تقسيم كتاب"مختصر التبيان في آداب حملة القرآن"
http://www.assiraj.bizland.com/graphics/tabyan.jpg
للإمام النووي -رحمه الله- بِسْمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيم، وَبِهِ نَسْتَعِين. الحمد للهِ الكريم المان ذيِ الطول، والفضل، والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان، ومنَّ عَلينا بإرسالهِ إلينا خيرَ خَلقهِ، مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، فمحا به عبادة الأوثان، وأكرمه صلى الله عليه وسلم، وحبانا بالقُرآنِ المُعجِزة المُستَمرة عَلى تَعاقبُ الأَزمَان التي يتحدى بها الجنّ، والإنس، بأَجمَعهم، وأقْحَمَ بِها جميعَ أهلِ الزيغ والطُغيان، وَجَعلهُ رَبيعاً لِقُلوبِ أهلِ البصائر والعِرفان، ولا يخلق عن كَثْرةَ الردِّ، وتغَاير الأَحيان، وَيسَرهُ حتى استظهره صَغائرُ الولدان، وضعَّف الأجرَ في تلاوتهِ، وأعظمَ بهِ في الامتنان. أَحمدهُ أَبْلغَ الحمد على ذلك، وغيره من نِعمهِ التي أَسْبَغَها علينا في كُل حينٍ وأوان، وأسألهُ المِنَّة عليَّ، وَعلى جَميع أحبَّائي بالرّضوان. وأَشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، شَهادة مُحصّلة للغُفْران، مُنقِذة صاحبها مِنَ النِّيران، مُوصلةً لَه إلى سُكنى الجِنان. أمَّا بعد.. فإنَّ الله سُبحانه وَتعالى منَّ على هذه الأمَّة، وزادها شرفاً بالدينِ الذي ارتضاه لنفسهِ دين الإسلام، وإرساله إليها خيرته مِن خلقهِ، مُحمَّداً سيد الأنام عليه منه أفضل الصلوات، والبركات، والسّلام وأكرمهما بكتابهِ القُرآن أفضلَ الكلام، وجمع فيه جميع ما يحتاج إليه من أخبار الأولين، والآخرين، والمواعظ، والأمثال، والآداب، وأصناف الأحكام والحُجج القطعيات، الظَّاهرات في الدلالات على وحدانيته، وغيرها مما جاءت به رسله، صلوات الله وسلامه عليهم، الدامغات لأهل الإلحاد الضُّلال الطُغام، وحثَّ على تلاوته، والاعتناء به، ولإعظام وملازمة الآداب، وبذل الوسع في الاحترام، ورأيت بتلاوة القُرآن العزيز تعلُّماً وتعليماً، ودراسة في جماعات، وفُرادى مجتهدين في ذلك بالليالي، والأيام، وزادهم الله حرصاً عليه، وعلى سائر الطّاعات مُريدين به وجه اللهِ، ذي الجلال والإكرام، فدعاني ذلك إلى جمع مختصر في آداب حملته، وأوصاني حُفاظه وطلبته فجمعتُ ذلك وأوضحتهُ، وبيَّنتهُ وأتقنته، وسميته "كتابُ التِبيان في آداب حملة القُرآن" وذكرت فيه نفائس يحتاج حافظه إلى معرفتها، ويقبُح بهِ جهلها، وتفويت خبرتها، ثُمَّ رأيت المصلحة في اختصاره تسهيلاً لحفظه وانتشاره فَشَرعتُ في ذلك قاصداً المبالغة في الاختصار، معَ إيضاحِ العبارة، والرّمز للأدلة، وبعض الأحكام التي يَحصُل الفهم منها بالإشارة، فمن أُشكل عليه شيء مِمَّا أذكره هُنا، وأَراد زِيادة في بسطه فليطلبه من"التبيان" يجده إِنْ شاء الله تعالى واضِحاً في حُكْمِهِ وضبطِهِ، وعلى الله الكريم الاعتماد، وإليه التفويضُ والاستناد، وحسبي اللهُ ونعم الوكيل، وهذه فهرستُ أبوابه :
|
(1) الباب الأول في أطراف من فضيلة تلاوة القُرآن وحَمَلتهِ قَالَ الله عَز وجلَّ : (( إِنّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأقاموا الصَّلاَة وَانْفَقوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلاَنِية يَرْجُونَ تِجَارةً لَنْ تَبُور* لِيُوَفِيّهُــمْ أُجُــورَهمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إنه غفور شكور)) [غافر 29، 30]. وَثبتَ في صحيحي البُخاريُّ ومُسلم رحمهم الله عن عثمان رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَه). وفي الصحيحين، عن عائشة ـ رضي الله عنها قالت : قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ، لَهُ أَجْرَانِ ). وفي الصحيحين، أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم). وفي الصحيحينِ عنِ بْنِ عُمر رضي اللهُ عنْهُمَا، عَن النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآن ؛ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آَنَاءَ اللَيْلِ، وَأَنَاءَ النَّهَار، وَرَجُلٌ آَتَاهُ اللهُ مَالٌ فَهُوَ يُنْفقهُ أَنَاءَ اللَيْلِ وَأَنَاءَ النَّهَار). وَرَوَياهُ في الصَّحِيحينِ من رِوَاية عَبدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتهِ في الحَقِّ، وَرَجُلاً آَتَاهُ حِكْمَةُ فَهُوَ يَقْضِي بِهَاَ وَيُعَلِّمهَاَ ). وفي صَحِيحِ مسلمٍ عَنْ أَبي أُمَامَة رضي الله عنه، عَنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (اقْرَءوا القُرْآن ؛ فَإنَّهُ يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعَاً لأَصْحَابَهِ). وفيهِ عنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنه، أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَال : ( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَاَ الكِتَابِ أَقْوَامَاً، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِين ). وفي كِتاب التِّرمذيُّ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (الَّذي لَيْسَ في جَوْفِهِ شَيءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِب) قال الترمذيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح. |
(2) الباب الثاني في ترجيح القراءة والقاريء على غيرهما ثبتَ في صحيح مسلمٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَأَهُمْ لِكِتَابِ اللهِ). وفي صحيحِ البُخَاريُّ عَنْ ابن عَبَّاس رضي الله عنه : كَاَنَ القُراء أَصْحَاب مَجْلِس عُمَر رضي الله عنه، ومُشاوريه كُهُولاً كَانوا أو شُبانا وفيه أنَّه صلى الله عليه وسلم، كَاَنَ يَأَمرُ في قَتلى أُحد أَنْ يُقَدَّم إلى القِبْلَة أَقْرَاَهُمْ، وَأَعْلَم إنَّ المَذْهبَ المُخْتَار الَّذي عَلَيْهِ الشّافعيُّ، وَمن لا يُحصَى من العُلماء، أَنَّ قِرَاءة القُرْآنِ أَفْضَلَ مِن سَائِرِ الأَذْكَار، وَقَد تَظَاهَرت الأَدِلَّة عَلَى ذَلِك الباب الثالث في إكرام أهل القرآن، والنهي عن إيذاءَهُمْ قال الله تعالى : (( وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَأَ مِنْ تَقْوَى القُلُوب )) [الحج :32] وقال تعالى : (( وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه )) [الحج:30]. وقال الله سبحانه وتعالى : (( وَالَّذِين يُؤْذُونَ المُؤمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَاَ اكْتَسَبوا فَقَدْ احتَمَلوا بُهْتَانَاً وَإثْمَاً مُبِيْناً ))[الأحزاب:58]. وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله. وعنْ أَبي مُوسى الأَشْعَرِيُّ ـ رضي الله عنه قَال : قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم : (مِنْ إِجْلاَلِ الرُّفْقة إِكْرَامِ ذِي الشَيْبَة المُسْلِمْ، وَحَامِلِ القُرْآن، غَيْرِ الغَالي فِيهِ، والجَافِي عَنْهُ، وإِكْرَامِ ذِي السُّلْطَان) رواهُ أبو داود وهو حديثٌ حسن. وفي صَحيح البُخاريُّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الله عزوجل قال: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنَنِي بِالحَرْبِ) وَقال الإمَامَان الجَلِيلاَنِ : أَبو حَنِيفة، وَالشّافِعيُّ رحِمَهُمَاَ الله: إِنْ لَمْ يَكُن العُلَمَاء أَوْلِياءُ الله فَلَيْسَ للهِ وَلِيّ. |
(3) الباب الرابع في آداب مُعلِّم القُرآن،ومُتعَلمه ينبغي لكل واحدٍ منهما أن يقصد به رضا الله تعالى لقوله تعالى : (( وَمَاَ أُمِروا إلاَّ لِيَعْبدو اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء.. الآية )) [البينة:5]. وفي الصَّحِيحَينِ عَن عُمَر بْنِ الخَطَّاب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّمـَاَ الأَعْمَــالُ بِالنِّــيَاتِ، وَإِنَّمَاَ لِكُلِّ امْرِيءٍ مَاَ نَوَى.. ) وَرَوَينَاَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّمَاَ يحفظُ الرَّجل على قَدر نِيَّتِه قال العارِفون : الإخلاص: تصفية الفِعل عن مُلاَحَظةِ المخلوقات، وقيِل هُو استواء أفعَال العبد ظاهراً، وباطنا فصل ولا يقصد بتعلمه، ولا تعليمه توصّلاً إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عِند الناس، أو صرف وجوه النَّاسِ إلَيه، أو نحو ذلك قال الله تعالى: (( ومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الدُنياَ نُؤْتِهِ مِنْهَاَ وَمَاَ لهُ في الآخِرة مِنْ نَصِيب )) [الشورى:20]، وقال تعالى : (( مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَاَ لَهُ فِيهَاَ مَاَ نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد ثُمَّ جَعَلْنَاَ لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَاَ مَذْمُومَاً مَدْحُورَاً )) [الإسراء:18]. فصل ولا يُشين المقريء إقراؤه بطمع في رفق يحصُل له من بعض مَن يَقرأ عليه سواء كان الرفق مالاً أو خدمة، وإن قلَّ، وإن كان على صُورة الهدية التي لولاَ قرائته عليه لما أهداها إليه، وليحذر كل الحذر مِن قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه، والمترددين إليه، وليحذر مِن كراهته قراءة أصحابه على غيره، ممن ينتفعوا بقراءتهم عليهم، وهذه معصية يُبتلى بها بعض المعلمين، الجاهلين، وهي دلالة بينة من فاعلها على سوء نيته، وفساد طويته وعدم إرادته بتعليمه وجه الله الكريم. وقد روينا في مسند الدارميُّ عَنْ عليّ رضي الله عنه قال : (ياَ حَملَة العِلمِ اعملوا به، فَإنَّما العالم من عَمِل بعلمِهِ، ووافق علمه عمله، وسيكونُ أقوام يَحْمِلون العلم لا يُجاوزُ تَراقِيهم يخالف عملهم علمهم، ويُخالف سرِيرتهم علاَنِيهم يجلسون حلقاً يُباهي بعضهم بعضاً، حتى أن الرَّجل ليَغُضُّ على جليسهِ أن يجلس إلى غيره، ويدعه أولئك لا يتَصَعَّد أَعمالهُم في مَجالسهم تلكَ إلى الله تعالى) [إسناده ضعبف جداً] |
(4)
فصل وينبغي للمُعلم أن يتخلق بآدابِ الشرع من الخلال الحميدة، والشيم المرضية، والزهادة في الدنيا، والتقللِ منها، وعدمِ الإلتفات إليها، وإلى أهلها، والسخاء والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، والحلم والصبر، والتنَزّه عن دنيء الإكتساب ومُلازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، واجتناب الضحك والإكثارِ من المزْح، وليعْتني بالتنَظُّف بإزالة الأوساخ، والشعور التي ورد الشرع بإزالتها، كقص الشارب، وتقليم الأظفار، وتسريح اللحية، وإزالة الروائح الكريهة، والملابس المكروهة، ويراقب الله تعالى في جميع تقلباته في سره وعلانيتِهِ. فصل وليحذر كل الحذر من أمراض القلوب كالحسد، والعجب، والرياء، واحتقار الناس والإرتفاع عليهم، وإن كانوا دونه، وعليه أن لا يرى نفسهُ خيراً من أحد فصل وينبغي أن يُرفق بالذين يقرؤن عليه، ويرحب بهم، ويُحسن إليهم بحسب حاله وحالهم ويبذل لهم النَّصيحة ما استطاع، فإن نصيحة غيرهم واجبة فهم أولى ولا يتعظَّم عليهم، وأن يكون سمحاً بتعليمهم برفق وتطلف، ويحرضهم على التعلم، ويتألفهم عليه ويُعرّفهم أنَّ العلماء ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويحنق عليهم، ويعتني بمصالحهم كاعتنائه بمصالح نفسه وولده ويجري المتعلم منه مجرى ولده في الشفقة عليه والإهتمام بمصالحه، والصبر على جنابه وسؤاديه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان ويعرفه قبح ذلك ؛ بتلطفٍ لئلا يعود إلى مثله، وينبغي أن يحب له من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له من النقص ما يكره لنفسه فصل وينبغي أن يذكر للمتعلم فضيلة التعلم ليكون سبباً لنشاطه وزيادة رغبته ويزهده في الدنيا ويرغبه في التأهب للآخرة، ويكون حريصاً على تعليهم، مؤْثراً لهم على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية ويكون حريصاً على تفهيمهم، وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به فلا يكثر على شيء لا يحتمل الإكثار، ولا يغتفر لمن يحمل الزيادة ويفرغ قلبه في حال جلوسه عن الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة. |
(5)
فصل وينبغي أن يكون مُؤدِّباً لهم على التدريج بالآداب السُّنية، والشِّيم المرضِية، ورياضة النَّفس بالدّقائق الخفيّة، ويعودهم الصِّيانة في جميع أمورهم الباطنية والجلية، ويحرضهم بأقواله، وأفعاله المتكررات على الإخلاص، والصِّدق، وحُسنِ النِّيات ومُراقبة الله تعالى في جميع اللحظات، ويُعرّفهم أن بذلك تتفتحُ عليهم أنوار المعارف، وتنشرح صدورهم، وتتفجر من قلوبهم ينابيع الحكم واللطائف، ويُبارك لهم في علمهم، وأحوالهم ويُوفقون في أفعالهم وأقوالهم. فصل ويأخذهم في إعادة محفوظاتهم، ويُثني على من ظهرت نجابته ما لم يخشى عليه فتنةً بإعجابٍ ونحوه، ويُعنَّف من قَصَّر تعنيفاً لطيفاً ما لم يخشى تنفيره، ويُقدم في تعليمهم إذا ازدحموا، الأول فالأول، ولا يُمَكَّن السَّابق من إيثاره بقربه إلا لمصلحة شرعية، فإن الإيثار في القرب مكروه. وينبغي أن يتفقد أحوالهم، ويسأل عمن غاب منهم، ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النِّية، فقد قال سُفيان وغيره : طلبهم للعلم نيِّة. فصل ويصون يديه حال إقرائه عن العبث، وعينيه عن تفريق النَّظر من غير حاجة شرعية، وأُذنيه عن الاستماع لغير القارئ، ويقعد على طهارة مستقبلاً القبلة بوقار في ثياب بيض نظيفة، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قيل الجلوس، سواء كان الوضع مسجداً أو غيره، فإن كان مسجداً كان آكد فإنه يكره الجلوس فيه قبل الصلاة، ويجلس متربعاً إن شاء أو غيره متربع ولو جلس جاثياً على ركبته كما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان حسناً ويكون مجلسه واسعاً يمكن جلساؤه فيه. وممَّا يتأكد الاعتناء به أن لا يذل العلم فيذهب إلى موضع يُنسب إلى من يتعلم ليُعلّمه فيه، وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصونه عن ذلك كما صانه السلف رضي الله عنهم. فصل تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح له إلا واحد تعيّن عليه، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، فقام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين وإن امتنعوا كلهم أثموا إن لم يكن لهم عُذر شرعي. |
(6)
فصل في آداب المتعلم جميع ما ذكرناه من آداب المعلم في نفسه آداب للمتعلم، ومن آدابه أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن تحصيل كمال إلا سبباً لابد منه للحاجة، وينبغي أن يُطهر قبله من الأدناس ليصلح لقبول القرآن، واستثماره، ويتواضع للعلم، فبتواضعه يدركه وقد قالوا: العلم حرب للمتعالي كما أَنّ السيل حرب للمكان العالي، ويتواضع لعلمه ويتواضع معه وإن كان أصغر سناً منه، وأقلَّ شُهرةً وَنسباً وصلاحاً وغير ذلك وينقاد له، ويشاوره في أموره ويقبل قوله كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب النَّاصح الحاذق، وهذا أولى. فصل ولا يتعلم إلا ممن كملت أهليته وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال السلف : ( هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم ). وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته، ورجحانه على طبقته، ويدخل عليه كامل الحال متنظفاً بما ذكرناه في المعلم متطهراً مستعملاً للسواك، فارغ القلب من الأمور الشاغلة، ولا يدخل بغير استئذان إلاَّ إذا كان المعلم في موضع لا يحتاج فيه إلى استئذان، ويسلم على الحاضرين إذا دخل، ويخصه بزيادة وتودد، ويسلم عليه وعليهم إذا انصرف ولا يتخطى رقاب النَّاس ؛ بل يجلس حتى ينتهي به المجلس، إلا أن يأذن له المعلم في التقدم، ويعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يُقيم أحداً من موضعه، ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، فإن فسحا له قعد وضمَّ نفسه. وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : (من حق العالم عليك أن تُسلم على النَّاس عامة، وتخصّه دونهم بالتحية، ون تجلس أمامه، ولا تُشيرن عنده بيدك، ولا تغمزنَّ بعينيك، ولا تقولنَّ : قال فلان خلاف لقوله، ولا تغتابنَّ عنده أحد، ولا تسارّ في مجلسه، ولا تأخذن بثوبه، ولا تُلح عليه إذا كسل، ولا تُعرض ولا تشبع أي من طول صُحبته و عليه أن يرد غيبة شيخه إن قدر فإن تعذّر عليه ردها فارق ذلك المجلس). فصل وينبغي أن يتأدب مع رفقته، وحاضري مجلس شيخه، فإن ذلك أدب مع شيخه، وصيانة لمجلسه، ويقعد بين يديّ الشيخ قعدة المتعلمين، ولا يرفع صوته رفعاً بليغاً من غير حاجة ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة، ولا يعبث بيده ولا غيرها، ولا يلتفت يميناً وشمالاً من غير حاجة ؛ بل يكون متوجّهاً إلى الشيخ مصغياً إلى كلامه، ولا يقرأ عليه في حال شُغل طلب الشيخ وملله واستنفاره، وغمِّه، وفرحه، وجوعه، وعطشه، ونُعاسه، وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه أو يمنعه من كمال حضور القلب، والنشاط ويغتنم أوقات نشاطه، ويتحمل جفوة الشيخ، وسوء خُلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول لأقواله، وأفعاله المنكرة في الظاهر تأويلات صحيحة، وإذا جفاه الشيخ ابتدأه هو بالاعتذار، وإظهار الذنب له، والعتب عليه |
(7)
فصل وقد قدّمنا أنَّهُ يُكره الإيثار بنوبتهِ ؛ فإنْ رأى الشيخ الإيثار في بعض الأوقات لمعنىً شرعي فأشار عليه به امتثل أمره. فصل |
(8)
الباب الخامس في آداب حامل القُرآن قد تقدم جُملٌ منهُ في الباب الرابع، من آدابه أن يكون على أكمل الأحوال، وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القُرآن عنه، وأن يكون متصوِّنَاً عن دنيء الاكتساب، شريف النَّفس، مُتَرَفِّعاً عن الجبَابِرة، والجُفاة من أهل الدنيا متواضعاً للصالحين، وأهل الخير والمساكين، وأن يكون مُتخشِّعَاً ذا سكينةٍ ووقار. فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : "ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليلهِ إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائهِ إذا النَّاس يضحكون، وبصمتهِ إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون ". وعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال : إن من كَان قبلكم رأوا القُرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار. وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : "حامل القُرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهوا مع من يلهوا، ولا يسهو مع من يسهوا، ولا يلغوا مع من يلغوا تعظيماً لحق القرآن". فصل ومن أهم ما يُؤمرُ به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن عيشة يكتسب بها، فقد جاء في النهي عن ذلك أشياء كثيرة مشهورة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة، والسَّلف، وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء في جوازه، فجوزه عطاء، ومالك والشافعي، وآخرون إذا استأجره إجارة صحيحة. ومنعه الزُّهريّ، وأبو حنيفة، وآخرون. والأحاديث الصحيحة تقتضي الجواز. أمَّا الحديث الوارد بالمنع، فعنه جوابان أوضحتهما مع غيرهما. |
(9)
فصل فصل |
(10)
فصل في المحافظة على قراءة القُرآن بالليل ينبغي أن يحافظ على قراءة القُرآن في الليل، ويكون إعتناؤه بها فيه أكثر وفي صلاة الليل أكثر ؛ لأن الليل أجمع للقلب، وأبعد من الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون من تطرق الرياء، وغيره من المحبطات مع ما جاء في الشرع من إيجاد الخيرات في الليل كل إسراء، وحديث النُّزول، وحديث : في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء كل ليلة وقد تظاهرة نصوص القُرآن والسُّنّة وإجماع الأمَّة على فضيلة القراءة والقيام بالليل، والحث عليه، وذلك يحصل بالكثير، والقليل، وما كثر أفضل إلا أن يستوعب الليل كله ؛فإنه يُكره الدَّوام عليه، وكذا يُكره إن أضرَّ بنفسه ما دون الجميع وقد روى أبو داود في "سننه" أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَب مِنَ الغَافلِين، وَمَنْ قَامَ بِمائَةِ آيَة كُتِبَ مِنَ القَانِتِين، وَمَنْ قَامَ بَأَلْفِ آية كُتِبَ مِنَ المُقَنْطَرِين) فإن فاتتهُ وظيفته بالليل فليحرص على قِراءتها في أول النَّهار. ففي صحيح مسلم عن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنهُ قَــال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ نَامَ عَنْ حِزبِهِ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ عَنْ شَيءٍ مِنهُ فَقَرَأَهُ بَيْنَ صَلاَةِ الفَجْر، وَصَلاَةِ الظُّهر، كُتِبَ كَأَنَّمَاَ قَرَأَ مِنَ اللَّيْلِ) فصل وليحذر كل الحذر من نسيانه، أو نسيان بعضه، ومن تعريضه للنسيان فقد روى أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عُرِضَتْ عَليَّ ذُنوبُ أُمَّتي فَلَمْ أَرى ذَنبَاً أَعْظَمَ مِنْ سُورةِ القُرْآن، أَوْ آية أُوتِيهَاَ رَجُلٌ، ثُمَّ نَسِيهَاَ). وأنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ الله تَعَالَى يَوْمَ القِياَمَة أَجْذَم). [إسنادهُ ضعيف] |
(11)
الباب السادس في آداب قراءة القرآن أول ذلك أنَّهُ يجب على القارئ الإخلاص كما قدمناه، ومراعاة الأدب مع القرآن، وينبغي أن يستحضر في ذهنه أنه يناجي الله عز وجل ويقرأ على حال من يرى الله تعالى. فصل ينبغي إذا أراد القراءة أن يُنظِّف فمه بالسّواك وغيره، ويختار في السِّواك الأراك، ويجوز بكل ما يُنظِّف كالخرقة الخشنة والآشنـان، ولا يحصل بالأصابع الخشنة على الأصح، وقيل يحصل إن لم يجد غيرها، ويستاك عرضاً مبتدياً بالجانب الأيمن من فمه، وينوي الإتيان بالسُّنة، ويمر بالسواك على ظاهر الأسنان، وباطنها، ويمر على سقف حلقه إمراراً لطيفاً، ويستاك بعود متوسط بين اليابس والرطّب، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه !، فإن كان فمه نجساً فينبغي أن يغسله، فإن قرأ القُرآن قبل غسله فهو مكروه وفي تحريمه وجهان. فصل يُستحب أن يقرأ مُتطهراً، فإن قرأ مُحدِثاً جاز بإجماع المسلمين ولا يقال له مكروه، ويقال تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنَّه طهر حكمها حكم المحدث، وأما الجنب والحائض فيحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلوبهما من غير لفظ، ويجوز لهما النظر في المصحف، وإمراره على القلب، وأجمع المسملون على جواز التسبيح، والتهليل، والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار للجنب والحائض قال أصحابنا يجوز أن يقول لغيره (( خُذِ الكِتابَ بِقٌوة )). وكذا ما أشبهه إذا لم يقصد القرآن، وكذا يقول عند ركوب الدَّابة : (( سُبْحان الَّذِي سَخّرَ لَنَاَ هَذَاَ وَمَاَ كُنَّاَ لَهُ مُقْرِنِين))، وعند الدُّعاء (( رَبَّنَاَ آتِنَاَ في الدُّنياَ حَسَنَةً وَفي الآخِرةِ حَسَنَةً وَقِنَاَ عَذَابَ النَّار )). ويجوز أن يقول "بسم الله، والحمدُ لله " إذا لم يقصد القراءة، فإن قصدها في شيء من هذا أثم، ويجوز للجُنب والحائضِ قراءة ما نُسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما فصل إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماءً تيمم وتُباح له القراءة والصلاة وغيرها، فإن أحدث حُرمت عليه الصلاة ولم تُحرم القراءة، سواء تيمم في الحضر أو في السَّفر، وقيل إن تيمم في الحضر لم تحل له القراءة خارج الصلاة، والصواب من القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل. أما إذا لم يجد ماء ولا تراب فيُصلي وتُحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة، ويجب قراءة الفاتحة على المذهب الصحيح المختار، وقيل يحرم ؛ بل يأتي بدلها بالأذكار، والصواب الأول. فصل يُستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف، واستحب العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة ومحصلاً لفضيلة أخرى وهو الاعتكاف فإنه ينبغي لكل جالسٍ في المسجد أن ينوي الاعتكاف سواء قلَّ لبثه أو كثر، وينبغي أن ينويه أول دخوله.وأما القراءة في الحمام فليست مكروهة عند أصحابنا، وبه قال عطاء والنخعي ومالك، وذهب أبو حنيفة وطائفة من العلماء إلى كراهتها. وقال الشّعبي تُكره قراءة القُرآن في ثلاث مواضع : الحمام، وبيت الحش، وبيت الرحا وهي تدور. وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها ليست مكروهة إذا لم يلته صاحبها، وروى نحو هذا عن أبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز وكرهها مالك. ... |
(12)
فصل فصل والتعوذ ليس بواجب ؛ بل هو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجها، ويُستحب في الصلاة في كل ركعة على الأصح، وقيل إنَّما يُستحب في الأول، فعلى هذا لمن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويُستحب التعوذ عقب التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة على الأصح، ويُجهر بالتعوذ إذا قرأ خارج الصلاة !، وهل يجهر به في الصَّلاة التي يُجهر بها في القراءة فيه وجهان. فصل فصل وقال تعالى : (( أفلا يَتَدَبَّرون القُرآن )). والأحاديث والآثار في هذه كثيرة، وقد كان من السَّلف خلائق لا يُحصون يبيت أحدهم يردد الآية جميع الليل أو معظمه للتدبر، وقد صُعق جماعات من السَّلف عند قراءة القرآن، ومات جماعات منهم بسبب القراءة، وقد ذكرت في التبيان جُملة من أخبار هؤلاء رضي الله عنهم. وقد قال إبراهيم الخواص : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السَّحر، ومجالسة الصالحين. |
(13)
فصل والأحاديث والآثار فيه كثيرة أشرت إلى بعضها في "التبيان" وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود، ثم يُفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره حزن وبكاء، فليبك على فقد ذلك ؛ فإنَّهُ من المصائب. فصل وثبت في الأحاديث الصحيحة أن قراءة النَّبي صلى الله عليه وسلمكانت مُرتلة مفسرة، وكذا قراءة السَّلف، وقد نهى عن الإفراط في الإسراع ويسمى الهذّ. قالوا وقراءة جزء بترتيل أفضل من جزأين في ذلك الزمن بغير ترتيل. قال العلماء : والترتيل مستحب للتدبر ؛ ولكنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيراً في القلب. ولهذا يُستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه. فصل فصل وتجوز القراءة بالقراءات السبع المشهورة المجمع عليها، ولا يجوز القراءة بغير السبع، ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، فإن قرأ بالشاذ في الصلاة بطلت إن كان عالماً، فإن كان جاهلاً لم تبطل، ولم تحسب قراءته، وإذا ابتدأ القارئ القُرآن على قراءة أحد السبعة ؛ فينبغي أن يدوم عليه ما دام الكلام مرتبطاً، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة، والأولى، دوامه على القراءة الأولى في هذا المجلس |
(14) فصل ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها أو خالف المولاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركاً للأفضل، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه ؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حِكمة الترتيب. وأمَّا تعلم الصِّبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسنٌ ليسَ من هذا الباب لتفاصلها في أيام. فصل |
(15)
فصل في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين، وفضل جامعهم لذلك، وحاضري مجلس القراءة من القارئين والسامعين وأما المتسبب في جمعهم لذلك فأجره عظيم، وفضله جسيم، وهو من الساعين في نصحة كتاب الله تعالى والقيام بحق من حقوقه، وكل هذا ثابت بالدلائل. عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ : ( مَاَ اجْتَمَعَ قَومٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ الله يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ تَعَالى وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم إلاَّ نَزَلَت عَلَيْهِمُ السَّكِينَة وَغَشِيتُهمُ الرَّحمة، وَحَفّتهُمُ المَلاَئِكَة، وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِنْدَه). وقد ذكرت في "التبيان" جملة من الأحاديث والآثار في هذا الفصل ثم لهم في القراءة مجتمعين طريقان حسنان : إحداهما : أن يقرءوا كلهم دفعة واحدة. الثانية : أن يقرأ بعضهم جزء، أو غيره، ويسكت بعضهم مستمعين، ثم يقرأ الساكتون جزءاً ويستمع الأولون ويسمى هذا الإدارة. فصل في آداب القُراء مجتمعين واعلم أنه يجب على كل حاضر مجلس القراءة أن ينكر ما يراه من هذه المنكرات وغيرها فينكر بيده ؛ فإن لم يستطع فبلسانه ؛ فإن لم يستطع فلينكره بقلبه. فصل في رفع الصوت بالقراءة قال العلماء وطريق الجمع بين الآثار المختلفة في هذا الفصل أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف الريـاء، فإن لم يخفه فالجهر، ورفع الصوت أفضل ؛ لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والنفع المتعدي أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همَّه إلى الفكر فيه ويصون سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائمٍ، أو غافلٍ وينشطه قالوا فمهما حضره شيء من هذه النِّيات فالجهر أفضل، فإن جمُعت كلها تضاعف الأجر، هذا إذا لم يخف رياءً ولا إعجاباً، ولا غيرهما من القبائح، ولم يؤذ جماعة يلبس صلاتهم، وتخليطها عليهم ؛ فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر وقد ذكرت في "التبيان" جُملة من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب. |
(16)
فصل في تحسين الصوت بالقراءة قال العلماء : يُستحب تحسين القراءة وتزينها بما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ؛ فإن أفرط حتى زاد حرفاً، أو إخفائه أو مد ما لا يجوز مده فحرام على فاعله، وسامعه إن تمكَّن من إنكاره، ولم ينكره لأنه عدل به نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول: (( قُرآناً عربياً غير ذي عِوج )). من هذا النوع ما يقرأه بعض الجهلة على الجنائز وفي مجال الوعاظ وغيرها، وهي بدعة محرمة ظاهرة، نسأل الله الكريم تعجيل زوالها بخير للمسلمين. قال الشّافعي وغيره : أفضل القراءة ما كان حدراً وتحزيناً، فالحدر درج القراءة والتحزين القراءة بالترقيق. وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه تحزيناً شبه لرثاء. وإذا لم يكن القارئ حسن الصوت حسنه ما استطاع. فصل في استحباب القراءة من حسن الصوت ففي الصَّحِيحين أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود : (اقْرأ عَليَّ القُرْآن، فَإِنِّي أُحبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) فقرأ عليْهِ من سُورة النِّساء حتّى بلغ قوله: (( فَكَيفَ إِذاَ جِئنَاَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَاَ بِكَ عَلى هَؤلاء شَهِيدا))، قال : (حَسْبُكَ الآن). فالتفتُ إليه فَإِذَاَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَان.رواه البخاريُّ ومسلم. والآثار في هذا كثيرة ومشهورة. وقد مات جماعة من الصَّالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، واستحب العلماء افتتاح مجلس حديث النبي وختمه بقراءة قارئ حسن الصوت، ما تيسر من القُرآن، وينبغي أن يكون القارئ في هذه المواطن ما يتعلق بالمجلس، ويناسب الحال، وأن يكون قراءته في آيات المواعظ والزُهد، والترغيب والترهيب وقصر الأمل ومكارم الأخلاق. ... |
(17) فصل ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من الكلام المرتبط بعضه ببعض، وأن يقف على انتهاء المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار، والأجزاء فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط الجزء في قوله تعالى : (( والمُحصنَاتُ مِنَ النِّساء )) وفي قوله تعالى : (( وَمَاَ أُبَرِئُ نَفسي )) وفي قوله تعالى : ((إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلمُ السّاعة )) وفي قوله تعالى : (( فَمَاَ خَطْبُكُم أَيُّهَاَ المُرْسَلُون )). وما أشبهه ينبغي ألاَّ يُوقف عليه ولا يُبتدأ به، ولا يُغترَ بكثرةِ الفاعِلين له، ولهذا قال العلماء : قراءة سورة قصيرة أفضل من قراءة بعض سورة بقدر القصيرة فإنه قد يخفى الارتباط، وكان السَّلف رضي الله عنهم يكرهون قراءة بعض الآية والله أعلم. فصل في أحوال تُكره فيها القراءة وقد تقدم بيان القراءة في الحمام، والطريق، وقراءة من فمه نجس. فصل (( ألم )) قاصداً ذلك، وإنَّما السُّنة قراءة سجدة (( ألم تَنْزِيل )) بكمالها في الركعة الأولى، و(( هل أتى )) في الثانية. فصل في آداب تدعوا الحاجة إليها ومنها أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ. ومنها أنَّه إذا قرأ قوله تعالى : (( وقالت اليهود عُزَيرٌ ابْنُ الله. وقالَت النَّصارَى المَسِيحُ ابْنُ الله ))، (( وَقالت اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولة))، (( وَقَالوا اتخذَ الرحمنُ وَلَداً )) ونحو هذا من الآيات يستحب له أن يخفض بها صوته كذا كان إبراهيم النخعي يفعل. ومنها إذا قرأ قوله تعالى : (( إنَّ الله ومَلاَئِكَتِهِ يُصلونَ عَلى النَّبي )) صلى الله عليه وسلم ـ الآية، يستحب له أن يقول : صلى الله عليه وسلم تسليماً. ومنها إذا قرأ(( أليسَ الله بَأحكمِ الحَاكِمين )) ((أَليسَ ذَلِكَ بقَادرٍ عَلى أنْ يُحيي الموْتَى )) يُستحب أن يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: (( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون )) قال: آمنت بالله. وإذا قرأ (( سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى )) وإذا قرأ : (( وَقُلِ الحَمدُ لله الَّذيِ لَمْ يَتَّخِذ وَلَدَاً )) وهذا كله مستحب أن يقوله القاري في الصلاة وغيرها. |
(18) فصل فصل يستحب للقارئ أن يقول : يرحمك الله، ولو سمع المؤذن أو المقيم قطع القراءة وتابعه، ولو طلبت منه حاجة وأمكن الجواب بالإشارة لفهمه وعلم أنه لا يشق ذلك على السائل استُحبَّ أن نجيبه بالإشارة، ولا يقطع القراءة فإن قطعها جاز، وإذا ورد عليه من له فضيلة بعلم أو صلاح أو شرف أو سن أو ولادة، أو ولاية فلا بأس بالقيام له للاحترام والإعظام. فصل أحدها : بعد تكبيرة الإحرام بقراءة وعام التوجه، وليحرم المأمومون. والثانية : سكتة لطيفة جداً بين آخر الفاتحة وآمين لئلا يُتوهم أن آمين من القُرآن. والثالثة : بعد آمين سكته طويلة بحيث يقرأ المأمومون الفاتحة. والرابعة : بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الركوع. فصل المد والقصر مع التخفيف فيهما. والثالثة : المد مع الإمالة حكاها الواحدي عن حمزة والكسائي. والرابعة : المد مع تشديد الميم حكاها الواحدي عن الحسن البصري، والحسين بن الفضل، وأنكر الجمهور التشديد ثم أن النون في آخرها ساكنة فإن وصلت بمن بعدها فتحت. مثل أين وكيف وفي معناها قريباً من خمسة عشر قولاً، أشهرها وأظهرها معناه. اللَّهُمَّ استجب ويستحب التأمين في الصلاة للإمام والمأموم، والمنفرد، ويجهر المأموم، ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده. يتبع إن شاء الله |
(19) فصل في سجود التلاوة فقال أبو حنيفة هو واجب. وقال عمر الخطاب وابن عبَّاس، وسلمان الفارسي، وعمران بن الحصين، والأوزاعي، ومالك، والشافعي وأحمد، وإسحق، وأبو ثور، وداود وغيرهم. وهو سنة ليس بواجب. فصل فهذه عزائم السجود، وأما سجدة "ص" فسجدة شكر ليست من عزائم السجود أي متأكداته. ومحل هذه السجاد معروف، ولا خلاف في شيء منها إلا في التي في {حم} فإن مذهب أبي حنيفة والشافعي، وأحمد، وجماعات من السلف أنها عقيب قوله (( وهم لا يسأمون )). ومذهب مالك وجماعات من السلف منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنها عقيب قوله تعالى : (( إن كُنتم إياه تعبدون )). وهو وجه لبعض أصحاب الشَّافعيّ والصحيح الأول، وهو أحوط. وأما سجدة "النمل" فالصواب المشهور المعروف أنها عقيب قوله (( رب العرش العظيم )). وقال العبدرى من أصحابنا هي عقيب قوله تعالى (( ويعلم ما يخفون وما يعلنون )) وأدعى أن هذا يعلم مذهبنا، ومذهب أكثر الفقهاء، وليس كما قال والصواب ما قدمناه. فصل فصل |
(20) فصل مسائل مختلفة من سجود التلاوة الثانية : إذا قرأ السجدة على دابته في السفر سجد بالإيماء لو كان في الحضر لم يجز الإيماء. الثالثة : لو قرأ السجدة بالفارسية لم يسجد، وقال أبو حنيفة يسجد. الرابعة : لا يُكره سجود التلاوة في الأوقات التي نهى عن صلاة النافلة فيها. الخامسة : إذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به، بل له الرفع قبله. السادسة : لا تُكره عندنا السجدة للإمام في الصلاة الجهرية، ولا في السرية. وقال مالك : يُكره. وقال أبو حنيفة تُكره في السرية. السابعة : إذا قرأ آية السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد بخلاف ما لو قرأها بالركوع أو السجود، فإنه لا يجوز أن يسجد لأن القيام محل القراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد ثم شك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة. الثامنة : اختلفوا في اختصار السجود وهو أن يقرأ آية أو آيتين ثم يسجد. حكى ابن المنذر عن الشعبي والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والنخعي، وأحمد بن حنبل، وإسحق أنهم كرهوا ذلك، وعن أبي حنيفة، ومحمد، وأبي ثور أنه لا بأس به وهو مقتضى مذهبنا. فصل فيمن يُسنُّ له سجود التلاوة وقيل لا يسجد السامع ولا المستمع إلا أن يسجد القارئ وقيل لا يسجدان لقراءة من في الصلاة. والصواب ما قدمناه، سواء كان الرجل مسلماً بالغاً متطهراً رجلاً أو كافراً أو صبياً أو محدثاً أو امرأة، وقيل لا يسجد لقراءة هؤلاء، وبهذا قال بعض أصحابنا في غير المرأة، والصواب الأول. في وقت سجود التلاوة. |
(21)
فصل في وقت سجود التلاوة وقيل يقضي كما يقضي سنن الصلوات على الأصح. ولو كان حال القراءة محدثاً ثم تطهر على القرب سجد وإن طال الفصل لم يسجد على الصحيح المشهور، وقيل يسجد، ولا اعتبار في طول الفصل بالمعروف على المختار. فصل الثاني : لا يسجد لما عدا الأولى. والثالث : إن طال الفصل وإلا فلا يسجد . لو كرر السجدة الواحدة في الصلاة إن كان في ركعات فهي كالمجالس يسجد لكل مرة بلا خلاف، وإن كان في ركعة كالمجلس الواحد ففيه الأوجه الثلاثة. فصل أما المصلي في جماعة فإن كان إماماً فهو منفرد، وإذا سجد الإمام لقراءة نفسه وجب على المأموم أن يسجد معه، فإن تخلف بطلت صلاته،فإن لم يسجد الإمام لم يجز للمأموم السجود فإن سجد بطلت صلاته ولكن يستحب إذا فرغ من الصلاة ولا يتأكد، ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود فهو معذور في تخلفه ولا يجوز أن يسجد ، ولو علم والإمام بعد في السجود وجب السجود، فلو هوى يسجد فرفع الإمام رأسه وهو في الهوي رفعه معه ولم يجز أن يسجد وكذا الضعيف الذي هو مع الإمام فرفع الإمام قبل بلوغ الضعيف السجود يرجع مع الإمام، ولا يجوز له السجود، وأما المأموم فلا يجوز أن يسجد لقراءة نفسه، ولا غير إمامه، فإن سجد بطلت صلاته، ويكره له قراءة السجدة والإصغاء إلى غير إمامه. |
(22)
فصل في صفة سجود التلاوة اعلم أن الساجد للتلاوة له حالان : أحدهما : أن يكون خارج الصلاة. الثاني : أن يكون فيها. أما الأول : فإذا أراد السجود نوى سجود التلاوة وكبر للإحرام، ورفع يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام في الصلاة ثم يكبر أخرى للهوي إلى السجود ولا يرفع فيها اليد وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط. أما الأولى ففيها ثلاثة أوجه : الصحيح وقول جمهور أصحابنا أنها ركن لا يصح السجود إلا بها. الثاني : أنها مستحبة ويصح السجود بدونها. الثالث : ليست مستحبة ثم إن المريد للسجود قائماً كبر للإحرام في قيامه، ثم كبر للسجود في انحطاطه إلى السجود، وإن كان قاعداً فهل يستحب له القيام، يسجد من قيام فيه وجهان : أحدهما : يستحب وبه قطع جماعات من أئمة أصحابنا منهم الشيخ أبو محمد الجُوَيني، والقاضي حسين وصاحباه، صاحب التهذيب، والتتمة، والإمام المحقق أبو القاسم الرَّافعيّ. والوجه الثاني : لا يستحب وهذا اختيار إمام الحرمين وهو ظاهر إطلاق الأكثرين، ولم يثبت في القيام هنا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن يُقتدى به، والله أعلم. ثم إذا سجد ينبغي أن يراعي أدب السجود في الهيئة والتسبيح. أما الهيئة فيضع يديه حذو منكبيه على الأرض ويضم أصابعها وينشرها جهة القبلة ويخرجها من كميه ويباشر بها وبجبهته موضع السجود، ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة أو خشي لم يجاف، ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته وأنفه من موضع السجود، ويطمئن. وأما التسبيح فأي شيء يسبح به حصل أصل التسبيح، ولو ترك التسبيح صح السجود ولكن يفوته الكمال. قال العلماء : ويسبح تسبيحات السجود في الصلاة وبغيرها فيقول ثلاث مرات : سبحان ربي الأعلى، ثم يقول : اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين. ويقول : سُبّوُحٌ قدوسٌ ربِّ الملائكة والروح. ويقول : اللهم اكتب لي بها عند أجراً واجعلها لي عندك زُخراً، وضع عني بها وزراً واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم. ويقول : (( سُبْحانَ رَبِّنَاَ إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَاَ لَمفعُولاً )) فيُستحب أن يُجمع بين هذه الأذكار كلها ويدعوا معها بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، ثم إذا فرغ من التسبيح رفع رأسه مكبراً، وهل يفتقر إلى السلام ؟ فيه قولان للشافعيّ : أصحهما عند جماهير أصحابه أن يفتقر. والثاني : لا يفتقر فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد فيه وجهان : ــ الصحيح أنه لا يفتقر هذا كله في السجود خارج الصلاة. ــ الحال الثاني : السجود في الصلاة فلا يكبر للإحرام، ويستحب أن يكبر للسجود، ولا يرفع يديه، ويكبر للرفع من السجود، هذا هو الصحيح المشهور، وقيل لا يكبر للسجود، ولا للرفع. وأما آداب السجود من الهيئة والتسبيح فكما تقدم إى أنه إذا كان إماماً فلا يطول إلا برضى المأمومين، ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف، ثم رفع رأسه من سجود التلاوة فلا بد من الانتصاب قائماً، والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئاً ثم يركع فإن انتصب فركع من غير قراءة جاز. |
(23) فصل في الأوقات المختارة للقراءة ونقل عن بعض السَّلف كراهة القراءة بعد العصر وليس هذا بشيء ولا أصل له. ويختار من الأيام الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان، والأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان. فصل هذا هو الصواب الذي عليه عمل السلف والخلف، وجاءت به الآثار، وروى عن مطرف كراهة الثاني وليس بشيء. فصل في آداب الختم وقد جمعت دعوات مختصرة جامعة في "التبيان"، ويستحب إذا ختم أن يشرع في ختمة أخرى عقيب الختم، فقد استحبه السلف لحديث ورد فيه والله أعلم. [الحديث المذكور ضعيف جداً] |
(24)
الباب السابع في آداب الناس كُلهم مع القرآن 23- ثبـت في صحيـح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي قال صلى الله عليه وسلم : (الدِّينُ النَّصِيحة، قُلنا: لمن؟ قال لله وَلِكِتَابهِ وَلرسُوله، ولأئمَّةِ المُسْلمِينَ وَعَامَّتِهمْ). قال العلماء : النَّصيحة لكتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيهه لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر الخلق على مثله، وتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه بالتلاوة والذب عنه لتأويل المحرِّفين وتعرّض الملحدين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه، وأمثاله، واعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه، وإلى جميع ما ذكرنا من نصيحة. فصل فصل |
(25)
فصل وأبي عمرو وقرأه حمزة وغيرهما وكره ذلك بعض السلف والصواب الأول، وعليه عمل السلف والخلف. فصل وقال جماعة من السلف يُكره وهو مذهب أبي جحيفة الصحابي، والحسن البصري، والنخعي رضي الله عنهم. والمختار الأول فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. ويُكره نقش الحيطان والثياب بكتب القرآن في قبلة المسجد، ولو كتب القرآن على حلواء أو طعام فلا بأس بأكلها، ولو كان على خشبة كره إحراقها، ولو كتبه في إناء ثم غسله وسقاه المريض. فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي : لا بأس به وكرهه النخعي. أما الحروز المكتوبة من القرآن وغيره إذا جعلت في قصبة حديد أو جلد أو نحو ذلك فلا يحرم كتابتها وفي كراهتها خلاف. فصل وهل يمنع من تعلم القرآن فيه وجهان : لا يجوز تعليمه القرآن إن كان لا يرجى إسلامه وإن رجى فوجهان : أصحهما جوازه. |
(26)
الباب الثامن في الآيات والسُور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة اعلم أن هذا الباب واسع جداً لا يمكن حصره لكثرة ما جاء فيه، ولكني أشير إلى كثير منه بعبارات وجيزة فمن ذلك السُّنة كثيرة الاعتناء بتلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي العشر الأخير آكد وفي أوتاره، وفي عشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم الجمعة وفي الليل، وبعد الصبح، ويحافظ على يس، والواقعة، وتبارك. الملك، و (( قُلْ هُوَ اللهُ أحَدْ ))، و المعوذتين، وآية الكرسي، ويقرأ الكهف يوم الجمعة وليلتها، وقيل يقرأ يوم الجمعة أيضاً سورة آل عمران، و هود ويقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر سنة الصبح في الأولى بـ (( قُل يَاأيُّها الكافرون ))، وفي الثانية : (( قُلْ هُوَ اللهُ أحَدْ ))، ويقرأ في صلاة الجمعة سورة { الجمعة } وفي الثانية { المنافقين} وفي العيد (ق) و اقتربت وإن شاء قرأ في الجمعة والعيد بـ سبِّح، و (( هَلْ أتَاكَ حَدِيث الغَاشِية )) فجلاهما صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فصل والسُّنّة إذا استيقظ من النوم أن يقرأ آخر آل عمران (( إِنَّ في خَلْقِ السَّمَواتِ.. )) إلى آخر آل عمران، ويقرأ عند المريض الفاتحة، و((قُلْ هُوَ الله أحَد))، و المعوذتين مع النّفث في اليدين ومسحهما. فقد ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ عند المبيت يس. وجاء عن الشعبي أن الأنصار كانوا يقرأون عند المبيت سورة البقرة. |
(27)
الباب التاسع فى كتابة القرءان وإكرام المصحف هذا الباب منتشر جداً وقد ذكرت في التبيان مقاصده، وأنا أختصرها هاهنا بأوجز العبارات الواضحات. أجمع العلماء على صيانة المصحف واحترامه، وأنه لو ألقاه في القاذروة والعياذ بالله كفر ويحرم توسده، بل توسد جميع كثيرة كتب العلم، ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قُدِّم به عليه. واتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبينها وإيضاحها، وتحقيق الخط دون مشقة وتعليقه، ويستحب نقط المصحف وشكله فإنها صيانة من اللَّحن والتحريف، ولا يجوز كتابته بشيء بخس، ويحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو، أو خيف وقوعه في أيديهم، ويحرم بيع المصحف من الذمي فإن باعه ففي صحته قولان : أصحهما : لا يصح. الثاني : يصحّ ويُؤمر في الحال بإزالة الملك عنه ويمنع المجنون والسكران والصبي الذي لا يميز من حمل المصحف مخافة انتهاك حرمته. فصل يحرم على المُحدث مس المصحف وحمله سواء حمله بعلاقة أو بغيرها سواء مس نفس المكتوب أو الورق أو الجلد أو الصندوق أو الغلاف أو لخريطة إذا كان فيهن المصحف. وقيل لا تحرم هذه الثلاثة. والصحيح الأول. ولو كُتب القرآن في اللوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر حتى لو كتب بعض آيو للدراسة حُرِّم مس اللوح، ولو تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود ونحوه ففيه وجهان : أصحها يجوز. والثاني : لا يجوز. ولو لف كمه على يده وتصفح بها قال الجمهور حرم بلا خلاف وقيل لا يحرم وهو غلط، ولو كتب المُحدث أو الجنب مصحفاً إن كان يحمل الورقة أو يمسها حال الكتابة فهو حرام، وإن لم يحملها وبم يمسها ففيه ثلاثة أوجه : أصحها يجوز. والثاني : لا يجوز. والثالث : يجوز للمحدث دون الجنب. |
(28)
فصل أما كتب التفسير فإن كان القرآن أكثر حرم مسها وحملها وإن كان التفسير أكثر ففيه ثلاثة أوجه : ــ أصحها لا يحرم. ــ الثاني : يحرم. الثالث : إن كان القرآن متميز بخط غليظ أو حمرة أو نحوها حرم وإلا فلا. وكتب الحديث إن كان فيها قرآن فهي ككتب الفقه، وإن لم يكن جاز مسها. والأولى أن يتطهر لها ولا يحرم مس ما نسخت تلاوته، كـ{الشيخ والشيخة} والتوراة والإنجيل. فصل وقيل يحرم وليس بشيء. فصل قال القاضي أبو الطيب رحمه الله لا يلزمه التيمم. وفيما قاله نظر وينبغي أن يلزمه، ولو خاف على المصحف من حرق أو غرق أو نجاسة أو كافراً مع أخذه مع الحدث للضرورة. فصل فصل وقال بعض السلف يكرهان. وقال بعضهم يُكره البيع دون الشراء ونص الشافعي على كراهة البيع ووافقه بعض أصحابنا. وقال بعض : لا يُكره. فهذا آخر ما قصدناه في هذا المختصر، والله الكريم أسأله أن يجعل النفع به من العام الدائم المنتشر، وحسبي الله ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين م |
الساعة الآن 05:36 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .