ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   قسم الدورات العلمية المكثفة (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=411)
-   -   [تفريغ] تفريغ للمادة جوامع الأخبـــار (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31215)

أم الخطاب78 19-12-09 11:20 AM

الحديث الثلاثون: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً‏)‏) [رواه البخاري]‏.
الحديث الثلاثون: عن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) هذا فضل من الله -جل وعلا-؛ لأن المرض يعوق العبد عن مزاولة ما كان يعمله في حالة الصحة، فإذا حال المرض دونه ودون ما كان يعمله في حال الصحة كتب الله له من الأجر مثله، وقل مثل هذا فيما إذا سافر سفراً، والسفر محفوف بالمشقة، وهو قطعة من العذاب، كما جاء في الحديث الصحيح، يعوق المسلم عن ما يعمله في حال الإقامة، في حال السعة، ومن فضل الله -جل وعلا- أن يسر مثل هذه الأمور، وأعظم ما فيها الأجور، فإذا حصل للإنسان ما يعوق عن عمله الصالح ما كان يعمله في حال الصحة والإقامة فمن فضل الله -جل وعلا- أنه يكتب له، وهذا يدلنا على أنه لا بد من الاهتمام في العمل وقت الصحة والإقامة؛ لأنه إذا كان الإنسان ما عنده عمل في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ مثلما يكتب له وهو صحيح، كيف يكتب له؟ وما كان يعمل شيء في حال الصحة؟! إلا إسقاط الواجبات، المسألة مفترضة في مسلم يعمل الواجبات، ويترك المحرمات؛ لكن هذا فيه حث على الإكثار من الأعمال الصالحة في حال الصحة قبل المرض، وعلى المسلم أن يغتنم حال الصحة قبل المرض، يعني التنظير لمثل هذا شخص يعمل الأعمال الكثيرة، ويتنقل بأنواع العبادات القاصرة والمتعدية مرض يكتب له، لكن شخص ما يعمل شيء، أحياناً الدرجات في الاختبارات تقسم إلى قسمين تحريري وشفوي، يختبر الطالب التحريري وترصد له الدرجة، يضيق الوقت عن الاختبار الشفوي فيقول المدرس: ندبل الدرجة، هذا الذي ذاكر وأجاب جواب طيب في التحريري يستفيد؛ لكن الذي ما جاوب في التحريري وش يدبل؟ ومرة طالب من هذا النوع قال: يا شيخ أنا يصعب علي اختبار الشفوي، أنا أتلعثم، أنا ما عندي جرأة، دبل لي درجة التحريري، كيف يا أخي من مصلحتك أن تختبر شفوي، قال: لا أنا لا أطيق وما أدري إيش؟ من مصلحتك تختبر شفوي، قال: يا شيخ أنا لا أستطيع إن أدى الأمر إلى ذلك تركته، قلت: يا أخي أنت آخذ صفر في التحريري وش ندبل لك؟ ومثل هذا يا أخي الذي ما كان يعمل شيء في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ والذي لا يعمل شيء في حال الإقامة والسعة والراحة ماذا يكتب له في حال السفر؟ هذا حث على العمل في حال الصحة، ((اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك)) لا شك أن المرض يعوق ما دمت صحيحاً معافى، اغتنم هذا الأمر، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) إذا مرض وضعفت قواه، وثقل سمعه، وضعف بصره، يصل الحد إلى بعض الناس إلى أنه لا يستطيع أن يحمل المصحف، يا أخي استعمل جوارحك قبل أن تضعف، اغتنم حال الصحة والفراغ، لا تبلى بمرض ثم بعد ذلك كيف تعمل؟ تندم ولات ساعة مندم، ومثل هذا الفراغ الناس الحمد لله الآن في فراغ تام، وراحة بال، ما يغتنمون مثل هذه الأمور، ولذا الغبن هنا ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)) تضييع للصحة وإهدار للأوقات، ثم بعد ذلك إذا انتبه في آخر الوقت إلى لا شيء.
((كتب له في ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) فإذا كان يعمل في حال الصحة ثم جاءه المرض وحال دونه ودون العمل ثم تحامل على نفسه مع العمل هذا ثوابه لا يقدر عند الله -جل وعلا- ثوابه عظيم، مثل هذا إذا كان معذور عن العمل، ثم تحامل على نفسه وعمل مثل هذا ثوابه لا شك أنه عظيم، ومثله لو سافر، الرواتب عند الجمهور لا تفعل في حال السفر؛ لأنها مضمونة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يداوم على النوافل، الرواتب في حال السفر إلا ركعتي الصبح والوتر؛ لأن الله -جل وعلا- تكفل بكتابتها؛ لكن من عاقه عن العمل ما هو أعظم من السفر مثلاً، عاقه الانشغال بأمور المسلمين العامة أو الأمور الخاصة، هذا لا شك أن أجره وثوابه عظيم، والله المستعان.


أم الخطاب78 19-12-09 11:21 AM

الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أسرعوا بالجنازة‏،‏ فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه‏،‏ وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)‏)[متفق عليه]‏.‏
يقول -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن المراد بالإسراع يعني بعد التأكد من الوفاة، ولذا يستحب أهل العلم أنه في موت الفجأة ينتظر الميت ولا يسرع به، حتى يتأكد من وفاته، وحصل بعض القضايا النادرة التي كتب التقرير على أنه مات وانتهى، ثم يتبين أنه ما مات، فله أسرع بمثل هذا كان الأمر خطير، فمثل هذا يتأخر به، ومثله من له من أقرب الناس إليه كان غائب مثلاً، مثل هذا ينتظر إذا كان قريباً، نقله من بلد إلى بلد يكون أيسر إلى أهله ومعارفه وذويه إذا لم يترتب عليه تأخير ومشقة، أيضاً هذا يرخص فيه بعض أهل العلم، فالأمر بالإسراع نسبي، ((أسرعوا بالجنازة)) يعني في تجهيزها والصلاة عليها، وتشييعها ودفنها، والعلة في ذلك فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، جنازة المسلم الصالح العبد الصالح المؤمن مثل هذا تأخيره جناية عليه؛ لأنها إذا كانت صالحة فستقدم على ثواب ما قدمته، فتقدم إلى مثل هذا الخير، وحجبها وتأخيرها عن هذا الخير جناية عليها، ((إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني غير صالحة- فشر تضعونه عن رقابكم)) لأن مجالسة غير الصالحين وبال، في حال الحياة وفي حال الممات، لا خير في مجالسة غير الصالحين، لا خير في مجالستهم لا في حال حياتهم ولا في حال مماتهم، إلا من أجل نفعهم ودعوتهم وهدايتهم، ((وإن تك غير ذلك)) فلننظر لهذا الوصف المؤثر في التقديم إلى الخير أو ضده، وهو الصلاح، فعلى المسلم أن يسعى في إصلاح نفسه، يسعى جاهداً في إصلاح نفسه ليقدم على خير، ولا يجتنب الصلاح ويتنكب الصراط المستقيم، وطريق الصالحين، فيسلك به المسلك الآخر، فالصلاح لا شك أن أثره في الحياة وبعد الممات، وإذا كان المرء صالحاً واتصف بهذا الوصف كم يجني من أجور غيره؟ كل مصلٍ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيدخل، وإذا حرم من هذا الوصف حرم من هذه الدعوة، ومع ذلك يَقْدم ويُقدم إلى خير، أما إذا لم يتصف بهذا الوصف حرم من ذلك كله، والله المستعان.

أم الخطاب78 19-12-09 11:21 AM

الحديث الثاني والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة)‏)[متفق عليه]‏.‏
هذا الحديث في الزكاة المفروضة، وفيه تحديد الأنصبة –أنصبة الأموال الزكوية- ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) من التمر والحبوب والثمار هذا مما يكال، هذا نصاب خمسة أوسق، والأوسق: جمع وسق، والوسق ستون صاعاً، فأقل من ثلاثمائة صاع لا زكاة فيها، هذا بالنسبة للزكاة المفروضة، أما المستحب فلو كان عند الإنسان صاع واحد وقسمه وبينه محتاج نصفين أجره عظيم عند الله -جل وعلا-؛ لكنه لا على سبيل الوجوب والإلزام، فالشرع حينما لاحظ حاجة المحتاج أيضاً لم يهدر حاجة المتصدق، بينما ما غفل عن حوائج الأغنياء، نعم لاحظ حوائج الفقراء وجعلها هي الباعث الحقيقي على مشروعية الزكاة، لكن أيضاً حوائج ومصالح الأغنياء غير مهدرة، فمن رحمة الله -جل وعلا- أنه جعل هذه الأنصبة، ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) وهذا هو النصاب عند الجمهور، الحنفية لا يرون أن في ما يزكى من الحبوب والثمار والتمر والأطعمة ليس لها نصاب {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ((فيما سقت السماء العشر)) فيطلقون، يعملون بالنصوص المطلقة، ويقولون: إن مثل هذا الحديث زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والآحاد -مثل هذا الحديث- لا ينسخ القطعي، {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ما في تحديد بنصاب، وهذا هو المقطوع به، والحديث يقولون: آحاد، والزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون إلا بمساوٍ، القطعي لا ينسخ إلا بقطعي؛ لكن أهل العلم قاطبة على أن أخبار الآحاد إذا صحت أنها يجب العمل بها، العمل بها واجب، ولو لم تبلغ حد القطع والتواتر، ولا يلزم من كونها أخبار آحاد أو لا تفيد العلم أنه لا يجب العمل بها، بل يجب العمل بها، وجوب العمل بأخبار الآحاد قول عامة من يعتد به من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع، الحنفية يعملون بأخبار الآحاد، يعملون بها؛ لكنها عندهم هنا فيه شيء من التعارض، نعم التقييد والتخصيص فيه مشابهة للنسخ؛ لأنه نسخ جزئي للحكم، نسخ جزئي، إيش معنى نسخ جزئي؟ إذا خصصنا النص العام بدليلٍ يقتضي التخصيص أخرجنا بعض أفراده، وإخراجنا لبعض أفراد العام إلغاء، وهذا الإلغاء بدليل، فهو نسخ وإن لم يكن كلياً إلا أنه جزئي، ومثله التقييد، وعندهم أن النسخ لا يكون بين المراتب المختلفة من النصوص، فعامة أهل العلم على أن هذا تخصيص أو قل: تقييد، والتقييد ليس بنسخ، حتى عند من يقول: أن الآحاد لا ينسخ المتواتر ما يطبق عليه مثل هذا؛ لأن النسخ والتقييد ليس بنسخ، وإن كان جزئياً إلا أنه ليس بنسخ، على كل حال الراجح في المسألة معروف قول الجمهور.
((وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) هذا نصاب الفضة والورق هي الفضة، مضروبةً كانت أو غير مضروبة، فإذا كان عند شخص خمس أواقٍ والأوقية أربعون درهماً فيتحصل من المجموع مائتا درهم، هذا هو نصاب الفضة، ((وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة)) يعني من الإبل، دون الخمس ما في، الخمس فيها شاة، العشر فيها شاتان، العشرون فيها ثلاث شياه، الخمسة والعشرون تبدأ زكاة الإبل بالإبل، وهكذا، والغنم لها نصاب، والبقر لها نصاب محددة في كتب الفروع، ولا تخفى عليكم، جاء تحديدها في حديث أنس وغيره، وحديث الجوامع الزكاة فيما كتب به أبو بكر إلى عماله في الصدقات، هذه الجوامع تبين الأنصبة.


أم الخطاب78 19-12-09 11:22 AM

الحديث الثالث والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ومن يستعفف يُعفّه الله‏،‏ ومن يستغن يُغنه الله‏،‏ ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله‏،‏ وما أعطِيَ أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)‏)[متفق عليه]‏.
يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) الاستعفاف عما في أيدي الناس لا شك أن من فعله جاهداً وقهر نفسه على ذلك ما لم يصل إلى حد الضرورة لا شك أن الله -جل وعلا- يعنيه على العفاف، هذا جواب الشرط، وجاء الأمر به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النــور] المقصود أن على المسلم أن يكون عزيزاً لا يهين نفسه، ولا يبتذل نفسه باستكفاف الناس، وطلب إعاناتهم، وبعض الناس يسهل عليه هذا الأمر ولأدنى شيء يسأل الناس، مثل هذا يبتلى، لا يعان على العفاف، وإنما يبتلى بالحاجة الدائمة.
((ومن يستغن يغنه الله)) من يستغن بما في يده، عما في أيدي الناس يغنه الله -جل وعلا-، فمن تعلق بالله -جل وعلا-، وأنزل حاجته بربه، وتوكل عليه، وقطع العلائق عن الخلائق، لا شك أنه سوف يعيش حياةً مطمئنة، ويتحقق له الموعود في هذا الخبر، من يستغن بالله -جل وعلا- عن خلقه يغنه الله.
((ومن يتصبر)) والصبر معروف، حمله على النفس، يتصبر على نفسه أن تتخلق بهذا الخلق الجميل فيتصبر إذا لم يكن الصبر عنده خليقة يتصبر ويجاهد نفسه على ذلك، فيحمل نفسه على الصبر على طاعة الله، ويحملها على الصبر عن معصية الله، ويحملها على الصبر على أقدار الله، فإذا وجدت عنده هذه الملكة، وهذه السجيّة فليحمد الله على ذلك، إذا لم توجد عنده يحمل نفسه عليها ويجاهد نفسه عليها، حتى تكون عنده خليقة وملكة ((يصبره الله)) يعنيه الله -جل وعلا- على الصبر، والصبر ثوابه عظيم، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [(155-156) سورة البقرة] والنصوص كثيرة، فلا بد من الصبر على طاعة الله، لا بد من الصبر عليها، لا يقول: الجادة طويلة ومن يبي يصبر على هذه التكاليف؟ الذي ما يصبر عليها يصبر على نار جهنم بعد، بعض الناس يقول: أيام حر شديد كيف نصبر على الصيام؟ وكيف نصبر على الجهاد في أيام الحر؟ يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [(81) سورة التوبة]
يعني إن لم يصبر هذه الساعات وهذه الأيام، وعيده في جهنم، نسأل الله العافية، فليصبر على طاعة الله، وليصبر عن معصية الله، يقهر نفسه، لا شك أن الشهوات تنازع الإنسان، والنفس الأمارة، والشيطان إذا اجتمعت له هذه الأمور لا شك أنه تدعوه نفسه إلى ذلك، وتتوق إليه؛ لكن عليه أن يقهر نفسه، ويحمل نفسه على الصبر عنها، وإنما هي صبر ساعات، ثم بعد ذلك يبشر، بشر الصابرين، وليصبر على أقدار الله، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة عليه أن يرضى ويصبر ويحتسب الأجر من الله -جل وعلا-، فإن صبر له الأجر العظيم، وإن لم يصبر فالأمر بضد ذلك، فالأجر معلق بالصبر، من سخط فعليه السخط، على كل حال المصائب جاء فيها أنها مكفرات للذنوب، وقد يبتلى الإنسان بأمرٍ يخرج من ذنوبه بسببه، يخرج من ذنوبه كلها، والله -جل وعلا- يبتلي عباده، وقد يكتب لعبده منزلة لا يبلغها بعمله فيصاب ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) وحينئذٍ عليه أن يصبر ويحتسب لينال الأجر العظيم من الله -جل وعلا-.
منهم من يرى أن الثواب المرتب على المصيبة غير الثواب المرتب على الصبر، فالمصائب مكفرات، صبر أو لم يصبر، مكفرات عند بعض أهل العلم فإذا صبر كان له أجر الصبر وهو قدر زائد؛ لكن الجمهور على أنه إذا لم يصبر فلا أجر له، لا أجر له على هذه المصيبة، وقد يأثم إذا اقترن بذلك تسخط واعتراض وما أشبه ذلك، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، نعم؛ لأن الإنسان لا بد أن يعرض له أمور في حياته أمور كثيرة جداً في كل ساعة وفي كل يوم على خلاف ما تهواه نفسه، من طلبٍ، من طلب إيجاد فعل، أو طلب كف، على خلاف ما تهواه النفس، وقد يعتريه ما يعتريه؛ لكن إذا كان ممن أعطي الصبر وصبر على ما أمر به وصبر عما نهي عنه، وصبر على ما يعتريه أثناء حياته ومدة بقائه في هذه الدنيا، لا شك أنه اتصف بهذه الخصلة التي قال عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) لأن الصبر يحتاج إليه في كل لحظة، ما يمكن أن يستغني الإنسان عن الصبر والحياة كلها مجبولة على الكدر، طيب، في أمورك العادية إذا لم تصبر عندك سلعة تريد بيعها ما انباعت أول يوم وثاني يوم إيش بتسوي إذا ما جبلت على الصبر؟ تنتظر زيد من الناس تأخر، حصل له مانع وتأخر، إذا ما تصبر وش يصير؟ تحترق وبعدين وش الفايدة؟ وبعض الناس ينتظر شخص على موعد معه، يتأخر خمس دقائق يطلق ويدخل، يخرج ويقف على الرصيف ينتظر، وبعدين إيش النتيجة؟ استفاد شيء؟ ووصل الأمر ببعض الناس أنه إذا وقفت السيارة عند الإشارة نزل ومشى يخترق الإشارة حتى يصل صاحبه، وش يسوي هذا؟ وش يستفيد هذا؟ ما يستفيد شيء؛ لكن الصبر قهر النفس لا بد منه، لا بد أن تواجه ما يتطلب منك الصبر في كل لحظة من اللحظات، وما ضاق النفس ذرعاً بتأخر المواعيد إلا لأن حياتهم تكدرت، ومعايشهم تنغّصت، وما مرّنوا أنفسهم وجبلوا أنفسهم وقضوا أوقاتهم بما يرضي الله -جل وعلا-، يعني افترض أنك وعدت شخص الساعة خمس بيجي لك، تأخر إلى خمس وربع، الربع الساعة هذه عند بعض الناس تعادل أيام، عند بعض الناس يحترق، كاد أن يمزق ثيابه من ربع ساعة، لكن لو قال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم خلال الربع هذه الساعة لتمنى أن يتأخر ربع ثاني؛ لكن ما عودنا أنفسنا على هذه الأمور، فمن عود نفسه على استغلال أوقاته بما يرضي الله -جل وعلا- ارتاح من كثيرٍ من هذه الأمور، أنت تنتظر فلان من أجل إيش؟ افترض أن فلان تنتظره يعطيك مال، لك عليه دين أن يعطيك حقك، تنتظره بفارغ الصبر؛ لكن تأخر عليك حصل له ما حصل وتأخر عليك، لو جئت بالباقيات الصالحات صارت أفضل بكثير مما يعطيك، ولو كانت الدنيا بحذافيرها، في هذه المدة التي تظنها أحلك الأوقات بالنسبة لك، فعلينا أن نتحلى بالصبر، وعلينا أن نعمر أوقاتها بما يرضي الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك لا يهمك إذا اتحليت بهذا وعمرت وقتك بما يرضي الله ما عليك يتقدم يتأخر أنا مرتاح، الآن بعض الناس من خيار الناس إذا سمع المؤذن خرج إلى المسجد؛ لكن إذا تأخر الإمام دقيقة واحدة وقع في محرمات، اشتغلت الغيبة بين الأخيار في روضة المسجد، سببها إيش؟ عدم الصبر، يا أخي خذ مصحف واقرأ، أنفع لك من كونك تتكلم في عرض أخيك، وما يدريك ما الذي عرض له؟ سبح وهلل، اكسب الأعمال الصالحة في حياتك، ومع ذلك هذا لا يعفي من يخلف الموعد، كما جاء في الحديث علامات: ((إذا وعد أخلف)) هذا لا يعفي من التبعة؛ لكن بالمقابل الطرف الثاني لو وظيفة، وهذا عليه حقوق، فالشرع جاء بما يعالج وضع هذا ووضع هذا، ما هو أحد يسمع مثل هذا الكلام ويعد الناس الساعة خمس ويتأخر ساعة بدون عذر وبدون شيء ويترك أخاه يحترق؟ لا يا أخي هذا ما هو مبرر، أنت وعدت لا بد أن تفي؛ لكن إذا حصل لك مانع أو قصرت وأنت مسؤول عن فعلك وتفريطك أخوك له وظيفة أخرى، يوجه بالكلام الثاني، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 19-12-09 11:27 AM

الشريط الخامس

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير

  • نبذة عن المحاضرة :
من الحديث السادس والعشرون(من خصوصيات نبينا صلى الله عليه وسلم) إلى الحديث الثالث والثلاثون (عزيمة وجزاء) .



هنـــــــــــــــــا

أم الخطاب78 19-12-09 01:44 PM

مقرر الشريط الخامس لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (5)
شرح حديث: ((أعطيت خمساً)) و‏حديث (‏(إن الدين يُسْر)) وحديث: ((حق المسلم على المسلم ست)) وحديث: ((إذا مرض العبد أو سافر)) وحديث: ((سرعوا بالجنازة))‏ وحديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسق)) وحديث: ((ومن يستعفف يُعفّه الله))
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفضل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:
الحديث السادس والعشرون: عن جابر بن عبد الله --رضي الله عنه-ما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي‏:‏ نصرت بالرُّعبِ مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً‏،‏ فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ قبلي،‏ وأعطيت الشفاعة‏،‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏) [متفق عليه]‏.
هذا الحديث، حديث جابر في الخصائص النبوية وخصائصه -عليه الصلاة والسلام- منها ما هو خاص به لشخصه، ومنها ما يتناول الأمة دون سائر الأمم، خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة جداً ألفت فيها المؤلفات، الخصائص النبوية، منها هذه الخمسة: ((أعطيت خمساً)) يعني من الخصال ((لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر)) بعض الروايات: ((شهرين)) ولا شك أن الشهر ذاهباً وإياباً يكون شهرين، ((نصرت بالرعب)) يقذف الله -جل وعلا- في قلوب أعدائه الرعب من هذه المسافة البعيدة الطويلة، فهل هذا خاص بشخصه -عليه الصلاة والسلام- كما أعطي الشفاعة أو هو له ولأمته دون سائر الأمم كما في قوله: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً))؟ بمعنى أنه مهما كانت الأمة من الالتزام والاستقامة، وكان قائدها أقرب إلى تحقيق الأوامر والنواهي من غيره، وأقرب إلى تطبيق سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هل ينصر بالرعب تبعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويكون نصره بالرعب بقدر ما عنده من استقامة، بحيث لو كان مفرطاً ينصر بالرعب مسيرة نصف شهر، مسيرة عشرة أيام، مسيرة يوم مثلاً، أو نقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله: ((وأعطيت الشفاعة))؟ لا شك أن الرعب موجود في كل من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام-، والهيبة التي يقذفها الله -جل وعلا- في قلوب العباد وإن كان هذا الشخص في ظاهره صاحب خلق، وصاحب ابتسامة، وصاحب لين جانب؛ لكن بقدر ما عنده من الاستقامة يجعل الله في قلوب غيره من الرهبة له والهيبة ما يجب، وكل له نصيبه بقدر اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا شيء مشاهد، تجد شخص من أهل العلم، وإن كان من أسهل الناس، ومن أطيبهم خلق، وأكثرهم بشاشة، تجده أحياناً تريد أن تسأله خمسة أسئلة تضيع أربعة، إيش بيسوي بك؟ ما هو مسوي شيء؛ لكن هذا رعب، هذه هيبة، وهذا حاصل، تأتي إلى الشخص وهو من خير الناس، من العباد والزهاد تسأله، والله إيش السبب؟ بيده سيف وإلا.... ما بيده شيء، لا شك أن مثل هذه هيبة يضعها الله -جل وعلا-، وضعها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ووضعها في أتباعه، وكل بحسبه، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أسهل الناس خلق، وألينهم جانب، عرف بالرفق واللين والحكمة، والله المستعان.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وعلى هذا لو كان في الأمة ما يؤهلها لمثل هذا الرعب ما وصلت إلى هذا الحد، وجاء في حديث في آخر الزمان: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) أمن قلة يا رسول الله؟ قال: ((لا أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم)) هذا دليل على أننا لما انصرفنا نزعت المهابة، لو استقمنا وجدت المهابة، وهذه المهابة هي الرعب، ما تسلط علينا الأعداء إلا بعد أن وقعنا في المخالفات؛ لكن لو استقمنا حسب لنا العدو حسابات، والله المستعان.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) يعني في أي مكان؛ لأنها مسجد، وإذا لم يجد الماء يتيمم طهور، وجاء في بعض الألفاظ في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) اللفظ الذي معنا استدل به من يقول: أنه يتيمم على كل ما على وجه الأرض، ((جعلت الأرض مسجداً وطهوراً)) كل ما فيه مسجد طهور، تيمم على أي شيءٍ على وجه الأرض، كل ما على وجه الأرض من صعيد تيمم به أياً كان، اللفظ الآخر: ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) استدل به من يقول: أنه لا يصح التيمم إلا بترابٍ له غبار يعلق باليد، بدليل: (تربتها) ((جعلت لي الأرض كلها مسجداً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) هذا عام مخصوص، جاء ما يخصصه مثلاً الصلاة في المقبرة تصح وإلا ما تصح؟ عموم الحديث يتناول المقبرة؛ لكن جاء ما يدل على تخصيص بعض البقاع.
طيب، هنا مسألة ويتبناها ابن عبد البر بقوة، وهي أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص الذي هو تقليل أفراد العام، تقليل لهذا التشريف، إذاً أحاديث الخصائص لا تقتضي التخصيص، فعند ابن عبد البر يجوز أن تصلي في المقبرة لأنك خصصت حديث الخصائص، وقللت هذا التشريف، إذاً تصلي في المقبرة؛ لأن أحاديث التخصيص لا تقبل التخصيص، هذا الكلام مقبول وإلا غير مقبول؟
طالب:.......
لماذا؟ نعم، كيف؟ مصادم لنص، لكن خلونا نتنزل على رأيه، نقول: هذا تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن المحافظة على حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لا بد منها؛ لكن إذا تعارضت حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع حقوق الله -جل وعلا-، والمنع من الصلاة في مثل هذا المكان صيانةً لحق الله -جل وعلا-، ولا شك أن المحافظة على حق الله -جل وعلا- أولى من المحافظة على حقه -عليه الصلاة والسلام-، عند التعارض لا سيما وأن الحق الإلهي يدعمه النص الخاص، إذاً نخصص ((وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً)).
والرواية الأخرى: ((وتربتها)) طيب وش اللي بين التراب والأرض؟ بينهما عموم وخصوص وإلا إطلاق وتقييد؟ يعني من قال: أنه لا يتمم إلا بالتراب هل نقول: أنه قال الخاص مقدم على العام، أو قال المطلق يقيد بالمقيد؟ مطلق ومقيد، وإلا عام خاص؟ وش الفرق بينهما؟ من أي البابين؟ عام وخاص وإلا مطلق ومقيد؟ إيش الفرق بين التقييد والتخصيص؟ التقييد في الأوصاف، والتخصيص في الأفراد، إذاً هل الأرض ذات أفراد أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف اختلاف جذري إذا قلنا: تقييد وإذا قلنا: تخصيص، إيش يقول؟
طالب:.......
ذات أفراد، إذاً عموم وخصوص أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف تبعاً لهذا، الذين قالوا: لا يصح التيمم إلا بالتراب جعلوا ذلك من باب التقييد، والذين قالوا: يصح التيمم بجميع ما على وجه الأرض فإما أن يحكموا على الزيادة بأنها شاذة (تربتها) أو يقولوا: من باب العموم والخصوص، والتنصيص على بعض أفراد العام بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إنما التخصيص إذا اختلف حكم العام على الخاص.
طالب:.......
ها، انتهينا وإلا ما انتهينا، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) والنص الآخر في الصحيح في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل نقول: أن التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ يعني إذا قلنا: "فتحرير رقبة" إذا قيل: أعتق رقبة، ثم قيل: أعتق زيداً، أو قيل: أعتق مؤمناً، زيد فرد من أفراد العام، والمؤمن وصف من أوصافها، فرق بين هذا وهذا، إذا قلنا: أعتق رقبة، ثم قلنا: أعتق زيداً، نقول: زيد فرد من أفراد الرقبة، وعلى هذا لو أعتقنا رقبة غير زيد لكن ينبغي أن يكون زيد أولى من غيره؛ لأن التنصيص على بعض الأفراد للحكم الموافق لا يقتضي التخصيص، بخلاف ما لو قال: أعتق رقبة ولا تعتق زيداً، قلنا: لا ما يمكن أن نعتق زيد؛ لأنه خاص مقدم على العام؛ لأن الحكم مخالف؛ لكن لما يقول: أعتق رقبة، وأعتق مؤمنة، نحمل المطلق على المقيد، فرق بين هذا وهذا، هذا فرد من أفراد العام، وهذا وصف من أوصافه. وعلى كل حال تحرير الموضوع بدقة لا تجده عند أحد، يعني مشكل، يلوكون في مثل هذا، ويقول: أطلق في وصف الأرض ثم خصص، إيش معنى أطلق ثم خصص؟ هذا موجود في بعض الشروح، ولذلك تبقى المسألة إما أن نقول: إن كانت من باب العموم والخصوص فالتنصيص على التراب يقتضي أنه أولى من غيره، العناية بشأنه والاهتمام به لكن التيمم بغيره مجزئ لا سيما وأنه يتصور أنه لا يوجد تراب، تجد رمل، نجد صخر، نجد شيء، فإلزام الناس بالتراب مشقة، والتيمم إنما عدل عن الوضوء إلى التيمم دفعاً للمشقة، وهذا هو اللائق أن نقول: أنه من باب العموم والخصوص التنصيص على التراب لكونه أولى، ولا يعني هذا أنه لا يتمم بغير التراب؛ لأن العدول عن الوضوء إلى التيمم إنما هو رفع للمشقة، طيب أنت في مكان ما فيه تراب إما جبال وإلا رمال وإلا شيء؟ تبي تركب السيارة تدور تراب؟ يا أخي اركب السيارة دور ماء أفضل لك، ما ارتفعت المشقة حينئذٍ، وعلى هذا إذا قلنا: من باب العموم والخصوص يكون التراب أولى من غيره، بحيث لو كان عندك يمينك تراب وبيسارك حجارة وإلا رمل تيمم بالتراب أفضل؛ لأن التنصيص عليه يقتضي الاهتمام بشأنه، وإذا قلنا: مطلق ومقيد كما يقول الشافعية والحنابلة وقعنا في الحرج، فلا تتيمم إلا بالتراب.
((وأحلت لي الغنائم)) الغنائم أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تحل لأحدٍ من قبله، تترك، إن كانت مقبولة جاءت نار فأحرقتها، وإن كانت غير مقبولة تركت وفسدت، المقصود أنها لم تحل لأحد من الأنبياء قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل هي أفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن العلماء يختلفون في أفضل المكاسب، منهم من يقول: الصناعة؛ لأنها مهنة بعض الأنبياء، ومنهم من يقول: الزراعة، وجاء في فضل الزراعة نصوص، ومنهم من يقول: الرعي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رعى الغنم، وما من نبي إلا رعى الغنم؛ لكن يبقى أن الغنائم هي أطيب وأفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) فهي أطيب المكاسب، ((وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ من قبلي، وأعطيت الشفاعة)) والمراد بها الشفاعة العظمى التي تخلص الناس من شدائد الموقف، ويعتذر عنها الأنبياء، يعتذر عنها أولو العزم، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا لها)).
((وكان النبي يبعث إلى القوم خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)) الأنبياء كلهم دعواتهم خاصة، ولذا يسوغ للشخص أن يتعبد على ديانة موسى مع وجود عيسى؛ لأن عيسى بعث إلى قومه، يسوغ للخضر أن يتعبد ويخرج عن شريعة موسى؛ لأن موسى ليست رسالته عامة؛ لكن هل يسوغ لأحدٍ الآن بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتعبد بغير ما شرعه الله على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يمكن، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى هذا ناقض من النواقض، كافر، طيب الذين يتعبدون على ملة موسى وعلى ملة عيسى، هؤلاء كفار وإلا غير كفار؟ كفار، ويقرر أهل العلم أن من شك في كفرهم كفر إجماعاً، لا يمكن أن يعبد الله بغير شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، حتى عيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
((وبعثت إلى الناس عامة)) ((وما من يهودي ولا نصراني...)) إلا إيش؟ الحديث صحيح ((ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ولم يؤمن بي إلا دخل النار)) بلا شك يبقى مسألة وهي: هل مثل هؤلاء من اليهود والنصارى هم كفار بلا شك يبقى هل نقول لهم: مشركون؟ أو نقول: إنهم كفار وإن كان فيهم شرك؟ إيش الفرق بين القولين؟ الآن ما جاء التخفيف في ذبائحهم؟ وجاء التخفيف في جواز نكاح نسائهم؟ جاء التخفيف فيه، إذاً ليسوا مثل الكفار من كل وجه، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] لا شك أن الشرك وقع فيهم، الشرك وقع في اليهود والنصارى؛ لكن هل هم مشركون؟ فنحتاج إلى مخصص في نكاح المشركات، {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] نحتاج إلى مخصص فنبحث عن مثل قوله -جل وعلا-: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [(24) سورة النساء] المقصود أننا إذا قلنا: أنهم مشركون لا بد أن نبحث عن مخصص، لا شك أن فيهم شرك، وهم كفار، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الذي يقرره جمع من أهل العلم أنهم وإن كانوا كفاراً لا يوصفون بأنهم مشركون، وإنما هم كفار فيهم شرك، يعني فرق بين أن يقال: فلان مشرك، وبين أن يقال: فيه شرك، وفرق بين أن يقال: منافق، وبين أن يقال: فيه نفاق، وبين أن يقال: جاهلي ، وبين أن يقال: أبو ذر فيه جاهلية، يعني فرق بين هذه الأمور، فبعض أهل العلم لحظ هذا وفرق بينهم وبين غيرهم، وعلى كل حال هم كفار، والله المستعان.

أم الخطاب78 19-12-09 01:44 PM

الحديث السابع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "‏أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث‏:‏ صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"‏ [متفق عليه]‏.
هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة ولغيره من الصحابة، أوصى بها أبا ذر، وأبا الدرداء كأبي هريرة، ووصيته -عليه الصلاة والسلام- لواحد من أمته هي للجميع؛ لأن ما يطلب من أبي هريرة يطلب من غيره، وحكمه على الواحد حكمه على الجميع، إلا ما دل الدليل على اختصاص، وهنا لا دليل، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي" وجاء ما يدل على أنه لم يتخل خليلاً -عليه الصلاة والسلام-، كونه يُتّخَذ خليل لا يعني أنه اتخذ خليلاً، "أوصاني خليلي" والخلة كمال المحبة وغايتها، وينبغي أن يكون كل مسلم يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- غاية المحبة، أكثر من حبه لنفسه، والمراد بالمحبة المحبة التي بها يؤثر أمره ونهيه وشرعه على هوى نفسه، وولده ووالده والناس أجمعين.
"أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث" ثلاث خصال، ثلاث خلال "صيام ثلاثة أيام من كل شهر" وهذا يعدل صيام السنة؛ لأن كل يوم بعشرة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، فصيام ثلاثة أيام على ثلاثين يوم، فإذا صام الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر كأنه صام الدهر، فكأنما صار الدهر، صيام ثلاثة أيام ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم، كيف يشبه الممدوح بالمذموم؟ نعم، كيف؟ في الأجر، يعني التشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه، قد يكون المشبه به له أكثر من وجه للشبه، فيشابهه من وجه دون وجه، يعني تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هل هي من كل وجه؟ لا، تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس المذموم من الوجه المحمود لا الوجه المذموم، وقل مثل هذا في تشبيه تقديم اليدين على الركبتين ببروك البعير، والمسألة تطول يعني لو أخذنا أفرادها وفصلنا من انتهت؛ لكن هنا شبه صيام ثلاثة أيام بصيام الدهر في الأجر والثواب، لا على ما يترتب على صيام الدهر من الذم الوارد في النص، صيام ثلاثة أيام جاء تقييدها بأنها الأيام البيض، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، جاء في حديث مقبول، لا بأس به، يمكن أن يعتمد عليه، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لكن لو صام الاثنين ما يتيسر له صيام البيض مثلاً، أيام متوالية، وصام الاثنين أو الخميس مثلاً لأنه إجازته صام ثلاث خميسات وإلا ثلاث اثنينات كفاه، حصل له الأجر الموعود -إن شاء الله تعالى-.
"صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى" ركعتي الضحى أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، أكثر من واحد من الصحابة، وجاء في حديث: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..)) والإنسان فيه من السلامة ثلاثمائة وستين مفصل، عليه أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، ويكفي عن ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، فإذا صلى الإنسان هاتين الركعتين نفذ هذه الوصية، وتصدق عن جسده وبدنه ومفاصله، وبرئ من عهدة هذه المفاصل، فركعتا الضحى لهما شأن عظيم، فمن جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى انتهى الإشكال، وإن لم يثبت عنده حديث: ((من جلس الصبح في جماعة ثم جلس ينتظر حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كأجر حجةٍ تامة)) يعني إن لم يثبت عنده هذا فهذا، يجلس، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه يجلس في مصلاه حتى ترتفع الشمس، من فعله، هذا في الصحيح ما لأحدٍ كلام، فإذا صلى ركعتين امتثالاً لهذه الوصية وش نقول ابتدع؟! وإن كان ممن يقبل مثل ذلك الخبر، وقد صحح عند بعضهم، وحسنه بعضهم، والمسألة قابلة يعني في مثل هذا الباب، يتسامح أهل العلم في قبول مثل هذا، وعمل به يرجى له ثوابه، أما ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين شرح حال المقربين، وذكر برنامجهم اليومي، وشرح حال أصحاب اليمين، وهم دونهم في المنزلة، هؤلاء لهم برنامج وهؤلاء لهم برنامج، وشرح حال المقربين كأنه يحكي واقعه، يصور حياته -رحمه الله- ومع ذلكم يقسم -رحمه الله تعالى- أنه ما شمّ لهم رائحة، وهو معروف بالعبادة، معروف بالانقطاع، ومؤلفاته تفوح بشيءٍ من هذا، يقسم أنه ما شمّ لهم رائحة، لما شرح حال المقربين بالنسبة لأصحاب اليمين قال: يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس، ثم يصلون ركعتين ويخرجون، لما شرح حال المقربين وهم أعظم شأناً، وأنهم يتقدمون، ويصلون وراء الإمام، ويتدبرون في قراءة الإمام، وصلاة الصبح مشهودة، وقرآن الفجر مشهود، يجلسون إلى أن تنتشر الشمس فإن شاؤوا صلوا ركعتين، وإن شاؤوا قاموا بدون صلاة، لماذا فرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ أصحاب اليمين انتهوا، بيرحون لأعمالهم، لدنياهم، فيصلون هاتين الركعتين، المقربين وين يبون؟ يبون يروحون لأعمال عبادات أخرى، منها صلاة النوافل، يعني ما انتهوا.
"وركعتي الضحى" ووقتها من ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال، وأقلها ركعتان عند أهل العلم، وأكثرها ثمان؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى يوم الفتح ثمان ركعات، منهم من يقول: أن هذه صلاة الفتح، ومنهم..، وجاء كلام كثير جداً في ركعتي الضحى، وجاء عن بعض الصحابة أنه ما كان يداوم عليها، المقصود أن مثل هذا الحديث يقرر المشروعية، وأنها وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينبغي للمسلم لا سيما طالب العلم أن يفرط فيها.
"وأن أوتر قبل أن أنام" الوتر حق وجاء الأمر به، وهو من آكد العبادات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتركه سفراً ولا حضراً، وأقله ركعة؛ لأنه ثبت عن بعض أنه أوتر بركعة، وأكثره إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عنه أيضاً صلاة الليل مثنى مثنى، وهذا يقتضي إطلاق العدد ولو مائة ركعة؛ لأنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) تصلي واحدة توتر لك ما قد صليت، المقصود أنه ليس هناك عدد محدد لا يزاد عليه ولا ينقص؛ لأن عائشة تقول: ما زاد -عليه الصلاة والسلام- عن إحدى عشرة، وثبت بالفعل أنه زاد، يعني هذا على حد علمها، وإطلاق الخبر مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يدل على أنه لا حد، لكن من تقيد بغالب أحواله -عليه الصلاة والسلام-، وهو الإحدى عشرة كماً وكيفاً، لا شك أنه أفضل، كماً وكيفاً، ما يقول لي: إحدى عشرة ويصليهن بعشر دقائق، يقول: خلاص هذا قيام النبي -عليه الصلاة والسلام-! لا يا أخي قرأ في الركعة الأولى البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وش بتسوي أنت؟ تقول لي: خلاص أن اقتديت وينتهي، نعم إذا اقتديت بالكم، تنظر إلى الكيف، وإلا جاء في النصوص ما يدل على أن على المسلم أن يكثر من التعبد، أعني على نفسك بكثرة السجود، والإكثار من التعبد ما لم يكن عائقاً عما هو أهمّ منه مشروح، يبقى أن هناك موازنة بين الفضائل، وأثر عن سلف هذه الأمة الركعات في اليوم والليلة بالمئات، وإن كان بعضهم يذكر أعداد قد لا يستوعبها الوقت، لما قال صاحب منهاج الكرامة الرافضي ابن مطهر الحلي يقول: "أن علي بن أبي طالب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة" قال شيخ الإسلام: الوقت لا يستوعب؟ يستوعب ألف ركعة؟! لكن أثر عن الإمام أحمد أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، إذا قلت: ثلاثمائة ركعة، والركعة المجزية يعني أقل قدر مجزئ تؤدى بدقيقة، فيحتاج إلى ست ساعات، إذا قلنا: دقيقتين يبي أثنا عشر يبي يطمئن اثنا عشر ساعة، والله المستعان، والإنسان إذا عرض هذه الأمور وهذه الأحوال على حاله وفعله وطريقته يعني يكاد يجزم بأن هذا مستحيل؛ لكن هناك أمور مجربة ظُنت مستحيلة وصارت من أيسر الأمور، كنا إلى عهدٍ قريب أن حفظ عشرة آلاف حديث مستحيل، ما يمكن يحاط بها، والآن يوجد من الشباب من يحفظ عشرة آلاف حديث، فكنا نظن أن ما في أحد يمكن يجلس ويقرأ القرآن بجلسة مستحيل، وجلس من طلوع الشمس إلى أذان الظهر وختم، وكنا نقول: وين اللي يقرؤون؟ خلاص انتهى، ما عندنا جلد ولا صبر، وجد من يقرأ اثنا عشر ساعة في الكتب، المسألة مسألة تحتاج إلى تعرف على الله في أوقات الرخاء وتقدم لنفسك ويعينك ربك، والنفس تحتمل وتنقاد إذا روضت على مراد الله -جل وعلا-.
"وأن أوتر قبل أن أنام" وهذا بالنسبة لمن يخشي أن لا يقوم من آخر الليل، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يوتر قبل أن ينام؛ لأنه يخشى أن تغلبه عيناه فيفوته الوتر، وعمر -رضي الله عنه- يوتر من آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يوتر آخر الليل، وصلاة آخر الليل أفضل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) والصلاة في الثلث الأخير في وقت النزول الإلهي لا شك أنها أفضل.


أم الخطاب78 19-12-09 01:48 PM

الحديث الثامن والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -‏:‏ ‏(‏(إن الدين يُسْر، ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدْوة والروحة، وشيء من الدُّلَجة‏))‏ [متفق عليه]‏‏ وفي لفظ: ‏(‏(والقصدَ القصدَ تَبْلُغوا)‏)‏‏ [‏متفق عليه].
هذا الحديث حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الدين يسر)) الدين يسر، وليس فيه عسر، ((يسرا ولا تعسرا)) {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [(286) سورة البقرة] فديننا يسر، وهذه الكلمة ينبغي أن تنزّل في منزلها، في منزلتها اللائقة بها، ليس للإنسان أن يتنصل من التكاليف والواجبات استدلالاً بأن الدين يسر، إذا خرج عن المألوف وشق عليه قال: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] نعم الدين لا شك أنه يسر، بمعنى أن جميع التكاليف ولاحظ كلمة تكاليف مع قوله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] إذاً فيه تكليف، ليس معنى كونه يسر أنه لا يأتي بما لا تهواه النفوس، ويشق أحياناً على بعض الناس؟ لا، فيه تكاليف، وفيه ما يشق على النفوس، وفيه خلاف ما تهواه القلوب، وما جبلت عليه النفوس؛ لأن الدين دين تكاليف، وحفت الجنة بالمكاره، وصيام الهواجر في شدته لا بد منه؛ لكن إذا وصل الأمر إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما أن يأتي ويقول: أنا والله لا أستطيع أترك الشاهي في نهار رمضان يقول: الدين يسر؟ نقول: لا يا أخي، أو أسوأ من ذلك أن يقول: لا أستطيع أن أترك الدخان، فلذا لا أصوم لأن الدين يسر، نقول: لا ما هو صحيح ، صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا بد منه، ولو كان على خلاف ما تهواه؛ لكن إذا وصل إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يمكن أن.... دين بشيءٍ لا يستطيع الإنسان الإتيان به، إن الدين يسر؛ لأن هذه الكلمة الآن صارت تتداول، يتداولها بعض من يروج للخروج من الدين، والانسحاب من الدين من أهل الزيغ، من المفتونين، يروجون بالنصوص الصحيحة الصريحة وينسون تكاليف، يعني يصل الحد ببعض العشاق مثلاً إلى قريب من الموت، نقول: الدين يسر اتصل بمن عشقت؟ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأنت ما تستطيع، افعل ما شئت، ما هو صحيح أبداً، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، مهما كان الأمر، والدين يسر تقول: أنا والله ما أقدر أصلي مع الجماعة، الدين يسر، والرسول قال: ((صل قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) يبي يصلي فوق الفراش؟ نقول: لا يا أخي، حيث ينادى بها، ومع ذلك الدين يسر، ما كلفك بأمرٍ لا تطيقه، ما قال: صلاة الظهر ثلاث ساعات، صلاة الظهر ما تزيد على عشر دقائق، هل في هذا ما يشق؟ هل في هذا ما لا تطيقه الأبدان؟ لا، ومع ذلكم الدين تكاليف، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، نعم تأتي إلى المشروعات فتزيد عليها تنقطع، شيء شرعه الله -جل وعلا- فتزيد عليه، تقوم الليل كله، تصوم النهار كله، لا بد أن تنقطع، تكون كالمنبت، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، الدين يسر في جميع تكاليفه، عقائد، أصول الدين ميسرة مسهلة واضحة ولله الحمد، وكذلك فروعه، الصلوات في حدود المقبول والمعقول المطاق، واجعل لك فسحة إذا كنت تستطيع الزيادة من التنفل فانفع نفسك، وأكثر من ذلك إذا لم تستطع شغلك شاغل معذور، اشتغلت بأمرٍ مهم كذلك، اشتغلت بالأهم كذلك؛ لكن أما أن تترك كل شيء وتقول: الدين يسر، هذا أخذ إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على عائشة وعندها امرأة اسمها الحولاء بنت تويت، تذكر من صلاتها وصيامها، ولها حبل إذا تعبت تستمسك به، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مه مه، اكففوا، عليكم من الدين ما تطيقون، فإن الله -جل وعلا- لا يمل حتى تملوا)) ولا شك أن الإكثار الذي يخرج عن حد المشروع مآله إلى الانقطاع، فسددوا وقاربوا وأبشروا، سددوا وقاربوا، وتنوع العبادات مقصود شرعي، تنوع العبادات من مقاصد الشرع، شرع نوافل الصلاة، شرع نوافل الصدقات، شرع النوافل للصيام، أما الأمور المفروضة الواجبة التي مكتوبة لا بد من القدر المشترك فيها على جميع المكلفين إلا العاجز، يبقى أن ما زاد على ذلك من النوافل تنوعت العبادات رحمةً ورفقاً بالعباد؛ لأن الناس يتفاوتون في ميولهم واتجاهاتهم، بعض الناس عنده استعداد يصلي مائة ركعة ولا يدفع ريال واحد، وبعض الناس عنده استعداد يصوم الأيام المتتابعة الهواجر ولا يدفع نزر يسير من ماله، وبعض الناس مستعد يدفع الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، هذا لا شك أنه من رحمة الله بعباده، الذي له ميول إلى الإنفاق ينفق، الذي له ميول إلى العبادات البدنية يتعبد، الحمد لله، ويبقى أن القدر المشترك بين الجميع الفرائض لا بد منها، والتفاوت هذا في النوافل، وأنتم تدركون أحياناً الإنسان عنده استعداد يجلس ساعتين ثلاث يقرأ عشرة أجزاء من القرآن، ثم جاء إلى صلاة الركعتين من أصعب الأمور، تشاهدون طلاب ومر عليكم مذاكرة وما مذاكرة، يجلس إلى الثلث الأخير من الليل، ثم يكون الوتر عليه ولو بثلاث ركعات أشق من الجبل، فالنفس أحياناً تنشط، وأحياناً تكسل، أحياناً تميل إلى العمل هذا، وأحياناً تميل...، وهذا التنوع نعمة ورحمة من الله -جل وعلا- بعباده، فسددوا وقاربوا، التسديد والمقاربة مطلوبة، يعني ابن عمر جاءه شخص مقبل راغب في العبادة وقال: إنه يريد أن يقرأ القرآن في كل يوم، قراءة القرآن في كل يوم ممكنة، وأثرت عن بعض السلف، وجاء عن عثمان أنه قرأ القرآن في ركعة وجاء عن كثير من التابعين أنهم يقرؤون القرآن في كل يوم، لا سيما في المواسم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) يا رسول الله أطيق أكثر من ذلك، ((اقرأه في الشهر مرتين)) ((اقرأ القرآن ثلاث مرات في الشهر)) ثم قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) في هذا درس ينبغي أن ينتبه له المربون، إذا جاءك شخص مندفع أكثر عليه يا أخي؛ لأنك لو أعطيته...، قال: أبا أقرأ القرآن في كل يوم اقرأ القرآن في ثلاث مثلاً، الرغبة تحدوه إلى أن يقرأ القرآن في كل يوم، وش اللي صار من ابن عمر؟ صار يقرأ القرآن في ثلاث، وأخيراً قال: ليتني قبلت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا جاءك شخص مندفع تمتص منه شيء؛ لأنك إذا أعطيته شيء بيزيد، وهذه طبيعة النفس، جبلت النفوس على هذا، إذا جاءك شخص متراخي ما يفتح القرآن يا أخي تقول: عثمان يقرأ القرآن في ركعة، وين أنت ما تفتح القرآن إلا في رمضان، إن تيسر لك جلست قبل الإقامة، وأنت طالب علم، والسلف حالهم مع القرآن كذا، تشجعه وتنهض من همته، فالمسألة مسألة علاج، وهكذا ينبغي أن يكون حال الداعية مع اختلاف المدعوين، أحياناً يكون الداعية في أوساط مفرطة متشددة، هؤلاء يحسن بالداعي أنه يلقي عليهم النصوص الواضحة في الوعد، فيهم من التشديد وفيهم من الشبه من الخوارج وفيهم كذا، يلقي عليهم نصوص الوعد، ويكثر من هذه النصوص ليمتص بعض ما عندهم، إذا كان بالمقابل في مجتمع متفلت ضايع، مفرطين، هؤلاء يعالجهم بنصوص الوعيد، ولذا جاءت النصوص الشرعية بهذا وهذا، وإلا بالإمكان أن ينزل القرآن على صفةٍ واحدة، على وصفٍ متوسط، لا إفراط ولا تفريط، لا وعد ولا وعيد على القدر المطلوب، لا؛ لأن النفوس ليست واحدة، النفوس ليست واحدة، لأنها لو جاءت على وتيرة واحدة كلها بالتوسط فلا بد من أن يشط يمين وإلا يسار، خليه يشط لليمين يعالج بنصوص اليسار، إن شط لليسار يعالج بنصوص اليمين، وبهذا تبرز وسطية هذه الملة، وسطية هذه الملة تبرز بمثل هذا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما أراد أن يبين وسطية أهل السنة والجماعة ذكر المذاهب من الجهتين، فإذا كان الداعية في مجتمع يغلب عليه الإرجاء، يكثر من نصوص الوعيد، والعكس إذا كان في مجتمع فيه بعض الخوارج يكثر من نصوص الوعد، ويعالج كل بما يناسبه، ((فسددوا وقاربوا)) سددوا: الزموا السداد في أقوالكم وأفعالكم، في عباداتكم، في معاملاتكم، وقاربوا: احرصوا على القرب من الكمال، ((وابشروا)) بالوعد الذي رتب على هذه الأفعال.
((واستعينوا بالغدوة والروحة)) الغدوة السير أول النهار، والروحة السير آخر النهار، ((وشيء من الدلجة)) من الليل، فبهذا تقطع المسافات الحسية، فلنقطع هذه المسافة المعنوية في سيرنا إلى الله -جل وعلا- مستعينين بهذه التوجيهات النبوية، فنستغل أول الوقت الذي هو محل البركة، بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، يعني يستغله طالب العلم بما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وليكن نصيب القرآن في هذا الوقت هو الأوفر، وآخر النهار يتركه لما يقربه أيضاً من الله -جل وعلا- من علومٍ أخرى، ومن عباداتٍ متنوعة، ويأخذ من الليل نصيبه والباقي لشؤونه وحياته، ((وشيء من الدلجة)) وفي لفظ: ((القصد القصد تبلغوا)) المنبت يأتي حديث عهد استقامة والتزام، وعنده ردة فعل مما بدر منه من ارتكاب لبعض المحرمات، وترك لبعض الواجبات، وتساهل في بعض الأمور، تجده يأتي متحمساً؛ لكن يقال له: القصد القصد يا أخي؛ لأن مثل هذا إذا جاء مندفع لا يؤمن أن يمل ويترك، يقال له: القصد القصد.


أم الخطاب78 19-12-09 01:48 PM

الحديث التاسع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏(حق المسلم على المسلم ست))‏‏ قيل‏:‏ وما هنّ يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ((إذا لقيته فسلّم عليه‏،‏ وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته‏،‏ وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه‏)‏) [رواه مسلم]‏.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع والعشرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حق المسلم على المسلم ست)) ست خصال وبالاستقراء في النصوص نجد أن الحقوق كثيرة، والحصر في هذه الست لا شك أنه للعناية بها، ولا يليق بمسلمٍ أن يقول مثلما قال بعضهم في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) يقول: في هذا الحصر نظر، وهو ينظّر في كلام من؟ كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم ثبت أنه تكلم أكثر من ثلاثة؛ لكن هذا سوء أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، في الوقت الذي تكلم به النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يخبر إلا بهؤلاء الثلاثة؛ لأنه لا يعلم الغيب، ثم أخبر بعد ذلك بغيرهم، وهنا نقول: أن الحقوق كثيرة من أهمها هذه الست، التي تجمع خير الدنيا والآخرة، وتجلب الألفة والمودة بين المسلمين، ((لا تدخل الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) ولهذا قال في الخصلة الأولى: ((حق المسلم على المسلم ست)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ فتصور أن واحد من الصحابة يسمع حق المسلم على المسلم ست ثم يخرج ما يعرف هذه الست، ما يمكن، لا بد أن يسأل، ولا بد أن يتثبت، ولا بد أن يستفصل، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه)) هذا هو الذي ينشر المودة والمحبة بين المسلمين، إذا لقيته فسلم عليه، في بلاد المسلمين الأصل في الناس الإسلام، في البلدان المختلطة على حسب ما يغلب على الظن، إن غلب على ظنك أن هذا مسلم ابدأه بالسلام، أما إذا بدأك بالسلامة فلا مندوحة لك عن الإجابة، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [(94) سورة النساء] لا، إذا ألقى عليك السلام تجيب، فإن غلب على ظنك أنه مسلم تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن غلب على ظنك أنه ليس بمسلم تقول: وعليكم، الجواب لا بد منه، إذا لقيته فسلم عليه، السلام له آداب والتوجيه الشرعي جاء بالأولى بالبداءة، الصغير يسلم على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والعدد القليل على الكثير، وهكذا؛ لكن إذا حرم الأولى مرّ شخص كبير وشخص صغير ما سلم الصغير، نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؛ لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم يقول: لا، الحق لي، وهذا يستعمله تستعمل في الأقارب بكثرة، تجد هذا أكبر من هذا يقول: لا أنا ما أزوره الحق لي، تجد هذا عمه وهذا ابن الأخ العم ما يزور ابن أخيه يقول: لا الحق لي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) ((إذا لقيته فسلم عليه)) السلام سنة مؤكدة عند أهل العلم، ورده واجب، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فإذا قال المسلم: السلام عليكم يقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله، إن زاد وبركاته في كل جملةٍ عشر حسنات، يخير المسلم بين التعريف والتنكير، فيقول: السلام عليكم، أو يقول: سلام عليكم، هذا بالنسبة في السلام على الحي، يخير بين التعريف والتنكير، السلام على غير المسلم، بداءته بالسلام، السلام الذي هو السلام المشروع في حق المسلمين لا تجوز بدائتهم بالسلام؛ لكن إذا سلم عليه بمثل ما جاء في القرآن والسنة، السلام على ما اتبع الهدى، هذا هو الأصل، ورد السلام ينبغي أن يكون بالأحسن، أو أقل الأحوال بالمثل، قال: السلام عليكم تقول: وعليكم السلام، والأحسن أن تقول: ورحمة الله وبركاته، ولا يجزئ عن هذا غير هذه الجملة، فإذا سلم فقال: السلام عليكم بعض الناس يقول: صباح الخير، بعض الناس يقول: أهلاً وسهلاً، كثير من الناس يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول: مرحباً، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أم هانئ جاءت وسلمت عليه، وأيضاً فاطمة ابنته، أم هانئ تقول: السلام عليك يا رسول الله فقال: من أنت؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بأم هانئ، وما نقل أنه رد السلام بلفظه، فمن أهل العلم من يرى أن الرد يجزئ بمثل هذا مرحباً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد بهذا، ويسقط به الواجب، والجمهور على أنه لا يسقط الواجب بمرحباً فقط، ولو لم تنقل للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها؛ ولأنها وردت في أحاديث كثيرة.
((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه)) نعم، تجبر خاطره، تجيب دعوته، إذا لم يكن عليك مشقة أو ضرر أو يكن ثم منكر لا يمكن تغييره، لا سيما ما يتعلق بوليمة العرس، وقد أوجب الإجابة إليها أهل العلم؛ لكن شريطة أن لا يكون هناك منكر لا يستطاع تغييره، كثير من الأعراس في زماننا تشتمل على منكرات يوجد بعضها عند الرجال، وأكثر هذه المنكرات عند النساء، ومع الأسف الشديد أنه يوجد من نساء المسلمين وبنات المسلمين من يحضر مثل هذه الاجتماعات، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كاسيات عاريات)) وما يحصل من المنكرات والجرائم، وأمور لا تخطر على البال يعرفها إخواننا أهل الحسبة، فهذه مصائب يجر بعضها إلى بعض، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحتاط لأهله، إجابة الدعوة مستحبة عموماً، متأكدة، أوجبها أهل العلم بالنسبة لوليمة العرس، ((وإذا دعاك فأجبه)) ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجبه، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) إن كان صائماً فليصل، يعني يدعو، الصلاة اللغوية، وإن كان قال بعضهم أن المراد به الصلاة الشرعية يصلي ركعتين وينصرف، على كل حال إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر وإلا فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأيضاً إذا كان الداعي ماله حلال، أما إذا كان ماله وكسبه حرام، فمثل هذا لا ينبغي إجابة دعوته، وإذا دعاك فأجبه، الصحابة -رضوان الله عليهم- دعا بعضهم بعضاً وأجابوا، ورجع بعضهم بسببٍ يسير، في أعيننا لا شيء، وجد ستاير على الجدران، سلمان وأبو الدرداء دعاهم ابن عمر فلما دخلوا وجدوا ستاير على الجدران، فرجعوا، ما كانوا يظنون بمثل ابن عمر الزاهد بزهده وورعه يضع ستائر على الجدران، وش ذا المنكر ذا الذي في عرفنا إيش يصير هذا؟ فيما نسمع وما نرى من منكرات يتداولها الناس من غير نكير، والله المستعان.
((وإذا استنصحك فانصح له)) تقدم في حديث الدين النصيحة ما يغني عن كثرة الكلام في كل الجملة، على كل حال إذا استنصحك طلب منك النصيحة، أراد أن يدخل في مشروع علمي وإلا تجاري وإلا أي... تنصحه، تمحضه النصيحة، إذا أراد أن يستشيرك في مصاهرة فلان، أو التزوج من فلانة أو ما أشبه ذلك يجب عليك أن تمحضه النصيحة، وأن تحب له ما تحب لنفسك.
((وإذا عطس فحمد الله فشمته)) إذا عطس، العطاس معروف، تخرج معه الأبخرة من الدماغ التي لو تراكمت لأضرت بالإنسان، فهذه نعمة، العطاس نعمة، العاطس يحمد الله شكراً على هذه النعمة ويستحق أن يشمّت، فإذا عطس فقال: الحمد لله يشمت فيقال: يرحمك الله، ويجيب العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، فهذه دعوات يتبادلها المسلمون، تدعو إلى الألفة والمحبة والمودة، وتجلب الأجور؛ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه ثبت لهم من الأجر مثله.
((وإذا مرض فعده)) زيارة المريض وعيادته تظافرت بها النصوص، إن كانت زيارته وهو سليم ليس بحاجةٍ إليك من أفضل الأعمال، فكيف بعيادته إذا مرض اطمئناناً على صحته، وتأنيساً له، وتذكيراً له؟! ونقل النووي الإجماع على أن عيادة المريض سنة؛ لكن الإمام البخاري ترجم في قوله: باب وجوب عيادة المريض، وهنا الأمر صريح ((وإذا مرض فعده)) فعيادة المريض متأكدة لا سيما في حق من له عليك حق من الأقارب، والمعارف والأصهار وأهل الخير والفضل، ومن تريد أن تسدي له نصيحة في مثل هذا الظرف، عله أن يتدارك ما فات، فالأجور تتضاعف بما يحتف بها، ((وإذا مرض فعده)) ويعاد المريض ولو كان لا يعي، بعض الناس يقول فلان بالعناية جيت وإلا ما جيت ما في فرق، عدناه وإلا ما عدناه هو ما يدري عنا، وزيارة المغمى عليه سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- زار جابراً وهو مغمىً عليه، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن تفطن له، ولا يحرم الإنسان نفسه، تجد كثير من الناس تمر عليه السنة ما زار المستشفيات، ولا زار المقابر مثلاً، القبور واتعظ وتذكر، ودعا لإخوانه، ولا عاد زار أقاربه ولا تبع جنازة، هذا حرمان، ونجد من بعض المسلمين من يتتبع الجنائز، ويصلي عليها، ويتبعها للأجر الثابت في ذلك، فيعود المرضى، ويحافظ على الواجبات، ويأتي بجميع ما ندب إليه من المستحبات، أو بجلها أو كثيرٍ منها، ويقرأ ويعلم، وهو أيضاً في عمله يعني البركة ما لها نهاية، ويوجد من المسلمين من يداوم الدوام الكامل، وله نصيب وافر من قراءة القرآن، ويدرس في كل يوم في آخر النهار، ويزور القبور، ويزور المرضى، ويجيب الدعوات، وله نصيب من قيام الليل، ومن التأليف، بعض الناس يقول: وش نلحق؟ تلحق يا أخي، بس مرن نفسك على برنامج معين، وانتهى الإشكال.
((وإذا مات فاتبعه)) تصلي عليه تحصل على القيراط وشيّعه، شارك في دفنه لتحصل على القيراط الثاني، لا يفرط في مثل هذه الأجور إلا محروم، والله المستعان.


أم الخطاب78 19-12-09 01:49 PM

الحديث الثلاثون: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً‏)‏) [رواه البخاري]‏.
الحديث الثلاثون: عن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) هذا فضل من الله -جل وعلا-؛ لأن المرض يعوق العبد عن مزاولة ما كان يعمله في حالة الصحة، فإذا حال المرض دونه ودون ما كان يعمله في حال الصحة كتب الله له من الأجر مثله، وقل مثل هذا فيما إذا سافر سفراً، والسفر محفوف بالمشقة، وهو قطعة من العذاب، كما جاء في الحديث الصحيح، يعوق المسلم عن ما يعمله في حال الإقامة، في حال السعة، ومن فضل الله -جل وعلا- أن يسر مثل هذه الأمور، وأعظم ما فيها الأجور، فإذا حصل للإنسان ما يعوق عن عمله الصالح ما كان يعمله في حال الصحة والإقامة فمن فضل الله -جل وعلا- أنه يكتب له، وهذا يدلنا على أنه لا بد من الاهتمام في العمل وقت الصحة والإقامة؛ لأنه إذا كان الإنسان ما عنده عمل في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ مثلما يكتب له وهو صحيح، كيف يكتب له؟ وما كان يعمل شيء في حال الصحة؟! إلا إسقاط الواجبات، المسألة مفترضة في مسلم يعمل الواجبات، ويترك المحرمات؛ لكن هذا فيه حث على الإكثار من الأعمال الصالحة في حال الصحة قبل المرض، وعلى المسلم أن يغتنم حال الصحة قبل المرض، يعني التنظير لمثل هذا شخص يعمل الأعمال الكثيرة، ويتنقل بأنواع العبادات القاصرة والمتعدية مرض يكتب له، لكن شخص ما يعمل شيء، أحياناً الدرجات في الاختبارات تقسم إلى قسمين تحريري وشفوي، يختبر الطالب التحريري وترصد له الدرجة، يضيق الوقت عن الاختبار الشفوي فيقول المدرس: ندبل الدرجة، هذا الذي ذاكر وأجاب جواب طيب في التحريري يستفيد؛ لكن الذي ما جاوب في التحريري وش يدبل؟ ومرة طالب من هذا النوع قال: يا شيخ أنا يصعب علي اختبار الشفوي، أنا أتلعثم، أنا ما عندي جرأة، دبل لي درجة التحريري، كيف يا أخي من مصلحتك أن تختبر شفوي، قال: لا أنا لا أطيق وما أدري إيش؟ من مصلحتك تختبر شفوي، قال: يا شيخ أنا لا أستطيع إن أدى الأمر إلى ذلك تركته، قلت: يا أخي أنت آخذ صفر في التحريري وش ندبل لك؟ ومثل هذا يا أخي الذي ما كان يعمل شيء في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ والذي لا يعمل شيء في حال الإقامة والسعة والراحة ماذا يكتب له في حال السفر؟ هذا حث على العمل في حال الصحة، ((اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك)) لا شك أن المرض يعوق ما دمت صحيحاً معافى، اغتنم هذا الأمر، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) إذا مرض وضعفت قواه، وثقل سمعه، وضعف بصره، يصل الحد إلى بعض الناس إلى أنه لا يستطيع أن يحمل المصحف، يا أخي استعمل جوارحك قبل أن تضعف، اغتنم حال الصحة والفراغ، لا تبلى بمرض ثم بعد ذلك كيف تعمل؟ تندم ولات ساعة مندم، ومثل هذا الفراغ الناس الحمد لله الآن في فراغ تام، وراحة بال، ما يغتنمون مثل هذه الأمور، ولذا الغبن هنا ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)) تضييع للصحة وإهدار للأوقات، ثم بعد ذلك إذا انتبه في آخر الوقت إلى لا شيء.
((كتب له في ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) فإذا كان يعمل في حال الصحة ثم جاءه المرض وحال دونه ودون العمل ثم تحامل على نفسه مع العمل هذا ثوابه لا يقدر عند الله -جل وعلا- ثوابه عظيم، مثل هذا إذا كان معذور عن العمل، ثم تحامل على نفسه وعمل مثل هذا ثوابه لا شك أنه عظيم، ومثله لو سافر، الرواتب عند الجمهور لا تفعل في حال السفر؛ لأنها مضمونة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يداوم على النوافل، الرواتب في حال السفر إلا ركعتي الصبح والوتر؛ لأن الله -جل وعلا- تكفل بكتابتها؛ لكن من عاقه عن العمل ما هو أعظم من السفر مثلاً، عاقه الانشغال بأمور المسلمين العامة أو الأمور الخاصة، هذا لا شك أن أجره وثوابه عظيم، والله المستعان.


أم الخطاب78 19-12-09 01:49 PM

الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أسرعوا بالجنازة‏،‏ فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه‏،‏ وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)‏)[متفق عليه]‏.‏
يقول -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن المراد بالإسراع يعني بعد التأكد من الوفاة، ولذا يستحب أهل العلم أنه في موت الفجأة ينتظر الميت ولا يسرع به، حتى يتأكد من وفاته، وحصل بعض القضايا النادرة التي كتب التقرير على أنه مات وانتهى، ثم يتبين أنه ما مات، فله أسرع بمثل هذا كان الأمر خطير، فمثل هذا يتأخر به، ومثله من له من أقرب الناس إليه كان غائب مثلاً، مثل هذا ينتظر إذا كان قريباً، نقله من بلد إلى بلد يكون أيسر إلى أهله ومعارفه وذويه إذا لم يترتب عليه تأخير ومشقة، أيضاً هذا يرخص فيه بعض أهل العلم، فالأمر بالإسراع نسبي، ((أسرعوا بالجنازة)) يعني في تجهيزها والصلاة عليها، وتشييعها ودفنها، والعلة في ذلك فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، جنازة المسلم الصالح العبد الصالح المؤمن مثل هذا تأخيره جناية عليه؛ لأنها إذا كانت صالحة فستقدم على ثواب ما قدمته، فتقدم إلى مثل هذا الخير، وحجبها وتأخيرها عن هذا الخير جناية عليها، ((إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني غير صالحة- فشر تضعونه عن رقابكم)) لأن مجالسة غير الصالحين وبال، في حال الحياة وفي حال الممات، لا خير في مجالسة غير الصالحين، لا خير في مجالستهم لا في حال حياتهم ولا في حال مماتهم، إلا من أجل نفعهم ودعوتهم وهدايتهم، ((وإن تك غير ذلك)) فلننظر لهذا الوصف المؤثر في التقديم إلى الخير أو ضده، وهو الصلاح، فعلى المسلم أن يسعى في إصلاح نفسه، يسعى جاهداً في إصلاح نفسه ليقدم على خير، ولا يجتنب الصلاح ويتنكب الصراط المستقيم، وطريق الصالحين، فيسلك به المسلك الآخر، فالصلاح لا شك أن أثره في الحياة وبعد الممات، وإذا كان المرء صالحاً واتصف بهذا الوصف كم يجني من أجور غيره؟ كل مصلٍ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيدخل، وإذا حرم من هذا الوصف حرم من هذه الدعوة، ومع ذلك يَقْدم ويُقدم إلى خير، أما إذا لم يتصف بهذا الوصف حرم من ذلك كله، والله المستعان.

أم الخطاب78 19-12-09 01:50 PM

الحديث الثاني والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة)‏)[متفق عليه]‏.‏
هذا الحديث في الزكاة المفروضة، وفيه تحديد الأنصبة –أنصبة الأموال الزكوية- ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) من التمر والحبوب والثمار هذا مما يكال، هذا نصاب خمسة أوسق، والأوسق: جمع وسق، والوسق ستون صاعاً، فأقل من ثلاثمائة صاع لا زكاة فيها، هذا بالنسبة للزكاة المفروضة، أما المستحب فلو كان عند الإنسان صاع واحد وقسمه وبينه محتاج نصفين أجره عظيم عند الله -جل وعلا-؛ لكنه لا على سبيل الوجوب والإلزام، فالشرع حينما لاحظ حاجة المحتاج أيضاً لم يهدر حاجة المتصدق، بينما ما غفل عن حوائج الأغنياء، نعم لاحظ حوائج الفقراء وجعلها هي الباعث الحقيقي على مشروعية الزكاة، لكن أيضاً حوائج ومصالح الأغنياء غير مهدرة، فمن رحمة الله -جل وعلا- أنه جعل هذه الأنصبة، ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) وهذا هو النصاب عند الجمهور، الحنفية لا يرون أن في ما يزكى من الحبوب والثمار والتمر والأطعمة ليس لها نصاب {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ((فيما سقت السماء العشر)) فيطلقون، يعملون بالنصوص المطلقة، ويقولون: إن مثل هذا الحديث زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والآحاد -مثل هذا الحديث- لا ينسخ القطعي، {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ما في تحديد بنصاب، وهذا هو المقطوع به، والحديث يقولون: آحاد، والزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون إلا بمساوٍ، القطعي لا ينسخ إلا بقطعي؛ لكن أهل العلم قاطبة على أن أخبار الآحاد إذا صحت أنها يجب العمل بها، العمل بها واجب، ولو لم تبلغ حد القطع والتواتر، ولا يلزم من كونها أخبار آحاد أو لا تفيد العلم أنه لا يجب العمل بها، بل يجب العمل بها، وجوب العمل بأخبار الآحاد قول عامة من يعتد به من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع، الحنفية يعملون بأخبار الآحاد، يعملون بها؛ لكنها عندهم هنا فيه شيء من التعارض، نعم التقييد والتخصيص فيه مشابهة للنسخ؛ لأنه نسخ جزئي للحكم، نسخ جزئي، إيش معنى نسخ جزئي؟ إذا خصصنا النص العام بدليلٍ يقتضي التخصيص أخرجنا بعض أفراده، وإخراجنا لبعض أفراد العام إلغاء، وهذا الإلغاء بدليل، فهو نسخ وإن لم يكن كلياً إلا أنه جزئي، ومثله التقييد، وعندهم أن النسخ لا يكون بين المراتب المختلفة من النصوص، فعامة أهل العلم على أن هذا تخصيص أو قل: تقييد، والتقييد ليس بنسخ، حتى عند من يقول: أن الآحاد لا ينسخ المتواتر ما يطبق عليه مثل هذا؛ لأن النسخ والتقييد ليس بنسخ، وإن كان جزئياً إلا أنه ليس بنسخ، على كل حال الراجح في المسألة معروف قول الجمهور.
((وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) هذا نصاب الفضة والورق هي الفضة، مضروبةً كانت أو غير مضروبة، فإذا كان عند شخص خمس أواقٍ والأوقية أربعون درهماً فيتحصل من المجموع مائتا درهم، هذا هو نصاب الفضة، ((وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة)) يعني من الإبل، دون الخمس ما في، الخمس فيها شاة، العشر فيها شاتان، العشرون فيها ثلاث شياه، الخمسة والعشرون تبدأ زكاة الإبل بالإبل، وهكذا، والغنم لها نصاب، والبقر لها نصاب محددة في كتب الفروع، ولا تخفى عليكم، جاء تحديدها في حديث أنس وغيره، وحديث الجوامع الزكاة فيما كتب به أبو بكر إلى عماله في الصدقات، هذه الجوامع تبين الأنصبة.



أم الخطاب78 19-12-09 01:50 PM

الحديث الثالث والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ومن يستعفف يُعفّه الله‏،‏ ومن يستغن يُغنه الله‏،‏ ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله‏،‏ وما أعطِيَ أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)‏)[متفق عليه]‏.
يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) الاستعفاف عما في أيدي الناس لا شك أن من فعله جاهداً وقهر نفسه على ذلك ما لم يصل إلى حد الضرورة لا شك أن الله -جل وعلا- يعنيه على العفاف، هذا جواب الشرط، وجاء الأمر به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النــور] المقصود أن على المسلم أن يكون عزيزاً لا يهين نفسه، ولا يبتذل نفسه باستكفاف الناس، وطلب إعاناتهم، وبعض الناس يسهل عليه هذا الأمر ولأدنى شيء يسأل الناس، مثل هذا يبتلى، لا يعان على العفاف، وإنما يبتلى بالحاجة الدائمة.
((ومن يستغن يغنه الله)) من يستغن بما في يده، عما في أيدي الناس يغنه الله -جل وعلا-، فمن تعلق بالله -جل وعلا-، وأنزل حاجته بربه، وتوكل عليه، وقطع العلائق عن الخلائق، لا شك أنه سوف يعيش حياةً مطمئنة، ويتحقق له الموعود في هذا الخبر، من يستغن بالله -جل وعلا- عن خلقه يغنه الله.
((ومن يتصبر)) والصبر معروف، حمله على النفس، يتصبر على نفسه أن تتخلق بهذا الخلق الجميل فيتصبر إذا لم يكن الصبر عنده خليقة يتصبر ويجاهد نفسه على ذلك، فيحمل نفسه على الصبر على طاعة الله، ويحملها على الصبر عن معصية الله، ويحملها على الصبر على أقدار الله، فإذا وجدت عنده هذه الملكة، وهذه السجيّة فليحمد الله على ذلك، إذا لم توجد عنده يحمل نفسه عليها ويجاهد نفسه عليها، حتى تكون عنده خليقة وملكة ((يصبره الله)) يعنيه الله -جل وعلا- على الصبر، والصبر ثوابه عظيم، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [(155-156) سورة البقرة] والنصوص كثيرة، فلا بد من الصبر على طاعة الله، لا بد من الصبر عليها، لا يقول: الجادة طويلة ومن يبي يصبر على هذه التكاليف؟ الذي ما يصبر عليها يصبر على نار جهنم بعد، بعض الناس يقول: أيام حر شديد كيف نصبر على الصيام؟ وكيف نصبر على الجهاد في أيام الحر؟ يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [(81) سورة التوبة]
يعني إن لم يصبر هذه الساعات وهذه الأيام، وعيده في جهنم، نسأل الله العافية، فليصبر على طاعة الله، وليصبر عن معصية الله، يقهر نفسه، لا شك أن الشهوات تنازع الإنسان، والنفس الأمارة، والشيطان إذا اجتمعت له هذه الأمور لا شك أنه تدعوه نفسه إلى ذلك، وتتوق إليه؛ لكن عليه أن يقهر نفسه، ويحمل نفسه على الصبر عنها، وإنما هي صبر ساعات، ثم بعد ذلك يبشر، بشر الصابرين، وليصبر على أقدار الله، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة عليه أن يرضى ويصبر ويحتسب الأجر من الله -جل وعلا-، فإن صبر له الأجر العظيم، وإن لم يصبر فالأمر بضد ذلك، فالأجر معلق بالصبر، من سخط فعليه السخط، على كل حال المصائب جاء فيها أنها مكفرات للذنوب، وقد يبتلى الإنسان بأمرٍ يخرج من ذنوبه بسببه، يخرج من ذنوبه كلها، والله -جل وعلا- يبتلي عباده، وقد يكتب لعبده منزلة لا يبلغها بعمله فيصاب ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) وحينئذٍ عليه أن يصبر ويحتسب لينال الأجر العظيم من الله -جل وعلا-.
منهم من يرى أن الثواب المرتب على المصيبة غير الثواب المرتب على الصبر، فالمصائب مكفرات، صبر أو لم يصبر، مكفرات عند بعض أهل العلم فإذا صبر كان له أجر الصبر وهو قدر زائد؛ لكن الجمهور على أنه إذا لم يصبر فلا أجر له، لا أجر له على هذه المصيبة، وقد يأثم إذا اقترن بذلك تسخط واعتراض وما أشبه ذلك، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، نعم؛ لأن الإنسان لا بد أن يعرض له أمور في حياته أمور كثيرة جداً في كل ساعة وفي كل يوم على خلاف ما تهواه نفسه، من طلبٍ، من طلب إيجاد فعل، أو طلب كف، على خلاف ما تهواه النفس، وقد يعتريه ما يعتريه؛ لكن إذا كان ممن أعطي الصبر وصبر على ما أمر به وصبر عما نهي عنه، وصبر على ما يعتريه أثناء حياته ومدة بقائه في هذه الدنيا، لا شك أنه اتصف بهذه الخصلة التي قال عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) لأن الصبر يحتاج إليه في كل لحظة، ما يمكن أن يستغني الإنسان عن الصبر والحياة كلها مجبولة على الكدر، طيب، في أمورك العادية إذا لم تصبر عندك سلعة تريد بيعها ما انباعت أول يوم وثاني يوم إيش بتسوي إذا ما جبلت على الصبر؟ تنتظر زيد من الناس تأخر، حصل له مانع وتأخر، إذا ما تصبر وش يصير؟ تحترق وبعدين وش الفايدة؟ وبعض الناس ينتظر شخص على موعد معه، يتأخر خمس دقائق يطلق ويدخل، يخرج ويقف على الرصيف ينتظر، وبعدين إيش النتيجة؟ استفاد شيء؟ ووصل الأمر ببعض الناس أنه إذا وقفت السيارة عند الإشارة نزل ومشى يخترق الإشارة حتى يصل صاحبه، وش يسوي هذا؟ وش يستفيد هذا؟ ما يستفيد شيء؛ لكن الصبر قهر النفس لا بد منه، لا بد أن تواجه ما يتطلب منك الصبر في كل لحظة من اللحظات، وما ضاق النفس ذرعاً بتأخر المواعيد إلا لأن حياتهم تكدرت، ومعايشهم تنغّصت، وما مرّنوا أنفسهم وجبلوا أنفسهم وقضوا أوقاتهم بما يرضي الله -جل وعلا-، يعني افترض أنك وعدت شخص الساعة خمس بيجي لك، تأخر إلى خمس وربع، الربع الساعة هذه عند بعض الناس تعادل أيام، عند بعض الناس يحترق، كاد أن يمزق ثيابه من ربع ساعة، لكن لو قال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم خلال الربع هذه الساعة لتمنى أن يتأخر ربع ثاني؛ لكن ما عودنا أنفسنا على هذه الأمور، فمن عود نفسه على استغلال أوقاته بما يرضي الله -جل وعلا- ارتاح من كثيرٍ من هذه الأمور، أنت تنتظر فلان من أجل إيش؟ افترض أن فلان تنتظره يعطيك مال، لك عليه دين أن يعطيك حقك، تنتظره بفارغ الصبر؛ لكن تأخر عليك حصل له ما حصل وتأخر عليك، لو جئت بالباقيات الصالحات صارت أفضل بكثير مما يعطيك، ولو كانت الدنيا بحذافيرها، في هذه المدة التي تظنها أحلك الأوقات بالنسبة لك، فعلينا أن نتحلى بالصبر، وعلينا أن نعمر أوقاتها بما يرضي الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك لا يهمك إذا اتحليت بهذا وعمرت وقتك بما يرضي الله ما عليك يتقدم يتأخر أنا مرتاح، الآن بعض الناس من خيار الناس إذا سمع المؤذن خرج إلى المسجد؛ لكن إذا تأخر الإمام دقيقة واحدة وقع في محرمات، اشتغلت الغيبة بين الأخيار في روضة المسجد، سببها إيش؟ عدم الصبر، يا أخي خذ مصحف واقرأ، أنفع لك من كونك تتكلم في عرض أخيك، وما يدريك ما الذي عرض له؟ سبح وهلل، اكسب الأعمال الصالحة في حياتك، ومع ذلك هذا لا يعفي من يخلف الموعد، كما جاء في الحديث علامات: ((إذا وعد أخلف)) هذا لا يعفي من التبعة؛ لكن بالمقابل الطرف الثاني لو وظيفة، وهذا عليه حقوق، فالشرع جاء بما يعالج وضع هذا ووضع هذا، ما هو أحد يسمع مثل هذا الكلام ويعد الناس الساعة خمس ويتأخر ساعة بدون عذر وبدون شيء ويترك أخاه يحترق؟ لا يا أخي هذا ما هو مبرر، أنت وعدت لا بد أن تفي؛ لكن إذا حصل لك مانع أو قصرت وأنت مسؤول عن فعلك وتفريطك أخوك له وظيفة أخرى، يوجه بالكلام الثاني، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-12-09 04:54 PM

شرح جوامع الأخبار (6)
شرح حديث: (إذا مات العبد انقطع عمله..) وحديث: (أنا ثالث الشريكين..) وحديث: ("‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم..) وحديث: (على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه..) وحديث: (مَطْل الغنيِّ ظلم..) وحديث: (الصلح جائز بين المسلمين..) وحديث: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة..) وحديث: (البيِّعان بالخيار..) وحديث: (من عادى لي ولياً..) وحديث: (كل عمل ابن آدم يضاعف..) وحديث: (ما نقصت صدقة من مال..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:




الحديث الرابع والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً‏،‏ وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)‏)[رواه مسلم]‏.‏
هذا الحديث العظيم يقول فيه -عليه الصلاة والسلام-: ((ما نقصت صدقة من مال)) الزكاة المفروضة والصدقات التي يتطوع بها أصحاب الأموال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما نقصت صدقة من مال)) عندك ألف ريال تصدقت زكاة مفروضة بخمسة وعشرين ومثلهن نفل، نقص الألف وإلا ما نقص؟ ينقص وإلا يستمر الألف؟ يصير ألف إلا خمسين، يصير تسعمائة وخمسة، قد يقول: كيف ما نقص؟ لكن ما يتصور الإنسان قدر النمو والتطهير لهذا المال الذي زكي، وهذا أمر يعرفه العامة قبل الخاصة، يعرفه العامة قبل الخاصة، إذا فقد الإنسان شيئاً ثم وجده قال: الحمد لله هذا مال مزكى ما يضيع، هذا عند العوام يقولون هذا، وأنتم تجدون في دنيا الناس كثير ممن يبذل ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر وأمواله في ازدياد في الدنيا، وقد يحصل له الابتلاء، والله -جل وعلا- يبتلي بأعراض هذه الدنيا وجوداً وعدماً، قد يزكي ويبتلى بجوارح؛ لكن ما عند الله -جل وعلا- أعظم، والحسنة بعشر أمثالها؛ لأن بعض الناس وقد أورد من قبل المتقدمين يقول: لا شك أن الزكاة فيها أجر وفيها ثواب؛ لكن كيف يباع العاجل بالنسيئة؟ هنا ندفع أموال حاضرة والنسيئة تأتي بعدين، لو أن الله -جل وعلا- وعدك على الحسنة بحسنة، وعلى الريال بريال، يمكن تقول هذا الكلام، لكن وعدك على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، مثل هذا يخطر على بال عاقل؟! وإلا قيل مثل هذا الكلام، كيف نبيع عاجلاً بآجل؟ لو كانت المسألة متساوية تبيع ألف بألف مثلاً، أو سيارة تستاهل منك خمسين ألف تقول: اشترها يا فلان بخمسين ألف لمدة عشر سنوات، وأنت لا ترجو إعانة أخيك، نقول: ما يصح تبيع شيء بقيمته الحاضرة تنتقد في موازين الناس؛ لكن يبقى هل هذا الأمر متقارب بينما تدفع وما ترجو وما وعدت، فرق كبير جداً جداً لا نسبة بينهما، ولذا مثل هذا الكلام لا يرد البتة، والوعد الصادق: ((ما نقصت صدقة من مال)) لأن الصدقة سميت بذلك لأنها تصدق صاحبها أو علامة على صدق دعوى صاحبها أنه مسلم وملتزم بأحكام الإسلام إذا أدى هذه الزكاة، نعم صدق في دعواه، وهي أيضاً جاءت تسميتها بالزكاة؛ لأنها تزكي المال وتنميه، سواء كانت هذه التنمية بالكيفية أو بالكمية، وتنمية الأموال بالكمية ظاهر، الناس يبذلون الملايين فيما يرضي الله -جل وعلا- وأموالهم تزيد زيادات كبيرة جداً، وبالمقابل أهل الشح والبخل أموالهم تنقرض، وكثير من أموالهم يصرفها أهل الشح والبخل فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، بل تتفلت منهم رغم أنوفهم، يبتلى بولدٍ مبذر، يبتلى بامرأة سفيهة، يبتلى بأمراض، يبتلى بكوارث ومصائب وجوارح، وهذا الواقع يشهد بهذا، ولهذا الوعد الصادق لا يتخلف، قد لا يزيد المال في الكمية، يزيد في الكيفية، يستفيد من هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، وفيما يسعده في دنياه، وهذا من الزيادة، والزيادة تحتمل أن تكون الكمية والكيفية، كزيادة العمر مع الصلة، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً؛ لأن الناس يتصورون إن الإنسان إذا عفا عمّن ظلمه يتصورون أنه أنزل نفسه، ويرمونه بالعجز، لولا أنه عاجز عن استيفاء حقه ما عفا، فيتصورونه أو قد يتبادر على بعض الأذان أنه ذل بعفوه، والحديث الصحيح يدل على العكس والواقع يشهد بذلك، ولا شك أن من عفا أجره على الله، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] وإذا كان أقرب للتقوى فهو العز الحقيقي، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، ما تواضع أحد لله يرجو بهذا التواضع ثواب الله -جل وعلا-، ما تواضع من أجل ثناء الناس عليه، ولا تواضع للأغنياء لكي يصلونه بشيءٍ من أموالهم، إنما تواضع لله -جل وعلا-، إذا تواضع لله -جل وعلا-، والمتواضع والتواضع خضوع وقرب حسي، وإن كان من حيث الناحية المعنوية رفعة عند الله -جل وعلا- وعند خلقه، وهذا شيء مجرب، بعض الناس لا يطيق رؤية المتكبر، بل وجد من يعتدي عليه، متكبر في مشيته، في كلامه، في تعامله مع الناس، هذا لا يطاق، مثل هذا وإن رفع نفسه أذله الله -جل وعلا-، يقول الشاعر:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ *** على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيعُ
لا شك أن المتكبر مثل الدخان رافع نفسه؛ لكن لا شيء، رؤيته تزكم الأنوف، مثل الدخان، وتقضي العيون، وأما بالنسبة للمتواضع المتحبب الأليف لا شك أن الناس يألفونه ويحبونه، وشواهد الأحوال على ذلك كثيرة، والتواضع لا شك أنه قرين للدين والعلم، كلما زادت عبادة الشخص وقربه من الله -جل وعلا- تواضع لله، وخضع له، وكلما زاد علم الإنسان بربه وبأحكامه زادت معرفته بنفسه، ثم دعاه ذلك إلى التواضع، والله المستعان.

أم الخطاب78 24-12-09 04:55 PM

الحديث الخامس والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ (‏(‏كل عمل ابن آدم يضاعف‏، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‏،‏ قال الله تعالى‏:‏ إلا الصوم‏‏ فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي‏،‏ للصائم فرحتان‏:‏ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه‏‏ ولَخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‏،‏ والصوم جُنَّة‏،‏ وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل‏:‏ إني امرؤ صائم‏))[متفق عليه]‏.‏
في هذا الحديث وهو مما يتعلق بالصيام بعد أن ذكر المؤلف بعض الأحاديث المتعلقة بالصلاة والزكاة على الأبواب ماشي -رحمه الله- ينتقي من كل باب أجمع حديث فيه، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)) الحسنة مضاعفة، والسيئات أفراد لا تضاعف، ولذا يقول أهل العلم: خاب وخسر من فاقت آحاده عشراته، الحسنة بعشر أمثالها، هذا أقل تقدير، أقل المضاعفات إلى سبعمائة ضعف، {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [(261) سورة البقرة] الحبة صارت سبعمائة حبة إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، وهذه المضاعفات مردها إلى قوة الإخلاص لله -جل وعلا-، وحسن العمل فإذا كان العمل أدخل في هذين البابين الإخلاص والإصابة زادت المضاعفات؛ لكن إذا كانت صورته صورة العمل الشرعي وحصل ما حصل تنقص هذه المضاعفات، المقصود أن الله -جل وعلا- فضله لا يحد، سبعمائة ضعف، يتصور الإنسان أنه يقرأ القرآن في مدةٍ وجيزة ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة، وهذا أقل تقدير، الحرف بعشر حسنات، فكيف إذا ضوعف الأجر إلى سبعمائة ضعف؟ من يقدر هذا القدر؟! وكم يختم الموفق في عمره، وإذا ضربت هذه المضاعفات بعدد ما قرأه المسلم من آي القرآن من الأمور السهلة الميسرة، يعني بالإمكان يجعل له ورد يومي بحيث يقرأ القرآن بالراحة، ويحصل على هذه الأجور ولو لم يقرأ لذهب الوقت في القيل والقال، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وذكرنا حديث المسند، وفيه كلام ضعيف عند أهل العلم؛ لكن هو لائق بفضل الله -جل وعلا- إلى ألفي ألف ضعف، مليون ضعف، هل يخطر ببال مسلم أنه من أين جاب هذه الأعداد؟ من فضل الله -جل وعلا- وفضله لا يحد، يعني ما هو ينفق من حساب مهما طالت أرقامه تنتهي، لو اجتمع الناس أو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم من أول ما خلق الله الخليقة إلى أن تقوم الساعة فسألوا الله -جل وعلا- فأعطى كل واحدٍ مسألته ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، وتعرفون حديث: أدنى أهل الجنة منزلة، وليس فيهم دنيء، أدناهم منزلة هو آخر من يخرج من النار يقال له: تمنَ، يكفيك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ قال: يكفي، لك وعشرة أمثاله، هذا أقلهم منزلة، فكيف بمتوسطيهم؟! وكيف بأعلاهم؟! فما عند الله -جل وعلا- لا ينفد، قال الله تعالى: ((إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)) والصوم يشمل صوم الفرض وصوم النفل هو لله -جل وعلا-، وإضافته إلى الله -جل وعلا- إضافة تشريف، ومزيد عناية وإلا فكل العبادات لله -جل وعلا-، ((إلا الصوم فإنه لي)) لأنه لا يمكن أن يصرف منه شيء، أمر غيبي لا يطلع عليه أحد، فلا يمكن أن يدخله الرياء إلا إذا كان الإنسان ما يحتمل الخير وإلا فبالإمكان أن يصوم الإنسان ولا يدرى به، ((إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)) يعني جزاء لا يحد، ما يدخل في التضعيف المذكور سبعمائة ضعف، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) سبعين سنة، يوم واحد، وفي سبيل الله، منهم من يرى أنه في الجهاد، ومنهم من يقول: أنه خالصاً لوجه الله -جل وعلا-.
((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) من أجلي، الباعث على هذا الصيام طلب ما عند الله -جل وعلا-، قد يقول قائل: زيد من الناس أصيب بمرض، فأوصاه الأطباء بالحمية، وقال: بدلاً من الحمية أصوم، هل هذا ترك شهوته وطعامه من أجل الله؟ له أجر وإلا ما له أجر؟ له أجر؛ لأنه ما عدل عن الحمية التي لا توافق الشرع إلى ما يوافق ما أمر به الشارع إلا طلباً لثواب الله -جل وعلا- فله أجره؛ لكن يبقى أن ثوابه ما هو مثل ثواب الذي من أجل الله -جل وعلا- ترك الطعام والشراب، وقل مثل هذا الكلام فيمن أمره الأطباء بكثرة المشي فقال: بدلاً من أن أجوب الأسواق طولاً وعرضاً أطوف، يطوف، ويسأل بعض الناس السعي فيه ثواب وإلا ما فيه ثواب؟ رياضة، يبي يمشي هو، يقول: لا السعي ما فيه ثواب إلا إذا كان في نسك حج أو عمرة، أما الطواف ففيه الثواب مطلقاً، وفيه النصوص المعروفة ((من طاف أسبوعاً يحصيه كان له بكل خطوةٍ حسنة)) المقصود أن فيه ثواب، فيقول: بدلاً من أن أجوب الأسواق رايح وجاي، والناس وش بك؟ وأين تبي؟ وين أنت رايح؟ وواحد اللي يوقفه يبي يشيله لا، بدون إحراج، باروح إلى المطاف وما شاء الله آخذ لي أسبوع أسبوعين ثلاثة، نقول: نعم، عدولك عن المشي المباح إلى المشي المستحب فيه ثواب؛ لكن يبقى أن الباعث يختلف، فليس ثوابه ثواب من عمل العبادة خالصاً لوجه الله تعالى.
((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) شهوته يدخل فيها الجماع وما دونه مما يفطر، مما اشتمل على الشهوة، وبهذا يستدل من يقول: أن مجرد خروج المذي ما يفطر؛ لأنه ليس فيه شهوة، على كل حال الجماع مفطر إجماعاً، وفيه كفارة، والطعام أيضاً مفطر إلا إذا كان ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه، من أجل الله -جل وعلا- وطلباً في رضاه.
((للصائم فرحتان)) وكل صائم يدرك هذا بنفسه، ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطرة)) ولولا هذا النص، فرحة عند فطرة، يعني الإنسان جبلة خلقة إذا قدم الفطور ينتظر أذان المغرب، ويبدأ بالفطور يفرح، هذا موجود عند الناس كلهم، ولولا مثل هذا النص لقلنا: أن هذا الفرح فرح بالفراغ من العبادة، وهذا ما هو طيب الشعور بهذا، لكنه ما دام ثبت في الشرع أن الصائم له أن يفرح فليوجه هذا الفرح بأنه فرح باستكمال هذه العبادة، الحمد لله أنه أكمل هذا اليوم من غير أن يعرض له شيء يضطره إلى الفطر، ومباشرة ما امتن الله به -جل وعلا- عليه وأباحه له، ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطرة)) إذا افترضنا أن هناك اثنين، كلاهما صائم، واحد ينتظر كل شيء ينظر للساعة متى يؤذن؟ والثاني: غافل عن هذا الأمر يذكر الله ويتلو القرآن، والحمد لله هو في عبادة، هل نقول: أن الذي يفرح بقرب الفطور أفضل من الذي ينشغل عن هذا الأمر بعبادةٍ أخرى، أو على الأقل ما يخطر على باله يعني يستوي عنده أنه يؤذن أو ما يؤذن، يستوي عنده الأذان وعدمه، كله واحد، لو استمر النهار ساعتين ثلاث ما... في الحديث يقول: ((للصائم فرحتان)) له ذلك؛ لكن هل معنى هذا أنه يؤجر على هذه الفرحة أو لا يؤجر؟ بحسب ما يقر في قلبه من هذه الفرحة، إن كان متضايق من الصيام لا شك أن هذا لا يؤجر عليه البتة، هذا خلل؛ لأن هذه عبادة، نعم قد يحتاج إلى الأكل في
شدة أيام الحر فمثل هذا لا يؤاخذ، أما من لم يخطر الفطور والفطر على باله هذا لا شك أنه منسجم مع هذه العبادة وانشغل وقته بما يرضي الله -جل وعلا- لا شك أنه أكمل، وأما الفرحة هذه فرحة جبلية، الفرحة الثانية عند لقاء ربه، عند لقاء ربه إذا رأى ما وعد الله به عباده الصائمين، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، لا شك أن مثل هذا يبعث على الفرح، ويحث على العمل.
((ولخلوف فم الصائم)) الخلوف الرائحة التي هي في عرف الناس كريهة، التي سببها فراغ المعدة من الطعام إذا فرغت المعدة من الطعام انبعث هذه الروائح الكريهة، وهذا يسمى خلوف، ((ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) لماذا؟ لأنها رائحة نشأت عن عبادة، أثر عبادة، ولذا الغبار في سبيل الله أمره عظيم، الدم دم الشهيد شأنه عظيم، وهو دم وهذه الرائحة الكريهة أيضاً أطيب عند الله من ريح المسك، ((والصوم جنة)) جنة وقاية يجتن بها الصائم، ويتقي بها، الصوم جنة، والتقوى من أعظم فوائد الصيام، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]
هذه العلة والحكم من مشروعية الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهو جنة يقي العبد مما يكره في الدنيا والآخرة.
((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب)) الرفث: الكلام البذيء سواء كان منه ما يتعلق بالنساء وهو الأقرب أو غيره، ولا يصخب الكلام الذي فيه صخب ولغط ويؤدي إلى شجارٍ ونزاع كل هذا ممنوع منه المسلم مطلقاً، وهو يتأكد منع منه في حال الصيام، فلا رفث ولا فسوق ولا عصيان ولا صخب في حياة المسلم كلها، ومن باب أولى إذا كان متلبساً بعبادة كما هنا، فلا يرفث ولا يصخب، وفي الحج: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ((فإن سابه أحد أو قاتله)) اعتدى عليه بلسانه أو بيده ضاربه أو بسلاحه ((فليقل: إني امرؤ صائم)) يخبره بذلك ليكف وليخبره أنه ليس بعاجز عن الرد عليه، وإنما يحجزه هذه العبادة التي تلبس بها، ((فليقل: إني امرؤ صائم)) من أهل العلم من يرى أن مثل هذا الكلام يقال في صوم الفرض؛ لأن الناس كلهم صائمون والفرض لا يدخله رياء، مطلوب من الناس كلهم، أما في النفل لا ينبغي أن يقول: إني امرؤ صائم؛ لئلا يخبر بسريرته، ويكشف حقيقة أمره، وإن كان النص عام، يعني إذا سابه أحد أو قاتله يخبره بأنه ما حجزه وما منعه عن الاقتضاء منه والاقتصاص إلا الصيام، وإلا ليس بعاجز.

أم الخطاب78 24-12-09 04:57 PM

الحديث السادس والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إن الله قال‏:‏ من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‏،‏ وما تقرب إلى عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه‏،‏ وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه‏،‏ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها‏،‏ ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه‏،‏ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن‏:‏ يكره الموت، وأكره مساءته‏،‏ ولا بد له منه)‏)[رواه البخاري‏].
هذا الحديث حديث أبي هريرة في حق الأولياء في مالهم عند الله -جل وعلا-، وفي أوصافهم، وهذا الحديث عند أهل العلم يسمى القدسي، الحديث الإلهي، الحديث الرباني؛ لأنه مضاف إلى الله -جل وعلا-، يقول: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) والولي: هو الذي يتقرب بالفرائض ويتبعها بالنوافل، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، والمؤمنون كلهم أولياء لله، فليحذر المسلم من معاداة ولي الله؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) إذا عادى المؤمن المطيع لربه المجتنب عن محارم الله المتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل فقد آذنته بالحرب، والعداوة قد تكون قلبية، ولا شك أن سبب هذا خلل إما في قلب الشخص وعدلاً من سلامته، أو فساد في تصوره وإلا فكيف يعادي المسلم أخاه المسلم بغير جريرة وبغير عداوةٍ منه أو اعتداءٍ عليه؟ باعث على هذه العداوة إما فساد في قلب الشخص أو خلل في تصوره، أو وجود حسد، ولا شك أن بعض الناس يعتدي على غيره حسداً، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [(54) سورة النساء] وإلا فكيف تتصور شخص مطيع لله -جل وعلا- مؤدي ما افترض الله عليه، مجتنب لما نهى الله عنه فتعتدي عليه في يدك أو في لسانك وتعاديه وتهجره لغير سبب؟ فلينته المسلم لا سيما طالب العلم أن يعادي الأولياء بسبب لأنه إذا كان هناك سبب يقتضي العداء فإنه ليس بولي، إذا كان هناك سبب حقيقي يقتضي العداء فمثل هذا ليس بولي، على أن المسلم لا سيما من كانت عنده موافقة ومخالفة، تجده مطيع لله -جل وعلا-، مؤدي الفرائض، مجتنب لبعض المحرمات، مرتكب لبعضها، مثل هذا يحب بقدر ما عنده من إيمان، بقدر ما عنده من إسلام، بقدر ما عنده من طاعات؛ لكنه يبغض بقدر ما عنده من مخالفات ومعاصي، يجتمع في المسلم موافقة ومخالفة.
((فقد آذنته بالحرب)) ومن لديه قدرة على مبارزة الله -جل وعلا- بالحرب؟ وجاء في آكل الربا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما افترضته عليه)) لا شك أن أداء الواجبات واجتناب المحرمات أولى من الانشغال بالمستحبات، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) يعني على الإنسان أن يؤدي ما افترض الله عليه، فإذا حصل فيها خلل غير مقصود وتنفل الإنسان بعدها جبر النافلة هذا الخلل، أما أن يعنى بالنوافل وهو مخل مصر على الخلل في الفرائض يخل بالفرائض عن قصد يقول: نكملها بالنوافل، ((وما تقرب إليّ عبدي أحب إلي مما افترضته عليه)) هنا مسألة يحتاجها كثير من الإخوان المشايخ وطلاب العلم، تجد بعضهم باذل في وجوه الخير والنفع لكن هذا البذل له أثر في عمله الأصلي الذي استؤجر عليه ووجب عليه، تجد مثلاً مدرس مقصر في التدريس الواجب وعنده في آخر النهار حلقة تحفيظ، أو أستاذ في جامعة أو في غيره عنده دروس لكنه يتخلف عن المحاضرات الواجبة عليه، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) عليه أن يؤدي هذا الواجب الذي يأخذ مقابله أجرة، ثم إذا تنفل بما زاد على ذلك نور على نور، وبعضهم يتسامح في مثل هذا الأمر، ويقول: ما دام العمل الثاني يحقق الهدف الذي من أجله استؤجر على العمل الأصلي هذا يجبر هذا، وعلى كل حال كل له نظرته؛ لكن ينبغي العناية بما أوجب الله عليك، احرص على أن تؤدي ما أنيط بك من عمل، وأخذت عليه أجرة كاملاً، وما زاد على ذلك لك أجره -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال على الإنسان أن يؤدي ما اؤتمن عليه، وما استؤجر من أجله، وعليه أيضاً أن يبذل، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) لكن هل الشخص الباذل الذي يبذل قدر زائد على ما أوجب عليه، هذا إذا حصل خلل فيما أوجب عليه يجبر بهذه النوافل، كما أن الصلوات المفروضة تجبر بالرواتب؛ لكن الإشكال إذا قال: أنا من أهل التحري والتثبت وأؤدي العمل الواجب، ولا أستطيع أن أتنفل، ويحرم من النفع العام الذي يؤديه إلى غيره، يحرم الناس بسبب أنه يريد أن يتحرر، ويؤدي الواجب، ويخشى أن يكون هذا العمل المندوب له أثر على الواجب فيحرم من ما يكمل هذا الواجب، فعلى الإنسان أن يحرص على الواجب ويؤدي المستحب.
((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يتقرب بالنوافل: وأعظم النوافل طلب العلم، طلب العلم ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، هذا أعظم وأفضل من نوافل العبادة، فعلى الإنسان أن يحرص عليه ويتقرب بوجوه الخير الأخرى اللازمة والمتعدية من صلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج وعمرة، ونفع لإخوانه المسلمين، وإعانة للمحتاجين، وسعي في قضاء حوائجهم، ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)) وفي هذا إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)) وإذا كان الله -جل وعلا- سمع الإنسان فإنه لن يسمع إلا ما ينفعه في أموره ودنياه، وسوف يحمي سمعه عن سماع المحرم من غيبة ونميمة وأغاني وفحش وإسفاف ((وبصره الذي يبصر به)) وقل مثل هذا فيما يرى، فإذا أحب الله -جل وعلا- العبد حماه عن مزاولة المنكرات المسموعة والمرئية، وكنت يده التي يبطش بها، فلا يمد يده إلا إلى شيءٍ مشروع، أو على أقل الأحوال مباح ((ورجله التي يمشي بها)) فلا يمشي إلا إلى عبادة أو إلى شيءٍ مباح يستعين به على عبادته، ((ولئن سألني لأعطينه)) ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ((ولئن سألني لأعطينه)) لأن من حافظ على الواجبات، وتقرب بالنوافل عصمه الله -جل وعلا- عن المحرمات، لا سيما ما يدخل في جوفه من مأكولٍ ومشروبٍ، وما يلبسه على بدنه مما يقتضي رد الدعوة، فمثل هذا إذا عصم من الأكل الحرام، وشرب الحرام، وغذاء الحرام، وكسوة الحرام، مثل هذا يكون مجاب الدعوة؛ لأن من موانع الدعوة هذه الأمور، مزاولة المحرمات، ذكر الرجل ((يطيل السفر، أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) لكن هذا الولي ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني...)) سألني شيء ينفعه في دينه ودنياه لأعطينه، وإن استعاذني من شيء يضره في دينه ودنياه لأعيذنه.
((وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)) إذا وجد أمر ينتابه أمران، أمر يحث عليه، وشيء يحذر منه، يحصل هنا التردد، هل يفعل أو يترك؟ يفعل نظراً إلى ما يحث عليه، يترك نظراً إلى ما يحذر وينفر منه؟ هذا بالنسبة لتردد المخلوق، تردد المخلوق في شيء لما ينتابه مما يأمره بالإقدام ويعارضه من الإحجام، هذا يورث التردد بالنسبة للمخلوق، وهذا الباعث على تردد المخلوق؛ لكن بالنسبة للخالق؟ هذا التردد يليق به -جل وعلا- ما لا يشبه تردد المخلوق، ويكره عبده الولي الموت فالله -جل وعلا- يكره قبض روحه؛ لأن الموت يسوء هذا الولي؛ لكنه أمر مكتوب محتوم عليه لا بد من وقوعه، فلا بد من نفاذه حينئذٍ.

أم الخطاب78 24-12-09 04:57 PM

الحديث السابع والثلاثون: عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا‏، فإن صدقا وبيَّنا‏‏ بورك لهما في بيعهما‏،‏ وإن كذبا وكتما‏‏ محقت بركة بيعهما‏)‏) [متفق عليه]‏.
نعم هذا الحديث في البيع وإثبات للخيار، وهو خيار المجلس بين الطرفين المتعاقدين، ما داما في مجلس العقد، هما بالخيار لكل واحدٍ منهما أن يمضي العقد أو يفسخ العقد، فكل منهما له أن يختار بين إمضاء البيع أو فسخه، ما لم يتفرقا بأبدانهما، كما يفيده هذا الحديث، لا بالأقوال كما يقوله بعضهم، كالحنفية والمالكية، لكن إثبات خيار المجلس هو الصحيح لهذا الحديث، وما جاء في معناه، فإذا تفرقا بأبدانهما عن مكان العقد لزم البيع، فلا خيار لأحدهما، ثم بين النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يتحلى به المتعاقدان، ((فإن صدقا)) ولم يكذب أحدهما على الآخر لا في السلعة وقيمتها، ولا فيما طلبت به وسيمت، لا يجوز للبائع أن يقول: اشتريتها بكذا، بل عليه أن يصدق إذا أراد أن يخبر إذا قال له المشتري: بكم اشتريت هذه؟ لا يجوز له أن يكذب في ثمنها، له أن لا يخبر؛ لكن إذا أخبر يجب عليه أن يصدق، إذا قيل له: كم سيمته؟ لا يجوز له أن يخبر بخلاف الواقع، بل يخبر ما سميته بدقة، وعن السوم الذي قريب من المجلس، قد تكون السلعة السيارة سيمت في العام الماضي لكن هذه السنة كم تسوى؟ تسوى ثلاثين مثلاً، تقول: كم سميت السيارة؟ يقول: والله سميت خمسين ألف، متى سميت خمسين ألف؟ هذا كذب بلا شك، لا بد من الصدق من المتعاقدين، وبين لا بد من بيان حقيقة السلعة، لا بد من بيان حقيقة السلعة ووصفها بالوصف الدقيق وما فيها من عيوب، لا بد من البيان، فلا يجوز أن يكتم عيباً تشتمل عليه مما لا يراه المشتري، فإن حصل منهما ذلك حصل الصدق والبيان ((بورك لهما في بيعهما)) والبركة في هذا البيع يبارك السلعة للمشتري المثمن، ويبارك في القيمة للبائع، فيستفيد منه على أكمل وجه، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما، لو جاء شخص لصاحب سيارة وقال له: كم تسام هذه السيارة؟ قال: خمسين ألف، بالفعل قبل مدةٍ يسيرة بنفس اليوم سيمت خمسين ألف، قال: سميت خمسين ألف، وهو يبي ستين ألف، قال: ماني زائدك أكثر أزيدك ألف واحد وخمسين، النسبة للفضل والأجر والثواب والعقاب معروف مفروغ منه، لكن بالنسبة لأمور الدنيا؟ سميت خمسين ألف قال: هذه واحد وخمسين قال: هات، واحد وخمسين مع الصدق والبيان يبارك به -إن شاء الله-، لكن لو قال: سميت تسعة وخمسين على شان يقول له: ستين وليس بصادق أيهما أبرك؟ الواحد والخمسين وإلا الستين؟ شواهد الأحوال في الواقع تدل على أن الصدق والبيان مثل هذا يضمن البركة، فيستفيد البائع من القيمة على أكمل الوجوه، وأما إذا كذب أو غش ولم يبين وكتم، يمكن أن ترتفع قيمة السلعة، ويحصل على أعظم مبلغ لكن مع ذلك الشواهد تدل على أنه لا يستفيد من هذا المال البتة، والله المستعان.
((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)) والبركة تكون في الثمن والمثمن، إذا صدق الطرفان، وأما إذا صدق أحدهما دون الآخر حصلت لهما البركة بمفرده، والمحق للطرف الآخر، ((وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) فلا البائع يستفيد من الثمن، ولا المشتري من المثمن، والله المستعان.

أم الخطاب78 24-12-09 04:58 PM

الحديث الثامن والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغَرر"‏ [رواه مسلم]‏.‏
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، هذا نوع من البيوع كانوا يتعاملون به في الجاهلية، يأتي من يريد السلعة إلى صاحبها وعنده حصاة يقول: خذ حصاة واضرب بها أي شيءٍ تريده وما وقعت عليه هذه الحصاة فهو عليك بكذا، أو ارم هذه الحصاة فالحد الذي تصل إليه من الأرض عليك بكذا، هذا غرر لأن الناس يتفاوتون في دقة الإصابة، إصابة المراد، بعض الناس يرمي يريد أمامه، تروح يمين وإلا يسار، وبعض الناس يصيب بدقة، فإذا راحت يميناً وشمالاً لا شك أنها ستقع على سلعةٍ إما أن تكون بأكثر من الثمن أو بأقل، فيتضرر أحدهما، وفي هذا غرر وجهالة، وإن كان الرامي دقيقاً في رمي ما يريد وأصاب سلعةً قيمتها أكثر مما حددت به يتضرر البائع، وفي هذا من الغرر والجهالة ما لا يرد الشرع بمثله، هذا بيع الحصاة، وقل مثل هذا في البيوع التي تشتمل على الغرر، والصور كثيرة جداً، كل ما فيه غرر بحيث لا يتبين البائع والمشتري السلعة والثمن بدقة؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المثمن الذي هو السلعة معلوماً، وأما الجهالة المفضية إلى النزاع والخصومة، مثل هذا ممنوع، والمراد ما من شأنه أن يفضي إلى النزاع والخصومة، بمعنى أنه لو تراضيا قال: أنا مستعد آخذ السلعة بكم؟ أي سلعة تقع عليها هذه الحصاة علي بمائة ريال، اتفقنا اتفقنا، رضيت رضيت، يأخذ الحصاة ويضرب ما قيمته ألف، قال: احنا متراضيين، قال: خلاص متراضيين متراضيين، ولو تراضيا، مثل هذا ما يجزئ، ما يكفي فيه الرضا، وإلا كان الميسر والرهان كان جائز، وأنه حصل برضا الطرفين، لكن الشرع جاء بتحريمه، القمار والميسر كلها غرر وجهالة، ما في بطون الأنعام، نهى عن بيع الحبلة، ونهى عن بيع حبل الحبلة، لك ما في بطن هذه الناقة بكذا، لك ما في بطن هذه الناقة هذا غرر وجهالة، ما تدري وش تلد؟ ذكر أنثى، مكتمل ناقص ما تدري، ميت لا تدري، كل هذا من بيوع الغرر والجهالة، في الأسواق وفي المحلات صور كثيرة للغرر، فلا بد أن يكون الثمن معلوم، والمثمن معلوم، طيب؟ صور التأمين الصحي وغير الصحي تدفع كذا مبلغ ألف ريال وتعالج في هذا المستشفى لمدة سنة أنت وأسرتك، هذا احتمال أن لا تراجع هذا المستشفى البتة، واحتمال أن تراجع هذه المستشفى بما قيمته عشرة آلاف بدل ألف هذا غرر وجهالة، ولذا حرم أهل العلم التأمين، الضمان، إذا كان مقابله له وقع في الثمن، غرر وجهالة، تشتري السيارة مضمونة لمدة سنتين، كيف مضمونة؟ إذا خربت يجوا يصلحونها لك؟ لكن ما مقابل هذا الضمان من الثمن؟ إن كان صاحب السلعة يقول: الثمن مائة ألف تبي ضمان نضمن، ما تبي بكيفك؟ ما يتغير الثمن، نقول: هذا تبرع بالإصلاح سهل؛ لكن إذا كانت مضمونة بمائة ألف وغير مضمونة بأقل بتسعين ألف مثلاً؟ نقول لا، هذا غرر وجهالة؛ لأنه يمكن هذه العشرة الآلاف التي دفعتها ما تستغرق منها شيء خلال السنتين، ويمكن أن تستغرق ضعف قيمة السيارة، هذا غرر وجهالة، وقل مثل هذا في ضمان الجوال مثلاً، إذا كان هذا الضمان يقابله نسبة من الثمن شيء له وقع في الثمن، الجوال والله بألفين، هذا بألفين، ضمان وإلا بألف وخمسمائة بدون ضمان، نقول: لا ما يجوز لأن هذا غرر وجهالة، يمكن يخرب كل يوم هذا الجوال، ويمكن ما يخرب، ولذلك تجدون في صور الضمان المشاكل كثيرة جداً، المشاكل كثيرة، تأتي إلى الوكالة وكالة السيارة تقول: والله الآن السيارة ما لها إلا شهر وخربت، تجي للمهندس يعني الأصل أن يصلح لك السيارة، يقول: لا هذا غير داخل تحت الضمان، أنت ما تدري عن شيء، تجي مرة ثانية يقول: لا هذا ناتج عن سوء استعمال، إيش معنى سوء استعمال؟ فمثل هذه المنازعات والخصومات الذي أوقعنا فيها إقدامنا على هذا الغرر والجهالة، بعض الغرر والجهالة قد يتجاوز عنه لندرته وقلته، أو لعدم الوصول إلى حقيقته، اشتريت بيت، ومن اللازم أن تشوف القاعدة كم عرضها مترين مترين، متر متر، ثلاثة أمتار، يا أخي غرر القاعدة ما تشوفها أنت، هذا غرر لكنه يسير، ولا يمكنه الوصول إليه، الأصل أن القاعدة المبنى ما دام على مخطط صادر من مهندس ومدروس الأصل فيه أن قواعده ماشية، الصور في هذا الباب كثيرة، يسأل كثيراً عن البيع الذي يسمونه تأجير منتهي بالتمليك، وهو صورة من صور الغرر، كيف؟ تشتري هذه السيارة لمدة ثلاث سنوات تدفع كل شهر ثلاثة آلاف ثم تدفع القيمة الأخيرة التي هي البيع عشرة آلاف، إذا انتهت الأقساط، إذا انتهت الأجور تدفع القيمة، هما عقدان في عقدٍ واحد، وواقع السلعة عند بيعها إذا انتهت الأقساط مجهولة، احتمال أن تسوى السلعة عشرين ألف السيارة، واحتمال ما تسوى إلا خمسة ألف، ولهذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذا، من جهةٍ أخرى هذا العقد الضمان فيه عائر، لا يدرى هل هو على صاحب السلعة أو على دافع القيمة والأجرة؟ اشترى سيارة بهذا العقد، تأجير منتهي بالتمليك، بعد ستة أشهر احترقت السيارة، يأتي المستأجر يذهب إلى صاحب الوكالة يقول: أنا أجير، أمين ما أضمن، ما عليه ضمان، السيارة لك وأنا مستأجر أجرة، ولا تعديت ولا فطرت، إذاً من ضمانك؟ لكن الثاني يقول أنا بايع عليك، والضمان على المشتري، ما الذي يحل مثل هذا الإشكال؟ قد يقول قائل: يحله التأمين، كل وكالات السيارات مؤمنة، نقول: يا أخي الحلول لا ندري نتائج شرعية على مقدمات ممنوعة، لا بد أن تكون مقدماتنا شرعية؛ لأن بعض الناس يقول: سهل هذه مسألة محلولة، احترقت التأمين، نقول: لا يا أخي ما دام قلنا: أن التأمين حرام، إذاً كيف نبني عليه الحلال، فمثل هذا العقد الذي لا يعرف ضامنه لا يأتي الشرع بجوازه، ولذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذه الصورة.

أم الخطاب78 24-12-09 04:58 PM

الحديث التاسع والثلاثون: عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏،‏ والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏))[رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏
هذا الحديث فيه الكلام عن الصلح {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] كما قال الله -جل وعلا- بجميع أنواعه وأشكاله وأطرافه، الصلح بين المتبايعين، الصلح بين المتخاصمين، الصلح بين أخوين، صلح بين زوجين، هو خير على كل حال، إلا ما استثني، الصلح الذي يحرم الحلال أو يحل الحرام لا يجوز بحال، ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لا يجوز بحال، حصل نزاع وشقاق بين غاصبين، تحصل بينهما أو بين سارقين، أو بين مرتبطين بوعد محرم على شيءٍ محرم، ثم تخاصما وتشاجرا لا يكون بحال، إنما الصلح في المباحات والمشروعات من باب أولى، فالصلح جائز بين المسلمين، وهو من أفضل الأعمال، تصلح بين اثنين صدقة، والله -جل وعلا- يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] بم يكون الصلح؟ يكون بتقريب وجهات النظر، بتنازل الطرفين، بهذا يكون الصلح، يعني إذا وجد خصومة بين شريكين، لا بد من أن يتنازل هذا عن بعض الشيء، وهذا عن بعض الشيء، ليتم تقريب وجهات النظر بينهما والإصلاح بينهما، ويكون بمساعي المصلحين، إذا حصل نزاع وشقاق بين زوج وزوجته يبعث حكم من أهله وحكم من أهلها، وتقرب وجهات النظر، ويصلح بينهما، ويتنازل الزوج عن بعض حقوقه، والمرأة عن بعض حقوقها، فالمرأة إذا رأت من زوجها إعراضاً عنها وتنازلت عن بعض ما أوجب الله لها لها ذلك، الأمر لا يعدوها، وإذا تنازل الزوج عن بعض حقوقه الأمر لا يعدوه، ولا يتم الصلح إلا بالتنازل، أما كل واحد يريد حقه كاملاً عند المشاحة لا يمكن أن يتم صلح؛ لكن عند المسامحة وينبغي أن يكون المسلم سمحاً في جميع تصرفاته، إلا إذا انتهك الحرمات، وإذا تحلى المسلم بهذا الخلق العظيم السماحة فإنه يكون قريباً من هذا الخير الذي هو الصلح؛ لكن إذا تضمن الصلح حرام من إحلال الحرام أو تحريم حلال فلا يصح، ولا يجوز بحال، أو تنازل عن واجب، حصل نزاع بين زوج وزوجته وبذلت المساعي للصلح بينهما فقال: نعم أنا أرضى وأتنازل عن حقوقي على أن لا تصلي الفجر مثلاً، أو لا توقضني لصلاة الفجر، نقول: لا هذا لا يجوز، أو تسمح له بأن يرتكب بعض المحرمات، نقول: لا، لا يجوز، وقل مثل هذا في الشركاء وغيرهم.
((والمسلمون على شروطهم)) إذا اشترط المسلم على أخيه، أو اشترط له والتزم له لا بد أن يفي، وأحق ما يوفى به من الشروط ما استحلت به الفروج، ما كان بين الزوجين، ((إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) كسابقيه؛ لكن إذا لم يتضمن ذلك فالأصل أن الوفاء بالشروط واجب، من الشروط بين الزوجين تشترط المرأة على الزوج أن تواصل التعليم، وأن تعمل بعد التخرج، بعد سنة سنتين تضايق الزوج قال: أنا لا أريد هذا الشرط، نقول: يا أخي المسلمون على شروطهم؟ يقول: أنا بيدي خيار أنا أملك خيار ثاني، تبي تتنازل عن هذا الشرط وإلا ما صار شيء، تذهب لأهلها، نقول: ارتكب محرم وإلا ما ارتكب محرم؟ لأنه يملك الخيار الثاني، كونه شرط يجب الوفاء به من جهة أنها لو أصرت لا يستطيع إلزامها؛ لكن هو يملك الخيار الثاني تروح لها، لا يملك إجبارها في البقاء في بيته مع ترك الشرط، أما يملك الخيار الثاني يملك؛ لكن هي إذا رأت أن المصلحة بالتنازل عن هذا الشرط في مقابل أن تبقى عنده زوجة، الأمر لا يعدوهما، فمثل هذه الشروط هي مثلما يقال في حياة الناس: عرض وطلب، هو لما التزم بالشرط يعني إن كان في نيته أن لا يفي بهذا الشرط من الأصل لا يجوز له ذلك؛ لكن في نيته أن يفي لكنه تضرر من هذا الشرط، ويملك خيار آخر، نقول: هي أيضاً بالخيار، إن شاءت تبقى بدون عمل، تبقى في الخدمة في البيت، وعليه أن يوفر جميع ما تطلبه مما هو لائق بها، وإن أصرت على لزوم هذا الشرط على أن ينفذ ما له تنفيذه الأمر لا يعدوهما، طيب شخص اقترض من زيد مبلغ من المال، قال: الآن أنا والله محتاج عشرة آلاف على أن أسددها لك في كل شهر ألف لمدة عشرة أشهر، قال: تفضل، هذا عشرة ألف، بعد شهر نزلت بالمقرض حاجة، المقترض اشترط أن تسدد في كل شهر ألف، المقرض نزلت به حاجة واضطر إلى هذا المبلغ، هل له أن يلزم المقترض بدفعه فوراً، أو نقول: المسلمون على شروطهم؟ نعم، كيف؟ بمعنىً آخر هل القرض يقبل التأجيل أو لا يقبل؟ الجمهور على أنه لا يقبل التأجيل، بمعنى أنك لو اشترطت عليه، هو محسن، وليست حاجتك بأولى من حاجته، يلزمك أن تسدد فوراً، إذا احتاج إليها، متى طلب يلزمك تسدد؛ لأن القرض لا يقبل التأجيل، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: لا المسلمون على شروطهم؛ لأن المقترض قد يتضرر، اقترض منك عشرة آلاف تصرف بها، فأنت تلجئه إلى ما فيه ضرر عليه، ((والمسلمون على شروطهم)) وهذا يرجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، المسلمون على شروطهم.
قلت: مثل هذا في القروض المؤجلة ذات الأمد الطويل، لو احتاج المقرض مثلاً هل له أن يلزم المقترض؟ صندوق التنمية العقاري وغيره وكذا، ناس قدموا على هذا القرض على أساس أنه على خمسة وعشرين سنة، فهل للدولة أن تلزم الناس بالدفع فوراً؟ على الخلاف؛ لكن الذي رجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: المسلمون على شروطهم؛ لأنه يتضرر المقترض بهذا، وينقلب الإحسان إساءة، وحينئذٍ يكون هذا القرض على خلاف الهدف الشرعي من القرض وهو الإحسان.


أم الخطاب78 24-12-09 04:59 PM

الحديث الأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏مَطْل الغنيِّ ظلم‏،‏ وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِئٍ فليَتْبع)‏)‏ [متفق عليه]‏.
هذا الحديث يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مطل الغني ظلم)) وفي لفظ: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) مطل الغني: يعني تأجير التسديد من قبل الغني للدائن ظلم، والظلم كما تقدم ظلمات يوم القيامة، تجد الأموال عنده والأرصدة في البنوك فإذا جاء الدائن تأتينا بعد شهر -إن شاء الله-، إذا جاء بعد شهر قال: اصبر أسبوع، اصبر عشرة أيام، اصبر شهر ثاني، وهكذا، هذا لا يجوز حرام؛ لأنه ظلم، فلا يجوز للملي –الغني- أن يماطل بدفع الدين، بل عليه أن يسارع لإبراء ذمته، ولو لم يحضر صاحب الدين، إذا كان حالاً فهذا الظلم يجعل مثل هذا المطل محرم، وجاءت الأحاديث الأخرى أنه يبيح العرض والعقوبة، بحيث إذا رفع أمره إلى الإمام يعزر حتى يدفع؛ لكن ليس للشخص الممطول أن يعاقبه، يضربه أو يعتدي عليه، لا؛ لأن العقوبات منوطة بولي الأمر، وإلا صارت المسألة فوضى، عليه أن يرفع أمره إلى ولي الأمر فيعزره على هذا.
((يبيح عرضه وعقوبته)) يقول أهل العلم: ماذا يبيح من العرض؟ يبيح أن يتحدث الشخص بقوله: فلان مطلني فقط، لأن بعض الناس إذا سمع إباحة العرض خلاص الآن الفاكهة جاهزة مقدمة: الخبيث المخبث الفاعل التارك، نقول: لا، لا، لا يبيح لك أن تقول: مطل فلان مطلني، هذه إباحة العرض هنا، إباحة العقوبة يعزر من قبل الإمام، ومفهوم الحديث أنه إذا كان مطل الغني ظلم فالمعسر مطله وترديده ليس بظلم، بل يجب إنظاره {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
[(280) سورة البقرة] يعني فالواجب نظرة إلى ميسرة، ((وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) الملي الواجد بحيث إذا طلب منه المال يدفع، بخلاف المفلس، فإذا أحيل صاحب الدين على واجد مليء عنده المال بحيث يسدد الدين متى طلب منه مثل هذا عليه أن يتبع، عليه أن يتبع، فإذا كان لك على زيدٍ من الناس مبلغ من المال وله نظير هذا المبلغ أو أكثر منه عند عمرو فأحالك على عمرو فإن كان عمرو مفلساً لا يلزمك القبول، وإن كان ملياً بحيث إذا طلبت منه المال أعطاك يلزمك أن تقبل، وحينئذٍ تبرأ ذمة المحيل، والجمهور على أن قبول الحوالة على المليء الباذل واجبة، وقال بعضهم: باستحبابها؛ لكن الجمهور على أنها واجبة للأمر بها ((فليتبع)) أما إذا كان معسراً أو في حكم المعسر مماطل أو لا يقدر استخراج الحق منه أحالك على ظالم، نقول: لا يا أخي لا قبول، أحالك على أبيك وأنت محرج من أبيك مثلاً، أحالك على أخيك وفي حرج عليك أو صهرك أو ما أشبه ذلك، يقول: لا يا أخي لا تحرجني، فهذا في حكم غير المليء.

أم الخطاب78 24-12-09 05:00 PM

الحديث الحادي والأربعون: عن سمرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه‏)‏) [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.
هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) والمقصود باليد الحيازة يعني إذا أخذ مالاً من غيره أو متاعاً سواء كان بيده أو بواسطة شخص؛ لأن اليد هي الأصل في الأخذ فنص عليها، عليها أن ترد حقوق الناس، وسواء كانت أخذت غصباً وقهراً أو طوعاً واختياراً، إذا كانت بغصبٍ أو سرقة يلزمه الرد، يلزمه أن يردها، وإن كانت طوعاً واختياراً بعارية مثلاً يلزمه أن يردها متى انتهى منها، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، أحياناً يكون الرد فيه شيء من الحرج، شخص غصب مال أو سرق مال وتاب توبة نصوح يلزمه أن يرد هذا المال؛ لكن يقول: لو ذهبت إلى فلان وقلت له: أنا والله سرقت هذا المال أو غصبته منك فيه حرج شديد، وقد يترتب على ذلك مفسدة عظيمة أعظم من المال، نقول: عليك أن تؤدي بأي طريقة لا يكون فيها ضرر عليك، ولا يكون فيها منّة لك عليه؛ لأن بعض الناس سرق من فلان مبلغ من المال، ثم تاب منه يذهب إلى صاحب المال ويقول: والله هذا المال هدية اقبلها يا أبو فلان، ليش؟ تقول: هدية أنا ما أقدر أقول سرقت، لك فيه منّة عليه ما يجوز، وما أديت، إنما تؤديه وتوصله إلى صاحبه بأي طريقة لا يكون فيها حرجاً عليك، ولا ضرر، ولا يكون فيها أيضاً منّة لك عليه بالطرق المناسبة، ولو كانت بواسطة شخصٍ آخر، المقصود أن المال يصل إلى صاحبه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا في الأخذ المحرم كالغصوب، والسرقات، وأيضاً لو كان أخذه بطريقةٍ مباحة كالعواري مثلاً، استعار والقروض فالعارية ترد، وجحدها حرام، والمماطلة بها ظلم، ومجرد ما ينتهي الإنسان من هذه العارية يردها؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وعليه أن يبيّن أن هذه العارية لفلان، وهذه من الوصايا الواجبة، لأنها من حقوق الناس، لا تبرأ ذمته إلا بإعادتها إلى صاحبها، يترتب على التأخير أمور قد يموت مثلاً، وهي ما أعيدت إلى صاحبها يبوء بها، وشخص استعار كتاب، الكتاب ما عليه إثم، الأصل أن الكتب ما يكتب عليها أسماء، استعار وطالت المدة فتصور أن الكتاب له، تصور أن الكتاب له، مع طول المدة عشرين أو خمسة وعشرين سنة، وصاحب الكتاب يعرف أن كتابه عند فلان؛ لكن محرج أن يطلبه منه، فبلغ المعير عن المستعير أن الكتاب له، بل حمّل شخصاً السلام له وقال: بلغ فلان منه السلام، وقل له: فلان يدعو لك وكل ما رأى هذا الكتاب تذكرك ودعا لك هذا كتابه أخذته أنت جزاك الله خير ووديته في المجلد جلدته ورجعته لك يعني صار له، يعني مع طول المدة يحصل مثل هذا ينسى الإنسان، فمثل هذه الأمور الواجبة لا بد من الاحتياط فيها، أحياناً الكتاب يكون عليه الاسم –اسم صاحبه- وصاحبه أحياناً يبيع كتب، فيدخل عليه صاحب الاسم هذا إلى مكتبة فلان ويجد كتابه بمكتبة فلان، لا يدري هل باعه عليه؟ ما يدري هل أعاره إياه؟ ما يدري كيف وصل إليه؟ تسأل صاحب المكتبة يقول: شلون جاءك هذا الكتاب؟ يقول: والله ما أدري هذا عندي من عشرين سنة ما أدري شلون، صحيح عليه اسمك ما أدري هل أنا استعرته منك أو اشتريته منك؟ ما أدري، وهذا يحصل كثيراً بين طلاب العلم، وحينئذٍ يتعارض الأصل مع الظاهر، الأصل إيش؟ أنه لفلان، الذي عليه اسمه، هذا الأصل، لكن الظاهر -ظاهر الحال- أنه لمن هو بيده، وحينئذٍ نحتاج إلى مرجح، فإذا عرفنا أن فلان صاحب الاسم معروف ببيع الكتب إذا استغنى عن كتابه باعه، هذا مرجح، يمكن باع الكتاب، وإذا عرفنا من حاله أنه لا يبيع الكتب البتة، غلب على ظننا أنه إعارة فنحتاج حينئذٍ إلى مرجح، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ما يقول: هذا كتاب، والكتاب علم، والعلم مشاع، ولا يملكه أحد، نقول: لا هذا كتاب فلان أخذته عليه أن تؤديه، وقد استجاز بعضهم، بعض من لا يعتد بقوله استجاز سرقة الكتب؛ لأن العلم مشاع والكتب...، لا، لا، هذا قول لا يلتفت إليه، هذا قول باطل؛ لأنها مال، وسرقة الأموال معروف حكمها.

أم الخطاب78 24-12-09 05:01 PM

الحديث الثاني والأربعون: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال‏:‏ "‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم‏،‏ فإذا وقعت الحدود، وصُرفت الطرق فلا شفعة" ‏[رواه البخاري]‏.
قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة، وهي استحقاق نصيب الشريك لشريكه بنفس الثمن الذي بيعت به، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، (كل) من صيغ العموم، و(ما) أيضاً لم يقسم يعني مما تقع فيه الشركة، فيدخل في ذلك العقار والمنقول من متاع وسيارات وغيره، لكن قوله: فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، هذا مخصص للعموم، وأن الشفعة لا تكون إلا في العقار، ولا تكون في غيره، اشترك اثنان في سيارة، اثنان اشتركا في سيارة، كل واحد دفع خمسين ألف واشتروا هذه السيارة، استغنى أحدهم عن حصته فباعه على ثالث، الشريك له أن يشفع؟ ليس له أن يشفع، المشتري ينزل منزلة صاحب ولا ضرر في ذلك، من الطرائف يذكر عن شخصين اشتركا في سيارة أول ما جاءت السيارات، الناس ما يعرفون حقيقة هذه السيارات، اشتركا في سيارة فاختصما وتنازعا، وأحضرا المنشار يقتسمانها، هذا إتلاف للمال، المقصود أن مثل هذه لا شفعة فيها، إنما الشفعة في العقار فقط، لقوله: "فإذا وقعت الحدود" والحدود لا تقع إلا في العقار، "وصرفت الطرق فلا شفعة" يعني إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما لا شفعة، بحيث يعرف نصيب فلان وبينهما طريق ومعروف الحدود حينئذٍ يكون الشريك كغيره، فإذا تميز ارتفعت الشركة، إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما ارتفعت الشركة، فليس بشريك، إنما يكون حينئذٍ شريك وإلا جار؟ جار، الشريك حال الشركة له شفعة، فإذا باع شريكه نصيبه بمائتي ألف على زيد من الناس وأراده صاحبه الشريك هو أحق به، هو أحق به، فيلزم المشتري أن يتنازل ويلزم الشريك بأن يدفع نفس المبلغ، ما يقول: والله أنا شريك مانا بدافع، مشتريه بمثل بعطيك خمسين ليش أعطيك مائة ألف كاملة؟ يلزم بدفع ما باعه به، وعندئذٍ لا ضرر ولا ضرار، أنت للك حق في الشرع؛ لكن أيضاً شريكك له حق في المكسب، فهذه الشفعة، إذا قسمت الأراضي، وعرفت الحقوق، ووجدت الطرق، وعرفت الحدود، وقعت الحدود، صرفت الطرق صاروا جيران، ما صاروا شركاء، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) وأثبت بعض أهل العلم الشفعة للجار، والجمهور على عدم ثبوتها لهذا الحديث؛ لأن الجار وقعت بينهما حدود وبينهما طرق، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) والحنفية يرون الشفعة للجار لا سيما إذا كان الجار يتضرر، هما يشتركان في طريقٍ ضيق، يعني لو استطرق هذا الطريق الضيق فيه مضايقة لمن يخرج من هذا البيت من نساء من صغار من كذا، ويريده صاحبه يتوسع به الجار لا شك أن مثل هذا إذا تضرر أحق به من غيره، وإلا فالأصل أن الجار لا شفعة له؛ لأنه قد وقعت الحدود وعرفت، وحديث: ((الجار أحق بسقبه)) محمول على مثل هذه الصورة إذا كان يتضرر.

أم الخطاب78 24-12-09 05:15 PM

الحديث الثالث والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ أنا ثالث الشريكين، ما لم يَخُن أحدهما صاحبه‏،‏ فإن خانه خرجت من بينهما‏)‏) [رواه أبو داود‏].
الشركات باختلاط الأموال والأبدان لا شك أن الناس يحتاجونها، فبعض الناس عنده مال لكن لا يستطيع أن يعمل، وبعض الناس عنده فراغ يود أن يعمل لكن ما عنده مال يعمل به، بعض الناس عنده مال لا يفي بهذا المشروع فيضطر ويحتاج إلى أن يشارك غيره للدخول في مثل هذا المشروع المباح، فالشركة بأنواعها المباحة مما تقرر جوازه في الشرع، وحينئذٍ إذا حصلت هذه الشركة لا بد من الصدق، ولا بد من البيان، يعني إذا كان يجب البيان والصدق والوضوح مع المشتري وإن كان بعيداً أجنبياً فالخليط لا شك أنه أولى بهذا، ((ما لم يكن أحدهما صاحبه)) فإذا وقعت الخيانة وقع الاختلاس، وقع التغطية والتدليس على شريكه، حينئذٍ فيخرج الله -جل وعلا- من بينهما، ((أنا ثالث الشريكين)) فهذان الشريكان إذا تعاملا بوضوح ونصح بينهما وصدق وحرص على مصلحة الطرفين على حدٍ سواء فالله -جل وعلا- معهما، وإذا كان معهما بارك في هذه الشركة، فإنه يبارك في هذه الشركة، أما إذا خان أحدهما الآخر خرج الله -جل وعلا- من هذه الشركة، والدخول والخروج أمر يضاف إلى الله -جل وعلا-، كما جاءت في مثل هذا الحديث، وعلى كل حال على ما يليق به -جل وعلا-، ودخوله في البركة، وخروجه بنزل البركة، كما قرر أهل العلم، ((خرجت من بينهما)) سوف يكون مآل هذه الشركة إلى الخسران والاضمحلال والزوال، أما إذا قارن ذلك الصدق والأمانة والبيان والنصح لكل واحدٍ منهما فليبشرا بهذه البركة.

أم الخطاب78 24-12-09 05:15 PM

الحديث الرابع والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)‏)[رواه مسلم]‏.‏
العبد في هذه الدنيا من بلوغه الحلم والتكليف يجري عليه القلم، فيكتب ما له وما عليه، لكنه إذا مات انقطع تكليفه، فلا يجري عليه شيء، ولا يجري له شيء، إلا ما كان بسببه، إلا ما كان له يد فيه، ويستوي في هذا الطرفان، إن كان مما يكتب له مما تسبب به دخل في هذا الحديث، وإن كان مما يكتب عليه مما تسبب به ولو بعد موته كما تقدم في حديث: ((من سن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)) والميت يعذب ببكاء أهله عليه؛ لأنه له يد في هذه الأمور، أيضاً إذا ألف كتاب فيه بدع وضلالات وشكوك وشبه هذا لا شك أن كل من قرأ هذا الكتاب وتأثر به عليه وزره إلى يوم القيامة، وبالمقابل إذا ألف كتاباً ينتفع به الناس يستفيدون منه في فهم كلام الله، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا علم ينتفع به فله أجره، وفي هذا يقول: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث)) لأنه الأصل أن ينقطع البتة، التكليف منوط بالحياة، ولا تكليف بعد الحياة؛ لكن باعتباره سبباً لهذه الأعمال، إما أن تكون حسنة أو سيئة، فيكبت له الحسنات ويكتب عليه السيئات لما كان سبباً فيه.
((صدقة جارية)) وقف مثلاً أو وصية؛ لأنه لا بد من تحقيق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأن الأصل فيه أن يكون صدقة جارية، يعني مستمرة، فإذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي من مشروعية الوقف فلا فائدة فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن بعض الناس يوقف أوقاف وتترتب هذه الأوقاف، نعم فيها أمور حسنة، ويداخلها أمور سيئة، يكون فيها شيء من الحيف، شيء من الجور، شيء من دعم الحق، وشيء من دعم باطل مثلاً، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي؛ لأن الإنسان يبتغي بهذا الوقف وجه الله، وما يقرب منه، فلينتبه الإنسان لهذا، قد يوقف وقف عظيم، ويجعل الصدقة أجره أو مثلاً غلته لواحد من أولاده، يحرم عليه هذا، فمثل هذا الوقف باطل وملغى؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي من الوقف، يورد الضغائن والشحناء بين الأخوة، فالمسلم مأمور بالتعديل بين أولاده في حياته وبعد مماته، ولذا جاء في الحديث: ((لا وصية لوارث)) على ما سيأتي، ((صدقة جارية)) من أفضل الصدقات تسبيل وتوقيف ما يرفع حوائج المحتاجين، وما يعين على طاعة الله -جل وعلا-، من إعانة لمجاهدين، أو طلاب علم، وعباد يتفرغون لطاعة الله -جل وعلا-، أو يتصدق لما يعين على حياة الناس مثلاً وبقائهم من مأكولٍ ومشروب، يتصدق بمزرعة فيها ماء، فيها طعام، لتستمر ويستمر ريعها، ((أو علم ينتفع به)) بحيث يعلم الناس ويستمر نفعه باستمرارهم واستمرار تلاميذهم، أو بمؤلفاته النافعة، كل هذا علم ينتفع به بعد موته ((أو ولد صالح يدعو له)) وعلى هذا ليحرص المسلم على تربية ولده على الخير والفضل والاستقامة والصلاح ليكون مجاب الدعوة إذا دعا لوالده، ولذا ما قال: (ولد يدعو له) قال: ((ولد صالح)) فلنحرص على هذا الوصف، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 24-12-09 05:22 PM

الشريط السادس
 
الشريط السادس

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير


نبذة عن المحاضرة :
    • من الحديث الرابع والثلاثون(أثر الصدقة والعفو والتواضع) إلى الحديث الرابع والأربعون(ثواب العمل النافع في الدنيا والآخرة) .

أم الخطاب78 24-12-09 06:19 PM

مقرر الشريط الســادس لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (6)
شرح حديث: (إذا مات العبد انقطع عمله..) وحديث: (أنا ثالث الشريكين..) وحديث: ("‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم..) وحديث: (على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه..) وحديث: (مَطْل الغنيِّ ظلم..) وحديث: (الصلح جائز بين المسلمين..) وحديث: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة..) وحديث: (البيِّعان بالخيار..) وحديث: (من عادى لي ولياً..) وحديث: (كل عمل ابن آدم يضاعف..) وحديث: (ما نقصت صدقة من مال..)




الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:




الحديث الرابع والثلاثون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً‏،‏ وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)‏)[رواه مسلم]‏.‏
هذا الحديث العظيم يقول فيه -عليه الصلاة والسلام-: ((ما نقصت صدقة من مال)) الزكاة المفروضة والصدقات التي يتطوع بها أصحاب الأموال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما نقصت صدقة من مال)) عندك ألف ريال تصدقت زكاة مفروضة بخمسة وعشرين ومثلهن نفل، نقص الألف وإلا ما نقص؟ ينقص وإلا يستمر الألف؟ يصير ألف إلا خمسين، يصير تسعمائة وخمسة، قد يقول: كيف ما نقص؟ لكن ما يتصور الإنسان قدر النمو والتطهير لهذا المال الذي زكي، وهذا أمر يعرفه العامة قبل الخاصة، يعرفه العامة قبل الخاصة، إذا فقد الإنسان شيئاً ثم وجده قال: الحمد لله هذا مال مزكى ما يضيع، هذا عند العوام يقولون هذا، وأنتم تجدون في دنيا الناس كثير ممن يبذل ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر وأمواله في ازدياد في الدنيا، وقد يحصل له الابتلاء، والله -جل وعلا- يبتلي بأعراض هذه الدنيا وجوداً وعدماً، قد يزكي ويبتلى بجوارح؛ لكن ما عند الله -جل وعلا- أعظم، والحسنة بعشر أمثالها؛ لأن بعض الناس وقد أورد من قبل المتقدمين يقول: لا شك أن الزكاة فيها أجر وفيها ثواب؛ لكن كيف يباع العاجل بالنسيئة؟ هنا ندفع أموال حاضرة والنسيئة تأتي بعدين، لو أن الله -جل وعلا- وعدك على الحسنة بحسنة، وعلى الريال بريال، يمكن تقول هذا الكلام، لكن وعدك على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، مثل هذا يخطر على بال عاقل؟! وإلا قيل مثل هذا الكلام، كيف نبيع عاجلاً بآجل؟ لو كانت المسألة متساوية تبيع ألف بألف مثلاً، أو سيارة تستاهل منك خمسين ألف تقول: اشترها يا فلان بخمسين ألف لمدة عشر سنوات، وأنت لا ترجو إعانة أخيك، نقول: ما يصح تبيع شيء بقيمته الحاضرة تنتقد في موازين الناس؛ لكن يبقى هل هذا الأمر متقارب بينما تدفع وما ترجو وما وعدت، فرق كبير جداً جداً لا نسبة بينهما، ولذا مثل هذا الكلام لا يرد البتة، والوعد الصادق: ((ما نقصت صدقة من مال)) لأن الصدقة سميت بذلك لأنها تصدق صاحبها أو علامة على صدق دعوى صاحبها أنه مسلم وملتزم بأحكام الإسلام إذا أدى هذه الزكاة، نعم صدق في دعواه، وهي أيضاً جاءت تسميتها بالزكاة؛ لأنها تزكي المال وتنميه، سواء كانت هذه التنمية بالكيفية أو بالكمية، وتنمية الأموال بالكمية ظاهر، الناس يبذلون الملايين فيما يرضي الله -جل وعلا- وأموالهم تزيد زيادات كبيرة جداً، وبالمقابل أهل الشح والبخل أموالهم تنقرض، وكثير من أموالهم يصرفها أهل الشح والبخل فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، بل تتفلت منهم رغم أنوفهم، يبتلى بولدٍ مبذر، يبتلى بامرأة سفيهة، يبتلى بأمراض، يبتلى بكوارث ومصائب وجوارح، وهذا الواقع يشهد بهذا، ولهذا الوعد الصادق لا يتخلف، قد لا يزيد المال في الكمية، يزيد في الكيفية، يستفيد من هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، وفيما يسعده في دنياه، وهذا من الزيادة، والزيادة تحتمل أن تكون الكمية والكيفية، كزيادة العمر مع الصلة، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً؛ لأن الناس يتصورون إن الإنسان إذا عفا عمّن ظلمه يتصورون أنه أنزل نفسه، ويرمونه بالعجز، لولا أنه عاجز عن استيفاء حقه ما عفا، فيتصورونه أو قد يتبادر على بعض الأذان أنه ذل بعفوه، والحديث الصحيح يدل على العكس والواقع يشهد بذلك، ولا شك أن من عفا أجره على الله، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] وإذا كان أقرب للتقوى فهو العز الحقيقي، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، ما تواضع أحد لله يرجو بهذا التواضع ثواب الله -جل وعلا-، ما تواضع من أجل ثناء الناس عليه، ولا تواضع للأغنياء لكي يصلونه بشيءٍ من أموالهم، إنما تواضع لله -جل وعلا-، إذا تواضع لله -جل وعلا-، والمتواضع والتواضع خضوع وقرب حسي، وإن كان من حيث الناحية المعنوية رفعة عند الله -جل وعلا- وعند خلقه، وهذا شيء مجرب، بعض الناس لا يطيق رؤية المتكبر، بل وجد من يعتدي عليه، متكبر في مشيته، في كلامه، في تعامله مع الناس، هذا لا يطاق، مثل هذا وإن رفع نفسه أذله الله -جل وعلا-، يقول الشاعر:


تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ *** على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيعُ


لا شك أن المتكبر مثل الدخان رافع نفسه؛ لكن لا شيء، رؤيته تزكم الأنوف، مثل الدخان، وتقضي العيون، وأما بالنسبة للمتواضع المتحبب الأليف لا شك أن الناس يألفونه ويحبونه، وشواهد الأحوال على ذلك كثيرة، والتواضع لا شك أنه قرين للدين والعلم، كلما زادت عبادة الشخص وقربه من الله -جل وعلا- تواضع لله، وخضع له، وكلما زاد علم الإنسان بربه وبأحكامه زادت معرفته بنفسه، ثم دعاه ذلك إلى التواضع، والله المستعان.



أم الخطاب78 24-12-09 06:23 PM

الحديث الخامس والثلاثون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ (‏(‏كل عمل ابن آدم يضاعف‏، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‏،‏ قال الله تعالى‏:‏ إلا الصوم‏‏ فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي‏،‏ للصائم فرحتان‏:‏ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه‏‏ ولَخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‏،‏ والصوم جُنَّة‏،‏ وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل‏:‏ إني امرؤ صائم‏))[متفق عليه]‏.‏



في هذا الحديث وهو مما يتعلق بالصيام بعد أن ذكر المؤلف بعض الأحاديث المتعلقة بالصلاة والزكاة على الأبواب ماشي -رحمه الله- ينتقي من كل باب أجمع حديث فيه، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)) الحسنة مضاعفة، والسيئات أفراد لا تضاعف، ولذا يقول أهل العلم: خاب وخسر من فاقت آحاده عشراته، الحسنة بعشر أمثالها، هذا أقل تقدير، أقل المضاعفات إلى سبعمائة ضعف، {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [(261) سورة البقرة] الحبة صارت سبعمائة حبة إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، وهذه المضاعفات مردها إلى قوة الإخلاص لله -جل وعلا-، وحسن العمل فإذا كان العمل أدخل في هذين البابين الإخلاص والإصابة زادت المضاعفات؛ لكن إذا كانت صورته صورة العمل الشرعي وحصل ما حصل تنقص هذه المضاعفات، المقصود أن الله -جل وعلا- فضله لا يحد، سبعمائة ضعف، يتصور الإنسان أنه يقرأ القرآن في مدةٍ وجيزة ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة، وهذا أقل تقدير، الحرف بعشر حسنات، فكيف إذا ضوعف الأجر إلى سبعمائة ضعف؟ من يقدر هذا القدر؟! وكم يختم الموفق في عمره، وإذا ضربت هذه المضاعفات بعدد ما قرأه المسلم من آي القرآن من الأمور السهلة الميسرة، يعني بالإمكان يجعل له ورد يومي بحيث يقرأ القرآن بالراحة، ويحصل على هذه الأجور ولو لم يقرأ لذهب الوقت في القيل والقال، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وذكرنا حديث المسند، وفيه كلام ضعيف عند أهل العلم؛ لكن هو لائق بفضل الله -جل وعلا- إلى ألفي ألف ضعف، مليون ضعف، هل يخطر ببال مسلم أنه من أين جاب هذه الأعداد؟ من فضل الله -جل وعلا- وفضله لا يحد، يعني ما هو ينفق من حساب مهما طالت أرقامه تنتهي، لو اجتمع الناس أو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم من أول ما خلق الله الخليقة إلى أن تقوم الساعة فسألوا الله -جل وعلا- فأعطى كل واحدٍ مسألته ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، وتعرفون حديث: أدنى أهل الجنة منزلة، وليس فيهم دنيء، أدناهم منزلة هو آخر من يخرج من النار يقال له: تمنَ، يكفيك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ قال: يكفي، لك وعشرة أمثاله، هذا أقلهم منزلة، فكيف بمتوسطيهم؟! وكيف بأعلاهم؟! فما عند الله -جل وعلا- لا ينفد، قال الله تعالى: ((إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)) والصوم يشمل صوم الفرض وصوم النفل هو لله -جل وعلا-، وإضافته إلى الله -جل وعلا- إضافة تشريف، ومزيد عناية وإلا فكل العبادات لله -جل وعلا-، ((إلا الصوم فإنه لي)) لأنه لا يمكن أن يصرف منه شيء، أمر غيبي لا يطلع عليه أحد، فلا يمكن أن يدخله الرياء إلا إذا كان الإنسان ما يحتمل الخير وإلا فبالإمكان أن يصوم الإنسان ولا يدرى به، ((إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)) يعني جزاء لا يحد، ما يدخل في التضعيف المذكور سبعمائة ضعف، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) سبعين سنة، يوم واحد، وفي سبيل الله، منهم من يرى أنه في الجهاد، ومنهم من يقول: أنه خالصاً لوجه الله -جل وعلا-.
((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) من أجلي، الباعث على هذا الصيام طلب ما عند الله -جل وعلا-، قد يقول قائل: زيد من الناس أصيب بمرض، فأوصاه الأطباء بالحمية، وقال: بدلاً من الحمية أصوم، هل هذا ترك شهوته وطعامه من أجل الله؟ له أجر وإلا ما له أجر؟ له أجر؛ لأنه ما عدل عن الحمية التي لا توافق الشرع إلى ما يوافق ما أمر به الشارع إلا طلباً لثواب الله -جل وعلا- فله أجره؛ لكن يبقى أن ثوابه ما هو مثل ثواب الذي من أجل الله -جل وعلا- ترك الطعام والشراب، وقل مثل هذا الكلام فيمن أمره الأطباء بكثرة المشي فقال: بدلاً من أن أجوب الأسواق طولاً وعرضاً أطوف، يطوف، ويسأل بعض الناس السعي فيه ثواب وإلا ما فيه ثواب؟ رياضة، يبي يمشي هو، يقول: لا السعي ما فيه ثواب إلا إذا كان في نسك حج أو عمرة، أما الطواف ففيه الثواب مطلقاً، وفيه النصوص المعروفة ((من طاف أسبوعاً يحصيه كان له بكل خطوةٍ حسنة)) المقصود أن فيه ثواب، فيقول: بدلاً من أن أجوب الأسواق رايح وجاي، والناس وش بك؟ وأين تبي؟ وين أنت رايح؟ وواحد اللي يوقفه يبي يشيله لا، بدون إحراج، باروح إلى المطاف وما شاء الله آخذ لي أسبوع أسبوعين ثلاثة، نقول: نعم، عدولك عن المشي المباح إلى المشي المستحب فيه ثواب؛ لكن يبقى أن الباعث يختلف، فليس ثوابه ثواب من عمل العبادة خالصاً لوجه الله تعالى.
((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) شهوته يدخل فيها الجماع وما دونه مما يفطر، مما اشتمل على الشهوة، وبهذا يستدل من يقول: أن مجرد خروج المذي ما يفطر؛ لأنه ليس فيه شهوة، على كل حال الجماع مفطر إجماعاً، وفيه كفارة، والطعام أيضاً مفطر إلا إذا كان ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه، من أجل الله -جل وعلا- وطلباً في رضاه.
((للصائم فرحتان)) وكل صائم يدرك هذا بنفسه، ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطرة)) ولولا هذا النص، فرحة عند فطرة، يعني الإنسان جبلة خلقة إذا قدم الفطور ينتظر أذان المغرب، ويبدأ بالفطور يفرح، هذا موجود عند الناس كلهم، ولولا مثل هذا النص لقلنا: أن هذا الفرح فرح بالفراغ من العبادة، وهذا ما هو طيب الشعور بهذا، لكنه ما دام ثبت في الشرع أن الصائم له أن يفرح فليوجه هذا الفرح بأنه فرح باستكمال هذه العبادة، الحمد لله أنه أكمل هذا اليوم من غير أن يعرض له شيء يضطره إلى الفطر، ومباشرة ما امتن الله به -جل وعلا- عليه وأباحه له، ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطرة)) إذا افترضنا أن هناك اثنين، كلاهما صائم، واحد ينتظر كل شيء ينظر للساعة متى يؤذن؟ والثاني: غافل عن هذا الأمر يذكر الله ويتلو القرآن، والحمد لله هو في عبادة، هل نقول: أن الذي يفرح بقرب الفطور أفضل من الذي ينشغل عن هذا الأمر بعبادةٍ أخرى، أو على الأقل ما يخطر على باله يعني يستوي عنده أنه يؤذن أو ما يؤذن، يستوي عنده الأذان وعدمه، كله واحد، لو استمر النهار ساعتين ثلاث ما... في الحديث يقول: ((للصائم فرحتان)) له ذلك؛ لكن هل معنى هذا أنه يؤجر على هذه الفرحة أو لا يؤجر؟ بحسب ما يقر في قلبه من هذه الفرحة، إن كان متضايق من الصيام لا شك أن هذا لا يؤجر عليه البتة، هذا خلل؛ لأن هذه عبادة، نعم قد يحتاج إلى الأكل في
شدة أيام الحر فمثل هذا لا يؤاخذ، أما من لم يخطر الفطور والفطر على باله هذا لا شك أنه منسجم مع هذه العبادة وانشغل وقته بما يرضي الله -جل وعلا- لا شك أنه أكمل، وأما الفرحة هذه فرحة جبلية، الفرحة الثانية عند لقاء ربه، عند لقاء ربه إذا رأى ما وعد الله به عباده الصائمين، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، لا شك أن مثل هذا يبعث على الفرح، ويحث على العمل.
((ولخلوف فم الصائم)) الخلوف الرائحة التي هي في عرف الناس كريهة، التي سببها فراغ المعدة من الطعام إذا فرغت المعدة من الطعام انبعث هذه الروائح الكريهة، وهذا يسمى خلوف، ((ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) لماذا؟ لأنها رائحة نشأت عن عبادة، أثر عبادة، ولذا الغبار في سبيل الله أمره عظيم، الدم دم الشهيد شأنه عظيم، وهو دم وهذه الرائحة الكريهة أيضاً أطيب عند الله من ريح المسك، ((والصوم جنة)) جنة وقاية يجتن بها الصائم، ويتقي بها، الصوم جنة، والتقوى من أعظم فوائد الصيام، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]
هذه العلة والحكم من مشروعية الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهو جنة يقي العبد مما يكره في الدنيا والآخرة.
((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب)) الرفث: الكلام البذيء سواء كان منه ما يتعلق بالنساء وهو الأقرب أو غيره، ولا يصخب الكلام الذي فيه صخب ولغط ويؤدي إلى شجارٍ ونزاع كل هذا ممنوع منه المسلم مطلقاً، وهو يتأكد منع منه في حال الصيام، فلا رفث ولا فسوق ولا عصيان ولا صخب في حياة المسلم كلها، ومن باب أولى إذا كان متلبساً بعبادة كما هنا، فلا يرفث ولا يصخب، وفي الحج: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ((فإن سابه أحد أو قاتله)) اعتدى عليه بلسانه أو بيده ضاربه أو بسلاحه ((فليقل: إني امرؤ صائم)) يخبره بذلك ليكف وليخبره أنه ليس بعاجز عن الرد عليه، وإنما يحجزه هذه العبادة التي تلبس بها، ((فليقل: إني امرؤ صائم)) من أهل العلم من يرى أن مثل هذا الكلام يقال في صوم الفرض؛ لأن الناس كلهم صائمون والفرض لا يدخله رياء، مطلوب من الناس كلهم، أما في النفل لا ينبغي أن يقول: إني امرؤ صائم؛ لئلا يخبر بسريرته، ويكشف حقيقة أمره، وإن كان النص عام، يعني إذا سابه أحد أو قاتله يخبره بأنه ما حجزه وما منعه عن الاقتضاء منه والاقتصاص إلا الصيام، وإلا ليس بعاجز.



أم الخطاب78 24-12-09 06:25 PM

الحديث السادس والثلاثون:






عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إن الله قال‏:‏ من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‏،‏ وما تقرب إلى عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه‏،‏ وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه‏،‏ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها‏،‏ ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه‏،‏ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن‏:‏ يكره الموت، وأكره مساءته‏،‏ ولا بد له منه)‏)[رواه البخاري‏].




هذا الحديث حديث أبي هريرة في حق الأولياء في مالهم عند الله -جل وعلا-، وفي أوصافهم، وهذا الحديث عند أهل العلم يسمى القدسي، الحديث الإلهي، الحديث الرباني؛ لأنه مضاف إلى الله -جل وعلا-، يقول: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) والولي: هو الذي يتقرب بالفرائض ويتبعها بالنوافل، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، والمؤمنون كلهم أولياء لله، فليحذر المسلم من معاداة ولي الله؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) إذا عادى المؤمن المطيع لربه المجتنب عن محارم الله المتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل فقد آذنته بالحرب، والعداوة قد تكون قلبية، ولا شك أن سبب هذا خلل إما في قلب الشخص وعدلاً من سلامته، أو فساد في تصوره وإلا فكيف يعادي المسلم أخاه المسلم بغير جريرة وبغير عداوةٍ منه أو اعتداءٍ عليه؟ باعث على هذه العداوة إما فساد في قلب الشخص أو خلل في تصوره، أو وجود حسد، ولا شك أن بعض الناس يعتدي على غيره حسداً، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [(54) سورة النساء] وإلا فكيف تتصور شخص مطيع لله -جل وعلا- مؤدي ما افترض الله عليه، مجتنب لما نهى الله عنه فتعتدي عليه في يدك أو في لسانك وتعاديه وتهجره لغير سبب؟ فلينته المسلم لا سيما طالب العلم أن يعادي الأولياء بسبب لأنه إذا كان هناك سبب يقتضي العداء فإنه ليس بولي، إذا كان هناك سبب حقيقي يقتضي العداء فمثل هذا ليس بولي، على أن المسلم لا سيما من كانت عنده موافقة ومخالفة، تجده مطيع لله -جل وعلا-، مؤدي الفرائض، مجتنب لبعض المحرمات، مرتكب لبعضها، مثل هذا يحب بقدر ما عنده من إيمان، بقدر ما عنده من إسلام، بقدر ما عنده من طاعات؛ لكنه يبغض بقدر ما عنده من مخالفات ومعاصي، يجتمع في المسلم موافقة ومخالفة.
((فقد آذنته بالحرب)) ومن لديه قدرة على مبارزة الله -جل وعلا- بالحرب؟ وجاء في آكل الربا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما افترضته عليه)) لا شك أن أداء الواجبات واجتناب المحرمات أولى من الانشغال بالمستحبات، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) يعني على الإنسان أن يؤدي ما افترض الله عليه، فإذا حصل فيها خلل غير مقصود وتنفل الإنسان بعدها جبر النافلة هذا الخلل، أما أن يعنى بالنوافل وهو مخل مصر على الخلل في الفرائض يخل بالفرائض عن قصد يقول: نكملها بالنوافل، ((وما تقرب إليّ عبدي أحب إلي مما افترضته عليه)) هنا مسألة يحتاجها كثير من الإخوان المشايخ وطلاب العلم، تجد بعضهم باذل في وجوه الخير والنفع لكن هذا البذل له أثر في عمله الأصلي الذي استؤجر عليه ووجب عليه، تجد مثلاً مدرس مقصر في التدريس الواجب وعنده في آخر النهار حلقة تحفيظ، أو أستاذ في جامعة أو في غيره عنده دروس لكنه يتخلف عن المحاضرات الواجبة عليه، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) عليه أن يؤدي هذا الواجب الذي يأخذ مقابله أجرة، ثم إذا تنفل بما زاد على ذلك نور على نور، وبعضهم يتسامح في مثل هذا الأمر، ويقول: ما دام العمل الثاني يحقق الهدف الذي من أجله استؤجر على العمل الأصلي هذا يجبر هذا، وعلى كل حال كل له نظرته؛ لكن ينبغي العناية بما أوجب الله عليك، احرص على أن تؤدي ما أنيط بك من عمل، وأخذت عليه أجرة كاملاً، وما زاد على ذلك لك أجره -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال على الإنسان أن يؤدي ما اؤتمن عليه، وما استؤجر من أجله، وعليه أيضاً أن يبذل، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) لكن هل الشخص الباذل الذي يبذل قدر زائد على ما أوجب عليه، هذا إذا حصل خلل فيما أوجب عليه يجبر بهذه النوافل، كما أن الصلوات المفروضة تجبر بالرواتب؛ لكن الإشكال إذا قال: أنا من أهل التحري والتثبت وأؤدي العمل الواجب، ولا أستطيع أن أتنفل، ويحرم من النفع العام الذي يؤديه إلى غيره، يحرم الناس بسبب أنه يريد أن يتحرر، ويؤدي الواجب، ويخشى أن يكون هذا العمل المندوب له أثر على الواجب فيحرم من ما يكمل هذا الواجب، فعلى الإنسان أن يحرص على الواجب ويؤدي المستحب.
((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يتقرب بالنوافل: وأعظم النوافل طلب العلم، طلب العلم ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، هذا أعظم وأفضل من نوافل العبادة، فعلى الإنسان أن يحرص عليه ويتقرب بوجوه الخير الأخرى اللازمة والمتعدية من صلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج وعمرة، ونفع لإخوانه المسلمين، وإعانة للمحتاجين، وسعي في قضاء حوائجهم، ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)) وفي هذا إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)) وإذا كان الله -جل وعلا- سمع الإنسان فإنه لن يسمع إلا ما ينفعه في أموره ودنياه، وسوف يحمي سمعه عن سماع المحرم من غيبة ونميمة وأغاني وفحش وإسفاف ((وبصره الذي يبصر به)) وقل مثل هذا فيما يرى، فإذا أحب الله -جل وعلا- العبد حماه عن مزاولة المنكرات المسموعة والمرئية، وكنت يده التي يبطش بها، فلا يمد يده إلا إلى شيءٍ مشروع، أو على أقل الأحوال مباح ((ورجله التي يمشي بها)) فلا يمشي إلا إلى عبادة أو إلى شيءٍ مباح يستعين به على عبادته، ((ولئن سألني لأعطينه)) ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ((ولئن سألني لأعطينه)) لأن من حافظ على الواجبات، وتقرب بالنوافل عصمه الله -جل وعلا- عن المحرمات، لا سيما ما يدخل في جوفه من مأكولٍ ومشروبٍ، وما يلبسه على بدنه مما يقتضي رد الدعوة، فمثل هذا إذا عصم من الأكل الحرام، وشرب الحرام، وغذاء الحرام، وكسوة الحرام، مثل هذا يكون مجاب الدعوة؛ لأن من موانع الدعوة هذه الأمور، مزاولة المحرمات، ذكر الرجل ((يطيل السفر، أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) لكن هذا الولي ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني...)) سألني شيء ينفعه في دينه ودنياه لأعطينه، وإن استعاذني من شيء يضره في دينه ودنياه لأعيذنه.
((وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)) إذا وجد أمر ينتابه أمران، أمر يحث عليه، وشيء يحذر منه، يحصل هنا التردد، هل يفعل أو يترك؟ يفعل نظراً إلى ما يحث عليه، يترك نظراً إلى ما يحذر وينفر منه؟ هذا بالنسبة لتردد المخلوق، تردد المخلوق في شيء لما ينتابه مما يأمره بالإقدام ويعارضه من الإحجام، هذا يورث التردد بالنسبة للمخلوق، وهذا الباعث على تردد المخلوق؛ لكن بالنسبة للخالق؟ هذا التردد يليق به -جل وعلا- ما لا يشبه تردد المخلوق، ويكره عبده الولي الموت فالله -جل وعلا- يكره قبض روحه؛ لأن الموت يسوء هذا الولي؛ لكنه أمر مكتوب محتوم عليه لا بد من وقوعه، فلا بد من نفاذه حينئذٍ.

أم الخطاب78 24-12-09 06:26 PM

الحديث السابع والثلاثون:






عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا‏، فإن صدقا وبيَّنا‏‏ بورك لهما في بيعهما‏،‏ وإن كذبا وكتما‏‏ محقت بركة بيعهما‏)‏) [متفق عليه]‏.






نعم هذا الحديث في البيع وإثبات للخيار، وهو خيار المجلس بين الطرفين المتعاقدين، ما داما في مجلس العقد، هما بالخيار لكل واحدٍ منهما أن يمضي العقد أو يفسخ العقد، فكل منهما له أن يختار بين إمضاء البيع أو فسخه، ما لم يتفرقا بأبدانهما، كما يفيده هذا الحديث، لا بالأقوال كما يقوله بعضهم، كالحنفية والمالكية، لكن إثبات خيار المجلس هو الصحيح لهذا الحديث، وما جاء في معناه، فإذا تفرقا بأبدانهما عن مكان العقد لزم البيع، فلا خيار لأحدهما، ثم بين النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يتحلى به المتعاقدان، ((فإن صدقا)) ولم يكذب أحدهما على الآخر لا في السلعة وقيمتها، ولا فيما طلبت به وسيمت، لا يجوز للبائع أن يقول: اشتريتها بكذا، بل عليه أن يصدق إذا أراد أن يخبر إذا قال له المشتري: بكم اشتريت هذه؟ لا يجوز له أن يكذب في ثمنها، له أن لا يخبر؛ لكن إذا أخبر يجب عليه أن يصدق، إذا قيل له: كم سيمته؟ لا يجوز له أن يخبر بخلاف الواقع، بل يخبر ما سميته بدقة، وعن السوم الذي قريب من المجلس، قد تكون السلعة السيارة سيمت في العام الماضي لكن هذه السنة كم تسوى؟ تسوى ثلاثين مثلاً، تقول: كم سميت السيارة؟ يقول: والله سميت خمسين ألف، متى سميت خمسين ألف؟ هذا كذب بلا شك، لا بد من الصدق من المتعاقدين، وبين لا بد من بيان حقيقة السلعة، لا بد من بيان حقيقة السلعة ووصفها بالوصف الدقيق وما فيها من عيوب، لا بد من البيان، فلا يجوز أن يكتم عيباً تشتمل عليه مما لا يراه المشتري، فإن حصل منهما ذلك حصل الصدق والبيان ((بورك لهما في بيعهما)) والبركة في هذا البيع يبارك السلعة للمشتري المثمن، ويبارك في القيمة للبائع، فيستفيد منه على أكمل وجه، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما، لو جاء شخص لصاحب سيارة وقال له: كم تسام هذه السيارة؟ قال: خمسين ألف، بالفعل قبل مدةٍ يسيرة بنفس اليوم سيمت خمسين ألف، قال: سميت خمسين ألف، وهو يبي ستين ألف، قال: ماني زائدك أكثر أزيدك ألف واحد وخمسين، النسبة للفضل والأجر والثواب والعقاب معروف مفروغ منه، لكن بالنسبة لأمور الدنيا؟ سميت خمسين ألف قال: هذه واحد وخمسين قال: هات، واحد وخمسين مع الصدق والبيان يبارك به -إن شاء الله-، لكن لو قال: سميت تسعة وخمسين على شان يقول له: ستين وليس بصادق أيهما أبرك؟ الواحد والخمسين وإلا الستين؟ شواهد الأحوال في الواقع تدل على أن الصدق والبيان مثل هذا يضمن البركة، فيستفيد البائع من القيمة على أكمل الوجوه، وأما إذا كذب أو غش ولم يبين وكتم، يمكن أن ترتفع قيمة السلعة، ويحصل على أعظم مبلغ لكن مع ذلك الشواهد تدل على أنه لا يستفيد من هذا المال البتة، والله المستعان.
((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)) والبركة تكون في الثمن والمثمن، إذا صدق الطرفان، وأما إذا صدق أحدهما دون الآخر حصلت لهما البركة بمفرده، والمحق للطرف الآخر، ((وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) فلا البائع يستفيد من الثمن، ولا المشتري من المثمن، والله المستعان.

أم الخطاب78 24-12-09 06:27 PM

الحديث الثامن والثلاثون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغَرر"‏ [رواه مسلم]‏.‏



نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، هذا نوع من البيوع كانوا يتعاملون به في الجاهلية، يأتي من يريد السلعة إلى صاحبها وعنده حصاة يقول: خذ حصاة واضرب بها أي شيءٍ تريده وما وقعت عليه هذه الحصاة فهو عليك بكذا، أو ارم هذه الحصاة فالحد الذي تصل إليه من الأرض عليك بكذا، هذا غرر لأن الناس يتفاوتون في دقة الإصابة، إصابة المراد، بعض الناس يرمي يريد أمامه، تروح يمين وإلا يسار، وبعض الناس يصيب بدقة، فإذا راحت يميناً وشمالاً لا شك أنها ستقع على سلعةٍ إما أن تكون بأكثر من الثمن أو بأقل، فيتضرر أحدهما، وفي هذا غرر وجهالة، وإن كان الرامي دقيقاً في رمي ما يريد وأصاب سلعةً قيمتها أكثر مما حددت به يتضرر البائع، وفي هذا من الغرر والجهالة ما لا يرد الشرع بمثله، هذا بيع الحصاة، وقل مثل هذا في البيوع التي تشتمل على الغرر، والصور كثيرة جداً، كل ما فيه غرر بحيث لا يتبين البائع والمشتري السلعة والثمن بدقة؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المثمن الذي هو السلعة معلوماً، وأما الجهالة المفضية إلى النزاع والخصومة، مثل هذا ممنوع، والمراد ما من شأنه أن يفضي إلى النزاع والخصومة، بمعنى أنه لو تراضيا قال: أنا مستعد آخذ السلعة بكم؟ أي سلعة تقع عليها هذه الحصاة علي بمائة ريال، اتفقنا اتفقنا، رضيت رضيت، يأخذ الحصاة ويضرب ما قيمته ألف، قال: احنا متراضيين، قال: خلاص متراضيين متراضيين، ولو تراضيا، مثل هذا ما يجزئ، ما يكفي فيه الرضا، وإلا كان الميسر والرهان كان جائز، وأنه حصل برضا الطرفين، لكن الشرع جاء بتحريمه، القمار والميسر كلها غرر وجهالة، ما في بطون الأنعام، نهى عن بيع الحبلة، ونهى عن بيع حبل الحبلة، لك ما في بطن هذه الناقة بكذا، لك ما في بطن هذه الناقة هذا غرر وجهالة، ما تدري وش تلد؟ ذكر أنثى، مكتمل ناقص ما تدري، ميت لا تدري، كل هذا من بيوع الغرر والجهالة، في الأسواق وفي المحلات صور كثيرة للغرر، فلا بد أن يكون الثمن معلوم، والمثمن معلوم، طيب؟ صور التأمين الصحي وغير الصحي تدفع كذا مبلغ ألف ريال وتعالج في هذا المستشفى لمدة سنة أنت وأسرتك، هذا احتمال أن لا تراجع هذا المستشفى البتة، واحتمال أن تراجع هذه المستشفى بما قيمته عشرة آلاف بدل ألف هذا غرر وجهالة، ولذا حرم أهل العلم التأمين، الضمان، إذا كان مقابله له وقع في الثمن، غرر وجهالة، تشتري السيارة مضمونة لمدة سنتين، كيف مضمونة؟ إذا خربت يجوا يصلحونها لك؟ لكن ما مقابل هذا الضمان من الثمن؟ إن كان صاحب السلعة يقول: الثمن مائة ألف تبي ضمان نضمن، ما تبي بكيفك؟ ما يتغير الثمن، نقول: هذا تبرع بالإصلاح سهل؛ لكن إذا كانت مضمونة بمائة ألف وغير مضمونة بأقل بتسعين ألف مثلاً؟ نقول لا، هذا غرر وجهالة؛ لأنه يمكن هذه العشرة الآلاف التي دفعتها ما تستغرق منها شيء خلال السنتين، ويمكن أن تستغرق ضعف قيمة السيارة، هذا غرر وجهالة، وقل مثل هذا في ضمان الجوال مثلاً، إذا كان هذا الضمان يقابله نسبة من الثمن شيء له وقع في الثمن، الجوال والله بألفين، هذا بألفين، ضمان وإلا بألف وخمسمائة بدون ضمان، نقول: لا ما يجوز لأن هذا غرر وجهالة، يمكن يخرب كل يوم هذا الجوال، ويمكن ما يخرب، ولذلك تجدون في صور الضمان المشاكل كثيرة جداً، المشاكل كثيرة، تأتي إلى الوكالة وكالة السيارة تقول: والله الآن السيارة ما لها إلا شهر وخربت، تجي للمهندس يعني الأصل أن يصلح لك السيارة، يقول: لا هذا غير داخل تحت الضمان، أنت ما تدري عن شيء، تجي مرة ثانية يقول: لا هذا ناتج عن سوء استعمال، إيش معنى سوء استعمال؟ فمثل هذه المنازعات والخصومات الذي أوقعنا فيها إقدامنا على هذا الغرر والجهالة، بعض الغرر والجهالة قد يتجاوز عنه لندرته وقلته، أو لعدم الوصول إلى حقيقته، اشتريت بيت، ومن اللازم أن تشوف القاعدة كم عرضها مترين مترين، متر متر، ثلاثة أمتار، يا أخي غرر القاعدة ما تشوفها أنت، هذا غرر لكنه يسير، ولا يمكنه الوصول إليه، الأصل أن القاعدة المبنى ما دام على مخطط صادر من مهندس ومدروس الأصل فيه أن قواعده ماشية، الصور في هذا الباب كثيرة، يسأل كثيراً عن البيع الذي يسمونه تأجير منتهي بالتمليك، وهو صورة من صور الغرر، كيف؟ تشتري هذه السيارة لمدة ثلاث سنوات تدفع كل شهر ثلاثة آلاف ثم تدفع القيمة الأخيرة التي هي البيع عشرة آلاف، إذا انتهت الأقساط، إذا انتهت الأجور تدفع القيمة، هما عقدان في عقدٍ واحد، وواقع السلعة عند بيعها إذا انتهت الأقساط مجهولة، احتمال أن تسوى السلعة عشرين ألف السيارة، واحتمال ما تسوى إلا خمسة ألف، ولهذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذا، من جهةٍ أخرى هذا العقد الضمان فيه عائر، لا يدرى هل هو على صاحب السلعة أو على دافع القيمة والأجرة؟ اشترى سيارة بهذا العقد، تأجير منتهي بالتمليك، بعد ستة أشهر احترقت السيارة، يأتي المستأجر يذهب إلى صاحب الوكالة يقول: أنا أجير، أمين ما أضمن، ما عليه ضمان، السيارة لك وأنا مستأجر أجرة، ولا تعديت ولا فطرت، إذاً من ضمانك؟ لكن الثاني يقول أنا بايع عليك، والضمان على المشتري، ما الذي يحل مثل هذا الإشكال؟ قد يقول قائل: يحله التأمين، كل وكالات السيارات مؤمنة، نقول: يا أخي الحلول لا ندري نتائج شرعية على مقدمات ممنوعة، لا بد أن تكون مقدماتنا شرعية؛ لأن بعض الناس يقول: سهل هذه مسألة محلولة، احترقت التأمين، نقول: لا يا أخي ما دام قلنا: أن التأمين حرام، إذاً كيف نبني عليه الحلال، فمثل هذا العقد الذي لا يعرف ضامنه لا يأتي الشرع بجوازه، ولذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذه الصورة.

أم الخطاب78 24-12-09 06:29 PM

الحديث التاسع والثلاثون:




عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏،‏ والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏))[رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏





هذا الحديث فيه الكلام عن الصلح {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] كما قال الله -جل وعلا- بجميع أنواعه وأشكاله وأطرافه، الصلح بين المتبايعين، الصلح بين المتخاصمين، الصلح بين أخوين، صلح بين زوجين، هو خير على كل حال، إلا ما استثني، الصلح الذي يحرم الحلال أو يحل الحرام لا يجوز بحال، ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لا يجوز بحال، حصل نزاع وشقاق بين غاصبين، تحصل بينهما أو بين سارقين، أو بين مرتبطين بوعد محرم على شيءٍ محرم، ثم تخاصما وتشاجرا لا يكون بحال، إنما الصلح في المباحات والمشروعات من باب أولى، فالصلح جائز بين المسلمين، وهو من أفضل الأعمال، تصلح بين اثنين صدقة، والله -جل وعلا- يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] بم يكون الصلح؟ يكون بتقريب وجهات النظر، بتنازل الطرفين، بهذا يكون الصلح، يعني إذا وجد خصومة بين شريكين، لا بد من أن يتنازل هذا عن بعض الشيء، وهذا عن بعض الشيء، ليتم تقريب وجهات النظر بينهما والإصلاح بينهما، ويكون بمساعي المصلحين، إذا حصل نزاع وشقاق بين زوج وزوجته يبعث حكم من أهله وحكم من أهلها، وتقرب وجهات النظر، ويصلح بينهما، ويتنازل الزوج عن بعض حقوقه، والمرأة عن بعض حقوقها، فالمرأة إذا رأت من زوجها إعراضاً عنها وتنازلت عن بعض ما أوجب الله لها لها ذلك، الأمر لا يعدوها، وإذا تنازل الزوج عن بعض حقوقه الأمر لا يعدوه، ولا يتم الصلح إلا بالتنازل، أما كل واحد يريد حقه كاملاً عند المشاحة لا يمكن أن يتم صلح؛ لكن عند المسامحة وينبغي أن يكون المسلم سمحاً في جميع تصرفاته، إلا إذا انتهك الحرمات، وإذا تحلى المسلم بهذا الخلق العظيم السماحة فإنه يكون قريباً من هذا الخير الذي هو الصلح؛ لكن إذا تضمن الصلح حرام من إحلال الحرام أو تحريم حلال فلا يصح، ولا يجوز بحال، أو تنازل عن واجب، حصل نزاع بين زوج وزوجته وبذلت المساعي للصلح بينهما فقال: نعم أنا أرضى وأتنازل عن حقوقي على أن لا تصلي الفجر مثلاً، أو لا توقضني لصلاة الفجر، نقول: لا هذا لا يجوز، أو تسمح له بأن يرتكب بعض المحرمات، نقول: لا، لا يجوز، وقل مثل هذا في الشركاء وغيرهم.
((والمسلمون على شروطهم)) إذا اشترط المسلم على أخيه، أو اشترط له والتزم له لا بد أن يفي، وأحق ما يوفى به من الشروط ما استحلت به الفروج، ما كان بين الزوجين، ((إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) كسابقيه؛ لكن إذا لم يتضمن ذلك فالأصل أن الوفاء بالشروط واجب، من الشروط بين الزوجين تشترط المرأة على الزوج أن تواصل التعليم، وأن تعمل بعد التخرج، بعد سنة سنتين تضايق الزوج قال: أنا لا أريد هذا الشرط، نقول: يا أخي المسلمون على شروطهم؟ يقول: أنا بيدي خيار أنا أملك خيار ثاني، تبي تتنازل عن هذا الشرط وإلا ما صار شيء، تذهب لأهلها، نقول: ارتكب محرم وإلا ما ارتكب محرم؟ لأنه يملك الخيار الثاني، كونه شرط يجب الوفاء به من جهة أنها لو أصرت لا يستطيع إلزامها؛ لكن هو يملك الخيار الثاني تروح لها، لا يملك إجبارها في البقاء في بيته مع ترك الشرط، أما يملك الخيار الثاني يملك؛ لكن هي إذا رأت أن المصلحة بالتنازل عن هذا الشرط في مقابل أن تبقى عنده زوجة، الأمر لا يعدوهما، فمثل هذه الشروط هي مثلما يقال في حياة الناس: عرض وطلب، هو لما التزم بالشرط يعني إن كان في نيته أن لا يفي بهذا الشرط من الأصل لا يجوز له ذلك؛ لكن في نيته أن يفي لكنه تضرر من هذا الشرط، ويملك خيار آخر، نقول: هي أيضاً بالخيار، إن شاءت تبقى بدون عمل، تبقى في الخدمة في البيت، وعليه أن يوفر جميع ما تطلبه مما هو لائق بها، وإن أصرت على لزوم هذا الشرط على أن ينفذ ما له تنفيذه الأمر لا يعدوهما، طيب شخص اقترض من زيد مبلغ من المال، قال: الآن أنا والله محتاج عشرة آلاف على أن أسددها لك في كل شهر ألف لمدة عشرة أشهر، قال: تفضل، هذا عشرة ألف، بعد شهر نزلت بالمقرض حاجة، المقترض اشترط أن تسدد في كل شهر ألف، المقرض نزلت به حاجة واضطر إلى هذا المبلغ، هل له أن يلزم المقترض بدفعه فوراً، أو نقول: المسلمون على شروطهم؟ نعم، كيف؟ بمعنىً آخر هل القرض يقبل التأجيل أو لا يقبل؟ الجمهور على أنه لا يقبل التأجيل، بمعنى أنك لو اشترطت عليه، هو محسن، وليست حاجتك بأولى من حاجته، يلزمك أن تسدد فوراً، إذا احتاج إليها، متى طلب يلزمك تسدد؛ لأن القرض لا يقبل التأجيل، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: لا المسلمون على شروطهم؛ لأن المقترض قد يتضرر، اقترض منك عشرة آلاف تصرف بها، فأنت تلجئه إلى ما فيه ضرر عليه، ((والمسلمون على شروطهم)) وهذا يرجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، المسلمون على شروطهم.
قلت: مثل هذا في القروض المؤجلة ذات الأمد الطويل، لو احتاج المقرض مثلاً هل له أن يلزم المقترض؟ صندوق التنمية العقاري وغيره وكذا، ناس قدموا على هذا القرض على أساس أنه على خمسة وعشرين سنة، فهل للدولة أن تلزم الناس بالدفع فوراً؟ على الخلاف؛ لكن الذي رجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: المسلمون على شروطهم؛ لأنه يتضرر المقترض بهذا، وينقلب الإحسان إساءة، وحينئذٍ يكون هذا القرض على خلاف الهدف الشرعي من القرض وهو الإحسان.


أم الخطاب78 24-12-09 06:30 PM

الحديث الأربعون:




عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏مَطْل الغنيِّ ظلم‏،‏ وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِئٍ فليَتْبع)‏)‏ [متفق عليه]‏.




هذا الحديث يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مطل الغني ظلم)) وفي لفظ: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) مطل الغني: يعني تأجير التسديد من قبل الغني للدائن ظلم، والظلم كما تقدم ظلمات يوم القيامة، تجد الأموال عنده والأرصدة في البنوك فإذا جاء الدائن تأتينا بعد شهر -إن شاء الله-، إذا جاء بعد شهر قال: اصبر أسبوع، اصبر عشرة أيام، اصبر شهر ثاني، وهكذا، هذا لا يجوز حرام؛ لأنه ظلم، فلا يجوز للملي –الغني- أن يماطل بدفع الدين، بل عليه أن يسارع لإبراء ذمته، ولو لم يحضر صاحب الدين، إذا كان حالاً فهذا الظلم يجعل مثل هذا المطل محرم، وجاءت الأحاديث الأخرى أنه يبيح العرض والعقوبة، بحيث إذا رفع أمره إلى الإمام يعزر حتى يدفع؛ لكن ليس للشخص الممطول أن يعاقبه، يضربه أو يعتدي عليه، لا؛ لأن العقوبات منوطة بولي الأمر، وإلا صارت المسألة فوضى، عليه أن يرفع أمره إلى ولي الأمر فيعزره على هذا.
((يبيح عرضه وعقوبته)) يقول أهل العلم: ماذا يبيح من العرض؟ يبيح أن يتحدث الشخص بقوله: فلان مطلني فقط، لأن بعض الناس إذا سمع إباحة العرض خلاص الآن الفاكهة جاهزة مقدمة: الخبيث المخبث الفاعل التارك، نقول: لا، لا، لا يبيح لك أن تقول: مطل فلان مطلني، هذه إباحة العرض هنا، إباحة العقوبة يعزر من قبل الإمام، ومفهوم الحديث أنه إذا كان مطل الغني ظلم فالمعسر مطله وترديده ليس بظلم، بل يجب إنظاره {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] يعني فالواجب نظرة إلى ميسرة، ((وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) الملي الواجد بحيث إذا طلب منه المال يدفع، بخلاف المفلس، فإذا أحيل صاحب الدين على واجد مليء عنده المال بحيث يسدد الدين متى طلب منه مثل هذا عليه أن يتبع، عليه أن يتبع، فإذا كان لك على زيدٍ من الناس مبلغ من المال وله نظير هذا المبلغ أو أكثر منه عند عمرو فأحالك على عمرو فإن كان عمرو مفلساً لا يلزمك القبول، وإن كان ملياً بحيث إذا طلبت منه المال أعطاك يلزمك أن تقبل، وحينئذٍ تبرأ ذمة المحيل، والجمهور على أن قبول الحوالة على المليء الباذل واجبة، وقال بعضهم: باستحبابها؛ لكن الجمهور على أنها واجبة للأمر بها ((فليتبع)) أما إذا كان معسراً أو في حكم المعسر مماطل أو لا يقدر استخراج الحق منه أحالك على ظالم، نقول: لا يا أخي لا قبول، أحالك على أبيك وأنت محرج من أبيك مثلاً، أحالك على أخيك وفي حرج عليك أو صهرك أو ما أشبه ذلك، يقول: لا يا أخي لا تحرجني، فهذا في حكم غير المليء.


أم الخطاب78 24-12-09 06:31 PM

الحديث الحادي والأربعون:




عن سمرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه‏)‏) [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.




هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) والمقصود باليد الحيازة يعني إذا أخذ مالاً من غيره أو متاعاً سواء كان بيده أو بواسطة شخص؛ لأن اليد هي الأصل في الأخذ فنص عليها، عليها أن ترد حقوق الناس، وسواء كانت أخذت غصباً وقهراً أو طوعاً واختياراً، إذا كانت بغصبٍ أو سرقة يلزمه الرد، يلزمه أن يردها، وإن كانت طوعاً واختياراً بعارية مثلاً يلزمه أن يردها متى انتهى منها، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، أحياناً يكون الرد فيه شيء من الحرج، شخص غصب مال أو سرق مال وتاب توبة نصوح يلزمه أن يرد هذا المال؛ لكن يقول: لو ذهبت إلى فلان وقلت له: أنا والله سرقت هذا المال أو غصبته منك فيه حرج شديد، وقد يترتب على ذلك مفسدة عظيمة أعظم من المال، نقول: عليك أن تؤدي بأي طريقة لا يكون فيها ضرر عليك، ولا يكون فيها منّة لك عليه؛ لأن بعض الناس سرق من فلان مبلغ من المال، ثم تاب منه يذهب إلى صاحب المال ويقول: والله هذا المال هدية اقبلها يا أبو فلان، ليش؟ تقول: هدية أنا ما أقدر أقول سرقت، لك فيه منّة عليه ما يجوز، وما أديت، إنما تؤديه وتوصله إلى صاحبه بأي طريقة لا يكون فيها حرجاً عليك، ولا ضرر، ولا يكون فيها أيضاً منّة لك عليه بالطرق المناسبة، ولو كانت بواسطة شخصٍ آخر، المقصود أن المال يصل إلى صاحبه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا في الأخذ المحرم كالغصوب، والسرقات، وأيضاً لو كان أخذه بطريقةٍ مباحة كالعواري مثلاً، استعار والقروض فالعارية ترد، وجحدها حرام، والمماطلة بها ظلم، ومجرد ما ينتهي الإنسان من هذه العارية يردها؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وعليه أن يبيّن أن هذه العارية لفلان، وهذه من الوصايا الواجبة، لأنها من حقوق الناس، لا تبرأ ذمته إلا بإعادتها إلى صاحبها، يترتب على التأخير أمور قد يموت مثلاً، وهي ما أعيدت إلى صاحبها يبوء بها، وشخص استعار كتاب، الكتاب ما عليه إثم، الأصل أن الكتب ما يكتب عليها أسماء، استعار وطالت المدة فتصور أن الكتاب له، تصور أن الكتاب له، مع طول المدة عشرين أو خمسة وعشرين سنة، وصاحب الكتاب يعرف أن كتابه عند فلان؛ لكن محرج أن يطلبه منه، فبلغ المعير عن المستعير أن الكتاب له، بل حمّل شخصاً السلام له وقال: بلغ فلان منه السلام، وقل له: فلان يدعو لك وكل ما رأى هذا الكتاب تذكرك ودعا لك هذا كتابه أخذته أنت جزاك الله خير ووديته في المجلد جلدته ورجعته لك يعني صار له، يعني مع طول المدة يحصل مثل هذا ينسى الإنسان، فمثل هذه الأمور الواجبة لا بد من الاحتياط فيها، أحياناً الكتاب يكون عليه الاسم –اسم صاحبه- وصاحبه أحياناً يبيع كتب، فيدخل عليه صاحب الاسم هذا إلى مكتبة فلان ويجد كتابه بمكتبة فلان، لا يدري هل باعه عليه؟ ما يدري هل أعاره إياه؟ ما يدري كيف وصل إليه؟ تسأل صاحب المكتبة يقول: شلون جاءك هذا الكتاب؟ يقول: والله ما أدري هذا عندي من عشرين سنة ما أدري شلون، صحيح عليه اسمك ما أدري هل أنا استعرته منك أو اشتريته منك؟ ما أدري، وهذا يحصل كثيراً بين طلاب العلم، وحينئذٍ يتعارض الأصل مع الظاهر، الأصل إيش؟ أنه لفلان، الذي عليه اسمه، هذا الأصل، لكن الظاهر -ظاهر الحال- أنه لمن هو بيده، وحينئذٍ نحتاج إلى مرجح، فإذا عرفنا أن فلان صاحب الاسم معروف ببيع الكتب إذا استغنى عن كتابه باعه، هذا مرجح، يمكن باع الكتاب، وإذا عرفنا من حاله أنه لا يبيع الكتب البتة، غلب على ظننا أنه إعارة فنحتاج حينئذٍ إلى مرجح، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ما يقول: هذا كتاب، والكتاب علم، والعلم مشاع، ولا يملكه أحد، نقول: لا هذا كتاب فلان أخذته عليه أن تؤديه، وقد استجاز بعضهم، بعض من لا يعتد بقوله استجاز سرقة الكتب؛ لأن العلم مشاع والكتب...، لا، لا، هذا قول لا يلتفت إليه، هذا قول باطل؛ لأنها مال، وسرقة الأموال معروف حكمها.


أم الخطاب78 24-12-09 06:33 PM

الحديث الثاني والأربعون:




عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال‏:‏ "‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم‏،‏ فإذا وقعت الحدود، وصُرفت الطرق فلا شفعة" ‏[رواه البخاري]‏.



قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة، وهي استحقاق نصيب الشريك لشريكه بنفس الثمن الذي بيعت به، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، (كل) من صيغ العموم، و(ما) أيضاً لم يقسم يعني مما تقع فيه الشركة، فيدخل في ذلك العقار والمنقول من متاع وسيارات وغيره، لكن قوله: فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، هذا مخصص للعموم، وأن الشفعة لا تكون إلا في العقار، ولا تكون في غيره، اشترك اثنان في سيارة، اثنان اشتركا في سيارة، كل واحد دفع خمسين ألف واشتروا هذه السيارة، استغنى أحدهم عن حصته فباعه على ثالث، الشريك له أن يشفع؟ ليس له أن يشفع، المشتري ينزل منزلة صاحب ولا ضرر في ذلك، من الطرائف يذكر عن شخصين اشتركا في سيارة أول ما جاءت السيارات، الناس ما يعرفون حقيقة هذه السيارات، اشتركا في سيارة فاختصما وتنازعا، وأحضرا المنشار يقتسمانها، هذا إتلاف للمال، المقصود أن مثل هذه لا شفعة فيها، إنما الشفعة في العقار فقط، لقوله: "فإذا وقعت الحدود" والحدود لا تقع إلا في العقار، "وصرفت الطرق فلا شفعة" يعني إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما لا شفعة، بحيث يعرف نصيب فلان وبينهما طريق ومعروف الحدود حينئذٍ يكون الشريك كغيره، فإذا تميز ارتفعت الشركة، إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما ارتفعت الشركة، فليس بشريك، إنما يكون حينئذٍ شريك وإلا جار؟ جار، الشريك حال الشركة له شفعة، فإذا باع شريكه نصيبه بمائتي ألف على زيد من الناس وأراده صاحبه الشريك هو أحق به، هو أحق به، فيلزم المشتري أن يتنازل ويلزم الشريك بأن يدفع نفس المبلغ، ما يقول: والله أنا شريك مانا بدافع، مشتريه بمثل بعطيك خمسين ليش أعطيك مائة ألف كاملة؟ يلزم بدفع ما باعه به، وعندئذٍ لا ضرر ولا ضرار، أنت للك حق في الشرع؛ لكن أيضاً شريكك له حق في المكسب، فهذه الشفعة، إذا قسمت الأراضي، وعرفت الحقوق، ووجدت الطرق، وعرفت الحدود، وقعت الحدود، صرفت الطرق صاروا جيران، ما صاروا شركاء، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) وأثبت بعض أهل العلم الشفعة للجار، والجمهور على عدم ثبوتها لهذا الحديث؛ لأن الجار وقعت بينهما حدود وبينهما طرق، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) والحنفية يرون الشفعة للجار لا سيما إذا كان الجار يتضرر، هما يشتركان في طريقٍ ضيق، يعني لو استطرق هذا الطريق الضيق فيه مضايقة لمن يخرج من هذا البيت من نساء من صغار من كذا، ويريده صاحبه يتوسع به الجار لا شك أن مثل هذا إذا تضرر أحق به من غيره، وإلا فالأصل أن الجار لا شفعة له؛ لأنه قد وقعت الحدود وعرفت، وحديث: ((الجار أحق بسقبه)) محمول على مثل هذه الصورة إذا كان يتضرر.


أم الخطاب78 24-12-09 06:34 PM

الحديث الثالث والأربعون:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ أنا ثالث الشريكين، ما لم يَخُن أحدهما صاحبه‏،‏ فإن خانه خرجت من بينهما‏)‏) [رواه أبو داود‏].



الشركات باختلاط الأموال والأبدان لا شك أن الناس يحتاجونها، فبعض الناس عنده مال لكن لا يستطيع أن يعمل، وبعض الناس عنده فراغ يود أن يعمل لكن ما عنده مال يعمل به، بعض الناس عنده مال لا يفي بهذا المشروع فيضطر ويحتاج إلى أن يشارك غيره للدخول في مثل هذا المشروع المباح، فالشركة بأنواعها المباحة مما تقرر جوازه في الشرع، وحينئذٍ إذا حصلت هذه الشركة لا بد من الصدق، ولا بد من البيان، يعني إذا كان يجب البيان والصدق والوضوح مع المشتري وإن كان بعيداً أجنبياً فالخليط لا شك أنه أولى بهذا، ((ما لم يكن أحدهما صاحبه)) فإذا وقعت الخيانة وقع الاختلاس، وقع التغطية والتدليس على شريكه، حينئذٍ فيخرج الله -جل وعلا- من بينهما، ((أنا ثالث الشريكين)) فهذان الشريكان إذا تعاملا بوضوح ونصح بينهما وصدق وحرص على مصلحة الطرفين على حدٍ سواء فالله -جل وعلا- معهما، وإذا كان معهما بارك في هذه الشركة، فإنه يبارك في هذه الشركة، أما إذا خان أحدهما الآخر خرج الله -جل وعلا- من هذه الشركة، والدخول والخروج أمر يضاف إلى الله -جل وعلا-، كما جاءت في مثل هذا الحديث، وعلى كل حال على ما يليق به -جل وعلا-، ودخوله في البركة، وخروجه بنزل البركة، كما قرر أهل العلم، ((خرجت من بينهما)) سوف يكون مآل هذه الشركة إلى الخسران والاضمحلال والزوال، أما إذا قارن ذلك الصدق والأمانة والبيان والنصح لكل واحدٍ منهما فليبشرا بهذه البركة.

أم الخطاب78 24-12-09 06:35 PM

الحديث الرابع والأربعون:




عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)‏)[رواه مسلم]‏.‏




العبد في هذه الدنيا من بلوغه الحلم والتكليف يجري عليه القلم، فيكتب ما له وما عليه، لكنه إذا مات انقطع تكليفه، فلا يجري عليه شيء، ولا يجري له شيء، إلا ما كان بسببه، إلا ما كان له يد فيه، ويستوي في هذا الطرفان، إن كان مما يكتب له مما تسبب به دخل في هذا الحديث، وإن كان مما يكتب عليه مما تسبب به ولو بعد موته كما تقدم في حديث: ((من سن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)) والميت يعذب ببكاء أهله عليه؛ لأنه له يد في هذه الأمور، أيضاً إذا ألف كتاب فيه بدع وضلالات وشكوك وشبه هذا لا شك أن كل من قرأ هذا الكتاب وتأثر به عليه وزره إلى يوم القيامة، وبالمقابل إذا ألف كتاباً ينتفع به الناس يستفيدون منه في فهم كلام الله، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا علم ينتفع به فله أجره، وفي هذا يقول: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث)) لأنه الأصل أن ينقطع البتة، التكليف منوط بالحياة، ولا تكليف بعد الحياة؛ لكن باعتباره سبباً لهذه الأعمال، إما أن تكون حسنة أو سيئة، فيكبت له الحسنات ويكتب عليه السيئات لما كان سبباً فيه.
((صدقة جارية)) وقف مثلاً أو وصية؛ لأنه لا بد من تحقيق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأن الأصل فيه أن يكون صدقة جارية، يعني مستمرة، فإذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي من مشروعية الوقف فلا فائدة فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن بعض الناس يوقف أوقاف وتترتب هذه الأوقاف، نعم فيها أمور حسنة، ويداخلها أمور سيئة، يكون فيها شيء من الحيف، شيء من الجور، شيء من دعم الحق، وشيء من دعم باطل مثلاً، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي؛ لأن الإنسان يبتغي بهذا الوقف وجه الله، وما يقرب منه، فلينتبه الإنسان لهذا، قد يوقف وقف عظيم، ويجعل الصدقة أجره أو مثلاً غلته لواحد من أولاده، يحرم عليه هذا، فمثل هذا الوقف باطل وملغى؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي من الوقف، يورد الضغائن والشحناء بين الأخوة، فالمسلم مأمور بالتعديل بين أولاده في حياته وبعد مماته، ولذا جاء في الحديث: ((لا وصية لوارث)) على ما سيأتي، ((صدقة جارية)) من أفضل الصدقات تسبيل وتوقيف ما يرفع حوائج المحتاجين، وما يعين على طاعة الله -جل وعلا-، من إعانة لمجاهدين، أو طلاب علم، وعباد يتفرغون لطاعة الله -جل وعلا-، أو يتصدق لما يعين على حياة الناس مثلاً وبقائهم من مأكولٍ ومشروب، يتصدق بمزرعة فيها ماء، فيها طعام، لتستمر ويستمر ريعها، ((أو علم ينتفع به)) بحيث يعلم الناس ويستمر نفعه باستمرارهم واستمرار تلاميذهم، أو بمؤلفاته النافعة، كل هذا علم ينتفع به بعد موته ((أو ولد صالح يدعو له)) وعلى هذا ليحرص المسلم على تربية ولده على الخير والفضل والاستقامة والصلاح ليكون مجاب الدعوة إذا دعا لوالده، ولذا ما قال: (ولد يدعو له) قال: ((ولد صالح)) فلنحرص على هذا الوصف، والله أعلم.


وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أم الخطاب78 30-12-09 12:38 PM

الشريط السابع

من سلسلة : شرح كتاب جوامع الأخبار للشيخ عبدالرحمن السعدي
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
  • نبذة عن المحاضرة :
    • من الحديث الخامس والأربعون( التملك بالسبق) إلى الحديث الخامس والخمسون(درء الحدود بالشبهات).

أم الخطاب78 30-12-09 12:40 PM

مقرر الشريط الســابع لمادة جوامع الأخبــار
 
شرح جوامع الأخبار (7)
شرح حديث: (ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم..) وحديث: (من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ..) وحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم..) وحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) وحديث: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة..) وحديث: (لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً..) وحديث: (يحرُم من الرَّضاعة..) وحديث: (ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم..) وحديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه..) ‏وحديث: (ألحَقوا الفرائض بأهلها..) وحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له..)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:



الحديث الخامس والأربعون:

عن أسمر بن مضرس‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏((‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‏))
[رواه أبو داود]‏.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعم هذا الحديث فيه الدلالة على أن من تقدم غيره إلى شيءٍ مباح مشاع بين الناس كلهم فهو أحق به، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)) يعني هو أحق به من غيره، جئت إلى المسجد ما فيه أحد تجلس في أي مكان تريد، وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يأمرك بأن تقوم من هذا المكان أبداً، إذ أنك سبقت في الأمور العامة المشاعة إلى ما لم يسبق إليه، وقل مثل هذا في المباحات، في البراري مثلاً، سبقت إلى الكلأ، سبقت إلى الماء، سبقت إلى الأمور العامة، فإذا كان هذا في المباحات فمن باب أولى في مواطن العبادة، ولذا قال الله -جل وعلا- في بيته الحرام {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}
[(25) سورة الحـج] العاكف المقيم الملازم للمسجد، المجاور يستوي هو والبادي صاحب البادية الذي يأتي ليؤدي فرض واحد ويرجع، ما في فرق، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] يعني كونك تعتدي على شخصٍ جالس في أي مكان من المسجد الحرام أو غيره من المساجد؛ لكن الأمر فيه أشد لأنه سماه إلحاد تعتدي عليه وتأمره بأن يقوم من مكانه لا هذا إلحاد، فليحذر الإخوة الذين يحجزون أماكن ويضيقون على الناس، وجد بعض التصرفات في أقدس البقاع مشينة، وصل فيها إلى حد الضرب، يعني في آخر لحظة من رمضان بقي على أذان المغرب خمس دقائق، آخر لحظة من رمضان في آخر يوم مضاربة في صحن الحرم، هذا أبعد هذا مكاني، على أي أساس؟ سبقت خلاص هذا مكانك، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)).
كذلك في الأراضي البور البيضاء، سبق إليها فلان وأحياها هو أحق بها، المشاعر سبق إلى مكان في منى أحق به، سبق إلى مكان في عرفة أحق به، مواطن العبادة الناس فيها سواء، لا يجوز الاحتجار والتضييق على الناس البتة، أما التعدي عليهم هذا ظلم لهم، بعض الناس يستأجر الأجراء ليحجزوا له الأماكن، هذا موجود في المواسم تجد مثلاً أجراء يحجزون أماكن لمن يتخلفون، ويأتي الناس قبلهم، لا من تقدم أولى به، ولا تجوز الأجرة في مثل هذه الأماكن، في كثير ٍمن المساجد أو في كثير من بلدان المسلمين تعارف الناس على موضع الإمام وموضع المؤذن، مسألة عرفية؛ لكن لو جاء شخص وجلس في موضع المؤذن وأصر أن يبقى فيه، وقد دخل المسجد قبل المؤذن له ذلك، شيخ يعلم الناس العلم وله عمود واضح بيّن جاء ووجد فيه شخص جالس الأصل أن هذا الشخص سبقه؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة.


أم الخطاب78 30-12-09 12:42 PM

الحديث السادس والأربعون:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ألحَقوا الفرائض بأهلها‏،‏ فما بقى فهو لأوْلى رجل ذكر‏))[متفق عليه]‏.


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث ابن عباس المتفق عليه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الفرائض: الأنصبة المقدرة المحددة شرعاً التي تولى الله -جل وعلا- قسمتها بين أصحابها ومستحقيها من قرابة الميت التي لم يترك فيها اجتهاداً لأحد، ولذا صار الخلاف في مسائل الفرائض وهو الأقل من بين سائر أبواب الدين، فالخلاف في الفرائض لا يكاد يذكر في مسائل يسيرة جداً تولى الله -جل وعلا- قسمة هذه الحقوق، لم يتركها لاجتهاد أحد، وبيّن أصحاب الفرائض، بين حقوقهم، وجاء الأمر بتطبيق ما جاء في كتاب الله -جل وعلا- من هذه الفرائض والحقوق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) طبقوا ما جاء في كتاب الله -جل وعلا-، وأعطوا كل ذي حقٍ حقه، ومعلوم أن الإرث متعلق بتركة الميت، وقبل الإرث هناك حقوق تتعلق بالتركة منها: ما يتعلق بحق الميت نفسه ومؤونة تجهيزه، وهذا هو المقدم على كل حق، ومنها الديون المتعلقة بعين التركة، الديون التي فيها رهن لشيءٍ من الموروث، ثم الديون المطلقة التي لا تتعلق بعين التركة من حقوق الله وحقوق عباده، ثم بعد ذلك الوصايا، ثم الإرث، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) مقتضى ذلك أن يقدم أصحاب الفروض المقدر على غيرهم، فيقدم صاحب الفرض فإذا استوفى صاحب الفرض حقه وبقي من التركة شيء يكون حينئذٍ لأولى رجلٍ ذكر، فإذا مات الميت عن زوجة وأم وأخت وعمّ مثلاً تعطى الزوجة النصيب كامل لعدم الحاجب، تعطى الربع، والأم كم؟
لماذا الثلث؟ لعدم وجود الفرع الوارث وجمع من الأخوة، والأخت؟ النصف، لماذا؟ لعدم الفرع الوارث وعدم المعصب، وعدم الأصل من الذكور الوارثة، كم يبقى للعم؟ يبقى للعم شيء؟ يبقى له شيء وإلا ما يبقى؟ فما بقي، ما له إلا ما يبقى، والآن ما يبقى شيء، فالمسألة تعول، لو قدر أنه ليس هناك أخت، زوجة وأم وعمّ أو أخ؟ للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللعم الباقي، ((فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر)) والأصل في التعصيب أنه للذكور، لهذا الحديث ولغيره، هم العصبات في الأصل، هم المتعصبون بأنفسهم، هناك عصبة للغير ومع الغير، ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) والفرائض فيها النصف، ونصفه ونصف نصفه، النصف والربع والثمن، وفيها الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، هذه الفروض المقدرة، وأصحابها معروفون بينوا بالنصوص ولم تترك لاجتهاد أحد، ((فما باقي فلأولى رجلٍ ذكر)) أولى: هذه أفعل تفضيل والأولوية هذه تكون بأحد أمور ثلاثة، بالجهة، بالقرب، بالقوة.

فبالجهة التقديم ثم بقربه *** وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
هذه منظومة إيش؟
طالب: الجعبري.
الجعبري صحيح؛ لأن الإخوان ما يعرفون جلهم إلا الرحبية، والرحبية من الرجز، ومنظومة الجعبري على زنة إيش؟ الشاطبية؟ ما يطلع علينا واحد يقول: هذا البيت من الشاطبية ما يمكن، والفرائض له كتبه ومؤلفاته وهو علم مستقل يدرس على جهة الاستقلال، كما أنه فرع من فروع علم الفقه، والاهتمام به والعناية بِشأنه أمر لا بد منه، لا بد من ذلك؛ لأن الناس يتعرضون لهذه المسائل، ما فيه بيت يخلو من مسألة من مسائل الفرائض، ما في بيت يخلو من ميت، فعلى طلاب العلم أن يعنوا به، الحديث الذي يليه حديث أبي أمامة.

أم الخطاب78 30-12-09 12:43 PM

الحديث السابع والأربعون:

عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه، فلا وصية لوارث‏))[رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].


حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا وصية لوارث)) هذا الحديث مخرج في السنن، وفيه كلام لأهل العلم؛ لكنه متلقىً بالقبول، إيش معنى تلقي بالقبول؟ يعني عمل به الأئمة، وأهل الحديث يرون أن تلقي الحديث بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وكثرة الطرق، تلقي الأمة للخبر بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وتعدد الطرق، فتلقي الأمة بالقبول يدل على أن الخبر محكم، واتفاقهم على العمل به يعطيه قوة، هناك مسائل يبحثها أهل الحديث في عمل العالم بالحديث، أو فتواه على مقتضى حديث، أو مخالفة العالم لحديث، هل له أثر في حكم الحديث؟ فتواه على مقتضى الحديث، أو عمله بالحديث، هل يدل على ثبوته وصحته؟
طالب:.......
لا يلزم؛ لأنه قد يكون معه أحاديث أخرى، قد يكون عمل العالم بمقتضى هذا الحديث لما يؤيده من قواعد، كما أن مخالفة العالم للحديث لا تدل على ضعفه لاحتمال أن يكون عمله بمعارضٍ يراه أرجح، الأمة تلقت هذا الخبر بالقبول ((فلا وصية لوارث)) لقوله -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] لمن الوصية؟ للوالدين، والوالدان من الوارثين، وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) في القرآن إثبات الوصية للوالدين وهما من الورثة؟ وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) هل نقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟ يجرؤ أحد أن يقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟
طالب:........
نعم، تخصيص؟ لا هو رفع كلي للحكم، بالنسبة للوصية للوارث منسوخة؛ لكن هل نسختها آيات المواريث كما يقول أهل العلم؟ ولا يدخلون هذا فيها؛ لأن الجمهور عندهم أن الآحاد لا ينسخ المتواتر، على كل حال: ((لا وصية لوارث)) هو الأمر الذي تقرر عليه العمل، وهو الذي عليه عامة أهل العلم.
((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه)) بين حق الوالدين في كتابه، حق الزوجات مبين، حق الأزواج مبين، حق الأولاد، كل شيء مبين، ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) تولى إعطاءه -جل وعلا- بنفسه، ولم يترك في ذلك المجال لأحد، وحينئذٍ لا وصية لوارث؛ لأنه لا جمع بين الإرث والوصية، الوصية معروف أنها لا تنفذ إلا بعد موت الموصي، فإذا أوصى الموصي لوارث فبان عند الموت غير وارث، شخص له أخ لو مات ورثه فأوصى له بثلث ماله، نقول: هذه وصية؟ وصية لكنها لوارث باطلة، افترض أن هذا الأخ ولد لأخيه قبل وفاته بيوم ولد، تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ فبان عند الموت غير وارث، يعني إن كانت الوصية في حال عدم الحاجب، والموصي على علمٍ بذلك، الموصي عنده خبر، وأنه لا وصية لوارث، ومع ذلك يوصي له لأنه وارث، فالوصية من أصلها باطلة؛ لكن لو كان هذا الأخ أوصى له أخوه في آخر عمره، وبعد أن ظهرت النتائج وأن الزوجة حامل، فعرف أنه محجوب بهذا الحمل، ثم مات هذا الحمل قبيل الوفاة، أثناء الوصية هو غير وارث لوجود الحمل؛ لأن الحمل يحجب، لا سيما إذا كان ذكراً، هو يتوقع أنه ذكر فأوصى له لئلا يحرم من الأخ، ثم مات هذا الحمل، أو ظهر هذا الحمل أنثى، تستحق نصف المال والأخ له الباقي، ماذا يكون؟ تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ يعني هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ العبرة بالحال وإلا بالمآل؟ أو نقول: أن الوارث وصف مؤثر فإن كان وارثاً بالفعل لا تصح الوصية، وإن كان غير وارث بالفعل تصح الوصية؟ مع أنهم يلاحظون المقاصد؛ لأنه إذا قصد الوصية لوارث ظلم بقية الورثة، وحينئذٍ يعامل بنقيض قصده عندهم، طيب أوصى لوارث بالوصف لا بالقرب، يعني عنده أولاد، واحد من هؤلاء الأولاد يطلب العلم، فقال: ثلث مالي لمن يطلب العلم لولده، وهو يعرف ولده ما في إلا واحد، فكونه يوصي بالوصف يختلف عن كونه يوصي بالتعيين من الورثة، وفي هذه الوصية، ومثل هذه الوصية حث على تعلم العلم، وما قصد التمييز وارث من وارث، هو قصد حث هؤلاء الورثة على الاهتمام بشأن العلم، ولذا يصححها أهل العلم، وإن كان وارثاً؛ لأنه ليس مقصوداً لذاته؛ لكن لو قال: ثلث مالي لابني فلان، لولدي فلان لأنه يطلب العلم قلنا: لا، أنت أوصيت لولدك، فإذا قال: لمن يطلب العلم من ولدي، قلنا: ما شاء الله صيغة صحيحة، فالأمور بمقاصدها، الفروع كثيرة جداً، وتحتاج إلى شيءٍ من البسط؛ لكن الالتزام بتكميل الكتاب يعوق عن ذلك.


الساعة الآن 02:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .