ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   قسم الدورات العلمية المكثفة (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=411)
-   -   [تفريغ] تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215)

أم الخطاب78 15-11-09 02:27 AM

صفحة الشرح الصوتي للمادة متجدد أسبوعياً بإذن الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نبذة عن المحاضرة :
  • مقدمة .
  • من الحديث الأول(ميزان الأعمال الظاهرة والباطنة) إلى الحديث الثالث (الدين النصيحة) .


لتحميل الشريط الأول

من هنــــــــا

أم الخطاب78 15-11-09 02:34 AM

تفريغ الشرح للمادة ,, كل اسبوع بإذن الله حسب الجدول المخصص له
 
شرح جوامع الأخبار (1)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، مكتب الشيخ عبد الكريم الخضير العلمي بالتعاون مع تسجيلات الراية الإسلامية يقدم:
شرح كتاب جوامع الأخبار للعلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، لفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير -حفظه الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن المناسبات الطيبة التي نرجو أن تكون مباركةً ومفيدة مثل هذه الاجتماعات في بيتٍ من بيوت الله، نتدارس كتاباً من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التدوين في السنة تحدثنا عنه مراراً في مناسباتٍ كثيرة، وأنواع المصنفات، ومقاصد المؤلفين، ومناهج المصنفين، تُحدث عنه في مناسباتٍ كثيرة، وألفت فيه المؤلفات، فلسنا بحاجة إلى الإطالة بذكره، بعد عصر التدوين التي ألفت فيه الكتب الأصلية التي تروي الأحاديث بالأسانيد، رأى أهل العلم تيسير العلم على المتعلمين، فألفت المختصرات المجردة ليحفظها طلاب العلم في جميع أبواب الدين، فألف في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، وفي بقية أبواب الدين كالجهاد والسير والفتن والملاحم والرقاق والاعتصام وغيرها من أبواب الدين التي تدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) بعد أن دونت الأحاديث في الكتب المطولة المسندة وتقاصرت الهمم عن درسها فضلاً عن حفظها لجأ أهل العلم إلى تقريبه وتيسيره على المتعلمين، فألفت هذه المختصرات التي لوحظ نفعها، ولله الحمد.
وصارت جادة يسلكها المتعلمون بتوجيهٍ من شيوخهم، يبدؤون فيها بالأخصر، ثم الذي يليه مما هو أطول منه ثم الذي يليه إلى أن يتأهل الطالب لدراسة الكتب الأصلية، ولذا ألفوا في الأحكام في أحاديث الأحكام كتب كثيرة مجردة عن الأسانيد، وألفوا في أبواب خاصة أجزاء اشتملت على أحاديث مما تهم طالب العلم، ومما ألف الأحاديث الجوامع التي هي من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام-، ألف فيها جمع من أهل العلم من أبرزهم النووي -رحمه الله تعالى- في كتاب الأربعين، جوامع وقواعد لا يسعني أنا طالب العلم كل حديث قاعدة من قواعد الشريعة، والنووي قصد العدد لحديثٍ ورد في ذلك، من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعث يوم القيامة في زمرة الفقهاء. اعتمد على هذا الحديث وقد اتفق الحافظ على تضعيفه، إلا أنه كما نقل في مقدمة الأربعين في فضائل الأعمال والجمهور يعملون بالضعيف في فضائل الأعمال. بل نقل الاتفاق على ذلك، واتفاقه منقوظ لوجود المخالف، لكن يبقى أنه قول الجمهور بشروطٍ اشترطوها، وهو ممن يرى هذا الرأي العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فألف هذا الكتاب رجاء أن يندرج في موعود الحديث، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمة الله عليه-، ولسنا بحاجة إلى بيان سيرته، وذكر مناقبه ومؤلفاته وتلاميذه، وشيء من أخباره؛ لأن الموضوع يطول بهذه الطريقة، الشيخ لما لم يصح عنده الحديث ويرى أن الضعيف لا يعمل به لم يعتمد العدة التي اعتمدها النووي، إنما جمع أحاديث يرى أن طلاب العلم في أمس الحاجة إليها، فجمع ما يقرب من مائة حديث هي في الحقيقة جوامع، ولذا سمى كتابه المتن: جوامع الأخبار.
وتداول بعض الناس في رسائل الجوال اسماً محرفاً لهذا الكتاب سموه (عيون الأخبار) فخشيت أن يظن بعض الطلاب أنه كتاب من كتب الأدب، وما أشبه ذلك؛ لكن الإعلانات -ولله الحمد- على الصواب.
جوامع الأخبار: يعني الأخبار الجامعة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، والجوامع جمع جامع، والأخبار جمع خبر، والمراد به الكلام المختصر، الذي يحمل من المعاني أكثر من واقعه من حيث اللفظ، هذا الكلام المختصر أو الموجز فهذا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، فالموصوف الأخبار، والصفة الجوامع، والأخبار جمع خبر، والخبر أعم من أن يكون حديثاً أو أثراً؛ لكنه هنا يراد به الحديث، فالكتاب مؤلف من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- فإنه أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، فيأتي بالمعنى المطلوب بأوجز عبارة، بما لا يستطيع أن يعبر عنه بعض الناس إلا بكلامٍ طويل حتى يفحم غيره عن مراده، هذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- الاختصار في الكلام مع الوضوح بحيث لا يدخل في حيّز المعاياة والإلغاز، لا، كلام واضح إلا أنه مختصر، بحيث يسهل فهمه وحفظه، وعلى هذا جرى صحابته الكرام، لا يشققون الكلام، ولا يتفننون في العبارات، إنما يأتون بالمقصود بأوجز عبارة، جرى هذا سلف هذه الأمة، وأما إعجاز القرآن الذي أعيى الفصحاء، وأفحم البلغاء، فلسنا بحاجةٍ إلى بيانه.
المقصود أن عندنا أخبار جوامع، سلك مسلكه -عليه الصلاة والسلام- صحابته الكرام، فصاروا يبينون للناس ما ينبغي بيانه، وما أخذ عليهم العهد في بيانه بأوجز عبارة، وسلف الأمة كلهم على هذا، يعني من قارن بين فتاوى الصحابة بفتاوى من جاء بعدهم، وكذلك الأئمة المتقدمون وجد البون الشاسع، تجد الإمام من أئمة السلف يجيب بكلمة أو بجملة ويبسطها المتأخر في رسالة أو في جزء، وقد أوضح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في كتابه (فضل علم السلف على الخلف) هذا الباب أتم إيضاح، وبيّن أن سلف هذه الأمة لا يعنون بتشقيق الكلام، ولا توسيعه، ولا الاستطراد، إنما يعنون ببيان ما يحتاج إلى بيانه مع عدم التكلف في الكلام، ولذا يقول -رحمه الله عليه-: "من فضّل عالماً على آخر بكثرة كلامه فقد فضل الخلف على السلف" نعم، قد تدعو الحاجة إلى مزيد البسط والبيان؛ لأن المستفتي قد لا يفهم المراد بالعبارة الموجزة، وكذلك الموجه والمنصوح قد لا يتبين من خلال الكلام الوجيز، وقد يكون الكلام مرتب بمقدمات ونتائج بحيث لا تفهم النتائج إلا إذا بسطت المقدمات، كما يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يبسط الكلام، ولا نقول: أن هذا استطراد لا حاجة له، بل الحاجة داعية إليه؛ لأن الناس في عصره يحتاجون إلى مثل هذا، بينما عندنا في عصرنا تجد الإنسان يتمحل ويستطرد ويشقق ويذهب يميناً وشمالاً بما لا حاجة إليه، وتكبير الكتب ونفخها سمة هذا العصر، بحيث أخرجت بعض كتب السلف بطريقةٍ تصد عن تحصيلها والإفادة منها، فعلينا بالقصد، القصد القصد، وعلى هذا يوجه طالب العلم بالعناية بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يربيه على هذه الطريقة وبسنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها هي المبينة للقرآن وموضحه له، وأيضاً كلام الأئمة الموثوقين المعتمدين الراسخين في العلم المعروفين بسلامة القصد وصحة العمل ممن يقرن العلم بالعمل، ومن المتأخرين فيما نحسب -والله يتولى الجميع- مؤلف هذا الكتاب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-.
ونبدأ بالمقصود بعد هذه المقدمة التي نرجو أن تكون نافعة، الحال يستدعي أكثر من ذلك؛ لكن الأحاديث تسعة وتسعين حديث في مدة ستة أيام، ما أدري على أي وجهٍ تشرح هذه الأحاديث، نحن بحاجة في كل يوم إلى أن نأخذ ستة عشر حديث سبعة عشر حديث، ما أدري كيف نشرح، والله المستعان؛ لأن هذه الأحاديث جوامع، كل حديث على الأقل الأحوال يحتاج إلى يوم، أقل الأحوال يكفيه يوم، كل حديث؛ لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، نأتي بشيءٍ منه، مما نرى أن طلاب العلم بحاجة إليه، نسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد والعصمة من الزلل في القول والعمل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ، وصدق اتباعٍ إلى يوم الدين، أما بعد: فيقول العلامة المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي عليه -رحمه الله تعالى- وغفر له ولنا ولشيخنا أجمعين:
"الحمد لله، المحمود على ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العظيمة العليا، وعلى آثارها الشاملة للأولى والأخرى، وأصلي وأسلم على محمد أجمع الخلق لكل وصف حميد، وخلق رشيد، وقول سديد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد، أما بعد: فليس بعد كلام الله أصدق ولا أنفع ولا أجمع لخير الدنيا والآخرة من كلام رسول وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ هو أعلم الخلق، وأعظمهم نصحاً وإرشاداً وهداية، وأبلغهم بياناً وتأصيلاً وتفصيلاً، وأحسنهم تعليماً.
وقد أوتي -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث كان يتكلم بالكلام القليل لفظه، الكثيرة معانيه، مع كمال الوضوح والبيان الذي هو أعلى رتب البيان، وقد بدا لي أن أذكر جملة صالحة من أحاديثه الجوامع في المواضيع الكلية، والجوامع في جنس أو نوع أو باب من أبواب العلم، مع التكلم على مقاصدها، وما تدل عليه، على وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط، فأقول: مستعيناً بالله، سائلاً منه التيسير والتسهيل.
الحديث الأول:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))
[متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة التي قرأها الشيخ هي مقدمة للمتن والشرح معاً، ولذا لما ذكر أنه بدا له أن يذكر جملةً صالحة من الأحاديث الجوامع بدا له أيضاً أن يعلق عليها، ويتكلم على مقاصدها، وما تدل عليه على وجهٍ يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط، وتعرفون أن الدروس هذه في المتن لا في الشرح، بعض المحققين يجتهد ويذكر عناوين يدخلها في أصل الكتاب، ولا شك أن هذا تصرف في كتب أهل العلم، فينبغي أن تترك كما هي، إذا رأى المحقق أو الناشر أو المعلق الحاجة داعية إلى شيء يجعله في حاشية، ولا يدخل في صلب الكتاب ما ليس منه.
الحديث الأول: حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- في النية يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) [متفق عليه].
الحديث مخرج في الصحيحين في البخاري، وهو أول حديث في الصحيح، يرويه الإمام البخاري -رحمة الله عليه- من طريق الحميدي شيخه، شيخه الحميدي عبد الله بن الزبير عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- على المنبر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولا يروى ولا يصح إلا بهذا الطريق عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة عن عمر -رضي الله عنه-، وهذا من أفراد الصحيح، كما هو معلوم، من غرائب الصحيح، ومثله: آخر حديثٍ فيه: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) هذا الحديث أيضاً من غرائب الصحيح، وهو نظير ما عندنا، فرد مطلق غريب في أربع طبقات، هذا الحديث لا يرويه، يروى بسندٍ صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر، ولا يروى عن عمر قد خطب به على المنبر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا يروى عنه إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي ولا يروى عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر، حتى قال بعضهم: أنه بلغ عدد من يرويه عن يحيى بن سعيد سبعمائة راوي، وإن كان الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد، وأنه من بداية الطلب إلى أن ألف الفتح لم يتيسر له أكثر من مائة طريق، على كل حال هذا الحديث من الغرائب، وافتتح به الإمام البخاري صحيحه وكأنه -رحمة الله عليه- يريد أن يرد على من يرى العدد في قبول الرواية، وأن خبر الواحد غير مقبول، وهو المعروف عن المعتزلة، وتبناه بعض أهل العلم؛ لكنه قول مرذول، ضعيف جداً، وإن تظاهر قائله بالاستظلال برد عمر -رضي الله عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان، حتى يشهد له من يروي الحديث معه، فعمر يحتاط للسنة -رضي الله عنه وأرضاه- وإلا ثبت في مناسباتٍ كثيرة أنه قبل خبر الواحد؛ لكن يحتاط ونرد على من أراد أن يستغل هذا الاحتياط في رد السنة، على كل حال هذا القول مشى على بعض أهل العلم كالحاكم فيما يومئ إليه كلامه، والبيهقي فيما يشعر به بعض تصرفاته، وابن العربي في عارضة الأحوذي، لما خرج الترمذي حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) قال ابن العربي في شرحه: "لم يخرجه البخاري" البخاري صححه فيما نقله عنه الترمذي، قال: "لم يخرجه البخاري؛ لأنه ليس على شرطه؛ لأنه من روايةٍ واحد عن واحد" نقول: خرج أحاديث بهذه الصفة، وليس من شرطه عدم التخريج براوية واحد عن واحد أبداً، بل أول حديث وآخر حديث يشهدان برد هذه الدعوة.
هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول، فهو مقطوع بصحته، مقطوع به، وبنوا عليه حكماً من أعظم الأحكام، وإن كان له ما يشهد له من نصوص الكتاب والسنة.
((إنما الأعمال بالنيات)) فالنية شرط لكل أو لصحة كل عملٍ شرعي، وعليها مدار القبول مع الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والموافقة لسنته -صلى الله عليه وسلم-، فلا يصح أي عملٍ شرعي إلا بتوافر هذين الشرطين، الشرط الثاني يدل عليه الحديث الثاني؛ لكن النية لها شأن عظيم {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة] وفي هذا الحديث يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) حصر، فلا تصح الأعمال إلا بالنيات الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى، فالنية: القصد للعمل تقرباً إلى الله تعالى، ابتغاءً لوجهه، هذه هي النية، وجميع أمور الآخرة لا تصح إلا بهذا، فليحذر طالب العلم، يحذر المصلي المسلم مثلاً أن يصلي لأمرٍ من أمور الدنيا، أو لما يرى من نظر غيره إليه، أو يصوم كذلك، أو يحج كذلك؛ لكن من أعظم الأمور التي هي من مزلة الأقدام طلب العلم؛ لأن العلم الشرعي المورث للخشية من أمور الآخرة المحظة التي لا يجوز التشريف فيها، ولذا جاء في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار، رجل طلب العلم وعلّم الناس عقود خمسين ستين سنة يطلب العلم، ويعلم الناس الخير، ومع ذلك هو من الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار، ماذا صنعت يا فلان؟ تعلمت العلم وعلمته الناس، فيقال له: كذبت، تعلمت وعلمت ليقال: عالم وقد قيل، نسأل الله السلامة والعافية، فالأمر خطير، على طالب العلم أن يسعى في تصحيح النية من بداية الطلب، وإلا من تعلم لغير الله كما يقول أهل العلم مُكر به، وهذا أكثر وأعظم ما يخشى على أهل العلم وطلابه من هذا، تعلمت ليقال: عالم وقد قيل، فأنت الآن ترجو شيئاً وقد حصل، انتهى. فليكن طالب العلم على حرصٍ شديد في تصحيح هذا الأمر، وأكثر ما يسأل الطلاب، طلاب التعليم النظامي الذين دخلوا في الكليات الشرعية بنياتٍ مدخولة، إنسان أمامه مستقبل وظروف حياة، وأمور ضاغطة تنازع الإنسان في نيته الصالحة، فيحاول جاهد ثم بعد ذلك يبوء بالفشل، النية شرود، قد تحصل في وقتٍ من الأوقات ثم يطرؤ عليها ما يضعفها أو يفقدها نسأل الله السلامة والعافية، فهل من العلاج أن يترك الطالب الذي دخل بهذه النية أو يستمر على ما حفّ به الطريق من مخاوف؟
نقول: عليه أن يستمر، وليس العلاج في الترك، إنما عليه مع هذا الاستمراء المجاهدة، يجاهد نفسه في تصحيح النية، ويكثر من قراءة النصوص التي تحثّ على تحصيل العلم وثواب المتعلمين والمعلمين، ورفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، وليستحضر أن هذه الدنيا بجميع ما فيها لا تعدل شيئاً بالنسبة للآخرة، طيب، تعلم ليقال عالم ليمدح، ليصدر في المجالس، ثم ماذا؟ ليذكره فلان وفلان، ألا يعلم هذا المسكين الذي يطرب ويفرح بذكر فلان وعلان من الملأ أنه إذا ذكر الله وحده، ذكر الله في نفسه، ذكره الله في نفسه، أين هذا من هذا لو كانت لنا عقول؟ والله أثنى عليك الشيخ فلان، أو أثنى الأمير فلان، أو الحاكم فلان، وبعدين؟ ثم ماذا؟ يعني هل مثل هذا يقارن بمثل ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه))؟ لكن نظرتنا التي هي نظرة الدون بسبب ما اقترفنا، وبسبب التخليط في المآكل والمشارب والمقاصد، التخليط والتفريط في الأوامر والنواهي أصبنا بمثل هذا، صرنا ننظر إلى الدنيا، وأنها غاية، وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، طيب جناح البعوضة ماذا يُقص لك من هذا الجناح مهما بلغت من الشرف والمال والأبهة والجاه ماذا يقص لك من هذا الجناح التي لا تزنه الدنيا كلها؟ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، بدقيقتين فقط، في دقيقتين ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، بملياراتها بمتعها كلها، لا تزن عند الله -جل وعلا- ركعتي الفجر، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ونخشى أننا في يومٍ من الأيام نعض على الأكف بل نقطع الأكف عضاً حينما تبلى السرائر، وينطبق علينا قول الله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] أنت تظن أن تعلمك وتعليمك في ميزان حسناتك ثم يكون العكس، فالعلم الشرعي ما فيه حل وسط، تقول: أخرج كفاف لا لي ولا علي، إما أن تدخل في {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] أو تكون ممن تسعر به النار، فعلينا أن نجتهد في هذا الباب، والحديث يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) يعني صحة الأعمال الشرعية إنما تكون بالنيات، يعني ما الفرق بين طالب علم، طالب من طلاب الكتاب والسنة والعقيدة والشريعة وبين طبيب أو مهندس؟ هذا إما أن يكون في أعلى الدرجات أو في النار حسب مقصده وهدفه، وذاك قد يخرج كفافاً لا له ولا عليه، وقد يسيء في مهنته، وفي صنعته فيعاقب عقوبة العصاة، وقد يحسن إلى الناس، ويحسن القصد فيثاب على عمله، فهذه العلوم الدنيوية من طب وهندسة وزراعة ونجارة وصناعة كلها مما لا يبتغى به وجه الله في الأصل أمرها سهل، اطلبها للدنيا لأنها من أجلها أوجدت؛ لكن العلم؟ ينتبه الإنسان لما خلق له وهو العبادة، الهدف من وجوده في هذه الدنيا العبادة، فليحرص على أن يجعل جميع تصرفاته عبادة، نومه عبادة، إذا نوى به أن يتقرب أو يتقوى به على ما يرضي الله -جل وعلا-، أكله عبادة، شربه عبادة، مزاحه عبادة، معاشرة أهله له فيها أجر، وكل هذا بالنية الصالحة، فالنية شأنها عظيم لكنها أمرها خطير، تحتاج إلى تعاهد، فعلينا أن نعنى بها.



((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) ليس لك إلا ما نويت، فالنية يحتاج إليها في العبادة بقصد وجه الله -جل وعلا- بها، ويقصد بالنية أيضاً ما يميّز العبادة من عبادة، وما يميز العادة من العبادة، وهكذا ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه الجملة حذفها البخاري -رحمة الله عليه- في الموضع الأول من صحيحه؛ لأنه إنما أورد الحديث في الموضع الأول كالخطبة للكتاب، فإذا أورد هذه الجملة في الموضع الأول قد يظن به أنه ألف هذا الكتاب مخلصاً فيه لله -جل وعلا-؛ لأن الجملة الأولى: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا هو المخلص، واقتصر على قوله: ((ومن كانت هجرته لدنياً يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) اتهاماً لنفسه -رحمة الله عليه-.




((من كانت هجرته)) الهجرة في الأصل: الترك، ترك ما نهى الله عنه، ويراد بها الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، الهجرة واجبة، حكمها باقٍ إلى قيام الساعة، ولا يجوز البقاء بين أظهر الكفار إلا لعاجز، والعاجز مستثنى بالنص، {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] هؤلاء مستثنون، أما من قدر على الهجرة فإنها تلزمه يهاجر إلى بلاد الإسلام، ومثل هذا قل: لو كان في بلاد بدعة ويوجد بلاد سنة، أيضاً الهجرة مطلوبة، بلاد معصية ويوجد بلاد أهل صلاح وتقوى الهجرة مطلوبة، إذا كثرت الفتن وخشي الإنسان على دينه يهاجر ويعتزل، ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)) هذا من خشي على نفسه أن يتأثر، ولا يستطيع أن يؤثر بغيره مثل هذا ينتقل.
((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) اتحاد الشرط والجزاء معروف أنه في العربية لا يجوز، لا يجوز أن تقول: (من قام قام) و(من قعد قعد)، لا بد من اختلاف الشرط مع الجزاء؛ لأنه كيف يكون جواب الشرط هو فعله؟ فلا بد حينئذٍ من التأويل، من التقدير هنا، كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصداً فهجرته إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً مثلاً.


هذا الذي هجرته إلى الله ورسوله لا شك أنه هو الذي حقق الهدف الشرعي من الهجرة، أما من كانت هجرته لغير ذلك، هجرته إلى محرم الهجرة حرام، إلى مكروه الهجرة مكروه، هجرة إلى مباح هاجر من أجل مباح، انتقل من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى مكة أو إلى الرياض ليزاول التجارة طرق الأبواب في المدينة ما استطاع، ما رزق في التجارة، أو بحث عن زوجة ما وجد، فقيل له: تجد في مكة أو في الرياض أو في بلدٍ آخر فانتقل، هذه هجرة، هاجر من هذا البلد من أجل هذه المرأة التي يغلب على ظنه حصولها، أو هذه الدنيا التي يقال له: أن الفرص أكثر في مكة أو في الرياض فيهاجر من أجلها هل يذم أو لا يذم؟ الحديث ساقه سياق الذم، ((ومن كانت هجرته لدنياً يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) السياق سياق ذم لأنه في مقابل سياق المدح في الجملة الأولى، فهل يذم من انتقل من بلد إلى بلد طلباً للرزق أو طلباً لزوجة لأنه لم يجد؟ يذم وإلا ما يذم؟ لا يذم، بل قد يمدح إذا ترتب على طلب هذه المرأة إعفاف نفسه، والنكاح من سنن المرسلين، النكاح من سنتي، ((ومن رغب عن سنتي فليس مني)) فما وجد امرأة انتقل، هاجر إلى بلدٍ آخر ليجد امرأة يذم وإلا ما يذم؟ إنما سياق الخبر سياق الذم، لماذا؟ لأنه في حق من يظهر للناس أنه هاجر إلى الله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر للدنيا أو هاجر لامرأة، وفي هذا القصة المعروفة مهاجر أم قيس، هاجر يظهر أنه مهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، وقصده وهدفه من الهجرة أن يتزوج هذه المرأة، يذم في هذه الحالة.
وذكرنا مثال في مناسباتٍ كثيرة لو أن شخصاً في يوم الاثنين إذا بقي على أذان المغرب ساعة حمل التمر والقهوة والماء وما أدري إيش في كيس وذهب ليفطر في المسجد، وفل الصماط قبل أذان المغرب، والناس يتواردون مع الأذان وبعده ولما أذن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وأكل وشرب، وحمد الله على ذلك، وهو ما صام، يعني لو هو صائم ما في إشكال؛ لكن هذا ما صام، الأكل في المسجد ما فيه شيء جائز، الأكل ما فيه إشكال؛ لكن كونه أوهم الناس بفعله أنه صائم يذم من هذه الحيثية، يذم من هذه الحيثية، يعني فات فل الصماط قبيل أذان المغرب يوم الاثنين مثلاً أو الخميس، ووضع التمر على هيئة الصوام، وكل من دخل مع باب المسجد تفضل يا أبو فلان، تفضل يا أبو فلان، بسم الله، وينتظر حتى يؤذن، ويأكل على طريقة الصوام هذا لا شك أنه يذم، وإن كان القصد في الأكل أنه مباح، وأيضاً الأكل في المسجد مباح ما في إشكال؛ لكن إذا أوهم الناس بعمله أنه يتقرب هنا يأتي الذم، وإلا فالأصل أن الهجرة من أجل الدنيا أو من أجل المرأة التي يتزوجها ما فيه إشكال، بل قد يؤجر عليه، فننتبه لمثل هذا، والله المستعان.
وعرفنا أن الحديث، حديث عمر دليل للشرط الأول مما يشترط لصحة العبادات، وهو الإخلاص، وعرفنا أن الإخلاص شأنه عظيم، ويحتاج إلى جهاد، النفس تحتاج إلى جهاد في هذا الباب، وتتفلت على صاحبها؛ لكن إذا حرص الإنسان وصدق في جهاده لنفسه يعينه الله -جل وعلا-، من صدق مع الله أعانه ووفقه، تردد في كلام بعض العلماء أنهم طلبوا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، فهل ندخل في هذه النية نطلب العلم لغير الله، ونقول: تأتي النية فيما بعد؟ وما يدريك لعل المنية تخترم قبل أن تصح نيتك، فأنت جاهد من أول لحظة، جاهد من أول لحظة، تدخل بنية مدخولة تطلب العلم الشرعي قال الله وقال رسوله لأمرٍ من الأمور تقول: لا النية تأتي، طيب جميع العصاة على هذا الأمر، يزاولون المعاصي على نية أنهم يتوبون منها، وما يدريكم لعل المنية تخترم الواحد قبل تصحيح نيته فيهلك.




طيب الحديث الثاني.


أم الخطاب78 15-11-09 02:35 AM

الحديث الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه..)) -وفي رواية-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
هذا حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين تقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) في رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
((من أحدث)) هذا يلي الشرط الثاني لصحة العبادات، وهو أن تكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى طريقته، على هديه وعلى طريقته، فلا بد من الإخلاص والمتابعة، وبعض أهل العلم يقول: يكفي الشرط الثاني عن الشرط الأول، ما نحتاج أن نقول إخلاص، يكفي أن نقول: متابعة، إذا فعل المسلم العمل على ضوء ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تابع النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمله، يكفي لقبوله، لماذا؟ لأن من لوازم الاتباع الإخلاص؛ لأن العمل الذي لم يخلص فيه ولم يرد به وجه الله -عز وجل- لا تتم متابعته للنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بالإخلاص؛ لأن عمله -عليه الصلاة والسلام- وقع كذلك، يعني مخلصاً فيه لله -جل وعلا-، كلام مقبول وإلا غير مقبول؟ يعني شخص عمل، صلى كما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن بنيةٍ غير خالصة هل تم الاتباع؟ ما تم الاتباع، إذاً فُقد شرط الاتباع، ومن لازم الاتباع الإخلاص، يقول: يكفي اشتراط الاتباع عن اشتراط الإخلاص، نعم قد تدخل النية والإخلاص على سبيل الإجمال في الاتباع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقع منه عمل شرعي لم يخلص فيه لله -جل وعلا-.
إذاً من لازم الاتباع الإخلاص؛ لكن اشتراط النية أمر لا بد منه، والتنصيص على النية أمر لا محيد عنه، ولا مفرّ منه، اهتمام بشأنها وتعظيماً لأمرها؛ لأنه لو اقتصر على الاتباع فهم بعض الناس، ((صلوا كما رأيتموني)) رأيناه يصلي خلاص صلينا كما صلى، ويغفل عن النية؛ لأن النية أمر قلبي، إذاً لا بد من التنصيص عليها، وإن دخلت في عموم أو في إجمال الاتباع، اهتماماً بشأنها؛ لأن الناس يغفلون عنها مع كثرة ما جاء فيها من نصوص، فكيف لو لم تذكر من الشروط؟ لو لم تذكر شرط في كل عبادة، لو لم تذكر تركها الناس، هم الآن يغفلون عنها مع أن أهل العلم يؤكدون عليها دعماً أو تدعيماً لما قالوه بالنصوص الصحيحة الثابتة ويغفلون عنها، إذاً لا بد من ذكرها والتنصيص عليها، ولذا يرى بعض العلماء أن حديث عمر ينبغي أن يجعل في مقدمة كل باب من أبواب الدين، وهو يدخل في جميع أبواب الدين، كما قال أهل العلم أنه يدخل في سبعين باب من أبواب الدين، والبخاري يقول: دخل في ذلك الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة وغيرها.
لا شك أن هذا الحديث افتتح به كثير من الأئمة مؤلفاتهم اهتماماً بشأنه، وقال بعضهم: أنه ينبغي أن يدخل في كل باب من أبواب الدين، الباب الأول حديث الأعمال بالنيات، ثم الأحاديث التي تليها، الباب الثاني حديث: الأعمال بالنيات؛ لأن الباب الثاني محتاج إلى النية، الباب الثالث محتاج إلى النية الرابع، إذاً يذكر في كل باب؛ لأنه من متطلبات هذا الباب، فكيف نقتصر على الاتباع ونغفل النية التي هي عبارة عن الإخلاص، بعضهم يرى أن حديث عمر ربع الدين، والدين كله يدور على أربعة أحاديث:

عمدة الدين عندنا كلمات أربع *** من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما *** ليس يعنيك واعملن بنية
إشادة أهل العلم بالحديثين وكلامهم في هذا كثير، فنقتصر على هذا.
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أحدث في أمرنا)) في أمرنا يعني في ديننا، في شرعنا، فالإحداث لا يقبل في الدين ما ليس منه البتة، مهما كان الدافع له، ولو كان الدافع له الإخلاص ونية الإخلاص، فالإحداث في الدين ابتداع، فكل عملٍ لم يسبق له شرعية من كتابٍ أو سنة والمقصود بذلك أمور الدين فإنه بدعة، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سبق، وفي اصطلاح أهل العلم: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتابٍ ولا سنة، والبدع كلها ضلالة بدون استثناء، البدع في الدين التي لم يسبق لها شرعية كلها ضلال، وكل بدعةٍ ضلالة، هناك وسائل، أما المقاصد فلا إشكال في أنها غير قابلة لإدخال أي شيءٍ فيها؛ لكن وسائل مثل هذه المكبرات مثلاً؟ محدثة، وتستعمل في عبادة، جمع من أهل العلم توقفوا فيها فلم يستعملوا هذه المكبرات يقولون: نتقرب إلى الله -جل وعلا- بمحدث؟ ما يمكن، وماتوا على ذلك، مع إنهم أئمة وخطباء وعلماء كبار ما استعملوا هذه المحدثات؛ لكن مع الجموع الغفيرة لا شك أن مصلحتها راجحة، ولذا أهل العلم تواطئوا على استعمالها؛ لكن ينبغي أن ننظر إلى القول الآخر أيضاً نظر اعتبار، ليس عارياً عن الصواب من كل وجه؛ لكن الحاجة داعية، فيبقى أنه ينبغي أن يكون استعمالها بقدر الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، ونجد بعض الأئمة يستعمل هذه المكبرات، ويرفع عليها رفعاً يقلق المصلين، ويشوش على الناس، ويستعمل المؤثرات كأنه ملحن، تردد الصوت من أجل إيش؟ الأصل في هذه الأمور المنع، هذه الأمور المحدثة؛ لكن احتيج إليها، إمام ما خلفه إلا اثنين أو ثلاثة يرفع على المكبر المؤثرات وما أدري إيش؟ على شان إيش؟ مثل هذا لا يحتاج إلى مكبر، شيخ عنده خمسة طلاب عشرة طلاب ما يحتاج إلى مكبر؛ لكن كثر الجمع بدلاً من المستملين عند أهل العلم في السابق يحضر جموع غفيرة؛ لكن يبلغ الصوت بالاستملاء، المستملي يقف واحد هنا وواحد هنا وواحد بعيد وثالث ورابع وعاشر بقدر الجمع الذي عنده فيبلغ، يقول الشيخ كذا ثم ينقله الأقرب ثم الأبعد ثم الأبعد وهكذا، فهذه بقدر الحاجة تستعمل.
البدع كلها مذمومة ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو مردود)) يعني مردود، ولو بعث عليه الإخلاص، لا يكفي الإخلاص، لا يكفي حسن القصد، بل لا بد من الشرط الثاني وهو الاتباع، إذاً هل يمكن أن يقال في البدع ما يمدح ويحمد؟ بدع محمودة وبدع مذمومة؟ أو نقول بالقول الآخر بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع مباحة، بدع مكروهة، بدع محرمة؟ الأحكام الخمسة كما قال بعضهم؟ هل هذا التقسيم له وجه؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) كل بدعة ضلالة ونقول: بدعة واجبة؟ هل نقول: بدعة واجبة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) من صيغ العموم؟ من أهل العلم من قال ذلك، وعمدتهم في التقسيم قول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" فنعم من صيغ المدح، والبدعة بدعة، فهذه بدعة ممدوحة؛ لأن نِعْم من صيغ المدح؟ فهل هذا الكلام صحيح؟ الكلام صحيح عن عمر ثابت في البخاري ليس لأحدٍ كلام، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وفي الشرع: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، هل نقول: إن قولنا: بدعة ممدوحة أو محمودة أو بدعة واجبة اختلاف في الاصطلاح العرفي عن الاصطلاح الشرعي؟ يعني نظير ما قال أهل العلم في غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وهم يقولون: غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، هل نقول: أن هذا محادة للرسول يقول: واجب وأن تقول: ليس بواجب؟ أو نقول: أن هذا مما يختلف فيه العرف الشرعي، يعني الاصطلاح الشرعي عن الاصطلاح العرفي؟ يعني لو جاء لك شخص وقال: والله أنا عمري الآن خمسين ستين سنة ما رأيت جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقول: يا أخي أنت ناقضت القرآن، القرآن يقول: إما أنا ما شفت، يقول: أنا شفت جميع أنواع الجمال ما رأيت أصفر الأصفر عنده غير الأصفر المراد بالنص، الأصفر عنده.... إذاً ما في محادة، ومثله: غسل الجمعة واجب، الواجب في هذا اللفظ غير الواجب الذي اصطلح عليه أهل العلم، وهذا تخريج الكلام من أهل العلم، بقي عندنا قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" وهو أمر مشكل، الشاطبي في الاعتصام -رحمه الله تعالى- رد على من قسم البدع إلى بدع مذمومة وبدع ممدوحة وبدع محمودة، رد هذا التقسيم وقوض دعائمه بقوة؛ لكنه حمل البدعة في قول عمر على إيش؟ على المجاز، قال: بدعة مجاز وليست بحقيقة، شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاقتضاء يرى أنها بدعة لغوية وليست بدعة شرعية؛ لكن يرد على كلام الشاطبي أنه لا يوجد مجاز، لا في النصوص ولا في لغة العرب عند أهل التحقيق، شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من المحققين أنه لا يوجد مجاز يشكل عليه، في كلام شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية، تراويح، كما في الصحيح، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قيام الليل في رمضان جماعة ليلتين أو ثلاث جماعة في قيام رمضان وترك هذا القيام لا رغبة عنه، إنما خشية أن يفرض، فهل نقول: أن هذا العمل لم يسبق له مثال سبق؛ لتقول بدعة لغوية؟ سبق له مثال، وسبق له شرعية من السنة، إذاً ليس ببدعة لا لغوية ولا شرعية، كيف نحمل كلام عمر -رضي الله عنه-؟ مجاز ليس بمجاز، بدعة لغوية كما قال شيخ الإسلام ليست بدعة لغوية لأنه سبق لها مثال، وليس ببدعة شرعية اتفاقاً، لأن عمر -رضي الله عنه- لا يمكن أن يمدح بدعة شرعية، وأيضاً سبق له شرعية من السنة فليس ببدعة، يحمل كلام عمر -رضي الله عنه- على إيش؟
طالب:.....
على افتراض؟ افتراض إيش؟ عند أهل العلم تعبير بغير هذا قريب منه، المشاكلة، أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير أسلوب معروف في لغة العرب وفي النصوص الشرعية:

قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه *** قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصا

اطبخوا، مشاكلة، ما طبخ اطبخ {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة؛ لكن معاقبة الجاني سيئة؟ هذه ليست سيئة، إنما هي من باب المشاكلة والمجانسة في القرآن، وعلى هذا حمل بعض العلماء ما ورد من النصوص، ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) قال مجانسة {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] وكثير من النصوص التي جاءت بهذا الأسلوب.
مشاكلة في التعبير كأن قائلاً: ابتدعت يا عمر، هذا ما وجد في عهد أبي بكر، ولا في آخر عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "نعمت البدعة" فهذا من باب المجانسة والمشاكلة في التعبير.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) يعني ليس من الدين، يتعبد بعبادة لم يرد لها فيها شرع، هذا مبتدع، والبدع معروف أنها تتفاوت بحسب قربها وبعدها عن مقاصد الشرع، ونصوص الشارع وعلى حسب الآثار المترتبة عليها، وهناك البدع الكبرى المكفرة المخرجة عن الملة، وهناك البدع المفسقة، وهناك البدع الصغرى، المقصود أن موضوع البدع والابتداع أمر خطير في غاية الأهمية، ويحتاج إلى بحوث ولقاءاتٍ عديدة، بعض المبتدعة الكبار، كبار المبتدعة الفارابي مثلاً جاور في آخر عمره بمكة، وهو معروف وضعه، جاور بمكة، إيش هذه المجاورة؟ جاور يصوم الدهر؛ لكن على ما يفطر؟ قالوا: أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، هذه مجاورة؟ هذا زيغ، هذا ضلال، شخص وصف بأنه من أهل الصيام والقيام من العباد والزهاد، يقول أحمد أمين في مذكراته: أنه فقده يقول: درسنا في مدرسة القضاء الشرعي فقدته مدة سنوات طويلة فسافرت إلى تركيا فوجدته قد اعتزل الدنيا، يقوم الليل، ويصوم الدهر؛ لكن متى يصوم؟ يبدأ الصيام من الضحى، من الساعة تسع، لماذا؟ يقول في الشقة التي تحت السكن الذي يسكنه عائلة مدري قال: يهودية أو نصرانية ويخشى أن يزعجهم إذا قام يعد السحور؟ هل هذا اتباع؟ يا إخوة الضلال لا نهاية له، والبدع يجر بعضها بعضاً حتى ينسلخ الإنسان من دينه وهو لا يشعر، فعلينا أن نتبع، فقد كفينا ولله الحمد، كل ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما تحتاجه الأمة نقل إلينا نقلاً صحيحاً لا شك فيه ولا مرية، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- الذي فيه العصمة والمخرج من الفتن، وعلينا أيضاً أن نعنى بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- لنعبد الله على بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] أما الذي لا يتبع هذا شأنه، والله المستعان.
فلا شك أن هذا الحديث مع الحديث السابق ميزان للأعمال الظاهرة والباطنة، فالحديث الأول ميزان للأعمال الباطنة، والحديث الثاني ميزان للأعمال الظاهرة، وعلينا أن نعنى بالأمرين معاً ظاهراً وباطناً، يوجد وهذا مع الأسف الشديد يحسه الإنسان في نفسه العناية ببعض الأمور الظاهرة، أما أمور الباطن وأعمال القلوب فنحن في غفلةٍ تامة عنها، إذا نظرنا إلى الخوف من الله -جل وعلا-، إلى الخشية منه، إلى التوكل عليه، إلى الصبر إلى المصائب، إذا اختبرت بعض الأخيار صفر في هذه الأمور، فعلينا أن نعنى بالباطن كعنايتنا بالظاهر، إن لم تكن أشد، فالمعول على القلوب وأعمال القلوب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء] نحتاج إلى علاج هذه القلوب، نحتاج إلى أن نزلي هذه الشحناء، وهذه البغضاء، وهذا التنافس والتدابر والتقاطع، نحتاج إلى ذلك، نحتاج إلى تصفية القلوب على مراد الله -جل وعلا-، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان.

أم الخطاب78 15-11-09 02:36 AM

الحديث الثالث: وعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)) [رواه مسلم].
هذا الحديث، حديث تميم الداري وليس له في البخاري شيء من الأحاديث، وليس له من الأحاديث في مسلم إلا هذا الحديث، ليس له في مسلم إلا هذا الحديث يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث الجساسة النبي -عليه الصلاة والسلام- يرويه عن تميم، فمما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لتميم الداري هذا الحديث فقط في صحيح مسلم، وهذا الحديث كسابقيه يحتاج في شرحه إلى دروس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة)) ثلاثاً، هذا التكرار يوجد في الصحيح أو لا يوجد؟ وين الحفاظ؟ مكرر ثلاثاً؟ التكرار هذا لا يوجد في مسلم، والمؤلف -رحمه الله- قلد النووي في التكرار وفي العزو، إنما يوجد هذا التكرار في المستخرج، مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، بعض الناس يعتمد على المستخرجات، نبي نطلع قليلاً عما يحتاجه الحديث، بعض المؤلفين يعتمد على المستخرجات ويعزو للكتب الأصلية، فهنا اعتمد على المستخرج وعزي إلى الكتاب الأصلي، وهذا الذين ينشدون الدقة في العزو والتأليف هنا مختل، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- قلد النووي في الأربعين، وإلا فالأصل أن التكرار لا يوجد في مسلم، فكيف نقول: رواه مسلم؟ يوجد في المستخرج على صحيح مسلم، والمستخرج معروف تعريفه، الذين لهم عناية بالسنة، يعرفون معنى الاستخراج، وهو أن يعمد الإمام أو الحافظ إلى كتابٍ من كتاب السنة الأصلية فيخرج الأحاديث من طريقه هو بأسانيده هو، من غير طريق صاحب الكتاب، وبعض المؤلفين كالبيهقي مثلاً، الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ابن الأثير في جامع الأصول، ينقلون عن المستخرجات ويعزون إلى الأصول؛ لكن هذا ينبغي أن يجتنب، إذا أردت أن تعزو لمسلم ارجع إلى مسلم، وانقل من مسلم بالحرف؛ لأن الذين يجوزون الرواية بالمعنى وهم الجمهور، قالوا: تجوز الراوية من الحفظ بالمعنى، أما من الكتب المدونة، الحديث المكتوب لا تجوز روايتها بالمعنى؛ لأن الوصول إلى اللفظ متيسر، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

واستخرجوا على الصحيح كأبي *** عوانةٍ ونحوه فاجتنبِ
عزوك ألفاظ المتون لهما *** إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما

خالف المستخرج الصحيح هنا، فكيف أعزوه للصحيح؟ فلا بد من الرجوع إلى المصدر الذي يراد النقل منه، فالدقة والتحري أمر لا بد منه، ولا شك أن تكرار النصيحة، وأنها هي الدين لأهميتها.
((الدين النصيحة)) الدين النصيحة هذا الأسلوب تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يدل على الحصر، فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حصر الدين بالنصيحة، كما حصل نظيره في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) الحج عرفة فقط وإلا هناك أعمال غير عرفة؟ في أعمال غير عرفة، ((الدين النصيحة)) في أعمال غير النصيحة وإلا ما في أعمال؟ في أعمال غير النصيحة؛ لكن يمكن حمله على الحصر الحقيقي بدلاً من الحصر الإضافي، إذا قلنا: أولاً: النصيحة: فعيلة من النصح وهو التخليص، أقول: نصحت العسل إذا خلصته من الشوائب، وتقول: نصح زيد الثوب بالمنصحة، يعني خاط الخرق الذي في الثوب بالإبرة، الإبرة هي المنصحة؛ فكأن الناصح يرقع هذه الخروق وهذه الفتوق في نفسه وفي غيره، فلا شك أن من تدين بالدين فقد نصح نفسه.
(الدين النصيحة) إذا قلنا: أن الدين هو النصيحة، إذا جعلنا الدين بخصاله من الإسلام والإيمان والإحسان هو النصيحة فيكون الدين على أسلوب الحصر في أسلوب المعاصرين نقول: الدين يساوي النصيحة، قصرت في بعض الأعمال؟ إذاً اختلت النصيحة وتبعاً لذلك اختل الدين، وإذا اختل الدين فقد اختلت النصيحة، إذاً الدين هو النصيحة، نعم قد يفهم الإنسان من النصيحة أنك ترى على فلان مخالفة، أثر مخالفة مثلاً تذهب تكلمه أنت في تصورك أن هذا شيء من الدين، شيء من متطلبات الدين صحيح؛ لكن أنت إذا تصورت من جهةٍ أخرى أن النصيحة إذا أخذتها بعمومها وشمولها و(أن) هذه جنسية يدخل فيها جميع الدين، يعني إذا فعل محظور، إذا فعل الشخص محظور هل حقق النصيحة لنفسه قبل غيره؟ ما حقق النصيحة، إذاً ما حقق النصيحة ما حقق كمال الدين، إذا ترك مأمور كذلك، فإذا أردنا أن نقول: أن النصيحة بعمومها وشمولها تساوي الدين، وأي قدحٍ في النصيحة قدح في الدين، من هذه الحيثية يكون الحصر حقيقي؛ لكن إذا حملنا النصيحة على معناها العرفي، وهي بذل النصح للمنصوح، وحيازة الحظ له، قلنا: أن القصر إضافي وليس بحقيقي، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) إذا قلت: الشاعر زيد أو الشاعر حسان، هذا حصر إضافي لأن في شعراء آخرون كثر، حصر إضافي، وهنا إن حملت على معناها العرفي وهو إضافي، وإن حملتها على عمومها فهو حصر حقيقي.
(النصيحة) لا يوجد كلمة واحدة يعبر بها عن المقصود، عن مقصود الحديث غير هذه الكلمة فهي جامعة لجميع خصال الدين، وجميع أنواع النصح، وجميع المنصوحين، كما قالوا: في الفلاح، لا يوجد شيء يجمع خيري الدنيا والآخرة مثل كلمة الفلاح.
((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قالوا: يعني الصحابة، كعادتهم، يبادرون بالسؤال عما يشكل عليهم، كثير من الناس تجد يمر عليه الأمر في غاية الأهمية، ويخفى عليه حقيقته ما يفهم، ولا يستوضح؛ لكن لو كان هذا من أمور الدنيا، مساهمة وإلا اشتراك في شيء ذهب يبحث عن حقيقة الأمر، وعن مردوده، وعن نسبة النجاح ونسبة الربح؛ لكن يأتيه الأمر من دين الله في غاية الأهمية يخصه ومع ذلك لا يبحث عن كيفية تطبيقه، وهنا ليطبقوا مفاد الحديث قالوا: لمن يا رسول الله؟ لأن التعميم قد لا يستوعبه كثير من الناس، فلا بد من التحديد والتعيين، قالوا: لمن يا رسول الله؟ وهذا من حرصهم على الخير، قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) لخمسة: لله، كيف تنصح لله؟ الآن النصيحة مردودها وفائدتها للناصح أو للمنصوح؟ العرفية فائدتها للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يبيع داره بكذا؟ تذهب تنصحه تقول له: الدار ما تنباع وأنت ما أنت لاقي مثله، هذا حياز الحظ له للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يزوج بنته من فاسق من فاجر شخص ليس بكفءٍ لها، ذهبت تسدي إليه النصيحة، جاءك يستشيرك فأسديت له النصيحة، الفائدة للمنصوح، والعائد بالدرجة الأولى للمنصوح؛ لكن إذا كانت النصيحة لله؟ الله -جل وعلا- ليس بحاجة لمثل هذا، علام نحمل النصيحة لله -جل وعلا-؟ وهذه النصيحة وإن جاءت في النص أنها لله -جل وعلا-، إلا أن عائدها للناصح، والله -جل وعلا- غني الغنى المطلق عن أفعال عباده، النصيحة لله: اعتقاد أنه هو الرب الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، واعتقاد أنه المستحق للعبادة بجميع أضربها وصنوفها، وأنه لا يجوز أن يصرف شيء من أنواعها لغيره، واعتقاد وإثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه من أسماء الجلال ونعوت الجمال والكمال من الأسماء الحسنى والصفات العليا، هذه النصيحة لله -جل وعلا-، هو أن يعبد -جل وعلا- على مراده، إذاً هذا النصيحة حيازة الحظ للمنصوح أو للناصح؟ للناصح {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم}
[(111) سورة التوبة] اشترى هل هذا مثل ما يشتري زيد العبد الفلاني ليخدمه؟ لا لا، اشتراه لنفسه، فالله -جل وعلا- غني عن خلقه، فهذه حيازة الحظ للناصح على أن يعبد الله -جل وعلا- على ضوء ما شرع، وأن يعتقد فيه الاعتقاد الصحيح الموافق للكتاب والسنة على ضوء ما جاء عنه، وأن يثبت له ما يليق بجلاله وعظمته مما أثبته لنفسه.
النصيحة لكتاب الله -جل وعلا- وهو القرآن المحفوظ بين الدفتين من الزيادة والنقصان، والنصيحة له بأمرٍ يعود للناصح، بأن يعظم، ويقرأ، ولا يهجر، وأن يعمل به ولا يخالف، يقرأ على الوجه المأمور به، يحفظ، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت]
وهو أيضاً نعتقد أنه كلام الله، وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأن من قام يقرؤه كأنه يخاطب الله -جل وعلا-، فنقرأ القرآن، نحفظ القرآن، نقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل بنية الإفادة والاستفادة، بالعمل بما جاء به من أوامر وترك ما نهى عنه، وهذا الكتاب شأنه عظيم، وثواب قراءته جزيل من الله -جل وعلا-، الحرف بعشر حسنات، يعني هذا أقل تقدير، هذا أقل تقدير الحرف بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، بحسب ما يقر في القلب من تعظيم لحرمات الله -جل وعلا- وحدوده والإخلاص والمتابعة بقدر هذا يؤجر الإنسان، ولسنا بحاجة إلى بيان فضل القرآن، وفضل تلاوة القرآن، وحفظ القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن هذه نصوصها مستفيضة لا تخفى على طالب علم.
(ولكتابه ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-) الرسول النبي المصطفى الإمام القدوة المجتبى -عليه الصلاة والسلام-، تكون النصيحة له بتعظيمه وتوقيره وتعزيره والاقتداء به والائتساء به والائتمار بأوامره واجتناب ما نهى عنه مبلغاً عن ربه -جل وعلا-، المقصود أن النصيحة له اتخاذه قدوة في كل ما أمر به، اجتناب كل ما نهى عنه وفعل جميع ما فعله على مراده وعلى هيئته وكيفيته، كما سيأتي في حديث: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ((خذوا عني مناسككم)) {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب]
نعم هو الأسوة وهو القدوة، ومن تعظيمه تعظيم سنته -عليه الصلاة والسلام-، والانتصار لسنته وتعليم سنته، وتعلم السنة وتعليم السنة والعمل بها والذب عنها والرد على كل من يتطاول عليها، وقد كثروا في هذه الأزمان المتأخرة لا كثرهم الله، (ولرسوله) ولا يتم الاقتداء به والائتساء به إلا بإدامة النظر في سنته، وفي سيرته، وفي شمائله -عليه الصلاة والسلام-، وفي خصائصه، وفي معجزاته ودلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، كثير من الناس لا يجد في قلبه من التعظيم للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يوجد، وسبب هذا البعد عن السنة، البعد عن السنة، البعد عن دراسة السيرة والمواقف منه -عليه الصلاة والسلام-، المواقف المشرفة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا، ومع ما جاء في تعظيمه وتوقيره إلا أنه لا يجوز بحال أن يصرف له حق من حقوق الله -جل وعلا-، فلا إفراط ولا تفريط، لا يجوز أن نغلو به -عليه الصلاة والسلام-، أو نبالغ في رفع مقامه عن المكانة التي أنزله الله -جل وعلا- إياها، وهو سيد البشر، وأفضل الخلق، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، مناقبه -عليه الصلاة والسلام- وشمائله ومعجزاته ودلائل نبوته كثيرة جداً، علينا أن نُعنى بها؛ لكن لا يجوز أن نصرف له شيئاً من حقوق الله -جل وعلا-((ولأئمة المسلمين)) أكثر العلماء على أن المراد بالأئمة الولاة، الحكام، ومنهم من يرى أن المراد بأئمة المسلمين العلماء، ولا يمنع أن يراد الحكام والعلماء؛ لأنهم كلهم أئمة، وكلهم أهل أمرٍ ونهي، فنصح الأئمة الذين هم الحكام يكون بطاعتهم والانطواء تحت لواءهم، والجهاد تحت رايتهم، والصلاة خلفهم، والدعاء لهم، وبذل النصح لهم، بذل النصح لهم، يدخل دخول أولي من باب النصيحة لهم؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف ولا يترتب عليه أثر سلبي؛ لأن الأئمة ليسوا بمعصومين يحصل منهم مخالفات كما يحصل من غيرهم، يقع منهم المنكرات كما يقع من غيرهم، والمطالبة بالإنكار عامة، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه)) ينكر على كل أحد يرتكب منكر لكن بالأسلوب الذي يحقق الغرض، يزيل المنكر، ولا يترتب عليه منكر أعظم منه، يعني إذا أردت أن تنكر منكر ترتب عليه منكر أعظم منه أفسدت أكثر مما أصلحت، فعليك أن تسلك الأساليب المجدية النافعة، تقول: والله ما لي قدرة أنصح الكبار، أنا ليست لي وسيلة إلى الوصول إليهم، بلغ من فوقك، ومن فوقك يبلغ من فوقه، ومن فوقه يصل إليهم وينصحهم، يبذل لهم النصيحة، قد يقول قائل: بعض المنكرات ميئوس منها إيش أنصح وبعدين ثم ماذا؟ نصحنا نصحنا، نقول: يا أخي لا تستعجل النتائج، النتائج ليست بيدك، أنت مأمور بالإنكار، تستطيع تنكر بيدك لا بأس هذا الأصل، إن لم تستطع بلسانك، لم تستطع بقلبك، الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، تقول: هذا المنكر من سنين والناس يطالبون بتغييره ما تغير، النتائج ليست بيدك، عليك بذل السبب أنت أمرت بأمر ائتمر به، ليس لك ما وراء هذا الأمر، والغيرة مطلوبة من المسلم، ودليل على صدق إيمانه، والذي لا يغار على حدود الله ومحارم الله هذا يخشى عليه، الذي لا ينكر المنكر ولا بقلبه هذا ليس وراء ذلك من الإيمان شيء، فالذي لا يغار هذا يخشى عليه، طيب الذي يغار بقدر المطلوب من الغيرة، يعني هل الدين يأتي بمثل أن ترى شخص سكران فتضرب رأسه بخشبة حتى يموت؟ تقول: باعثه الغيرة، قد يكون باعثه الغيرة؛ لكن وش الإنكار هذا؟ غيرة مذمومة؛ لأن الخلائق والصفات والشمائل التي طلبها الشرع لا تخلو من طرفين ووسط، إفراط وتفريط، ودين الله -جل وعلا- في الوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فعلينا أن ننكر، وعلينا أن ننصح؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف، ولا يترتب عليه مفسدة أعظم، بالرفق، باللين، الله رفيق يحب الرفق، يحتاج إلى مثل هذا، لين ولطف ورفق، وهذا على كافة المستويات، اللين والرفق هو المؤثر، أما المنازعة والمشاحنة والمحادة والكلام القبيح والبذيء والخصومات ورفع الأصوات هذه لا تجدي شيئاً.
نعم ولي الأمر الذي بيده التغيير باليد، نعم يأطر الناس أطراً على الحق إذا لم يمتثلوا بكلامه، يأطر الناس على الحق، ويمنعهم من ارتكاب المحرمات، يأطرهم على فعل الواجبات، لكن آحاد الناس ليس له ذلك، إنما غايته أن يبذل النصيحة، ولا يقصر في هذا الباب، ولا ييأس ولا يقنط، بل عليه أن يمتثل ما أمر به والنتائج بيد الله -جل وعلا-، يبذل السبب والمسببات بيد المسبب -جل وعلا-.
((ولأئمة المسلمين)) هذا بالنسبة للحكام، أيضاً ينص أهل العلم في هذه المسألة سواءً كان الأئمة الحكام أو العلماء، أيضاً العلماء قد أدرجوا في هذا من تمام نصحهم أخذ العلم عنهم، وتعظيمهم وتوقيرهم وتقديرهم في حدود ما أمر الله به ورسوله، واستفتاءهم وعدم تنقصهم والحط من شأنهم وقدرهم، ولو أخطأ، يعني في معصوم، الخطأ من تمام النصيحة أن تبين له بالأسلوب المناسب، ما تقول يا شيخ: أخطأت، فضلاً عن كونك في المجالس تقول: أخطأ فلان، وأنت ما قدمت له كلمة، ما تواجه تقول له: يا شيخ أخطأت، هذا الأسلوب لا يناسب، تسأله على سبيل الاستفهام، يا شيخ ما حكم كذا؟ إذا أجابك بما نقل إليك عنه من خطأ تقول: لو كان في هذه المسألة كذا، ألا يفهم من قوله -جل وعلا- كذا؟ ألا يفهم من الحديث كذا؟ بالأسلوب الذي يحقق المصلحة، ومع الأسف الشديد أنه يوجد في المجالس من بين طلاب العلم الكلام لا يصل إلى المنتقد مع الأسف الشديد، ينتشر بين الناس والمنتقد ما دري، لا سيما إذا كان الكلام في الأئمة المقتدى بهم أهل العلم والعمل الذي يسعى أعداء الإسلام لإسقاطهم، وتنزيل قدرهم، فنفقد القدوات، يعني إذا خسرنا الكبار ماذا نكسب؟ فيمن نقتدي، إذا خسرنا العلماء أهل العلم والعمل، والعدو يفرح بمثل هذا، في تضييع الناس، فإذا كان أهل العلم يفتون بأنه يحرم البقاء في بلدٍ ليس فيه عالم يوجه الناس ويفتي الناس وينصح الناس، فكيف إذا وجد علماء لكن وجودهم مثل عدمهم أسقطوا على مصطلح بعض الناس؟ هذه كارثة، وما أوتي المسلمون في أقطار الأرض إلا بهذه الطريقة، نعم علينا أن نعتقد جازمين أنهم ليسوا بمعصومين، يحصل منهم الخطأ، يحصل منهم الزلل، تحصل الهفوات، ليسوا بمعصومين؛ لكن إيش المانع أنه يناقش، يناقش من أخطأ، من تمام النصيحة أن يناقش، وأيضاً يؤكد أهل العلم شراح الحديث في هذه المسألة أن لا يغروا بالثناء الكاذب، الإمام الفاعل الدارس العلامة شيخ الإسلام مفتي العنان مفتي الفرق وبعدين؟ تجده ما يصل ولا إلى مرتبة عالم، هو طالب علم ما زال، ثم تضفى عليه هذه الألفاظ وهذه الأوصاف ثم يغتر بنفسه يصيبه شيء فيهلك، يغتر به الناس فيضلوا، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ننزل الناس منازلهم، فلا إفراط ولا تفريط، نعم من أهل العلم من أهل الخير من أهل الفضل، من أهل الصلاح، فلا نذمهم ونبين مثالبهم أمام العامة، ولا نغلو بهم ونمدحهم أكثر من واقعهم فنغرر بهم.
((وعامتهم)) وعامة المسلمين المراد من سوى من ذكر هؤلاء تبذل لهم النصيحة، يوجهون، يسددون، يبين لهم ما يحتاجون من أحكام في العبادات، في المعاملات، في الأمور التي يحتاجونها، وهذا من نصيحتهم، إذا وجد مخالفة عند شخص بينت له بالأسلوب المناسب، إذا استشارك في أمرٍ من أموره الخاصة تمحضه النصيحة، وتحب له ما تحب لنفسك، ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) هناك مسائل جزئية قد تحب لفلان ما لا تحبه لنفسك، وقد تنصح فلاناً نظراً لمصلحة العامة، وإن كان ليس في مصلحته الخاصة، مثال ذلك شخص جاءك شخص من زملائك أو من طلابك، يقول: أنا والله رشحت للوظيفة الفلانية، ورشحت للقضاء، الفرار من القضاء التحذير من القضاء، القضاء مزلة قدم هذا ثابت ومعروف مسألة هذه الأمة؛ لكن إذا دعاك شخص أنت لا ترضى القضاء بنفسك، فهل تقول: أنا ما أرضى القضاء لنفسي لا أرضاه لك، والأمة مضطرة إلى وجود قضاة؟ هنا نرجح المصلحة العامة فنقول: لا يا أخي هذا يتعين هذا لا بد منه، إن لم يقم به أنت وأمثالك من يقوم به؟ إذا كان كفءً لذلك تقدم المصلحة العامة على مصلحته، إذا لم يكن كفءً لذلك فلا تقدم مصلحته على مصلحة العامة، لو جاء شخص فرح وعينته بالقضاء، دين ودنيا، وترى مصلحة الأمة لا يتولى مثل هذا تمحضه النصيحة، يا أخي السلف ضربوا على القضاء ما قبلوا، أئمة الإسلام كلهم هربوا من القضاء وتركوا القضاء، فالنصيحة قد تختلف من شخصٍ إلى آخر، فهذا ينصح بالقضاء وهذا يحذر من القضاء نظراً للمصلحة العامة، فهذا أيضاً وإن كان فيه من جهة عدم نصح له إلا أن في نصح للعامة، لعامة المسلمين وللأئمة بكاملها، وهو أيضاً نصح له إذا لم يكن كفءً لذلك.
والحديث الكلام فيه يطول جداً؛ لأنه يمكن أن ينتظم جميع الأبواب أيضاً، يمكن إدخال جميع الأبواب تحت حديث (الدين النصيحة) لأن الدين يشمل خصال الدين كلها، الإسلام والإيمان والإحسان، يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، يشمل ما يتعلق بالخالق وما يتعلق بالمخلوق، المقصود أن فيه من العموم والشمول ما يجعلنا نقتصر على هذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-11-09 11:00 AM

تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار
 
شرح جوامع الأخبار (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنْقُصُ منه، فلما وَلَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" هو يريد الجنة، ويريد أقرب طريق يوصل إلى الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) توحد الله -جل وعلا-، لا تشرك معه في أي نوع من أنواع العبادة معه شيئاً، تعبد الله، تحقق الهدف الشرعي من وجودك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ((ولا تشرك به شيئاً)) لأنك قد تأتي بجميع أنواع العبادة وتصرف شيئاً منها لغيره فلا تنفعك حينئذٍ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، تعبد الله هو معنى المثبت (إلا الله)، ولا تشرك به شيئاً هو معنى المنفي في كلمة التوحيد (لا إله) وكلمة التوحيد هي أعظم كلمة، أعظم مشهودٍ عليه، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] شهدوا على هذه الكلمة التي هي أعظم مشهودٍ به، وشهد عليها أعظم الشهود وهو الله -جل وعلا- الخالق، وأعظم الشهود من خلقه الملائكة وأهل العلم، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، الشرك ومنه الأكبر والأصغر والأكبر الذي لا يغفر، الموجب للخلود في النار أمره خطير، والشرك الأصغر أيضاً شأنه عظيم في الشرع، وقد قرر جمع من أهل العلم أن الشرك بنوعيه غير قابل للمغفرة، لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] (أن يشرك به) يدخل به الشرك الأكبر والأًصغر، فلا بد أن يعذب سواء كان شركه أكبر أو أصغر؛ لكن من كان شركه أكبر يخلد، ومن كان شركه أصغر يعذب بقدر ما اقترف ثم يخرج من النار، وجمع من أهل العلم يرون أن حكم الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر، داخل تحت المشيئة.
((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) هذه دعائم الإسلام، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله)) وهي في الحديث معناها في قوله: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) ((وإقام الصلاة)) وهو يقول: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) بقي الحج، فإما أن يكون قبل فرضه، قبل أن يفرض الحج، أو يكون هذا الشخص عرف من حاله أنه غير مستطيع للحج، وإلا فالحج هو المتمم للأركان الخمسة، كما جاء في حديث سؤال جبريل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) وغيرها مما يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام كالأركان الأربعة.
((تقيم الصلاة المكتوبة)) وهي الصلوات الخمس، وما أوجبه الله -جل وعلا-، وهنا يراد به الصلوات الخمس، أما ما وجب لأمرٍ عارض مما اختلف فيه أهل العلم كالعيد والوتر والكسوف هذه مختلف في وجوبها، والجمهور على استحبابها، الذي يدخل الجنة (إقامة الصلاة المكتوبة) وهل هناك فرق بين الإقامة والأداء؟ لأنه قال: ((تقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة)) تقيم الإقامة والاستقامة لا بد أن يكون هذا المقام قويماً مستقيماً، يُبتغى به ويراد به وجه الله -جل وعلا-، وموافق لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فليس معنى إقامة الصلاة مجرد أداؤها على الوجه المسقط للطلب المجزئ وإن اشتمل على مخالفات أو لم يتحقق فيه لب الصلاة وهو الخشوع، (تقيم الصلاة) هذا الشخص الذي خرج من صلاته وليس له منها شيء، نعم ما يؤمر بإعادتها؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط؛ لكن هل يدخل في هذا الحديث، هل مثل هذه الصلاة التي خرج صاحبها بالعشر من أجلها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ لا، يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، كثير من الناس -والله يعفو ويسامح كثير من طلاب العلم ونحن منهم- ندخل الصلاة ونخرج كأننا ما عملنا شيء، لب الصلاة، حضور القلب، الخشوع، الانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، هذا لا يكاد يوجد، ولذا تجد الإمام خلفه خمسة صفوف يخطئ في القرآن، ويخطئ في عدد الركعات ويسهو كثيراً ما يجد من يرد عليه، وكثير من المصلين إذا سلم الإمام تقول: وش قرأ؟ ماذا قرأ الإمام وهو من الحفاظ ما يجيبك بشيء، والله ما يدري وش قال؟ فإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، نحتاج إلى إقامة الصلاة، لا بد أن نفقه كيف نقيم الصلاة في ظاهرها وباطنها، كيف نخرج منها بالأجر الكامل.
((وتؤدي الزكاة المفروضة)) هناك تقيم، وهنا تؤدي للفرق بينهما؛ لأن الزكاة مال ينتزع من هذا المبلغ، ويدفع إلى المستحق، ما يختلف في فلان عن فلان، فلان أداه بنفسه، أداه بشيك، أداه بنقد، أعطاه فلان، قال ادفعه لفلان، حول الحساب، ما يختلف، تؤدي المقصود أنك تؤديها إلى مستحقها، من أحد الأصناف الثمانية، أما تقيم لا، يختلف، الزكاة المفروضة مكتوبة، وإن كان الكتب والفرض عند أهل العلم يدلان على الوجوب ولا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، إلا أن الألفاظ توحي بأن هناك فروق تدل على أن الكتب آكد من الفرض، ولذا جاءت الصلاة لأنها أهم الأركان بكونها مكتوبة، والزكاة وهي التي تليها بكونها مفروضة. ((وتصوم رمضان)) يعني تصوم شهر رمضان إذا شهدت الشهر وثبت عندك دخوله يجب عليك أن تصوم {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وهذا ركن من أركان الإسلام، والأركان الخمسة عند أهل العلم الركن الأول الذي لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فالذي لم يأت في الركن الأول هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، من ترك الركن الأول أو الركن الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس الأول تركه كفر على القول المعتمد والمفتى به، وهو المعروف عند الصحابة، وأما بقية الأركان العملية فتكفير تاركها وتارك واحدٍ منها محل خلافٍ بين أهل العلم، نقله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان؛ لكن الجمهور على عدم كفر تارك أحد هذه الأركان إلا أنه يبقى أنه على خطرٍ عظيم، خطر عظيم دعامة من دعائم الإسلام، ركن من أركان الإسلام، لا يثبت قدم الإسلام إلا عليه ويترك، وحينئذٍ يتساهل المسلم فيه؟ لا يعني أن كون الإنسان لا يكفر بترك الصيام أو بأداء الزكاة أن الأمر سهل، لا، الأمر عظيم خطير في غاية الخطورة؛ لكن فرق بين أن يكفر الإنسان وبين أن يقال له: أن هذا عمل عظيم وشنيع وقد يؤدي به إلى الخروج من الدين، وهو لا يشعر إذا استخف بهذه الأمور العظيمة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الكفر شأنه عظيم عند أهل العلم.
قال: "والذي نفسي بيده" أقسم هذا الأعرابي بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((والذي نفسي بيده)) ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقسم على الأمور المهمة صدر من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة، يقسم على الأمر المهم، ولو لم يستحلف، ولا يعارض هذا قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لأن هذا أمر مهم، فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في الأمور غير المهمة، فللإنسان أن يحلف ولو لم يستحلف.
"والذي نفسي بيده" قسم والواو واو القسم، والذي نفسي بيده مقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، بعض الشراح يقول: "والذي نفسي بيده" يعني روحي في تصرفه، لا شك إن كان هذا القائل ممن لا يعرف بإثبات الصفات ينكر عليه، نقول: تأويل هذا، وإذا كان ممن ينكر اليد لله -جل وعلا- لأنه قال بعضهم "والذي نفسي بيده" روحي في تصرفه، يعني فسر باللازم، ولا يوجد أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، وهذا من لازم كون النفس التي هي الروح باليد، فإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها، والتأويل مذهب الخلف الذي حادوا عن الجادة، وارتكبوا التأويل، وحرفوا النصوص، ونفوا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا" يعني مما ذكر، يعني ولا الحج، يعني ولا الحج، لماذا؟ لأنه لم يلزمه الحج أو لم يكن الحج قد فرض، أو نقل وتركه بعض الرواة، يعني وجد في بعض الروايات.
"لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" أقسم أن لا يزيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) هذا مدح وإلا ذم؟ مدح، لكن لو قلت لك: قم يا فلان أوتر، الآن جوف الليل الثلث الأخير صلي لك ركعتين بين يدي الله وأوتر، ثم أقسم أن لا يوتر، يذم وإلا ما يذم؟ يقول الإمام أحمد: "من ترك الوتر رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته" وهذا أقسم أن لا يزيد على المكتوبة خمس، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ تقول: واحد يقول: صيام عرفة يكفر سنتين، يقول: والله ما أصوم، طيب صيام يوم عاشوراء والله ما أصوم، الصدقة؟ قال: أنا والله دافع الزكاة بالملي، بالقيراط، بالقطمير، والله ما أزيد هللة؟ يذم وإلا ما يذم؟ لكن هنا قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" هذه أشكل على كثير من أهل العلم كيف يحسن من لا يزيد من الطاعات، وهذه الطاعات مهما أتى بها لا بد من وجود الخلل الذي يكمل بالنوافل، فالإنسان محتاج إلى النوافل على ما سيأتي، محتاج حاجة ماسة للنوافل ليكمل هذه الفرائض، وهذا يقسم أن لا يزيد ويمدح؟! ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فإما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف بالوحي أن هذا الرجل لن ينقص شيء بالفعل، فإذا أتى بما افترض الله عليه بحذافيره بحيث لا ينقص منه شيء استحق الجنة، ومنهم من قال أن المعنى: "والله لا أزيد على ما افترض الله عليّ شيء" ما أزيد على الصلوات المكتوبة هذه، ما أجعل الظهر خمس، ولا أنقص منها ما يجعلها ثلاث، ما أزيد على الفجر أخليها ثلاث أو واحدة أو أنقص، وهكذا، فالزيادة في ذات العبادة المفروضة، وبهذا نخرج من الإشكال؛ لكن ينبغي أن ظاهر اللفظ، ظاهر النص يدل على أنه لن يزيد على ما افترض الله عليه، ولذلك المكتوبة المفروضة، تنصيص على رمضان، يدل على أنها مقصودة لذاتها، فلا يزيد عليها من التنقل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن هذا سوف يفي بما التزم به بالوحي، فقرر أنه من أهل الجنة، الذي لا يترك من الواجبات شيء ويترك المستحبات، طبيعة المستحبات أنها لا يعاقب تاركها، فإذا كان لا يعاقب إذاً يدخل الجنة، طيب؟ المحرمات ما لها ذكر هنا، لو عبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأقام الصلاة المكتوبة، وأدى الزكاة المفروضة، وصام رمضان، وصار يزني ويشرب ويرتكب المحرمات، يدخل في هذا الحديث أو لا يدخل؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ هو عبد الله أتى بهذه الأركان الخمسة وحصل منه ما حصل من المحرمات، هل نقول: أن من سره إلى رجل من أهل الجنة، يعني مآله إلى الجنة؟ يفهم هذا الكلام من النص، هل نقول: مآله إلى الجنة، بمعنى أنه لو ارتكب محرمات عذب بقدرها وخرج؟ لا، النص ما يوحي بهذا، ما يفهم من النص هذا، وإن ألجأ إليه هذا الإشكال عند بعض الشراح؛ لكن من أقام الصلاة، من أقام الإقامة غير الأداء، وأدى الزكاة المفروضة لم ينقص منها شيء، وصام رمضان مثل هذا لن يزاول شيء من المحرمات، وإن أصابه شيء من الغفلة بادر ووفق إلى التوبة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إقامة الصلاة على الوجه المأمور به تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً ضمن ارتكاب المحرم بإقامة الصلاة، ما يوفق لأداء الزكاة بدقة وقد ارتكب محرمات، ما يوفق لأداء الصلاة لإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء وقد أخل ببعض الواجبات، الصيام صوم رمضان الهدف من الصيام إيش؟ ذيل آية الفرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] ليش؟ لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يا أخي كيف يتقي وهو صايم رمضان؟ دعونا من صيامنا الذي هو مجرد مظهر شكل، مسقط للطلب، لا نؤمر بإعادة، ولا نأمر بإعادة، لكن الكلام على روح العبادة، هل يتصور أن شخص صائم رمضان لله -جل وعلا- على مراده لم يرفث ولم يفسق؟ هل يتصور أنه يبي يوفق يبي يزاول شيء مما حرم الله، من صام على الوجه المطلوب لا شك أنه سوف يعصم، فإذا أقام الصلاة على الوجه المطلوب نهته عن الفحشاء والمنكر، ويوجد بين كثير من المصلين، كثير من الصوام ارتكاب بعض المحرمات أثناء أداء العبادة، مع الأسف الشديد، تجده وهو صائم يغتاب، تجده يغش، تجده يرتكب محرمات، وهو يصلي، قائم بين يدي الله -جل وعلا-، في أقدس بقعة، وفي أشرف وقت ومكان تجده قد يرتكب محرم، تمر بين يديه امرأة فيتبعها النظرة، أو امرأة يمر بين يديها رجل تتبعه النظرة، وقد أُمر بالغض، تجده يخطط وهو في صلاته لأمورٍ غير محمودة، لماذا؟ لأنها فقدت اللب، وليس معنى هذا أننا نقول: الصلاة هذه بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، مجزئة مسقطة للطلب لا يؤمر بالإعادة؛ لكن القبول شيء آخر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الآثار المترتبة على هذه العبادة يفقدها الإنسان إذا لم يوجد اللب، الخشوع والخضوع تقف بين يدي الخالق مخبت منيب، ولو امتثلنا هذا ما حصل بيننا ما يحصل، تجد الإنسان في طول أيامه مفرط، تارك للسانه العنان يقول ويجرح ويعدل وفلان وعلان ويغتاب وينم، ثم بعد ذلك يريد أن يوفق لأداء العبادات على الوجه المطلوب، تجده مثلاً يسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو ديدنه الكلام في الناس والغش وسوء المعاملات والرفث والفسوق، ويقول: الحج أربعة أيام لن أتكلم بكلمة، لا يستطيع البتة، لا يمكن أن يحضر حج؛ لأنه لا يعان على هذه الأربعة الأيام، ولم يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، هذه أيام شدة لا بد أن يقدم في أيام الرخاء ليعان على الحفظ في أيام الشدة، لا بد، هذا أمر لا بد منه، لا بد أن نجعل هذا نصب أعيننا، تجد كثير من الإخوان فيهم الحفاظ وفيهم الأخيار؛ لكن ما عودوا أنفسهم على نصيب ثابت من كتاب الله -جل وعلا-، يكون ديدناً له في كل يوم ورد يومي لا يتركه سفراً ولا حضراً، ثم بعد ذلك تأتي الأوقات والفرص والمواسم يبي يقرأ القرآن ما يقدر يقرأ، هذا ما تعرف على الله في الرخاء، فنهتم بهذا، نقدم لأنفسنا في أيام الرخاء لنعرف في أوقات الشدة، كثير من الناس نعم صلاة مسقطة مجزئه مسقطة للطلب؛ لكن هل ترتب عليها آثارها؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] وليس نفي القبول نفي للصحة، لا، إنما هو نفي للثواب المرتب على الصحة، الصلاة صحيحة ومجزئة، والله المستعان.

أم الخطاب78 24-11-09 11:03 AM

الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثَّقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل: ((آمنت بالله، ثم استقم)) [رواه مسلم].
الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك" يعني قول لا يحتاج إلى استفهام، ولا استيضاح، قول مختصر أحفظه وأطبقه، يريد كلام جامع لخير الدنيا والآخرة، قول مختصر وجامع يمكن تصويره وتطبيقه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) يعني هل يكفي الشخص أن يقول: آمنت بالله؟ لا بد أن يقول ويفعل، لا بد أن يؤمن بالله -جل وعلا-، يحقق هذه الخصلة العظيمة من خصال الدين وهي الإيمان بالله -جل وعلا-، الذي ربط به صحة الأعمال، ((قل آمنت بالله)) فمعنى هذا آمن الله -جل وعلا-، والإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وبعبارةٍ أخصر: قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالإيمان اعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، فالإيمان مركب من هذه الأمور الثلاثة، يعتقد الإنسان في قلبه، وينطق بلسانه، ويعمل بأركانه، فلو وقر الإيمان في قلبه، واقتنع به وصدق، وآمن بجميع ما يجب الإيمان به؛ لكنه لم ينطق، ما نطق بالشهادة، هذا مسلم وإلا غير مسلم؟ لا بد من النطق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا...)) لا بد أن ينطق، وإلا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فقد يقر الإسلام في قلب العبد والإيمان لكنه لا يتمكن من النطق، إن كان لا يتمكن من النطق بسبب آفة أبكم، تكفي منه الإشارة المفهمة؛ لكن إذا كان ينطق، يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا لا يقبل منه، ولو عرف من حاله ودلت القرائن على أنه وقر الإيمان في قلبه، ويسأل سائل سؤال قديم يقول: شخص من زملائه في بلد أفريقي هذا مسلم يقول: واحد من زملائي في الجامعة نصراني وعليه مما يلبسون، واقتنع بالإسلام، اقتنع قناعة تامة بقي النطق، قلت له: نذهب إلى الشيخ الفلاني لتعلن إسلامك، فذهبوا إلى الشيخ الفلاني فقال الآن: باقي ربع ساعة على أذان الظهر دعوني حتى أتجهز للصلاة وأصلي، وإذا رجعت -إن شاء الله- تعلن إسلامك، يقول: خرجنا من عند هذا الشخص، وإذا في تبادل إطلاق نار فقتل الرجل، يعني مسألة واقعية، هل ندفنه في مقابر المسلمين؟ نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه؟ لا، ما بعد أسلم؟! لا بد أن ينطق، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالله -جل وعلا- يتولاه، لا أحد يحول بين الله -جل وعلا- وبين رحمته لخلقه؛ لكن هذا في أحكام الدنيا ما نطق، فالإيمان عبارة عن القول باللسان والاعتقاد بالجنان، والعمل بالأركان، وجنس العمل كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية ركن من أركان وشرط من شروط الإيمان، لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره فيه أدنى شك يعتقد ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان التي جاءت في حديث جبريل المشهور، لا بد أن يعتقد هذه الأشياء ويؤمن بها، ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره أدنى شك، ولا يحتمل النقيض، (قل آمنت بالله) يكفي؟ ثم استقم، استقم يعني استمر على هذا الدين القويم، وعلى هذا الاعتقاد المستقيم، لا بد من الاستمرار على ذلك، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] لا بد من الاستقامة المستمرة التي لا حد لها ولا تنقطع إلا بانقطاع التكليف، ويوجد من غلاة المتصوفة بعض المراتب لبعض الأولياء الذين ينقطع عنهم التكليف، وهذا ضلال، والله -جل وعلا- يخاطب نبيه -عليه الصلاة والسلام- بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] حتى تموت، حتى يأتيك الموت، وإذا كان هذا بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن دونه لا شك أنه من باب أولى، في آية فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [(30) سورة فصلت] إن الذين قالوا ربنا الله، آمنوا به رباً، خالقاً مدبراً رازقاً، آمنوا بجميع ما يجب الإيمان به، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه، بجميع الأركان، ثم استقاموا على ذلك واستمروا عليه، تتنزل عليهم الملائكة عند الوفاة ألا تخافوا مما أمامكم، تأمين، ولا تحزنوا على ما تركتم، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [(31) سورة فصلت] لا تخافوا مما أمامكم لأنكم آمنتم وأيقنتم وصدقتم وأذعنتم وانقدتم ثم استمر أمركم على ذلك وحالكم إلى أن متم، إلى أن وصلتم إلى هذا الحد، لا تخافوا ولا تحزنوا على ما خلفتم من ذراري وأموال، وكثير من الناس في مثل الظروف التي نعيشها يصرح أنه الآن الحياة ما فيها لذة ولا فيها طعم، تستوي هي والموت؛ لكن إذا تذكر الإنسان أن خلفه صبية صغار أبو سنة وسنتين وبنات يحتاجون إلى رعاية أنت مع وجودك بين أظهرهم على تستطيع أن تدفع عنهم شيء؟ أنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسه فثق بربك واترك، وتوكل عليه، واعتمد عليه، وافعل ما أمرت به، يعني ما هو طلب أو تساوي الحياة والموت والمرجح وهو مجرد وجود هؤلاء الصبية؟ لا، أنت إذا عملت بما أمرت به فلا تخاف مما أمامك، ولا تحزن على ما خلفت، على هؤلاء الصبية لا تحزن لهم من يتكفل بهم؛ لكن ليكن حزنك على نفسك، انظر في حقيقة ما قدمت، هل هو بالفعل يوصلك إلى دار القرار؟ أو فيه ما فيه؟ راجع نفسك، كثير من الناس تجده في المجالس والله لولا هؤلاء البزارين وهؤلاء الأطفال مدري وش يصير عليهم، بهذه الفتن كان الواحد يتمنى الموت، يا أخي ما يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بك، نعم إذا غلب على ظنك أنك تفتن في دينك إذا غلب على ظنك فلا بأس جاءت بعض النصوص ما يدل على ذلك، أما أن تتمنى الموت لأنه قد يحصل لك ما يحصل من نقصٍ في دنياك، لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، وما يدريك أنك تخلف وتبقى مدة تصوم فيها كذا عام، وتصلي فيها كذا فرض، وتنفع نفسك وتنفع غيرك، يمد الله في عمرك أو يمد الله في عمرك فتنفع وتنتفع، وحينئذٍ هذا الكلام لا مجال له، هذه الأيام أيام الفتن لا شك أنها لمن وفق وأسهم في دفع هذه الفتن وفي إنقاذ المسلمين منها لا شك أنه خير له من أيام السعد وأفضل، وأقرب إلى أن تكون منحة سيقت له في هذا العصر الذي تأخر فيه، أما إذا كانت هذه الفتن آثارها عليه بأن يتأثر فيها، ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، مثل هذا لو تمنى أن يكون مكان صاحب القبر لما يغلب على ظنه أنه ليست من أهل التأثير وليس من أهل النفع، بل يخشى عليه أن يفتن في دينه مثل هذا جاء ما يؤيد إذا كان الهدف الخوف على الدين، إذا كان خوفه على دينه فمثل هذا لا مانع أن يتمنى الموت.
هذه أسئلة يا إخوة.
هذا يقول: ما حكم الهجرة من فلسطين في ظل الوضع الحالي؟
البلدان التي نزل فيها العدو الهجرة منها لا شك أنها استسلام وتسليم للبلد للعدو بحيث لا يجد المقاومة ولا يتصور خروجه من هذا البلد في يوم من الأيام، فالأصل البقاء فيها ومقاومة العدو بقدر الإمكان؛ لكن إذا خشي الإنسان أنه يفتن، امرأة قالت: أنا والله لا أستطيع أن أقاوم وأخشى أن يعتدي علي أحد من الكفار وتيسرت الهجرة فتهاجر، أما الذي يستطيع أن يقاوم العدو لا يجوز له أن يهاجر، فلمن تترك بلاد المسلمين، وإذا قيل بهذا فإذا حل العدو ببلدٍ آخر يسلم ويهاجر المسلمون، فإذا حلوا في بلد آخر وهكذا ما يبقى للمسلمين شيء.
يقول: أعاني من الألم بالرقبة وعند التسليم لا أستطيع أن ألتفت يمين ويسار، وأقوم بإلفاف الجسم على أي شيء..
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إذا كنت لا تستطيع أن تدير رقبتك يميناً وشمالاً فتسلم بالنطق مع النية، نية الخروج من الصلاة وما عدا ذلك لا يلزم.
يقول: ما درجة وما صحة حديث: ((أن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة))؟
هذا الحديث لا أعرفه مرفوعاً، لا أعرفه مرفوعاً، فإن كان مأخوذ من واقع المبتدعة، وأنهم لظنهم على حق وأنهم في الغالب لا يوفقون لتوبة فمعناه صحيح، أما مرفوع لا أعرفه مرفوعاً.
يقول: هل تكفي الهجرة من بلدٍ كفر إلى بلد آخر نستطيع أن نظهر فيه الدين، وأن ندخل أبناءنا إلى المدارس الإسلامية مثل بريطانيا أم يجب الهجرة لبلدٍ مسلم مع العلم أن بلداننا في مشاكل كثيرة ومحاربة، هل يجوز لرجل يقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته الذي تزوج في المغرب؟
الهجرة من بلدٍ إلى بلد الأصل أن الهجرة تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هذه الهجرة الشرعية؛ لكن إذا لم يستطع الهجرة إلى بلد الإسلام فهجرته إلى بلدٍ يكون فيه التخفيف على المسلمين ومزاولة عباداتهم أكثر من البلد الذي هو فيه تعين عليه، والمسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن البقاء بين ظهراني المشركين لا يجوز.
يقول: هل يجوز لرجل مقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته التي...؟
نعم، يجوز أن ينيبه عنه بالوكالة يكون وصياً له على بناته.
هل يجوز التبرع بعضوٍ لإنقاذ شخصٍ من الموت؟
أفتى بعض أهل العلم بذلك للمصلحة الراجحة، ولا ضرر يترتب على إن كان ميتاً لا يتضرر؛ لكن المترجح عندي أنه لا يجوز التبرع بعضو لا من حيٍ ولا ميت؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
يقول: نحن في بلاد الكفر وقد بدأنا في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وانتهينا من الأربعين النووية وتكملة ابن رجب، وشرعنا في حفظ عمدة الأحكام ولكن وجدنا... كأنهم وجدوا صعوبة، ما فما هي أفضل وأسهل طريقة لحفظها؟
أولاً: تفهم هذه الأحاديث؛ لأن فهم النص يعين على حفظه، فيقرأ مع هذه الأحاديث بعض الشروح المختصرة، المختصرة جداً، التي لا تعيق عن إتمام الحفظ في أقرب مدة، والعمدة لها شرح مختصر اسمه: (خلاصة الكلام) للشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله تعالى- يعين على فهم الحديث ثم حفظه.
يقول: هل يصدق الوثني إذا أخبرنا أن اللحم مذبوح وفق الشريعة الإسلامية؟
لا يصدق؛ لأنه ليس بثقة، وخبر غير الثقة غير مقبول.
يقول: ذكرتم أن الحاكم والبيهقي فيما يشعر فيه كلامهما وابن العربي اشترطوا العدد لقبول خبر الواحد، أليس قولهم مختص بشرط البخاري في صحيحه؟
كلامهم منه ما يفهم منه الإطلاق، وحُمل بعض كلامهم على ما يتعلق بالبخاري، وعلى كل حال ليس بشرطٍ للبخاري فضلاً عن الإطلاق، الكرماني شارح البخاري في مواضع يقرر أن البخاري يشترط أن يكون الخبر من رواية اثنين عن اثنين على الأقل، وهو يشرح الصحيح ويصادفه أول حديث في الصحيح يرد هذه الدعوة.
الحديث السادس: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)‏)[متفق عليه]‏،‏ وزاد الترمذي والنسائي‏:‏ ‏(‏(والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم)‏)‏ وزاد البيهقي‏:‏ (‏(‏والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله‏)‏)‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) المسلم من اتصف بهذا الوصف، وهو الإسلام الذي لا يقبل الله -جل وعلا- ديناً سواه، من استسلم لله -جل وعلا-، وانقاد له ظاهراً وباطناً، هذا المسلم حقيقته من سلم المسلمون من لسانه ويده، بعد أن قام بالأركان التي استحق بها أن يكون مسلماً، فالمسلم الكامل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتنصيص على بعض الخصال التي هي من مقتضيات الإسلام للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولكون بعض الناس ممن انتسبوا إلى الإسلام يتساهل فيها، فاحتيج إلى التنصيص عليها، المسلم من سلم، والمهاجر من هجر، والمؤمن من أمن، والمجاهد من جاهد، نرى الاتفاق بين الوصف والموصوف، بين الوصف والموصوف، فالمسلم من سلم، فالسلامة في الإسلام، السلامة في الإسلام في الدنيا والآخرة، والأمن في الإيمان وهكذا، ولا شك أن الاشتراك في أصل المادة يدل على الاشتراك في أصل المعنى، ولذا قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وأيضاً التنصيص على المسلمين للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، وأنهم أولى من غيرهم في ملاحظة هذه الأمور، وهي السلامة مما يؤذيهم من قبل إخوانهم المسلمين، وإن كان الوصف لا مفهوم له، وإنما نص على المسلم لكونه أولى ما تنبغي العناية به، وإن كان من دخل في عهد المسلمين وفي أمانهم له من الحقوق ما يوجب عدم التعدي عليهم والإضرار بهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه، في الحديث قال: ((من لسانه)) ولم يقل من كلامه، من لسانه ليشمل ما جميع ما يمكن أن يصدر من اللسان من قول أو حركة؛ لأن المسلم قد يسيء إلى آخر؛ لأن الشخص قد يسيء إلى غيره بلسانه من غير أن يتكلم، يعني إذا كان الشخص يخشى أن يضبط عليه شيء من كلامه ويشهد عليه أساء إلى غيره بلسانه باستهزاء أو سخرة وهمز ولمز بلسانه، فهذا أعم من الكلام، ولذا قال: ((من سلم المسلمون من لسانه)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره بقولٍ أو أي حركةٍ يزاولها بلسانه مما يؤذي غيره به، وعظم الإنسان شأن اللسان وأنه يورد الإنسان موارد الهلاك.

احفظ لسانك أيها الإنسانُ *** لا يلدغنك إنه ثعبانُ
((كف عليك لسانك)) وإنما لمؤاخذون بما نتكلم به قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟)) فاللسان شأنه عظيم، إن تكلم بخير انتفع صاحبه، ونفع غيره، وإن تكلم بشر تضرر صاحبه وإن سكت وكان له في السكوت مندوحة الحمد لله السكوت هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يقول كلمة الحق فأقل الأحوال أن يسكت عن القول الباطل، فاللسان شأنه عظيم وآفاته كثيرة، ومنه تجتمع السيئات الكثيرة؛ لأن حركته أخف من حركة غيره، فالإنسان قد يعصي بلسانه لخفة حركته بحيث لا يحتاج إلى عناء وإلى تعب يفتح هذا الفم ويتكلم، قال فلان وقال علان، وفلان فيه وعلان فيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار.
يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام"، فالعلماء مضطرون للكلام في الناس جرحاً وتعديلاً وقبول للشهادات لا شك أنها مزلة قدم، وهم مع ذلك مضطرون فكيف بشخص لا تدعو الضرورة إلى أن يتكلم في فلان أو علان؟ بحيث يعمل الأعمال الصالحة أمثال الجبال ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، شتم هذا وقذف هذا، أخذ مال هذا، تكلم في عرض هذا، هذا فلان يأخذ من حسناته وفلان من حسناته، والله المستعان، حديث المفلس لا يخفى عليكم، فلننتبه إلى هذا أشد الانتباه، ولنستعمل هذه النعمة، نعمة النطق فيما يرضي الله -جل وعلا-، وهذا هو شكرها، ولو نظرنا إلى فئام من الناس سلبوا هذه النعمة لا يتكلمون، وفي الغالب أن الذي لا يتكلم أصم، فإذا سلب نعمة السمع والكلام في السابق وجوده قريب من عدمه، ورأينا الصم البكم رأيناهم في مواضع الخير لا وجود لهم إلا نادراً؛ لكن الآن وقد تيسرت الأمور يشاركون مشاركةً تامة، التقينا بهم في المناسبات مراراً لا ينقصهم شيء، يفهمون ويعبرون بطرقهم المناسب وبالإشارات لا ينقصهم شيء في كثير من تصرفاتهم أسرع من الذين يتكلمون، فإذا كان هذا الشخص لا يتكلم ولا يسمع ومن العجائب أنه يوجد شخص لا يتكلم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسه، هذا كيف يصل إليه العلم والخير، وقد حضر في مجلس كنت أنا موجود فيه فتكلم بكلمة أثرت في جميع الحاضرين لمدة ساعة، أمر عجب، وهذا شخص تعني تكليفه ما هو مثل تكليف الذي يسر الله له النطق، فلماذا لا نشكر هذه النعمة ونصرفها فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة؟ وبدلاً من القيل والقال، قال الله وقال رسوله، علم الناس الخير، تعلم أولاً ثم علم غيرك، وأسدي النصيحة لغيرك، والله المستعان.
((وبيده)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره، لا على نفسه وبدنه ولا على ماله، ولا على ولده، لا يجوز له أن يتعدى ويظلم غيره، فإذا كف الإنسان لسانه عن إخوانه، كف لسانه عما حرم الله عليه، وكف يده فلم يستعملها إلا فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو فيما يحتاج إليه، وبإمكانه أن يستعمل هذه الحاجة العادية التي يحتاجها في حياته اليومية بمزاولة يده بإمكانه أن يجعلها عبادة بالنية الصالحة، يرفع اللقمة لفمه ليأكل ينوي بها التقوي على طاعة الله عبادة، يضع اللقمة في فيه امرأته يؤجر على ذلك بالنية الصالحة، وكثير من الناس يغفل عن هذا الباب، ولو استحضر النية في جميع تصرفاته لحصل على الأجور مما لا يخطر له على بال، ولكن الناس معطى ومحروم، والإنسان يسعى لإصلاح نفسه، وفيما يخلصها من عذاب الله -جل وعلا-، ومما يقربها من رضوانه.
((والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) عرفنا أن الهجرة هي الترك، وهي في الاصطلاح اصطلاح أهل العلم الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهنا (من هجر) يعني من ترك ما نهى الله عنه، المهاجر من هجر، التارك الحقيقي هو من ترك ما نهى الله عنه، وبهذا يتبين أهمية ترك المحظورات، ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) (إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه) هذا لا خيار فيه، أما المأمور بالاستطاعة، الأمور لأنه إيجاد، والترك لا يصعب إلا عند منازعة النفس شهواتها هذا أمر آخر؛ لكن يتصور أن الإنسان يعجز عن فعل المأمور؛ لكن لا يتصور منه أن يعجز عن ترك المحظور، لهذا يستدل من يقول: أن ترك المحرمات أعظم من فعل المأمورات؛ لأن فعل المأمورات فيه استثناء، ما استطعتم، مقرون بالاستطاعة، بخلاف ترك المحظورات، وهذا سيأتي الكلام عليه لاحقاً -إن شاء الله تعالى-.
متفق عليه، وزاد الترمذي والنسائي: ((والمؤمن من أمنه الناس)) المؤمن وعرفنا أن الاشتراك في أصل المادة، الاشتراك اللفظي في أصل المادة يوحي بالاشتراك المعنوي؛ لأن الاشتقاق بقسميه الأكبر والأصغر فيه اشتراك، نوع اشتراك، ((والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) نعم، المؤمن لا بد أن يحقق أركان الإيمان؛ لكن لا يكمل إيمانه إلا إذا أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، هناك قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وهنا قال: ((المؤمن من أمنه الناس)) يعني من مقتضى المقابلة أن يقول: "من أمنه المؤمنون على دمائهم وأموالهم" لكن المسألة أعم في الأموال والدماء، وهي التي يتصور منها الاعتداء بكثرة، هذا يشمل جميع الناس، مؤمنهم ومسلمهم وكافرهم الذي هو غير حربي ((على دمائهم)) وشأن الدماء عظيم في الإسلام، ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) الدماء شأنها عظيم، وجاء في تعظيم شأن القتل ما جاء من النصوص القطعية من الكتاب وصحيح السنة ما لا يحتاج إلى أن يذكر به مثلكم وأنتم طلاب علم، ولو لم يكن في ذلك إلا آية النساء، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء] ونفي القتل عن المؤمن إلا على طريق الخطأ، هذا الأصل في المؤمن، يخطئ، يريد أن يصيب هدف، يصيب صيد فيقع على مسلم من باب الخطأ هذا يحصل، أما على طريق القصد والعمد فهذا لا يحصل، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [(92) سورة النساء] ولذا أعقبه في الآية الأخرى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] فالقتل شأنه عظيم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68-69) سورة الفرقان] نسأل الله العافية، و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فشأن القتل عظيم في الإسلام، شأنه خطير، ولذا كان القتل عن عمد أعظم من أن يُكفر، من أعظم من أن تكون له كفارة، وعند أهل العلم أن القتل العمد ليس له كفارة، كما أن اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار ليس لها كفارة، لعظم شأنه أعظم من أن يكفر.
((وأموالهم)) والأموال كذلك، وجاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس ووجوب المحافظة عليها، ومنها الدماء والأموال، وعلى كل حال هذا أمر بين واضح لعامة المسلمين فضلاً عن خواصهم، وترخص مثل هذه الأمور وتكثر وتفحش وتصعب السيطرة عليها في أوقات الفتن، نسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا وإياكم الفتن، وجميع بلاد المسلمين ما ظهر منها وما بطن، فالفتن إذا زادت صعب السيطرة عليها، قد يقول قائل: كيف توجد مثل هذه الفتن في أفضل القرون ولا يستطيعون أن يسيطروا عليها؟ خليفة المسلمين أمير المؤمنين صاحب السوابق يقتل في بيته وهو صائم قائم لا ينقذه المسلمون؟ نقول: نعم هذا شأن الفتن، أم المؤمنين التي أوصت كل من جاءها فيمن يبايع قالت: تبايع علي بن أبي طالب، ومع ذلك تخرج يوم الجمل، فيقال -كما في الصحيح-: "والله إنها زوجته في الدنيا والآخرة؛ ولكن الله ابتلاكم" فأمور الفتن شأنها عظيم جداً، فكل مسلم عليه ما عليه في المساهمة لا سيما طلاب العلم المساهمة في التخفيف أو القضاء على الفتن بقدر الإمكان، ((على دمائهم وأموالهم)) وزاد البيهقي: ((والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)) معروف أن الجهاد في النصوص عموماً وحقيقته الشرعية، حقيقته الشرعية بنصوص الكتاب والسنة الذي جاء الثواب العظيم فيه ومن قتل فيه مقبلاً غير مدبر شأنه عظيم أيضاً، وهو شهيد، المقصود به مجاهدة العدو، قتال الأعداء، هذه حقيقته الشرعية في غالب النصوص، وهنا أيضاً من أصل المادة يؤخذ أن من معاني الجهاد جهاد النفس، وجهاد النفس يكون على الطاعة، ويكون أيضاً عن المعصية تجاهد نفسك، وتقهر نفسك، وتمرن نفسك على طاعة الله -جل وعلا- وتأطرها على طاعة الله، وتجتنب محارم الله -جل وعلا-، وحينئذٍ هذا من أعظم أبواب الجهاد، وهذه أيضاً حقيقة شرعية؛ لأن الشارع نطق بها، وقد يكون باللفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، ويدخل الجهاد، جهاد الأعداء في الجهاد المنصوص عليه هنا دخولاً أولياً، كيف؟ لأنه من طاعة الله، فإذا جاهد نفسه على قتال الأعداء دخل في المجاهد دخولاً أولياً في هذا النص، وقصر العام على بعض أفراده كما هنا لا يقتضي التخصيص، فمجاهدة النفس في طاعة الله فرد من أفراد العموم الذي هو أصل الجهاد، وهذا لا يقتضي التخصيص، كما جاء في تفسير القوة بالرمي، ((ألا إن القوة الرمي)) {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء في التفسير: ((ألا إن القوة الرمي)) هل القوة الرمي فقط؟ أو جميع ما يتخذ من أسباب لنصر الدين وقمع العدو كلها قوة، فالتنصيص على هذا الفرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص وله نظائر.

أم الخطاب78 24-11-09 11:04 AM

الحديث السابع: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً‏،‏ ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‏:‏ إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر‏))[متفق عليه]‏.‏
الحديث السابع: حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أربع من كن فيه كان منافقاً)) أولاً: المنافق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، هذا هو النفاق الذي جاء الوعيد الشديد في حق أهله، وأنه في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية، فإذا كان الإنسان يبطن الكفر ويظهر الإسلام فهذا هو المنافق، وإذا أظهر كفره فهو كافر، والنفاق يوجد غالباً في حال قوة المسلمين وعز الإسلام، ليضطر من في قلبه شيء أن يكتمه؛ لأنه لو أظهر ما عنده أخذ بسيف الحق؛ لكن يبرز وينجم النفاق في ظروف يكون فيها الإسلام فيه شيء من الضعف، وفي الأوقات الحرجة والصعبة ينجم النفاق، المقصود أن النفاق الموجود في حديثنا هو النفاق العملي، وهو بريد ودهليز إلى النفاق الاعتقادي، ((أربع)) يعني خصال ((من كنّ فيه)) يعني مجتمعات، ((كان منافقاً خالصاً)) منافقاً خالصاً؛ لأن هذه الأمور أو الخصال الأربع لا تجتمع في قلب سليم البتة، ((ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق)) يعني النفاق مركب من هذه الخصال، والمراد بذلك النفاق العملي، وكما قلنا هو طريق ودهليز يوصل إلى النفاق الاعتقادي، نسأل الله السلامة والعافية، كما أن الأمور يجر بعضها بعضاً، ولذا تورع السلف عن كثيرٍ من المباحات، لماذا؟ لأن الإكثار منها يجرهم إلى ما فوقه من المكروهات والشبهات، ثم بعد ذلك يستمرئ الإنسان ويطلب هذه المكروهات فلا يجدها إلا بوسائل غير مباحة، فيرتكب المحرمات والذنوب والمعاصي، لا شك أنها تجر إلى ما فوقها حتى ينسلخ المسلم عن دينه.
ولذا على الإنسان أن يحتاط لنفسه، وعليه أن يسد جميع الذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة؛ لأن من أكثر من شيء ولو كان في أصله مباح لا شك أنه سوف يطلبه في يوم من الأيام ثم لا يجده إلا بعد ارتكاب أو تجاوز بعض الأمور، فنهمه واعتياده لهذا الأمر يجره إلى من فوقه، ولذا قد يقول قائل: ليش السلف يتركون المباحات؟ المباح لا ثواب لا في تركه ولا في عمله، مستوي الطرفين، نقول: نعم، يتركونه لئلا تجر؛ لأن النفس لا نهاية لها، إذا اعتادت على شيء لا تطيق فراقه، اعتادت على شيء مباح ما تطيق الفراق، فهذا المباح قد لا يصل إليه في يوم من الأيام إلا بارتكاب بعض الأمور التي هي غير مباحة.
((حتى يدعها)) يعني حتى يتركها، ويدع: فعل مضارع ومعناه الترك، وهذه المادة استعمل فيها المصدر، (ودعهم) ((لينتهين أقواماً عن ودعهم الجمعات)) هذا المصدر مستعمل (ودعهم) يعني تركهم، ((وحتى يدعها)) ودع: فعل الأمر أيضاً مستعمل: ((دع ما يريبك)) بقي الماضي، يقول أهل العلم: أنه أميت ماضيه، (ودع) أميت ماضيه وقرئ في الشواذ: (ما ودعك ربك) بمعنى ما تركك، ما ودعك، على كل حال الماضي أميت كما نص على ذلك جمهور أهل اللغة.
((إذا اؤتمن خان)) الأمانة شأنها عظيم، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لشدتها وصعوبتها {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [(72) سورة الأحزاب] هذا هو السبب في كونه حملها، هو حملها التزم حملها؛ لكن هل وفّى بما التزم؟ نعم منهم من وفّى ومنهم من خان، والحديث في حق الصنف الثاني ((إذا اؤتمن خان)) إذا أودع وديعة، أو وضعت عنده أمانة خانها وتصرف فيها وجحدها، أو غيرها وبدلها هذه خيانة، والخيانة شأنها عظيم، والله المستعان.
((وإذا حدث كذب)) حدث تكلم كذب، والكذب أن يخبر عن الشيء على خلاف ما هو عليه، على خلاف الواقع، فإذا أخبر عن شيءٍ على خلاف واقعه مع علمه بذلك فقد كذب، يقول: حضر زيد، وزيد ما حضر، مات عمرو، وعمرو ما مات، هذا كذب نسأل الله العافية، قد يقول قائل: هناك كذب ما يضر، ليش نرتب هذه الآثام على أمور سهلة ميسورة؟ وهذه يرتكبها كثير من الناس، إما نكتة ليضحك القوم، أو ليتخلص من موقف، ما يضره، يعني مجرد إحراج يسير بينه وبين زملائه وين أنت يا فلان؟ والله انشغلت، وهو ما انشغل (والصدق منجاة) كما في حديث الثلاثة الذين خلفوا، قصة الثلاثة الذين خلفوا الصدق منجاة، فتجد كثير من الناس يتساهل في أول الأمر في الأخبار التي لا يترتب عليها شيء، ثم يجره ذلك التساهل إلى أن يكون الكذب ديدن (إذا حدث كذب) قد يحتاج إلى شيءٍ من التورية والمعاريض، وفيها مندوحة عن الكذب، فتقبل المعاريض إذا كان الإنسان مضطراً إليها، ولا يترتب عليها مفسدة لآخر.
أيضاً هناك ظروف وصنوف من العلوم هي على خلاف الواقع، فمثلاً المناظرات بعض العلماء يعقد مناظرات، مناظرة بين سني وقدري، مناظرة بين سني وشيعي، مناظرة بين سني وجهمي، قال السني، قال الجهمي، وما في أحد، هو الذي نسجها، وأخبر عن هذه المناظرة بخلاف الواقع، سلكها أهل العلم ورأوا أن المصلحة راجحة في مثل هذا، أيضاً المقامات، مقامات الحريري خمسمائة صفحة، مقامات البديع، مقامات السيوطي، حدث الحارث بن همام قال: ما حدث ولا حُدث؛ لكن قالوا: أن في هذه المقامات من العلوم لا سيما علوم اللغة يحتاج إليها طلاب العلم، وهذه وسيلة من وسائل التعليم يروا أنها يتجاوز عنها، ولذا قال الحريري تمنى أن لو خرج منها كفافاً لا له ولا عليه، رغم أنها نفعت حقيقةً هذه المقامات نفعت، والنحاة كلهم يتواطئون على قولهم: (ضرب زيد عمراً) لا ضارب ولا مضروب، لا زيد ولا عمرو، مثل هذه الأمور يتجاوزون، ويتسامحون فيها؛ لأن المصلحة المترتبة عليها أعظم من المفسدة، عقد مناظرة بين العلوم، قال علم التفسير كذا، قال علم الحديث كذا، رد علم الفقه بكذا.. الخ، لا راد ولا مردود، هذا لا شك أنه إخبار عما هو في الحقيقة خلاف الواقع؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة المترتبة عليه.
وأقوال: أن من اتقى حتى مثل هذا، وفي الأمور الصريحة وفي بيان العلم وإيصاله إلى مستحقه ما فيه مندوحة عن ارتكاب مثل هذه الأمور ولا يثرب أيضاً على من فعلها باعتبار المصلحة الراجحة؛ لكن الإنسان يختار لنفسه الأحوط، (إذا حدث كذب) من أعظم الكذب، الكذب الذي يترتب عليه اقتطاع حق مسلم، أو إراقة دم مسلم، من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، هذا شيء عظيم، اقتضاء حق المسلم أيضاً، شهادة الزور جاء فيها ما فيها، أعظم من ذلك الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء فيه الحديث المتواتر، ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وبعض أهل العلم يقول: ما له توبة الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضهم حكم بكفره؛ لكن هذا قول مردود؛ لكن لعظم هذا الكذب الذي يكذب به على النبي، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على سائر الناس، وأعظم من ذلك الكذب على الله، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية، ومن أظهر أو أوضح مظاهر الكذب على الله الجرأة على الفتيا بغير علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] فيتورع طالب العلم عن مثل هذا، ونرى من يفتي وهو ليس من أهل العلم، نرى صغار الطلاب يبادرون إلى الإجابة على كثير من الأسئلة التي يتورع عنها كبار سلف هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يسعى في خلاصه، وأهل العلم يقررون أن على المفتي أن يسعى في خلاصه قبل أن يسعى بخلاص المستفتي، لماذا؟ لأن نفسك أهم عليك، لماذا جلس يفتي الناس؟ إلا لمصلحته هو، لما يرجو من ثواب الله -جل وعلا-، فإذا انعكست المسألة وكسب من السيئات الشيء العظيم بسبب ما يرجو فيه ثواب الله هذا خسران، خسر الدنيا والآخرة، فلنتقي مثل هذا، والله المستعان.
((إذا عاهد غدر)) الأمر ليس بالسهل، العهد والميثاق إذا أعطى الإنسان ثمرة فؤاده وصفقة يمينه، ثم بعد ذلك يغدر به هذا شأنه عظيم لأن المعاهَد يأمن من عاهده وحينئذٍ ينقض عليه فيغدر به، يعطيه العهد والميثاق ثم يغدر به، وينصب لكل غادرٍ لواء هذه غدرة فلان نسأل الله العافية، بين الخلائق، فالأمر ليس بالسهل، تقسم أنك لا تخبر أحد، تقسم أنك لا تفعل ثم بعد ذلك تغدر، أحياناً قد يكون هناك مصالح ومفاسد، مفسد في الأرض، شخص مفسد في الأرض ضرره متعدي، يخشى على الأمة من ضرره، فإذا قبض عليه مثلاً أخبرنا بما عندك ولك الأيمان المغلظة أن ما في أحد يغدرك، هذا قد يوجد، مفسد أو مروج، مفسد لنساء المسلمين وشباب المسلمين بطرقه ووسائله، هذا قد يقبض عليه أهل الحسبة أو غيرهم ثم يقسمون له ويعطونه الأيمان المغلظة أنهم لن يخبروا أحد حتى إذا أخبر بجميع ما عنده، من الصعب بعد هذا أن يترك، من الصعب أن يترك لأنه لا يؤمن أيضاً، فينتاب المسألة مثل هذا الحديث إذا عاهد غدر وينتابها أيضاً أن تركه هكذا أيضاً فيه ما فيه، وحينئذٍ تقدر المصلحة والمفسدة، والعلماء ينظرون في مثل هذه القضايا.
((وإذا خاصم فجر)) الإنسان قد يحتاج إلى الخصومة والتقاضي؛ لكن عليه، يجب عليه الإنصاف من نفسه فلا يتعدى على غيره، لا يجوز له أن يتعدى على غيره، وذلك بأن يكون ألحن من الخصم في حجته، عنده بيان وقوة حجة، بحيث يكسب القضية، هذا متوعد بمثل هذا، هذا فيه خصلة من خصال المنافقين، وأكثر المنافقين أهل بيان وأهل حجج وخصومات، تمرسوا هذا المكر والخديعة، فهذه من سماتهم، فليتق الله -جل وعلا- من يمثل أمام القضاة في الخصومات، سواء كانوا لأنفسهم أو لغيرهم من المحامين، هذا أمر خطير جداً، المحامي عليه الإنصاف، ينظر في القضية قبل أن يقبلها من صاحبها، وينصح صاحبه الذي يريد أن يخاصم عنه إذا لم يكن له نصيب في القضية، يقول له: اتق الله يا فلان؛ لكن بعض المحامين يوجد فيهم أهل خير وفضل وصلاح؛ لكن بعضهم إذا زيد في الجعل في الأجرة ارتكب كل ما تيسر له من مباح ومحظور ليكسب القضية، وهنا قضايا حقيقةً امتحان ابتلاء، شخص تو فاتح مكتب المحاماة، يقال له: خذ مليون على هذه القضية كان يتمنى ألف لا شك أنه سوف يجلب على هذه القضية كل ما أوتي من بيان وحجج بحق أو بغير حق؛ لكن هنا المحك وهنا الاختبار، إن تركها لله عوضه الله خيراً منها، إن أقدم دخل في الحديث. ((وإذا خاصم فجر)) فعلينا أن ننصف من أنفسنا ولا ندخل فيما نعلم أنه باطل، أو فيما يتبين أنه حق، القاضي شريح -رحمه الله- جاءه ابن له وقال: إن بيني وآل فلان خصومة أعرضها عليك فإن كان لي الحق قاضيتهم، وإن كان مالي حق تركتهم، فعرضها على أبيه، فقال: لك الحق هاتوه، فلما حضروا حكم على ولده، قال: يا أبت ما اتفقنا على أنه كان ما لي حق ما أجيبهم، ليش تتعبنا وتطلب الخصومة وكذا، قال: نعم لو قلت: الحق لهم ولا شيء لك ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، صلح؛ لأن كثير من الناس مستعد يدفع شيء يسير ولا يروح إلى القضاة ويجرجر بهذه المحاكم والشهود، يعني لو تدعي شخص بمليون ريال وأنت ما عندك شيء أبداً، ما هو صحيح، وكل يوم تقف عليه يالله مشينا المحكمة وعنده أشغال تعرف أنه مشغول ما هو مستعد يروح معك، وتتخلص أنت وإياه على عشرة آلاف، يبي يعطيك عشرة آلاف، وهو يضحك، وابن القاضي شريح يقول: لو قلت: أن الحق لهم ذهبت تصالحهم ولو على شيءٍ يسير، خلينا نحسم المادة من هنا، فنكن على حذرٍ من ذكر هذا، والله المستعان.
الحديث الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا‏؟‏ من خلق كذا‏؟‏ حتى يقول‏:‏ من خلق الله‏؟‏ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ)‏)‏‏ متفق عليه، وفي لفظ: ‏(‏(فليقل‏:‏ آمنت بالله ورسله)‏)‏ متفق عليه‏، وفي لفظ: (‏(‏لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون‏:‏ من خلق الله‏؟‏‏)‏‏).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي الشيطان أحدكم)) والشيطان يطلق ويراد به الشيطان الأكبر إبليس لعنه الله، ويطلق ويراد به واحد الشياطين، وكما أن في الجن شياطين في الإنس شياطين، فالاحتمال قائم أنه الشيطان الأكبر أو أحد الشياطين من شياطين الإنس والجن، ((يأتي الشيطان أحدكم)) يعني من المسلمين، وشياطين الإنس تسلطوا على المسلمين في مثل هذه الأسئلة، ومثل هذه الشبهات، كانت مثل هذه الأسئلة أمور نفسية وخواطر وهواجس؛ لكن الآن بيوت المسلمين الآن من يحصنها من مثل هذه الشبهات؟ تلقى إليهم من خلال القنوات، الإنسان امرأة لا تقرأ ولا تكتب تستمع لمثل هذه الشبهات، وشاب أو شابة يلقى إليهم من الشبهات والشهوات ما تشيب لها الذوائب، نسأل الله السلامة والعافية، فمقاومة مثل هذه الشرور بأمور: أولاً: يجاهد الإنسان بقدر الإمكان ألا يستعمل من هذه الآلات شيئاً، ولو كان فيها شيء من النفع؛ لأن مفاسدها أعظم، ويحذر الناس منها، ويقدَم للناس ابتداءً ما يحصنهم من هذه الشهوات والشبهات، وإلا فالأمر جد خطير؛ لأنه يوجد الآن تأثير واضح جداً على كبار السن فضلاً عن الصغار، شياب، سبعين، ثمانين، كانوا عمار مساجد لا يحضرون الصلوات في المسجد، الليل كله سهر على القنوات، ويقلبون من قناة إلى أخرى وكذا وينظرون لمثل هذه الأمور، شياب بدؤوا بالأسفار على شان إيش يسافرون؟ لأنهم لا يتمكنون من حصول ما يريدون في هذه البلاد، ولله الحمد، الله المستعان.
((يأتي الشيطان أحدكم)) وتيسرت الآن الأسباب لشياطين الإنس والجن، وحدث ولا حرج الآن، شياطين الإنس مثلما تشوفون من خلال وسائل الإعلام شيء ما يخطر على البال ولا أحد يقف في وجوههم، وشياطين الجن تسلطت على البيوت بسبب البعد عن ذكر الله، وجلب الأسباب التي تدعو إلى مخالطة هذه الشياطين ومشاركتهم للمسلمين في بيوتهم في أكلهم وشربهم ومسكنهم، الأمر يا إخوان من كل فج، تكالب على المسلمين من كل وجه، يعني شخص بيته مملوء بصور تمنع من دخول الملائكة، وفيه مزامير تجلب الشياطين، ولا ذكر، ولا قراءة قرآن، ولا زيادة نوافل، يعني إن أدى الصلاة فبلا روح، يعني مثل هذا وش اللي يمنع أنه يكون مركز من مراكز الشياطين؟! كثير من الناس يشكو، يرى في النوم مفزعات، ولده يفعل كذا، وبنته تسوي كذا، يا إخوان الأمر خطير، من يطرد هذه الشياطين من البيوت إلا الذكر؟ شخص خطب امرأة، يعني هذه وقائع، فرفضته، فذهب إلى ساحر، وقال: هذه مائة ألف ودبر هذه؟ قال: أمهلني أسبوع، بس شياطينه عجزت، كل ما أرادوا أن يصلوا ردوا، جاءه قال: أسبوع ثاني ومثله، وثالث ومثله، قال: يا أخي هذه المرأة عجزنا عنها، عجزنا عنها البتة، امرأة صالحة، محصنة بالأوراد والأذكار، ماذا صنع هؤلاء الشياطين لما عجزوا عن هذه المرأة الصالحة؟ ذهبوا إلى أخت الخاطب فابتليت بهم، والله المستعان.
شخص من الشباب الصالحين لما تمت الساعة اثنا عشر ونصف دوخل، دخله جني، فاستدعي واحد من طلاب العلم من جيرانه ليقرأ عليه فرقاه، تكلم الجني قال: "ما الذي جعلك تدخل في هذا المسكين عبد صالح محافظ على الأذكار محافظ على كذا، قال: "والله أنظرته إلى الساعة الثانية عشرة ليقرأ آية الكرسي ما قرأ آية الكرسي ودخلت، فالمسألة تحتاج إلى عناية أيها الإخوان، عندنا حصون نتحصن بها، ومع ذلك نترك، العمر يمضي كله في القيل والقال وهذه أمور، يعني الذكر هل يكلف شيء؟ أنت جالس قائم نايم في مجلس خالي، ما يكلفك شيء، ((سبق المفردون)) ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] المسألة يعني أمور لا تكلف شيء، وآثارها عظيمة، فوائد الذكر شيء لا يخطر على البال، يعني مما أحصاه ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة، لكن وراء ذلك أضعاف مضاعفة، يعني الإنسان هل هو مبرأ من الذنوب والمعاصي في مثل هذه الظروف؟ يعني ما الذي يضيره أن يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر؟ يعني في دقيقة ونصف لا تزيد، فلنتحصن من هؤلاء الشياطين؛ وليكن حذرنا من شياطين الإنس أشد؛ لأن شياطين الجن نستطيع أن نحصن بالأذكار؛ لكن شياطين الإنس لا بد أن نفر منهم فرارنا من الأسود.
((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟)) يستدرج، من خلق كذا؟ من خلق الدنيا؟ من خلق الجبال؟ من خلق الأرض؟ من خلق السماء؟ من خلق الجنة؟ من خلق النار؟ إلى أن يستدرج بالإنسان، يجيب المسلم الله الله، خلقها الله، حتى يقول: من خلق الله؟ اعتماداً على ما من مخلوق إلا وله خالق؟ الإنسان في الذهن لا يمكن أن يوجد نفسه، من خلق الله؟ وهنا هل يستطيع الإنسان بعقله الضعيف أن يستمر في هذه الأسئلة؟ لا بد من حسم المادة، وحسمها يكون بثلاثة أمور، ذكرت في الحديث، إذا بلغ إلى هذا الحد فليستعد بالله من هذا الشيطان الذي أغواه وأضله، ولينته مباشرةً ما يتجاوز، ما يقول: هذا السؤال صعب هات اللي بعده، لا لا، خلاص يحسم الموقف، ولينته فوراً، ثم بعد ذلك في اللفظ الآخر يقول: ((آمنت بالله ورسله)) لا بد من التسليم التام المطلق، وقدم الإسلام كما قرر أهل العلم لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لا بد أن يكون هذا آخر المطاف، (آمنت بالله ورسله) آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، فلا بد للإنسان أن يقف مهما كان، وهؤلاء الذين يدعون إلى المناقشات والمحاورات والمناظرات وتلقى في بيوت الناس مناظرات تظلهم هؤلاء لا شك أن أهدافهم سيئة، وإلا هناك أمور لا بد أن يقف، صاحب الحق لا بد أن يقف؛ لأنها إن كانت المناظرة مع من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمداً نبياً، لا بد أن يقف إلى هذا الحد؛ لكن إن كانت من شياطين الإنس والجن يتجاوزون الحد، المسلم عنده أمور لا بد أن يسلم بها ولو لم يحتملها عقله؛ لأن عقل الإنسان محدود، يعني الشبهات التي أثيرت على حديث النزول مثلاً، نحن نقطع بأن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة؛ لأن النصوص القطعية جاءت بذلك، ونجزم معتقدين لا يساورنا بذلك أدنى شك أن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، كيف تجمع بين هذا وهذا؟ يقول شيخ الإسلام: "المقرر أنه ينزل في آخر كل ليلة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يخلو منه العرش" يعني لو ناظرك جهمي وإلا شيء في مثل هذا بيقتنع؟ ممكن يقتنع بمثل هذا؟ أبداً ما في مثل حسم المادة مع هؤلاء، وفي لفظٍ: ((لا يزالون يتساءلون حتى تقولون: من خلق الله؟)) وهنا يبين هذا اللفظ أن هذا الذي يقول من شياطين الإنس، ولمسنا هذا واضح وظاهر من خلال هذه القنوات، من خلق الله؟ ويكون الجواب بالثلاثة الأمور السابقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-11-09 11:49 AM

الشريط الثاني

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

من الحديث الرابع(العمل الذي يدخل الجنة) إلى الحديث الثامن (رد كيد الشيطان وتجديد الإيمان) .

للتحميل من



هنــــــــــــــا

الشهيدة بإذن الله 30-11-09 10:48 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرح جوامع الأخبار (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنْقُصُ منه، فلما وَلَّى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: الحديث الرابع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى أعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دُلَّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" هو يريد الجنة، ويريد أقرب طريق يوصل إلى الجنة، قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً))توحد الله -جل وعلا-، لا تشرك معه في أي نوع من أنواع العبادة معه شيئاً، تعبد الله، تحقق الهدف الشرعي من وجودك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ((ولا تشرك به شيئاً)) لأنك قد تأتي بجميع أنواع العبادة وتصرف شيئاً منها لغيره فلا تنفعك حينئذٍ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، تعبد الله هو معنى المثبت (إلا الله)، ولا تشرك به شيئاً هو معنى المنفي في كلمة التوحيد (لا إله) وكلمة التوحيد هي أعظم كلمة، أعظم مشهودٍ عليه، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] شهدوا على هذه الكلمة التي هي أعظم مشهودٍ به، وشهد عليها أعظم الشهود وهو الله -جل وعلا- الخالق، وأعظم الشهود من خلقه الملائكة وأهل العلم، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، الشرك ومنه الأكبر والأصغر والأكبر الذي لا يغفر، الموجب للخلود في النار أمره خطير، والشرك الأصغر أيضاً شأنه عظيم في الشرع، وقد قرر جمع من أهل العلم أن الشرك بنوعيه غير قابل للمغفرة، لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] (أن يشرك به) يدخل به الشرك الأكبر والأًصغر، فلا بد أن يعذب سواء كان شركه أكبر أو أصغر؛ لكن من كان شركه أكبر يخلد، ومن كان شركه أصغر يعذب بقدر ما اقترف ثم يخرج من النار، وجمع من أهل العلم يرون أن حكم الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر، داخل تحت المشيئة.
((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) هذه دعائم الإسلام، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله)) وهي في الحديث معناها في قوله: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)) ((وإقام الصلاة)) وهو يقول: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان)) بقي الحج، فإما أن يكون قبل فرضه، قبل أن يفرض الحج، أو يكون هذا الشخص عرف من حاله أنه غير مستطيع للحج، وإلا فالحج هو المتمم للأركان الخمسة، كما جاء في حديث سؤال جبريل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) وغيرها مما يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام كالأركان الأربعة.
((تقيم الصلاة المكتوبة)) وهي الصلوات الخمس، وما أوجبه الله -جل وعلا-، وهنا يراد به الصلوات الخمس، أما ما وجب لأمرٍ عارض مما اختلف فيه أهل العلم كالعيد والوتر والكسوف هذه مختلف في وجوبها، والجمهور على استحبابها، الذي يدخل الجنة (إقامة الصلاة المكتوبة) وهل هناك فرق بين الإقامة والأداء؟ لأنه قال: ((تقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة)) تقيم الإقامة والاستقامة لا بد أن يكون هذا المقام قويماً مستقيماً، يُبتغى به ويراد به وجه الله -جل وعلا-، وموافق لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فليس معنى إقامة الصلاة مجرد أداؤها على الوجه المسقط للطلب المجزئ وإن اشتمل على مخالفات أو لم يتحقق فيه لب الصلاة وهو الخشوع، (تقيم الصلاة) هذا الشخص الذي خرج من صلاته وليس له منها شيء، نعم ما يؤمر بإعادتها؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط؛ لكن هل يدخل في هذا الحديث، هل مثل هذه الصلاة التي خرج صاحبها بالعشر من أجلها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ لا، يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، كثير من الناس -والله يعفو ويسامح كثير من طلاب العلم ونحن منهم- ندخل الصلاة ونخرج كأننا ما عملنا شيء، لب الصلاة، حضور القلب، الخشوع، الانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، هذا لا يكاد يوجد، ولذا تجد الإمام خلفه خمسة صفوف يخطئ في القرآن، ويخطئ في عدد الركعات ويسهو كثيراً ما يجد من يرد عليه، وكثير من المصلين إذا سلم الإمام تقول: وش قرأ؟ ماذا قرأ الإمام وهو من الحفاظ ما يجيبك بشيء، والله ما يدري وش قال؟ فإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، نحتاج إلى إقامة الصلاة، لا بد أن نفقه كيف نقيم الصلاة في ظاهرها وباطنها، كيف نخرج منها بالأجر الكامل.
((وتؤدي الزكاة المفروضة)) هناك تقيم، وهنا تؤدي للفرق بينهما؛ لأن الزكاة مال ينتزع من هذا المبلغ، ويدفع إلى المستحق، ما يختلف في فلان عن فلان، فلان أداه بنفسه، أداه بشيك، أداه بنقد، أعطاه فلان، قال ادفعه لفلان، حول الحساب، ما يختلف، تؤدي المقصود أنك تؤديها إلى مستحقها، من أحد الأصناف الثمانية، أما تقيم لا، يختلف، الزكاة المفروضة مكتوبة، وإن كان الكتب والفرض عند أهل العلم يدلان على الوجوب ولا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، إلا أن الألفاظ توحي بأن هناك فروق تدل على أن الكتب آكد من الفرض، ولذا جاءت الصلاة لأنها أهم الأركان بكونها مكتوبة، والزكاة وهي التي تليها بكونها مفروضة. ((وتصوم رمضان)) يعني تصوم شهر رمضان إذا شهدت الشهر وثبت عندك دخوله يجب عليك أن تصوم {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وهذا ركن من أركان الإسلام، والأركان الخمسة عند أهل العلم الركن الأول الذي لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فالذي لم يأت في الركن الأول هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، من ترك الركن الأول أو الركن الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس الأول تركه كفر على القول المعتمد والمفتى به، وهو المعروف عند الصحابة، وأما بقية الأركان العملية فتكفير تاركها وتارك واحدٍ منها محل خلافٍ بين أهل العلم، نقله شيخ الإسلام في كتاب الإيمان؛ لكن الجمهور على عدم كفر تارك أحد هذه الأركان إلا أنه يبقى أنه على خطرٍ عظيم، خطر عظيم دعامة من دعائم الإسلام، ركن من أركان الإسلام، لا يثبت قدم الإسلام إلا عليه ويترك، وحينئذٍ يتساهل المسلم فيه؟ لا يعني أن كون الإنسان لا يكفر بترك الصيام أو بأداء الزكاة أن الأمر سهل، لا، الأمر عظيم خطير في غاية الخطورة؛ لكن فرق بين أن يكفر الإنسان وبين أن يقال له: أن هذا عمل عظيم وشنيع وقد يؤدي به إلى الخروج من الدين، وهو لا يشعر إذا استخف بهذه الأمور العظيمة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الكفر شأنه عظيم عند أهل العلم.
قال: "والذي نفسي بيده" أقسم هذا الأعرابي بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((والذي نفسي بيده)) ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقسم على الأمور المهمة صدر من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة، يقسم على الأمر المهم، ولو لم يستحلف، ولا يعارض هذا قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة]لأن هذا أمر مهم، فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في الأمور غير المهمة، فللإنسان أن يحلف ولو لم يستحلف.
"والذي نفسي بيده" قسم والواو واو القسم، والذي نفسي بيده مقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، بعض الشراح يقول: "والذي نفسي بيده" يعني روحي في تصرفه، لا شك إن كان هذا القائل ممن لا يعرف بإثبات الصفات ينكر عليه، نقول: تأويل هذا، وإذا كان ممن ينكر اليد لله -جل وعلا- لأنه قال بعضهم "والذي نفسي بيده" روحي في تصرفه، يعني فسر باللازم، ولا يوجد أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، وهذا من لازم كون النفس التي هي الروح باليد، فإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها، والتأويل مذهب الخلف الذي حادوا عن الجادة، وارتكبوا التأويل، وحرفوا النصوص، ونفوا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا" يعني مما ذكر، يعني ولا الحج، يعني ولا الحج، لماذا؟ لأنه لم يلزمه الحج أو لم يكن الحج قد فرض، أو نقل وتركه بعض الرواة، يعني وجد في بعض الروايات.
"لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" أقسم أن لا يزيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) هذا مدح وإلا ذم؟ مدح، لكن لو قلت لك: قم يا فلان أوتر، الآن جوف الليل الثلث الأخير صلي لك ركعتين بين يدي الله وأوتر، ثم أقسم أن لا يوتر، يذم وإلا ما يذم؟ يقول الإمام أحمد: "من ترك الوتر رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته" وهذا أقسم أن لا يزيد على المكتوبة خمس، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ تقول: واحد يقول: صيام عرفة يكفر سنتين، يقول: والله ما أصوم، طيب صيام يوم عاشوراء والله ما أصوم، الصدقة؟ قال: أنا والله دافع الزكاة بالملي، بالقيراط، بالقطمير، والله ما أزيد هللة؟ يذم وإلا ما يذم؟ لكن هنا قال: "والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه" هذه أشكل على كثير من أهل العلم كيف يحسن من لا يزيد من الطاعات، وهذه الطاعات مهما أتى بها لا بد من وجود الخلل الذي يكمل بالنوافل، فالإنسان محتاج إلى النوافل على ما سيأتي، محتاج حاجة ماسة للنوافل ليكمل هذه الفرائض، وهذا يقسم أن لا يزيد ويمدح؟! ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فإما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف بالوحي أن هذا الرجل لن ينقص شيء بالفعل، فإذا أتى بما افترض الله عليه بحذافيره بحيث لا ينقص منه شيء استحق الجنة، ومنهم من قال أن المعنى: "والله لا أزيد على ما افترض الله عليّ شيء" ما أزيد على الصلوات المكتوبة هذه، ما أجعل الظهر خمس، ولا أنقص منها ما يجعلها ثلاث، ما أزيد على الفجر أخليها ثلاث أو واحدة أو أنقص، وهكذا، فالزيادة في ذات العبادة المفروضة، وبهذا نخرج من الإشكال؛ لكن ينبغي أن ظاهر اللفظ، ظاهر النص يدل على أنه لن يزيد على ما افترض الله عليه، ولذلك المكتوبة المفروضة، تنصيص على رمضان، يدل على أنها مقصودة لذاتها، فلا يزيد عليها من التنقل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى أن هذا سوف يفي بما التزم به بالوحي، فقرر أنه من أهل الجنة، الذي لا يترك من الواجبات شيء ويترك المستحبات، طبيعة المستحبات أنها لا يعاقب تاركها، فإذا كان لا يعاقب إذاً يدخل الجنة، طيب؟ المحرمات ما لها ذكر هنا، لو عبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأقام الصلاة المكتوبة، وأدى الزكاة المفروضة، وصام رمضان، وصار يزني ويشرب ويرتكب المحرمات، يدخل في هذا الحديث أو لا يدخل؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ هو عبد الله أتى بهذه الأركان الخمسة وحصل منه ما حصل من المحرمات، هل نقول: أن من سره إلى رجل من أهل الجنة، يعني مآله إلى الجنة؟ يفهم هذا الكلام من النص، هل نقول: مآله إلى الجنة، بمعنى أنه لو ارتكب محرمات عذب بقدرها وخرج؟ لا، النص ما يوحي بهذا، ما يفهم من النص هذا، وإن ألجأ إليه هذا الإشكال عند بعض الشراح؛ لكن من أقام الصلاة، من أقام الإقامة غير الأداء، وأدى الزكاة المفروضة لم ينقص منها شيء، وصام رمضان مثل هذا لن يزاول شيء من المحرمات، وإن أصابه شيء من الغفلة بادر ووفق إلى التوبة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إقامة الصلاة على الوجه المأمور به تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً ضمن ارتكاب المحرم بإقامة الصلاة، ما يوفق لأداء الزكاة بدقة وقد ارتكب محرمات، ما يوفق لأداء الصلاة لإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء وقد أخل ببعض الواجبات، الصيام صوم رمضان الهدف من الصيام إيش؟ ذيل آية الفرض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] ليش؟ لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يا أخي كيف يتقي وهو صايم رمضان؟ دعونا من صيامنا الذي هو مجرد مظهر شكل، مسقط للطلب، لا نؤمر بإعادة، ولا نأمر بإعادة، لكن الكلام على روح العبادة، هل يتصور أن شخص صائم رمضان لله -جل وعلا- على مراده لم يرفث ولم يفسق؟ هل يتصور أنه يبي يوفق يبي يزاول شيء مما حرم الله، من صام على الوجه المطلوب لا شك أنه سوف يعصم، فإذا أقام الصلاة على الوجه المطلوب نهته عن الفحشاء والمنكر، ويوجد بين كثير من المصلين، كثير من الصوام ارتكاب بعض المحرمات أثناء أداء العبادة، مع الأسف الشديد، تجده وهو صائم يغتاب، تجده يغش، تجده يرتكب محرمات، وهو يصلي، قائم بين يدي الله -جل وعلا-، في أقدس بقعة، وفي أشرف وقت ومكان تجده قد يرتكب محرم، تمر بين يديه امرأة فيتبعها النظرة، أو امرأة يمر بين يديها رجل تتبعه النظرة، وقد أُمر بالغض، تجده يخطط وهو في صلاته لأمورٍ غير محمودة، لماذا؟ لأنها فقدت اللب، وليس معنى هذا أننا نقول: الصلاة هذه بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، مجزئة مسقطة للطلب لا يؤمر بالإعادة؛ لكن القبول شيء آخر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الآثار المترتبة على هذه العبادة يفقدها الإنسان إذا لم يوجد اللب، الخشوع والخضوع تقف بين يدي الخالق مخبت منيب، ولو امتثلنا هذا ما حصل بيننا ما يحصل، تجد الإنسان في طول أيامه مفرط، تارك للسانه العنان يقول ويجرح ويعدل وفلان وعلان ويغتاب وينم، ثم بعد ذلك يريد أن يوفق لأداء العبادات على الوجه المطلوب، تجده مثلاً يسمع من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو ديدنه الكلام في الناس والغش وسوء المعاملات والرفث والفسوق، ويقول: الحج أربعة أيام لن أتكلم بكلمة، لا يستطيع البتة، لا يمكن أن يحضر حج؛ لأنه لا يعان على هذه الأربعة الأيام، ولم يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، هذه أيام شدة لا بد أن يقدم في أيام الرخاء ليعان على الحفظ في أيام الشدة، لا بد، هذا أمر لا بد منه، لا بد أن نجعل هذا نصب أعيننا، تجد كثير من الإخوان فيهم الحفاظ وفيهم الأخيار؛ لكن ما عودوا أنفسهم على نصيب ثابت من كتاب الله -جل وعلا-، يكون ديدناً له في كل يوم ورد يومي لا يتركه سفراً ولا حضراً، ثم بعد ذلك تأتي الأوقات والفرص والمواسم يبي يقرأ القرآن ما يقدر يقرأ، هذا ما تعرف على الله في الرخاء، فنهتم بهذا، نقدم لأنفسنا في أيام الرخاء لنعرف في أوقات الشدة، كثير من الناس نعم صلاة مسقطة مجزئه مسقطة للطلب؛ لكن هل ترتب عليها آثارها؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] وليس نفي القبول نفي للصحة، لا، إنما هو نفي للثواب المرتب على الصحة، الصلاة صحيحة ومجزئة، والله المستعان.

الشهيدة بإذن الله 30-11-09 10:50 PM

الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثَّقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل: ((آمنت بالله، ثم استقم)) [رواه مسلم].
الحديث الخامس: عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك" يعني قول لا يحتاج إلى استفهام، ولا استيضاح، قول مختصر أحفظه وأطبقه، يريد كلام جامع لخير الدنيا والآخرة، قول مختصر وجامع يمكن تصويره وتطبيقه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) يعني هل يكفي الشخص أن يقول: آمنت بالله؟ لا بد أن يقول ويفعل، لا بد أن يؤمن بالله -جل وعلا-، يحقق هذه الخصلة العظيمة من خصال الدين وهي الإيمان بالله -جل وعلا-، الذي ربط به صحة الأعمال، ((قل آمنت بالله)) فمعنى هذا آمن الله -جل وعلا-، والإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وبعبارةٍ أخصر: قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالإيمان اعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، فالإيمان مركب من هذه الأمور الثلاثة، يعتقد الإنسان في قلبه، وينطق بلسانه، ويعمل بأركانه، فلو وقر الإيمان في قلبه، واقتنع به وصدق، وآمن بجميع ما يجب الإيمان به؛ لكنه لم ينطق، ما نطق بالشهادة، هذا مسلم وإلا غير مسلم؟ لا بد من النطق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا...)) لا بد أن ينطق، وإلا القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فقد يقر الإسلام في قلب العبد والإيمان لكنه لا يتمكن من النطق، إن كان لا يتمكن من النطق بسبب آفة أبكم، تكفي منه الإشارة المفهمة؛ لكن إذا كان ينطق، يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا لا يقبل منه، ولو عرف من حاله ودلت القرائن على أنه وقر الإيمان في قلبه، ويسأل سائل سؤال قديم يقول: شخص من زملائه في بلد أفريقي هذا مسلم يقول: واحد من زملائي في الجامعة نصراني وعليه مما يلبسون، واقتنع بالإسلام، اقتنع قناعة تامة بقي النطق، قلت له: نذهب إلى الشيخ الفلاني لتعلن إسلامك، فذهبوا إلى الشيخ الفلاني فقال الآن: باقي ربع ساعة على أذان الظهر دعوني حتى أتجهز للصلاة وأصلي، وإذا رجعت -إن شاء الله- تعلن إسلامك، يقول: خرجنا من عند هذا الشخص، وإذا في تبادل إطلاق نار فقتل الرجل، يعني مسألة واقعية، هل ندفنه في مقابر المسلمين؟ نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه؟ لا، ما بعد أسلم؟! لا بد أن ينطق، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالله -جل وعلا- يتولاه، لا أحد يحول بين الله -جل وعلا- وبين رحمته لخلقه؛ لكن هذا في أحكام الدنيا ما نطق، فالإيمان عبارة عن القول باللسان والاعتقاد بالجنان، والعمل بالأركان، وجنس العمل كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية ركن من أركان وشرط من شروط الإيمان، لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره فيه أدنى شك يعتقد ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان التي جاءت في حديث جبريل المشهور، لا بد أن يعتقد هذه الأشياء ويؤمن بها، ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره أدنى شك، ولا يحتمل النقيض، (قل آمنت بالله) يكفي؟ ثم استقم، استقم يعني استمر على هذا الدين القويم، وعلى هذا الاعتقاد المستقيم، لا بد من الاستمرار على ذلك، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] لا بد من الاستقامة المستمرة التي لا حد لها ولا تنقطع إلا بانقطاع التكليف، ويوجد من غلاة المتصوفة بعض المراتب لبعض الأولياء الذين ينقطع عنهم التكليف، وهذا ضلال، والله -جل وعلا- يخاطب نبيه -عليه الصلاة والسلام- بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] حتى تموت، حتى يأتيك الموت، وإذا كان هذا بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن دونه لا شك أنه من باب أولى، في آية فصلت:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [(30) سورة فصلت] إن الذين قالوا ربنا الله، آمنوا به رباً، خالقاً مدبراً رازقاً، آمنوا بجميع ما يجب الإيمان به، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه، بجميع الأركان، ثم استقاموا على ذلك واستمروا عليه، تتنزل عليهم الملائكة عند الوفاة ألا تخافوا مما أمامكم، تأمين، ولا تحزنوا على ما تركتم، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [(31) سورة فصلت] لا تخافوا مما أمامكم لأنكم آمنتم وأيقنتم وصدقتم وأذعنتم وانقدتم ثم استمر أمركم على ذلك وحالكم إلى أن متم، إلى أن وصلتم إلى هذا الحد، لا تخافوا ولا تحزنوا على ما خلفتم من ذراري وأموال، وكثير من الناس في مثل الظروف التي نعيشها يصرح أنه الآن الحياة ما فيها لذة ولا فيها طعم، تستوي هي والموت؛ لكن إذا تذكر الإنسان أن خلفه صبية صغار أبو سنة وسنتين وبنات يحتاجون إلى رعاية أنت مع وجودك بين أظهرهم على تستطيع أن تدفع عنهم شيء؟ أنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسه فثق بربك واترك، وتوكل عليه، واعتمد عليه، وافعل ما أمرت به، يعني ما هو طلب أو تساوي الحياة والموت والمرجح وهو مجرد وجود هؤلاء الصبية؟ لا، أنت إذا عملت بما أمرت به فلا تخاف مما أمامك، ولا تحزن على ما خلفت، على هؤلاء الصبية لا تحزن لهم من يتكفل بهم؛ لكن ليكن حزنك على نفسك، انظر في حقيقة ما قدمت، هل هو بالفعل يوصلك إلى دار القرار؟ أو فيه ما فيه؟ راجع نفسك، كثير من الناس تجده في المجالس والله لولا هؤلاء البزارين وهؤلاء الأطفال مدري وش يصير عليهم، بهذه الفتن كان الواحد يتمنى الموت، يا أخي ما يجوز تمني الموت لضرٍ نزل بك، نعم إذا غلب على ظنك أنك تفتن في دينك إذا غلب على ظنك فلا بأس جاءت بعض النصوص ما يدل على ذلك، أما أن تتمنى الموت لأنه قد يحصل لك ما يحصل من نقصٍ في دنياك، لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، وما يدريك أنك تخلف وتبقى مدة تصوم فيها كذا عام، وتصلي فيها كذا فرض، وتنفع نفسك وتنفع غيرك، يمد الله في عمرك أو يمد الله في عمرك فتنفع وتنتفع، وحينئذٍ هذا الكلام لا مجال له، هذه الأيام أيام الفتن لا شك أنها لمن وفق وأسهم في دفع هذه الفتن وفي إنقاذ المسلمين منها لا شك أنه خير له من أيام السعد وأفضل، وأقرب إلى أن تكون منحة سيقت له في هذا العصر الذي تأخر فيه، أما إذا كانت هذه الفتن آثارها عليه بأن يتأثر فيها، ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، مثل هذا لو تمنى أن يكون مكان صاحب القبر لما يغلب على ظنه أنه ليست من أهل التأثير وليس من أهل النفع، بل يخشى عليه أن يفتن في دينه مثل هذا جاء ما يؤيد إذا كان الهدف الخوف على الدين، إذا كان خوفه على دينه فمثل هذا لا مانع أن يتمنى الموت.
هذه أسئلة يا إخوة.
هذا يقول: ما حكم الهجرة من فلسطين في ظل الوضع الحالي؟
البلدان التي نزل فيها العدو الهجرة منها لا شك أنها استسلام وتسليم للبلد للعدو بحيث لا يجد المقاومة ولا يتصور خروجه من هذا البلد في يوم من الأيام، فالأصل البقاء فيها ومقاومة العدو بقدر الإمكان؛ لكن إذا خشي الإنسان أنه يفتن، امرأة قالت: أنا والله لا أستطيع أن أقاوم وأخشى أن يعتدي علي أحد من الكفار وتيسرت الهجرة فتهاجر، أما الذي يستطيع أن يقاوم العدو لا يجوز له أن يهاجر، فلمن تترك بلاد المسلمين، وإذا قيل بهذا فإذا حل العدو ببلدٍ آخر يسلم ويهاجر المسلمون، فإذا حلوا في بلد آخر وهكذا ما يبقى للمسلمين شيء.
يقول: أعاني من الألم بالرقبة وعند التسليم لا أستطيع أن ألتفت يمين ويسار، وأقوم بإلفاف الجسم على أي شيء..
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إذا كنت لا تستطيع أن تدير رقبتك يميناً وشمالاً فتسلم بالنطق مع النية، نية الخروج من الصلاة وما عدا ذلك لا يلزم.
يقول: ما درجة وما صحة حديث: ((أن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة))؟
هذا الحديث لا أعرفه مرفوعاً، لا أعرفه مرفوعاً، فإن كان مأخوذ من واقع المبتدعة، وأنهم لظنهم على حق وأنهم في الغالب لا يوفقون لتوبة فمعناه صحيح، أما مرفوع لا أعرفه مرفوعاً.
يقول: هل تكفي الهجرة من بلدٍ كفر إلى بلد آخر نستطيع أن نظهر فيه الدين، وأن ندخل أبناءنا إلى المدارس الإسلامية مثل بريطانيا أم يجب الهجرة لبلدٍ مسلم مع العلم أن بلداننا في مشاكل كثيرة ومحاربة، هل يجوز لرجل يقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته الذي تزوج في المغرب؟
الهجرة من بلدٍ إلى بلد الأصل أن الهجرة تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، هذه الهجرة الشرعية؛ لكن إذا لم يستطع الهجرة إلى بلد الإسلام فهجرته إلى بلدٍ يكون فيه التخفيف على المسلمين ومزاولة عباداتهم أكثر من البلد الذي هو فيه تعين عليه، والمسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن البقاء بين ظهراني المشركين لا يجوز.
يقول: هل يجوز لرجل مقيم في فرنسا أن يكلف صديقاً له بأن يكون ولياً لابنته التي...؟
نعم، يجوز أن ينيبه عنه بالوكالة يكون وصياً له على بناته.
هل يجوز التبرع بعضوٍ لإنقاذ شخصٍ من الموت؟
أفتى بعض أهل العلم بذلك للمصلحة الراجحة، ولا ضرر يترتب على إن كان ميتاً لا يتضرر؛ لكن المترجح عندي أنه لا يجوز التبرع بعضو لا من حيٍ ولا ميت؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
يقول: نحن في بلاد الكفر وقد بدأنا في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وانتهينا من الأربعين النووية وتكملة ابن رجب، وشرعنا في حفظ عمدة الأحكام ولكن وجدنا... كأنهم وجدوا صعوبة، ما فما هي أفضل وأسهل طريقة لحفظها؟
أولاً: تفهم هذه الأحاديث؛ لأن فهم النص يعين على حفظه، فيقرأ مع هذه الأحاديث بعض الشروح المختصرة، المختصرة جداً، التي لا تعيق عن إتمام الحفظ في أقرب مدة، والعمدة لها شرح مختصر اسمه: (خلاصة الكلام) للشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله تعالى- يعين على فهم الحديث ثم حفظه.
يقول: هل يصدق الوثني إذا أخبرنا أن اللحم مذبوح وفق الشريعة الإسلامية؟
لا يصدق؛ لأنه ليس بثقة، وخبر غير الثقة غير مقبول.
يقول: ذكرتم أن الحاكم والبيهقي فيما يشعر فيه كلامهما وابن العربي اشترطوا العدد لقبول خبر الواحد، أليس قولهم مختص بشرط البخاري في صحيحه؟
كلامهم منه ما يفهم منه الإطلاق، وحُمل بعض كلامهم على ما يتعلق بالبخاري، وعلى كل حال ليس بشرطٍ للبخاري فضلاً عن الإطلاق، الكرماني شارح البخاري في مواضع يقرر أن البخاري يشترط أن يكون الخبر من رواية اثنين عن اثنين على الأقل، وهو يشرح الصحيح ويصادفه أول حديث في الصحيح يرد هذه الدعوة.
الحديث السادس: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)‏)[متفق عليه]‏،‏ وزاد الترمذي والنسائي‏:‏ ‏(‏(والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم)‏)‏ وزاد البيهقي‏:‏ (‏(‏والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله‏)‏)‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) المسلم من اتصف بهذا الوصف، وهو الإسلام الذي لا يقبل الله -جل وعلا- ديناً سواه، من استسلم لله -جل وعلا-، وانقاد له ظاهراً وباطناً، هذا المسلم حقيقته من سلم المسلمون من لسانه ويده، بعد أن قام بالأركان التي استحق بها أن يكون مسلماً، فالمسلم الكامل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتنصيص على بعض الخصال التي هي من مقتضيات الإسلام للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولكون بعض الناس ممن انتسبوا إلى الإسلام يتساهل فيها، فاحتيج إلى التنصيص عليها، المسلم من سلم، والمهاجر من هجر، والمؤمن من أمن، والمجاهد من جاهد، نرى الاتفاق بين الوصف والموصوف، بين الوصف والموصوف، فالمسلم من سلم، فالسلامة في الإسلام، السلامة في الإسلام في الدنيا والآخرة، والأمن في الإيمان وهكذا، ولا شك أن الاشتراك في أصل المادة يدل على الاشتراك في أصل المعنى، ولذا قال: ((المسلم من سلم المسلمون)) وأيضاً التنصيص على المسلمين للاهتمام بشأنهم والعناية بهم، وأنهم أولى من غيرهم في ملاحظة هذه الأمور، وهي السلامة مما يؤذيهم من قبل إخوانهم المسلمين، وإن كان الوصف لا مفهوم له، وإنما نص على المسلم لكونه أولى ما تنبغي العناية به، وإن كان من دخل في عهد المسلمين وفي أمانهم له من الحقوق ما يوجب عدم التعدي عليهم والإضرار بهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه، في الحديث قال: ((من لسانه)) ولم يقل من كلامه، من لسانه ليشمل ما جميع ما يمكن أن يصدر من اللسان من قول أو حركة؛ لأن المسلم قد يسيء إلى آخر؛ لأن الشخص قد يسيء إلى غيره بلسانه من غير أن يتكلم، يعني إذا كان الشخص يخشى أن يضبط عليه شيء من كلامه ويشهد عليه أساء إلى غيره بلسانه باستهزاء أو سخرة وهمز ولمز بلسانه، فهذا أعم من الكلام، ولذا قال: ((من سلم المسلمون من لسانه)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره بقولٍ أو أي حركةٍ يزاولها بلسانه مما يؤذي غيره به، وعظم الإنسان شأن اللسان وأنه يورد الإنسان موارد الهلاك.

احفظ لسانك أيها الإنسانُ *** لا يلدغنك إنه ثعبانُ
((كف عليك لسانك)) وإنما لمؤاخذون بما نتكلم به قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:((ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟)) فاللسان شأنه عظيم، إن تكلم بخير انتفع صاحبه، ونفع غيره، وإن تكلم بشر تضرر صاحبه وإن سكت وكان له في السكوت مندوحة الحمد لله السكوت هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يقول كلمة الحق فأقل الأحوال أن يسكت عن القول الباطل، فاللسان شأنه عظيم وآفاته كثيرة، ومنه تجتمع السيئات الكثيرة؛ لأن حركته أخف من حركة غيره، فالإنسان قد يعصي بلسانه لخفة حركته بحيث لا يحتاج إلى عناء وإلى تعب يفتح هذا الفم ويتكلم، قال فلان وقال علان، وفلان فيه وعلان فيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار.
يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام"، فالعلماء مضطرون للكلام في الناس جرحاً وتعديلاً وقبول للشهادات لا شك أنها مزلة قدم، وهم مع ذلك مضطرون فكيف بشخص لا تدعو الضرورة إلى أن يتكلم في فلان أو علان؟ بحيث يعمل الأعمال الصالحة أمثال الجبال ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، شتم هذا وقذف هذا، أخذ مال هذا، تكلم في عرض هذا، هذا فلان يأخذ من حسناته وفلان من حسناته، والله المستعان، حديث المفلس لا يخفى عليكم، فلننتبه إلى هذا أشد الانتباه، ولنستعمل هذه النعمة، نعمة النطق فيما يرضي الله -جل وعلا-، وهذا هو شكرها، ولو نظرنا إلى فئام من الناس سلبوا هذه النعمة لا يتكلمون، وفي الغالب أن الذي لا يتكلم أصم، فإذا سلب نعمة السمع والكلام في السابق وجوده قريب من عدمه، ورأينا الصم البكم رأيناهم في مواضع الخير لا وجود لهم إلا نادراً؛ لكن الآن وقد تيسرت الأمور يشاركون مشاركةً تامة، التقينا بهم في المناسبات مراراً لا ينقصهم شيء، يفهمون ويعبرون بطرقهم المناسب وبالإشارات لا ينقصهم شيء في كثير من تصرفاتهم أسرع من الذين يتكلمون، فإذا كان هذا الشخص لا يتكلم ولا يسمع ومن العجائب أنه يوجد شخص لا يتكلم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسه، هذا كيف يصل إليه العلم والخير، وقد حضر في مجلس كنت أنا موجود فيه فتكلم بكلمة أثرت في جميع الحاضرين لمدة ساعة، أمر عجب، وهذا شخص تعني تكليفه ما هو مثل تكليف الذي يسر الله له النطق، فلماذا لا نشكر هذه النعمة ونصرفها فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة؟ وبدلاً من القيل والقال، قال الله وقال رسوله، علم الناس الخير، تعلم أولاً ثم علم غيرك، وأسدي النصيحة لغيرك، والله المستعان.
((وبيده)) فلا يجوز للمسلم أن يتعدى على غيره، لا على نفسه وبدنه ولا على ماله، ولا على ولده، لا يجوز له أن يتعدى ويظلم غيره، فإذا كف الإنسان لسانه عن إخوانه، كف لسانه عما حرم الله عليه، وكف يده فلم يستعملها إلا فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو فيما يحتاج إليه، وبإمكانه أن يستعمل هذه الحاجة العادية التي يحتاجها في حياته اليومية بمزاولة يده بإمكانه أن يجعلها عبادة بالنية الصالحة، يرفع اللقمة لفمه ليأكل ينوي بها التقوي على طاعة الله عبادة، يضع اللقمة في فيه امرأته يؤجر على ذلك بالنية الصالحة، وكثير من الناس يغفل عن هذا الباب، ولو استحضر النية في جميع تصرفاته لحصل على الأجور مما لا يخطر له على بال، ولكن الناس معطى ومحروم، والإنسان يسعى لإصلاح نفسه، وفيما يخلصها من عذاب الله -جل وعلا-، ومما يقربها من رضوانه.
((والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) عرفنا أن الهجرة هي الترك، وهي في الاصطلاح اصطلاح أهل العلم الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهنا (من هجر) يعني من ترك ما نهى الله عنه، المهاجر من هجر، التارك الحقيقي هو من ترك ما نهى الله عنه، وبهذا يتبين أهمية ترك المحظورات، ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) (إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه) هذا لا خيار فيه، أما المأمور بالاستطاعة، الأمور لأنه إيجاد، والترك لا يصعب إلا عند منازعة النفس شهواتها هذا أمر آخر؛ لكن يتصور أن الإنسان يعجز عن فعل المأمور؛ لكن لا يتصور منه أن يعجز عن ترك المحظور، لهذا يستدل من يقول: أن ترك المحرمات أعظم من فعل المأمورات؛ لأن فعل المأمورات فيه استثناء، ما استطعتم، مقرون بالاستطاعة، بخلاف ترك المحظورات، وهذا سيأتي الكلام عليه لاحقاً -إن شاء الله تعالى-.
متفق عليه، وزاد الترمذي والنسائي: ((والمؤمن من أمنه الناس)) المؤمن وعرفنا أن الاشتراك في أصل المادة، الاشتراك اللفظي في أصل المادة يوحي بالاشتراك المعنوي؛ لأن الاشتقاق بقسميه الأكبر والأصغر فيه اشتراك، نوع اشتراك، ((والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) نعم، المؤمن لا بد أن يحقق أركان الإيمان؛ لكن لا يكمل إيمانه إلا إذا أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، هناك قال: ((المسلم من سلم المسلمون))وهنا قال: ((المؤمن من أمنه الناس)) يعني من مقتضى المقابلة أن يقول: "من أمنه المؤمنون على دمائهم وأموالهم" لكن المسألة أعم في الأموال والدماء، وهي التي يتصور منها الاعتداء بكثرة، هذا يشمل جميع الناس، مؤمنهم ومسلمهم وكافرهم الذي هو غير حربي ((على دمائهم)) وشأن الدماء عظيم في الإسلام، ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) الدماء شأنها عظيم، وجاء في تعظيم شأن القتل ما جاء من النصوص القطعية من الكتاب وصحيح السنة ما لا يحتاج إلى أن يذكر به مثلكم وأنتم طلاب علم، ولو لم يكن في ذلك إلا آية النساء،{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء] ونفي القتل عن المؤمن إلا على طريق الخطأ، هذا الأصل في المؤمن، يخطئ، يريد أن يصيب هدف، يصيب صيد فيقع على مسلم من باب الخطأ هذا يحصل، أما على طريق القصد والعمد فهذا لا يحصل، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [(92) سورة النساء] ولذا أعقبه في الآية الأخرى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] فالقتل شأنه عظيم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68-69) سورة الفرقان] نسأل الله العافية، و((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فشأن القتل عظيم في الإسلام، شأنه خطير، ولذا كان القتل عن عمد أعظم من أن يُكفر، من أعظم من أن تكون له كفارة، وعند أهل العلم أن القتل العمد ليس له كفارة، كما أن اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار ليس لها كفارة، لعظم شأنه أعظم من أن يكفر.
((وأموالهم)) والأموال كذلك، وجاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس ووجوب المحافظة عليها، ومنها الدماء والأموال، وعلى كل حال هذا أمر بين واضح لعامة المسلمين فضلاً عن خواصهم، وترخص مثل هذه الأمور وتكثر وتفحش وتصعب السيطرة عليها في أوقات الفتن، نسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا وإياكم الفتن، وجميع بلاد المسلمين ما ظهر منها وما بطن، فالفتن إذا زادت صعب السيطرة عليها، قد يقول قائل: كيف توجد مثل هذه الفتن في أفضل القرون ولا يستطيعون أن يسيطروا عليها؟ خليفة المسلمين أمير المؤمنين صاحب السوابق يقتل في بيته وهو صائم قائم لا ينقذه المسلمون؟ نقول: نعم هذا شأن الفتن، أم المؤمنين التي أوصت كل من جاءها فيمن يبايع قالت: تبايع علي بن أبي طالب، ومع ذلك تخرج يوم الجمل، فيقال -كما في الصحيح-: "والله إنها زوجته في الدنيا والآخرة؛ ولكن الله ابتلاكم" فأمور الفتن شأنها عظيم جداً، فكل مسلم عليه ما عليه في المساهمة لا سيما طلاب العلم المساهمة في التخفيف أو القضاء على الفتن بقدر الإمكان، ((على دمائهم وأموالهم)) وزاد البيهقي:((والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)) معروف أن الجهاد في النصوص عموماً وحقيقته الشرعية، حقيقته الشرعية بنصوص الكتاب والسنة الذي جاء الثواب العظيم فيه ومن قتل فيه مقبلاً غير مدبر شأنه عظيم أيضاً، وهو شهيد، المقصود به مجاهدة العدو، قتال الأعداء، هذه حقيقته الشرعية في غالب النصوص، وهنا أيضاً من أصل المادة يؤخذ أن من معاني الجهاد جهاد النفس، وجهاد النفس يكون على الطاعة، ويكون أيضاً عن المعصية تجاهد نفسك، وتقهر نفسك، وتمرن نفسك على طاعة الله -جل وعلا- وتأطرها على طاعة الله، وتجتنب محارم الله -جل وعلا-، وحينئذٍ هذا من أعظم أبواب الجهاد، وهذه أيضاً حقيقة شرعية؛ لأن الشارع نطق بها، وقد يكون باللفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، ويدخل الجهاد، جهاد الأعداء في الجهاد المنصوص عليه هنا دخولاً أولياً، كيف؟ لأنه من طاعة الله، فإذا جاهد نفسه على قتال الأعداء دخل في المجاهد دخولاً أولياً في هذا النص، وقصر العام على بعض أفراده كما هنا لا يقتضي التخصيص، فمجاهدة النفس في طاعة الله فرد من أفراد العموم الذي هو أصل الجهاد، وهذا لا يقتضي التخصيص، كما جاء في تفسير القوة بالرمي، ((ألا إن القوة الرمي)){وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء في التفسير: ((ألا إن القوة الرمي)) هل القوة الرمي فقط؟ أو جميع ما يتخذ من أسباب لنصر الدين وقمع العدو كلها قوة، فالتنصيص على هذا الفرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص وله نظائر.
.


الساعة الآن 04:58 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .