يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الْإِمَامِ. أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظّهْرِ، فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَإِلّا فَجُمُعَةً. الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا بِقرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ، وَتَصِحُّ فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا اسْتَأنَفُوا ظُهْرًا، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا إِذا كَانَ نَوَى الظّهْرَ.
_________________________________ قوله: «ليس منها إذن الإمام»وهو صاحب أعلى سلطة في البلد. قوله: «أحدها الوقت» فلا تصح قبله ولا بعده([1])«وأوله أول وقت صلاة العيد» وسيأتي، ورجح الموفق في المغني أنها لا تصح قبل السادسة ولا في أول النهار، كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي([2])، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقًا لأكثر العلماء،«وآخره آخر وقت صلاة الظهر» وقد سبق. قوله: «فإن خرج وقتها»أي الجمعة«قبل»أن يدركوا «التحريمة»أي تكبيرة الإحرام في الوقت «صلوا ظهرًا»،وإن أحرموا بها في الوقت «فجمعة»، والصحيح أن الإدراك لا يكون إلا بركعة([3]). قوله: «الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها» وتقدم بيانهم، وأقرب الأقوال إلى الصواب أنها تنعقد بثلاثة وتجب عليهم([4]). قوله: «الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين» أي: متخذيها وطنًا، سواء كانت وطنهم الأول أو وطنهم الثاني؛ فإن كانوا في خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم. والقرية في اللغة العربية تشمل المدينة والمصر، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. قوله: «وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء» أي: أن أهل القرية لو أقاموا الجمعة خارج البلد في مكان قريب، فإنها تصح، فلا يُشْترط أن تكون في نفس البلد، بشرط أن يكون الموضع قريبًا، أما ما كان بعيدًا لا تصح فيه الجمعة. قوله: «فإن نقصوا»عن العدد«قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا»أي: بطلت صلاتهم، ووجب عليهم أن يستأنفوا ظهرًا؛ كما إذا دخلوا في الجمعة على أنهم أربعون ثم أحدث أحدهم وخرج فيستأنفون ظهرًا؛ لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها. ويستثنى من ذلك ما إذا كان الوقت متسعًا لإعادتها جمعة. والقول الراجح أنهم إن نقصوا بعد أن أتموا الركعة الأولى أتموا جمعة، فإذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعة، وإن نقصوا في الركعة الأولى، استأنفوا ظهرًا، وهذا اختيار الموفق([5]). قوله: «ومن أدرك مع الإمام»أي إمام الجمعة «منها ركعة» تامة بسجدتيها([6])«أتمها جمعة»، أما إذا «أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرًا» أي: بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية، فهنا لم يدرك شيئًا، فيتمها ظهرًا. قوله: «إذا كان نوى الظهر» أي: يشترط أن ينوي الظهر ودخول وقت الظهر؛ لأن فيه احتمالًا أن تُصَلّى الجمعة قبل الزوال، فإذا صُلِّيَتْ قبل الزوال وأدرك منها أقل من ركعة فإنه لا يتمها جمعة، بل يتمها نفلًا، ثم إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر. فإن لم ينو الظهر بأن دخل مع الإمام بنية الجمعة؛ لأنه يظن أن هذه هي الركعة الأولى، وذلك بأن جاء والإمام قد قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الثانية، فظن أنها الركعة الأولى، ثم تبين أنها الركعة الأخيرة، فعلى كلام المؤلف يتمها نفلًا؛ لأنه لم ينو الظهر، والصحيح أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لا يدرك ركعة فلْيَنْوِهَا ظهرًا بعد سلام الإمام ([7]). _________________________________ ([1]) ولذا لم يقل: (دخول الوقت) لئلا يوهم صحتها بعد الدخول، سواء كانت في الوقت أو بعده. ابن قائد على المنتهى (1/351). ([2]) انظر: المغني لابن قدامة (2/104). ([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (2/26). ([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/312)، وما اختاره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/378). ([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/313)، وما رجحه المصنف هو احتمال ذكره في الإنصاف (2/380)، وقال: «واختاره المصنف». ([6]) قال الشيخ منصور البهوتي في حاشية الإقناع (1/297-298): «وتظهر فائدته فيما إذا زحم عن السجود؛ قاله في المبدع، لكن جزم المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما فيما يأتي فيما إذا زحم ونحوه بعد أن أحرم مع الإمام حتى فاتته الأولى وركوع الثانية وسجد جهلًا لنفسه أنه تصح له ركعة ويتمها جمعة مع أنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها». ([7]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/314)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/380). |
وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ. مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُضُورُ الْعَدَدِ المُشْتَرَطِ، وَلَا يُشْرَطُ لهُمَا الطَّهَارَةُ، وَلَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ.
_________________________________ قوله: «ويشترط تقدم خطبتين» والخطبة بالضم: خطبة الوعظ، وما أشبه ذلك، فإن لم يتقدمها خطبتان،لم تصح، وإذا لم يتقدمها شيء من الخطبة، أو تقدمها خطبة واحدة فلا تصح، ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة فلا تصح([1]). قوله: «من شروط صحتهما»؛أي الخطبتين «حمد الله» بأن يحمد الله بلفظ: الحمد لله في كل خطبة، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أو في آخرها، والأفضل أن يكون في الأول، ومن شروط صحتهما كذلك «الصلاة على رسوله محمد r» في كل خطبة، ويتعين لفظ الصلاة، كما يشترط «قراءة آية»كاملة في كل خطبة، ولكن يشترط في الآية أن تستقل بمعنى، فلو قرأ {مُدْهَامَّتَانِ}فلا تجزئ، ويشترط لصحتهما أيضًا «الوصية بتقوى الله عز وجل في كل خطبة» بأن يوصي الخطيب المستمعين بتقوى الله، سواء قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، أو قال: يا أيها الناس اتقوا الله؛ فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها، بأن قال: يا أيها الناس افعلوا أوامر الله، واتركوا نواهي الله فيصح، كما يشترط في الخطبتين«حضور العدد المشترط»، والصحيح أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب كما مر بنا؛ فإذا قلنا يُشترط حضور ثلاثة لإقامتها صار لابد من حضور الثلاثة هنا أيضًا([2]). قوله: «ولا يشترط لهما الطهارة» أي: لو خطب وهو محدث فالخطبة صحيحة؛ لأنها ذكر، وليست صلاة، ولا يشترط أيضًا «أن يتولاهما»أي الخطبتين «من يتولى الصلاة» فلو خطب رجل وصلى آخر فهما صحيحتان، والصلاة صحيحة. _________________________________ ([1]) في بحث ابن قندس أن الجمعة في الأصل أربع قامت الخطبتان مقام ركعتين منها؛ لأنها ظهر مقصورة، ولهذا يصلي من فاتته أربعًا. من حاشية أبي بطين (1/196). ([2]) سبق أن الثلاثة اختيار الشيخ. |
وَمِنْ سُنَنِهِمَا: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وَيُسَلِّمَ عَلَى الَمأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ، وَيَخْطُبَ قَائِمًا، وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَيَقْصُدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَيُقْصِرَ الخُطْبَةَ وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ.
_________________________________ قوله: «ومن سننهما أن يخطب على منبر»أي على شيء مرتفع «أو موضع عال» ولو كومة من التراب، من أجل أن يبرز أمام الناس، كما يُسَنّ أن «يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم» أي: إذا صعد المنبر يتجه إلى المأمومين، ويسلم عليهم، «ثم يجلس إلى فراغ الأذان ويجلس بين الخطبتين»؛لأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز بينهما؛ إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام، كما يسن أن «يخطب قائمًا ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا». قوله: «ويقصد تلقاء وجهه» أي: يستقبل تلقاء وجهه، فلا يتجه لليمين أو لليسار، بل يكون أمام الناس، والظاهر ألا يلتفت الخطيب يمينًا ويسارًا، بل يقصد تلقاء وجهه ومن أراده التفت إليه. قوله: «يقصر الخطبة» أي: يجعلها قصيرة، وينبغي أيضًا في الخطبة أن «ويدعو للمسلمين» الرعية والرعاة؛ لأن في ذلك الوقت ساعة تُرْجَى الإجابة، والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير. |
فَصْل وَالجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ، يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا فِي الْأولَى بِالجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالمُنَافِقِينَ، وَتَحْرُمُ إِقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْبَلَدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، فَإِنْ فَعَلُوا فَالصَّحِيحَةُ مَا بَاشرَهَا الْإِمَامُ، أَوْ أَذِنَ فِيهَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِذْنٍ أَوْ عَدَمِهِ، فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى بَطَلَتَا، وَأَقَلّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ. _________________________________ قوله: «والجمعة ركعتان» إجماعًا «يسن أن يقرأ جهرًا»؛فلو قرأ سرًّا لصحت الصلاة، لكن الأفضل الجهر، ويقرأ «في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين». قوله: «وتحرم إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة»كما إذا ضاق المسجد عن أهله ولم يمكن توسيعه، أو إذا تباعدت أقطار البلد وصار الناس يشق عليهم الحضور. قوله: «فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام» أي: أعلى سلطة في الدولة أي ما صلى فيها، سواء كان هو الإمام، أو كان مأمومًا ولو تأخرت. قوله: «أو أذن فيها» أي: إن لم يباشرها، وهذه المسألة ليست مبنية على ما سبق في قول المؤلف:«لا يشترط لها إذن الإمام»؛ لأن إذن الإمام هناك لا يشترط في إقامة الجمعة الواحدة، أما في التعدد فلابد من إذن الإمام. قوله: «فإن استويا»أي الجمعتان «في إذن أو عدمه» بأن يكون الإمام قد أذن فيهما جميعًا، أو لم يأذن فيهما جميعًا «فالثانية باطلة». قوله: «وإن وقعتا معًا» بطلتا معًا، وكذا إن«جهلت الأولى بطلتا» أي: صلوا ولا يُدرى أيهم الذي تقدم بتكبيرة الإحرام. قوله: «وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ولا سنة لها قبلها» أي: راتبة فيصلي ما شاء بغير قصد عدد. |
وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لهَا فِي يَوْمِهَا –وَتَقَدَّمَ- وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِيًا، وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ، وَيَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا، وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَتَخَطّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، أَوْ إِلَى فُرْجَةٍ، وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ.
وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلَاةُ، وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ قَرِيبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا. وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إِلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ يُكَلِّمُهُ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا. _________________________________ قوله: «ويسن أن يغتسل لها في يومها» أي من طلوع الفجر، والصحيح أن الاغتسال واجب ([1]). قوله: «ويتنظف» أي: ويسن أن يتنظف «ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إليها» أي: إلى الجمعة «ماشيًا» ولكن لو كان منـزله بعيدًا، أو كان ضعيفًا أو مريضًا واحتاج إلى الركوب فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها. قوله: «ويدنو من الإمام» مستقبل القبلة «ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء»رجاء ساعة الإجابة «ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتخطى رقاب الناس»؛ لأنه مكروه «إلا أن يكون إمامًا» فإن كان إمامًا فلا بأس أن يتخطى، ولا بأس أن يتخطى «إلى فرجة» أي: مكان متسع في الصفوف المقدمة. قوله: «وحرم أن يقيم غيره»من المكان الذي جلس فيه «فيجلس مكانه إلا» شخصًا «قدم صاحبًا له في موضع يحفظه له» مثل: أن يقول لشخص ما: يا فلان أنا عندي شغل، ولا ينتهي إلا عند مجيء الإمام، فاذهب واجلس في مكان لي في الصف الأول، فإذا فعل وجلس في الصف الأول فله أن يقيمه؛ لأن هذا الذي أقيم وكيل له ونائب عنه([2]). قوله: «وحرم»أي صار حرامًا «رفع مصلى» أي ما يصلي عليه مثل السجادة«مفروش»أي بمكان، وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد، فجاء الناس لا يجوز أن ترفع هذا المصلى. وقوله: «ما لم تحضر الصلاة»أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه. فإذا حجز الإنسان المكان، ثم «قام من موضعه لعارض لحقه»كاحتياجه للوضوء «ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به»فإن تأخر طويلًا فلغيره أن يجلس فيه. قوله: «ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس» أي: بمكانه «حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما» فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل. قوله: «ولا يجوز والإمام يخطب إلا له»أي للإمام «أو لمن يكلمه لمصلحة» والمصلحة قيد للمسألتين جميعًا، فلا يجوز للإمام أو لمن يكلمه أن يتكلم كلامًا بلا مصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه؛ كاختلال صوت مكبر الصوت وهو يتكلم؛ وإذا كان لحاجة فيجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل. قوله: «ويجوز»الكلام «قبل الخطبة وبعدها» ولو بعد حضور الخطيب، ولو بعد الأذان ما دام لم يشرع في الخطبة، ويجوز كذلك بعد انتهاء الخطبة، وسواء كان ذلك بعد انتهاء الخطبة الأولى أو بعد انتهاء الخطبة الثانية. _________________________________ ([1]) المذهب أنه سنة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/320)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/407) قال: «وعنه: يجب على من تلزمه الجمعة، اختاره أبو بكر، وهو من المفردات، لكن لا يشترط لصحة الصلاة اتفاقًا، وأوجبه الشيخ تقي الدين على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس، وهو من المفردات أيضًا». ([2]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/204): «وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال في الشرح: لأن النائب يقوم باختياره، لكن إن جلس في مكان الإمام أو طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله أبو المعالي، وكره إيثاره غيره بمكانه الفاضل لا قبوله، وليس لغير المؤثر سبقه». |
بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا تَرَكَهَا أَهْلُ بَلَدٍ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى، وَآخِرُهُ الزَّوَالُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلّا بَعْدَهُ صَلَّوْا مِنَ الْغَدِ، وَتُسَنُّ فِي صَحْرَاءَ، وَتَقَدِيمُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَعَكْسُهُ الْفِطْرُ، وَأَكْلُهُ قَبْلَهَا وَعَكْسُهُ فِي الْأَضْحَى إِنْ ضَحَّى، وَتُكْرَهُ فِي الجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُسَنُّ تَبْكِيرُ مَأمُومٍ إِلَيْهَا مَاشِيًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَتَأَخُّرُ إِمَامٍ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، إِلّا المُعْتَكِفَ فَفِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَمِنْ شَرْطِهَا اسْتِيطَانٌ، وَعَدَدُ الجُمُعَةِ، لَا إِذْنَ إِمَامٍ. _________________________________ العيدان هما عيد الأضحى وعيد الفطر، وصلاة العيد «فرض كفاية» إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، و«إذا تركها أهل بلد»وعلم الإمام أنهم تركوها ودعاهم إلى فعلها، ولكنهم أصروا على الترك«قاتلهم الإمام» حتى يُصَلوا([1])، والمقاتلة غير القتل، فهي أوسع، فليس كل من جازت مقاتلته جاز قتله. قوله: «ووقتها كصلاة الضحى» ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح،«وآخره الزوال» أي: زوال الشمس. قوله: «فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده»أي بعد الزوال «صلوا من الغد» قضاء في وقت صلاة العيد. قوله: «وتسن»إقامتها «في صحراء» خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس، كما يسن «تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر» أي: تأخير صلاة الفطر. قوله: «وأكله»أي الإنسان «قبلها»أي قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر، «وعكسه في الأضحى إن ضحى» أي: يترك الأكل في الأضحى إن ضحى؛ فالأفضل في عيد الأضحى أن يتأخر حتى يضحي؛ فإن لم يكن لديه أضحية فإنه لا يشرع له الإمساك عن الأكل قبل الصلاة. قوله: «وتكره في الجامع»أي جامع البلد «بلا عذر» إلا بمكة؛ فإن صلوا في الجامع لعذر كمطر وريح شديدة وخوف فلا كراهة. قوله: «ويسن تبكير مأموم إليها»أي إلى صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، إذا كان المسجد قريبًا، كما لو كانت البلدة صغيرة والصحراء قريبة([2])؛ ويأتيها«ماشيًا بعد الصبح» أي: بعد صلاة الصبح، فلا يخرج بعد الفجر، كما يسن «تأخر إمام إلى وقت الصلاة»، ويسن أن يخرج الإمام والمأموم «على أحسن هيئة» في لباسه وفي هيئته، كأن: يحف الشارب، ويقلم الأظفار، ويلبس أحسن ثيابه. قوله: «إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه» أي: يستحب أن يخرج المعتكف في ثياب اعتكافه، ولو كانت غير نظيفة؛ لأن هذه الثياب أثر عبادة. قوله: «ومن شرطها استيطان» أي: من شرط صلاة العيد([3]) أن تقام في جماعة مستوطنين، فخرج بذلك المسافرون والمقيمون؛ فلو فرضنا أن جماعة تبلغ مائتين في بلد غير إسلامي، وكانوا قد أقاموا للدراسة لا للاستيطان، وصادفهم العيد فإنهم لا يقيمون صلاة العيد؛ لأنهم ليسوا مستوطنين. قوله: «وعدد الجمعة» أي: ومن شرطها أيضًا عدد الجمعة، والقول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة فهذا يبنى على ذاك ([4]). قوله: «لا إذن إمام» أي: لا يشترط إذن الإمام لصلاة العيد. _________________________________ ([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/ 494): كالأذان، فيقاتلون على تركها، وذلك مع استكمال شروطها فيهم، وقال عثمان: من الأصحاب من عبر هنا وفي باب الأذان بالاتفاق، وبعضهم بالترك، والظاهر أنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يحذف من الجملتين ما يدل على الأخرى، فالتقدير: إذا حصل اتفاق وترك، قاتلهم الإمام، أما الاتفاق وحده، فهو عزم على الترك، لا ترك حقيقة، وكذا الترك بلا اتفاق، يكون جهلًا أو كسلًا أو تهاونًا، فلا يقاتلون عليه ابتداء، بل يؤمرون أولًا، فإن امتثلوا وإلا قوتلوا لاجتماع الأمرين إذًا، أعني الترك والاتفاق اهـ. وكره أن ينصرف من حضر مصلى العيد ويتركها، كتفويتها من غير عذر، ويحرم على القول بوجوبها عينًا وإن لم يتم العدد إلا به وجب. ([2]) قال أحمد: يكبر جهرًا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى. من حاشية أبي بطين (1/207). ([3]) قال منصور: لعل المراد من شرط الصلاة التي يسقط بها فرض الكفاية؛ بدليل أن المنفرد تصح صلاته بعد صلاة الإمام وبعد الوقت، وقال ابن نصر الله: المراد شرط وجوب صلاة العيد لا شرط صحتها. من حاشية أبي بطين (1/207). ([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/326)، وسبق اختيار الشيخ في العدد المشترط للجمعة. |
وَيُسَنُّ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالقِرَاءَةِ سِتًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسًا، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِـ(سَبِّح) وَبـ(الْغَاشِيَةِ) فِي الثَّانِيَةِ.
_________________________________ قوله: «ويسن»للمصلي إذا خرج من طريق «أن يرجع من طريق آخر». قوله: «ويصليها ركعتين قبل الخطبة» فلو قدم الخطبة لم يعتد بها، وكيفيتها أن «يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستًّا»،أي: يكبر تكبيرة الإحرام ثم يستفتح، ثم ست تكبيرات «الله أكبر»، ثم يستعيذ ويقرأ، فالاستفتاح إذًا مقدم على التكبير الزائد، ويكبر «في الثانية قبل القراءة خمسًا» ليست منها تكبيرة القيام، «يرفع يديه مع كل تكبيرة([1]) ويقول:» بين كل تكبيرة وأخرى«الله أكبر كبيرًا …». قوله: «ثم يقرأ جهرًا»،أي: الفاتحة وما بعدها من السور. _________________________________ ([1]) قال ابن قاسم النجدي (2/ 506): (2) نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء؛ أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وداود وابن المنذر وغيرهم، ورواية عن مالك، وروي عن عمر، وقياسًا على الصلاة قاله الشافعي وغيره، وروى الأثرم عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، في الجنازة وفي العيد، ولم يعرف له مخالف من الصحابة. |
فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيِ الجُمُعَةِ، يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ. يَحُثّهُمْ فِي الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهمْ مَا يُخْرِجُونَ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِيَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا. وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالذِّكْرُ بَيْنَهَا.
_________________________________ قوله: «فإذا سلم خطب»الإمام أو غيره كالجمعة «خطبتين كخطبتي الجمعة» وخطبتا العيد لا يجب الحضور إليهما، بل للإنسان أن ينصرف، ولكن إذا بقي يجب عليه أن لا يكلم أحدًا، وهذا ما يشير إليه قول المؤلف:«كخطبتي الجمعة». قوله: «يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع»قائمًا نسقًا «يحثهم» أي: يحث الخطيب الناس«على الصدقة» أي: صدقة الفطر «ويبين لهم ما يخرجون»ويبين لهم الحكم، فيبين لهم النوعية من أنها تخرج من الطعام، ويبين لهم الكمية: صاع بالصاع النبوي. قوله: «ويرغبهم» أي: يحثهم على الأضحية، ويبين لهم فضلها وأجرها وثوابها «ويبين لهم حكمها» أي: أنها سنة مؤكدة على المذهب، وكذلك يبين لهم ما يضحي به وهو ثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم؛ فإن ضحى بظبي أو بفرس لم يجزئه، ويبين لهم أيضًا مقدار السن مما يضحَّى به. قوله: «والتكبيرات الزوائد» الزوائد أي: عن الواجبة في الصلاة، «والذكر بينها»وقد سبق. |
وَالخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، وَيُكْرَهُ التَنَفُّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ أَوْ بَعْضَهَا قَضَاؤُهَا عَلَى صِفَتِهَا، وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، وَفِي فِطْرٍ آكَدُ، وَفِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالمُقَيَّدُ عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلِلْمُحْرِمِ مِنْ صَلَاةِ الظّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ نَسِيَهُ قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ، وَصِفَتُهُ شَفْعًا: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أكبرُ، لَا إلَهَ إِلّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ».
_________________________________ قوله: «والخطبتان»أي خطبتي العيد «سنة»ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي e لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن([1]). قوله: «ويكره التنفل»أي بالصلاة «قبل الصلاة وبعدها في موضعها»،أما في بيته فلا كراهة، والصواب أن الصلاة غير مكروهة في مصلى العيد لا قبل الصلاة ولا بعدها([2]). قوله: «ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها»أي: يكبر في الأولى ستّا بعد تكبيرة الإحرام والثانية خمسًا كما يصلي الإمام. قوله: «ويسنّ» لجميع الناس رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل وقت صباحًا ومساءً، عند الصلاة أو قبلها أو بعدها؛ فيسن لهم «التكبير المطلق»وهو الذي لا يتقيد بشيء، وذلك «في ليلتي العيدين»والتكبير في عيد «فطر آكد» من التكبير في عيد الأضحى، والتكبير في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، ويُسَن التكبير المطلق كذلك «في كل عشر ذي الحجة» وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة، إلى آخر اليوم التاسع، وسُمِّيت عشرًا، وهي تسع من باب التغليب. أما التكبير «المقيد»وهو الذي يتقيد بأدبار الصلاة؛ فهو «عقب كل فريضة في جماعة» فلو صلاها منفردًا فلا يسن له التكبير المقيد، ولو صلى نافلة لم يشرع له التكبير المقيد، وكذا النساء في بيوتهن ليس لهن تكبير مقيد؛ لأنهن غالبًا لا يصلين جماعة. وابتداء التكبير «من صلاة الفجر يوم عرفة -وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر- إلى عصر آخر أيام التشريق»فيكبر في ثلاث وعشرين صلاة. وعلى ذلك فالتكبير المطلق في عيد الفطر وفي عيد الأضحى في عشر ذي الحجة إلى أن ينتهي الإمام من خطبته، ويجتمع المقيد والمطلق من فجر يوم عرفة إلى صلاة العيد يوم النحر، والمقيد: من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق([3]). قوله: «وإن نسيه»أي نسي التكبير المقيد بعد الصلاة «قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد» أو يطول الفصل. قوله: «ولا يسن»التكبير المقيد «عقب صلاة عيد»فلو صلى العيد فلا يكبر؛ لأنه إذا سلم الإمام من صلاة العيد قام إلى الخطبة وتفرغ الناس للاستماع والإنصات، ولا يكبرون. قوله: «وصفته»أي التكبير «شفعًا : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» أي: الله أكبر مرتين، والثانية مرتين، وتختم الأولى بالإخلاص، والثانية بالحمد. _________________________________ ([1]) المذهب أنهما خطبتان، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327) ([2]) المذهب الكراهة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/327)، وقال في الإنصاف (2/432): «وقيل: يصلي تحية المسجد، واختاره أبو الفرج، وجزم به في الغنية، قال في الفروع: وهو أظهر، ورجحه في النكت، ونصه: لا يصليها، وقال: تجوز التحية قبل صلاة العيد لا بعدها، وهو احتمال لابن الجوزي، قال في تجريد العناية: الأظهر عندي: يأتي بتحية المسجد قبلها». ([3]) قال في حاشية أبي بطين (1/211) عن التكبير: «ولا تأتي به المرأة إذا صلت في جماعة ولا تجهر به مطلقًا». |
بَابُ صَلاةِ الْكُسُوفِ تُسَنُّ جَمَاعَةً وَفُرَادَى إِذَا كُسِفَ أَحَدُ النَّيِّرَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأ فِي الْأولَى جَهْرًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُسَمِّعُ، وَيُحَمِّدُ، ثُمَّ يَقْرَأ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطيلُ وَهُوَ دُونَ الْأولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأولَى، لَكِنْ دُونَهَا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ، أَوْ كَانَتْ آيَةٌ غَيْرَ الزَّلْزَلَةِ. وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ جَازَ. _________________________________ الكسوف والخسوف بمعنى واحد، يقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف، وقال بعضهم: الكسوف للشمس والخسوف للقمر، ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت لكل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد. والكسوف: انحجاب ضوء أحد النيرين؛ أي: الشمس أو القمر بسبب غير معتاد. قوله: «تسن جماعة وفرادى» أي ليست فرض عين ولا فرض كفاية، ولو تركها الناس لم يأثموا، والقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب([1]). والجماعة ليست شرطًا لها، بل يسن للناس في البيوت أن يصلوها. وقوله: «إذا كسف أحد النيرين» ووقتها من ابتدائه إلى التجلي؛ فيصلي «ركعتين يقرأ في الأولى جهرًا» سواء في الليل أو في النهار «بعد الفاتحة سورة طويلة» من غير تعيين «ثم يركع طويلًا»من غير تقدير، المهم أن يكون طويلًا، «ثم يرفع» رأسه من الركوع «ويُسَمِّع» أي: يقول: سمع الله لمن حمده، «ويحمد» أي: يقول: ربنا ولك الحمد بعد أن يعتدل كسائر الصلوات، «ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع» فيطيل، وهو دون الأول،«ثم يرفع» أي: يسمع ويحمد ولا يطيل، «ثم يسجد سجدتين طويلتين» أي: بقدر الركوع ولا يطيل الجلوس بينهما، «ثم يصلي الثانية كالأولى، لكن دونها في كل ما يفعل» أي: من القراءة والركوع والقيام بعده والسجود، «ثم يتشهد ويسلم» أي: كغيرها من الصلوات. وظاهر كلامه: أنه لا يشرع لها خطبة؛ لأنه لم يذكرها([2])، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، والصحيح أنها يسن لها خطبة واحدة. قوله: «فإن تجلى الكسوف» أي: كسوف الشمس أو القمر «أتمَّهَا خفيفة» حتى لو كانت خفة الركعة الثانية بالنسبة للأولى بعيدة جدًّا، وإذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضي. قوله: «وإن غابت الشمس كاسفة» فإنه لا يصلي، والصحيح في المسألة أنه يصلي بعد العصر؛ أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي([3]). وإذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلي الكسوف، بناء على أنها سنة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي، وهذا هو المذهب. قوله: «أو طلعت والقمر خاسف» بأن يكون القمر في الغرب نصف الشهر، والشمس في الشرق، فربما يكسف بعدما تطلع الشمس، وهذا شيء وقع؛ فإذا وقع لا يصلي؛ لأنه ذهب سلطانه؛ فإن سلطان القمر الليل، كما لو غابت الشمس وهي كاسفة، والصحيح أنها تُصَلَّى إذا لم يمنع ضوء القمر إلا الكسوف، أما إن كان النهار قد انتشر ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس، فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به، سواء كان كاسفًا أو مبدرًا([4]). قوله: «أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل» إذا وجدت آية تخويف؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والحمم، وغير ذلك، فإنه لا يصلي صلاة الكسوف إلا الزلزلة، فإنه إذا زلزلت الأرض فإنهم يصلون صلاة الكسوف حتى تتوقف. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لو وجدت صواعق عظيمة متتابعة فإن الناس لا شك سيخافون، وفي هذا الحال يفزعون إلى ربهم عز وجل بالصلاة، وهو اختيار له قوة عظيمة([5]). قوله: «وإن أتى» المصلي«في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز»؛ لأنه ورد، وما بعد الركوع الأول سنة وليس ركنًا، وبناء على ذلك لو صلاها كما تصلى صلاة النافلة في كل ركعة ركوع فلا بأس. ولا تدرك الركعة بالركوع الثاني، وإنما تدرك بالركوع الأول، فلو دخل مسبوق مع الإمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها. _________________________________ ([1]) المذهب الاستحباب، كما في شرح منتهى الإرادات (1/331). ([2]) وكذا في شرح منتهى الإرادات (1/331-332). ([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/332)، قال في الإنصاف (2/446): «وإن تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل بلا خلاف أعلمه». ([4]) قال في الإنصاف (2/446): «إذا طلع الفجر، والقمر خاسف لم يمنع من الصلاة إذا قلنا: إنها تفعل في وقت نهي، اختاره المجد». ([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/333)، قال في الإنصاف (2/449) بعدما ذكر المذهب: «وعنه: يصلى لكل آية، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار». |
الساعة الآن 06:14 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .