أم اليمان
06-02-07, 09:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ملحوظة : ما في الدرس المكتوب ليس كل ما هو موجود بالدرس المسموع فعليك أختي الطالبة أن تسجلي الفوائد أثناء استماعك للدرس حيث قد يأتي الاختبار من فوائد ذكرها الشيخ بالدرس المسموع
مع العلم بأن الدرس المكتوب من فضيلة الشيخ سليمان اللهيميد - جزاه الله خيرا-
---------------------------------------------------
الدرس السابع في شرح ثلاثة الأصول ( المكتوب)
---------------------------------------------------
م / ( واليوم الآخر )
اليوم الآخر : يوم القيامة الذي يبعث فيه الناس للحساب والجزاء , وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده .
والإيمان باليوم الآخر يتضمن : الإيمان بما يكون بعد الموت :
ما يكون في البرزخ , وبالحساب , والميزان , والجنة , والنار , والإيمان بعذاب القبر ونعيمه , وأكبر ذلك وأعظمه ، الإيمان ببعث هذه الأجساد , وإعادتها كما كانت أجساداً بعظامها وأعصابها .
قوله ( وتؤمن بالقدر ... )
القدر : تقدير الله تعالى للكائنات , حسبما يبق به علمه واقتضته حكمته .
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور :
1) الإيمان بأن الله علم بكل شيء جملة وتفصيلاً , أزلاً وأبداً .
2) الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ .
وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى : ﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله
يسير ﴾ .
3) الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى , قال تعالى : ﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾
4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله , قال تعالى : ﴿ الله خالق كل شيء ﴾ .
م / ( والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى : ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشـرق والمغـرب ولكن البـر من آمن بالله واليـوم الآخـر والملائكة والكتاب والنبيين ﴾ ودليل القدر قوله تعالى : ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ )
أي الدليل على هذه الأركان الستة .
﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم ... ﴾ أي ليس البر كله أن تصلوا إلى بيت المقدس عندما حولوا إلى بيت الكعبة .
﴿ ولكن البر من آمن بالله ﴾ أي بتفرده جل وعلا بالربوبية والألوهية , والأسماء والصفات .
﴿ واليوم الآخر ﴾ أي بالبعث بعد الموت والحساب والحشر .
﴿ والملائكة ﴾ أي بوجودهم , وأشرفهم السفرة .
﴿ والكتاب ﴾ أي بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء .
﴿ والنبيين ﴾ أي : وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى آخرهم .
ودليل القـدر وأنـه ركن من أركان الإيمان لا يسـتقيم الإيمان إلا به , قوله تعالى : ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾.
قال ابن كثير في تفسيره : ( يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه وهو علمه بالأشياء قبل كونها , وكتابته لها قبل تبرمها ) .
م / ( المرتبة الثالثة : الإحسان ، وهو ركن واحد ، وهو أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والدليل قوله تعالى : ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾ والدليل من السنة حديث جبريل المشهور ، عن عمر t قال: قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم : " ... فأخبرني عن الإحسان ، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ").
المرتبة الثالثة من مراتب الدين : الإحسان , وقد سبق معناها ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
( أن تعبد الله كأنك تراه ) أي أن تعبد الله العبادة البدنية كالصلاة أو المالية كالذبح كأنك تشاهد معبودك الذي قمت بين يديه وقربت له القربان وأطعته فيما أمرك به .
( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أي وإن لم تعبده على استحضار الدرجة الأولى ، درجة المراقبة ، فاعلم أنه يراك ، سميع عليم بصير ، مطلع على جميع خفياتك .
فهذه درجتان ، إحداهما أكمل من الأخرى ، فإن لم تحصل عبادة الله كأنك تشاهده ، فاعبده على مرأى من الله ، وأنه سميع عليم بجميع ما تفعله .
والدليل قوله تعالى : ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾ أي أن الله عز وجل مع عباده الذين اتقوا المنهيات , والذين هم محسنون في العمل , يحفظهم ويكلؤهم ويؤيدهم , وهذه معية خاصة .
م / والدليل من السنة : حديث جبريل المشهور الطويل عن عمر رضي الله عنه أيضاً قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد . حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً “ . قال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه ! قال : فأخبرني عن الإيمان .قال : ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره “ .قال : صدقت .قال : فأخبرني عن الإحسان .قال : ” أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك “ .
قال : فأخبرني عن الساعة .قال : ” ما المسؤول عنها بأعلم من السائل “ .قال : فأخبرني عن أماراتها .قال : ” أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان “ .ثم انطلق ، فلبثت ملياً ، ثم قال : ” يا عمر أتدري من السائل ؟ “ .قلت : الله ورسوله أعلم .قال : ” فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم “ . رواه مسلم
حديث جبريل هذا يدل على أن مراتب الدين هي : الإسلام ، الإيمان ، الإحسـان ، وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
وفي حديث جبريل هذا على أن الإسلام إذا اجتمعا فكل واحد معنى ، فالإسلام الأعمال الظاهرة ، والإيمان الأعمال الباطنة ، ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) .
م / ( الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم , وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم , وهاشم من قريش , وقريش من العرب , والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام .
وله من العمر ثلاث وستون سنة , منها أربعون قبل النبوة , وثلاث وعشرون نبياً رسولاً ، نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر , وبلده مكة وهاجر إلى المدينة )
( الأصل الثالث ) أي من الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها .
لأنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين الله وبين عباده ، وعن طريقة يعرف الناس دينهم .
نســبه : قال ابن القيم في زاد المعاد ( 1/71 ) :
( وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة , وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك , ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم , فأشرف القوم قومه , وأشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه . فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم , وهاشم من قريش , وقريش من العرب , والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وهذا لا خلاف فيه ) .
متى ولد ؟
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين / التاسع من شهر ربيع الأول / عام الفيل .
وقيل في الثاني عشر من ربيع الأول .
فلما كمل له أربعون , أشرق عليه نور النبوة , وأكرمه الله تعالى برسالته , وبعثه إلى خلقه , ولا خلاف في أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين .
م / ( وله من العمر ثلاث وستون ) .
جاء في الحديث عن عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وله من العمر ثلاث وستون )
م / ( منها أربعون قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً ) .
فقد جاء في الحديث عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه وهو ابن أربعون سنة ) .
فإذا كان الرسول مات وعمره ( 63 ) سنة ، وثبت في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه وهو ابن أربعون ، فهذا يدل على أن مدة النبوة : 23 سنة .
م / ( نبئ بإقرأ ) أي كان نبياً حين نزل عليه قوله تعالى : ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسـان من علق , اقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم ... ﴾ حيث جاءه الملك وهو في غار حراء , وكان يحب الخلوة فيه .
م / ( وأرسل بالمدثر ) أي صار رسولاً حين نزل عليه قوله تعالى : ﴿ يا أيها المدثر , قم فأنذر , وربك فكبر , وثيابك فطهر , والرجز فاهجر ... ﴾ فقام عليه الصلاة والسلام فأنذر وقام بأمر الله .
وفي قول المصنف ( نبىء بإقرأ وأرسل بالمدثر ) دليل على أن هناك فرقاً بين النبي والرسول وهو كذلك :
الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه .
النبي هو من لم يأت بشرع جديد وإنما جاء بشرع من قبله ، وأرسل إلى قوم مؤمنين .
وأما قول من قال : إنه من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ فقول ضعيف .
م / ( بلده مكة ) .
أي ولد بها ونشأ فيها إلا ما كان منه وهو مع مرضعته السعدية في البرية , ثم رجع إليها في حضانة جده , ثم عمه , وأوحي إليه بها , وبقي بها ثلاث عشرة سنة بعد أن أوحي إليه .
قال ابن القيم : ولا خلاف في أنه ولد في جوف مكة ، وأن مولده كان عام الفيل .
م / ( وهاجر إلى المدينة ) .
لما قررت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل جبريل إليه بوحي ربه تبارك وتعالى , فأخبره بمؤامرة قريش , وأن الله قد أذن له في الخروج .
قال ابن القيم في زاد المعاد ( 1/101 ) :
( ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة , فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول , وقيل في صفر , وله إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة , ومعه أبو بكر الصديق , وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر , ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي , فدخل غار ثور هو وأبو بكر , فأقام فيه ثلاثاً , ثم أخذ على طريق الساحل , فلما انتهوا إلى المدينة ... ) . أ . ﻫ
وتوفي عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين /12/ربيع الأول/11ﻫ , وقـد تم له ثلاث وسـتون سنة , وذلك بعد أن تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف .
م / ( بعثه الله بالنذارة عن الشرك , ويدعو إلى التوحيد , والدليل قوله تعالى : ﴿ يا أيها المدثر , قم فأنذر وربك فكبر , وثيابك فطهر , والرجز فاهجر , ولا تمنن تستكثر , ولربك فاصبر ﴾ ومعنى : ﴿ قم فأنذر ﴾ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ﴿ وربك فكبر ﴾ أي عظمه بالتوحيد ﴿ وثيابك فطهر ﴾ أي طهر أعمالك عن الشرك ﴿ والرجز فاهجر﴾ الرجز : الأصنام , وهجرها تركها .
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد ) .
ذكر المصنف رحمه الله جملة مما يعرف به النبي صلى الله عليه وسلم , وأعظمها وأعلاها : معرفة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه بعث بالنذارة عن الشرك , والدعوة إلى التوحيد .
وقدم المصنف النذارة عن الشرك قبل الدعوة إلى التوحيد لأن هذا مدلول كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) ، ولأن الآية الآتية تقتضي ذلك , فبدأ بجانب التوحيد لكون العبادة لا تصح مع وجود المنافي , فلو وجدت والمنافي لها موجود لم تصح , ثم ثنى بالتوحيد , لأنه أوجب الواجبات , ولا يرفع عمل إلا به .
وقوله ﴿ يا أيها المدثر ... ﴾ هذه أول آية أرسل بها , وأول أمر طرق سمعه في حال إرساله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الملك الذي جاءه بحراء حين أنزل عليه ( اقرأ ) رعب منه ، فأتى أهله فقال : ( دثروني ) فأنزل الله ﴿ يا أيها المدثر ﴾ .
( يا أيها المدثر ) أي المدثر بثيابه , المستغشي بها من الرعب الذي حصل له من رزية الملك عند نزول الوحي .
( قم فأنذر ) أي من دثارك , فأنذرهم وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا , وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة .
﴿ وربك فكبر ﴾ أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان .
﴿ وثيابك فطهر ﴾ أي نفسك طهرها عن الذنوب , كنى النفس بالثوب لأنها تشتمل عليه ، وهذا قول المحققين من أهل التفسير .
﴿ والرجز فاهجر ﴾ أي اترك الأوثان ولا تقربها .
﴿ ولا تمنن تستكثر ﴾ أي لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، وهذا اختيار ابن جرير . وقيل : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، وقيل : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها .
﴿ ولربك فاصبر ﴾ أي على طاعته وأوامره ، أو على ما أوذيت في الله .
م / ( أخذ على هذا عشر سنين ... )
أي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان التوحيد والدعـوة إليه ، وبيان الشـرك والإنذار عنه والتحذير منه عشـر سنين ، قبل فرض الصلاة التي هي عماد الدين ، وقبل بقية الشرائع ، وبهذا يتبين لك :
أن حقيقة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم ودعت إليه الرسل كلهم ، هو الإنذار عن الشرك والنهي عنه , والدعوة إلى التوحيد وبيانه وتوضيحه :
كما قال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ .
م / ( وبعد العشر عرج به إلى السماء ) .
الإســراء لغـة : السير بالشخص ليلاً . وشــرعاً : سير جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس .
والمعراج : الآلة التي تعرج بها , وهي المصعد . وشــرعاً : السلم الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء .
قصـة الإســراء والمعراج :
الإسراء والمعراج ثابت بالقرآن والسنة .
قال تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .
والأحاديث كثيرة في ذلك .
ملخص ما حدث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق حتى جاء بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء ، فوجد في السماء الأولى آدم ، وفي السماء الثانية عيسى ويحيى ، وفي السماء الثالثة يوسف ، وفي السماء الرابعة إدريس ، وفي السماء الخامسة هارون ، وفي السماء السادسة موسى ، وفي السماء السابعة إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وفرضت عليه الصلوات الخمس ثم رجع من ليلته ...) . متفق عليه
وقت الإسـراء والمعراج :
كان من مكة باتفاق أهل العلم ، وبنص القرآن والسنة المتواترة , كما قال تعالى : ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ ) . ( مجموع الفتاوى 3 / 387 )
وكان ذلك بعد المبعث وقبل الهجرة بالاتفاق . ( لكن لا يعرف أي سنة بالتحديد : فقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل بسنتين وقيل بسنة .
جماهير أهل السنة أن الإسراء والمعراج كان بروحه وجسده يقظة مرة واحدة لا مناماً .
فالأكثرون من العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً .
ومما يدل على أن الإسراء بجسده وروحه في اليقظة :
قوله تعالى : ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ ، والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ) .
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلته .
م / (وفرضت عليه الصلوات الخمس ) .
أي فَرض الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات الخمس في هذه الليلة ( ليلة الإسراء والمعراج ) .
ففي حديث الإسراء ( ففرض الله عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى فقال : ما فـرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا يطيقون ذلك ...... الحديث فمازال يراجع بين الله وبين موسى حتى قال الله : يا محمد ! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ، لكل صلاة عشر فلذلك خمسون صلاة ) .
م / ( وصلى في مكة ثلاث سنين ) .
أي فيكون الإسراء – على رأي المؤلف – قبل الهجرة بثلاث سنين .
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الرباعية ركعتين ثم في المدينة أتمت صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر .
عن عائشة قالت ( فرضت الصـلاة ركعتين ركعتين ، ثم هاجـر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعاً وتُركت صـلاة السفر على الأول ) متفق عليه .
م / ( وبعدها ) أي بعد الثلاث عشرة من بعثته صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه صلى بعد العشر ثلاث سنين بمكة .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين ) رواه البخاري .
م / ( أمر بالهجرة إلى المدينة ، والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة والدليل قوله تعالى ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً , إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ﴾) وقوله تعالى : ﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾ .
أمر صلى الله عليه وسلم بمفارقة المشركين وأوطانهم , بحيث يتمكن من إظهار دينه , والدعـوة إلى الله في غير بلادهم ، فإن ذلك واجب فرض , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
والهجرة واجبة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
والدليل قوله تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ..... ) .
قال ابن كثير في تفسيره ( 1/555 ) :
( قال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب ، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين , فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع , وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى : ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ أي بترك الهجرة ﴿ قالوا فيم كنتم ﴾ أي لما مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة ) .
ومن الأدلة قوله تعالى ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة .... ) .
في هذه الآية : أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين , وأخبر أن الأرض غير ضيقة بل واسعة , تسع جميع الخلائق , فإذا كان الإنسان في أرض ولم يتمكن من إظهار دينه فيها , فإن الله قد وسع له الأرض ليعبده فيها كما أمر .
من الســنة :
عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة , ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) . رواه أبو داود
معنى قوله : ( لا تنقطع التوبة ... ) أي لا تنقطع الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إلى يوم القيامة .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ) . متفق عليه
جاء في تحفة الأحوذي ( 5/214 ) وغيره : ( لا هجرة بعد الفتح ) أي فتح مكة .
قال الخطابي : ( كانت الهجرة فرضاً على من أسلم ) .
- أقسام الناس في الهجرة :
القسم الأول : من تجب عليه الهجرة .
وهو من يقدر عليها ، ولا يمكنه إظهار دينه .
للأدلة التي ذكرها المصنف .
القسم الثاني : من تستحب له ولا تجب عليه .
وهو من يقدر عليها لكنه متمكن من إظهار دينه ، فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعاونتهم .
القسم الثالث : من لا هجرة عليه .
وهو من يعجز عنها لمرض ، أو إكراه على الإقامة ، أو ضعف من النساء والولدان .
م / ( والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " ) .
فإذا طلعت الشمس من مغربها فهو أوان قيام الساعة , وهي أقرب علاماتها , وإذا طلعت لم تقبل توبة ، قال تعالى : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ﴾ والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها .
فدل على أنها تقبل قبل طلوع الشمس من مغربها , وما دامت تقبل التوبة فلا تنقطع الهجرة .
وفي الحديث : ( أنا بريء من مسلم بات بين ظهراني المشركين ) . رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الهجرة باقية ما قوتل العدو ) .
م / ( فلما استقر بالمدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام ، مثل : الزكاة , والصوم , والحج والجهاد , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
أي لما هاجر من مكة إلى المدينة , واستقر بها , وفشا التوحيد ودان به أولئك وأقاموا , أمر ببقية شرائع الإسلام التي تعبّد الله به خلقه ، إذ عامة شرائع الإسلام لم تشرع إلا في المدينة .
أما الصيام :
فقال ابن القيم في زاد المعاد ( 2/3 ) :
( وكان فرضه ـ أي الصيام ـ في السـنة الثانية من الهجرة ، فتوفي رسـول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات ) .
وأما الزكاة :
فظاهر كلام المؤلف أن الزكاة فرضت أصلاً وتفصيلاً في المدينة .
وذهب بعض العلماء إلى أن الزكاة فرضت أولاً في مكة ، لكنها لم تقدر أنصابها ولم يقدر الواجب فيها , وفي المدينة قدرت الأنصاب وقدر الواجب .
واستدل هؤلاء بأنه جاءت آيات توجب الزكاة في سور مكية , مثل قوله تعالى في سورة الأنعام : ﴿ وآتوا حـقه يوم حصاده ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ والذين في أمـوالهم حق معلوم للسـائل والمحروم ﴾ .
وأما الحج :
فقد فرض في السنة التاسعة من الهجرة على الراجح .
قال ابن القيم في زاد المعاد ( 2/101 ) : ولما نزل فرض الحج , بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير , فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر , وأما قوله تعالى : ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾ فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فرضية الحج , وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما , وذلك لا يقتضي الوجوب ) .
( والجهاد ) والجهاد فرض بعد الهجرة كما ذكر المصنف. وقبلها لم يأذن الله للمسلمين بالجهاد في مكة ولا فرضه عليهم؛ لأنهم عاجزون ضعفاء ليس لهم شوكة يتمكنون بها من القتال. فلما هاجروا إلى المدينة وقامت الدولة الإسلامية أمروا بالجهاد قال تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي لم يفرض الجهاد إلا بالمدينة
( والمراد بالجهاد هنا : جهاد الكفار خاصة ) .
م / ( أخذ على هذا عشر سنين , وبعدها توفي صلى الله عليه وسلم ، ودينه باق ) .
( أخذ ) أي النبي صلى الله عليه وسلم .
( عشر سنين ) بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ، توحى إليه الشرائع ، أركانها وواجباتها ومستحباتها وما ينافي ذلك .
( وبعدها توفي صلى الله عليه وسلم ) لما تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف , أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء من مشاعره صلى الله عليه وسلم , وتتضح بعباراته وأفعاله .
قال ابن كثير : لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، والمشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول .
م / ( ودينه باق ) أي : لأنه دين عام إلى يوم القيامة للبشرية كلها.
بينما الأديان السابقة كانت مؤقتة بأوقات معينة انتهت بنهايتها. ولما كان الإسلام دينًا عامًا لجميع البشرية وجب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم على جميع الثقلين الجن والإنس من اليهود والنصارى وغيرهم .
م / ( وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه , والخير الذي دل عليه : التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه , والشر الذي حذر منه : الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه ، وأكمل الله به الدين ، قال تعالى : ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ﴾ ) .
قال صلى الله عليه وسلم ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ) رواه مسلم .
وأخرج الطبراني عن أبي ذر قال ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم ) .
فهذا الحديث النبوي الشريف فيه التصريح الجلي الواضح بأن كل ما يقرب إلى الجنة قد بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن كل ما يباعد من النار إلا وقد بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأي إحداث أو ابتداع إنما هو استدراك على الشريعة ، وجرأة قبيحة يُنادي بها صاحبها أن الشريعة لم تكْفِ ولم تكتمل فاحتاجت إلى إحداثه وابتداعه .
وهذا ما فهم تماماً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن مسعود ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ) .
( وأكمل به ) أي بالرسول صلى الله عليه وسلم .
( الدين ) أي الإسلام ، فهو آخر الأنبياء وخاتمهم وأتم الله به الملة .
قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .
هذه الآية تدل على تمام الشريعة وكمالها وكفايتها لكل ما يحتاجه الخلق .
قال ابن كثير : هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة ، حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جعله اله تعالى خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه .
م / ( بعثه الله إلى الناس كافة ، والدليل قوله تعالى : ﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ﴾ ، وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس )
( بعثه الله ) أي أرسله إلى الناس ، فالرسول مرسل لجميع الناس .
( كافة ) أي جميعاً .
الأدلــة :
قال الله تعالى : ﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ﴾ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : ... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ) . متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يسمع بي رجل من هـذه الأمة يهـودي ولا نصـراني ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار ) . رواه مسلم
وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الإنس والجن بإجماع المسلمين , وقرن طاعته بطاعة الله في غير موضع من كتابه ، قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ﴾ .
م / ( والدليل على موته صلى الله عليه وسلم ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ )
أي إنك يا محمد ستموت ، وقام أبو بكر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، وقال : ( بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ) .
وقال تعالى : ﴿ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ .
نعم ، هو حي صلى الله عليه وسلم في قبره ، حياة برزخية ، أعلى وأمل من حياة الشهداء المذكورة في قوله تعالى : ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ .
وأما الحياة الجثمانية فلا ريب أنه مات صلى الله عليه وسلم ، وغسل وكفن وصلي عليه ، ودفن في ضريحه بالمدينة ، فموته صلى الله عليه وسلم معلوم بالسمع والمشاهدة ، مشهور يعلمه العام والخاص ، لا يمتري فيه إلا مكابر .
ملحوظة : ما في الدرس المكتوب ليس كل ما هو موجود بالدرس المسموع فعليك أختي الطالبة أن تسجلي الفوائد أثناء استماعك للدرس حيث قد يأتي الاختبار من فوائد ذكرها الشيخ بالدرس المسموع
مع العلم بأن الدرس المكتوب من فضيلة الشيخ سليمان اللهيميد - جزاه الله خيرا-
---------------------------------------------------
الدرس السابع في شرح ثلاثة الأصول ( المكتوب)
---------------------------------------------------
م / ( واليوم الآخر )
اليوم الآخر : يوم القيامة الذي يبعث فيه الناس للحساب والجزاء , وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده .
والإيمان باليوم الآخر يتضمن : الإيمان بما يكون بعد الموت :
ما يكون في البرزخ , وبالحساب , والميزان , والجنة , والنار , والإيمان بعذاب القبر ونعيمه , وأكبر ذلك وأعظمه ، الإيمان ببعث هذه الأجساد , وإعادتها كما كانت أجساداً بعظامها وأعصابها .
قوله ( وتؤمن بالقدر ... )
القدر : تقدير الله تعالى للكائنات , حسبما يبق به علمه واقتضته حكمته .
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور :
1) الإيمان بأن الله علم بكل شيء جملة وتفصيلاً , أزلاً وأبداً .
2) الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ .
وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى : ﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله
يسير ﴾ .
3) الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى , قال تعالى : ﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾
4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله , قال تعالى : ﴿ الله خالق كل شيء ﴾ .
م / ( والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى : ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشـرق والمغـرب ولكن البـر من آمن بالله واليـوم الآخـر والملائكة والكتاب والنبيين ﴾ ودليل القدر قوله تعالى : ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ )
أي الدليل على هذه الأركان الستة .
﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم ... ﴾ أي ليس البر كله أن تصلوا إلى بيت المقدس عندما حولوا إلى بيت الكعبة .
﴿ ولكن البر من آمن بالله ﴾ أي بتفرده جل وعلا بالربوبية والألوهية , والأسماء والصفات .
﴿ واليوم الآخر ﴾ أي بالبعث بعد الموت والحساب والحشر .
﴿ والملائكة ﴾ أي بوجودهم , وأشرفهم السفرة .
﴿ والكتاب ﴾ أي بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء .
﴿ والنبيين ﴾ أي : وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى آخرهم .
ودليل القـدر وأنـه ركن من أركان الإيمان لا يسـتقيم الإيمان إلا به , قوله تعالى : ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾.
قال ابن كثير في تفسيره : ( يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه وهو علمه بالأشياء قبل كونها , وكتابته لها قبل تبرمها ) .
م / ( المرتبة الثالثة : الإحسان ، وهو ركن واحد ، وهو أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والدليل قوله تعالى : ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾ والدليل من السنة حديث جبريل المشهور ، عن عمر t قال: قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم : " ... فأخبرني عن الإحسان ، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ").
المرتبة الثالثة من مراتب الدين : الإحسان , وقد سبق معناها ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
( أن تعبد الله كأنك تراه ) أي أن تعبد الله العبادة البدنية كالصلاة أو المالية كالذبح كأنك تشاهد معبودك الذي قمت بين يديه وقربت له القربان وأطعته فيما أمرك به .
( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أي وإن لم تعبده على استحضار الدرجة الأولى ، درجة المراقبة ، فاعلم أنه يراك ، سميع عليم بصير ، مطلع على جميع خفياتك .
فهذه درجتان ، إحداهما أكمل من الأخرى ، فإن لم تحصل عبادة الله كأنك تشاهده ، فاعبده على مرأى من الله ، وأنه سميع عليم بجميع ما تفعله .
والدليل قوله تعالى : ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾ أي أن الله عز وجل مع عباده الذين اتقوا المنهيات , والذين هم محسنون في العمل , يحفظهم ويكلؤهم ويؤيدهم , وهذه معية خاصة .
م / والدليل من السنة : حديث جبريل المشهور الطويل عن عمر رضي الله عنه أيضاً قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد . حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً “ . قال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه ! قال : فأخبرني عن الإيمان .قال : ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره “ .قال : صدقت .قال : فأخبرني عن الإحسان .قال : ” أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك “ .
قال : فأخبرني عن الساعة .قال : ” ما المسؤول عنها بأعلم من السائل “ .قال : فأخبرني عن أماراتها .قال : ” أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان “ .ثم انطلق ، فلبثت ملياً ، ثم قال : ” يا عمر أتدري من السائل ؟ “ .قلت : الله ورسوله أعلم .قال : ” فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم “ . رواه مسلم
حديث جبريل هذا يدل على أن مراتب الدين هي : الإسلام ، الإيمان ، الإحسـان ، وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
وفي حديث جبريل هذا على أن الإسلام إذا اجتمعا فكل واحد معنى ، فالإسلام الأعمال الظاهرة ، والإيمان الأعمال الباطنة ، ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) .
م / ( الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم , وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم , وهاشم من قريش , وقريش من العرب , والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام .
وله من العمر ثلاث وستون سنة , منها أربعون قبل النبوة , وثلاث وعشرون نبياً رسولاً ، نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر , وبلده مكة وهاجر إلى المدينة )
( الأصل الثالث ) أي من الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها .
لأنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين الله وبين عباده ، وعن طريقة يعرف الناس دينهم .
نســبه : قال ابن القيم في زاد المعاد ( 1/71 ) :
( وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة , وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك , ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم , فأشرف القوم قومه , وأشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه . فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم , وهاشم من قريش , وقريش من العرب , والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وهذا لا خلاف فيه ) .
متى ولد ؟
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين / التاسع من شهر ربيع الأول / عام الفيل .
وقيل في الثاني عشر من ربيع الأول .
فلما كمل له أربعون , أشرق عليه نور النبوة , وأكرمه الله تعالى برسالته , وبعثه إلى خلقه , ولا خلاف في أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين .
م / ( وله من العمر ثلاث وستون ) .
جاء في الحديث عن عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وله من العمر ثلاث وستون )
م / ( منها أربعون قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً ) .
فقد جاء في الحديث عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه وهو ابن أربعون سنة ) .
فإذا كان الرسول مات وعمره ( 63 ) سنة ، وثبت في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه وهو ابن أربعون ، فهذا يدل على أن مدة النبوة : 23 سنة .
م / ( نبئ بإقرأ ) أي كان نبياً حين نزل عليه قوله تعالى : ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسـان من علق , اقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم ... ﴾ حيث جاءه الملك وهو في غار حراء , وكان يحب الخلوة فيه .
م / ( وأرسل بالمدثر ) أي صار رسولاً حين نزل عليه قوله تعالى : ﴿ يا أيها المدثر , قم فأنذر , وربك فكبر , وثيابك فطهر , والرجز فاهجر ... ﴾ فقام عليه الصلاة والسلام فأنذر وقام بأمر الله .
وفي قول المصنف ( نبىء بإقرأ وأرسل بالمدثر ) دليل على أن هناك فرقاً بين النبي والرسول وهو كذلك :
الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه .
النبي هو من لم يأت بشرع جديد وإنما جاء بشرع من قبله ، وأرسل إلى قوم مؤمنين .
وأما قول من قال : إنه من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ فقول ضعيف .
م / ( بلده مكة ) .
أي ولد بها ونشأ فيها إلا ما كان منه وهو مع مرضعته السعدية في البرية , ثم رجع إليها في حضانة جده , ثم عمه , وأوحي إليه بها , وبقي بها ثلاث عشرة سنة بعد أن أوحي إليه .
قال ابن القيم : ولا خلاف في أنه ولد في جوف مكة ، وأن مولده كان عام الفيل .
م / ( وهاجر إلى المدينة ) .
لما قررت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل جبريل إليه بوحي ربه تبارك وتعالى , فأخبره بمؤامرة قريش , وأن الله قد أذن له في الخروج .
قال ابن القيم في زاد المعاد ( 1/101 ) :
( ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة , فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول , وقيل في صفر , وله إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة , ومعه أبو بكر الصديق , وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر , ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي , فدخل غار ثور هو وأبو بكر , فأقام فيه ثلاثاً , ثم أخذ على طريق الساحل , فلما انتهوا إلى المدينة ... ) . أ . ﻫ
وتوفي عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين /12/ربيع الأول/11ﻫ , وقـد تم له ثلاث وسـتون سنة , وذلك بعد أن تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف .
م / ( بعثه الله بالنذارة عن الشرك , ويدعو إلى التوحيد , والدليل قوله تعالى : ﴿ يا أيها المدثر , قم فأنذر وربك فكبر , وثيابك فطهر , والرجز فاهجر , ولا تمنن تستكثر , ولربك فاصبر ﴾ ومعنى : ﴿ قم فأنذر ﴾ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ﴿ وربك فكبر ﴾ أي عظمه بالتوحيد ﴿ وثيابك فطهر ﴾ أي طهر أعمالك عن الشرك ﴿ والرجز فاهجر﴾ الرجز : الأصنام , وهجرها تركها .
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد ) .
ذكر المصنف رحمه الله جملة مما يعرف به النبي صلى الله عليه وسلم , وأعظمها وأعلاها : معرفة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه بعث بالنذارة عن الشرك , والدعوة إلى التوحيد .
وقدم المصنف النذارة عن الشرك قبل الدعوة إلى التوحيد لأن هذا مدلول كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) ، ولأن الآية الآتية تقتضي ذلك , فبدأ بجانب التوحيد لكون العبادة لا تصح مع وجود المنافي , فلو وجدت والمنافي لها موجود لم تصح , ثم ثنى بالتوحيد , لأنه أوجب الواجبات , ولا يرفع عمل إلا به .
وقوله ﴿ يا أيها المدثر ... ﴾ هذه أول آية أرسل بها , وأول أمر طرق سمعه في حال إرساله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الملك الذي جاءه بحراء حين أنزل عليه ( اقرأ ) رعب منه ، فأتى أهله فقال : ( دثروني ) فأنزل الله ﴿ يا أيها المدثر ﴾ .
( يا أيها المدثر ) أي المدثر بثيابه , المستغشي بها من الرعب الذي حصل له من رزية الملك عند نزول الوحي .
( قم فأنذر ) أي من دثارك , فأنذرهم وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا , وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة .
﴿ وربك فكبر ﴾ أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان .
﴿ وثيابك فطهر ﴾ أي نفسك طهرها عن الذنوب , كنى النفس بالثوب لأنها تشتمل عليه ، وهذا قول المحققين من أهل التفسير .
﴿ والرجز فاهجر ﴾ أي اترك الأوثان ولا تقربها .
﴿ ولا تمنن تستكثر ﴾ أي لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، وهذا اختيار ابن جرير . وقيل : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، وقيل : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها .
﴿ ولربك فاصبر ﴾ أي على طاعته وأوامره ، أو على ما أوذيت في الله .
م / ( أخذ على هذا عشر سنين ... )
أي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان التوحيد والدعـوة إليه ، وبيان الشـرك والإنذار عنه والتحذير منه عشـر سنين ، قبل فرض الصلاة التي هي عماد الدين ، وقبل بقية الشرائع ، وبهذا يتبين لك :
أن حقيقة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم ودعت إليه الرسل كلهم ، هو الإنذار عن الشرك والنهي عنه , والدعوة إلى التوحيد وبيانه وتوضيحه :
كما قال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ .
م / ( وبعد العشر عرج به إلى السماء ) .
الإســراء لغـة : السير بالشخص ليلاً . وشــرعاً : سير جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس .
والمعراج : الآلة التي تعرج بها , وهي المصعد . وشــرعاً : السلم الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء .
قصـة الإســراء والمعراج :
الإسراء والمعراج ثابت بالقرآن والسنة .
قال تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .
والأحاديث كثيرة في ذلك .
ملخص ما حدث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق حتى جاء بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء ، فوجد في السماء الأولى آدم ، وفي السماء الثانية عيسى ويحيى ، وفي السماء الثالثة يوسف ، وفي السماء الرابعة إدريس ، وفي السماء الخامسة هارون ، وفي السماء السادسة موسى ، وفي السماء السابعة إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وفرضت عليه الصلوات الخمس ثم رجع من ليلته ...) . متفق عليه
وقت الإسـراء والمعراج :
كان من مكة باتفاق أهل العلم ، وبنص القرآن والسنة المتواترة , كما قال تعالى : ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ ) . ( مجموع الفتاوى 3 / 387 )
وكان ذلك بعد المبعث وقبل الهجرة بالاتفاق . ( لكن لا يعرف أي سنة بالتحديد : فقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل بسنتين وقيل بسنة .
جماهير أهل السنة أن الإسراء والمعراج كان بروحه وجسده يقظة مرة واحدة لا مناماً .
فالأكثرون من العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً .
ومما يدل على أن الإسراء بجسده وروحه في اليقظة :
قوله تعالى : ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ ، والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ) .
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلته .
م / (وفرضت عليه الصلوات الخمس ) .
أي فَرض الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات الخمس في هذه الليلة ( ليلة الإسراء والمعراج ) .
ففي حديث الإسراء ( ففرض الله عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى فقال : ما فـرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا يطيقون ذلك ...... الحديث فمازال يراجع بين الله وبين موسى حتى قال الله : يا محمد ! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ، لكل صلاة عشر فلذلك خمسون صلاة ) .
م / ( وصلى في مكة ثلاث سنين ) .
أي فيكون الإسراء – على رأي المؤلف – قبل الهجرة بثلاث سنين .
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الرباعية ركعتين ثم في المدينة أتمت صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر .
عن عائشة قالت ( فرضت الصـلاة ركعتين ركعتين ، ثم هاجـر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعاً وتُركت صـلاة السفر على الأول ) متفق عليه .
م / ( وبعدها ) أي بعد الثلاث عشرة من بعثته صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه صلى بعد العشر ثلاث سنين بمكة .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين ) رواه البخاري .
م / ( أمر بالهجرة إلى المدينة ، والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة والدليل قوله تعالى ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً , إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ﴾) وقوله تعالى : ﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾ .
أمر صلى الله عليه وسلم بمفارقة المشركين وأوطانهم , بحيث يتمكن من إظهار دينه , والدعـوة إلى الله في غير بلادهم ، فإن ذلك واجب فرض , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
والهجرة واجبة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
والدليل قوله تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ..... ) .
قال ابن كثير في تفسيره ( 1/555 ) :
( قال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب ، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين , فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع , وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى : ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ أي بترك الهجرة ﴿ قالوا فيم كنتم ﴾ أي لما مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة ) .
ومن الأدلة قوله تعالى ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة .... ) .
في هذه الآية : أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين , وأخبر أن الأرض غير ضيقة بل واسعة , تسع جميع الخلائق , فإذا كان الإنسان في أرض ولم يتمكن من إظهار دينه فيها , فإن الله قد وسع له الأرض ليعبده فيها كما أمر .
من الســنة :
عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة , ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) . رواه أبو داود
معنى قوله : ( لا تنقطع التوبة ... ) أي لا تنقطع الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إلى يوم القيامة .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ) . متفق عليه
جاء في تحفة الأحوذي ( 5/214 ) وغيره : ( لا هجرة بعد الفتح ) أي فتح مكة .
قال الخطابي : ( كانت الهجرة فرضاً على من أسلم ) .
- أقسام الناس في الهجرة :
القسم الأول : من تجب عليه الهجرة .
وهو من يقدر عليها ، ولا يمكنه إظهار دينه .
للأدلة التي ذكرها المصنف .
القسم الثاني : من تستحب له ولا تجب عليه .
وهو من يقدر عليها لكنه متمكن من إظهار دينه ، فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعاونتهم .
القسم الثالث : من لا هجرة عليه .
وهو من يعجز عنها لمرض ، أو إكراه على الإقامة ، أو ضعف من النساء والولدان .
م / ( والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " ) .
فإذا طلعت الشمس من مغربها فهو أوان قيام الساعة , وهي أقرب علاماتها , وإذا طلعت لم تقبل توبة ، قال تعالى : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ﴾ والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها .
فدل على أنها تقبل قبل طلوع الشمس من مغربها , وما دامت تقبل التوبة فلا تنقطع الهجرة .
وفي الحديث : ( أنا بريء من مسلم بات بين ظهراني المشركين ) . رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الهجرة باقية ما قوتل العدو ) .
م / ( فلما استقر بالمدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام ، مثل : الزكاة , والصوم , والحج والجهاد , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
أي لما هاجر من مكة إلى المدينة , واستقر بها , وفشا التوحيد ودان به أولئك وأقاموا , أمر ببقية شرائع الإسلام التي تعبّد الله به خلقه ، إذ عامة شرائع الإسلام لم تشرع إلا في المدينة .
أما الصيام :
فقال ابن القيم في زاد المعاد ( 2/3 ) :
( وكان فرضه ـ أي الصيام ـ في السـنة الثانية من الهجرة ، فتوفي رسـول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات ) .
وأما الزكاة :
فظاهر كلام المؤلف أن الزكاة فرضت أصلاً وتفصيلاً في المدينة .
وذهب بعض العلماء إلى أن الزكاة فرضت أولاً في مكة ، لكنها لم تقدر أنصابها ولم يقدر الواجب فيها , وفي المدينة قدرت الأنصاب وقدر الواجب .
واستدل هؤلاء بأنه جاءت آيات توجب الزكاة في سور مكية , مثل قوله تعالى في سورة الأنعام : ﴿ وآتوا حـقه يوم حصاده ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ والذين في أمـوالهم حق معلوم للسـائل والمحروم ﴾ .
وأما الحج :
فقد فرض في السنة التاسعة من الهجرة على الراجح .
قال ابن القيم في زاد المعاد ( 2/101 ) : ولما نزل فرض الحج , بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير , فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر , وأما قوله تعالى : ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾ فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فرضية الحج , وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما , وذلك لا يقتضي الوجوب ) .
( والجهاد ) والجهاد فرض بعد الهجرة كما ذكر المصنف. وقبلها لم يأذن الله للمسلمين بالجهاد في مكة ولا فرضه عليهم؛ لأنهم عاجزون ضعفاء ليس لهم شوكة يتمكنون بها من القتال. فلما هاجروا إلى المدينة وقامت الدولة الإسلامية أمروا بالجهاد قال تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي لم يفرض الجهاد إلا بالمدينة
( والمراد بالجهاد هنا : جهاد الكفار خاصة ) .
م / ( أخذ على هذا عشر سنين , وبعدها توفي صلى الله عليه وسلم ، ودينه باق ) .
( أخذ ) أي النبي صلى الله عليه وسلم .
( عشر سنين ) بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ، توحى إليه الشرائع ، أركانها وواجباتها ومستحباتها وما ينافي ذلك .
( وبعدها توفي صلى الله عليه وسلم ) لما تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف , أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء من مشاعره صلى الله عليه وسلم , وتتضح بعباراته وأفعاله .
قال ابن كثير : لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، والمشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول .
م / ( ودينه باق ) أي : لأنه دين عام إلى يوم القيامة للبشرية كلها.
بينما الأديان السابقة كانت مؤقتة بأوقات معينة انتهت بنهايتها. ولما كان الإسلام دينًا عامًا لجميع البشرية وجب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم على جميع الثقلين الجن والإنس من اليهود والنصارى وغيرهم .
م / ( وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه , والخير الذي دل عليه : التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه , والشر الذي حذر منه : الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه ، وأكمل الله به الدين ، قال تعالى : ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ﴾ ) .
قال صلى الله عليه وسلم ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ) رواه مسلم .
وأخرج الطبراني عن أبي ذر قال ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم ) .
فهذا الحديث النبوي الشريف فيه التصريح الجلي الواضح بأن كل ما يقرب إلى الجنة قد بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن كل ما يباعد من النار إلا وقد بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأي إحداث أو ابتداع إنما هو استدراك على الشريعة ، وجرأة قبيحة يُنادي بها صاحبها أن الشريعة لم تكْفِ ولم تكتمل فاحتاجت إلى إحداثه وابتداعه .
وهذا ما فهم تماماً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن مسعود ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ) .
( وأكمل به ) أي بالرسول صلى الله عليه وسلم .
( الدين ) أي الإسلام ، فهو آخر الأنبياء وخاتمهم وأتم الله به الملة .
قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .
هذه الآية تدل على تمام الشريعة وكمالها وكفايتها لكل ما يحتاجه الخلق .
قال ابن كثير : هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة ، حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جعله اله تعالى خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه .
م / ( بعثه الله إلى الناس كافة ، والدليل قوله تعالى : ﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ﴾ ، وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس )
( بعثه الله ) أي أرسله إلى الناس ، فالرسول مرسل لجميع الناس .
( كافة ) أي جميعاً .
الأدلــة :
قال الله تعالى : ﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ﴾ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : ... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ) . متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يسمع بي رجل من هـذه الأمة يهـودي ولا نصـراني ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار ) . رواه مسلم
وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الإنس والجن بإجماع المسلمين , وقرن طاعته بطاعة الله في غير موضع من كتابه ، قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ﴾ .
م / ( والدليل على موته صلى الله عليه وسلم ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ )
أي إنك يا محمد ستموت ، وقام أبو بكر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، وقال : ( بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ) .
وقال تعالى : ﴿ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ .
نعم ، هو حي صلى الله عليه وسلم في قبره ، حياة برزخية ، أعلى وأمل من حياة الشهداء المذكورة في قوله تعالى : ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ .
وأما الحياة الجثمانية فلا ريب أنه مات صلى الله عليه وسلم ، وغسل وكفن وصلي عليه ، ودفن في ضريحه بالمدينة ، فموته صلى الله عليه وسلم معلوم بالسمع والمشاهدة ، مشهور يعلمه العام والخاص ، لا يمتري فيه إلا مكابر .