ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   قسم الدورات العلمية المكثفة (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=411)
-   -   [تفريغ] تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215)

أم الخطاب78 30-12-09 12:46 PM

الحديث الثامن والأربعون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم‏:‏ المُكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العَفاف، والمجاهد في سبيل الله‏))‏ [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏



يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الذي يرويه من طريق أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة حق على الله عونهم)) لما يترتب على هذه الحمالات التي تحملوها من نفعٍ عظيم، وأثرٍ بالغ، ((ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء)) المكاتَب يريد الأداء، يعني ينوي الأداء، فإذا كانت هذه نيته، وكاتبه سيده بطلبٍ منه يريد الحرية ليتعبد من غير تقييد فالله -جل وعلا- يعينه، فإذا أراد العبد أن يتحرر بالكتابة من قيود الرقّ ليعبد الله -جل وعلا- ولينفع نفسه وغيره، وهو مع ذلك يريد أداء نجوم هذه الكتابة فإن الله -جل وعلا- يعينه، ومثله من تحمل بعض الديون لحوائجه الأصلية وهو يريد أداءها، بخلاف من أخذ أموال الناس تكثراً، ومع الأسف الشديد لا يحسب أي حساب للدين، فتجده يتخبط ويضطر إلى أن يستدين، ويرهق نفسه بالديون ونيته -والله أعلم- بها عاد كونه يريد الأداء أو لا يريد، هو تسبب في إغراق نفسه بالديون، نعم يختلف الأمر فيما إذا كان يريد الوفاء أو لا يريد الوفاء، يريد إتلافها أتلفه الله؛ لكن إذا لم يكن هناك سبب لتحمل هذه الديون فالدين خطر، شغل الذمة خطر، فإذا كانت الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، وقد امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصلاة على المدين حتى ضمن الدين، وعلى هذا من تحمل الدين لحاجة مع نية الوفاء حكمه حكم هذا المكاتب، ومثل ذلك المتزوج يريد العفاف، وذلك لما في الزواج من مصالح دينية ودنيوية، وهو من سنن المرسلين، وأوجبه بعض أهل العلم مطلقاً، وإن كان حكمه تنتابه الأحكام الخمسة عند جمعٍ من أهل العلم، وعلى كل حال فمن رغب عنه فقد رغب عن السنة، ولو قال: ليتفرغ للعلم، ولو قال: ليتفرغ للجهاد، ليتفرغ للعبادة هذا عبادة، ((وفي بضع أحدكم صدقة)) وهو أيضاً تعاون على البر والتقوى، وهو أيضاً إبقاء للنوع الإنساني، وهو أيضاً تحقيق لأمره -عليه الصلاة والسلام- بالتكاثر، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالزواج، ولا يتحقق هذا الأمر بمجرد العقد، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) هذا أمر، ويختلف العلماء في حقيقة الزواج وحقيقة النكاح، هل هي العقد أو الوطء أو هما معاً أو حقيقة أحدهما مجاز في الآخر؟ الخلاف طويل؛ لكن الذي قرره شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن امتثال الأمر لا يتحقق إلا باجتماع الأمرين، ((فليتزوج)) لو قال شاب: نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) أنا عقدت، حققت الأمر وخرجت من عهدة هذا الأمر إذاً أطلق قبل الدخول، نقول: لا يا أخي، لا بد من تحقق الأمرين، وهذا في النكاح المأمور به كما يقول شيخ الإسلام لا بد من الأمرين معاً، أما النكاح المنهي عنه فالنهي ينصرف إلى العقد وحده، وإلى الوطء وحده، وإلى الأمرين من باب أولى، فمثلاً {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [(22) سورة النساء] قد يقول: المراد به العقد؛ لأن حقيقة النكاح العقد، إذاً العقد هل يتصور أن الشرع يحرم العقد ويبيح الوطء؟ أو يقول مثلاً: المراد حقيقة النكاح الوطء إذاً أعقد، لا بد من اجتناب الأمرين معاً، وتيمور لما أعلن الدخول في الإسلام، وهو ظالم باغي معتدي أعلن الإسلام وتحته نساء أبيه، فقال علماء الإسلام: لا يجوز أن تبقى نساء أبيه في عصمته بعد إسلامه، فخشوا من سطوته وردته -إن كان أسلم حقيقة والله يتولى السرائر- وبطشه وانتقامه من المسلمين، فقام واحد من أهل العلم قال: نجد له مخرج لأن الضرر متحقق، وهو أن نقول: أن عقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل، كانوا كفار، فعقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل؛ لكن هل يسوغ له أن يطأ هؤلاء النسوة اللاتي وطأهن أبوه ولو بعقدٍ باطل؟ لا يجوز هذا بحال، هذا رأى من المصلحة العامة للأمة أنه يترك، مفسدة خاصة به وبنسائه أسهل من مصلحة عامة جائحة بالأمة، وبعض أهل العلم يصير عندهم من الجرأة مثل هذا، ويتفاوتون في تقرير المصالح والمفاسد؛ لكن لا شك أن مثل هذه الفتوى إن لم يكن الضرر متحققاً والبلى متعدياً على الأمة وإلا فهي فتوى باطلة، وإن قال بعضهم أنها عين الفقه.
المقصود أن النكاح المنهي عنه يقع على العقد وحده، ويقع على الوطء وحده، ويقع عليهما من باب أولى معاً كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية، على كل حال ((المتزوج يريد العفاف)) الممتثل للأوامر الشرعية، لا بد من أن يجمع بين الأمرين ما يقول: أنا والله عقدت إذاً تزوجت؛ لأن الزواج والنكاح حقيقته العقد، يعني على قول ما يلزم أن يطأ، ويطلق قبل الدخول ليسترد نصف المهر، نقول: لا أخي أنت ما حققت الأمر الشرعي، وإذا كان هذا هدفك من الأصل فالله -جل وعلا- لن يعينك على هذا؛ لأنك ما امتثلت الأمر، ونظراً لعظم المصالح في الزواج والنكاح جاءت الأوامر به، وجاء الوعد بعون هذا المتزوج؛ لكن في حياة الناس اليوم ما هو بعيد كل البعد من الهدي النبوي في النكاح والزواج، فهل من يخسر في ليلةٍ واحدة خمسمائة ألف مثل هذا يدخل في الحديث؟ قاعة وإلا فندق تستأجر بخمسمائة ألف ليلة واحدة؟ مثل هذا هل هو يرجو لمثل هذا العون من الله -جل وعلا-؟ المقصود أنه المتزوج المحقق للهدف الشرعي من الأمر بالزواج الممتثل للتوجيهات الشرعية، والوصايا النبوية في الزواج، أما شخص عنده مخالفات عظيمة في الزواج، ويريد العون من الله -جل وعلا-، ومن المبذرين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء] فأخو الشيطان لا يستحق العون، ((المتزوج يريد العفاف)) لهذه النية، يريد أن يعف نفسه، ويعف زوجته، ويحصل بينهم من الأولاد من يدعو لهم بعد وفاتهم.
((والمجاهد في سبيل الله)) المجاهد في سبيل الله الذي يتحمل ما يعينه على الجهاد، فهذا الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، لصد العدوان على عباد الله، مثل هذا الله -جل وعلا- يعينه في تسديد ما تحمله من أجل الجهاد، والله المستعان.

أم الخطاب78 30-12-09 12:47 PM

الحديث التاسع والأربعون:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يحرُم من الرَّضاعة ما يحرم من الولادة‏))[رواه البخاري ومسلم‏].


يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، المحرمات في النكاح إما أن تكون بالنسب، أو بالمصاهرة، أو بالرضاع، فالمحرمات بالنسب مفصلة في سورة النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء].. إلى آخره، فيحرم من الرضاع ما حرم في هذه الآية من المحرمات بالنسب، أيضاً حرم بسبب المصاهرة، وهي غير النسب، فهل يحرم من الرضاعة مثل ما حرم من المصاهرة؟ أخت الزوجة من الرضاعة مثلاً، زوجة الابن من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة بنت، بنت الزوجة من الرضاعة ربيبة؛ لكن زوجة الابن من الرضاعة تحرم وإلا ما تحرم؟ {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] هل مثل هذا يخرج زوجة الحفيد لأنه ليس ولد صلب إنما هو ابن ابن؟ يخرج وإلا ما يخرج؟ لا يخرج زوجة الحفيد؛ لأن ابن الابن ابن، زوجة الابن من الرضاعة تخرج بقوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] المسألة خلافية بين أهل العلم، ولولا قوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} لدخلت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) لكن هذا القيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} قيد اعتبره بعض العلماء، ومنهم من قال: تحرم بهذا الحديث، والقيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} يخرج الولد بالتبني فقط، أما ولد الرضاعة فهو ولد، طيب يمكن الاحتياط في مثل هذا الباب وإلا ما يمكن؟ ((هو لك يا عبد بن زمعة، واحتجبي منه يا سودة)) فالاحتياط لمثل هذا الباب أن لا يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة، كما أن الاحتياط في مثل هذا الباب أن لا تكشف له زوجة ابنه من الرضاعة، هذا احتياط، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هو لك يا عبد بن زمعة)) هذا حق شرعي؛ لكن لما رأى الشبه البيّن بعتبة قال: ((احتجبي يا سودة)) وإلا فالأصل أنه أخوه، الاحتياط في مثل هذا وارد؛ لكن من ترجّح عنده شيء بدليله ويدين الله -جل وعلا- بهذا القول الراجح لا يلام في فعله؛ لكن يبقى أن الاحتياط مطلوب.
((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) الأم من الرضاعة حرام، الأخت من الرضاعة حرام، البنت من الرضاعة حرام، ويختلفون في ما كان من الرضاعة له نظير مما حرم بالمصاهرة، يختلفون في مثل هذا والاحتياط أيضاً أن الحكم واحد، حتى من المصاهرة، أخت الزوجة من الرضاعة الاحتياط منعه، والله المستعان.
{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] عموم هذا اللفظ، {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مثلاً يتناول الأخوة من النسب بأن تكون أخت شقيقة أو لأم أو لأب، وكذلك من الرضاع، فهذا العموم، هذا النص بعمومه يتناول الأخت من الرضاعة، وهو الأحوط، وهو قول جمهور العلماء.

أم الخطاب78 30-12-09 12:48 PM

الحديث الخمسون:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر‏))‏ [رواه مسلم‏].


هذا الحديث فيه مقياس ونبراس للتعامل بين الزوجين، فالمؤمن لا يستعجل في أموره؛ لأنه قد يرى من أخلاق زوجته ما يسوءه فيقلاها ويبغضها بسبب هذا ثم يتركها، تكون النهاية الترك، وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من الزوجات في العصور المتأخرة، ونسب الطلاق مرتفعة جداً في الأيام الأولى من الزواج، والسبب أن هذا الزوج متوقع شيء بهذه الزوجة، ولديه أحلام يتوقع أن هذه الزوجة تفي بجميع ما يريد، ثم يفاجئ من أول يوم أن لديها خلق لا يرضاه، التوجيه النبوي لا يتعجل، وإذا وقف منها على خلقٍ ذميم فلينظر إلى الأخلاق الأخرى، إن كره منها خلقاً رضي آخر، وهل يتصور أن المرأة مبرأة من كل عيبٍ ونقص؟ مشتملة على كل فضل؟ ما هو صحيح، لو كان في نساء الدنيا من هذه صفتها ما صار للجنة مزية، ونساء الجنة مزية، بل لا بد من العيب والنقص، وليس هذا خاص بالنساء، أيضاً الرجال كذلك، امرأة أقدمت على قبول زوج لما تسمع عنه، تسمع عنه أنه صاحب علم، صاحب فضل، صاحب خلق، صاحب كرم، صاحب كذا، ثم تقبل، تفاجئ أول يوم أن المسألة أقل مما توقعت، فتنشز أيضاً هي مطالبة بأن لا تستعجل، إن كرهت منه خلق ترضى منه آخر؛ لكن يخاطب الأزواج في مثل هذا لأن الأمر بأيديهم، هم أهل القرار في مثل هذه الأمور، وإلا فالمرأة أيضاً مطالبة ومخاطبة بهذا، لا تستعجل، نعم هناك أخلاق لا يمكن الصبر عليها، هناك أمور ومعايب يرتكبها بعض الرجال ليس للمرأة أن تصبر عليها، وهناك أيضاً معايب في بعض الناس لا يمكن للرجال الصبر عليها، لكن هناك أمور محتملة، تمشي بالتدريج، مثل هذه هي التي جاء التوجيه بالصبر عليها، وغض البصر عنها، غض الطرف عنها، والنظر إلى الصفات الحميدة في هذه المرأة، وفي هذا الرجل، كم من امرأة أقدمت على شخص بسبب انتشار سمعته؛ لكن هي ما تعرف إلا الظاهر، تسمع السمعة ولا تدري عن شيء من معاملته في بيته، قد يكون من أسوأ الناس خلقاً؛ لكن الناس تعاملوا معه على الظاهر، فالإقدام لا بد أن يكون على بينة، ولذا لا بد من التحقق والتأكد من الطرفين في شأن الآخر، ولذا أمر الرجل في أن ينظر إلى المرأة، أذن له أن ينظر، ((اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) لئلا يفاجئ بما لا يتوقعه ثم يحصل نتيجة الفراق، فإذا حصل النظر، وركن إليها وركنت إليه فإنهم في الغالب لا يحصل بينهم شيء إلا عادة في الأخلاق الخفية، والإذن بالرؤية، الإذن برؤية المخطوبة دليل على أن الأصل هو المنع، يعني في حديث جابر لما أذن له أن ينظر إليها فكان يختبأ لينظر إليها، هل معنى هذا أنها تخرج إلى الأسواق سافرة كاشفة عن وجهها؟ أو كانت تتغطى وتتحجب؟ يعني لو كانت تخرج إلى الأسواق كاشفة عن وجهها ما احتاج إلى أن يختبأ إليها، ولا يحتاج إلى أن يقال له: انظر إليها، هو ينظر إليها باستمرار، هذا من أدلة الحجاب عند أهل العلم، والأدلة كثيرة متضافرة متظاهرة، وفي حديث قصة الإفك تقول: "كان يعرفني قبل الحجاب" لو رآها ما احتاجت إلى مثل هذا الكلام، وفي حديث عائشة أيضاً في الحج: "فإذا دنا الرجال سدلت إحدانا جلبابها" المقصود أن الأدلة كثيرة جداً متضافرة ولا يطالب بنزع الحجاب، لا يطالب بنزع الحجاب إلا من أتبع بآية الأمر بالحجاب، في آخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] الذي أتبع به، شوف العلاقة وثيقة بين الآيتين، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] فليحذر الذين يطالبون بنزع الحجاب، نعم قد يوجد أهل علم وأهل فضل بحثوا المسائل وترجح عندهم شيء، هذا شيء آخر؛ لكن يبقى أن كثير ممن ينبش في مثل هذه المسائل في قلبه شيء، فليحذر المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة، مثل هؤلاء يحذرون، إن كان الناس على خير وفضل وستر كيف يأتي من يطالب بنزع حجاب الوجه مثلاً؟ في بلد الفتوى على هذا، والأمة توارثت هذا، وتواطأت عليه، وفيه نصوص شرعية صحيحة صريحة، ومن يأتي من ينادي بنزع هذا الحجاب، هذا على خطر عظيم، ومن أوائل المعاصي التي زاولها إبليس، سوّل لآدم وأملى له أن يأكل من الشجرة، لماذا؟ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، فهذه وظيفة إبليس وأتباعه، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال المؤمن هل يدخل في هذا الوصف؟ ((لا يفرك مؤمن مؤمنة)) الخطاب لمن؟ للمؤمنين، وجد منها خلق لا يحتمله، تساهل في عرض مثلاً، نقول: هذه من الأصل ما دخلت؛ لأن الوصف بالإيمان له شأنه، وكذلك لو وقفت منه على أمرٍ رديء، دياثة ونحوها، مثل هذا لا قرار معه، ولا صبر معه، ((إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) لا بد أن تشتمل على آداب ومحاسن وأمور وأخلاق قد يظهر بعضها بالأيام الأولى، وقد لا تتكشف كثير منها إلا بعد حين.

أم الخطاب78 30-12-09 12:49 PM

الحديث الحادي والخمسون:

عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها‏،‏ وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فائْتِ الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك‏))‏ [رواه البخاري ومسلم‏].


حديث عبد الرحمن بن سمرة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة)) وخطابه -عليه الصلاة والسلام- للواحد من أمته هو خطاب للجميع، فكل واحد منا يتجه له هذا الخطاب، ((يا عبد الرحمن ابن سمرة لا تسأل الإمارة)) وفي حكم الإمارة جميع الوظائف، وكان الأمر في صدر الأمة لا تحتاج الأمة إلا إلى أمير، والأمير وهو القاضي، وهو المنفذ، وهو الحاكم، وهو المفتي، وكل شيء، وكان يسمى عامل، الإمام الأعظم يعين في كل بلد عامل، نعم هم عمال؛ لأن عملهم لمصلحة الأمة، لا لمصالحهم الخاصة، ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) لماذا؟ لأنها مزلة قدم، وسؤالك للإمارة مع ما تتطلبه من شروط وكمالات تزكية للنفس، يعني إذا سألت ولاية وإلا إمارة وإلا قضاء وإلا وظيفة كأنك تقول لمن تسأله: أنا كفؤ لهذا العمل فهذا تزكية للنفس من جهة، الأمر الثاني: أن في خطر عظيم تدخل على أمرٍ تظنه سهل ثم بعد ذلك تتورط بأمور لا تحسب لها حساب، ولذا لما زار ابن عمر عبد الله بن عامر في مرضه وطلب منه أن يدعو له، وأن يوصيه قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقةً من غلول، وكنت على البصرة" يعني ابن عمر ما يشهد عليه بشيء، بشيء بين وواضح، لا، لكن مجرد كونك على البصرة لا بد أن يدخل عليك شيء؛ لأن الإنسان إذا خلي بينه وبين ما تشتهيه نفسه، ويميل إليه طبعه وليس عليه حسيب ولا رقيب ولا شيء لا بد أن يتساهل في بعض الأمور، "وكنت على البصرة" يعني اعد حساباتك، "ولا صدقةً من غلول"، والذي يؤخذ من بيت المال بغير حق غلول، لا تسأل الأمور لأنها مزلة قدم وعليها آثار، ويتضمن الطلب والسؤال أيضاً تزكية النفس، وأنه أهل وكفؤ لهذا العمل، فإنك إن أوتيت عن مسألةٍ وكلت إليها، يعني إذا سألت وكانت ثقتك بنفسك توصلك إلى هذا الحد أن تسأل هذه الولاية وهذه الإمارة وهذه الوظيفة توكل إلى نفسك؛ لأنك جئت من قوة لهذا العمل، وثقة تامة بالنفس، بخلاف إن أوتيتها من غير مسألة، إذا أعطي وولي على عملٍ من غير مسألة فلا شك أنه سوف يعان عليها، لا سيما إذا لم يستشرف لهذا العمل، ولم يوافق على مثل هذا العمل إلا بإلحاح مثل هذا لا شك أن الإعانة والتوفيق يكون حليفه بإذن الله تعالى، وإن أوتيتها عن غير مسألةٍ أعنت عليها، وأي مسلم يستغني عن إعانة الله -جل وعلا-؟ وعن توفيق الله تعالى؟ الإنسان إذا وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز، أمر مدرك، يدركه كل إنسان من نفسه.
المسألة الثانية مما اشتمل عليها، الحديث اشتمل على مسألتين: مسألة سؤال الإمارة، والثانية: اليمين، ((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حصل نزاع بينك وبين فلان من الناس وأقسمت أن لا تدخل بيته، أو لا تكلمه، ثم رأيت من المصلحة أنك تكلم فلان وتدخل بيته، فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك، في بعض الروايات تقديم الكفارة: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) أولاً: الكفارة سببها انعقاد اليمين، ووقتها الحنث، والقاعدة: أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز تقديمها على السبب اتفاقاً، ويجزئ تأخيرها عن الوقت اتفاقاً، والخلاف بينهما، فمثلاً اليمين أو الكفارة، كفارة اليمين سببها الانعقاد، انعقاد اليمين؛ لكن هل تجب عليه بها لمجرد السبب؟ لا، لا تجب، الاحتمال أنه ما يحنث ولا يجب عليه كفارة، لكن وقت الوجوب وتعين الوجوب إذا حنث في يمينه، فإذا قال: هذا إطعام عشرة مساكين، خمسة عشر صاع كم؟ نصف صاع، كل واحد له نصف صاع، خمسة آصع، يعني خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو رز، خذ يا أخي الفقير، أنا احتمال أني أحلف يمين فيما بعد، ثم لا أجد كفارة، نقول: ما يمكن قبل اليمين، قبل انعقاد السبب لا يمكن، حنث وانعقدت يمينه، جاء إلى بيت فيه مساكين وقال: هذا خمسة عشر كيلو كفارة يمين لأني حلفت ولا أدري بعد ........ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، أما قبل انعقاد اليمين لا، ما في خلاف أنها لا تجزئ، وبعد الحنث تجزئ اتفاقاً، وهنا يقول: ((فائت الذي هو خير)) يعني احنث في يمينك ((وكفر عن يمينك)) لكن لو قدم الكفارة قبل الحنث يجوز؛ لأنه في بعض الروايات: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) وأما كفارة الظهار فلا بد أن تكون قبل المسيس، تكون قبل المسيس، دم المتعة والقران سببها الإحرام بالعمرة في أشهر الحج بالنسبة للمتمتع وسببها الجمع بين النسكين بالنسبة للقارن، قبل الإحرام بالعمرة ما تجزئ، ما يجزئ الدم؛ لكن لما أحرم بالعمرة أو أحرم قارن ودخل مكة وطاف طواف العمرة وسعى وتحلل قال: الآن وقت سعة والناس بحاجة إلى لحم أنا أذبح الدم الآن قبل الحج، وقل مثل هذا في القارن، طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج، وقال: الناس الآن بحاجة إلى لحم ليش أنتظر إلى يوم العيد ويوم العيد الناس ما هم بحاجة؟ فيه الخلاف المذكور؛ لكن جمهور أهل العلم على أنها لا تجزئ إلا في يوم العيد، القاعدة هذه ذكرها ابن رجب في قواعده، وذكر لها أمثلة كثيرة فليرجع إليه.
((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حلفت: والله ما أدخل بيت فلان مثلاً، فرأيت أنك تدخل لا سيما إذا كان من أهل القرابة، تكفر عن يمينك وأنت مرتاح، حلفت على فلان أن يأكل عندك مثلاً، أو حلفت بعد تقديم الطعام أن يبدأ أو لا تأكل معه إكراماً له يكفر وإلا ما يكفر؟ يعني اليمين التي مقتضاها الإكرام، حديث أبي بكر في الصحيح إيش مضمونه؟ إيش مقتضاه؟ حلفوا أن لا يأكلوا، وحلف أن لا يأكل، فأكلوا ثم أكل، وهل أمروا بكفارة؟ وهل أمر أبو بكر بكفارة، ما في أمر بكفارة، فاستدل بعض أهل العلم على أن اليمين التي يراد منها الإكرام، إكرام الضيف أنها لا يلزمه فيها الكفارة، يجري مجرى اليمين عند بعضهم ما يقصد منه، ما يقصد من اليمين من الحث على فعلٍ أو المنع منه، ولذا لو طلق زوجته إن خرجت أو دخلت أو زارت أهل فلان أو كذا فمقتضى اليمين عند شيخ الإسلام ومن يقول بقوله أنه يكفر كفارة يمين، ولا شيء عليه، المقصود أن الفروع المترتبة على الحديث كثيرة جداً.
((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) من المسائل أحياناً قد يرى الإنسان من نفسه أن هذا العمل متعيّن عليه، متعيّن عليه بحيث لو أسند على غيره ضاع، فهل له أن يسأل؟ هل له أن يسأل؟ نعم، له أن يسأل، بدليل {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] لماذا؟ لتوافر الشرط المطلوب، فإذا توافرت الشروط المطلوبة لولايةٍ من الولايات، وتعيّن عليه بحيث لا يوجد غيره يقوم مقامه حينئذٍ يسوغ له أن يسأل، ولو سأل بطريق غير مباشر، لا ينبغي أن يسأل سؤال مباشر، إنما لو كان بغير مباشر كان حصل له الإعانة وحصل له المقصود.

أم الخطاب78 30-12-09 12:51 PM

الحديث الثاني والخمسون:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه)‏)‏‏ [رواه البخاري‏].



((من نذر أن يطيع الله)) يتعبد لله -جل وعلا- بطاعةٍ يحبها لزمه الوفاء، إلا إذا عجز، والطاعات إما أن تكون واجبات أو مستحبات، وهي مطلوبة بأصل الشارع، وتتأكد إذا قارنها عهد أو ميثاق أو نذر، عهد أو ميثاق أو نذر، يعني فرق بين أن يقول الإنسان في نفسه: إذا جاء الراتب أتصدق بمائة ريال، في نفسه، وبين أن يتحدث في المجالس أنه إذا جاء الراتب يتصدق بمائة ريال، وبين أن يقرن ذلك بالعهد والميثاق، إن كان في مجرد نفسه فهو مخير، ينظر في المصلحة، إذا تحدث في المجالس وحفظ عنه الناس ذلك فالوفاء متأكد، إذا قرن ذلك بالعهد والميثاق فالأمر أشد، لا بد من الوفاء، فإن لم يفِ؟ {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [(75-77) سورة التوبة] فمن نذر أن يتصدق بمبلغ كذا يلزمه الوفاء، والوفاء بالنذر واجب، لا سيما إذا كان فيه طاعة، ومثله لو نذر شيئاً مباحاً ويستطيع الوفاء به؛ لكن الكلام في لزوم الوفاء بنذر الطاعة، من نذر أن يطيع الله فليطعه، بخلاف من نذر أن يعصي، إذا نذر أن يعصي لا يجوز له الوفاء بهذا النذر بحال؛ لأن المعصية في الأصل ممنوعة شرعاً، والذي ينذر المعصية آثم، نذر أن يصوم صوم داود، وسواء كان هذا النذر مقرون بسبب أو غير مقرون بسبب، إن شفاه الله يصوم صوم داود، إن ردّ الله غائبه، إن شفى الله مريضه يصوم صيام داود، أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم الاثنين والخميس أو غير ذلك من الأيام التي يستحب صيامها، هذا يلزمه الوفاء إلا إذا عجز يكفر؛ لكن إذا نذر صياماً مستمراً، والصيام له بدل بالنسبة للعاجز وهو الإطعام، هل نقول: له كفر كفارة يمين لعجزك عن النذر كله، تخرج من العهدة، أو نقول: الصيام له بدل فإذا عجزت تطعم عن كل يوم مسكين إلى الأبد، كما أنك نذرت أن تصوم إلى الأبد تطعم عن كل يوم إلى الأبد، فيكون مثل ما وجب بأصل الشرع، أو يكفر كفارة واحدة وينتهي الإشكال، يكفر كفارة يمين ويخرج من عهدة النذر، كفارة يمين واحدة وإلا عن كل يوم مسكين؟ نعرف أن من أفطر في الصيام الواجب يطعم عن كل يوم مسكين، وهذا صيام واجب، أوجبه على نفسه، فهل نقول: أن ما أوجبه على نفسه مثلما وجب في أصل الشرع، فإذا عجز عن صوم يوم أطعم، إذا نشط استطاع ما يطعم، ويستمر هذا الحكم مثل ما أوجبه الشارع، أو نقول: ثبت العجز في حقه فيكفر كفارة يمين عن النذر كله، والمسألة لا تسلم من خلاف، أيهما أقوى؟ هو نذر أن يصوم صوم داود بقية عمره، فأوجب هذا على نفسه، والصيام له بدل، كفارة صيام يعني كل يوم كفارة؟ يعني لو نذر صوم يوم واحد، وعجز عن صوم هذا اليوم مثلما ما لو نذر أن يصوم بقية عمره صيام داود؟ فيها فرق؟ أولاً: لا شك أن هناك فرق كبير بين صيام أوجبه الإنسان على نفسه، وصيام هو في الحقيقة ركن من أركان الإسلام، لا بد من التفريق بين هذا وهذا، الأمر الثاني: أن النذر يقرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، باب من غرائب أبواب الدين، الأصل أن الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فإذا كانت الغاية واجبة كالوفاء بالنذر فوسيلته الأصل أن تكون واجبة؛ لكن هنا الوسيلة ممنوعة، مكروهة، جاء النهي عن النذر، وذم النذر وأنه لا يأتي بخير، ويستخرج به من البخيل، والغاية واجبة، وهنا الوسيلة ليس لها حكم الغاية، ولذا قرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، بخلاف أبواب الدين الأخرى فوسائلها لها أحكام الغايات.
((من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) نذر أن يقطع رحمه، يعق والديه، نذر أن يعتدي على جاره، يسرق كذا، لا يجوز له أن يعصي، فلا يتعارض ما أوجبه على نفسه ما حرمه الله ورسوله، ما يتعارض هذا، وإلا كان هذا معاندة ومشاقة لله -جل وعلا-.

أم الخطاب78 30-12-09 12:52 PM

الحديث الثالث والخمسون:



عن علي -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم‏،‏ ويرد عليهم أقصاهم،‏ وهم يَدٌ على من سواهم‏،‏ ولا يقتل ذو عَهْدٍ في عهده)‏)[رواه أبو داود والنسائي‏.‏ ورواه ابن ماجه عن ابن عباس‏].



يقول -رحمه الله تعالى-: عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) المسلمون من اتصف بهذا الوصف فهو كغيره ممن اتصف به، المسلم مثله، ((تتكافأ دماؤهم)) فإذا قتل المسلم مسلماً قيد به، بخلاف ما لو قتل المسلم كافراً كما في قوله: ((لا يقتل مسلم بكافر)) ومثله أيضاً: الحر بالرقيق، كما هو مقرر عند أهل العلم، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) فالكفاءة إنما تكون بالإسلام، بغض النظر عن الأصل والحسب والنسب واللون، إذا وجد هذا الوصف فهو كفؤ لأخيه المسلم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض ولا لكذا إلا بالتقوى، هنا يتفاضل الناس، فإذا تحقق الشرط وهو الإسلام تكافأت الذمة، فيقتل المسلم بالمسلم، فالكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، الكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، وقل مثل هذا في الكفاءة في النكاح، مسلم كفؤ للمسلمة، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الأكفاء في الدين، فالكفاءة في الدين، والأنساب والألوان والبلدان لا قيمة لها إذا تحقق الشرط، باب الأكفاء في الدين وأورد حديث ضباعة بنت الزبير حين قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) وكانت تحت المقداد، المقداد مولى، وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الكفاءة في الدين فقط، من غير نظرٍ إلى أمور أخرى ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني أن المسلم إذا أعطى العهد والميثاق لأحد لزم جميع الأمة الوفاء بالعهد والميثاق، ولو كان أدناهم وأقلهم شأناً، ((ويرد عليهم أقصاهم)) يعني في هذا العهد والميثاق، أو استجابة الطلب من أقصى بلاد المسلمين إلى أقصاها، بحيث إذا استنصر المسلم في أقصى بلاد المسلمين على المسلم في أقصاها أن يرد هذا الطلب، يرده بالرفض وإلا بالقبول؟ {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [(72) سورة الأنفال] ((ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم)) كل هذه المعاني تدل على أن المسلمين يد واحدة، فلا أصول ولا أعراض، ولا تربة، ولا بلاد، ولا شيء، ولا حدود تفرق بين المسلمين، هذا الأصل، أنهم كلهم يد على من سواهم {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [(72) سورة الأنفال] إيش معنى هذا الكلام؟ أن المسلم إذا ظلم يجب نصره، يجب على المسلمين نصره، ويقول ابن العربي: "ولو لم يبق في المسلمين عين تطرف" هذه مبالغة؛ لكن يجب نصر المظلوم من المسلمين وجاء الأمر به: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فإذا كان ظالماً تكفه عن الظلم، وهو نصر له، وإذا كان مظلوماً تسعى جاهداً برفع الظلم عنه لكن الأمور والأحوال والظروف لها ما يحتف بها، إذا كنت عاجز عن نصره فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لكن يبقى إذا كنت قادر على نصره تعين عليك نصره.
((وهم يد على من سواهم)) ((ألا لا يقتل مسلم بكافر)) لا يقتل مسلم بكافر، مسلم قتل كافراً لا يقاد به، وإن كان كما في الحديث ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) لا يقتل مسلم بكافر، ((ولا ذو عهدٍ في عهده)) يعني لا يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن الجملة السابقة ((لا يقتل مسلم بكافر)) قد يفهم منها بعض الجهال من المسلمين أن في هذا إتاحة لقتل الكافر، وترخيص وإباحة، لا، يعني لو حصل أن مسلماً قتل كافراً لأمورٍ حصلت بينهما لا يقاد به؛ لكن يبقى أنه لا يجوز بحال أن يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن هذه الجملة الأولى قد يفهم منها بعض الجهال أن للمسلم أن يقتله، لا، ليس له ذلك، ولا يجوز بحالٍ أن يخفر ذو عهدٍ في عهده، بل لا بد من الوفاء بالعهود والعقود، لا بد من الوفاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [(1) سورة المائدة] و((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) ((من آذى ذمياً فقد آذاني)) إلى آخر ذلك من النصوص الثابتة الصحيحة الصريحة التي تحرم قتل النفس إلا بحقها، النفس بالنفس، الثيب الزاني، المرتد، الحربي، كل هؤلاء يستحقون القتل، أيضاً ليس للأفراد تنفيذ الحقوق أبداً، شخص ثبت عليه أنه ما يصلي، الجمهور على أنه يقتل إما مرتد عند من يكفره بترك الصلاة، أو حد عند الآخرين؛ لكن هل لإنسان أنه يقتل شخص لأنه ما يصلي؟ أو رأى ثيباً زاني له أن يرجمه؟ نقول: لا، ليس له ذلك؛ لأن هذا من حقوق ولي الأمر، وذلك افتيات عليه، والحدود إليه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: الرجل يجد عند امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ قال: نعم، وإلا لو ترك هذا المجال ما بقي أحد، ما بقي أمن، كل اثنين يصير بينهما مشاحة ومشاحنة يستدرجه ويدخله في بيته فيقتله، يقول: وجده عند امرأته، فهذه الأمور ليست للأفراد، ليست لأفراد الناس، ولو ثبت عنده ما يوجب قتله، نعم عليك أن ترفع بشأنه إلى ولي الأمر ليطبق الحد، وتطهر المجتمعات من المفسدين والمجرمين؛ لكن هذه الأمور منوطة بولي الأمر، والله المستعان.


أم الخطاب78 30-12-09 12:53 PM

الحديث الرابع والخمسون:




عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ (‏(‏من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ فهو ضامن‏))‏ [رواه أبو داود والنسائي]‏.



عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لنخرج قليلاً عن المتون إلى هذا الإسناد وهذه السلسلة التي روي بواسطتها أحاديث كثيرة صحيفة كبيرة تروى بهذه السلسلة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، منهم من يصحح، ومنهم من يضعف، ومنهم من يتوسط، مسألة خلافية بين أهل العلم، وسبب الخلاف عود الضمير في قوله: "عن جده" عندنا عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عمرو بن شعيب هذا الراوي الأول، عن أبيه من؟ شعيب، يختلف في عود الضمير إلى شعيب؟ لا، عن جده؟ جده من؟ محمد وإلا عبد الله بن عمرو؟ يعني إذا قلنا: عن أبيه عن أبي عمروٍ وهو شعيب عن جده عن جد عمرو يكون محمد، محمد تابعي إذاً الخبر مرسل، وإذا قلنا: عن أبيه عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده جد الأب؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور الأب، جد الأب من هو؟ عبد الله بن عمرو بن العاص، وجاء التصريح به في مواضع، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ويبقى النظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمسألة خلافية، ولوجود هذا الخلاف مع الاختلاف في الضمير ضعف بعض أهل العلم ما روي بهذه السلسلة، ومنهم من صحح؛ لأن الجد يصرح به وعند هؤلاء ثبت سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وانتفى الإشكال؛ لكن بوجود مثل هذا الخلاف حكم جمع من الحفاظ على أن ما روي بهذه السلسلة لا يصل إلى درجة أعلى الصحيح، ولا ينزل عن درجة القبول فهو حسن شريطة أن يصح السند إلى عمرو.
هناك سلسلة نظير هذه السلسلة وهي بهز بن حكيم عن أبيه عن حكيم، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، هل في خلاف في عود الضمائر؟ بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، يعني الخلاف في عود الضمير هنا يرد هناك؟ لا يرد، لماذا؟ لأنهم بثلاثة، بهز وحكيم ومعاوية، حيدة هذا ما هو راوي؛ لأنه قبل الإسلام، إذاً ما في خلاف ما في عود الضمير، بهز عن حكيم عن معاوية، ما في خلاف في عود الضمائر؛ لكن الخلاف في بهز نفسه هل يصل إلى درجة الاحتجاج أو لا يصل؟ مسألة خلافية، وحكموا أيضاً عليها كما حكموا هنا على هذه السلسلة بالحسن، ويبقى المفاضلة بين السلسلتين أيهما أقوى فيما لو حصل تعارض بين حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مع حديث من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، المسألة أيضاً فيها خلاف بين أهل العلم؛ لأن هذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحح لها البخاري في غير الصحيح، سأل الترمذي عن حديث لعمرو بن شعيب عن أبيه قال: صحيح، بل قال: أصح ما في الباب، وخرج لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده تعليقاً، فمنهم من يقول: أن هذه السلسلة أقوى؛ لأن البخاري صحح لها، ومنهم من يقول: بهز بن حكيم أقوى؛ لأن البخاري خرج، وإن كان معلقاً، ولم يخرج بهذه السلسلة، المقصود أن هذه المسألة معروفة في علوم الحديث، وأكثر الإخوان يعرفها لكن من باب التذكير.
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن، زاول الطب وهو جاهل، جاء شخص في يده جرح وقال هذا المتطبب: هذا تخشى منه السراية، لا بد نبتر اليد يضمن، فعلى هذا الطبيب المشهود له بالخبرة والمعرفة إذا اجتهد وأخطأ، عالج مريض ومات، يضمن وإلا ما يضمن؟ لا ما يضمن، لكن إذا لم يعرف بطب عالج مريض ومات يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن، فهو ضامن، سواء كان في النفس أو في الطرف، يضمن، وقل مثل هذا في جميع العلوم، لو جاء مهندس وادعى خبير بالهندسة، وسوى مخطط للعمارة وطاحت العمارة، ثم تبين أنه ليس بمهندس هذا دعي، يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لكن لو شهد له بالخبرة والمعرفة وأخطأ ما يضمن البناية بالجص الآجر، وهذا معروف الجص الذي هو الآجر كيفية البناء به وخلطه يؤخذ بالتدريج شيء يسير ثم شيء يسير لأنه يموت بسرعة، ييبس بسرعة هائلة، فادعى شخص أنه معلم بناء فتعامل مع الجص الآجر هذا مثل الطين، وضعه في حوض وصب عليه الماء، وأخذ يخلط برجليه ثم بعد ذلك يبس عليه الجص وعجز عن الحركة، هذا يضمن القيمة وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه جاهل أفسده على صاحبه، والآن في مجتمعات المسلمين على كافة المستويات من يخالف هذا الحديث بدءً ممن يدعي العلم ويضمن الناس كفارات، ويضمنهم عقوبات وجزاءات وهو ليس من أهل العلم، هذا يضمن هذا، جاء شخص لجاهل وقال: ارتكبت كذا، قال: اذبح شاة، ليش شاة يا أخي ما سويت شيء؟ يضمن؛ لأنه ليس عنده من العلم ما يدل على مثل هذه الفتوى؛ لكن لو اجتهد عالم ومشهود له بالعلم والخبرة وأخطأ وقال: اذبح شاة ما يضمن، كما هو معروف، تدخل ورشة سيارات السيارة فيها أمر يسير جداً ما تحتمل شيئاً يقوم يفك المكينة ويخرب يضمن لك، هذا ما يفهم، اذكر مرة احنا في طريق من بلد إلى بلد السيارة صار فيها رجة، وأدخلناها ورشة، أول ما بدأ قال: المكينة ومحرك المكينة قلت: لا، لا، عرفت أن ما عنده سالفة قلت: لا، لا تعمل، المكينة ما وراها رجة، إما صفاية وإلا شيء يمكن، ثم نطلع لثاني ادعى عمل ثاني، وندخل ورشة ثالثة قال: شوف الكفر ألين من هذا غير وبس، غيرنا الكفر وما شاء الله، كل مهنة لها أطباؤها، لكن بعض الناس يفسد، يدخل بغير معرفة ولا ورع، ثم بعد ذلك يفسد لا بد أن يضمن، ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) فإذا تسبب في تلف في النفس أو في الطرف يضمن بلا شك، وقل مثل هذا في جميع الصنائع، بدءً من ادعاء العلم -وما أكثر من يدعي- ونزولاً إلى حوائج الناس، وما يحتاجونه في أبدانهم.

أم الخطاب78 30-12-09 12:55 PM

الحديث الخامس والخمسون:




وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏-:‏ (‏(‏ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة‏)) [رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً]‏.‏





نعم أيضاً يشهد له حديث: ((ادرءوا الحدود بالشبهات)) وله طرق؛ لكن لا يسلم من مقال لأهل العلم، وكذلك الحديث الذي معنا لا يسلم أيضاً، لكن كثير من أهل العلم يعمل بهذا، والسبب أن الخطأ في العفو هذا أمر مقرر يعني؛ لأن الله -جل وعلا- حث على العفو، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] ورحمة الله -جل وعلا- سبقت غضبه؛ لكن يبقى أن الحدود لا يجوز تعطيلها بحال، وإنما شرعت لتنفذ، شرعت لتترتب عليها آثارها، تطهير المجتمعات، لا يفهم من مثل هذا الحديث -نعم إذا وقع إنسان في هفوة وإلا زلة وأمكن أن يدرء له، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لقن ماعز وصرف عنه مراراً، وقالت الغامدية: "أتريد أن ترددني كما فعلت بماعز؟" المقصود أن مثل هذا إذا كانت الجرائم قليلة وخفيفة نعم الناس على الاستقامة والالتزام وحصل هفوات يسيرة نعم هذا منهج شرعي؛ لكن إذا كثر الخبث فلا بد من أطر الناس على الحق، ولا بد من تنفيذ شرع الله عليهم، ولا بد من تطهير مجتمعات المسلمين من هذه القاذورات، وإلا وجد الآن من ينادي بالستر المطلق، خلاص، هذا عاصي استر عليه، من ستر مسلماً ستره الله، يا أخي هذه توطئة إلى الإباحية، وتعطيل لحدود الله، نعم من حصلت منه هفوة وزلة هذا الأصل من ستر مسلماً ستره الله؛ لكن يصل الأمر إلى أن تعطل الحدود؟ ومجرد الشفاعة في الحد حرام، وغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على أسامة: ((أتشفع في حدٍ من حدود الله؟)) ويسعى بعض الناس بتعطيل الحدود بهذه الطريقة، لا شك أن الدعوة إلى الستر المطلق إيش معنى هذا؟ يا أخي أتركه لا تقبض عليه، اقبض عليه ثم استر عليه إيش الفائدة؟ هذه دعوة إلى الإباحية، توطئة إلى الإباحية، وعلينا أن نتوسط في أمورنا، شخص حصلت منه هفوة وإلا زلة وإلا شيء من ستر مسلماً ستره الله، أما أصحاب الجرائم وأرباب السوابق هؤلاء لا بد أن يؤطروا على الحق، لا بد من تطهير المجتمعات منهم، وإذا كان بعض أهل العلم يرى مضاعفة العقوبات حتى تطهر المجتمعات، ولذا جاء في حديث قتل الشارب في الرابعة: ((إذا شرب في الرابعة فاقتلوه)) الجمهور على أن هذا الخبر منسوخ، ونعرف أن عمر -رضي الله عنه- كان الحد أربعين فزاده إلى ثمانين؛ لأن الناس زادوا في الشرب ولم يردعهم الحد الأول زاد، مسألة القتل قتل الشارب في المرة الرابعة، الجمهور من أهل العلم على أنه منسوخ، ولذا يقول الترمذي: ليس في كتابي مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديثين، هذا الحديث حديث معاوية في قتل الشارب، وحديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير سفرٍ ولا مطرٍ أو من غير خوفٍ ولا مطر، يقول: ما عدا ذلك جمع أحاديث اتفق الأئمة على عدم العمل بها، وهذا الاتفاق في كثيرٍ منها منقوض، نأتي إلى حديث معاوية في قتل المدمن، في قتل الشارب، مراراً ما ردعه الحد، منهم من تبنى هذا الحكم، قال: يقتل في الرابعة إيش المانع؟ ونصره ابن حزم، وانتصر له، وانتصر لهذا القول السيوطي والشيخ أحمد شاكر، وألف فيه رسالة؛ لكن رأي شيخ الإسلام وابن القيم أنه يقتل تعزيراً، يعني قتله في الرابعة ليس بحد؛ لكن للإمام إذا رأى أن الناس لا يرتدعون بإقامة الحد أن يقتل تعزيراً حتى يكف الناس عن هذه الجريمة، عن أم الخبائث، والإمام له أن يعزر بما شاء، حتى قال بعض أهل العلم له إلى القتل في التعزير، ما يمكن أن يكف أهل الجرائم والمعصية إلا بأطرهم عن الحق، وهذا من أوجب الواجبات على ولي الأمر حفظ الأمن، إقامة الصلاة، إقامة الحج، إقامة الجهاد، إقامة الشعائر، تطهير المجتمعات من الفساد والمفسدين، هذه من واجبات ولي الأمر، وكلها بالدليل، المقصود أن مثل هذا لا يفهم منه تعطيل الحدود. ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم)) بلا شك أنه إذا كان الأمر محتمل هذا وهذا أنه يرجح العفو، والستر هو الأصل، فإن كان له مخرج فخلو سبيله، وقد أعرض النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ماعز مراراً، حتى رأى أنه لا مندوحة من إقامة الحد، ((فإن الإمام أن يخطئ في العفو..)) الآن على قتل شارب الخمر المدمن صدرت فتوى بقتل المروج، مروج المخدرات التي ضررها في البلدان لا يقدر قدره إلا من سمع بعض الأخبار، ما هو كل الأخبار، وما تفعله بأصحابها وأربابها من متعاطيها وأهليهم وذويهم الذين يعانون منهم شيء لا يخطر على البال، ولذا صدرت الفتوى بقتل المروج، ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم وإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)) وهذه المسألة إذا كانت تحتمل الخطأ، أما إذا كانت لا تحتمل الخطأ يعني وجدت مقدماتها كلها الشرعية فلتوجد نتائجها، يعني هذا الإمام وصله ما يوجب الحد، الإمام بين أمرين، والاحتمال قائم أن تطبيقه لهذا الحد خطأ، يخطئ في ترك العقوبة أفضل أن يخطئ في تنفيذ العقوبة؛ لكن إذا كان لا يتطرق الخطأ إلى الوسيلة التي بواسطتها عرف، لا يجوز له أن يعفو بحال، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده، ليس معنى هذا يخطئ في العفو، يخطئ في العقوبة، أنه ثبتت عنده الجريمة ثم يعفو يقول: لأن أخطئ....؟ لا، لا، إذا ثبتت لا بد من تنفيذها، وإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه كما في الخبر، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده ليعطل الحد، لكن المسألة إذا احتملت الخطأ، إذا كان احتمال الخطأ وارداً، فليكن خطؤه في العفو أفضل من خطئه وخير له من أن يخطئ في العقوبة، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 30-12-09 12:59 PM

شرح جوامع الأخبار (7)
شرح حديث: (ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم..) وحديث: (من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ..) وحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم..) وحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) وحديث: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة..) وحديث: (لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً..) وحديث: (يحرُم من الرَّضاعة..) وحديث: (ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم..) وحديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه..) ‏وحديث: (ألحَقوا الفرائض بأهلها..) وحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير





الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:




الحديث الخامس والأربعون: عن أسمر بن مضرس‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏((‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‏))[رواه أبو داود]‏.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم هذا الحديث فيه الدلالة على أن من تقدم غيره إلى شيءٍ مباح مشاع بين الناس كلهم فهو أحق به، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)) يعني هو أحق به من غيره، جئت إلى المسجد ما فيه أحد تجلس في أي مكان تريد، وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يأمرك بأن تقوم من هذا المكان أبداً، إذ أنك سبقت في الأمور العامة المشاعة إلى ما لم يسبق إليه، وقل مثل هذا في المباحات، في البراري مثلاً، سبقت إلى الكلأ، سبقت إلى الماء، سبقت إلى الأمور العامة، فإذا كان هذا في المباحات فمن باب أولى في مواطن العبادة، ولذا قال الله -جل وعلا- في بيته الحرام {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحـج] العاكف المقيم الملازم للمسجد، المجاور يستوي هو والبادي صاحب البادية الذي يأتي ليؤدي فرض واحد ويرجع، ما في فرق، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] يعني كونك تعتدي على شخصٍ جالس في أي مكان من المسجد الحرام أو غيره من المساجد؛ لكن الأمر فيه أشد لأنه سماه إلحاد تعتدي عليه وتأمره بأن يقوم من مكانه لا هذا إلحاد، فليحذر الإخوة الذين يحجزون أماكن ويضيقون على الناس، وجد بعض التصرفات في أقدس البقاع مشينة، وصل فيها إلى حد الضرب، يعني في آخر لحظة من رمضان بقي على أذان المغرب خمس دقائق، آخر لحظة من رمضان في آخر يوم مضاربة في صحن الحرم، هذا أبعد هذا مكاني، على أي أساس؟ سبقت خلاص هذا مكانك، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)).
كذلك في الأراضي البور البيضاء، سبق إليها فلان وأحياها هو أحق بها، المشاعر سبق إلى مكان في منى أحق به، سبق إلى مكان في عرفة أحق به، مواطن العبادة الناس فيها سواء، لا يجوز الاحتجار والتضييق على الناس البتة، أما التعدي عليهم هذا ظلم لهم، بعض الناس يستأجر الأجراء ليحجزوا له الأماكن، هذا موجود في المواسم تجد مثلاً أجراء يحجزون أماكن لمن يتخلفون، ويأتي الناس قبلهم، لا من تقدم أولى به، ولا تجوز الأجرة في مثل هذه الأماكن، في كثير ٍمن المساجد أو في كثير من بلدان المسلمين تعارف الناس على موضع الإمام وموضع المؤذن، مسألة عرفية؛ لكن لو جاء شخص وجلس في موضع المؤذن وأصر أن يبقى فيه، وقد دخل المسجد قبل المؤذن له ذلك، شيخ يعلم الناس العلم وله عمود واضح بيّن جاء ووجد فيه شخص جالس الأصل أن هذا الشخص سبقه؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة.





الحديث السادس والأربعون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ألحَقوا الفرائض بأهلها‏،‏ فما بقى فهو لأوْلى رجل ذكر‏))[متفق عليه]‏.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث ابن عباس المتفق عليه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الفرائض: الأنصبة المقدرة المحددة شرعاً التي تولى الله -جل وعلا- قسمتها بين أصحابها ومستحقيها من قرابة الميت التي لم يترك فيها اجتهاداً لأحد، ولذا صار الخلاف في مسائل الفرائض وهو الأقل من بين سائر أبواب الدين، فالخلاف في الفرائض لا يكاد يذكر في مسائل يسيرة جداً تولى الله -جل وعلا- قسمة هذه الحقوق، لم يتركها لاجتهاد أحد، وبيّن أصحاب الفرائض، بين حقوقهم، وجاء الأمر بتطبيق ما جاء في كتاب الله -جل وعلا- من هذه الفرائض والحقوق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) طبقوا ما جاء في كتاب الله -جل وعلا-، وأعطوا كل ذي حقٍ حقه، ومعلوم أن الإرث متعلق بتركة الميت، وقبل الإرث هناك حقوق تتعلق بالتركة منها: ما يتعلق بحق الميت نفسه ومؤونة تجهيزه، وهذا هو المقدم على كل حق، ومنها الديون المتعلقة بعين التركة، الديون التي فيها رهن لشيءٍ من الموروث، ثم الديون المطلقة التي لا تتعلق بعين التركة من حقوق الله وحقوق عباده، ثم بعد ذلك الوصايا، ثم الإرث، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) مقتضى ذلك أن يقدم أصحاب الفروض المقدر على غيرهم، فيقدم صاحب الفرض فإذا استوفى صاحب الفرض حقه وبقي من التركة شيء يكون حينئذٍ لأولى رجلٍ ذكر، فإذا مات الميت عن زوجة وأم وأخت وعمّ مثلاً تعطى الزوجة النصيب كامل لعدم الحاجب، تعطى الربع، والأم كم؟
لماذا الثلث؟ لعدم وجود الفرع الوارث وجمع من الأخوة، والأخت؟ النصف، لماذا؟ لعدم الفرع الوارث وعدم المعصب، وعدم الأصل من الذكور الوارثة، كم يبقى للعم؟ يبقى للعم شيء؟ يبقى له شيء وإلا ما يبقى؟ فما بقي، ما له إلا ما يبقى، والآن ما يبقى شيء، فالمسألة تعول، لو قدر أنه ليس هناك أخت، زوجة وأم وعمّ أو أخ؟ للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللعم الباقي، ((فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر)) والأصل في التعصيب أنه للذكور، لهذا الحديث ولغيره، هم العصبات في الأصل، هم المتعصبون بأنفسهم، هناك عصبة للغير ومع الغير، ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) والفرائض فيها النصف، ونصفه ونصف نصفه، النصف والربع والثمن، وفيها الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، هذه الفروض المقدرة، وأصحابها معروفون بينوا بالنصوص ولم تترك لاجتهاد أحد، ((فما باقي فلأولى رجلٍ ذكر)) أولى: هذه أفعل تفضيل والأولوية هذه تكون بأحد أمور ثلاثة، بالجهة، بالقرب، بالقوة.

فبالجهة التقديم ثم بقربه *** وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
هذه منظومة إيش؟
طالب: الجعبري.
الجعبري صحيح؛ لأن الإخوان ما يعرفون جلهم إلا الرحبية، والرحبية من الرجز، ومنظومة الجعبري على زنة إيش؟ الشاطبية؟ ما يطلع علينا واحد يقول: هذا البيت من الشاطبية ما يمكن، والفرائض له كتبه ومؤلفاته وهو علم مستقل يدرس على جهة الاستقلال، كما أنه فرع من فروع علم الفقه، والاهتمام به والعناية بِشأنه أمر لا بد منه، لا بد من ذلك؛ لأن الناس يتعرضون لهذه المسائل، ما فيه بيت يخلو من مسألة من مسائل الفرائض، ما في بيت يخلو من ميت، فعلى طلاب العلم أن يعنوا به، الحديث الذي يليه حديث أبي أمامة.





الحديث السابع والأربعون: عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه، فلا وصية لوارث‏))[رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].‏
حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا وصية لوارث)) هذا الحديث مخرج في السنن، وفيه كلام لأهل العلم؛ لكنه متلقىً بالقبول، إيش معنى تلقي بالقبول؟ يعني عمل به الأئمة، وأهل الحديث يرون أن تلقي الحديث بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وكثرة الطرق، تلقي الأمة للخبر بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وتعدد الطرق، فتلقي الأمة بالقبول يدل على أن الخبر محكم، واتفاقهم على العمل به يعطيه قوة، هناك مسائل يبحثها أهل الحديث في عمل العالم بالحديث، أو فتواه على مقتضى حديث، أو مخالفة العالم لحديث، هل له أثر في حكم الحديث؟ فتواه على مقتضى الحديث، أو عمله بالحديث، هل يدل على ثبوته وصحته؟
طالب:.......
لا يلزم؛ لأنه قد يكون معه أحاديث أخرى، قد يكون عمل العالم بمقتضى هذا الحديث لما يؤيده من قواعد، كما أن مخالفة العالم للحديث لا تدل على ضعفه لاحتمال أن يكون عمله بمعارضٍ يراه أرجح، الأمة تلقت هذا الخبر بالقبول ((فلا وصية لوارث)) لقوله -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] لمن الوصية؟ للوالدين، والوالدان من الوارثين، وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) في القرآن إثبات الوصية للوالدين وهما من الورثة؟ وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) هل نقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟ يجرؤ أحد أن يقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟
طالب:........
نعم، تخصيص؟ لا هو رفع كلي للحكم، بالنسبة للوصية للوارث منسوخة؛ لكن هل نسختها آيات المواريث كما يقول أهل العلم؟ ولا يدخلون هذا فيها؛ لأن الجمهور عندهم أن الآحاد لا ينسخ المتواتر، على كل حال: ((لا وصية لوارث)) هو الأمر الذي تقرر عليه العمل، وهو الذي عليه عامة أهل العلم.
((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه)) بين حق الوالدين في كتابه، حق الزوجات مبين، حق الأزواج مبين، حق الأولاد، كل شيء مبين، ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) تولى إعطاءه -جل وعلا- بنفسه، ولم يترك في ذلك المجال لأحد، وحينئذٍ لا وصية لوارث؛ لأنه لا جمع بين الإرث والوصية، الوصية معروف أنها لا تنفذ إلا بعد موت الموصي، فإذا أوصى الموصي لوارث فبان عند الموت غير وارث، شخص له أخ لو مات ورثه فأوصى له بثلث ماله، نقول: هذه وصية؟ وصية لكنها لوارث باطلة، افترض أن هذا الأخ ولد لأخيه قبل وفاته بيوم ولد، تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ فبان عند الموت غير وارث، يعني إن كانت الوصية في حال عدم الحاجب، والموصي على علمٍ بذلك، الموصي عنده خبر، وأنه لا وصية لوارث، ومع ذلك يوصي له لأنه وارث، فالوصية من أصلها باطلة؛ لكن لو كان هذا الأخ أوصى له أخوه في آخر عمره، وبعد أن ظهرت النتائج وأن الزوجة حامل، فعرف أنه محجوب بهذا الحمل، ثم مات هذا الحمل قبيل الوفاة، أثناء الوصية هو غير وارث لوجود الحمل؛ لأن الحمل يحجب، لا سيما إذا كان ذكراً، هو يتوقع أنه ذكر فأوصى له لئلا يحرم من الأخ، ثم مات هذا الحمل، أو ظهر هذا الحمل أنثى، تستحق نصف المال والأخ له الباقي، ماذا يكون؟ تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ يعني هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ العبرة بالحال وإلا بالمآل؟ أو نقول: أن الوارث وصف مؤثر فإن كان وارثاً بالفعل لا تصح الوصية، وإن كان غير وارث بالفعل تصح الوصية؟ مع أنهم يلاحظون المقاصد؛ لأنه إذا قصد الوصية لوارث ظلم بقية الورثة، وحينئذٍ يعامل بنقيض قصده عندهم، طيب أوصى لوارث بالوصف لا بالقرب، يعني عنده أولاد، واحد من هؤلاء الأولاد يطلب العلم، فقال: ثلث مالي لمن يطلب العلم لولده، وهو يعرف ولده ما في إلا واحد، فكونه يوصي بالوصف يختلف عن كونه يوصي بالتعيين من الورثة، وفي هذه الوصية، ومثل هذه الوصية حث على تعلم العلم، وما قصد التمييز وارث من وارث، هو قصد حث هؤلاء الورثة على الاهتمام بشأن العلم، ولذا يصححها أهل العلم، وإن كان وارثاً؛ لأنه ليس مقصوداً لذاته؛ لكن لو قال: ثلث مالي لابني فلان، لولدي فلان لأنه يطلب العلم قلنا: لا، أنت أوصيت لولدك، فإذا قال: لمن يطلب العلم من ولدي، قلنا: ما شاء الله صيغة صحيحة، فالأمور بمقاصدها، الفروع كثيرة جداً، وتحتاج إلى شيءٍ من البسط؛ لكن الالتزام بتكميل الكتاب يعوق عن ذلك.





الحديث الثامن والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم‏:‏ المُكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العَفاف، والمجاهد في سبيل الله‏))‏ [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الذي يرويه من طريق أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة حق على الله عونهم)) لما يترتب على هذه الحمالات التي تحملوها من نفعٍ عظيم، وأثرٍ بالغ، ((ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء)) المكاتَب يريد الأداء، يعني ينوي الأداء، فإذا كانت هذه نيته، وكاتبه سيده بطلبٍ منه يريد الحرية ليتعبد من غير تقييد فالله -جل وعلا- يعينه، فإذا أراد العبد أن يتحرر بالكتابة من قيود الرقّ ليعبد الله -جل وعلا- ولينفع نفسه وغيره، وهو مع ذلك يريد أداء نجوم هذه الكتابة فإن الله -جل وعلا- يعينه، ومثله من تحمل بعض الديون لحوائجه الأصلية وهو يريد أداءها، بخلاف من أخذ أموال الناس تكثراً، ومع الأسف الشديد لا يحسب أي حساب للدين، فتجده يتخبط ويضطر إلى أن يستدين، ويرهق نفسه بالديون ونيته -والله أعلم- بها عاد كونه يريد الأداء أو لا يريد، هو تسبب في إغراق نفسه بالديون، نعم يختلف الأمر فيما إذا كان يريد الوفاء أو لا يريد الوفاء، يريد إتلافها أتلفه الله؛ لكن إذا لم يكن هناك سبب لتحمل هذه الديون فالدين خطر، شغل الذمة خطر، فإذا كانت الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، وقد امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصلاة على المدين حتى ضمن الدين، وعلى هذا من تحمل الدين لحاجة مع نية الوفاء حكمه حكم هذا المكاتب، ومثل ذلك المتزوج يريد العفاف، وذلك لما في الزواج من مصالح دينية ودنيوية، وهو من سنن المرسلين، وأوجبه بعض أهل العلم مطلقاً، وإن كان حكمه تنتابه الأحكام الخمسة عند جمعٍ من أهل العلم، وعلى كل حال فمن رغب عنه فقد رغب عن السنة، ولو قال: ليتفرغ للعلم، ولو قال: ليتفرغ للجهاد، ليتفرغ للعبادة هذا عبادة، ((وفي بضع أحدكم صدقة)) وهو أيضاً تعاون على البر والتقوى، وهو أيضاً إبقاء للنوع الإنساني، وهو أيضاً تحقيق لأمره -عليه الصلاة والسلام- بالتكاثر، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالزواج، ولا يتحقق هذا الأمر بمجرد العقد، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) هذا أمر، ويختلف العلماء في حقيقة الزواج وحقيقة النكاح، هل هي العقد أو الوطء أو هما معاً أو حقيقة أحدهما مجاز في الآخر؟ الخلاف طويل؛ لكن الذي قرره شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن امتثال الأمر لا يتحقق إلا باجتماع الأمرين، ((فليتزوج)) لو قال شاب: نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) أنا عقدت، حققت الأمر وخرجت من عهدة هذا الأمر إذاً أطلق قبل الدخول، نقول: لا يا أخي، لا بد من تحقق الأمرين، وهذا في النكاح المأمور به كما يقول شيخ الإسلام لا بد من الأمرين معاً، أما النكاح المنهي عنه فالنهي ينصرف إلى العقد وحده، وإلى الوطء وحده، وإلى الأمرين من باب أولى، فمثلاً {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [(22) سورة النساء] قد يقول: المراد به العقد؛ لأن حقيقة النكاح العقد، إذاً العقد هل يتصور أن الشرع يحرم العقد ويبيح الوطء؟ أو يقول مثلاً: المراد حقيقة النكاح الوطء إذاً أعقد، لا بد من اجتناب الأمرين معاً، وتيمور لما أعلن الدخول في الإسلام، وهو ظالم باغي معتدي أعلن الإسلام وتحته نساء أبيه، فقال علماء الإسلام: لا يجوز أن تبقى نساء أبيه في عصمته بعد إسلامه، فخشوا من سطوته وردته -إن كان أسلم حقيقة والله يتولى السرائر- وبطشه وانتقامه من المسلمين، فقام واحد من أهل العلم قال: نجد له مخرج لأن الضرر متحقق، وهو أن نقول: أن عقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل، كانوا كفار، فعقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل؛ لكن هل يسوغ له أن يطأ هؤلاء النسوة اللاتي وطأهن أبوه ولو بعقدٍ باطل؟ لا يجوز هذا بحال، هذا رأى من المصلحة العامة للأمة أنه يترك، مفسدة خاصة به وبنسائه أسهل من مصلحة عامة جائحة بالأمة، وبعض أهل العلم يصير عندهم من الجرأة مثل هذا، ويتفاوتون في تقرير المصالح والمفاسد؛ لكن لا شك أن مثل هذه الفتوى إن لم يكن الضرر متحققاً والبلى متعدياً على الأمة وإلا فهي فتوى باطلة، وإن قال بعضهم أنها عين الفقه.
المقصود أن النكاح المنهي عنه يقع على العقد وحده، ويقع على الوطء وحده، ويقع عليهما من باب أولى معاً كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية، على كل حال ((المتزوج يريد العفاف)) الممتثل للأوامر الشرعية، لا بد من أن يجمع بين الأمرين ما يقول: أنا والله عقدت إذاً تزوجت؛ لأن الزواج والنكاح حقيقته العقد، يعني على قول ما يلزم أن يطأ، ويطلق قبل الدخول ليسترد نصف المهر، نقول: لا أخي أنت ما حققت الأمر الشرعي، وإذا كان هذا هدفك من الأصل فالله -جل وعلا- لن يعينك على هذا؛ لأنك ما امتثلت الأمر، ونظراً لعظم المصالح في الزواج والنكاح جاءت الأوامر به، وجاء الوعد بعون هذا المتزوج؛ لكن في حياة الناس اليوم ما هو بعيد كل البعد من الهدي النبوي في النكاح والزواج، فهل من يخسر في ليلةٍ واحدة خمسمائة ألف مثل هذا يدخل في الحديث؟ قاعة وإلا فندق تستأجر بخمسمائة ألف ليلة واحدة؟ مثل هذا هل هو يرجو لمثل هذا العون من الله -جل وعلا-؟ المقصود أنه المتزوج المحقق للهدف الشرعي من الأمر بالزواج الممتثل للتوجيهات الشرعية، والوصايا النبوية في الزواج، أما شخص عنده مخالفات عظيمة في الزواج، ويريد العون من الله -جل وعلا-، ومن المبذرين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء] فأخو الشيطان لا يستحق العون، ((المتزوج يريد العفاف)) لهذه النية، يريد أن يعف نفسه، ويعف زوجته، ويحصل بينهم من الأولاد من يدعو لهم بعد وفاتهم.
((والمجاهد في سبيل الله)) المجاهد في سبيل الله الذي يتحمل ما يعينه على الجهاد، فهذا الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، لصد العدوان على عباد الله، مثل هذا الله -جل وعلا- يعينه في تسديد ما تحمله من أجل الجهاد، والله المستعان.




الحديث التاسع والأربعون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يحرُم من الرَّضاعة ما يحرم من الولادة‏))[رواه البخاري ومسلم‏].
يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، المحرمات في النكاح إما أن تكون بالنسب، أو بالمصاهرة، أو بالرضاع، فالمحرمات بالنسب مفصلة في سورة النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء].. إلى آخره، فيحرم من الرضاع ما حرم في هذه الآية من المحرمات بالنسب، أيضاً حرم بسبب المصاهرة، وهي غير النسب، فهل يحرم من الرضاعة مثل ما حرم من المصاهرة؟ أخت الزوجة من الرضاعة مثلاً، زوجة الابن من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة بنت، بنت الزوجة من الرضاعة ربيبة؛ لكن زوجة الابن من الرضاعة تحرم وإلا ما تحرم؟ {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] هل مثل هذا يخرج زوجة الحفيد لأنه ليس ولد صلب إنما هو ابن ابن؟ يخرج وإلا ما يخرج؟ لا يخرج زوجة الحفيد؛ لأن ابن الابن ابن، زوجة الابن من الرضاعة تخرج بقوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] المسألة خلافية بين أهل العلم، ولولا قوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} لدخلت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) لكن هذا القيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} قيد اعتبره بعض العلماء، ومنهم من قال: تحرم بهذا الحديث، والقيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} يخرج الولد بالتبني فقط، أما ولد الرضاعة فهو ولد، طيب يمكن الاحتياط في مثل هذا الباب وإلا ما يمكن؟ ((هو لك يا عبد بن زمعة، واحتجبي منه يا سودة)) فالاحتياط لمثل هذا الباب أن لا يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة، كما أن الاحتياط في مثل هذا الباب أن لا تكشف له زوجة ابنه من الرضاعة، هذا احتياط، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هو لك يا عبد بن زمعة)) هذا حق شرعي؛ لكن لما رأى الشبه البيّن بعتبة قال: ((احتجبي يا سودة)) وإلا فالأصل أنه أخوه، الاحتياط في مثل هذا وارد؛ لكن من ترجّح عنده شيء بدليله ويدين الله -جل وعلا- بهذا القول الراجح لا يلام في فعله؛ لكن يبقى أن الاحتياط مطلوب.
((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) الأم من الرضاعة حرام، الأخت من الرضاعة حرام، البنت من الرضاعة حرام، ويختلفون في ما كان من الرضاعة له نظير مما حرم بالمصاهرة، يختلفون في مثل هذا والاحتياط أيضاً أن الحكم واحد، حتى من المصاهرة، أخت الزوجة من الرضاعة الاحتياط منعه، والله المستعان.
{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] عموم هذا اللفظ، {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مثلاً يتناول الأخوة من النسب بأن تكون أخت شقيقة أو لأم أو لأب، وكذلك من الرضاع، فهذا العموم، هذا النص بعمومه يتناول الأخت من الرضاعة، وهو الأحوط، وهو قول جمهور العلماء.






الحديث الخمسون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر‏))‏ [رواه مسلم‏].‏
هذا الحديث فيه مقياس ونبراس للتعامل بين الزوجين، فالمؤمن لا يستعجل في أموره؛ لأنه قد يرى من أخلاق زوجته ما يسوءه فيقلاها ويبغضها بسبب هذا ثم يتركها، تكون النهاية الترك، وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من الزوجات في العصور المتأخرة، ونسب الطلاق مرتفعة جداً في الأيام الأولى من الزواج، والسبب أن هذا الزوج متوقع شيء بهذه الزوجة، ولديه أحلام يتوقع أن هذه الزوجة تفي بجميع ما يريد، ثم يفاجئ من أول يوم أن لديها خلق لا يرضاه، التوجيه النبوي لا يتعجل، وإذا وقف منها على خلقٍ ذميم فلينظر إلى الأخلاق الأخرى، إن كره منها خلقاً رضي آخر، وهل يتصور أن المرأة مبرأة من كل عيبٍ ونقص؟ مشتملة على كل فضل؟ ما هو صحيح، لو كان في نساء الدنيا من هذه صفتها ما صار للجنة مزية، ونساء الجنة مزية، بل لا بد من العيب والنقص، وليس هذا خاص بالنساء، أيضاً الرجال كذلك، امرأة أقدمت على قبول زوج لما تسمع عنه، تسمع عنه أنه صاحب علم، صاحب فضل، صاحب خلق، صاحب كرم، صاحب كذا، ثم تقبل، تفاجئ أول يوم أن المسألة أقل مما توقعت، فتنشز أيضاً هي مطالبة بأن لا تستعجل، إن كرهت منه خلق ترضى منه آخر؛ لكن يخاطب الأزواج في مثل هذا لأن الأمر بأيديهم، هم أهل القرار في مثل هذه الأمور، وإلا فالمرأة أيضاً مطالبة ومخاطبة بهذا، لا تستعجل، نعم هناك أخلاق لا يمكن الصبر عليها، هناك أمور ومعايب يرتكبها بعض الرجال ليس للمرأة أن تصبر عليها، وهناك أيضاً معايب في بعض الناس لا يمكن للرجال الصبر عليها، لكن هناك أمور محتملة، تمشي بالتدريج، مثل هذه هي التي جاء التوجيه بالصبر عليها، وغض البصر عنها، غض الطرف عنها، والنظر إلى الصفات الحميدة في هذه المرأة، وفي هذا الرجل، كم من امرأة أقدمت على شخص بسبب انتشار سمعته؛ لكن هي ما تعرف إلا الظاهر، تسمع السمعة ولا تدري عن شيء من معاملته في بيته، قد يكون من أسوأ الناس خلقاً؛ لكن الناس تعاملوا معه على الظاهر، فالإقدام لا بد أن يكون على بينة، ولذا لا بد من التحقق والتأكد من الطرفين في شأن الآخر، ولذا أمر الرجل في أن ينظر إلى المرأة، أذن له أن ينظر، ((اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) لئلا يفاجئ بما لا يتوقعه ثم يحصل نتيجة الفراق، فإذا حصل النظر، وركن إليها وركنت إليه فإنهم في الغالب لا يحصل بينهم شيء إلا عادة في الأخلاق الخفية، والإذن بالرؤية، الإذن برؤية المخطوبة دليل على أن الأصل هو المنع، يعني في حديث جابر لما أذن له أن ينظر إليها فكان يختبأ لينظر إليها، هل معنى هذا أنها تخرج إلى الأسواق سافرة كاشفة عن وجهها؟ أو كانت تتغطى وتتحجب؟ يعني لو كانت تخرج إلى الأسواق كاشفة عن وجهها ما احتاج إلى أن يختبأ إليها، ولا يحتاج إلى أن يقال له: انظر إليها، هو ينظر إليها باستمرار، هذا من أدلة الحجاب عند أهل العلم، والأدلة كثيرة متضافرة متظاهرة، وفي حديث قصة الإفك تقول: "كان يعرفني قبل الحجاب" لو رآها ما احتاجت إلى مثل هذا الكلام، وفي حديث عائشة أيضاً في الحج: "فإذا دنا الرجال سدلت إحدانا جلبابها" المقصود أن الأدلة كثيرة جداً متضافرة ولا يطالب بنزع الحجاب، لا يطالب بنزع الحجاب إلا من أتبع بآية الأمر بالحجاب، في آخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] الذي أتبع به، شوف العلاقة وثيقة بين الآيتين، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] فليحذر الذين يطالبون بنزع الحجاب، نعم قد يوجد أهل علم وأهل فضل بحثوا المسائل وترجح عندهم شيء، هذا شيء آخر؛ لكن يبقى أن كثير ممن ينبش في مثل هذه المسائل في قلبه شيء، فليحذر المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة، مثل هؤلاء يحذرون، إن كان الناس على خير وفضل وستر كيف يأتي من يطالب بنزع حجاب الوجه مثلاً؟ في بلد الفتوى على هذا، والأمة توارثت هذا، وتواطأت عليه، وفيه نصوص شرعية صحيحة صريحة، ومن يأتي من ينادي بنزع هذا الحجاب، هذا على خطر عظيم، ومن أوائل المعاصي التي زاولها إبليس، سوّل لآدم وأملى له أن يأكل من الشجرة، لماذا؟ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، فهذه وظيفة إبليس وأتباعه، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال المؤمن هل يدخل في هذا الوصف؟ ((لا يفرك مؤمن مؤمنة)) الخطاب لمن؟ للمؤمنين، وجد منها خلق لا يحتمله، تساهل في عرض مثلاً، نقول: هذه من الأصل ما دخلت؛ لأن الوصف بالإيمان له شأنه، وكذلك لو وقفت منه على أمرٍ رديء، دياثة ونحوها، مثل هذا لا قرار معه، ولا صبر معه، ((إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) لا بد أن تشتمل على آداب ومحاسن وأمور وأخلاق قد يظهر بعضها بالأيام الأولى، وقد لا تتكشف كثير منها إلا بعد حين.

أم الخطاب78 30-12-09 01:01 PM

الحديث الحادي والخمسون: عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها‏،‏ وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فائْتِ الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك‏))‏ [رواه البخاري ومسلم‏].
حديث عبد الرحمن بن سمرة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة)) وخطابه -عليه الصلاة والسلام- للواحد من أمته هو خطاب للجميع، فكل واحد منا يتجه له هذا الخطاب، ((يا عبد الرحمن ابن سمرة لا تسأل الإمارة)) وفي حكم الإمارة جميع الوظائف، وكان الأمر في صدر الأمة لا تحتاج الأمة إلا إلى أمير، والأمير وهو القاضي، وهو المنفذ، وهو الحاكم، وهو المفتي، وكل شيء، وكان يسمى عامل، الإمام الأعظم يعين في كل بلد عامل، نعم هم عمال؛ لأن عملهم لمصلحة الأمة، لا لمصالحهم الخاصة، ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) لماذا؟ لأنها مزلة قدم، وسؤالك للإمارة مع ما تتطلبه من شروط وكمالات تزكية للنفس، يعني إذا سألت ولاية وإلا إمارة وإلا قضاء وإلا وظيفة كأنك تقول لمن تسأله: أنا كفؤ لهذا العمل فهذا تزكية للنفس من جهة، الأمر الثاني: أن في خطر عظيم تدخل على أمرٍ تظنه سهل ثم بعد ذلك تتورط بأمور لا تحسب لها حساب، ولذا لما زار ابن عمر عبد الله بن عامر في مرضه وطلب منه أن يدعو له، وأن يوصيه قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقةً من غلول، وكنت على البصرة" يعني ابن عمر ما يشهد عليه بشيء، بشيء بين وواضح، لا، لكن مجرد كونك على البصرة لا بد أن يدخل عليك شيء؛ لأن الإنسان إذا خلي بينه وبين ما تشتهيه نفسه، ويميل إليه طبعه وليس عليه حسيب ولا رقيب ولا شيء لا بد أن يتساهل في بعض الأمور، "وكنت على البصرة" يعني اعد حساباتك، "ولا صدقةً من غلول"، والذي يؤخذ من بيت المال بغير حق غلول، لا تسأل الأمور لأنها مزلة قدم وعليها آثار، ويتضمن الطلب والسؤال أيضاً تزكية النفس، وأنه أهل وكفؤ لهذا العمل، فإنك إن أوتيت عن مسألةٍ وكلت إليها، يعني إذا سألت وكانت ثقتك بنفسك توصلك إلى هذا الحد أن تسأل هذه الولاية وهذه الإمارة وهذه الوظيفة توكل إلى نفسك؛ لأنك جئت من قوة لهذا العمل، وثقة تامة بالنفس، بخلاف إن أوتيتها من غير مسألة، إذا أعطي وولي على عملٍ من غير مسألة فلا شك أنه سوف يعان عليها، لا سيما إذا لم يستشرف لهذا العمل، ولم يوافق على مثل هذا العمل إلا بإلحاح مثل هذا لا شك أن الإعانة والتوفيق يكون حليفه بإذن الله تعالى، وإن أوتيتها عن غير مسألةٍ أعنت عليها، وأي مسلم يستغني عن إعانة الله -جل وعلا-؟ وعن توفيق الله تعالى؟ الإنسان إذا وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز، أمر مدرك، يدركه كل إنسان من نفسه.
المسألة الثانية مما اشتمل عليها، الحديث اشتمل على مسألتين: مسألة سؤال الإمارة، والثانية: اليمين، ((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حصل نزاع بينك وبين فلان من الناس وأقسمت أن لا تدخل بيته، أو لا تكلمه، ثم رأيت من المصلحة أنك تكلم فلان وتدخل بيته، فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك، في بعض الروايات تقديم الكفارة: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) أولاً: الكفارة سببها انعقاد اليمين، ووقتها الحنث، والقاعدة: أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز تقديمها على السبب اتفاقاً، ويجزئ تأخيرها عن الوقت اتفاقاً، والخلاف بينهما، فمثلاً اليمين أو الكفارة، كفارة اليمين سببها الانعقاد، انعقاد اليمين؛ لكن هل تجب عليه بها لمجرد السبب؟ لا، لا تجب، الاحتمال أنه ما يحنث ولا يجب عليه كفارة، لكن وقت الوجوب وتعين الوجوب إذا حنث في يمينه، فإذا قال: هذا إطعام عشرة مساكين، خمسة عشر صاع كم؟ نصف صاع، كل واحد له نصف صاع، خمسة آصع، يعني خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو رز، خذ يا أخي الفقير، أنا احتمال أني أحلف يمين فيما بعد، ثم لا أجد كفارة، نقول: ما يمكن قبل اليمين، قبل انعقاد السبب لا يمكن، حنث وانعقدت يمينه، جاء إلى بيت فيه مساكين وقال: هذا خمسة عشر كيلو كفارة يمين لأني حلفت ولا أدري بعد ........ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، أما قبل انعقاد اليمين لا، ما في خلاف أنها لا تجزئ، وبعد الحنث تجزئ اتفاقاً، وهنا يقول: ((فائت الذي هو خير)) يعني احنث في يمينك ((وكفر عن يمينك)) لكن لو قدم الكفارة قبل الحنث يجوز؛ لأنه في بعض الروايات: ((كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) وأما كفارة الظهار فلا بد أن تكون قبل المسيس، تكون قبل المسيس، دم المتعة والقران سببها الإحرام بالعمرة في أشهر الحج بالنسبة للمتمتع وسببها الجمع بين النسكين بالنسبة للقارن، قبل الإحرام بالعمرة ما تجزئ، ما يجزئ الدم؛ لكن لما أحرم بالعمرة أو أحرم قارن ودخل مكة وطاف طواف العمرة وسعى وتحلل قال: الآن وقت سعة والناس بحاجة إلى لحم أنا أذبح الدم الآن قبل الحج، وقل مثل هذا في القارن، طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج، وقال: الناس الآن بحاجة إلى لحم ليش أنتظر إلى يوم العيد ويوم العيد الناس ما هم بحاجة؟ فيه الخلاف المذكور؛ لكن جمهور أهل العلم على أنها لا تجزئ إلا في يوم العيد، القاعدة هذه ذكرها ابن رجب في قواعده، وذكر لها أمثلة كثيرة فليرجع إليه.
((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) حلفت: والله ما أدخل بيت فلان مثلاً، فرأيت أنك تدخل لا سيما إذا كان من أهل القرابة، تكفر عن يمينك وأنت مرتاح، حلفت على فلان أن يأكل عندك مثلاً، أو حلفت بعد تقديم الطعام أن يبدأ أو لا تأكل معه إكراماً له يكفر وإلا ما يكفر؟ يعني اليمين التي مقتضاها الإكرام، حديث أبي بكر في الصحيح إيش مضمونه؟ إيش مقتضاه؟ حلفوا أن لا يأكلوا، وحلف أن لا يأكل، فأكلوا ثم أكل، وهل أمروا بكفارة؟ وهل أمر أبو بكر بكفارة، ما في أمر بكفارة، فاستدل بعض أهل العلم على أن اليمين التي يراد منها الإكرام، إكرام الضيف أنها لا يلزمه فيها الكفارة، يجري مجرى اليمين عند بعضهم ما يقصد منه، ما يقصد من اليمين من الحث على فعلٍ أو المنع منه، ولذا لو طلق زوجته إن خرجت أو دخلت أو زارت أهل فلان أو كذا فمقتضى اليمين عند شيخ الإسلام ومن يقول بقوله أنه يكفر كفارة يمين، ولا شيء عليه، المقصود أن الفروع المترتبة على الحديث كثيرة جداً.
((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) من المسائل أحياناً قد يرى الإنسان من نفسه أن هذا العمل متعيّن عليه، متعيّن عليه بحيث لو أسند على غيره ضاع، فهل له أن يسأل؟ هل له أن يسأل؟ نعم، له أن يسأل، بدليل {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] لماذا؟ لتوافر الشرط المطلوب، فإذا توافرت الشروط المطلوبة لولايةٍ من الولايات، وتعيّن عليه بحيث لا يوجد غيره يقوم مقامه حينئذٍ يسوغ له أن يسأل، ولو سأل بطريق غير مباشر، لا ينبغي أن يسأل سؤال مباشر، إنما لو كان بغير مباشر كان حصل له الإعانة وحصل له المقصود.






الحديث الثاني والخمسون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه)‏)‏‏ [رواه البخاري‏].
((من نذر أن يطيع الله)) يتعبد لله -جل وعلا- بطاعةٍ يحبها لزمه الوفاء، إلا إذا عجز، والطاعات إما أن تكون واجبات أو مستحبات، وهي مطلوبة بأصل الشارع، وتتأكد إذا قارنها عهد أو ميثاق أو نذر، عهد أو ميثاق أو نذر، يعني فرق بين أن يقول الإنسان في نفسه: إذا جاء الراتب أتصدق بمائة ريال، في نفسه، وبين أن يتحدث في المجالس أنه إذا جاء الراتب يتصدق بمائة ريال، وبين أن يقرن ذلك بالعهد والميثاق، إن كان في مجرد نفسه فهو مخير، ينظر في المصلحة، إذا تحدث في المجالس وحفظ عنه الناس ذلك فالوفاء متأكد، إذا قرن ذلك بالعهد والميثاق فالأمر أشد، لا بد من الوفاء، فإن لم يفِ؟ {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [(75-77) سورة التوبة] فمن نذر أن يتصدق بمبلغ كذا يلزمه الوفاء، والوفاء بالنذر واجب، لا سيما إذا كان فيه طاعة، ومثله لو نذر شيئاً مباحاً ويستطيع الوفاء به؛ لكن الكلام في لزوم الوفاء بنذر الطاعة، من نذر أن يطيع الله فليطعه، بخلاف من نذر أن يعصي، إذا نذر أن يعصي لا يجوز له الوفاء بهذا النذر بحال؛ لأن المعصية في الأصل ممنوعة شرعاً، والذي ينذر المعصية آثم، نذر أن يصوم صوم داود، وسواء كان هذا النذر مقرون بسبب أو غير مقرون بسبب، إن شفاه الله يصوم صوم داود، إن ردّ الله غائبه، إن شفى الله مريضه يصوم صيام داود، أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم الاثنين والخميس أو غير ذلك من الأيام التي يستحب صيامها، هذا يلزمه الوفاء إلا إذا عجز يكفر؛ لكن إذا نذر صياماً مستمراً، والصيام له بدل بالنسبة للعاجز وهو الإطعام، هل نقول: له كفر كفارة يمين لعجزك عن النذر كله، تخرج من العهدة، أو نقول: الصيام له بدل فإذا عجزت تطعم عن كل يوم مسكين إلى الأبد، كما أنك نذرت أن تصوم إلى الأبد تطعم عن كل يوم إلى الأبد، فيكون مثل ما وجب بأصل الشرع، أو يكفر كفارة واحدة وينتهي الإشكال، يكفر كفارة يمين ويخرج من عهدة النذر، كفارة يمين واحدة وإلا عن كل يوم مسكين؟ نعرف أن من أفطر في الصيام الواجب يطعم عن كل يوم مسكين، وهذا صيام واجب، أوجبه على نفسه، فهل نقول: أن ما أوجبه على نفسه مثلما وجب في أصل الشرع، فإذا عجز عن صوم يوم أطعم، إذا نشط استطاع ما يطعم، ويستمر هذا الحكم مثل ما أوجبه الشارع، أو نقول: ثبت العجز في حقه فيكفر كفارة يمين عن النذر كله، والمسألة لا تسلم من خلاف، أيهما أقوى؟ هو نذر أن يصوم صوم داود بقية عمره، فأوجب هذا على نفسه، والصيام له بدل، كفارة صيام يعني كل يوم كفارة؟ يعني لو نذر صوم يوم واحد، وعجز عن صوم هذا اليوم مثلما ما لو نذر أن يصوم بقية عمره صيام داود؟ فيها فرق؟ أولاً: لا شك أن هناك فرق كبير بين صيام أوجبه الإنسان على نفسه، وصيام هو في الحقيقة ركن من أركان الإسلام، لا بد من التفريق بين هذا وهذا، الأمر الثاني: أن النذر يقرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، باب من غرائب أبواب الدين، الأصل أن الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فإذا كانت الغاية واجبة كالوفاء بالنذر فوسيلته الأصل أن تكون واجبة؛ لكن هنا الوسيلة ممنوعة، مكروهة، جاء النهي عن النذر، وذم النذر وأنه لا يأتي بخير، ويستخرج به من البخيل، والغاية واجبة، وهنا الوسيلة ليس لها حكم الغاية، ولذا قرر أهل العلم أنه باب غريب من أبواب العلم، بخلاف أبواب الدين الأخرى فوسائلها لها أحكام الغايات.
((من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) نذر أن يقطع رحمه، يعق والديه، نذر أن يعتدي على جاره، يسرق كذا، لا يجوز له أن يعصي، فلا يتعارض ما أوجبه على نفسه ما حرمه الله ورسوله، ما يتعارض هذا، وإلا كان هذا معاندة ومشاقة لله -جل وعلا-.








الحديث الثالث والخمسون: عن علي -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم‏،‏ ويرد عليهم أقصاهم،‏ وهم يَدٌ على من سواهم‏،‏ ولا يقتل ذو عَهْدٍ في عهده)‏)[رواه أبو داود والنسائي‏.‏ ورواه ابن ماجه عن ابن عباس‏].
يقول -رحمه الله تعالى-: عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) المسلمون من اتصف بهذا الوصف فهو كغيره ممن اتصف به، المسلم مثله، ((تتكافأ دماؤهم)) فإذا قتل المسلم مسلماً قيد به، بخلاف ما لو قتل المسلم كافراً كما في قوله: ((لا يقتل مسلم بكافر)) ومثله أيضاً: الحر بالرقيق، كما هو مقرر عند أهل العلم، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) فالكفاءة إنما تكون بالإسلام، بغض النظر عن الأصل والحسب والنسب واللون، إذا وجد هذا الوصف فهو كفؤ لأخيه المسلم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض ولا لكذا إلا بالتقوى، هنا يتفاضل الناس، فإذا تحقق الشرط وهو الإسلام تكافأت الذمة، فيقتل المسلم بالمسلم، فالكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، الكفاءة لا يطلب لها غير الإسلام، وقل مثل هذا في الكفاءة في النكاح، مسلم كفؤ للمسلمة، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الأكفاء في الدين، فالكفاءة في الدين، والأنساب والألوان والبلدان لا قيمة لها إذا تحقق الشرط، باب الأكفاء في الدين وأورد حديث ضباعة بنت الزبير حين قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) وكانت تحت المقداد، المقداد مولى، وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الكفاءة في الدين فقط، من غير نظرٍ إلى أمور أخرى ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني أن المسلم إذا أعطى العهد والميثاق لأحد لزم جميع الأمة الوفاء بالعهد والميثاق، ولو كان أدناهم وأقلهم شأناً، ((ويرد عليهم أقصاهم)) يعني في هذا العهد والميثاق، أو استجابة الطلب من أقصى بلاد المسلمين إلى أقصاها، بحيث إذا استنصر المسلم في أقصى بلاد المسلمين على المسلم في أقصاها أن يرد هذا الطلب، يرده بالرفض وإلا بالقبول؟ {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [(72) سورة الأنفال] ((ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم)) كل هذه المعاني تدل على أن المسلمين يد واحدة، فلا أصول ولا أعراض، ولا تربة، ولا بلاد، ولا شيء، ولا حدود تفرق بين المسلمين، هذا الأصل، أنهم كلهم يد على من سواهم {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [(72) سورة الأنفال] إيش معنى هذا الكلام؟ أن المسلم إذا ظلم يجب نصره، يجب على المسلمين نصره، ويقول ابن العربي: "ولو لم يبق في المسلمين عين تطرف" هذه مبالغة؛ لكن يجب نصر المظلوم من المسلمين وجاء الأمر به: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فإذا كان ظالماً تكفه عن الظلم، وهو نصر له، وإذا كان مظلوماً تسعى جاهداً برفع الظلم عنه لكن الأمور والأحوال والظروف لها ما يحتف بها، إذا كنت عاجز عن نصره فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لكن يبقى إذا كنت قادر على نصره تعين عليك نصره.
((وهم يد على من سواهم)) ((ألا لا يقتل مسلم بكافر)) لا يقتل مسلم بكافر، مسلم قتل كافراً لا يقاد به، وإن كان كما في الحديث ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) لا يقتل مسلم بكافر، ((ولا ذو عهدٍ في عهده)) يعني لا يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن الجملة السابقة ((لا يقتل مسلم بكافر)) قد يفهم منها بعض الجهال من المسلمين أن في هذا إتاحة لقتل الكافر، وترخيص وإباحة، لا، يعني لو حصل أن مسلماً قتل كافراً لأمورٍ حصلت بينهما لا يقاد به؛ لكن يبقى أنه لا يجوز بحال أن يخفر ذو عهدٍ في عهده؛ لأن هذه الجملة الأولى قد يفهم منها بعض الجهال أن للمسلم أن يقتله، لا، ليس له ذلك، ولا يجوز بحالٍ أن يخفر ذو عهدٍ في عهده، بل لا بد من الوفاء بالعهود والعقود، لا بد من الوفاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [(1) سورة المائدة] و((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) ((من آذى ذمياً فقد آذاني)) إلى آخر ذلك من النصوص الثابتة الصحيحة الصريحة التي تحرم قتل النفس إلا بحقها، النفس بالنفس، الثيب الزاني، المرتد، الحربي، كل هؤلاء يستحقون القتل، أيضاً ليس للأفراد تنفيذ الحقوق أبداً، شخص ثبت عليه أنه ما يصلي، الجمهور على أنه يقتل إما مرتد عند من يكفره بترك الصلاة، أو حد عند الآخرين؛ لكن هل لإنسان أنه يقتل شخص لأنه ما يصلي؟ أو رأى ثيباً زاني له أن يرجمه؟ نقول: لا، ليس له ذلك؛ لأن هذا من حقوق ولي الأمر، وذلك افتيات عليه، والحدود إليه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: الرجل يجد عند امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ قال: نعم، وإلا لو ترك هذا المجال ما بقي أحد، ما بقي أمن، كل اثنين يصير بينهما مشاحة ومشاحنة يستدرجه ويدخله في بيته فيقتله، يقول: وجده عند امرأته، فهذه الأمور ليست للأفراد، ليست لأفراد الناس، ولو ثبت عنده ما يوجب قتله، نعم عليك أن ترفع بشأنه إلى ولي الأمر ليطبق الحد، وتطهر المجتمعات من المفسدين والمجرمين؛ لكن هذه الأمور منوطة بولي الأمر، والله المستعان.










الحديث الرابع والخمسون: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ (‏(‏من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ فهو ضامن‏))‏ [رواه أبو داود والنسائي]‏.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لنخرج قليلاً عن المتون إلى هذا الإسناد وهذه السلسلة التي روي بواسطتها أحاديث كثيرة صحيفة كبيرة تروى بهذه السلسلة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، منهم من يصحح، ومنهم من يضعف، ومنهم من يتوسط، مسألة خلافية بين أهل العلم، وسبب الخلاف عود الضمير في قوله: "عن جده" عندنا عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عمرو بن شعيب هذا الراوي الأول، عن أبيه من؟ شعيب، يختلف في عود الضمير إلى شعيب؟ لا، عن جده؟ جده من؟ محمد وإلا عبد الله بن عمرو؟ يعني إذا قلنا: عن أبيه عن أبي عمروٍ وهو شعيب عن جده عن جد عمرو يكون محمد، محمد تابعي إذاً الخبر مرسل، وإذا قلنا: عن أبيه عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده جد الأب؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور الأب، جد الأب من هو؟ عبد الله بن عمرو بن العاص، وجاء التصريح به في مواضع، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ويبقى النظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمسألة خلافية، ولوجود هذا الخلاف مع الاختلاف في الضمير ضعف بعض أهل العلم ما روي بهذه السلسلة، ومنهم من صحح؛ لأن الجد يصرح به وعند هؤلاء ثبت سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وانتفى الإشكال؛ لكن بوجود مثل هذا الخلاف حكم جمع من الحفاظ على أن ما روي بهذه السلسلة لا يصل إلى درجة أعلى الصحيح، ولا ينزل عن درجة القبول فهو حسن شريطة أن يصح السند إلى عمرو.
هناك سلسلة نظير هذه السلسلة وهي بهز بن حكيم عن أبيه عن حكيم، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، هل في خلاف في عود الضمائر؟ بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، يعني الخلاف في عود الضمير هنا يرد هناك؟ لا يرد، لماذا؟ لأنهم بثلاثة، بهز وحكيم ومعاوية، حيدة هذا ما هو راوي؛ لأنه قبل الإسلام، إذاً ما في خلاف ما في عود الضمير، بهز عن حكيم عن معاوية، ما في خلاف في عود الضمائر؛ لكن الخلاف في بهز نفسه هل يصل إلى درجة الاحتجاج أو لا يصل؟ مسألة خلافية، وحكموا أيضاً عليها كما حكموا هنا على هذه السلسلة بالحسن، ويبقى المفاضلة بين السلسلتين أيهما أقوى فيما لو حصل تعارض بين حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مع حديث من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، المسألة أيضاً فيها خلاف بين أهل العلم؛ لأن هذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحح لها البخاري في غير الصحيح، سأل الترمذي عن حديث لعمرو بن شعيب عن أبيه قال: صحيح، بل قال: أصح ما في الباب، وخرج لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده تعليقاً، فمنهم من يقول: أن هذه السلسلة أقوى؛ لأن البخاري صحح لها، ومنهم من يقول: بهز بن حكيم أقوى؛ لأن البخاري خرج، وإن كان معلقاً، ولم يخرج بهذه السلسلة، المقصود أن هذه المسألة معروفة في علوم الحديث، وأكثر الإخوان يعرفها لكن من باب التذكير.
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن، زاول الطب وهو جاهل، جاء شخص في يده جرح وقال هذا المتطبب: هذا تخشى منه السراية، لا بد نبتر اليد يضمن، فعلى هذا الطبيب المشهود له بالخبرة والمعرفة إذا اجتهد وأخطأ، عالج مريض ومات، يضمن وإلا ما يضمن؟ لا ما يضمن، لكن إذا لم يعرف بطب عالج مريض ومات يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن، فهو ضامن، سواء كان في النفس أو في الطرف، يضمن، وقل مثل هذا في جميع العلوم، لو جاء مهندس وادعى خبير بالهندسة، وسوى مخطط للعمارة وطاحت العمارة، ثم تبين أنه ليس بمهندس هذا دعي، يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لكن لو شهد له بالخبرة والمعرفة وأخطأ ما يضمن البناية بالجص الآجر، وهذا معروف الجص الذي هو الآجر كيفية البناء به وخلطه يؤخذ بالتدريج شيء يسير ثم شيء يسير لأنه يموت بسرعة، ييبس بسرعة هائلة، فادعى شخص أنه معلم بناء فتعامل مع الجص الآجر هذا مثل الطين، وضعه في حوض وصب عليه الماء، وأخذ يخلط برجليه ثم بعد ذلك يبس عليه الجص وعجز عن الحركة، هذا يضمن القيمة وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه جاهل أفسده على صاحبه، والآن في مجتمعات المسلمين على كافة المستويات من يخالف هذا الحديث بدءً ممن يدعي العلم ويضمن الناس كفارات، ويضمنهم عقوبات وجزاءات وهو ليس من أهل العلم، هذا يضمن هذا، جاء شخص لجاهل وقال: ارتكبت كذا، قال: اذبح شاة، ليش شاة يا أخي ما سويت شيء؟ يضمن؛ لأنه ليس عنده من العلم ما يدل على مثل هذه الفتوى؛ لكن لو اجتهد عالم ومشهود له بالعلم والخبرة وأخطأ وقال: اذبح شاة ما يضمن، كما هو معروف، تدخل ورشة سيارات السيارة فيها أمر يسير جداً ما تحتمل شيئاً يقوم يفك المكينة ويخرب يضمن لك، هذا ما يفهم، اذكر مرة احنا في طريق من بلد إلى بلد السيارة صار فيها رجة، وأدخلناها ورشة، أول ما بدأ قال: المكينة ومحرك المكينة قلت: لا، لا، عرفت أن ما عنده سالفة قلت: لا، لا تعمل، المكينة ما وراها رجة، إما صفاية وإلا شيء يمكن، ثم نطلع لثاني ادعى عمل ثاني، وندخل ورشة ثالثة قال: شوف الكفر ألين من هذا غير وبس، غيرنا الكفر وما شاء الله، كل مهنة لها أطباؤها، لكن بعض الناس يفسد، يدخل بغير معرفة ولا ورع، ثم بعد ذلك يفسد لا بد أن يضمن، ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) فإذا تسبب في تلف في النفس أو في الطرف يضمن بلا شك، وقل مثل هذا في جميع الصنائع، بدءً من ادعاء العلم -وما أكثر من يدعي- ونزولاً إلى حوائج الناس، وما يحتاجونه في أبدانهم.















الحديث الخامس والخمسون: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏-:‏ (‏(‏ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة‏)) [رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً]‏.‏
نعم أيضاً يشهد له حديث: ((ادرءوا الحدود بالشبهات)) وله طرق؛ لكن لا يسلم من مقال لأهل العلم، وكذلك الحديث الذي معنا لا يسلم أيضاً، لكن كثير من أهل العلم يعمل بهذا، والسبب أن الخطأ في العفو هذا أمر مقرر يعني؛ لأن الله -جل وعلا- حث على العفو، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] ورحمة الله -جل وعلا- سبقت غضبه؛ لكن يبقى أن الحدود لا يجوز تعطيلها بحال، وإنما شرعت لتنفذ، شرعت لتترتب عليها آثارها، تطهير المجتمعات، لا يفهم من مثل هذا الحديث -نعم إذا وقع إنسان في هفوة وإلا زلة وأمكن أن يدرء له، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لقن ماعز وصرف عنه مراراً، وقالت الغامدية: "أتريد أن ترددني كما فعلت بماعز؟" المقصود أن مثل هذا إذا كانت الجرائم قليلة وخفيفة نعم الناس على الاستقامة والالتزام وحصل هفوات يسيرة نعم هذا منهج شرعي؛ لكن إذا كثر الخبث فلا بد من أطر الناس على الحق، ولا بد من تنفيذ شرع الله عليهم، ولا بد من تطهير مجتمعات المسلمين من هذه القاذورات، وإلا وجد الآن من ينادي بالستر المطلق، خلاص، هذا عاصي استر عليه، من ستر مسلماً ستره الله، يا أخي هذه توطئة إلى الإباحية، وتعطيل لحدود الله، نعم من حصلت منه هفوة وزلة هذا الأصل من ستر مسلماً ستره الله؛ لكن يصل الأمر إلى أن تعطل الحدود؟ ومجرد الشفاعة في الحد حرام، وغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على أسامة: ((أتشفع في حدٍ من حدود الله؟)) ويسعى بعض الناس بتعطيل الحدود بهذه الطريقة، لا شك أن الدعوة إلى الستر المطلق إيش معنى هذا؟ يا أخي أتركه لا تقبض عليه، اقبض عليه ثم استر عليه إيش الفائدة؟ هذه دعوة إلى الإباحية، توطئة إلى الإباحية، وعلينا أن نتوسط في أمورنا، شخص حصلت منه هفوة وإلا زلة وإلا شيء من ستر مسلماً ستره الله، أما أصحاب الجرائم وأرباب السوابق هؤلاء لا بد أن يؤطروا على الحق، لا بد من تطهير المجتمعات منهم، وإذا كان بعض أهل العلم يرى مضاعفة العقوبات حتى تطهر المجتمعات، ولذا جاء في حديث قتل الشارب في الرابعة: ((إذا شرب في الرابعة فاقتلوه)) الجمهور على أن هذا الخبر منسوخ، ونعرف أن عمر -رضي الله عنه- كان الحد أربعين فزاده إلى ثمانين؛ لأن الناس زادوا في الشرب ولم يردعهم الحد الأول زاد، مسألة القتل قتل الشارب في المرة الرابعة، الجمهور من أهل العلم على أنه منسوخ، ولذا يقول الترمذي: ليس في كتابي مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديثين، هذا الحديث حديث معاوية في قتل الشارب، وحديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير سفرٍ ولا مطرٍ أو من غير خوفٍ ولا مطر، يقول: ما عدا ذلك جمع أحاديث اتفق الأئمة على عدم العمل بها، وهذا الاتفاق في كثيرٍ منها منقوض، نأتي إلى حديث معاوية في قتل المدمن، في قتل الشارب، مراراً ما ردعه الحد، منهم من تبنى هذا الحكم، قال: يقتل في الرابعة إيش المانع؟ ونصره ابن حزم، وانتصر له، وانتصر لهذا القول السيوطي والشيخ أحمد شاكر، وألف فيه رسالة؛ لكن رأي شيخ الإسلام وابن القيم أنه يقتل تعزيراً، يعني قتله في الرابعة ليس بحد؛ لكن للإمام إذا رأى أن الناس لا يرتدعون بإقامة الحد أن يقتل تعزيراً حتى يكف الناس عن هذه الجريمة، عن أم الخبائث، والإمام له أن يعزر بما شاء، حتى قال بعض أهل العلم له إلى القتل في التعزير، ما يمكن أن يكف أهل الجرائم والمعصية إلا بأطرهم عن الحق، وهذا من أوجب الواجبات على ولي الأمر حفظ الأمن، إقامة الصلاة، إقامة الحج، إقامة الجهاد، إقامة الشعائر، تطهير المجتمعات من الفساد والمفسدين، هذه من واجبات ولي الأمر، وكلها بالدليل، المقصود أن مثل هذا لا يفهم منه تعطيل الحدود. ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم)) بلا شك أنه إذا كان الأمر محتمل هذا وهذا أنه يرجح العفو، والستر هو الأصل، فإن كان له مخرج فخلو سبيله، وقد أعرض النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ماعز مراراً، حتى رأى أنه لا مندوحة من إقامة الحد، ((فإن الإمام أن يخطئ في العفو..)) الآن على قتل شارب الخمر المدمن صدرت فتوى بقتل المروج، مروج المخدرات التي ضررها في البلدان لا يقدر قدره إلا من سمع بعض الأخبار، ما هو كل الأخبار، وما تفعله بأصحابها وأربابها من متعاطيها وأهليهم وذويهم الذين يعانون منهم شيء لا يخطر على البال، ولذا صدرت الفتوى بقتل المروج، ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم وإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)) وهذه المسألة إذا كانت تحتمل الخطأ، أما إذا كانت لا تحتمل الخطأ يعني وجدت مقدماتها كلها الشرعية فلتوجد نتائجها، يعني هذا الإمام وصله ما يوجب الحد، الإمام بين أمرين، والاحتمال قائم أن تطبيقه لهذا الحد خطأ، يخطئ في ترك العقوبة أفضل أن يخطئ في تنفيذ العقوبة؛ لكن إذا كان لا يتطرق الخطأ إلى الوسيلة التي بواسطتها عرف، لا يجوز له أن يعفو بحال، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده، ليس معنى هذا يخطئ في العفو، يخطئ في العقوبة، أنه ثبتت عنده الجريمة ثم يعفو يقول: لأن أخطئ....؟ لا، لا، إذا ثبتت لا بد من تنفيذها، وإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه كما في الخبر، ولا يجوز لأحدٍ أن يشفع عنده ليعطل الحد، لكن المسألة إذا احتملت الخطأ، إذا كان احتمال الخطأ وارداً، فليكن خطؤه في العفو أفضل من خطئه وخير له من أن يخطئ في العقوبة، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 09-01-10 07:42 PM

الشريط الثامن

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير



نبذة عن المحاضرة :
  • من الحديث السادس والخمسون(لاطاعة في معصية) إلى الحديث الخامس والسبعون (إحترام الضعفاء) .
التحميل من


:icony6: هنــــــــــــــــــــــــا :icony6:

أم الخطاب78 09-01-10 07:53 PM

شرح جوامع الأخبار (8)
شرح حديث: لا طاعة في معصية..) وحديث:( إذا حكم الحاكم فاجتهد ..) وحديث:( لو يُعطى الناسُ بدَعْواهم ..) وحديث:( لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة..) وحديث:( ما أنهر الدم..) وحديث:( إن الله كتب الإحسان على كل شيء..) ‏وحديث:( "حرّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر الحمر الإنسية..) وحديث:( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء..) وحديث:( الرؤيا الصالحة من الله‏..) وحديث:( من حُسْن إسلام المرء..) وحديث:( ما نَحل والدٌ ولدّه..) وحديث:( مثل الجليس الصالح..) وحديث:( لا يُلْدَغ المؤمن..) وحديث:( يا أبا ذَرٍّ، لا عقل كالتدبير..) وحديث:( لا تغضب..) وحديث:( قد أفلح من أسلم..) وحديث:( إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الإمام العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في كتابه جوامع الأخبار:
الحديث السادس والخمسون: عن علي -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ (‏(‏لا طاعة في معصية‏،‏ إنما الطاعة في المعروف)‏)[متفق عليه]‏.
((لا طاعة في معصية)) أمرتَ بطاعة من يتصور منه الأمر بالمعصية من المخلوقين، أمرت بطاعة ولي الأمر، الإمام ومن دونه ممن ولاه الله أمرك، أمرت بطاعة الوالدين، المدير أمرك بشيء، المدير ولاه ولي الأمر أمرك، فله الأمر والنهي عليك لكن في حدود المباح، أما إذا أمرك بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أمرك أبوك بمعصية، أمرك أن تقطع رحمك، تقول: لا، يعني بالأسلوب المناسب تتخلص من هذه المعصية، أمرك ولي الأمر بمعصية تقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أمرتك أمك أن تسافر بها ومعها امرأة لا محرم لها، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعلى الإنسان أن يتنبه لمثل هذه الأمور، نعم إذا تعارض عندك أمر ونهي، أنت مأمور بطاعة هذا؛ لكن أيضاً منهي عن المعصية، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أحياناً تتعارض الأوامر والنواهي، ويحصل الحرج الكبير من الابن إذا كانت الأم في غير عصمة الأب، فتجد الأب يأمر والأم تنهى، قد يكون عاد لحاجة أو لعناد أو شيء، ماذا يصنع؟ الأب يأمر والأم تقول: لا، لا تفعل، يقول: افعل، وهي تقول: لا تفعل، من المطاع منهما؟ قال رجل لمالك: "أمرني أبي فنهتني أمي" فكان الجواب: "أطع أباك، ولا تعصِ أمك" هذا جواب وإلا ما هو جواب؟ فيه جواب، يعني في مثل هذه المضائق على الإنسان أن يسدد ويقارب، ويسعى في إرضاء الطرفين، وعلى كل حال الأم أولى لأنها أعظم حق، ويبقى أن الأب إذا كانت الأم في عصمته فحقه على الأم وحقه على الابن أيضاً، يترجح جانب الأب إذا كانت الأم في عصمته؛ لأن له عليها الأمر، أما إذا كانت هناك مفاصلة ومشاحنة فلا بد من التسديد والمقاربة وطاعة الطرفين بالمقدور عليه، إنما الطاعة بالمعروف، أمرك من تجب طاعته بما يشق عليك، أو أمرك بما لا تستطيع، قال لك مدير المدرسة: احمل هذه الحصاة، ما تقدر، أو قال لك ولي الأمر: اصعد هذا الجبل، أو افعل كذا، شيء لا تطيقه، أو انزل في هذا البئر وأنت لا تحسن، فالطاعة بالمعروف، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، إنما الطاعة بالمعروف، أمرك أبوك أو أمك أن تطلق زوجتك، أمرك أبوك أن تطلق زوجتك، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر عبد الله أن يفارق زوجته، وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أطع أباك)) لكن هل من الطاعة بالمعروف أن كل من تزوج مسكين قال له أبوه: طلق هذه المرأة؟ جالس يكد سنين طويلة حتى حصل على المهر وتزوج والخاتمة طلق زوجتك؟ الطاعة بالمعروف، لكن يبقى أنه لا بد أن يكون الرد بطريقةٍ مقبولة ترضي الأب، أكرهك أبوك على شرب أو أكل شيء لا تطيقه؟ بعض الناس لا يطيق شرب اللبن، لو شربه تقيأ، يقول له: إلا تشرب اللبن، الطاعة بالمعروف، المقصود أن مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، ومثل هذا الحديث يحل كثيرٍ من الإشكالات في التعامل مع المخلوقين، أولاً: نجعل رضا الله -جل وعلا- فوق رضا الجميع، ثم بعد ذلك نتعامل من المخلوقين في هذا الإطار بحيث يرضي الله -جل وعلا- من حيث التعامل مع الجميع.
الحديث السابع والخمسون: عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ (‏(‏إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران‏،‏ وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد)‏)[متفق عليه‏].
عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، هذا الأصل، عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، هذا الأصل، قالا: فالترضي عن الثلاثة، عن عبد الله وعن أبيه عمرو بن العاص ولهذا إذا جاء صحابي بن صحابي تقول: عنهما، وهنا صحابي بن صحابي ومعهم أبو هريرة إذاً -رضي الله عنهم- والقول مسند إلى الاثنين فقط، عبد الله بن عمرو وأبي هريرة قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران)) فاجتهد، وهذا وصف مؤثر، يعني الحاكم الذي هو بالفعل من أهل الاجتهاد، إذا اجتهد الحاكم، إذا حكم الحاكم، القاضي مثلاً، توافرت فيه شروط القضاء فاجتهد أجر الاجتهاد ثابت، فإن أصاب أضيف إلى ذلك أجر الإصابة، وإن أخطأ يكفيه الأجر الواحد، وهو أجر الاجتهاد، وعلى هذا لا يجوز الاجتهاد لغير أهله، لو يقدم شخص على أمرٍ لا يحسنه يقول: أجل أجتهد، عندك ما يؤهلك للاجتهاد تقول: أجتهد؟ مثل هذا لو أصاب فقد أخطأ، ولذا القضاة ثلاثة: منهم من يعرف الحق ويحكم به، ومنهم من يعرف الحكم بغيره، ومنهم من لا يعرف الحق أصلاً، والمصيب منهم واحد، وأما البقية ولو أصابوا الحق، تجيب لي قاضي جاهل ما يعرف، يعني افترض أنه عيّن قاضي جاهل ما يعرف شيء واجتهد وليس من أهل الاجتهاد، ووافق حكمه الحكم الشرعي مثل هذا يأثم، ويأثم من مكّنه من العمل بهذا المجال، وهو يعرف أنه ليس بأهل، ومسألة الاجتهاد مسألة متفاوتة، كل علم له اجتهاده، يعني إذا اجتهد الحاكم الإمام الأعظم في تعيين فلان، في القضاء مثلاً، اجتهد وهو ليس من أهل الاجتهاد مثلاً اخطأ في تعيينه، حتى يقول له من يعرف حقيقة الأمر: أن هذا أهل، ثم إذا عين هذا الشخص إن كان بالفعل أهلاً فاجتهد له الموعود به له أجران وأصاب، إذا لم يصب له أجر واحد، هذا إذا كان من أهل الاجتهاد، لو حكم بغير حكم الله، قصد أن يحكم في هذه المسألة بغير حكم الله، عرضت عليه المسألة قضية وذهب إلى القانون الفرنسي أو كذا أو كذا فتش فتش، قال: وجدنا الحل وحكم بهذا، ثم تبين أن هذا الحكم موافق لحكم الله، هذا أخطأ ولو أصاب، وآثم ولو وافق حكم الله -جل وعلا-؛ لأنه ما قصد أن يحكم بحكم الله {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء] وحكم الله هو ما نص عليه في كتابه أو سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- أو استنبط منهما، أو قيس عليهما، أو فرع من القواعد الشرعية، ويبقى أن الحاكم الأصل فيه أنه من أهل الاجتهاد، وأن يترك له الاجتهاد، لا يحجر عليه، يعني إذا ولي حاكم أهل كفؤ من أهل الاجتهاد لا يجوز الحجر عليه ولا إلزامه برأي ولا قول؛ لأن المسألة مفترضة في حاكم مجتهد، في حاكم تبرأ الذمة بتعيينه للقضاء، فلا يجوز إلزامه بشيءٍ غير لازم، وهذه المسألة قل مثلها في جميع العلوم، شخص لديه أهلية النظر في النصوص والأدلة، ويستطيع أن يصل إلى القول الراجح بدليله بنفسه لا يجوز له أن يقلد، ومثله إذا كانت لديه أهلية للترجيح والتصحيح في العلوم الأخرى، في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، هذا لا يقلد رأيه الرجال، وهذا أمر مضطرد.
الحديث الثامن والخمسون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏لو يُعطى الناسُ بدَعْواهم لادَّعى رجالٌ دماءَ قوم وأموالهم‏؛‏ ولكن اليمين على المدعى عليه‏))[رواه مسلم]‏. وفي لفظٍ عند البيهقي: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)).
هذا أصل عظيم من أصول القضاء، ((لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم)) نعم لو جاءك شخص يدعي على فلان أنه فقأ عينه، وبالفعل عينه مفقوءة، تتعاطف معه وتصدر حكم على فلان؟ انتظر، شوف الدعوة، اسمع، احتمال أن يكون الثاني مفقوء العينين، ((فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم)) ولذلك كثير من الناس مستعد لإقامة الدعاوى، سهل عنده إقامة الدعوة؛ لكن هل عنده بينات؟ وما أشغل القضاة إلا هؤلاء الذين يدعون وليست لديهم البينات الكافية، وبعض الناس نسأل الله السلامة والعافية لعدم وجود الورع عنده يقدم على هذا ويقول: والله إن حصل شيء وإلا ما هو خسران، وحينئذٍ لا بد من التعامل مع هؤلاء بما يليق بهم، إذا تكررت من شخص أنه يدعي ما ليس له وليست لديه بينه يوقف عنده حده، لا يشغل الناس ويؤذيهم، لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، يأتي من يخفى عليه الحكم، ويلتبس عليه الأمر مثل هذا يتقاضى مع خصمه، وحينئذٍ يعامله القاضي بما يليق به، يطلب منه البينة، فالبينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، اليمين في الغالب تكون في جانب الأقوى، الأصل عدم الثبوت، ثبوت المدعى به الأصل عدمه، فجانب المدعى عليه أقوى من المدعي، والمدعي عند أهل العلم من إذا ترك تُرك، والمدعى عليه من إذا ترك لم يُترك، يتبع، فإذا ادعى زيد على عمرو قال له القاضي: ألك بينة؟ إذا قال: نعم، قيل له: أحضرها، وهل هذه البينة مما يقوم بها إقامة مثل هذا الحد؟ شهود مرضيين عدول، وإلا ترد، وإذا قال: هي أمر يطلب التزكية، على الطريقة المعروفة عند أهل العلم المتبعة المعمول بها، طيب هذه البينة غير موجودة مثلاً، أو لا تقوم بها الحجة يرجع القاضي على المدعى عليه فيقول: احلف، اليمين على المدعى عليه، فإذا حلف برئ، إذا قامت البينة الملزمة المقبولة يحكم بالحق، ولا يطلب يمين من المدعى عليه؛ لأن البينة كافية، فلا يطلب يمين من المدعى عليه، يطلب يمين من المدعى عليه إذا لم توجد بينة، ليبرأ من العهدة، طلب بينة ما وجد بينة عند المدعي، طلب يمين من المدعى عليه قال: الدنيا كلها ما تسوى اليمين، فضلاً عن كوني أحلف على هذا المبلغ اليسير، إن كان عنده شيء يجيه، أنا ما عندي شيء، احلف، قال: الدنيا كلها ما تسوى يميني، مانا بحالف، يحكم عليه وإلا ما يحكم عليه؟ رفض، نكل عن اليمين، من أهل العلم من يقف عند هذا الحد، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، المدعي ما عنده بينة، توجهت اليمين إلى المنكر ورفض، نكل عن اليمين، من أهل العلم من يقف عند هذا، ويلزمه للمدعى عليه، ومنهم من يرد اليمين إلى المدعي، رد اليمين على المدعي، والله المدعى عليه نكل، لما نكل صار المدعي أقوى منه، واليمين في جانب الأقوى؛ لكن ما يمكن أن يحكم بحق بدون بينة أو يمين، فيرد اليمين على المدعي مع أن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول:" لا أعلم قائلاً برد اليمين" مع أن قضاة عصره ابن شبرمة وابن أبي ليلى وغيرهما يقولون برد اليمين، ولا بد من مرجح لكفة أحد الطرفين، هذا ما عنده بينه، وهذا رفض اليمين إيش تسوي؟ موقف القاضي إيش؟ ماذا يصنع؟ لأن هذا مطالب بالبينة ما عنده بينة، هذا مطالب بيمين ورفض، لا بد من مرجح، والأصل في البينة ما يبين الحق ويظهره، ولذا يتجاوز بعضهم في البينات، ويتوسع فيها، وبعضهم يحكم بالقرائن ويجعلها من البينات، والمسألة معروفة عند القضاة وغيرهم ممن يدرس هذا العلم، على كل حال القول برد اليمين لا شك أنه مرجح، فإذا حلف المدعي بعد نكول المدعى عليه حكم له وإلا فلا.
الحديث التاسع والخمسون: عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: (‏(‏لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حدّاً، ولا ذي غمر على أخيه، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة، ولا القانع من أهل البيت)‏)[رواه الترمذي‏].
الأصل في الشاهد أن يكون مرضياً كما قال الله -جل وعلا-: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} [(282) سورة البقرة] فلا بد أن يكون مرضياً، والرضا إنما يكون بالعدالة، العدالة، وهل تكفي العدالة الظاهرة أو لا بد من العدالة الباطنة التي يحتاج فيها إلى أقوال المزكين؟ مسألة خلافية؛ لكن الحكم بالظاهر هو الأصل، إلا إذا قدح فيمن ظاهره العدالة تطلب تزكيته، فكل ما خرج عن هذا القيد لا يقبل لأنه غير مرضي، فلا تجوز شهادة خائن ولا خائنة؛ لأنه مقدوح في عدالته، ولا مجلود بحد؛ لأنه فاسق بارتكابه الحد، هذا إذا لم يتب، طيب قد يقول قائل: المجلود بحد، والحدود كفارات، هل نحتاج مع هذا الحد إلى توبة؟ لو نظرنا في آية القذف: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النــور] يعني طلبت التوبة مع الجلد، (إلا الذين تابوا) وهذا الاستثناء المتعقب لثلاث جمل، الخلاف الطويل بين أهل العلم هل يرجع إلى جميع الجمل، أو إلى الأخيرة فقط؟ أو إلى... كلام طويل لو نفصل هذا ما كفى، (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً، إلا الذين تابوا) فدل على أن من تاب بعد إقامة الحد عليه تقبل شهادته، ((ولا ذي غمر على أخيه)) يعني ذي حقد وغل على أخيه، ((ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)) يعني متهم في شهادته لقرابته أو في مواليه؛ لأنه يحيف معهم، ويميل إليهم ((ولا القانع من أهل البيت)) الخادم في أهل البيت يخدمهم بأجرةٍ أو بمأكله ومشربه، مثل هذا في الغالب متهم، يميل إليهم؛ لكن إذا قلنا: أنها لا تجوز شهادتهم لمن ذكر لا شك أنها تجوز شهادتهم عليهم، فإذا قلنا: أن الأصول والفروع لا تجوز شهادتهم، لا تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه؛ لكن لو شهد على أبيه، أو شهد على ابنه، أو شهد ذي الغمر لأخيه، يعني مسألة عكسية، المنفي في هذا الحديث يجوز عكسه، الظنين المتهم في الولاء والقرابة لا تجوز شهادته له؛ لكن تجوز شهادته عليه، كما تجوز شهادة الأب على ابنه، والابن على أبيه لانتفاء التهمة، والتهمة سبب قوي في القبول والرد.
الحديث الستون: عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: ‏قلت: يا رسول الله: "إنَّا لاَقُوا العدوَّ غداً، وليس معنا مُدَى‏ أفنذبح بالقصب‏؟‏ قال‏:‏ ((ما أنهر الدم، وذُكر اسم الله عليه فكُلْ، ليس السنَّ والظَّفْرَ، وسأحدثك عنه: أما السنُّ فعظمٌ‏،‏ وأما الظفر فمدَى الحبشة‏)) وأصبنا نهب إبل وغنم فنَدَّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه،‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ((إن لهذه أوَابِدَ كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا‏)‏‏)[متفق عليه]‏.
المأكول من الحيوان لا يخلو إما أن يكون يحتاج إلى تذكية أو لا؛ لأن الله -جل وعلا- حرم الميتة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] استثني من الميتة ما يعيش في البحر، الحل ميتته، بحيث لا يعيش في سواه في البر، وأحل من الدم الكبد والطحال، وحل أيضاً من الميتة الجراد، ما عدا ذلك يحتاج إلى تذكية، "إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مدى" ليس معنا سكاكين، ما معهم سكاكين، ماذا يصنعون؟ أفنذبح بالقصب؟ القصب نوع من أغصان الشجر إذا قسم نصفين صار له حد كالسكين، فلم يجب النبي -عليه الصلاة والسلام- بنعم، ليأتي بقاعدةٍ عامة تشمل القصب وتشمل الزجاج، وتشمل الحصى، وتشمل كل ما أنهر الدم، يعني أخرج الدم المسفوح، وذكر اسم الله عليه فكل، أجابه إجابة شاملة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لأنه لو قال: نعم، احتاج الناس إلى بيان أحكام كثيرة جداً، فأتى بالقاعدة التي ينطوي تحتها القصب وغير القصب ((ما أنهر الدم)) أخرجه بقوة كالنهر ((وذكر اسم الله عليه فكل)) لا بد من أن ينهر الدم، بقطع الحلقوم والمري وأحد الودجين على الخلاف في ذلك كما هو معروف، ما أنهر الدم بقطع ما ذكر شريطة أن يذكر اسم الله عليه {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] والتسمية شرط لحل الذبيحة ويختلفون فيمن تركها ناسياً، والأدلة تدل على أن التحريم شامل للعامد والناسي، ليس السنّ والظفر، استثناء، ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه)) يشمل السن لأنه ينهر الدم، إذا قطعت الحلقوم والمري وأحد الوجدين بسنك أنهر الدم أو بظفرك لا سيما إذا كان من الطيور الصغيرة الظفر يكفيه؛ لكن لا يجوز، استثناء النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ليس السن والظفر، وسأحدثك عنه)) يعني أذكر لك العلة، اذكر لك السبب، ((أما السن فعظم)) والعظام لا يجوز تلويثها بالنجاسة، فعظم ليشمل السن وغير السن من العظام؛ لكن المستعمل من العظام في مثل هذا السن، فنص عليه لأنه يستعمل، وعدي بالعلة إلى غيره من العظام، ولذا لا يجوز الاستنجاء بالعظم، والذبح بالعظم تنجيس له كالاستنجاء، ((وأما الظفر فمدى الحبشة)) وقد أمرنا بعدم التشبه، فنهينا عن التشبه بالكفار، "فمدى الحبشة، وأصبنا نهب إبلٍ وغنم، فند منها بعير" أي شرد بعير، الأصل أن البعير من الأشياء المقدور عليها، والأشياء المقدور عليها تذكى إما بالذبح أو بالنحر كالبعير؛ لكن إذا شرد توحش المقدور عليه، توحش الأهلي يعامل معاملة الوحش، معاملة الصيد، ولو تأهل الوحش عندك غزال مثلاً في قفص في حوش لا بد من تذكية، عندك طائر مما يصاد يكفي فيه أن ينهر الدم من أي جزء من أجزائه قبضت عليه لا بد من تذكيته فكل مقدور عليه لا بد من التذكية، الذي لا يقدر عليه يكفي فيه ما الرمي "فرماه رجل بسهمٍ فحبسه" فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لهذه أوابد)) يعني هذه الحيوانات لها أوابد تنفر لها نفرة ولها وحشة ((كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا)) أحياناً ينفر خروف فيشبه الغزال ما يستطاع ولا بالسيارة ولا....، يالله بالرمي، وأحياناً ينفر تيس وإلا جمل والناس يحتاجونه، فإذا فعل به هكذا فجرح من أي جزء من بدنه حل، كالصيد، على أن يكون الذي يغلب على الظن أنه مات بهذا السبب؛ لكن لو شرد البعير ووقع في بئر ورميته، تجزم أنه مات بسبب رميك وإلا بسبب الماء غرقاً؟ حينئذٍ لا يكون لك أن تأكل، لا بد أن يغلب على ظنك أنه مات بسبب رميك.
الحديث الواحد والستون: عن شدّاد بن أوْس -رضي الله عنه-‏:‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏(إن الله كتب الإحسان على كل شيء‏،‏ فإذا قتلتم فأحْسِنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة،‏‏ وليحدّ أحدكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته‏)‏) [رواه مسلم‏].‏
الإحسان مطلوب، الإحسان في التعامل مطلوب، مع الخالق وهو أعظم خصال الدين بعد الإسلام الإيمان الإحسان، وأن تعبد الله -جل وعلا- بالمراقبة، وأعلاها أن تتصور أنك ترى الله، فإن لم يصل مستواك إلى هذا الحد فلا أقل من أن تتصور أن الله يراك، تعبده بالمراقبة وهذه مرتبة الإحسان، منزلة الإحسان، وشأنها في الدين عظيم؛ لأنها تكف عن المحرمات، تحث على فعل الواجبات والمستحبات؛ لأن من تصور أنه يرى الله أو أن الله يراه لن يقدم على معصية، وهو يتصور أن الله -جل وعلا- يشاهده؛ لأنه لا يزاول معصية بحضور من يهابه من المخلوقين فضلاً عن الخالق؛ لكن ما وقع الناس فيما وقعوا فيه إلا بعد أن غفلوا عن اطلاع الله عليهم، أيضاً إحسان إلى النفس، إحسان إلى الغير من المخلوقين، ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) على كل شيء كتب الإحسان، بل كتبه فيما يتصور فيه أعظم الضرر وهو القتل وإزهاق الروح، في أعظم من هذا؟ من الضرر ما يتصور؛ لكن مع هذا الضرر تحسن في هذا الضرر، ((فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) إذا قتلتم من يستحق القتل فأحسنوا القتلة، بلا تعذيب، بلا تمثيل، هذا ليس من عمل المسلمين، وقد جاء النهي عن المثلة بخلاف المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] المماثلة غير المثلة، يعني كونه يفعل بالقاتل نظير ما فعل، رض رأس الجارية بحجر يرض رأسه بحجر، قتلوا الراعي وسملوا عينه فُعل بهم ما فعلوا، ((وإذا ذبحتم)) ما يراد ذبحه للأكل ((فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته)) لئلا يتأذى المقتول والمذبوح، يحده تكون ماضية بسرعة، لا تكون كالة بحيث تؤذي المذبوح ((وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) هذا من عدل الإسلام، ومن محاسن الدين حتى في هذه الحالة أمرنا بالإحسان فما دونها من باب أولى، لا يجوز أن تسيء لأحدٍ بحالٍ من الأحوال، ((والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) فالإحسان مطلوب مع كل أحد حتى مع الحيوان، ((في كل كبد رطبة فيها أجر)) إذا تصور الإنسان أنه دخل الجنة بإزالة غصن من الطريق؛ لأنه أحسن على الناس، ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة)) المرأة البغي التي سقت الكلب دخلت الجنة شكر الله لها فغفر لها، فلنحرص أشد الحرص على الإحسان للآخرين فضلاً عن كوننا نكف أذانا عنهم، والله المستعان.
الحديث الثاني والستون: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال‏:‏ ‏"حرّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر الحمر الإنسية، ولُحومَ البغال، وكلَّ ذي ناب من السباع، وكلَّ ذي مخلب من الطير"‏ [رواه الترمذي]‏.
عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر سنة سبع من الهجرة لحوم الحمر الإنسية، الحمر إما أن تكون إنسية أو تكون وحشية، الوحشية حلال، الإنسية كانت حلال ثم حرمت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وبحث مثل هذه المسألة يطول جداً؛ لأنها إما أن يكون أصلها طيب واستمر الطيب رغم تحريمها، أو تكون كانت خبيثة كان أصلها طيب ومنعت للحاجة، أو أصلها خبيث وأبيحت قبل الحاجة، أو أنها كانت طيبة، ثم انقلبت خبيثة، المقصود أن هذه المسألة تحتاج إلى زمنٍ طويل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، الحمر كانت حلال ثم صارت حرام، ما وضعها قبل التحريم؟ وما وضعها بعد التحريم؟ الخمرة سلبت المنافع لما حرمت، فهل نقول: أنها انقلبت بذاتها إلى خبيث وصارت رجس كما جاء في بعض الأحاديث؟ لا شك أن الله -جل وعلا- قدرته نافذة على أن يكون الأصل في الشيء الطيب ثم ينقلب إلى خبيث أو العكس.
"حرَّم يوم خيبر لحوم الحمر الإنسية ولحوم البغال" البغال ليست حمير ولا خيل، إنما هي متولدة بينهما، هذه أيضاً حكمها حكم الحمر الإنسية تغليباً للحظر، وجاء النص على تحريمها بخلاف الخيل، فقد ذبحوا على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فرساً فأكلوه، فالخيل يؤكل، كونه امتنّ بركوبه ولم يمتن بأكله مما يستدل به بعض من يرى تحريم لحوم الخيل، أن الله -جل وعلا- امتن بركوب الخيل، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] فامتن بركوبها ولو كانت مأكولة لامتن بأكلها، نقول: ذبحوا فرساً على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فأكلوه، والامتنان في الركوب قد يكون أهم من الامتنان بالأكل، في آخر صفحة من سورة يس {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ* وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [(71-72) سورة يــس] ذكر الركوب قبل الأكل، ليس في هذا دليل على تحريم لحوم الخيل، وتعرفون يا إخوان المسائل تحتاج إلى تشقيق وتفريع؛ لكن الوقت ما يمكن.
"وكل ذي نابٍ من السباع" كل شيء له ناب يحرم بهذا الدليل، هذه قاعدة عامة تنظر، هذا السبع انظر إن كان له ناب اتركه وإلا فكله، يستثنى من هذا ما يقال عن الضبع أن له ناب، وهو حلال لأن الصحابة أفتوا بأنه يفدى، له جزاء إذا صاده المحرم، فدل على أنه حلال، "وكل ذي مخلبٍ من الطير" أيضاً الطيور إذا صيدت ينظر فيها هل لها مخلب إن لها مخلب تترك وإلا فتؤكل، وأهل العلم يختلفون في الأصل، الأصل في الأطعمة هل هي الحل أو الحرمة؟ ما الأصل في الأطعمة هل هي الحل أو الحرمة؟ كل على مذهبه، منهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، وكل على مذهبه، وفائدة الخلاف إذا وجدت شيئاً في البر، إما نبات هل تقدم على أكله من غير دليل أو تأكل منه حتى يرد دليل منع؟ دويبة مثلاً وجدتها في البر تأكلها وإلا تتركها؟ إن كان الأصل عندك الحل فكل، إذا كان الأصل عندك الحظر لا تأكل إلا بدليل، وكل على أصله في هذا.
الحديث الثالث والستون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال‏))[رواه البخاري‏].‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) وذلك أن الله -جل وعلا- خلق الخلق من بني آدم وجعلهم صنفين، صنف ذكور وصنف إناث، وجعل لكل صنفٍ ما يناسبه، ما يناسب تركيبه من الأعمال والحركات واللبس وغير ذلك مما يتميز به كل صنفٍ عن الآخر، فمن تشبه بالصنف الآخر فيما هو من خصائصه دخل في هذا الوعيد الشديد، وهو اللعن، ويراد به الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، فإذا تشبه الرجل بالمرأة فيما هو من خصائصها، أو تشبهت المرأة بالرجل فيما هو من خصائصه وما يوافق طبعه وتركيبه دخل في هذا الوعيد الشديد؛ لكن هناك أمور مشتركة بين الرجال والنساء، في المآكل والمشارب والمساكن الأمر المشترك لا يدخل في هذا؛ لكن ما يختص بالنساء لا يجوز بحال للرجل أن يتشبه بالمرأة، وما يختص به الرجال لا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال وهكذا، من ذلكم ما يتعلق بالمنطق والمشية والهيئة واللباس وما أشبه ذلك، وذلكم أن المرأة خلقت من ضلع، والرجل أكمل منها في كثيرٍ من الأوصاف هي بحاجة إلى أن تكمل هذا النقص في الزينة {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [(18) سورة الزخرف] هذا الأصل في المرأة؛ لكن الرجل لأن الله كمله بالخصال وبالمزايا والسجايا التي فاق بها المرأة من غير ظلمٍ للمرأة؛ لأن الله -جل وعلا- جعل فيها من الخصائص ما يناسب فطرتها، وما يناسب ما وكل لها من أعمال، لم يجعل لها من القوة قوة البدن بحيث تزاول من الأعمال ما يزاوله الرجال، ولم يجعل في الرجل من الضعف في الخلق والخُلق ما يجعله يزاول أعمال النساء، فإذا زاولت المرأة أعمال الرجال خرجت عن الفطرة التي فطرت عليها، وإذا هبط الرجل إلى المستوى الذي جبل عليه النساء فزاول أعمال النساء أيضاً تشبه بالنساء، قد يقول قائل: إن تشبه النساء بالرجال من باب تحصيل الكمال، فماذا يقال عن تشبه بعض الرجال بالنساء؟

وليس عجيباً أن النساء ترجلت *** ولكن تأنيث الرجال عجيب
يعني يوجد مع الأسف الشديد بل في أوساط المسلمين من إذا رأيته لا تجد أدنى فرق بينه وبين المرأة، حتى أنه وجد في بعض المجتمعات الإسلامية من يستعمل بعض الهرمونات التي تبرز الثدي، وهو ذكر خلقه الله ذكراً، كمله وشرفه، وقد كمل من الرجال كثير لكن وجد مثل هؤلاء مع الأسف الشديد.
وعلى كل حال إذا تشبهت المرأة بما يختص به الرجال دخلت في اللعن، وإذا تشبه الرجل بما تختص به النساء دخل في هذا الوعيد، فلنكن على حذر، وإذا كان التشبه تشبه الرجل بالمرأة من المسلمين والمرأة المسلمة بالرجل من الرجال يدخل في هذا اللعن وهو حرام بل كبيرة من كبائر الذنوب فكيف بالتشبه بأعداء المسلمين؟! بأعداء الله وأعداء دينه من الكفار، ومع الأسف أننا نجد بعض المسلمين من يحاكي الكفار في جميع تصرفاته، بل يوجد في بعض المجتمعات الإسلامية بعض البلدان إذا دخلتها لا تفرق بينها وبين بلاد الكفار، وهذا من استحكام الغربة التي نعيشها، والله المستعان، ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه)) فلنحذر من هذا أشد الحذر، يوجد في نساء المسلمين من يتشبه بالكافرات والفاجرات، وقصور الأفراح تعجّ بمثل هذه الصنوف المؤذية القذرة من التشبه، نسأل الله السلامة والعافية، وكل هذا شعور بالنقص، وإلا فلو اعتزّ المسلم بدينه ذكراً كان أو أنثى لكان في غنية عن مثل هذه التصرفات التي تحطّ من قيمته في الدنيا قبل الآخرة، وأما في الآخرة فله هذا الوعيد، والله المستعان.
الحديث الرابع والستون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ما أنزل الله دَاءً إلا أنزل له شفاءً))[رواه البخاري]‏.
هذا الحديث الصحيح عن أبي هريرة: ((ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء)) له شفاء بلا شك؛ لكن قد يعلمه بعض الناس، وقد يجهله أكثر الناس، ((علمه من علمه وجهله من جهله)) ولذا لا ييأس من أصيب بأي مرضٍ كان من الشفاء، فإذا توكل على الله -جل وعلا-، وسأله بصدق أن يشفيه من هذا المرض، ورقى نفسه بالرقية الشرعية المعروفة بشروطها شفاه الله وعافاه، والله -جل وعلا- يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ} [(82) سورة الإسراء] (من القرآن) من أهل العلم من يقول: أن (من) هذه بيانية، فالقرآن كله شفاء، ومنهم من يقول: أن (من) هذه تبعيضية، فمن القرآن ما هو أحكام، ومنه ما هو عبر ومواعظ، ومنه ما هو قصص وأخبار، ومنها ما هو شفاء، وهذا القول قال به جمع من أهل العلم فتكون (من) تبعيضية، والقول الآخر أن كله شفاء، علينا أن تستشفي بالقرآن، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت] فإذا حقق الإنسان الوصف واستشفى بالقرآن معتقداً أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وأنه لا شافي إلا هو {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [(80) سورة الشعراء] وإن باشر بعض الأسباب العادية التي اضطرد نفعها فلا بأس، ((تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام)) فلا ييأس المريض بأي مرضٍ كان حتى المرض الخبيث السرطان هذا الحديث يتناوله، ((ما أنزل الله داءً)) نكرة في سياق النفي تعمّ جميع الأدواء وجميع الأمراض، حتى السرطان؛ لكن كونه يخفى على كثيرٍ من الناس هذا شأنه شأن جميع ما من شأنه أن يعلم، جميع ما من شأنه أن يُعلم يكون علمه عند بعض الناس دون بعض، وقد يخفى على كثيرٍ من الناس، وقد يحجب عنه أكثر الناس، ويفتح الله على يد بعض خلقه فتحاً ينفع به الله -جل وعلا- خلقه، ومنه هذا المرض، فعلينا أن نستشفي بالقرآن، وأن نلجأ إلى الله -جل وعلا-، ونصدق اللجأ فهو كاشف الكروب، وهو مزيل الهموم، وإذا باشرنا بعض الأسباب من غير اعتمادٍ عليها، نعلم أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وهو المسبب، وأن هذه الأدوية والعقاقير هي مجرد أسباب قد تنفع، يترتب عليها آثارها، وقد تتخلف كغيرها من الأسباب، وقد يوفق الطبيب لفحص المرض بدقة، ووصف العلاج النافع، وقد لا يوفق، يهمّ كغيره، حتى صاحب العلم الشرعي قد يهم في بعض المسائل، ويفتي بخلاف الحق، وقد يقضي بخلاف الحق؛ لأن الكل بشر، والله المستعان، ونعنى بالعلاج النبوي والطب النبوي الذي صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، مثل الحبة السوداء، والعسل والعود الهندي وغيرها، هذه ثبتت آثارها، ثبتت الأخبار بها عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وكتاب الطب النبوي لابن القيم حافل بمثل هذه الأدوية، وكثير من الأدوية تجريبية ثبت نفعها بالتجربة، والعلاج من المرض يختلف فيه أهل العلم، منهم من يقول: هو أفضل من تركه، ومنهم من يرى أن التسليم لله -جل وعلا- والاعتماد عليه أدخل في التوكل وأقوى فهو أفضل.
وعلى كل حال يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا أعلم سالفاً أوجب العلاج" لا أعلم سالفاً يعني أحداً من السلف أوجب العلاج، وعلى هذا لا يلام من رفض أن يذهب إلى الأطباء، ولو غلب على الظن أنه يشفى على يديهم، على كل حال إذا صبر واحتسب، وحديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب معروف، فيه: ((ولا يسترقون)) لا يطلبون من يرقيهم، ((ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) لا يباشرون هذه الأسباب مع أنها شرعية ومباحة، ولا خلاف في جوازها إلا أن من عظم توكله كان أفضل ممن مباشرة هذه الأسباب، اللهم إلا إذا ترتب على هذا التوكل أمور تخدش التوكل يعني شخص لا يراجع الأطباء، ولا يدخل المستشفيات؛ لكن من عاده في البيت يقول: أبشركم أنا لا أروح إلى الأطباء ولا أبي مستشفيات، وأنا ارتباطي بالله وثقتي به، لا يا أخي أنت تروح المستشفيات أسهل من كلامك هذا، إذا كان يشتكي إلى المخلوقين والله المستعان.

أم الخطاب78 09-01-10 07:58 PM

الحديث الخامس والستون:






عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏الرؤيا الصالحة من الله‏،‏ والحُلْم من الشيطان‏، فإذا رأى أحدُكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب‏،‏ وإذا رأى ما يكره فليتعوَّذ بالله من شرها ومن شر الشيطان‏،‏ ولْيَتْفُلْ ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره‏))‏ [متفق عليه‏].‏


في هذا الحديث الصحيح عن أبي قتادة الحارث بن ربعي يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((الرؤيا الصالحة من الله)) الرؤيا الصالحة الصادقة من الله -جل وعلا-، وأول من بدئ به النبي -عليه الصلاة والسلام- الرؤيا الصادقة في النوم تأتي مطابقة للواقع، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والرؤى أو ما يراه النائم إن كان مرتباً منتظماً واضحاً يحث على خير، أو يكف عن شر فهذه رؤية صالحة، أما إذا كانت مختلطة مخيفة، أو لا يدرى ما أولها من آخرها، فهي من تلاعب الشيطان، لا قيمة لها، فالصالحة هذه يطلب تعبيرها، ويرجى تحققها بخلاف الأضغاث مثل هذه علاجها ما جاء في هذا الحديث، ((فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً)) هذا العلاج، وحينئذٍ يكون لا أثر لها، ومع الأسف أنه ظهر الأيام الأخيرة من يعبر كل شيء، يعبر الرؤى ويعبر الأضغاث، واختبر بأمورٍ لم تُر فعبرها، واختبر بأمور ما رآها أحد، اختبره بعض الناس فعبر ما عنده مشكلة، ولا شك أن الاسترسال في مثل هذا غير محمود، لا شك أن المختبر ارتكب محرماً؛ لأنه كذب وادعى رؤيا لم تحصل له، وهذا كذب نسأل الله العافية، والكذب في الرؤيا أمره شديد، كلف أن يعقد بين شعيرتين؛ لكن أيضاً هذا الذي يعبر كل شيء لا يأمن الزلل والخطأ فعلى الإنسان أن يتورع ويتحرى ويتثبت، والله المستعان.


((الرؤيا الصالحة من الله)) مصدرها من الله -جل وعلا- لتثبيت المؤمن وحثه على الازدياد من الخير والكف عن بعض ما يضره، وقد يرى ما فيه بشرى له أو لغيره، وقد يرى ما فيه تحذير له أو لغيره، فينتفع بهذه الرؤيا وينتفع بها غيره، وأما الحلم فهو من الشيطان، مصدره من الشيطان الذي يريد أن يغيض المسلم، فإذا رأى أحدكم ما يحب من الرؤيا الصالحة فلا يحدث به إلا من يحب، لا يعرض هذه الرؤيا إلا على محبٍ مشفقٍ ناصح؛ لأن غيره لا يؤمن في أن يحرف هذه الرؤيا بتأويلها التأويل الخاطئ أو يسعى لعدم تحققها، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان الذي هو مصدرها، (من شرها) يعني من شر أثرها عليه، ومن شر مصدرها، وليتفل، ينفث عن يساره ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً؛ لئلا يفرح العدو ويغتاظ الصديق، وقد تؤول له، والرؤيا إذا أولت يخشى من وقوعها، وحينئذٍ لا تضره، ولا يكون لها أثر، بعض الناس قد يرتب عليها أحكام شرعية، والدين -ولله الحمد- كامل، كمل في حياته -عليه الصلاة والسلام- قبل وفاته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [(3) سورة المائدة] وبعض الناس يستدل ببعض الأحاديث التي ثبت فيها أحكام كحديث الأذان مثلاً، حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه لما رأى قال: طاف بي وأنا نائم رجل فقال تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر... إلى آخر الأذان، وكذلك عمر رأى هذه الرؤيا، هذه الرؤيا اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعض الناس يستدل يتوسع إذا رأى فلان أو فلان سأله عن حكم شرعي، وأثبت به الحكم، وبعضهم يصحح ويضعف من خلال الرؤى، وأسوأ من هذا من يصحح ويضعف بالمكاشفة، كما يحصل لبعض المنحرفين، والدين كامل شامل ليس بحاجة إلى مزيد من أحد.





الحديث السادس والستون:





عن علي بن الحسين -رحمه الله- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يَعنيه)‏)‏ [رواه مالك وأحمد‏،‏ ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه الترمذي عن علي بن الحسين وعن أبي هريرة‏].


في هذا الحديث المخرج في الموطأ والمسند والسنن وغيرها من دواوين الإسلام، ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا عند أهل العلم مرسل؛ لأن علي بن الحسين تابعي، وما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمونه مرسلاً.



مرفوع تابع على المشهورِ *** ومرسل أو قيده بالكبيرِ


والمرسل عند الجمهور ضعيف، احتج به مالك وأبو حنيفة، ورده جماهير العلماء، رده جمهور العلماء للجهل بالساقط، احتمال أن يكون علي بن الحسين رواه عن تابعي آخر، وهذا التابعي الآخر احتمال أن يكون ضعيفاً، هذه حجة من رد المراسيل.



احتج مالك كذا النعمانُ *** به وتابعوهما ودانوا


ورده جماهر النقادِ *** للجهل بالساقط في الإسنادِ


وصاحب التمهيد عنهم نقلا *** ومسلم صدر الكتاب أصلا


المقصود أن الذي استقر عليه القول عند أهل العلم رد المراسيل، وهذا منهم، إلا أنه مروي عند الترمذي من حديث أبي هريرة فهو موصول، وحينئذٍ يكون فيه تعارض الوصل مع الإرسال، والمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يقبل يرجح المرسل أو الموصول، أو الأكثر أو الأحفظ، أو ما ترجحه القرائن؟ هذه مسألة لا نطيل في ذكرها، وعلى كل حال معنى الحديث صحيح، معناه صحيح، ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) لأن الاشتغال بما لا يعني أقل الأحوال أن يصرف عن عملٍ مشروع، يعني كون الإنسان يتدخل في أمور لا تعنيه، فلان فعل كذا، وفلان صنع كذا، وفلان بنى بيت بكذا، وطلع من بيته كذا، وش يعني كلامه؟ هي مجرد أخبار؛ لكن إذا تضمن هذا التدخل محض النصيحة لغيره دخل في حديث الدين النصيحة؛ لكن إذا لم يترتب عليه فائدة أقل الأحوال أن ينشغل به عما يعنيه، وهذا لا شك أنه من الفضول.





الحديث السابع والستون:






عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده‏:‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ (‏(‏ما نَحل والدٌ ولدّه من نحْل أفضل من أدب حسَن‏))‏ [رواه الترمذي]‏.‏


هذا الحديث عند الترمذي.


طالب: عفا الله عنك يقول: ضعيف، أخرجه الترمذي في سننه في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد، وأحمد في المسند.


هو هذا ...... أنه ضعيف.


طالب: يقول هنا يا شيخ قال على الترمذي هذا عندي حديث مرسل.


على كل حال الحديث ضعيف، الحديث ضعيف ولا شك أن تربية الأولاد على الدين الحق، والمنهج الصحيح من خير ما يهدى إليهم، ويقدم إليهم، يعني من حيث المعنى معناه صحيح، ((ما نحل والد ولده من نحلٍ أفضل من أدبٍ حسن)) كونه يربي ولده ويؤدبه على الأدب الشرعي باحترام الكبير، احترام أوامر الله -جل وعلا- وأوامر رسوله ويؤدبه الأدب الشرعي لا شك أن هذا من أولى ما يقدم ويهدى ويعطى للولد، وكل من المسلمين يود أن يكون ولده مؤدباً متخلقاً بالأخلاق الفاضلة، مجتنباً للأخلاق الرذيلة السافلة، كل يتمنى هذا لكن كثير من الناس يتقاعس إذا جاء العمل والتطبيق، قد يحمله الشفقة على ولده إلى أن يترك أدبه حتى يفلت من يديه ويكون وبالاً عليه وعلى مجتمعه وعلى أمته وهذه الشفقة أبداً ليست شرعية، هذه الشفقة التي تحمل على الإهمال ليست شرعية، وليست التربية تربية البدن أو تربية ما يؤمن المستقبل كما يقال، تجد الإنسان يحرص على الدراسة لولده، فإذا تخلف عن الدراسة يوماً أو عن المذاكرة أو عن حل الواجبات أو عن القيام بالوظائف يغضب غضباً شديداً؛ لكن أين هذا الرجل من الاهتمام بصلاة الفجر لولده؟ هل هذا بالله عليكم أدب حسن؟ لا والله، ومثل هذا لن يوفق إذا عني بأمور دنياه، وأهمل أمور دينه، مثل هذا لن يوفق وشواهد الأحوال كثيرة، إلا إذا تداركه الله -جل وعلا- بلطفٍ، ومنّ عليه بتوبةٍ نصوح.







الحديث الثامن والستون:





عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏مثل الجليس الصالح والسوء‏ كحامل المسك ونافخ الكِير،‏ فحامل المسك‏ إما أن يَحْذِيَك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة‏،‏ ونافخ الكير‏ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة‏))‏ [متفق عليه]‏.‏


هذا الحديث حديث أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء)) الناس صنفان إما صالح وإما سيء، الجليس الصالح له مثل، والجليس السيء والسوء له مثل، فمثل الجليس الصالح كحامل المسك، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، وهذا من اللف والنشر المرتب، ولك الخيار، هل تريد أن تجلس عند حامل المسك أو عند نافخ كير؟ لا شك أن كل ذي عقلٍ سوي يفضل حامل المسك، ويبتعد عن نافخ الكير؛ لأنه الجو حار، والشرارة متطاير يحرق الثياب، والرائحة كريهة، والدخان يزكم الأنوف، ومن كل وجه، وأما حامل المسك فخير على خير، أقل الأحوال أن تبتاع منه شيئاً يسرك؛ لأن مما يسر في هذه الدنيا الطيب، وقد حبب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من الدنيا النساء والطيب، فحامل المسك إما أن يحذيك، إما أن يعطيك هدية، وإما أن تبتاع منه بالمقابل دراهم، وأقل الأحوال أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق الثياب من هذا الشرر المتطاير، وقد يخلص هذا الشرر إلى الجلد فيحرقه، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة، لن تسلم، وهكذا الجلساء، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [(28) سورة الكهف] هؤلاء هم الجلساء الصالحون، مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أهل الذكر أهل الفضل أهل الخير أهل الاستقامة الذين أقل أحوالك أن لا تزاول ما يغضب الله في مدة مكثك معهم، هذا أقل الأحوال، وإذا ذكروا الله وذكرت الله معهم، إذا نسيت عن شيءٍ وغفلت عنه ذكروك هؤلاء خير على خير، بخلاف الجليس السيء الذين إن أردت عملاً صالحاً ثبطك، وإذا ذكرت الله -جل وعلا- صرفك، فمثل هذا يبتعد عنه، والإنسان يحرص على ما ينفعه في أمور دينه ودنياه، فالجليس السيء لن يقدم إلا ما يضر في الدين والدينا، والجليس الصالح يقدم لك ما ينفعك، والجليس الصالح والأمر بمجالسته من متطلبات الجنة، والجليس السيء الذي تغفل بسببه عن ذكر الله، وعن طاعة الله، وقد تقع في بعض المحرمات من متطلبات أو من دواعي وأسباب النار، والجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، ولذا تجد بعض الأخيار وهو محسوب على طلاب العلم، تجده يأنس بفلان، يقول: فلان ما شاء الله خفيف، طيب المعشر، لماذا صار طيب المعشر؟ لأنه يقدم لك ما تشتهيه وتحبه، ويؤيدك في كل ما تقول وما تفعل، وإن كان خطأ، هذا خفيف ما شاء الله؛ لكن العاقبة؟ الجنة حفت بالمكاره، تجد بعض الناس نعم صالح وطيب وذكر، وحث على الخير؛ لكن ثقيل على كثيرٍ من النفوس، وهذا يحسه الإنسان من نفسه، نسأل الله العفو والمسامحة، إذا جاك واحد وهو من خيار الناس صارت الجلسة رسمية على الكلام، رسمية يا أخي الواحد ما يقدر يستأنس ولا ينبسط، لا شك أن هذه الأمور تحتاج إلى علاج، هذا خلل، خلل بلا شك، يعني أنت تأنس بمن يضحكك والذي يدلك على الخير تقول: جلسة رسمية، هذا واقع كثير من الناس الله يعفو ويسامح، فلنحرص على من يدلنا على الخير، ويكفنا عن الشر، ويقدم لنا ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، أما أهل الهزل وأهل المجون وأهل الفكاهة لا ينفعونا بشيء، ويبقى أن الدين -ولله الحمد- ترك لنا فرصة، يعني ديننا فيه فسحة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يمزح لكنه لا يقول إلا حقاً، فإذا تخلل الجلسات الطيبة النافعة المفيدة شيء من المرح والمزح الخفيف هذا لا بأس به، لا يضيق به ديننا -ولله الحمد- والمنة، على ألا نكذب، ولا نقول إلا حق، ولا نتعدى على غيرنا، ولا يدخل في كلامنا شيء مما يستلذ ويطاب من الاستطالة في أعراض الناس، والله المستعان.






الحديث التاسع والستون:






عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏لا يُلْدَغ المؤمن من جُحْرٍ واحدٍ مرتين)‏)‏ [متفق عليه]‏.‏


نعم هذا الحديث تمثيلي، هذا مثال محسوس لأمور معقولة، كل أمر أوقعك في ما لا تحب لا تعد إليه مرة ثانية، أبداً، وكل تصرف أوصلك إلى ما لا يرضي الله -جل وعلا- دعه واتركه، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحد مرتين، نعم أدخل يده في الجحر يريد شيئاً ينفعه فإذا فيه حية، هل يمكن أن يدخل يده مرة ثانية في الجحر نفسه؟ ما يمكن، وهكذا، إذا ذهبت إلى مكان وجدت فيه ما يسوؤك، هذا لا تعد إليه مرة ثانية، وجدت فيه ما يعوقك عن خير الدنيا والآخرة لا ترجع إليه مرة ثانية، فينبغي أن يكون المؤمن كيّساً فطناً حذراً غاية الحذر، ما هو يستدرج مرة ويقع في ورطة ثم يستدرج ثانية بنفس الأسلوب ونفس الطريقة ويوافق ويروح ويقع في هلكة، ويستدرج ثالثة هذا تغفيل، فعلى المسلم أن يكون فطناً لهذه الأمور، ويحرص على ما ينفعه.


أم الخطاب78 09-01-10 08:01 PM

الحديث السبعون:







عن أبي ذر الغِفاري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يا أبا ذَرٍّ، لا عقل كالتدبير، ولا وَرَع كالكفّ، ولا حَسَبَ كحُسْن الخلق‏))‏ [رواه البيهقي في شعب الإيمان]‏.


وهذا أيضاً حديث أبي ذر جندب بن جنادة حديث فيه كلام لأهل العلم والمرجح ضعفه أيضاً، ((لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق)) يعني جمل أشبه ما تكون بالحكم؛ لأنه ضعيف مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا عقل كالتدبير، التدبير التخطيط، الآن ما هو على مستوى الدول يقولون: التخطيط أساس التنمية، الإنسان إذا كان موظفاً ومرتبه مناسب متوسط قل: أسرة متوسطة راتبهم خمسة آلاف، إذا رتبت ودبرت هذا الراتب، وقسمت على أيام الشهر في يوم كذا، ميزانية، مثل ميزانية الدولة تجده يستمر إلى آخر الشهر بدون حرج؛ لكن بعض الناس يطلع راتبه اليوم ما تغاب شمس اليوم ما عنده من شيء، ويستمر طول الشهر في حكم الفقراء المعدمين، هل هذا من العقل؟ لا عقل كالتدبير هذه حكمة، فعلى الإنسان أن يوازن أموره، يوضب أموره، يقسم أموره، ويحتاط لنفسه، ويجعل لنوائبه ولضيوفه شيئاً يدخره، ولا يقصر على نفسه ولا يبخل ولا يشح، {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [(9) سورة الحشر] فالناس إما إفراط وإما تفريط، بعض الناس وهذه حاصلة واقعة توفي شخص مدرس، درس أربعين سنة من يوم كذا تاريخ كذا إلى وفاته فوجدت رواتبه من أول شهر، راتب كل شهر مربوط بحبل، كل شهر إلى وفاته، بدون نقص ولا هللة في علب كبيرة مكتوب على كل شهر شهره ويدفن في البيت، يوم توفي والله ما نقص شيء أبد، هل هذا تدبير؟ يعيش يتكفف الناس ويسألهم ولا أسرة، ولا تزوج وعايش في بيت حالته حالة، لا كهرب ولا ماء، ما في عنده شيء، والرواتب كل راتب بحبل مكتوب شهر كذا وفي العلبة، ولما توفي وجدوه، يرثه إخوانه وجدوا الرواتب كلها موجودة، ووجدوا عنده هناك عادات إذا تزوج في الأسرة بنت مثلاً يهدى إلى عمها مشلح، بشت، عباءة، ووجدوا هذه البشوت بشناط مركومة أكلتها الأرضة، بعدد بنات الأخوة، هل هذا يقبله عقل؟ بل هل هذا يتصوره عقل؟ وبالمقابل الثاني: الذي ما تغاب الشمس وعنده من راتبه ريال، ولذلك لا بد من التدبير، لا بد من التنظيم، ولا أفضل من التوجيه الإلهي {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [(29) سورة الإسراء] ملوم كل يلومك، زملاء اثنين على طرفي نقيض، واحد مبذر وواحد شحيح، المبذر صحيح أنه يستأنس إذا طلع الراتب الأيام اللي حوله، والثاني: صاكٍ على نفسه هذا الشحيح يقول لزميله: والله أنا غابطك مستأنس ومبسوط لا جيت تتسلف تقترض والله أني أرحمك، صحيح هذا واقع كثير من الناس، إما كذا وإما كذا، لكن قلة من الناس الذين لديهم العقل المدبر، تجد أمورهم ماشية، يعني إلى آخر الشهر ما عليه نقص، قد لا يوفر شيء ما يخالف؛ لكن ما يروح يسأل الناس.


((لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف)) لا ورع كالكف، رأيت هذه المادة تدري تأخذها تتركها، هذا جاءك في مسير فيه اسمك، وفيه دارهم مصروفة لك، شاك فيها هل أنت بالفعل عملت مقابل هذا المصروف أو لم تعمل؟ الورع أنك تترك، تكف عن هذا، ولا تؤول نفسك، وتقول: جاء من غير طلب ولا استشراف ولا شيء، هذا غير؛ لأن هذا الذي يأتي في مسير باسمك في مقابل عمل هو مشروط بهذا العمل، لا تقول: جاءني من غير طلب ولا استشراف، لا، هذا يختلف تماماً؛ لأنه مقرون بهذا العمل، فإن كنت قمت بهذا العمل تستحق وإلا فلا، وحينئذٍ الورع الكف.


((ولا حسب كحسن الخلق)) هذا الحسب، هذا الذي يمكن أن يمدح به الشخص، لا يمدح بأنه ابن فلان أو من القبيلة الفلانية أو العلانية وهو ناقص، إنما يمدح بحسن خلقه، وحسن تعامله مع الناس، احترامه للكبار، رحمته للصغار، إنزال الناس منازلهم، تعاملهم مع الناس على قدر عقولهم ومستوياتهم، هذا لا شك أنه هو الذي يمدح به الشخص.







الحديث الحادي والسبعون:





عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل، فقال‏:‏ يا رسول الله، أوصني‏.‏ فقال‏:‏ ((لا تغضب‏)) ثم ردَّدَ مراراً‏،‏ فقال‏:‏ ((لا تغضب‏))‏ [رواه البخاري]‏.


الغضب خلق ذميم يحمل صاحبه على التصرفات التي إذا عاد إلى رشده ندم عليها، وكم من شخص ملكه الغضب فتصرف تصرفاً أوقعه في حرجٍ طيل حياته، تكلم على شخص بكلمة، اعتدى على آخر بضرب، طلق زوجته، أفسد ماله بسبب الغضب، هذه النصيحة الغالية من النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) ثم ردده مراراً أوصني فقال: ((لا تغضب)) أوصني يا رسول الله، كأنه ما اقتنع بهذه الوصية، يعني لا تغضب وش غيرها؟ فقال: ((لا تغضب)) [رواه البخاري] لأن الإنسان إذا غضب لا شك أنه يفقد التوازن، ويتصرف تصرف يلام عليه، وقد يتصرف تصرفاً يودي بحياته، فما وجد القتل المقتضي للقصاص إلا بسبب الغضب، ما تجد أحد يقتل آخر وهو يضحك، ما يمكن؛ لكن في حال الغضب وحضور الشيطان يحصل القتل، وقل مثل هذا في الاعتداء بالضرب وغيره، فالغضب خلق ذميم، وصفة قبيحة تجر على صاحبها، أو تجر صاحبها إلى ما لا تحمد عقباه؛ لكن قد يقول قائل: أنا جبلت على هذا ونلاحظ من الناس من هو سريع الغضب؛ لكن عليه أن يكظم، والخلق بالتخلق، والصبر بالتصبر، فإذا جاهد نفسه على هذا أعانه الله -جل وعلا-، والغرائز كلها منها: ما هو جبلي مفطور عليه الشخص لا يستطيع أن يتنصل منه وهو قسم منها كبير مكتسب بالتخلق والتطبع، والله -جل وعلا- يعين الشخص إذا لجأ إليه بصدق.







الحديث الثاني والسبعون:







عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً فقال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس)) [رواه مسلم].


وهذا أيضاً خلق ذميم، مشين، وهو الكبر نسأل الله العافية، حذر منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد التحذير، ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) وهذا من نصوص الوعيد، لا شك أن هذا وعيد شديد بالنسبة لمن داخل قلبه شيء من الكبر، ولا شك أن الكبر قد يصل بالشخص إلى أن يرد الحق، ويبطر الحق عناداً ومحادةً، وحينئذٍ يكون الحديث على بابه، لا يدخل الجنة مثل هذا، ومن الكبر ما هو دون ذلك يخالط قلب الإنسان ويحتقر الناس؛ لكنه لا يصل إلى حدٍ يبطر الحق فيرده بالكلية، هذا أمره أقل مما سبق، وشأنه عظيم أيضاً؛ لأن احتقار الناس يتضمن العجب والغرور، الإعجاب بالنفس، وهذه خصلة ذميمة، وأثره على دين العبد بالغ وكبير.



والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ *** أعمال صاحبه في سيله العرمِ


العجب شأنه كبير، ومن لازم العجب بالنفس احتقار الناس، ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) نسأل الله السلامة والعافية، وعموماً الناس كلهم قاطبة يمقتون المتكبر، ولا يطيقون رؤيته، ولا مجالسته، فقال رجل: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة" لا شك أن مثل هذا قد يحمل بعض النفوس الدنيئة على الكبر، لبس ثوب حسن وإلا لبس بشت جديد وإلا ركب سيارة فارهة يحتقر الناس، هذا نوع من الكبر؛ لكن قد يلبس ثوباً حسناً ونعلاً حسنة، وبشتاً جميلاً، وسيارة فارهة، وقصراً منيفاً، ومع ذلك لا يتكبر على الناس، ولا يغمط الناس حقوقهم، هذا نعمة المال الصالح للرجل الصالح، ((إن الله جميل يحب الجمال)) فالإخبار عن الله -جل وعلا- بأنه جميل، وبأنه طيب، وبأنه وتر، هل من مقتضى ذلك أن تثبت هذه أسماء لله -جل وعلا-؟ يقال: الطيب؟ الوتر؟ الجميل؟ يعني من الأسماء الحسنى أو نقول: هذه إخبار، ودائرة الإخبار أوسع من أن يثبت فيها وصفاً فضلاً عن كونه يثبت فيها اسم، المسألة من أهل العلم من أثبت هذه الأسماء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافها إلى الله -جل وعلا-، وأثبت من أسمائه الطيب، ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) فأثبتوه من أسمائه؛ لكن الذي يظهر أنها أخبار عن الله -جل وعلا-، ودائرة الإخبار أوسع، ((الكبر بطر الحق، وغمط الناس)) احتقار الناس، ويلزم من احتقارهم التعدي عليهم بأخذ أموالهم، والاستطالة في أعراضهم وغير ذلك.







الحديث الثالث والسبعون:





عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه)) [رواه مسلم].


((قد أفلح من أسلم)) الفلاح هذه الكلمة المفردة لا يوجد غيرها يقوم مقامها ويعبر عنها بكلمةٍ واحدة أبداً؛ لأن الفلاح هو الجامع لخيري الدنيا والآخرة، الأمر الذي يجمع بين خيري الدنيا والآخرة هو الفلاح، كما أنه لا يوجد لكلمةٍ النصيحة بديل تقوم مقامها بكلمةٍ واحدة، كما قرر ذلك أهل العلم، هذا الفلاح هو الجمع بين خيري الدنيا والآخرة ((قد أفلح من أسلم)) والإسلام رأس الأمر؛ لأنه مهما بلغ من أمور الدنيا وحرم الإسلام هذا لن يفلح، ((قد أفلح من أسلم)) يعني انقاد لله -جل وعلا- ظاهراً وباطناً، ودان بالدين الذي لا يرضى الله -جل وعلا- سواه، وهو الإسلام، ((ورزق كفافاً)) يفلح من أسلم بحيث يكون مآله إلى مقر المفلحين {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [(1) سورة المؤمنون] ومقرهم الجنة، فإذا أسلم صار مقره الجنة، ((ورزق كفافاً)) يعني في الدنيا، كفافاً من غير زيادة ولا نقصان، لا يزيد في أموال تشغله، ولا ينقص رزقه عن قدر الحاجة، بحيث يحتاج إلى ما في أيدي الناس، إذا رزق الكفاف الذي يكفي، وبعض الناس عنده من الأموال ما يكفيه، ويكفي نسله إلى قيام الساعة، عنده ملايين، ومع ذلكم يلهث وراءها، وراء الدنيا يبحث عن أخرى، كثير من الناس أموالهم أرقام لا حقيقة لها، لا حقيقة لها أرقام إيش بيستفيد من القدر الزائد عن حاجته؟ إلا إذا سلط هذا المال على هلكته كما سيأتي، أما إذا كان القصد ما يقيم أوده، ويعينه على تحقيق الهدف وهو العبودية، ما زاد على ذلك وبال على صاحبه إلا ما سيأتي أن يقول به: هكذا وهكذا يصرفه.


((وقنعه الله بما آتاه)) رجل يكفيه في الشهر خمسة آلاف، ودخله خمسة آلاف بحيث إذا انتهى الشهر انتهى من غير زيادة ولا نقصان، ثم الشهر الثاني كذلك، والثالث كذلك؛ لكن إن كان يكفيه من غير زيادة ولا نقصان بحيث لا يحتاج إلى الناس؛ لكن الإشكال إذا كان يتبع نفسه أموال الآخرين، هذا عنده مليون، هذا عنده مليونين، وهذا عنده عشرة، وفلان عنده كذا، إذا لم يقنع بما آتاه الله -جل وعلا- هذا فقير؛ لأن الغنى غنا القلب، إذا أودع هذا القلب الغنى وأحس بهذه النعمة يرتاح، وإلا ثم ماذا؟ لو كان من أغنى الناس ويتلهف، أعطي وادي من ذهب ويريد ثاني وثالث؟ وبعدين؟ هذا يستمر فقيراً؛ لأنه يسعى وراء هذه الدنيا ويلهث كلهث الفقير إذاً ما الفرق؟ لا فرق؛ لكن إذا قنع بما آتاه الله هنا يكمل الغنى؛ لأن الغنى غنى القلب.







الحديث الرابع والسبعون:






عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال‏:‏ ‏"‏جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال‏:‏ يا رسول الله، عِظْني وأوجز‏،‏ فقال‏:‏ ((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع، ولا تَكَلم بكلام تعذر منه غداً، واجمع اليأس مما في أيدي الناس‏)‏) [رواه أحمد]‏.
هذا يطلب موعظة مختصرة من النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع)) صل صلاة مودع، والمودع يقبل على صلاته، لا شك أنه إذا عرف أن هذه الصلاة هي آخر ما يمثل بين يدي ربه -جل وعلا- لا شك أنه سوف يتقنها ويحسنها؛ لأن الأعمال بالخواتيم، فإذا صلى صلاة مودع واستحضر أنه لن يعود إلى الصلاة مرةً أخرى لا شك أن ذلك يبعثه على إحسانها وإتقانها، ((ولا تتكلم بكلامٍ تعتذر منه غداً)) يعني حاسب نفسك، وتأكد من سلامة الكلام الذي تنطق به، بحيث لا تتكلم بكلامٍ لا تحسب له حساب، ثم تضطر غداً إلى أن تعتذر منه، وهذا معروف أنه في الكلام الباطل هو الذي يعتذر منه، وأما الكلام الحق فلا عذر منه، وقل مثل هذا فيما يكتب.





فلا تكتب بكفك غير شيءٍ *** يسرك في القيامة أن تراه


لا تتكلم بكلامٍ إلا أن تحب أن تراه في صحفك، ما تتكلم بكلام ثم إذا دعيت ونوقشت في الحساب قلت: هذا الكلام زلت لسان، هذا كذا ما ينفع، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، ((وأجمع اليأس مما في أيدي الناس)) علق قلبك بربك، وثق به، ولا تلتف إلى ما في أيدي الناس، نعم قد تقول: أن الله -جل وعلا- ما ينزل دراهم وإلا ينزل قوت، ما في شيء مما في أيدي الناس، هؤلاء الناس آلات، والرزق بيد الله -جل وعلا-، هو الذي يصرف القلوب لتعطيك ما تعطيك، أو تكون سبباً في رزقك بالتعامل معها، فالله -جل وعلا- هو المعطي، نعم هؤلاء أسباب، هذا سبب أوصل الله -جل وعلا- إليك هذا المال، وهذا الطعام، وهذا الكساء، وهذا الغداء بسبب هذا الرجل، وكثير من المحتاجين إذا دخل على تاجر فلم يعطه شيئاً لامه، الله -جل وعلا- هو المعطي، الجأ إلى ربك بصدق وسوف يغنيك عن فلان وفلان.
الحديث الخامس والسبعون: عن مصعب بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ (‏(‏هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم‏؟‏‏)‏) [رواه البخاري]‏.‏
هذا الحديث: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) هذا الحديث الصحيح يدل على أن الرزق والنصر الذي يتصوره الأغنياء الأقوياء أنهم هم السبب المؤثر فيه، الحديث على عكس ما يتصورون، وكم من شخص ابتلي بالفقر مدة طويلة فرزق مولوداً معوقاً فانصب الرزق بسببه، تجده طيلة عمره قوي البنية، شديد البأس، يضرب في الأسواق، يحضر الأسواق مع أول الناس ولا ينصرف إلا آخرهم، ومع ذلك يعيش فقيراً، ثم بعد ذلك يرزق بمعتوه أو أبله أو مقعد أو مشلول ثم يرزق، ((هل ترزقون إلا بضعفائكم؟)) فكثير من الناس الآن يعاني من كونه يعول أسرة ضعفاء فيهم كثرة، ويضيق بهم ذرعاً، عنده أسر، وعنده كذا وكذا، ويحتاجون إلى أموال، يا أخي ما تدري وش وضعك لولا هذه الأسرة، يمكن أن الله -جل وعلا- ما ساق لك هذه الأرزاق إلا بسببهم، وكثير من الناس يضيق ذرعاً إذا ولد له ولد مشوه، وكثير من الناس والنساء على وجه الخصوص في حال الحمل تسأل عن الإجهاض إذا تبين لدى الأطباء أن الولد مشوه أو معوق أو ناقص الخلقة، لا يجوز بحال الاعتداء عليه، هو مصيبة من المصائب عليك الصبر والاحتساب، وأن تبذل كل ما تستطيع في إنقاذ حياته كغيره من الأسوياء، وأجرك عند الله -جل وعلا- عظيم، وقد ترزق بسببه، وأيضاً هؤلاء الضعفاء الذين ينظر إليهم الناس نظرة ازدراء، وأن وجودهم في المجتمع وبال، يمكن النصر يكون بسببهم؛ لأن التاجر والقوي، قوي البنية كثيراً ما يصابون بالإعجاب، وينسبون بعض النتائج إلى قوتهم، إلى حولهم وطولهم، لا، لا، ما تدري، لو يصدقون هذا الحديث ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) نعم الضعيف قريب من الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يعتد بقوة، ولا يأوي إلى مال ولا شيء، إنما علاقته وارتباطه بربه، ومثل هذا في الغالب يكون قلبه سليماً بخلاف من دخله غرور القوة والغنى، والغنى في الغالب أنه يطغي صاحبه، وكذلك القوة، ولذا يسأل الإنسان ربه صحة لكن لا تلهيه عن شكر الله -جل وعلا-، وعن عبادته، ويسأله غنى لكن لا يطغيه عن معرفة قدر نفسه، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 16-01-10 02:01 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



:icon57:يسر الله لكن العلم النافع الخالص:icon57:

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من هنــا مقرر
:icony6:الشريط التاسع:icony6:


أم الخطاب78 16-01-10 02:06 AM

الشريط التاسع

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير

  • نبذة عن المحاضرة :
    • من الحديث السادس والسبعون(قاتل ومقتول في الجنة) إلى الحديث السادس والثمانون(الاتباع في المناسك).

أم الخطاب78 21-01-10 03:54 AM

الشريط العاشر

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي

عبد الكريم بن عبد الله الخضير


  • نبذة عن المحاضرة :
    • من الحديث السابع والثمانون (ثواب سورة الإخلاص) إلى الحديث التاسع والتسعون والأخير(فضل المؤمن آخر الزمان) .

أم الخطاب78 21-01-10 04:21 AM

مقرر الشريط العـــاشر والأخيـــر لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (10)



شرح حديث: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏‏ تعدل..) وحديث: (لا حسد إلا في اثنتين..) وحديث: (اللهم إني أسألك الهدى..) وحديث: (من أحب أن يزحزح عن النار..) وحديث: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً..) وحديث: (خذي من ماله بالمعروف..) وحديث: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان..) وحديث: ( كُلْ واشرب..) وحديث: (تلك عاجل بشرى المؤمن..) وحديث: (رضا الله في رضا الوالدين..) وحديث: (ثلاث لا يَغُلُّ..) وحديث: (إنما الناس كالإبل المائة‏..) وحديث: (يأتي على الناس زمان القابض على دينه..)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ وآله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، وصدق اتباعٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فيقول العلامة المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله-، وغفر له، ولنا، ولشيخنا أجمعين.




الحديث السابع والثمانون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏‏(({‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ تعدل ثلث القرآن))‏
[رواه مسلم]‏.
نعم هذا الحديث العظيم الذي فيه أن سورة الإخلاص على قصرها تعدل ثلث القرآن، ولا شك أن هذا من فضل الله -جل وعلا-، ورحمته بعباده، ثلث القرآن كم تستغرق من الوقت؟ لو قرأ الواحد قل هو الله أحد عشر مرات، أو أكثر، أو مائة، ما تأخذ وقت، ومع ذلكم قراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، والتمس أهل العلم لهذا التعديل وجه، فرأوا من ذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية، وله مصنف في هذه المسألة، جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، مصنف نفيس، وله أيضاً تفسير سورة الإخلاص؛ لكن التعديل يرى جمع من أهل العلم أن القرآن مشتمل على أحكام، ومشتمل على قصص، ومشتمل على عقائد تتعلق بالله -جل وعلا-، وهذا هو أعظمها، وهو الذي اشتملت عليه هذه الآية، فما يتعلق بتوحيد الله -جل وعلا-، وإثبات ما يجب إثباته له، وإفراده بالوحدانية فهو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، هذه تضمنته هذه السورة، وتضمن قسم آخر من القرآن الأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة، وقسم ثالث اشتمل على القصص والأخبار التي ذكرت للعظة والاعتبار {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [(111) سورة يوسف] ما كان حديثاً يفترى، ما هو مجرد قصص وتسلية، لا، للعبرة والاعتبار، قد مضى القوم كما قال عمر -رضي الله عنه-: مضى القوم ولم يرد به سوانا، فعلينا أن نعتبر بما قصه الله -جل وعلا- في كتابه، وعلينا أن نعمل بما جاء في الكتاب من الأوامر والنواهي، وعلينا أن نعتقد ما تضمنه هذا الكتاب العظيم من عقائد فيما يتعلق بالله -جل وعلا- بأسمائه وصفاته وتنزيهه ومماثلة المخلوقين له.




الحديث الثامن والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ ‏((‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق‏،‏ ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها‏))[متفق عليه‏].‏

((لا حسد إلا في اثنتين)) جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة في ذم الحسد، وجاء ما يدل على أنه يأكل الحسنات، وأنه داء من أدواء القلب، ويحتاج إلى علاج، وأن القلب السليم المنجي النافع بريء من الحسد، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت الحسد في مسألتين: ((لا حسد إلا في اثنتين)) الحسد إن كان الحاسد يتمنى زوال النعمة عن المحسود، فهذا هو المذموم، وإن كان الحاسد لا يتمنى زوال النعمة عن المحسود، بل يتمنى لنفسه نظير هذه النعمة فهذه هي الغبطة المحمودة الواردة في هذا الحديث، ((لا حسد)) يعني لا غبطة بأن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل ما لفلان، ((لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطته على هلكته في الحق)) يعني يدور مع الحق حيثما دار من غير إسرافٍ ولا تقتير، يعطي فلاناً ويعطي فلاناً المحتاج، ويعطي.. ينفقه في سبيل الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث: ((ما يسرني أن لي مثل أحدٍ ذهباً تأتي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله ويساره وأمامه ومن خلفه، هذه فائدة المال، أما المال يكنز ويدخر في البيوت ويراقب زاد وإلا نقص، هذا وبال على صاحبه، ما فائدة المال الذي إذا زاد شيئاً يسيراً احتاج صاحبه إلى علاج، إذا نقص شيئاً يسيراً احتاج إلى علاج، يراقب الشاشات زاد الضغط يحتاج إلى حبة هذه للضغط، نزل يحتاج إلى حبة سكر، هذا مال؟ هذا وبال على صاحبه، عذاب في الدنيا قبل الآخرة؛ لكن وجود المال الصالح عند الرجل الصالح ينفقه على المحتاجين، ينفع به نفسه، يقدمه لآخرته نعم، هذا المغبون، ((فسلطه الله على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) الحكمة إذا اقترنت مع القرآن، فالمراد بها السنة، وإذا تفردت شملت ما جاء في الكتاب والسنة، يعني رجلاً آتاه الله علماً شرعياً، مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- استفاد من هذا العلم في نفسه، وأفاد غيره، علمه الناس، وقضى بينهم، فقد تعلم، ثم عمل، ثم علّم، وبهذا استحق أن يكون ربانياً إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا-، هذا الذي يستحق أن يحسد، هذا الذي يستحق أن يغبط، أما شخص تعلم علماً مهما حصل بواسطته من وظائف الدنيا؛ لكنه لا يعمل به، ولا يعلمه، هذا وبال عليه، والله المستعان.
الحديث التاسع والثمانون: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-‏:‏ ‏"‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو، فيقول‏:‏ ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى‏))
[رواه مسلم]‏.‏




هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، الهدى والتقى، يسأل الله -جل وعلا- الهدى، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، والتقى أن ييسر له فعل الأوامر، ويكفه عن فعل ما حرمه عليه، هذا بالنسبة لأمور الدين، وأن يرزقه العفاف، والعفاف في الكفاف كما تقدم، يعفه عما في أيدي الناس، والغنى يغنيه عما في أيديهم، فلا يحتاج إلى أن يتكفف الناس، وينزل بهم حوائجه، إنما يرتبط بربه -جل وعلا-، الذي أغناه عنهم.



الحديث التسعون: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة‏، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر‏،‏ وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه‏))‏
[رواه مسلم]‏.‏
حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة)) فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فاز، الذي يسمع هذا الكلام في كتاب الله -جل وعلا- تتوق نفسه إلى هذه الزحزحة، وإدخال الجنة، تتوق نفسه إلى هذا الفوز؛ لكن بالأماني؟ يتمنى فقط؟ ((من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) لا بد من الإيمان بالله -جل وعلا-، وإلا إذا كان غير مؤمن بالله -جل وعلا-، الجنة عليه حرام، مصيره إلى النار، نسأل الله العافية، خالداً مخلد؛ لأن الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام؛ لأنه لا يقول قائل: قد لا يتصف بالإيمان، ويتصف بالإسلام، ومآله إلى الجنة، نقول: الإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام، فمن ليس بمسلم، وليس بمؤمن هذا من أهل النار، فإذا أراد أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة يأتي بالشرط الأول وهو الإيمان، لا بد أن يكون متلبساً بهذا الوصف الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر، ((وليأت إلى الناس)) هذا بالنسبة لمعاملة الخالق الإيمان، ومعاملة المخلوق يكون محسناً في تعامله مع ربه، ومع خلقه بأن يأتي للناس الشيء الذي يحب إن يؤتى إليه، أي تصرف تتصرفه مع أخيك المسلم لا بد أن تعرضه على نفسك، وتفكر فيه لو أن هذا التصرف صدر منه إليّ، هل أقبل هذا التصرف وإلا لا؟ إن كنت تقبله لا بأس، إن كنت لا تقبله توقف، إذا كنت تمزح مع صاحبك، وتثقل عليه بالمزح، هل أنت ترضى مثل هذا المزح لنفسك؟ يعني لو صدر منه تتحمل؟ إذا كنت تتحمل فالمسألة مرفوعة، الكلفة مرفوعة بينك وبين صاحبك، امزح معه، إذا كنت لا تتحمل مثل هذه التصرفات فلا تتصرف فيها مع إخوانك، ((وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه))، والله أعلم.


أم الخطاب78 21-01-10 04:22 AM

الحديث الحادي والتسعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً‏:‏ فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا‏، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال‏))‏ [رواه مسلم]‏.
نعم، هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً)) يعني ثلاثاً من الخصال، ويكره ثلاثاً، والكراهية أعم من أن تكون كراهية اصطلاحية أو شرعية؛ لأن فيها محرمات، نعم قد تصل هذه الأوصاف المكروهة أو الخصال المكروهة إلى حد الكراهة الاصطلاحية، وقد ترقى إلى حد التحريم، فالكراهة بعمومها تتناول الأمرين، وتشمل الأمرين، إن الله يرضى ويكره، فيه إثبات صفة الرضا والكراهية لله -جل وعلا-، على ما يليق بالله -جل وعلا- بجلاله وعظمته من غير مشابهةٍ للمخلوق، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] إن الله يرضى لكم ثلاثاً، يعني من الخصال ويكره لكم ثلاثاً منها: ((فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)) تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ومقتضاه كلمة التوحيد، وهذا هو حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ((وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً)) لا بد من الاعتصام بحبل الله -جل وعلا-، بالكتاب والسنة، كما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- على هديه، وكتب السنة فيها كتاب اسمه كتاب الاعتصام في الكتاب والسنة، الاعتصام بالكتاب والسنة يتأكد لا سيما في مثل هذه الأيام إدامة النظر في مثل هذه الأبواب، فالاعتصام {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [(103) سورة آل عمران] وقد جاء الأمر بذلك في الكتاب والسنة، اعتصموا بالدين، اجتمعوا على الدين الحق، ولا تتفرقوا، تختلفوا، تنازعوا، تفرق بكم السبل فتفشلوا، ولا شك أن القوة في الاعتصام والاجتماع، والضعف لا شك أنه في التفرق، ((ويكره لكم قيل وقال)) الكلام قيل وقال، قيل كذا وقيل كذا، الأخبار قالت كذا، القنوات قالت كذا، الصحف قالت كذا، وكلها إشاعات، لا تستند إلى حقائق، إشاعات ممرضة مقلقة، تبعث على اليأس، وعلى الخمول، قيل وقال، يعني ظهر هذا الإعجاز النبوي في هذه العصور، في أجلى صوره، الناس مجالسهم كلها قيل وقال، وهذا مكروه عند الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه من هذه الأمور، وهذه التصرفات، ((يكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال)) فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه، ويحفظ سمعه، ويحفظ بصره، يحفظ جوارحه؛ لأن هذا القيل سُمع، ثم تٌكلم به، وقد يكون رٌؤي، وقد يكون القائل كافر، وقد يكون بغي من خلال هذه القنوات، كم من مصيبة، وكم من مشكلة أورثتها هذه القنوات، والإشاعات التي لا تستند إلى أصل لا تفيد العلم، ما تفيده شيئاً، إنما ضررها محقق، ونفعها مظنون إن وجد، ((وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) لا شك أن الشرع عظم من شأن المال، وحفظ الأموال من حفظ الضرورات التي جاءت الشرائع بها، فلا يجوز للإنسان أن يضيع ماله فيما لا ينفع، بل عليه أن يحفظ ماله عن السفهاء {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} [(5) سورة النساء] وهذا في المباحات، يجب حفظه وتبليغه في المباحات فضلاً عن المحرمات، فإضاعة المال حرام، وإذا كانت في أمورٍ محرمة زاد الأمر تحريماً.
الحديث الثاني والتسعون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ ‏"‏دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت‏:‏ يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه‏، فهل عليَّ في ذلك من جناح‏؟‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك‏))[متفق عليه]‏.
النفقة على الزوجة وعلى الأولاد وعلى الأقارب واجبة في حق الزوج، الوالد، الولد إن كان قادراً وأبواه عاجزان عليه نفقتهم، تجب عليه النفقة، ويأثم بالبخل بها، وعدم أدائها إلى مستحقها، كما أنه يأثم أيضاً بالتقصير فيها، لا بد أن يؤدي ما أوجب الله عليه، هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان صخر بن حرب جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وشكت عليه، شكت زوجها، وذكرت أنه رجل شحيح، ولا شك أنه يكره هذه الكلمة؛ لكن الحاجة داعية إليها، في حال الاستفتاء، وفي حال القضاء، وفي حال المشورة وغيرها، لا مانع أن يذكر الإنسان بما يكره إذا لم يقصد بذلك عيبه وتنقصه، إنما هو تصوير للواقع؛ لأن الفتوى لا بد أن تكون بعد فهم السؤال، لو قالت: إن أبا سفيان لا يعطيني من النفقة ما يكفيني إذا كان، لاحتمل أن يكون أحياناً دون أحيان؛ لكن ما دام رجل شحيح صارت هذه عادته المضطردة، فتتغير الفتوى تبعاً لذلك، "لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني" ونفقتهم واجبة عليه، "إلا ما أخذته من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف))" لا تجوز الزيادة على ما يكفي أبداً؛ لأن الزيادة من مال الزوج أو من مال الوالد أكثر من الحاجة، حاجة النفقة، هذه خيانة واختلاس، ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) ومثل هذه الأمور في أبواب النفقات وغيرها متروكة إلى العرف؛ لأنه ما تحدد بمبلغ معين قد يكون في وقتٍ من الأوقات قليل جداً، أو لا يكون شيء النسبة إلى ما يستحق، وأحياناً يكون كثيراً، إن مثل هذه الأمور متروك تحديدها إلى العرف، مسألة عند أهل العلم مسألة الظفر هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، لك مال عن شخصٍ من الأشخاص فجحد هذا المال قال: أنا ما عندي شيء، لا شيء لك عندي، فظفرت بشيءٍ من ماله، أقرضت زميلك مائة ريال، قلت له قال: أبد ما عندي لك شيء، ظفرت من ماله كتاب يسوى له مائة، قلت: جت فرصة آخذه، يجوز وإلا ما يجوز؟ من غيره علمه، وليس عندك ما تثبت به حقك لإقامة الدعوى المسألة خلافية، من أهل العلم أخذاً من هذا الحديث يقول: يأخذ، على أن لا يتعدى ولا يزيد على ما له عنده، عليه أن يأخذ بقدر ما عليه، وحينئذٍ أخذ، حصل وظفر بحقه كما هنا، ومنهم من يقول: أبداً ليس له ذلك البتة، استدلالاً بحديث: ((أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) لكن هذا الحديث يدل على أنه إذا كان السبب ظاهراً، إذا كان السبب ظاهر، مثل النفقة، السبب ظاهر بحيث لا تنسب إلى خيانة إذا أخذ جاز لك ذلك، وإلا فلا، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة.
الحديث الثالث والتسعون: عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان‏))‏ [متفق عليه]‏.‏
نعم هذا الحديث حديث أبي بكرة النفيع بن الحارث -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان)) الغضب لا شك أنه يحول بين المرء وبين التصور الصحيح، يغطي العقل، أو شيئاً من العقل؛ لأنه يتفاوت من شخص إلى آخر؛ لأنه لا يمكن من النظر الصحيح في القضية، فلا يجوز للإنسان أن يقضي بين اثنين وهو غضبان؛ لأنه لا يتمكن من النظر في الصحيح في القضية، وقل مثل هذا في الإفتاء مثلاً، والتدريس إذا كان غضبان قد يتكلم بكلام غير مناسب، وإذا كان السبب التشويش على الذهن وعدم الاستيعاب، مثله أيضاً الجوع الشديد، الحر الشديد، البرد الشديد، وغير ذلك من المؤثرات؛ لكن إذا قضى بين اثنين وهو غضبان، وصار حكمه وقضاؤه صحيحاً مثل هذا ينفذ حكمه، وليس بباطل؛ لكنه ارتكب محرماً.
الحديث الرابع والتسعون: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏كُلْ واشرب، والبَسْ وتصدق، من غير سَرَف ولا مَخيلة‏))[رواه أحمد وأبو داود‏،‏ وعلقه البخاري]‏.‏
علقه البخاري بهذا الإسناد وإلا عن عبد الله بن عمرو؟ إيش يقول؟
طالب: ...... قال في تبويبه: باب قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [(32) سورة الأعراف] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بدون إسناد، يحذف الإسناد؛ لأن هذا الإسناد ليس على شرطه.
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل واشرب)) هذا أمر معلوم أن كل إنسان لا بد أن يأكل، ولا بد أن يشرب، ولا بد أن يلبس، وعليه أن يتصدق؛ لكن مع ذلكم لا بد أن يتوسط في أموره كلها من غير سرفٍ ولا مخيلة، عليه أن يأكل ويشرب {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [(31) سورة الأعراف] ولذا قال: ((من غير سرف)) من غير مجاوزة للحد، من غير تبذير، فإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، ((ولا مخيلة)) لا تختال في ذلك على الناس، ولا تتكبر عليهم، ولا تغتر بمدحهم ولا ثنائهم، إنما عليك أن تلاحظ خالقك وما يرضيه، أما أن تأكل وتشرب من أجل أن يقال، ومن أجل أن، تلبس ومن أجل أن يقال، كل هذا لا قيمة له، عليك أن تتوسط في أمورك كلها، في أكلك، في شربك، في لبسك، في صدقتك، يأتيك الرجل يطلب، محتاج مبلغ يسير تعطيه أضعاف أضعاف مضاعفة لهذا المبلغ، القدر الزائد اصرفه لآخر، لا تسرف في مثل هذا، ((ولا مخيلة)) لأن بعض الناس وجد، نسأل الله العافية من بعض التجار أنه إذا كان بين زملائه وأقرانه يأتيه الفقير يعطيه المبالغ الكبيرة، وإذا كان بمفرده قد لا يعطيه شيئاً، أو يعطيه شيء يسير، هذا أمر خطير، بل تعدى الأمر عند بعضهم أن يصرف للفقير شيك، اصرفوا لأمر فلان مبلغ مائة ألف، ينصرف المسكين، ويدخل هذا يكلم على التلفون يحجز المبلغ، نسأل الله السلامة والعافية، يصل الأمر إلى هذا الحد عند بعض الناس؟ واحد بين الزملاء جاءه سائل، فأحضر له كيساً كبيراً مملوء بالدراهم مربوط، وقال: استلم، يوم طلع الفقير هذا وإذا هن ريالات، الحاضرين يظنونها مليون، وهي ثلاثة آلاف من فئة ريال، مثل هذه الأمور يخشى على الإنسان من أن ينتكس، من أن يسلب هذه النعمة، من أن يتكفف الناس بدلاً من أن يكون محسناً إليهم، نسأل الله العافية والسلامة.
الحديث الخامس والتسعون: عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال‏:‏ ‏‏قيل‏:‏ يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده -أو يحبه- الناس عليه‏؟‏ قال‏:‏ ((تلك عاجل بشرى المؤمن‏))[رواه مسلم]‏.‏
نعم، يعني بالمقابل بدلاً من أن يسعى أن يحمده الناس على ذلك، ويعمل من أجل الناس إذا مدحه الناس وحمدوه من غير سببٍ منه، هو يفعل الخير لله -جل وعلا-، يعمل الخير، "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير" مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا- ثم بعد ذلك الناس يمدحونه، ترتب على ذلك مدح الناس وحمدهم، قال: إذا لم له سبب من ذلك، ولا أثر له في نفسه، لا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن؛ لأن الناس إذا اتفق ألسنتهم على مدح شخص، هم شهود الله في أرضه، شهداء الله في أرضه، لما أثنوا على الجنازة خيراً قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وجبت، وجبت، وجبت)) يعني وجبت له الجنة، هذا إذا لم يكن بتعرضٍ منه؛ لأن بعض الناس يحب المدح والثناء، ولا شك أن هذا قادح، أما إذا حصل المدح والثناء من غير تعرضٍ ومن غير محبة، ومن غير تأثير عليه، فلا شك أن هذه عاجل بشرى المؤمن، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-" كما قال الأعرابي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أعطني يا محمد فإن مدحي زين وذمي شين" قال: ((ذاك الله -عز وجل-)) مو بأنت، فالإنسان يكون على بينةٍ من هذا، والقلوب بيد الله -جل وعلا-، يعني شخص ما نفعك بشيءٍ طول عمرك، أو ما تعدى نفعه إلى كثيرٍ من الناس؛ لكن بينه وبين ربه معاملة خفية، تجد جنازته مشهودة، تذهل كيف حضر الناس؟ من أجل إيش؟ الناس شهداء الله في أرضه، والله -جل وعلا- هو الذي يصرف ألسنة الناس، وأفعال الناس، الناس ما يساقون بالعصي، جاء شخص إلى يزيد بن عبد الملك فقال له: إن أباك أعطاني أرضاً في المحل الفلاني -عبد الملك- فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: عجب، الذي أعطاك ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: يا أخي ما هو أنا الذي أقول، الناس كلهم تقوله؟ نعم يا أخي الإنسان ما يستطيع أن يقدم لنفسه شيء؛ لكن عليه أن يقدم ما يرضي الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- هو الذي يجعل الناس يحبونه ويمدحونه؛ لكن لا، الحذر من أن يكون لهذا المدح أو الأثر أثر، أن يكون له أثر، أو استشراف، أو يحب أن يمدحه الناس، في الحديث: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم فأفسد لهما على العبد المؤمن من حب الشرف والمال)) حب رئاسة، يحب مال، وده يصير رئيس، يصير مدير، على شان إيش؟ والله المستعان.
الحديث السادس والتسعون: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏رضا الله في رضا الوالدين‏،‏ وسخط الله في سخط الوالدين‏))[أخرجه الترمذي‏،‏ وصححه ابن حبان والحاكم]‏.
هذا حديث من أدلة البر الكثيرة، بر الوالدين والإحسان إليهما، فكل ما يكون سبباً في رضا الوالدين فهو مرضٍ لله -جل وعلا-، وكل ما يكون مسخطاً للوالدين فهو مسخط لله -جل وعلا-، شريطة أن يكون الوالدان أهل خير وفضل واستقامة، أما إذا كانوا أهل فساد، يأمرون الولد، ويرضيهم ما يسخط الله -جل وعلا-، فلا رضي البتة، لا رضى لهما، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لكن المسألة في والدين مسلمين محبين للخير، يبغضان عن الشر وأهله، لا يأمران بمعصية، فمثل هؤلاء رضا الله في رضاهم، فلا بد من إرضائهم، ولا يجوز إسخاطهما البتة؛ لكن إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الحديث السابع والتسعون: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب مسلم‏:‏ إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم‏))‏ [رواه الترمذي والشافعي وغيرهما].
كذا عندكم؟ التخريج وش يقول؟
طالب: هنا يا شيخ يقول: أخرجه الترمذي.
أنا عندي رواه مسلم.
طالب: عندي رواه الترمذي يا شيخ هنا.
طالب: يقول: وقد ورد في بعض نسخ الكتاب أن المؤلف عزاه إلى صحيح مسلم، وليس بصواب، والصحيح ما أثبته، والله أعلم.
يعني أثبته من نسخة وإلا تصحيح منه؟
طالب: تصحيح تخريج يمكن.
ما ينفع تخريج يتصرف في الكتاب، يبقى كما هو (رواه مسلم) ويعلق يقول: الصواب كذا، هذا الأصل، لا يتصرف في كتب الناس، يبقى كما هو، يقول: رواه مسلم، ولم أجده في صحيح مسلم، والصواب كذا، على كل حال الحديث لا إشكال فيه، صحيح، ((ثلاث لا يغل)) يعني لا يبقى في قلب مؤمن غل معها، إذا اجتمعت في قلب مؤمن فإنه لن ينطوي على غل، ((لا يغل عليهن قلب مسلم)) يعني معهن قلب مسلم، ((إخلاص العمل لله)) إخلاص العمل هذا شرط في صحة كل عبادة، هذا بالنسبة لما يتعلق بمعاملة الخالق، وأيضاً ((مناصحة ولاة الأمور)) وقد سبق هذا الأمر في الدين النصيحة لأئمة المسلمين ((مناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين)) لأن الشذوذ على المسلمين خطر، والذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، لا يجوز للإنسان أن يشذ عن عموم المسلمين، لا برأيه، ولا بفعله، ولا بنفسه، إلا في أوقات الفتن التي يخشى على نفسه منها، فيوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع فيها شعف الجبال، فإذا توافرت هذه الأمور: الإخلاص، والمناصحة، ولزوم الجماعة، فإن قلب هذا المسلم الذي توافرت لديه لا ينطوي على غل، فلنحرص على ما ذكر.
الحديث الثامن والتسعون: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إنما الناس كالإبل المائة‏،‏ لا تكاد تجد فيها راحلة‏))‏ [متفق عليه]‏.
هذا الحديث يبين أن الناس عددهم كثير، كما أن الإبل عدد كثير، وصاحب الإبل تجد عنده مائة رأس من الإبل، ويريد أن يرتحل واحدةً منها لا يكاد يجد واحدة، وما كل الإبل، ما كل الجمال، ما كل النوق تصلح لأن تركب، الراحلة أحياناً تكون واحدة في الذود، في القطيع، في المجموعة، فالناس مثله، تبحث عن شخص يصلح لهذا المنصب تتعب، ومن ولاه أمر المسلمين يجد مشقّة حينما يفقد شخص كفؤ في مكانٍ مناسب يضع مكانه آخر؛ لكن مع ذلك عليه أن يسدد ويقارب، وأن يمحظ النصح للأمة، وأن يختار لهذا العمل أفضل الناس، وأولى من يقوم به، لماذا؟ لأنه إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، نعم كثير من الأعمال قد يصعب أن تجد من تتوافر فيه الشروط، انزل درجة، لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالناس كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كالإبل المائة)) يعني تبحث في مجموعة، بلد كامل تريد أمير عليهم قد لا تجد، تجيب لهم أمير من غيرهم، تجد قاضي من هذا البلد، قد لا تجده، تأتي من بلدٍ آخر، هذا لا تتوافر في الشروط، هذا ما يصلح، هذا اختل فيه شرط هذا كذا؛ لكن عليه أن يسعى جاهداً في اختيار الأصلح، لمن يصلح لأمور الناس، ويصلح شؤون الناس، ويسير أمور الناس، ويقيم حدود الله -جل وعلا- في الناس، فإذا تعدينا مثل هذا، وعيّن غير الأكفأ فقد وسد الأمر إلى غير أهله، وهذا لا يجوز بحال؛ لكن إذا لم نجد من تتوافر فيه الشروط ننزل في الشروط، اتقوا الله ما استطعتم.
الحديث التاسع والتسعون: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر‏))‏ [رواه الترمذي]‏.
الحديث الأخير حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر)) يعني الشخص المستقيم على دين الله -جل وعلا- في بعض الأوقات، وفي بعض الأماكن لا سيما في آخر الزمان حينما تكثر الفتن، لا شك أن الملتزم المتمسك بدينه وضعه شديد، وحياته مقلقة، تجده في نزاع، وفي صراع مع أهله، مع جيرانه، مع نفسه الأمارة، مع.. كالقابض على الجمر، فهو مع قبضه على الجمر يصارع ويعاني بس متى يفلت يده من هذا الجمر؟ على مشقة، وعلى شدةٍ شديدة، فعلى الإنسان أن يسعى جاهداً أن يحافظ على دينه، وأن لا يتنازل عن شيءٍ من دينه مهما كلفه الأمر حتى يلقى الله -جل وعلا-، أما من يتنازلون عن.. نسأل الله السلامة والعافية عن دين، عن عرض، في مقابل عرض الدنيا، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فتن تكون في آخر الزمان، يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر، يمسي مؤمن ويصبح كافر، كل هذا من المغريات والملهيات والضغوط الشديدة، الضغوط النفسية، الضغوط الأسرية، الضغوط الاجتماعية، تجد من...، لا يجد من يعينه على الثبات، فليحرص الإنسان على أن يعتصم بكتاب الله -جل وعلا-، وأن يكون ديدنه النظر في كتاب الله، وأن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وهذا هو المعين، وهو المثبت بإذن الله -جل وعلا-، والمخرج فيه من جميع الفتن.
وهذا أخ من الإخوان يطلب كلمة توجيهية للطلاب عوضاً عن إجابة الأسئلة، وتوديعاً للطلاب، وهم على أهبة السفر إلى أقطارهم البعيدة، حاجتهم الماسة إلى وصيةٍ عن طلب العلم، وتعليم الناس، ودعوتهم، وتحمل مسؤولية ما تعلموا، فقد جاءت عدة أوراق تطلب ذلك.
هذا يطلب كلمة توجيهية للطلاب، لا شك أن الطلاب سمعوا ما سمعوا من الحث على تعلم العلم، مخلصين في ذلك لله -جل وعلا-، حريصين على التطبيق، تطبيق ما تعلموا؛ لأنه لا فائدة من العلم بدون عمل أبداً، علم بدون عمل لا قيمة له، فعلينا أن نسعى جاهدين بأخذ العلم من مصادره، من الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، من أهله المعروفين بالعلم والعمل والتحقيق، على الجادة المعروفة عند أهل العلم، على الترتيب المرتب عند أهله، على..، مع الرفق واللين والحرص على نفع الناس بقدر الإمكان، يسعى المسلم جاهداً في نفع الخلق، وخير الناس أنفعهم للناس، ولا شك أن هذا النفع المتعدي لا يقدر قدره، ومن دل إلى هدى كان له مثل أجر فاعله، من دل على هدى فله مثل أجر فاعله، فبعض الناس يلقي كلمة في المسجد بين عوام، يظن أنها في خمس دقائق، أو ثلاث دقائق، تخرج من قلب ينتفع بها شخص واحد، ما تتصور كيف تنفع هذا الشخص؟ وكيف يكون أثرها في حياة هذا الشخص؟ فكيف إذا انتفع بها أكثر من واحد؟ فكيف إذا تكرر هذا الفعل من هذا الفاعل أكثر من مرة؟ فعلينا أن لا نحتقر أنفسنا، أولاً: نتحصن بالعلم النافع، بالعقيدة الصحيحة الصافية، نحقق التوحيد من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ثم بعد ذلك ندعو إلى الله على بصيرة، نتعلم أحكام العبادات، لنعبد الله على ما يريد، نتعلم أحكام المعاملات؛ لكي نتعامل مع الناس على مقتضى الشرع، ونوجه الناس؛ لتكون معاملاتهم صحيحة سليمة، وغير ذلك من أبواب الدين، والمعنى في أبواب الدين المهجورة، كأبواب الدعوات مثلاً، أبواب الدعوات، لا تجد درس في دروس أهل العلم يدرس كتاب الدعوات، لا تكاد تجد درس يدرس كتاب الرقاق، لا تجد من يدرس الفتن إلا القليل النادر، الناس في أمس الحاجة إلى هذه الأمور، وكلها من أبواب الدين، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 21-01-10 04:27 AM

للتحميل الصوتي والتفريغ الكتابي بصيغتين من هنـــا

(( أضغطي على الأيقونة ))


7
7
7
7



:icony6:http://www.khudheir.com/sites/defaul.../images/rm.jpg :icony6:


:icon57:http://www.khudheir.com/sites/defaul...images/mp3.jpg:icon57:



:icon57:http://www.khudheir.com/sites/defaul...images/pdf.jpg:icon57:



:icony6:http://www.khudheir.com/sites/defaul...images/doc.jpg:icony6:


تم بحمد الله
ووفق الله الجميع


الساعة الآن 12:50 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .