ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   قسم الدورات العلمية المكثفة (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=411)
-   -   [تفريغ] تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215)

أم الخطاب78 24-12-09 06:29 PM

الحديث التاسع والثلاثون:




عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏،‏ والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏))[رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏





هذا الحديث فيه الكلام عن الصلح {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] كما قال الله -جل وعلا- بجميع أنواعه وأشكاله وأطرافه، الصلح بين المتبايعين، الصلح بين المتخاصمين، الصلح بين أخوين، صلح بين زوجين، هو خير على كل حال، إلا ما استثني، الصلح الذي يحرم الحلال أو يحل الحرام لا يجوز بحال، ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لا يجوز بحال، حصل نزاع وشقاق بين غاصبين، تحصل بينهما أو بين سارقين، أو بين مرتبطين بوعد محرم على شيءٍ محرم، ثم تخاصما وتشاجرا لا يكون بحال، إنما الصلح في المباحات والمشروعات من باب أولى، فالصلح جائز بين المسلمين، وهو من أفضل الأعمال، تصلح بين اثنين صدقة، والله -جل وعلا- يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] بم يكون الصلح؟ يكون بتقريب وجهات النظر، بتنازل الطرفين، بهذا يكون الصلح، يعني إذا وجد خصومة بين شريكين، لا بد من أن يتنازل هذا عن بعض الشيء، وهذا عن بعض الشيء، ليتم تقريب وجهات النظر بينهما والإصلاح بينهما، ويكون بمساعي المصلحين، إذا حصل نزاع وشقاق بين زوج وزوجته يبعث حكم من أهله وحكم من أهلها، وتقرب وجهات النظر، ويصلح بينهما، ويتنازل الزوج عن بعض حقوقه، والمرأة عن بعض حقوقها، فالمرأة إذا رأت من زوجها إعراضاً عنها وتنازلت عن بعض ما أوجب الله لها لها ذلك، الأمر لا يعدوها، وإذا تنازل الزوج عن بعض حقوقه الأمر لا يعدوه، ولا يتم الصلح إلا بالتنازل، أما كل واحد يريد حقه كاملاً عند المشاحة لا يمكن أن يتم صلح؛ لكن عند المسامحة وينبغي أن يكون المسلم سمحاً في جميع تصرفاته، إلا إذا انتهك الحرمات، وإذا تحلى المسلم بهذا الخلق العظيم السماحة فإنه يكون قريباً من هذا الخير الذي هو الصلح؛ لكن إذا تضمن الصلح حرام من إحلال الحرام أو تحريم حلال فلا يصح، ولا يجوز بحال، أو تنازل عن واجب، حصل نزاع بين زوج وزوجته وبذلت المساعي للصلح بينهما فقال: نعم أنا أرضى وأتنازل عن حقوقي على أن لا تصلي الفجر مثلاً، أو لا توقضني لصلاة الفجر، نقول: لا هذا لا يجوز، أو تسمح له بأن يرتكب بعض المحرمات، نقول: لا، لا يجوز، وقل مثل هذا في الشركاء وغيرهم.
((والمسلمون على شروطهم)) إذا اشترط المسلم على أخيه، أو اشترط له والتزم له لا بد أن يفي، وأحق ما يوفى به من الشروط ما استحلت به الفروج، ما كان بين الزوجين، ((إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) كسابقيه؛ لكن إذا لم يتضمن ذلك فالأصل أن الوفاء بالشروط واجب، من الشروط بين الزوجين تشترط المرأة على الزوج أن تواصل التعليم، وأن تعمل بعد التخرج، بعد سنة سنتين تضايق الزوج قال: أنا لا أريد هذا الشرط، نقول: يا أخي المسلمون على شروطهم؟ يقول: أنا بيدي خيار أنا أملك خيار ثاني، تبي تتنازل عن هذا الشرط وإلا ما صار شيء، تذهب لأهلها، نقول: ارتكب محرم وإلا ما ارتكب محرم؟ لأنه يملك الخيار الثاني، كونه شرط يجب الوفاء به من جهة أنها لو أصرت لا يستطيع إلزامها؛ لكن هو يملك الخيار الثاني تروح لها، لا يملك إجبارها في البقاء في بيته مع ترك الشرط، أما يملك الخيار الثاني يملك؛ لكن هي إذا رأت أن المصلحة بالتنازل عن هذا الشرط في مقابل أن تبقى عنده زوجة، الأمر لا يعدوهما، فمثل هذه الشروط هي مثلما يقال في حياة الناس: عرض وطلب، هو لما التزم بالشرط يعني إن كان في نيته أن لا يفي بهذا الشرط من الأصل لا يجوز له ذلك؛ لكن في نيته أن يفي لكنه تضرر من هذا الشرط، ويملك خيار آخر، نقول: هي أيضاً بالخيار، إن شاءت تبقى بدون عمل، تبقى في الخدمة في البيت، وعليه أن يوفر جميع ما تطلبه مما هو لائق بها، وإن أصرت على لزوم هذا الشرط على أن ينفذ ما له تنفيذه الأمر لا يعدوهما، طيب شخص اقترض من زيد مبلغ من المال، قال: الآن أنا والله محتاج عشرة آلاف على أن أسددها لك في كل شهر ألف لمدة عشرة أشهر، قال: تفضل، هذا عشرة ألف، بعد شهر نزلت بالمقرض حاجة، المقترض اشترط أن تسدد في كل شهر ألف، المقرض نزلت به حاجة واضطر إلى هذا المبلغ، هل له أن يلزم المقترض بدفعه فوراً، أو نقول: المسلمون على شروطهم؟ نعم، كيف؟ بمعنىً آخر هل القرض يقبل التأجيل أو لا يقبل؟ الجمهور على أنه لا يقبل التأجيل، بمعنى أنك لو اشترطت عليه، هو محسن، وليست حاجتك بأولى من حاجته، يلزمك أن تسدد فوراً، إذا احتاج إليها، متى طلب يلزمك تسدد؛ لأن القرض لا يقبل التأجيل، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: لا المسلمون على شروطهم؛ لأن المقترض قد يتضرر، اقترض منك عشرة آلاف تصرف بها، فأنت تلجئه إلى ما فيه ضرر عليه، ((والمسلمون على شروطهم)) وهذا يرجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، المسلمون على شروطهم.
قلت: مثل هذا في القروض المؤجلة ذات الأمد الطويل، لو احتاج المقرض مثلاً هل له أن يلزم المقترض؟ صندوق التنمية العقاري وغيره وكذا، ناس قدموا على هذا القرض على أساس أنه على خمسة وعشرين سنة، فهل للدولة أن تلزم الناس بالدفع فوراً؟ على الخلاف؛ لكن الذي رجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: المسلمون على شروطهم؛ لأنه يتضرر المقترض بهذا، وينقلب الإحسان إساءة، وحينئذٍ يكون هذا القرض على خلاف الهدف الشرعي من القرض وهو الإحسان.


أم الخطاب78 24-12-09 06:30 PM

الحديث الأربعون:




عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏مَطْل الغنيِّ ظلم‏،‏ وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِئٍ فليَتْبع)‏)‏ [متفق عليه]‏.




هذا الحديث يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مطل الغني ظلم)) وفي لفظ: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) مطل الغني: يعني تأجير التسديد من قبل الغني للدائن ظلم، والظلم كما تقدم ظلمات يوم القيامة، تجد الأموال عنده والأرصدة في البنوك فإذا جاء الدائن تأتينا بعد شهر -إن شاء الله-، إذا جاء بعد شهر قال: اصبر أسبوع، اصبر عشرة أيام، اصبر شهر ثاني، وهكذا، هذا لا يجوز حرام؛ لأنه ظلم، فلا يجوز للملي –الغني- أن يماطل بدفع الدين، بل عليه أن يسارع لإبراء ذمته، ولو لم يحضر صاحب الدين، إذا كان حالاً فهذا الظلم يجعل مثل هذا المطل محرم، وجاءت الأحاديث الأخرى أنه يبيح العرض والعقوبة، بحيث إذا رفع أمره إلى الإمام يعزر حتى يدفع؛ لكن ليس للشخص الممطول أن يعاقبه، يضربه أو يعتدي عليه، لا؛ لأن العقوبات منوطة بولي الأمر، وإلا صارت المسألة فوضى، عليه أن يرفع أمره إلى ولي الأمر فيعزره على هذا.
((يبيح عرضه وعقوبته)) يقول أهل العلم: ماذا يبيح من العرض؟ يبيح أن يتحدث الشخص بقوله: فلان مطلني فقط، لأن بعض الناس إذا سمع إباحة العرض خلاص الآن الفاكهة جاهزة مقدمة: الخبيث المخبث الفاعل التارك، نقول: لا، لا، لا يبيح لك أن تقول: مطل فلان مطلني، هذه إباحة العرض هنا، إباحة العقوبة يعزر من قبل الإمام، ومفهوم الحديث أنه إذا كان مطل الغني ظلم فالمعسر مطله وترديده ليس بظلم، بل يجب إنظاره {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] يعني فالواجب نظرة إلى ميسرة، ((وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) الملي الواجد بحيث إذا طلب منه المال يدفع، بخلاف المفلس، فإذا أحيل صاحب الدين على واجد مليء عنده المال بحيث يسدد الدين متى طلب منه مثل هذا عليه أن يتبع، عليه أن يتبع، فإذا كان لك على زيدٍ من الناس مبلغ من المال وله نظير هذا المبلغ أو أكثر منه عند عمرو فأحالك على عمرو فإن كان عمرو مفلساً لا يلزمك القبول، وإن كان ملياً بحيث إذا طلبت منه المال أعطاك يلزمك أن تقبل، وحينئذٍ تبرأ ذمة المحيل، والجمهور على أن قبول الحوالة على المليء الباذل واجبة، وقال بعضهم: باستحبابها؛ لكن الجمهور على أنها واجبة للأمر بها ((فليتبع)) أما إذا كان معسراً أو في حكم المعسر مماطل أو لا يقدر استخراج الحق منه أحالك على ظالم، نقول: لا يا أخي لا قبول، أحالك على أبيك وأنت محرج من أبيك مثلاً، أحالك على أخيك وفي حرج عليك أو صهرك أو ما أشبه ذلك، يقول: لا يا أخي لا تحرجني، فهذا في حكم غير المليء.


أم الخطاب78 24-12-09 06:31 PM

الحديث الحادي والأربعون:




عن سمرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه‏)‏) [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.




هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) والمقصود باليد الحيازة يعني إذا أخذ مالاً من غيره أو متاعاً سواء كان بيده أو بواسطة شخص؛ لأن اليد هي الأصل في الأخذ فنص عليها، عليها أن ترد حقوق الناس، وسواء كانت أخذت غصباً وقهراً أو طوعاً واختياراً، إذا كانت بغصبٍ أو سرقة يلزمه الرد، يلزمه أن يردها، وإن كانت طوعاً واختياراً بعارية مثلاً يلزمه أن يردها متى انتهى منها، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، أحياناً يكون الرد فيه شيء من الحرج، شخص غصب مال أو سرق مال وتاب توبة نصوح يلزمه أن يرد هذا المال؛ لكن يقول: لو ذهبت إلى فلان وقلت له: أنا والله سرقت هذا المال أو غصبته منك فيه حرج شديد، وقد يترتب على ذلك مفسدة عظيمة أعظم من المال، نقول: عليك أن تؤدي بأي طريقة لا يكون فيها ضرر عليك، ولا يكون فيها منّة لك عليه؛ لأن بعض الناس سرق من فلان مبلغ من المال، ثم تاب منه يذهب إلى صاحب المال ويقول: والله هذا المال هدية اقبلها يا أبو فلان، ليش؟ تقول: هدية أنا ما أقدر أقول سرقت، لك فيه منّة عليه ما يجوز، وما أديت، إنما تؤديه وتوصله إلى صاحبه بأي طريقة لا يكون فيها حرجاً عليك، ولا ضرر، ولا يكون فيها أيضاً منّة لك عليه بالطرق المناسبة، ولو كانت بواسطة شخصٍ آخر، المقصود أن المال يصل إلى صاحبه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا في الأخذ المحرم كالغصوب، والسرقات، وأيضاً لو كان أخذه بطريقةٍ مباحة كالعواري مثلاً، استعار والقروض فالعارية ترد، وجحدها حرام، والمماطلة بها ظلم، ومجرد ما ينتهي الإنسان من هذه العارية يردها؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وعليه أن يبيّن أن هذه العارية لفلان، وهذه من الوصايا الواجبة، لأنها من حقوق الناس، لا تبرأ ذمته إلا بإعادتها إلى صاحبها، يترتب على التأخير أمور قد يموت مثلاً، وهي ما أعيدت إلى صاحبها يبوء بها، وشخص استعار كتاب، الكتاب ما عليه إثم، الأصل أن الكتب ما يكتب عليها أسماء، استعار وطالت المدة فتصور أن الكتاب له، تصور أن الكتاب له، مع طول المدة عشرين أو خمسة وعشرين سنة، وصاحب الكتاب يعرف أن كتابه عند فلان؛ لكن محرج أن يطلبه منه، فبلغ المعير عن المستعير أن الكتاب له، بل حمّل شخصاً السلام له وقال: بلغ فلان منه السلام، وقل له: فلان يدعو لك وكل ما رأى هذا الكتاب تذكرك ودعا لك هذا كتابه أخذته أنت جزاك الله خير ووديته في المجلد جلدته ورجعته لك يعني صار له، يعني مع طول المدة يحصل مثل هذا ينسى الإنسان، فمثل هذه الأمور الواجبة لا بد من الاحتياط فيها، أحياناً الكتاب يكون عليه الاسم –اسم صاحبه- وصاحبه أحياناً يبيع كتب، فيدخل عليه صاحب الاسم هذا إلى مكتبة فلان ويجد كتابه بمكتبة فلان، لا يدري هل باعه عليه؟ ما يدري هل أعاره إياه؟ ما يدري كيف وصل إليه؟ تسأل صاحب المكتبة يقول: شلون جاءك هذا الكتاب؟ يقول: والله ما أدري هذا عندي من عشرين سنة ما أدري شلون، صحيح عليه اسمك ما أدري هل أنا استعرته منك أو اشتريته منك؟ ما أدري، وهذا يحصل كثيراً بين طلاب العلم، وحينئذٍ يتعارض الأصل مع الظاهر، الأصل إيش؟ أنه لفلان، الذي عليه اسمه، هذا الأصل، لكن الظاهر -ظاهر الحال- أنه لمن هو بيده، وحينئذٍ نحتاج إلى مرجح، فإذا عرفنا أن فلان صاحب الاسم معروف ببيع الكتب إذا استغنى عن كتابه باعه، هذا مرجح، يمكن باع الكتاب، وإذا عرفنا من حاله أنه لا يبيع الكتب البتة، غلب على ظننا أنه إعارة فنحتاج حينئذٍ إلى مرجح، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ما يقول: هذا كتاب، والكتاب علم، والعلم مشاع، ولا يملكه أحد، نقول: لا هذا كتاب فلان أخذته عليه أن تؤديه، وقد استجاز بعضهم، بعض من لا يعتد بقوله استجاز سرقة الكتب؛ لأن العلم مشاع والكتب...، لا، لا، هذا قول لا يلتفت إليه، هذا قول باطل؛ لأنها مال، وسرقة الأموال معروف حكمها.


أم الخطاب78 24-12-09 06:33 PM

الحديث الثاني والأربعون:




عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال‏:‏ "‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم‏،‏ فإذا وقعت الحدود، وصُرفت الطرق فلا شفعة" ‏[رواه البخاري]‏.



قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة، وهي استحقاق نصيب الشريك لشريكه بنفس الثمن الذي بيعت به، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، (كل) من صيغ العموم، و(ما) أيضاً لم يقسم يعني مما تقع فيه الشركة، فيدخل في ذلك العقار والمنقول من متاع وسيارات وغيره، لكن قوله: فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، هذا مخصص للعموم، وأن الشفعة لا تكون إلا في العقار، ولا تكون في غيره، اشترك اثنان في سيارة، اثنان اشتركا في سيارة، كل واحد دفع خمسين ألف واشتروا هذه السيارة، استغنى أحدهم عن حصته فباعه على ثالث، الشريك له أن يشفع؟ ليس له أن يشفع، المشتري ينزل منزلة صاحب ولا ضرر في ذلك، من الطرائف يذكر عن شخصين اشتركا في سيارة أول ما جاءت السيارات، الناس ما يعرفون حقيقة هذه السيارات، اشتركا في سيارة فاختصما وتنازعا، وأحضرا المنشار يقتسمانها، هذا إتلاف للمال، المقصود أن مثل هذه لا شفعة فيها، إنما الشفعة في العقار فقط، لقوله: "فإذا وقعت الحدود" والحدود لا تقع إلا في العقار، "وصرفت الطرق فلا شفعة" يعني إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما لا شفعة، بحيث يعرف نصيب فلان وبينهما طريق ومعروف الحدود حينئذٍ يكون الشريك كغيره، فإذا تميز ارتفعت الشركة، إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما ارتفعت الشركة، فليس بشريك، إنما يكون حينئذٍ شريك وإلا جار؟ جار، الشريك حال الشركة له شفعة، فإذا باع شريكه نصيبه بمائتي ألف على زيد من الناس وأراده صاحبه الشريك هو أحق به، هو أحق به، فيلزم المشتري أن يتنازل ويلزم الشريك بأن يدفع نفس المبلغ، ما يقول: والله أنا شريك مانا بدافع، مشتريه بمثل بعطيك خمسين ليش أعطيك مائة ألف كاملة؟ يلزم بدفع ما باعه به، وعندئذٍ لا ضرر ولا ضرار، أنت للك حق في الشرع؛ لكن أيضاً شريكك له حق في المكسب، فهذه الشفعة، إذا قسمت الأراضي، وعرفت الحقوق، ووجدت الطرق، وعرفت الحدود، وقعت الحدود، صرفت الطرق صاروا جيران، ما صاروا شركاء، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) وأثبت بعض أهل العلم الشفعة للجار، والجمهور على عدم ثبوتها لهذا الحديث؛ لأن الجار وقعت بينهما حدود وبينهما طرق، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) والحنفية يرون الشفعة للجار لا سيما إذا كان الجار يتضرر، هما يشتركان في طريقٍ ضيق، يعني لو استطرق هذا الطريق الضيق فيه مضايقة لمن يخرج من هذا البيت من نساء من صغار من كذا، ويريده صاحبه يتوسع به الجار لا شك أن مثل هذا إذا تضرر أحق به من غيره، وإلا فالأصل أن الجار لا شفعة له؛ لأنه قد وقعت الحدود وعرفت، وحديث: ((الجار أحق بسقبه)) محمول على مثل هذه الصورة إذا كان يتضرر.


أم الخطاب78 24-12-09 06:34 PM

الحديث الثالث والأربعون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ أنا ثالث الشريكين، ما لم يَخُن أحدهما صاحبه‏،‏ فإن خانه خرجت من بينهما‏)‏) [رواه أبو داود‏].



الشركات باختلاط الأموال والأبدان لا شك أن الناس يحتاجونها، فبعض الناس عنده مال لكن لا يستطيع أن يعمل، وبعض الناس عنده فراغ يود أن يعمل لكن ما عنده مال يعمل به، بعض الناس عنده مال لا يفي بهذا المشروع فيضطر ويحتاج إلى أن يشارك غيره للدخول في مثل هذا المشروع المباح، فالشركة بأنواعها المباحة مما تقرر جوازه في الشرع، وحينئذٍ إذا حصلت هذه الشركة لا بد من الصدق، ولا بد من البيان، يعني إذا كان يجب البيان والصدق والوضوح مع المشتري وإن كان بعيداً أجنبياً فالخليط لا شك أنه أولى بهذا، ((ما لم يكن أحدهما صاحبه)) فإذا وقعت الخيانة وقع الاختلاس، وقع التغطية والتدليس على شريكه، حينئذٍ فيخرج الله -جل وعلا- من بينهما، ((أنا ثالث الشريكين)) فهذان الشريكان إذا تعاملا بوضوح ونصح بينهما وصدق وحرص على مصلحة الطرفين على حدٍ سواء فالله -جل وعلا- معهما، وإذا كان معهما بارك في هذه الشركة، فإنه يبارك في هذه الشركة، أما إذا خان أحدهما الآخر خرج الله -جل وعلا- من هذه الشركة، والدخول والخروج أمر يضاف إلى الله -جل وعلا-، كما جاءت في مثل هذا الحديث، وعلى كل حال على ما يليق به -جل وعلا-، ودخوله في البركة، وخروجه بنزل البركة، كما قرر أهل العلم، ((خرجت من بينهما)) سوف يكون مآل هذه الشركة إلى الخسران والاضمحلال والزوال، أما إذا قارن ذلك الصدق والأمانة والبيان والنصح لكل واحدٍ منهما فليبشرا بهذه البركة.

أم الخطاب78 24-12-09 06:35 PM

الحديث الرابع والأربعون:




عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)‏)[رواه مسلم]‏.‏




العبد في هذه الدنيا من بلوغه الحلم والتكليف يجري عليه القلم، فيكتب ما له وما عليه، لكنه إذا مات انقطع تكليفه، فلا يجري عليه شيء، ولا يجري له شيء، إلا ما كان بسببه، إلا ما كان له يد فيه، ويستوي في هذا الطرفان، إن كان مما يكتب له مما تسبب به دخل في هذا الحديث، وإن كان مما يكتب عليه مما تسبب به ولو بعد موته كما تقدم في حديث: ((من سن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)) والميت يعذب ببكاء أهله عليه؛ لأنه له يد في هذه الأمور، أيضاً إذا ألف كتاب فيه بدع وضلالات وشكوك وشبه هذا لا شك أن كل من قرأ هذا الكتاب وتأثر به عليه وزره إلى يوم القيامة، وبالمقابل إذا ألف كتاباً ينتفع به الناس يستفيدون منه في فهم كلام الله، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا علم ينتفع به فله أجره، وفي هذا يقول: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث)) لأنه الأصل أن ينقطع البتة، التكليف منوط بالحياة، ولا تكليف بعد الحياة؛ لكن باعتباره سبباً لهذه الأعمال، إما أن تكون حسنة أو سيئة، فيكبت له الحسنات ويكتب عليه السيئات لما كان سبباً فيه.
((صدقة جارية)) وقف مثلاً أو وصية؛ لأنه لا بد من تحقيق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأن الأصل فيه أن يكون صدقة جارية، يعني مستمرة، فإذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي من مشروعية الوقف فلا فائدة فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن بعض الناس يوقف أوقاف وتترتب هذه الأوقاف، نعم فيها أمور حسنة، ويداخلها أمور سيئة، يكون فيها شيء من الحيف، شيء من الجور، شيء من دعم الحق، وشيء من دعم باطل مثلاً، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي؛ لأن الإنسان يبتغي بهذا الوقف وجه الله، وما يقرب منه، فلينتبه الإنسان لهذا، قد يوقف وقف عظيم، ويجعل الصدقة أجره أو مثلاً غلته لواحد من أولاده، يحرم عليه هذا، فمثل هذا الوقف باطل وملغى؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي من الوقف، يورد الضغائن والشحناء بين الأخوة، فالمسلم مأمور بالتعديل بين أولاده في حياته وبعد مماته، ولذا جاء في الحديث: ((لا وصية لوارث)) على ما سيأتي، ((صدقة جارية)) من أفضل الصدقات تسبيل وتوقيف ما يرفع حوائج المحتاجين، وما يعين على طاعة الله -جل وعلا-، من إعانة لمجاهدين، أو طلاب علم، وعباد يتفرغون لطاعة الله -جل وعلا-، أو يتصدق لما يعين على حياة الناس مثلاً وبقائهم من مأكولٍ ومشروب، يتصدق بمزرعة فيها ماء، فيها طعام، لتستمر ويستمر ريعها، ((أو علم ينتفع به)) بحيث يعلم الناس ويستمر نفعه باستمرارهم واستمرار تلاميذهم، أو بمؤلفاته النافعة، كل هذا علم ينتفع به بعد موته ((أو ولد صالح يدعو له)) وعلى هذا ليحرص المسلم على تربية ولده على الخير والفضل والاستقامة والصلاح ليكون مجاب الدعوة إذا دعا لوالده، ولذا ما قال: (ولد يدعو له) قال: ((ولد صالح)) فلنحرص على هذا الوصف، والله أعلم.


وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 30-12-09 12:38 PM

الشريط السابع

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
  • نبذة عن المحاضرة :
    • من الحديث الخامس والأربعون( التملك بالسبق) إلى الحديث الخامس والخمسون(درء الحدود بالشبهات).

أم الخطاب78 30-12-09 12:40 PM

مقرر الشريط الســابع لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (7)
شرح حديث: (ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم..) وحديث: (من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ..) وحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم..) وحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) وحديث: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة..) وحديث: (لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً..) وحديث: (يحرُم من الرَّضاعة..) وحديث: (ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم..) وحديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه..) ‏وحديث: (ألحَقوا الفرائض بأهلها..) وحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له..)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:



الحديث الخامس والأربعون:

عن أسمر بن مضرس‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏((‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‏))
[رواه أبو داود]‏.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعم هذا الحديث فيه الدلالة على أن من تقدم غيره إلى شيءٍ مباح مشاع بين الناس كلهم فهو أحق به، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)) يعني هو أحق به من غيره، جئت إلى المسجد ما فيه أحد تجلس في أي مكان تريد، وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يأمرك بأن تقوم من هذا المكان أبداً، إذ أنك سبقت في الأمور العامة المشاعة إلى ما لم يسبق إليه، وقل مثل هذا في المباحات، في البراري مثلاً، سبقت إلى الكلأ، سبقت إلى الماء، سبقت إلى الأمور العامة، فإذا كان هذا في المباحات فمن باب أولى في مواطن العبادة، ولذا قال الله -جل وعلا- في بيته الحرام {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}
[(25) سورة الحـج] العاكف المقيم الملازم للمسجد، المجاور يستوي هو والبادي صاحب البادية الذي يأتي ليؤدي فرض واحد ويرجع، ما في فرق، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] يعني كونك تعتدي على شخصٍ جالس في أي مكان من المسجد الحرام أو غيره من المساجد؛ لكن الأمر فيه أشد لأنه سماه إلحاد تعتدي عليه وتأمره بأن يقوم من مكانه لا هذا إلحاد، فليحذر الإخوة الذين يحجزون أماكن ويضيقون على الناس، وجد بعض التصرفات في أقدس البقاع مشينة، وصل فيها إلى حد الضرب، يعني في آخر لحظة من رمضان بقي على أذان المغرب خمس دقائق، آخر لحظة من رمضان في آخر يوم مضاربة في صحن الحرم، هذا أبعد هذا مكاني، على أي أساس؟ سبقت خلاص هذا مكانك، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)).
كذلك في الأراضي البور البيضاء، سبق إليها فلان وأحياها هو أحق بها، المشاعر سبق إلى مكان في منى أحق به، سبق إلى مكان في عرفة أحق به، مواطن العبادة الناس فيها سواء، لا يجوز الاحتجار والتضييق على الناس البتة، أما التعدي عليهم هذا ظلم لهم، بعض الناس يستأجر الأجراء ليحجزوا له الأماكن، هذا موجود في المواسم تجد مثلاً أجراء يحجزون أماكن لمن يتخلفون، ويأتي الناس قبلهم، لا من تقدم أولى به، ولا تجوز الأجرة في مثل هذه الأماكن، في كثير ٍمن المساجد أو في كثير من بلدان المسلمين تعارف الناس على موضع الإمام وموضع المؤذن، مسألة عرفية؛ لكن لو جاء شخص وجلس في موضع المؤذن وأصر أن يبقى فيه، وقد دخل المسجد قبل المؤذن له ذلك، شيخ يعلم الناس العلم وله عمود واضح بيّن جاء ووجد فيه شخص جالس الأصل أن هذا الشخص سبقه؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة.


أم الخطاب78 30-12-09 12:42 PM

الحديث السادس والأربعون:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ألحَقوا الفرائض بأهلها‏،‏ فما بقى فهو لأوْلى رجل ذكر‏))[متفق عليه]‏.


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث ابن عباس المتفق عليه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الفرائض: الأنصبة المقدرة المحددة شرعاً التي تولى الله -جل وعلا- قسمتها بين أصحابها ومستحقيها من قرابة الميت التي لم يترك فيها اجتهاداً لأحد، ولذا صار الخلاف في مسائل الفرائض وهو الأقل من بين سائر أبواب الدين، فالخلاف في الفرائض لا يكاد يذكر في مسائل يسيرة جداً تولى الله -جل وعلا- قسمة هذه الحقوق، لم يتركها لاجتهاد أحد، وبيّن أصحاب الفرائض، بين حقوقهم، وجاء الأمر بتطبيق ما جاء في كتاب الله -جل وعلا- من هذه الفرائض والحقوق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) طبقوا ما جاء في كتاب الله -جل وعلا-، وأعطوا كل ذي حقٍ حقه، ومعلوم أن الإرث متعلق بتركة الميت، وقبل الإرث هناك حقوق تتعلق بالتركة منها: ما يتعلق بحق الميت نفسه ومؤونة تجهيزه، وهذا هو المقدم على كل حق، ومنها الديون المتعلقة بعين التركة، الديون التي فيها رهن لشيءٍ من الموروث، ثم الديون المطلقة التي لا تتعلق بعين التركة من حقوق الله وحقوق عباده، ثم بعد ذلك الوصايا، ثم الإرث، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) مقتضى ذلك أن يقدم أصحاب الفروض المقدر على غيرهم، فيقدم صاحب الفرض فإذا استوفى صاحب الفرض حقه وبقي من التركة شيء يكون حينئذٍ لأولى رجلٍ ذكر، فإذا مات الميت عن زوجة وأم وأخت وعمّ مثلاً تعطى الزوجة النصيب كامل لعدم الحاجب، تعطى الربع، والأم كم؟
لماذا الثلث؟ لعدم وجود الفرع الوارث وجمع من الأخوة، والأخت؟ النصف، لماذا؟ لعدم الفرع الوارث وعدم المعصب، وعدم الأصل من الذكور الوارثة، كم يبقى للعم؟ يبقى للعم شيء؟ يبقى له شيء وإلا ما يبقى؟ فما بقي، ما له إلا ما يبقى، والآن ما يبقى شيء، فالمسألة تعول، لو قدر أنه ليس هناك أخت، زوجة وأم وعمّ أو أخ؟ للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللعم الباقي، ((فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر)) والأصل في التعصيب أنه للذكور، لهذا الحديث ولغيره، هم العصبات في الأصل، هم المتعصبون بأنفسهم، هناك عصبة للغير ومع الغير، ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) والفرائض فيها النصف، ونصفه ونصف نصفه، النصف والربع والثمن، وفيها الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، هذه الفروض المقدرة، وأصحابها معروفون بينوا بالنصوص ولم تترك لاجتهاد أحد، ((فما باقي فلأولى رجلٍ ذكر)) أولى: هذه أفعل تفضيل والأولوية هذه تكون بأحد أمور ثلاثة، بالجهة، بالقرب، بالقوة.

فبالجهة التقديم ثم بقربه *** وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
هذه منظومة إيش؟
طالب: الجعبري.
الجعبري صحيح؛ لأن الإخوان ما يعرفون جلهم إلا الرحبية، والرحبية من الرجز، ومنظومة الجعبري على زنة إيش؟ الشاطبية؟ ما يطلع علينا واحد يقول: هذا البيت من الشاطبية ما يمكن، والفرائض له كتبه ومؤلفاته وهو علم مستقل يدرس على جهة الاستقلال، كما أنه فرع من فروع علم الفقه، والاهتمام به والعناية بِشأنه أمر لا بد منه، لا بد من ذلك؛ لأن الناس يتعرضون لهذه المسائل، ما فيه بيت يخلو من مسألة من مسائل الفرائض، ما في بيت يخلو من ميت، فعلى طلاب العلم أن يعنوا به، الحديث الذي يليه حديث أبي أمامة.

أم الخطاب78 30-12-09 12:43 PM

الحديث السابع والأربعون:

عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه، فلا وصية لوارث‏))[رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].


حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا وصية لوارث)) هذا الحديث مخرج في السنن، وفيه كلام لأهل العلم؛ لكنه متلقىً بالقبول، إيش معنى تلقي بالقبول؟ يعني عمل به الأئمة، وأهل الحديث يرون أن تلقي الحديث بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وكثرة الطرق، تلقي الأمة للخبر بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وتعدد الطرق، فتلقي الأمة بالقبول يدل على أن الخبر محكم، واتفاقهم على العمل به يعطيه قوة، هناك مسائل يبحثها أهل الحديث في عمل العالم بالحديث، أو فتواه على مقتضى حديث، أو مخالفة العالم لحديث، هل له أثر في حكم الحديث؟ فتواه على مقتضى الحديث، أو عمله بالحديث، هل يدل على ثبوته وصحته؟
طالب:.......
لا يلزم؛ لأنه قد يكون معه أحاديث أخرى، قد يكون عمل العالم بمقتضى هذا الحديث لما يؤيده من قواعد، كما أن مخالفة العالم للحديث لا تدل على ضعفه لاحتمال أن يكون عمله بمعارضٍ يراه أرجح، الأمة تلقت هذا الخبر بالقبول ((فلا وصية لوارث)) لقوله -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] لمن الوصية؟ للوالدين، والوالدان من الوارثين، وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) في القرآن إثبات الوصية للوالدين وهما من الورثة؟ وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) هل نقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟ يجرؤ أحد أن يقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟
طالب:........
نعم، تخصيص؟ لا هو رفع كلي للحكم، بالنسبة للوصية للوارث منسوخة؛ لكن هل نسختها آيات المواريث كما يقول أهل العلم؟ ولا يدخلون هذا فيها؛ لأن الجمهور عندهم أن الآحاد لا ينسخ المتواتر، على كل حال: ((لا وصية لوارث)) هو الأمر الذي تقرر عليه العمل، وهو الذي عليه عامة أهل العلم.
((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه)) بين حق الوالدين في كتابه، حق الزوجات مبين، حق الأزواج مبين، حق الأولاد، كل شيء مبين، ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) تولى إعطاءه -جل وعلا- بنفسه، ولم يترك في ذلك المجال لأحد، وحينئذٍ لا وصية لوارث؛ لأنه لا جمع بين الإرث والوصية، الوصية معروف أنها لا تنفذ إلا بعد موت الموصي، فإذا أوصى الموصي لوارث فبان عند الموت غير وارث، شخص له أخ لو مات ورثه فأوصى له بثلث ماله، نقول: هذه وصية؟ وصية لكنها لوارث باطلة، افترض أن هذا الأخ ولد لأخيه قبل وفاته بيوم ولد، تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ فبان عند الموت غير وارث، يعني إن كانت الوصية في حال عدم الحاجب، والموصي على علمٍ بذلك، الموصي عنده خبر، وأنه لا وصية لوارث، ومع ذلك يوصي له لأنه وارث، فالوصية من أصلها باطلة؛ لكن لو كان هذا الأخ أوصى له أخوه في آخر عمره، وبعد أن ظهرت النتائج وأن الزوجة حامل، فعرف أنه محجوب بهذا الحمل، ثم مات هذا الحمل قبيل الوفاة، أثناء الوصية هو غير وارث لوجود الحمل؛ لأن الحمل يحجب، لا سيما إذا كان ذكراً، هو يتوقع أنه ذكر فأوصى له لئلا يحرم من الأخ، ثم مات هذا الحمل، أو ظهر هذا الحمل أنثى، تستحق نصف المال والأخ له الباقي، ماذا يكون؟ تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ يعني هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ العبرة بالحال وإلا بالمآل؟ أو نقول: أن الوارث وصف مؤثر فإن كان وارثاً بالفعل لا تصح الوصية، وإن كان غير وارث بالفعل تصح الوصية؟ مع أنهم يلاحظون المقاصد؛ لأنه إذا قصد الوصية لوارث ظلم بقية الورثة، وحينئذٍ يعامل بنقيض قصده عندهم، طيب أوصى لوارث بالوصف لا بالقرب، يعني عنده أولاد، واحد من هؤلاء الأولاد يطلب العلم، فقال: ثلث مالي لمن يطلب العلم لولده، وهو يعرف ولده ما في إلا واحد، فكونه يوصي بالوصف يختلف عن كونه يوصي بالتعيين من الورثة، وفي هذه الوصية، ومثل هذه الوصية حث على تعلم العلم، وما قصد التمييز وارث من وارث، هو قصد حث هؤلاء الورثة على الاهتمام بشأن العلم، ولذا يصححها أهل العلم، وإن كان وارثاً؛ لأنه ليس مقصوداً لذاته؛ لكن لو قال: ثلث مالي لابني فلان، لولدي فلان لأنه يطلب العلم قلنا: لا، أنت أوصيت لولدك، فإذا قال: لمن يطلب العلم من ولدي، قلنا: ما شاء الله صيغة صحيحة، فالأمور بمقاصدها، الفروع كثيرة جداً، وتحتاج إلى شيءٍ من البسط؛ لكن الالتزام بتكميل الكتاب يعوق عن ذلك.


الساعة الآن 05:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .