَ اللهُ عنه- [بُناءً على هذا القول الضَعيف]، فلماذا يقول (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عنه- إذَن : "سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ (الفُرْقَانِ) عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَؤُهَا" إن لم يكُن يقصِد تغيير اللفظة، وتأمَل قولُه: "وَكِدْتُ أنْ أعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أمْهَلْتُه حَتَى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُه بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)" الحديث، تَعرِفْ أنَّ الأمرَ أكبرَ مِن مُجرَد تغيير كيفية النُطق التي لُقِنَها (عُمَرُ) –رَضِي اللهُ عنه- من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، واللهُ أعْلَم.

القول الخامِس: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد؛ إنما المراد التيسير والتسهيل والتوسِعَة؛ فقد جَرُوا على تكثير الآحاد بالسَبْعَة، والعشرات بالسَبعين، والمئات بالسُبْعمائة، وسِر التَّسبيع لا يَخفَى. وهو قول القاضي (عِياض) –رحمه الله- ومَن تبعه.
وهو خطأٌ؛ (لعدم ظهور مَعناه، ولأنَّه مَردودٌ بالأحاديث الصحيحة السابقة، كحَديث (أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) –رَضيَ اللهُ عنه-، وفيه: "[استزِدْه] حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ"، وحديث (أبي بَكرَة) –رَضيَ اللهُ عنه- وفي آخره: "فنظَرْتُ إلى ميكائيل فَسَكَتْ، فعَلِمتُ أنه قد انتَهَت العِدَة"، وهذا أقوى دليل على إرادة الانحصار، أضِف إلى ذلك أنَّ في جَمْع القِلَة "أحْرُف وليس حُروف" نوع إشارة إلى عَدَم الكَثرة كما لا يَخفَى) (33).

القول السادِس: خواتيم الآيات؛ فيجْعَل مكان (غَفور رَحيم) (سَميع بَصير). "وهذا فاسِدٌ للإجماع على مَنْع تغيير القُرآن للناس" –كما قال (المازري) –رحمه الله، كما في «شرح النووي –رحمه الله- على صحيح مسلم».

عمومًا نحن نؤمِن –إجمالا- بأنَّ القرآن أنزِل على سبعة أوجه، اختلف العلماء في المراد بها على أقوال عِدة، الراجِح منها ما ذكرناه، "ولم يثبت مِن وَجهٍ صَحيح تَعيين كل حرف من هذه الأحرف، ولم يكلفنا الله ذلك، غير أن هذه القراءة الآن غير خارجة عن الأحرف السبعة" –كما يقول الإمام (الزركشي) –رَحِمَه الله- في كِتابِه «البُرهان».

-----------------------------------

ثانيًا: هل الأحرف السَّبعة هي القِراءات السَّبع ؟!
(1) اتفق العُلماء جَميعًا أنَّ الأحرُفَ السبعة التي ذَكَر النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أنَّ القُرآن أنزِل عَليها ليسَت هي القراءات السبع المَشهورة.
أمَّا ما انتشرَ لدى العامَّة وأيضًا بعض الخاصَّة مِن أنَّ الأحرف السَّبعَة هي نفسها القِراءات السَّبع فهو خَطأ فادِحٌ، حتى قال الإمامُ (أبو شامة) –رَحِمَه الله-: "وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل" !!! كما في «فَتح الباري»: (19/ 37).
قال الإمام (مَكي بن أبي طالب) –رَحِمَه الله-: "وأمَّا مَن ظَنَّ أنَّ قِراءة هؤلاء القُراء كنافِع وعاصِم هي الأحرُف السَّبعة التي في الحَديث؛ فقد غلط غلطًا عظيمًا. ورَدَّ ذَلِك بتعليلٍ ما ألطفَه؛ بأنَّ هذا مفهومَه أنَّ ما عداها ليس قرآنًا !! فقال ما نَصُّه: "ويَلزَم مِن هذا أنَّ ما خَرج عَن قِراءة هؤلاء السَّبعة مِمَّا ثَبَت عَن الأئمة غَيرِهم ووافق خَطَّ المُصحَف، أن لا يكون قُرآنًا، وهذا غَلَطٌ عَظيم؛ فإنَّ الذين صَنَّفوا القِراءات مِن الأئمة المُتقدمين: كأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي حاتم السجستاني، وأبي جعفر الطبري، وإسماعيل بن إسحاق، والقاضي، قد ذكروا أضعاف هؤلاء [السًّبعَة]" اهـ نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 37)، والزيادة بين المَعكوفَتين مِن عِندي لتوضيح المَعنَى.
وتوضيحًا لقول الإمام (مَكي) –رَحِمَه الله- الذي قد يُشكِل على بَعض القُراء، أقول: لقد أنزِل القُرآنُ على سَبعة أحرُف، إن كانَت هي نفسها القِراءات السَّبع، فباقي القِراءات –إذَن- ليس لها نَصيبٌ مِن الأحرف السَّبعة التي هي كل القُرآن، فهي –على هذا القَول- ليست قُراءنًا، فتأمَل!
قال شَيخُ الإسلام (ابن تيميَّة) –رَحِمَه الله تعالى-:
"لا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ " الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ " الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ هِيَ "قِرَاءَاتِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةَ" بَلْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ قِرَاءَاتِ هَؤُلاء هُوَ الإمامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ بِبَغْدَادَ فَإِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ الْمَشْهُورَ مِنْ قِرَاءَاتِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ; إذْ هَذِهِ الأمصارُ الْخَمْسَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عِلْمُ النُّبُوَّةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْ الأعمال الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ فَلَمَّا أَرَادَ ذَلِكَ جَمَعَ قِرَاءَاتِ سَبْعَةِ مَشَاهِيرَ مِنْ أَئِمَّةِ قُرَّاءِ هَذِهِ الأمصار; لِيَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ لا لاعتقادِه أَوْ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ هِيَ الْحُرُوفُ السَّبْعَةُ أَوْ أَنَّ هَؤُلاء السَّبْعَةَ الْمُعَيَّنِينَ هُمْ الَّذِينَ لا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ قِرَاءَتِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ: لولا أَنَّ ابْنَ مُجَاهِدٍ سَبَقَنِي إلَى حَمْزَةَ لَجَعَلْت مَكَانَهُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ إمَامَ جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَإِمَامَ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ فِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ" اهـ كلامُه مِن «مَجموع الفتاوى»: (13/ 389).

(2) قال الإمام (مَكي بن أبي طالب) –رَحِمَه الله-: "هذه القِراءت التي يُقرأ بِها اليوم وصحت رواياتها عَن الأئمة؛ جُزءٌ مِن الأحرف السَّبعة التي نَزَل بها القُرآن" اهـ نَقلا عَن «فتح الباري»: (19/ 37).
وقال الإمامُ (أبو العباس بن عمار) –رَحِمَه الله-: "أصح ما عليه الحُذاق أنَّ الذي يُقرأ الآن [في المُصحَف هو] بعض الحُروف السَّبعة المأذون في قِراءتها لا كُلها، وضابِطُه ما وافق رَسمَ المُصحَف" اهـ نَقلا عَن «فتح الباري» (19/ 36)، والزيادة بين المَعكوفَتين مِن عِندي لتوضيح المَعنَى.
وقال الإمامُ (البَغوي) –رَحِمَه الله- في «شَرح السُّنَة»: "المُصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العَرضات على رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فأمر (عُثمان) –رَضي الله عَنه- بِنَسخِه في المَصاحِف وجَمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك؛ قَطعًا لمادة الخِلاف فصار ما يُخالِفُ خَطَّ المُصحف في حُكم المَنسوخ والمَرفوع كسائِر ما نُسخ ورُفِع، فليس لأحدٍ أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارِج عَن رَّسم المُصحَف" اهـ بتصرف يَسير نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 36: 37).
وبَيَّن الإمامُ (الزركشي) –رَحِمَه الله- في كِتابِه «البُرهان في عُلوم القُرآن» أنَّ الحَرف الذي استقر عليه الأمرُ هو حَرفُ (زَيد بن ثابِت) –رَضي الله عَنه؛ فقال: "السبعة أحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدى الناس منها إلا حرف (زيد بن ثابت) الذي جمع (عثمانُ) عليه المصاحف" اهـ.

(3) قال الإمامُ (ابن أبي هاشِم) –رَحِمَه الله-: "إنَّ السَّبب في اختلاف القِراءت السَّبع وغيرِها أنَّ الجِهات التي وُجِهَت إليها المَصاحِف كان بها مِن الصَّحابَة مَن حَمَل عَنه أهلُ تِلك الجِهَة، وكانت المصاحِف خالية مِن النُقط والشَّكل، فَثَبَت أهلُ كل ناحية على ما كانوا تَلقوه عَن الصحابة بِشَرط موافَقَة الخَط، وتركوا ما يُخالِفُ الخَطَّ؛ امتثالا لأمرِ (عُثمان) –رَضي الله عَنه- الذي وافقه عليه الصَّحابَةُ؛ لِما رأوا في ذلك مِن الاحتياط للقُرآن، فَمِن ثَمَّ نشأ الاختلافُ بين قُراء الأمصار مَع كونِهم مُتَمَسكين بِحَرفٍ واحِدٍ مِن السَّبعة" اهـ بتصرف يَسير جِدًّا نَقلا عَن «فَتح الباري»: (19/ 36: 37).
وصلى الله وسَلَّم على نَبيِّنا مُحمد وعلى آله وأصحابِه أجْمَعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منقول من ملتقى اهل التفسير
جزاك الله خيرا شيخنا لو تعطينا مثال على القول الثاني لانه بالمثال يرسخ المعنى ويفهم



الساعة الآن 05:47 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .