مفكرة إسلامية
11-01-08, 01:23 AM
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم – وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف هذا الدرس كالمعتاد بعرض سؤالين على الأخوة المشاهدين والمستمعين ثم بعرض بعض الأسئلة على الطلبة الحضرين .
السؤال الأول: للمشاهدين هو مع تعريف الإيمان شرعاً؟
والسؤال الثاني : هل يثبت الإسلام وحقوق المسلم لمن لم يقر بالشهادتين، وما الدليل على ذلك ؟
أما أسئلة الحاضرين فأولها: ذكر السلف أن من الإيمان عمل الجوارح، فما المقصود بعمل الجوارح؟
المقصود بعمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات
أي نعم : فعل المأمورات وترك المنهيات .
هل من الممكن أن تضرب لى مثالاً بالمأمورات أعلاها وأدناها؟ المأمورات كالصلاة .
وما دون الصلاة مثلاً من المأمورات من السنن ؟ مثل السواك .
سؤال آخر: هل كل مسلم مؤمن ؟ ولماذا ؟
ليس كل مسلم مؤمناً، درجات الإيمان، الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
يعني معنى هذا أنه ليس كل مسلم مؤمناً لأنه قد يدعي الإسلام المنافق الذي لا يؤمن .
أيضاً هناك سؤال فيما يتعلق بمفهوم الإسلام والإيمان، متى يفترقان من بعض الوجوه ؟ ومتى يجتمعان؟
إذا اجتمعا تفرقا وإذا تفرقا اجتمعا، يعني إذا اجتمعا ينصرف الإسلام إلى الأعمال الظاهرة إذا جاء ذكرهما في سياق واحد .
فالإسلام يعني الأعمال الظاهرة، والإيمان ؟
والإيمان ينصرف إلى الأعمال الباطنة
وإذا افترق كل منهما وجاء مفرداً ؟
إذا افترقا اجتماعا، يعني إذا ذكر الإسلام فقط فإنه يشمل الإسلام والإيمان، وكذلك الإيمان
الآن قبل أن نبدأ الدرس الجديد أحب أن أذكر الخلاصة التي تهم الجميع في معنى الإيمان؛ لأنه – أحيانا- الاستطراد في ذكر بعض المسائل قد يشتت الأذهان فأقول: الإيمان كما هو مقتضى النصوص نصوص الكتاب والسنة وفهم الصحابة وسلف الأمة هو الاستقامة على دين الله - عزّ وجلّ – اعتقاداً وقولاً وعملاً وعلى هذا فإن المسألة المتعلقة بالإيمان -كما ذكرت سابقاً- تعتبر أربع مسائل رئيسة:
المسألة الأولى: تعريف الإيمان وحقيقته وهو: أنه قول وعمل، أي أنه يشمل الاعتقادات القلبية التي تبدأ بمحبة الله - عزّ وجلّ – وخوفه ورجائه واليقين والتقوى وما ينتج عن ذلك من الورع والإنابة...... إلى آخره من الأمور التي هي في قلب الإنسان أو في قلب المسلم فيما بينه وبين ربه وما ينتج عن ذلك في تعامله مع ربه ومع الآخرين، ثم ينتقل ذلك أيضاً إلى القول : ويدخل فيه أولاًَ / الشهادتين قول اللسان النطق بالشهادتين وكل قول مشروع يتضمن الذكر والطاعة مثل تلاوة القرآن والأذكار والتسبيح والتهليل وغير ذلك كلها داخلة في الإيمان القولي وكذلك الأعمال: التي هي الحركات التي يتحرك بها الإنسان في طاعات الله - عزّ وجلّ – ائتماراً أي فعلاً أو انتهاءً أي تركاً هذه المسألة الأولى .
المسألة الثانية : دخول الأعمال في مسمى الإيمان والمقصود بذلك أن الأعمال تدخل في مفهوم الإيمان شرعاً وعلى هذا فالإيمان يشمل الأمور الاعتقادية العلمية والأمور العملية ومن هنا- كما قلت - مجموع الدين التزام الشرع ، الاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً علماً وعملاً.
المسألة الثالثة : زيادة الدين ونقصانه، وهذا أمر طبيعي كما قلنا: إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان حتى الأعمال القلبية وهي تزيد وتنقص، الأعمال القلبية قد تصل إلى مجرد التصديق وقد تكون مع التصديق اليقين، هذه زيادة .
كذلك الأعمال، الأعمال تزيد بكثرة الطاعات والذكر والتلاوة وغير ذلك فكلما ازدادت الأعمال- سواء كانت قلبية أو عملية- ازداد الإيمان، وكلما نقصت، نقص الإيمان .
إذاً: المسألة التي نحن فيها هو أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وبفعل المأمورات وينقص بالمعاصي وبفعل المنهيات .
ثم المسألة الآخيرة : الاستثناء في الإيمان وهذه مسألة في الحقيقة يعني قلَّ أن يحتاجها المسلم الذي عادة أخذ دينه بمقتضى الفطرة إنما هي مسألة نشأت من وجود أناس لما حصروا الإيمان في القلب، زعموا أنه لا يجوز أن يستثي فيه المسلم لأنه ما دام يشعر باليقين والتصديق فلا داعي أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله .
لكن ليس هذا هو المقصود من الاستثناء، أعني: أننا حينما نستثني لا نستثني ما ندركه ونشعر به ؛ فإن كل مسلم حينما يُسأل عن إيمانه؛ لأنه يشعر بأنه مصدق وعلى هذا فلا يستثني هذا الأمر، إنما يستثني المصير الذي ينتهي إليه، وإن شاء الله من باب التفاؤل، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يعني أرجو أن الله - عزّ وجلّ – يثبتي على الإيمان .
لماذا يستثني؟ لئلا يتأله على الله، لئلا يزكي نفسه، لا لأنه يستثني ما يشعر به الآن ما تشعر به الآن من الإيمان والتصديق تعبر عنه بجملة تقيده بالمشيئة، لكن المشيئة متعلقة، أي تعليق الإيمان بمشيئة الله متعلق بمستقبل الأمر بمصير الإنسان ، ومآله بما يموت عليه، فلذلك ينبغي عليه ؛ لئلا يتأله على الله ولا يصيبه الغرور يرجع الأمور إلى مشيئة الله وهذا تفويض لله - عزّ وجلّ – يدل على قوة الإيمان، يدل على التشكيك كما يظن الذين يزعمون أن الاستثناء في الإيمان يدل على التشكيك .
هذه الخلاصة أردت أن ألخص بها الدرس السابق؛ لأنه يبدو لي أنه تشعبت فيه الأحاديث ربما يحتاج إلى هذه الخلاصة .
والآن نبدأ في درسنا درس اليوم وهو في فقرتين :
الفقرة الأولى : في القرآن وكلام الله - عزّ وجلّ – .
والفقرة الثانية : في القدر .
الفقرة الأولى تحت عنوان خامساً .
( خامساً القرآن الكريم، أولاً: القرآن: كلام الله - حروفه ومعانيه - منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به - صلى الله عليه وسلم – ومحفوظ إلى يوم القيامة ) .
نعم هذه القاعدة الأولى فيما يتعلق بالقرآن الذي هو من كلام الله - عزّ وجلّ – كلام الله لا يحده حد، الله - عزّ وجلّ – يتكلم متى شاء ،بما شاء، ويكلم من شاء، والقرآن هو من كلام الله ولذلك قُرِنَ القرآن بالكلام ؛لأن صفة الكلام لله - عزّ وجلّ – من الصفات الثابتة لله ومنها ما هو من الصفات الذاتية اللازمة لله ، ومنها ما هو يتعلق بإرادة الله، ومشيئته. وأعني بذلك: أن الله – عز وجل - موصوف بالكلام، وهذا كمال، وأن كلامه الذي هو من صفة ذاته، يعني: أنه - سبحانه وتعالى – متكلم متى شاء وكيف شاء ونقول بأن كلام الله - عزّ وجلّ – يحدث متى شاءة، بمعنى: أنه متعلق بمشيئته، يعني أن الله - عزّ وجلّ – إذا أراد الكلام فإنه يتكلم كما يريد وعلى هذا فإن القرآن من كلامه - سبحانه وتعالى – .
والقرآن هذا هو الذي بين أيدينا كلام الله - عزّ وجلّ – الذي أنزله الله هدىً وشفاءً وأنزله منهاجاً للأمة يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والبشرية جمعاء لمن اهتدى به. القرآن إنما أنزل ليتلى وليتدبر وليعمل بمقتضاه .
أنزله الله - عزّ وجلّ – لأنه هدى تهتدي به القلوب وتستنير به العقول وتسترشد به الجوارح والأعمال ؛ ولذلك كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بتلاوته وحفظه فقد أمرنا بتدبره أي تأمل معانيه، فما كان منها من أمور العقائد آمنا به جزماً ومن الأخبار صدقنا به وما كان به من أوامر ائتمرنا بها - بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من نواهي انتهينا- بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من قصص وعبر ومواعظ فيجب أن نستفيد منها بما يصلح لنا أحوال قلوبنا وأعمالنا وشئوننا في حياتنا كلها .
ولذلك فالقرآن دستور الأمة. وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – متفرعة عن القرآن ؛لأن القرآن أجمل والسنة فصلت في كثيرمن الأمور ولأن القرآن أمرنا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال –سبحانه-: ﴿ وما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴿[الحشر:7].
القرآن كلام الله على الحقيقة . وما معنى الحقيقة ؟ أي أن الله - عزّ وجلّ – تكلم بالقرآن حقيقة كما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى – من غير تكييف من غير قياس، من غير إقحام للخيالات والأوهام التي يتخيلها بعض الناس عن كيفية الكلام وهذا في جميع أفعال الله وصفاته وأسمائه فإنها لا تُكيَّف، لكن لها حقائق وهذا هو الفارق بين السلف وبين أهل الأهواء والبدع الذي خاضوا في كلام الله وقالوا فيه قولاً لا يليق بالله - عزّ وجلّ – بل فيه من سوء الأدب، بل فيه من اسنتقاص كمال الله - عزّ وجلّ – ما لا يليق لماذا؟ لأنهم ما أثبتوا كلام الله على الحقيقة، وأن القرآن كلام الله حقيقةً بحروفه ومعانيه من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف .
وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا منزل من الله - عزّ وجلّ – غير مخلوق لماذا قلنا: غير مخلوق ؟ لأن القرآن كلام وكلامه صفته وصفات الله لا شك أنها غير مخلوقة؛ولأن السلف حينما استقرءوا نصوص القرآن والسنة في حقيقة القرآن ثبت عندهم بقطعيات النصوص والإجماع أن القرآن منزل وأنه غير مخلوق .
وكانت هذه القضية بدهية في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ظهرت الأهواء العقلانية الفلسفية التي تقرر الدين بمجرد العقول والخيالات والتخرص، وهذا منشؤه الأخذ بمسالك الفلاسفة الذين منهم من وصفهم الله - عزّ وجلّ – بالخراصين وذمهم في قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴿10﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ﴿[الذريات:10-11].
فمن التخرص القول في القرآن خصوصاً وفي كلام الله عموماً بغير ما ثبت في النصوص وبمقتضى الآراء والاجتهادات التي لا يمكن أن تقرر في هذا الأمر شيئاً لأن هذه الأمور توقيفيه، فكلام الله غيب ،وتكلمه بالقرآن غيب، وكيفية كلامه - سبحانه وتعالى – غيب، لا يمكن أن تدركهذه الأمور ولا يمكن أن تقاس بأفعال البشر لأن الله - عزّ وجلّ – ليس كمثله شيء .
ومن ذلك في كلامه - سبحانه وتعالى – فإنه تكلم وليس كمثل كلامه شيء ولا يتكلم كما يزعم الزاعمون بالكيفية التي تكلم بها الخلق، بل إنه - عزّ وجلّ – أنزل القرآن، والقرآن غير مخلوق( منه بد) ما معنى منه بدأ؟ يعني: أن الله - عزّ وجلّ – تكلم به كما يليق بجلاله فمبدأه منه؛لأنه كلامه، وكلامه صفته( منه بد) لم يبدأ من مخلوق ، كما يزعم أهل الأهواء الذين زعموا أن القرآن إنما عبر به جبريل عن مراد الله أو أن الله خلقه خلقاً في مكان ما وعلى هيئة ما، ثم تحول هذا الخلق إلى حروف ومعاني، أو أن الله خلق حروفه ومعانيه وتشكل منه القرآن. كل هذه من الأقوال الباطلة أو غير ذلك من المقالات التي تفسد العقيدة، والتي أيضاً فيها مصادمة لمعاني النصوص( منه بد) بمعنى أن الله تكلم به كما يليق بجلاله( وإليه يعود) فقد ثبت في الآثار الصحيحة أنه حينما تنتهي الدنيا ويقبض الله المؤمنين ولم يبقَ في الدنيا إلا شرار الخلق لا يبقى من يقول الله ـ الله،ولا يبقى من يعمل بالقرآن عند ذلك يرفعه الله إليه .
( وهو- أي القرآن- معجز) معنى معجز: أنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، لا بآية ولا بأكثر من آية وفعلاً لا يزال التحدي قائماً ، ولم يزل إلى قيام الساعة على وجه قطعي ولذلك فعلاً رغم محاولات المشركين العرب الأُوَل الذين يملكون زمام اللغة العربية محاولاتهم الجادة أن يحاكوا القرآن ومع ذلك لم يستطيعوا بأفرادهم ولا بمجموعاتهم ففضلاً عن من جاء بعدهم فإنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله، ( معجز )أيضاً إعجازه يتمثل بأمور كثيرة ، بإخباره بالغيب ،في إحكام ما جاء به من الأحكام من الأوامر والنواهي، في قصصه، في نظمه، في معانيه، في سبكه، في جميع ما يصدر عن هذا القرآن من معاني وأحكام وأخبار وغير ذلك فإنه معجز من جميع الوجوه.
هذا الإعجاز أي كونه لا يمكن أن يأتي أحد بمثله كان دلالة من دلالات نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يزال- إلى يومنا هذا- من دلالات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يستطيع أي أحد أن يأتي بمثله من جميع الوجوه، (ودليل على صدق) كل ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى مما جاء به من أقوال وأفعال وتقريراته وأخباره - صلى الله عليه وسلم – التي ليست من القرآن؛ لأن القرآن صدقها .
ثم أيضاً أنه(محفوظ) بأن الله - عزّ وجلّ – تكفل بحفظه من التحريف والزيادة والنقص والتبديل ومن أن يرفع إلى قيام الساعة أي إلى أن لا يعمل به تنتهي الدنيا فلا يكون لبقائه فائدة، من هنا يرفعه الله - عزّ وجلّ – حينما لايبقى مؤمن. فهو محفوظ إلى قيام الساعة .
( ثانيا الله - سبحانه وتعالى – يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وكلامه تعالى حقيقة بحرف وصوت والكيفية لا نعلمها ولا نخوض فيها ).
هذا سبق الإشارة إليه يعني إن الله - عزّ وجلّ – كلامه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم - سبحانه وتعالى – وأيضاً كيفية كلامه لا نعلمها وكلامه -تعالى -حقيقة ليس مجازاً ولا تمثيلاً ولا تخييلاً ولا غير ذلك مما يتوهمه المتوهمون ، فهو حقيقة، لكنه حقيقة ، لا كل الحقائق المعلومة عند الناس .
بعض الناس يظن أن معنى حقيقة أنه كالحقائق التي نعلمها لا حقيقة أعظم من الحقائق التي ندركها بمداركنا، بحواسنا فمن هنا أفعال الله لا يمكن أن تدركها الحواس، وحقيقتها بمعنى أنها حق على ما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى – ولا يعني بالحقيقة المعدومة التي ترد إلى الناس من خلال تجاربهم المادية أو وسائل العلم الحديث أو المدارك والحواس التي هي في متناول البشر فحقائق صفات الله فوق متناول البشر إنما هي حقائق لائقة بالله - سبحانه وتعالى– والكيفية لا نعلمها- ولا شك - ولا نخوض فيها بمعنى أنه من الاثم أن نتكلم عن هذه الأمور بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة؛ لأنه يقال: كيف؟ ولا يقال: لماذا؟ ولا يقال: أيضاً قصدي لا تفترض الأسئلة والإجابة عليها مجرد افتراض .
ولذلك السلف كانوا قبل أن تنشأ البدع والأهواء والكلام في الغيبيات كانوا لا يتصورون أن مسلماً يسأل عن مثل هذه الأمور مجرد سؤال لأن الأمة كانت على الفطرة وكان الناس كلهم يتهيبون الكلام في الله - عزّ وجلّ – بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة .
ولذلك لما سئل الإمام مالك عن كيفية بعض صفات الله - عزّ وجلّ –: أصيب بشيء من القشعريرة من تعظيمه لله - سبحانه وتعالى – وأصيب بالذهول من هذا السؤال المفاجئ الذي لا يليق بالله وعَلَته الرحضاءُ وكاد أن يخشى عليه من شدة السؤال .
كيف يجرؤ مسلم أن يسأل عن كيفية صفة لله - عزّ وجلّ – ؟".
حينما سأل أحد المشاغبين عن الله - عزّ وجلّ – كيف استوى ؟ أمر عظيم، أخي المسلم هذا أمر غيبٍ كيف تسأل عن كيفية الاستواء وأنت تدري وتجزم أن الكيفية لا يعقلها أحد .
إذاً السؤال هو تطاول على حق الله وسوء أدب وطمع في إدراك ما لا يدرك من أمر الغيب، فمثله أيضاً السؤال عن كيفية كلام الله ولذلك لما سأل هذا المشاغب الإمام مالك، الإمام مالك استعظم الأمر واقشعر جلده من تعظيم الله - عزّ وجلّ – وعلته الرحضاء فلما أفاق قال :
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً أخرجوه لأنه فتق باب فتنة على المسلمين في سؤال أمر غيب يتعلق بالله - عزّ وجلّ – وصفاته وأفعاله .
ومن هنا أيضا الكلام أو مجرد إنشاء السؤال كيف يتكلم الله؟ هذه بدعة وسوء أدب مع الله كيف يتكلم بالقرآن؟ كذلك بدعة وسوء أدب مع الله - عزّ وجلّ – فيجب على المسلم- دائماً- أن يكف عن السؤال في الغيب عمَّا لا يدخل في ظاهر النصوص وقواعدها المقررة عند السلف.
( ثالثاً: القول بأن كلام الله معنى نفسي أو أن القرآن حكاية أو عبارة أو مجاز أو قيد أو ما أشبهها ضلال وزيغ وقد يكون كفرا، والقول بأن القرآن مخلوق كفر ) .
نعم يعني بذلك ما قالته بعض الفرق التي خرجت عن نهج السنة وعن نهج القرآن ونهج أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ونهج الصحابة والتابعين وسلف الأمة في تقرير مُسلَّماتِ الدين وثوابته في تقرير الحق فيما يتعلق بكلام الله - عزّ وجلّ – وهو صفة من صفاته عموماً وبالقرآن على وجه الخصوص لما ظهرت هذه الأهواء والفرق- كما قلت- كان منشأها الجرأة على تقرير الدين بمجرد الرأي، الجرأة على إدخال مسالك الفلاسفة التي تنبني على الأوهام والتخرصات في أمر الغيبيات ،إدخالها على المسلمين فنشأت مذاهب تتكلم في أمور فوق مدارك البشر منها التعبير عن كلام - عزّ وجلّ –.
فمنهم من قال: إن كلام الله معنى نفسي هذه بدعة فإن كلام الله حقيقة لكن لماذا قالوا: معنى نفسي ؟ أرادوا بذلك أن يهربوا من إثبات أن يكون الله - عزّ وجلّ – تكلم حقيقة كما يليق بجلاله فقالوا: الكلام إنما هو معانٍ نفسية فهمها – مثلاً- جبريل أو ملك من الملائكة أو أن الله - عزّ وجلّ – حولها بطريقة أخرى فتمثلت في حروف وأصوات لم يتكلم بها الله، بمعنى أنهم يزعمون أن القرآن والكلام هو معاني في نفس الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره تعبيراً عن مراد الله وهذا كله هروب من إثبات صفة الكلام لله - سبحانه وتعالى – .
وكذلك مثلها القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله أيضاً هذا هروب من إثبات كلام الله ،كأنهم زعموا أن القرآن ترجمة حكاية عن كلام الله وهذا فيه استنقاص لله - عزّ وجلّ – وفيه أيضاً استهانة بالقرآن، وكذلك القول بأنه عبارة أو مجاز أو فيض. الفيض أيضاً معنى فلسفي يقصد به أنها معان فاضت على عقول معينة هذه العقول تحولت المعاني منها إلى أن ترجمها المتكلمون ممن تكلموا من ملائكة وبشر أو أنها خلقت أصواتاً أو أن أصحاب العقول عبروا بها عن كلام الله بكلام البشر إلخ فكلها فلسفات تبعد المسلم عن اليقين وعن حلاوة الإيمان وتوقعه في الإثم والبدعة وكل ذلك ضلال وزيغ .
ويكفيني أن أشير إلى معنى واحد أو نتيجة واحدة من النتائج السلبية لمثل هذه المقالات يعني لو أن - لا قدر الله- مسلماً دخلت في ذهنه هذه الشبهة وتصور أن الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بالقرآن، وأن الذي تكلم به غيره.هل يبقى للقرآن قداسة ؟ لأن هذا الغير الذي تكلم بالقرآن هو مخلوق حتى لو كان جبريل- كما يقول بعضهم- فإذا استشعر المسلم أن الذي تكلم بالقرآن هو جبريل لم يكن للقرآن قداسة وعصمة؛ لأن جبريل مخلوق، أليس كذلك؟
ولذلك – فعلاً- هذه الفرق التي تقمصت هذه البدع والضلالات وأخذت بها استهانت بالقرآن وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معاني غير مقصودة وأنه إشارات وجرأ أهل التأويل وهم الباطنية على القرآن؛ لأنهم لا يعتقدون أنه كلام الله.
فمن هنا يفقد العصمة والقداسة والإجلال فلا شك أن المسلم الذي يشعر أن القرآن كلام الله هذا الذي بين أيدينا الذي نتلوه هو كلام الله -على ما يليق بجلاله- إذا استشعر المسلم هذا المعنى عظَّمَ القرآن وهابه من أن يتجرأ عليه، لكن إذا استشعر أنه معاني عبر عنها خلق من خلق الله فصارت قرآناً فإن هذا ينقص من قيمة القرآن بالفطرة ومقتضى العقل السليم .
( رابعاً: من أنكر شيئاً من القرآن أو ادعى فيه النقص أو الزيادة أو التحريف فهو كافر ).
من أنكر شيئاً من القرآن سواء من حروفه ،ألفاظه، آياته، سوره، أو أنكر شيئاً من قطعيات القرآن ولو أقر بألفاظه، من أنكر شيئاً من قطعيات القرآن - فضلاً أن يدعي فيه النقص أو الزيادة- فإذا ادعى النقص قد يكون ادعى نقص حرف أو كلمة أو عبارة أو آية أو سورة وكذلك ادعى الزيادة .
قد يدعي أحد أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن كله، كما تدعي بعض الفرق أن هناك مصحفاً عند بعض أئمة أهل البيت أو أن هناك سوراً وآيات وقد رأينا في كتبهم ينشرونها خفية وبعضهم بدأ يعلن سوراً يزعمون أنها من القرآن، ليست من القرآن الذي يتلى بين أيدينا .
ولذلك بعض عقلائهم استهولوا هذا الأمر وأنكروه. فإذا: القرآن كامل محفوظ بجميع معاني الحفظ ولذلك ما من أحد يحاول التطاول على القرآن إلا والله - عزّ وجلّ – يهيئ للقرآن من يحفظه وأيضاً الله- عزّ وجلّ – يمكر بكيد الكائدين بمعنى أنه لا يستطيع أحد ولم يستطع ولن يستطيع أن يجرؤ على القرآن .
وما من محاولة عرفناها في تاريخنا المعاصر أو قبله لأي تغيير في القرآن إلا وتبوء بالفشل في مهدها ولذلك لا يوجد على الإطلاق - بحمد الله- مصحف بين المسلمين يشتمل على شيء من الزيادة والنقص .
( خامساً : القرآن يجب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف ولا يجوز تفسيره بالرأي المجرد فإنه من القول على الله بغير علم. وتأويله بتأويلات الباطنية وأمثالها كفر ).
نعم القرآن جاء هدى وشفاء ومنهاجاً وشرعة يعني شريعة للأمة بأفرادها وأسرها ومجتمعاتها ودولها بل للبشرية جميعاً .
ولذلك فهو منهج اعتقادي وعملي يجب أن يحكم حياة الناس ولا يحكم حياة الناس إلا بتفسير له لأن القرآن كلام الله - عزّ وجلّ – يحتاج إلى أن تسنبط منه القواعد والأحكام التي يرجع إليه المسلمون في تطبيقاتهم وأعمالهم بأفرادهم ومجموعاتهم؛ فمن هنا لابد من تفسيره لكن من الذي يفسره ؟
القرآن:
أولاً: يخضع لمنهج الاستدلال الذي أشرت إليه في الدرس الأول .
والثاني: وهو أن القرآن يجب أن يفسر بالقواعد المتفق عليها عند أهل الحق بصرف النظر عما أحدثه أهل الباطل والزيغ فإنهم قد يفسرون القرآن على مناهج غير مناهج السلف الصالح مناهج المؤمنين، فإذاً: تفسيراتهم غير معتبره ؛لأن التفسير المعتبر للقرآن هو:
أولاً: تفسير القرآن بالقرآن على مقتضى قواعد الاستدلال التي ذكرتها.
ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية والتقريرية .
ثالثاً: تفسير القرآن بالتطبيقات للمجتمع المسلم في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن أكثر القرآن طبقه النبي – صلى الله عليه وسلم – بمفرده وبالجماعة التي كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم – جماعة الصحابة .
فأما بمفرده فإنه كما قالت: عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ( كان خلقه القرآن ) يتمثل القرآن في سلوكه وأعماله ،في علاقته بربه، في علاقته بمن حوله، في علاقته بالخلق فهذا- إذاً - تفسير قطعي للقرآن.
رابعاً: تفسير القرآن بفعل الصحابة ،بتفسيرات الصحابة، بمفاهيمهم، وتفسيراتهم، وتطبيقاتهم فإن هناك كثيراً من أحوال الناس استجدت بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عهد الخلفاء الراشدين لأن الأمة في عهد الخلفاء الراشدين عاشت ما يشبه الطفرة في نشر الإسلام يعني زادت رقعة الأمة الإسلامية أضعافاً، وزادت أعداد الأمم التي دخلت في الإسلام كماً وكيفاً جغرافياً وأممياً بأضعاف ما كانت في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا احتاج إلى ممارسة تصديقات للدين لابد أن تؤخذ بمقتضى النصوص، طبق الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين أكثر صور مناهج الدين، فمن هنا يكون فعلهم حجة، هو تفسير للقرآن لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لما ذكر الاختلاف قال: ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ثم أيضاً تفسير القرآن بفهوم الصحابة على مقتضى اللغة لأن الصحابة أصحاب لغة يفقهون العربية فقهاً فطرياً ذاتياً غير متكلف، ما كانوا يحتاجون أن يدرسوا القواعد والنحو كما ندرس ولذلك يكون فقهنا للغة - مهما بلغنا في الدراسة وتعمقنا- لأن أولئك كانوا عرباً بالسليقة،فكانوا يفسرون القرآن وتفسيرهم تراث موجود الآن عظيم بين أيدينا، تفسير قولي وفعلي ،وتفسير تطبيقات.
خامساً: تفسير القرآن أيضاً بفهم السلف الصالح على مناهج الدين ومقتضى القواعد المعتبرة في التفسير.
- ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي المجرد. الرأي السليم يستخدم في استنباط المعاني من القرآن في الأمور الاجتهادية، أقول هذا لأن بعض الناس يظن أن السلف يحجرون على الرأي، لا بل السلف هم أفضل من يستخدم الرأى على وجهه، بل إنهم استخدموا أقصى ما يمكنهم من طاقة في الاستفادة من الرأي والعقل السليم على وجه شرعي سليم فمن القول بالرأي المذموم هو أن يقول الإنسان في تفسير القرآن برأيه المجرد من غير مراعاة لقواعد التفسير ، ومن غير أهلية كأن لا يكون عنده العلم الكافي والرسوخ .
أما إذا توفر عند العالم الأهلية والرسوخ والقدرة فإن استخدام الرأي في استنباط الاجتهاديات هذا يسمى اجتهاداً ؛ لأن الرأي المذموم فهو الرأي المجرد من استعمال القواعد الصحيحة في الاستدلال .
الرأي المجرد أي الرأي الذي لا يكون سائغاً لا يكون على وجه شرعي صحيح هو من القول على الله بغير علم، والله - عزّ وجلّ – ذم ذلك وجعله قرين الشرك ونهي عنه في قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴿[الاسراء:36] .
ثم أيضاً من الأمور التي وقعت فيها الفرق الضالة المنحرفة تجاه كلام الله - عزّ وجلّ – التكلف في تأويلاته على غير منهج شرعي إلى حد أنهم تجاوزوا المعاني اللغوية- الغلاة منهم-كتأويلات الباطنية لكثير من ألفاظ القرآن وآياته. تأويلات الباطنية عجيبة هي قلب للمفاهيم تماماً جعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً جعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، نكثوا وقلبوا حتى المعاني العربية . ولنضرب لهذا أمثلة يسيرة من تأويلاتهم الضالة مثلا: تأولوا أركان الدين بأئمتهم-شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله والصلاة والصيام الحج- قالوا: هؤلاء الأئمة.
يعني نفس الأركان كأنهم يقولون: إنها إشارة إلى أئمتنا. من أئمتكم؟هم- أيضاً غالباً- يعيشون في سراديب الظلام من منهجهم أن يعيشوا تقية وأن يعيشوا مع الناس بالنفاق؛ فأولوا أركان الإيمان وأركان الإسلام للأئمتهم من أئمتهم؟ هذه أيضاً تجتمع على ضلالات عجيبة وأمور مضحكة يعني سخافات فعلاً بكل معنى الكلمة.
أيضاً بل فسروا بعض صفات الله بأنها تعني الأئمة: صفة اليد صفة الوجه كل هذا يد الله إمامهم وأئمتهم يختلفون عليهم .
وكذلك مثلاً بعض ألفاظ القرآن مثل الرقيب والعتيد الذي هو وصف لبعض الملائكة أيضاً وصفوهم بالأئمة الجبت والطاغوت قالوا: أبو بكر وعمر فمن يعقل هذا؟ كيف يكون أبو بكر وعمر أفضل البشر بعد النبيين يكون معناهما الجبت والطاغوت؟ يعني هذا لا لغة ولا ذوقاً ولا عرفاً ولا شرعاً ولا على أي اعتبار، لكن المسألة عندهم مسألة قلب المفاهيم .
المستقر والمستودع الأئمة النطقاء، بسم الله الرحمن الرحيم قالوا معناها الأئمة السبعة، يعني على أي وجه؟ يعني أمر لا يرد في ذهن عاقل. وما من دابة في الأرض قالوا: هذه دعاتهم قالوا: الصوم كتمان يعني علم الباطن وليس الصوم هو الكف عن الطعام والشراب والمنهيات والإمساك من كذا إلى كذا .
لا .يقولون: الصوم كتمان علم الباطن .
الحج إتيان الإمام أو الأئمة- أئمتهم- طبعاً ليس الإمام بمفهومنا الذي نعرفه هم يعيشون ظلاماً في ظلام وسراديب في أفكارهم وفى واقعهم وحالهم، نسأل الله العافية .
إذاً هذه نماذج من تأويلات الباطنية وعليه قس.
فتأويلات القرآن بتأويلات الباطنية زيغ و كفر وضلال .
بعون الله وتوفيقه نستأنف هذا الدرس كالمعتاد بعرض سؤالين على الأخوة المشاهدين والمستمعين ثم بعرض بعض الأسئلة على الطلبة الحضرين .
السؤال الأول: للمشاهدين هو مع تعريف الإيمان شرعاً؟
والسؤال الثاني : هل يثبت الإسلام وحقوق المسلم لمن لم يقر بالشهادتين، وما الدليل على ذلك ؟
أما أسئلة الحاضرين فأولها: ذكر السلف أن من الإيمان عمل الجوارح، فما المقصود بعمل الجوارح؟
المقصود بعمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات
أي نعم : فعل المأمورات وترك المنهيات .
هل من الممكن أن تضرب لى مثالاً بالمأمورات أعلاها وأدناها؟ المأمورات كالصلاة .
وما دون الصلاة مثلاً من المأمورات من السنن ؟ مثل السواك .
سؤال آخر: هل كل مسلم مؤمن ؟ ولماذا ؟
ليس كل مسلم مؤمناً، درجات الإيمان، الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
يعني معنى هذا أنه ليس كل مسلم مؤمناً لأنه قد يدعي الإسلام المنافق الذي لا يؤمن .
أيضاً هناك سؤال فيما يتعلق بمفهوم الإسلام والإيمان، متى يفترقان من بعض الوجوه ؟ ومتى يجتمعان؟
إذا اجتمعا تفرقا وإذا تفرقا اجتمعا، يعني إذا اجتمعا ينصرف الإسلام إلى الأعمال الظاهرة إذا جاء ذكرهما في سياق واحد .
فالإسلام يعني الأعمال الظاهرة، والإيمان ؟
والإيمان ينصرف إلى الأعمال الباطنة
وإذا افترق كل منهما وجاء مفرداً ؟
إذا افترقا اجتماعا، يعني إذا ذكر الإسلام فقط فإنه يشمل الإسلام والإيمان، وكذلك الإيمان
الآن قبل أن نبدأ الدرس الجديد أحب أن أذكر الخلاصة التي تهم الجميع في معنى الإيمان؛ لأنه – أحيانا- الاستطراد في ذكر بعض المسائل قد يشتت الأذهان فأقول: الإيمان كما هو مقتضى النصوص نصوص الكتاب والسنة وفهم الصحابة وسلف الأمة هو الاستقامة على دين الله - عزّ وجلّ – اعتقاداً وقولاً وعملاً وعلى هذا فإن المسألة المتعلقة بالإيمان -كما ذكرت سابقاً- تعتبر أربع مسائل رئيسة:
المسألة الأولى: تعريف الإيمان وحقيقته وهو: أنه قول وعمل، أي أنه يشمل الاعتقادات القلبية التي تبدأ بمحبة الله - عزّ وجلّ – وخوفه ورجائه واليقين والتقوى وما ينتج عن ذلك من الورع والإنابة...... إلى آخره من الأمور التي هي في قلب الإنسان أو في قلب المسلم فيما بينه وبين ربه وما ينتج عن ذلك في تعامله مع ربه ومع الآخرين، ثم ينتقل ذلك أيضاً إلى القول : ويدخل فيه أولاًَ / الشهادتين قول اللسان النطق بالشهادتين وكل قول مشروع يتضمن الذكر والطاعة مثل تلاوة القرآن والأذكار والتسبيح والتهليل وغير ذلك كلها داخلة في الإيمان القولي وكذلك الأعمال: التي هي الحركات التي يتحرك بها الإنسان في طاعات الله - عزّ وجلّ – ائتماراً أي فعلاً أو انتهاءً أي تركاً هذه المسألة الأولى .
المسألة الثانية : دخول الأعمال في مسمى الإيمان والمقصود بذلك أن الأعمال تدخل في مفهوم الإيمان شرعاً وعلى هذا فالإيمان يشمل الأمور الاعتقادية العلمية والأمور العملية ومن هنا- كما قلت - مجموع الدين التزام الشرع ، الاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً علماً وعملاً.
المسألة الثالثة : زيادة الدين ونقصانه، وهذا أمر طبيعي كما قلنا: إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان حتى الأعمال القلبية وهي تزيد وتنقص، الأعمال القلبية قد تصل إلى مجرد التصديق وقد تكون مع التصديق اليقين، هذه زيادة .
كذلك الأعمال، الأعمال تزيد بكثرة الطاعات والذكر والتلاوة وغير ذلك فكلما ازدادت الأعمال- سواء كانت قلبية أو عملية- ازداد الإيمان، وكلما نقصت، نقص الإيمان .
إذاً: المسألة التي نحن فيها هو أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وبفعل المأمورات وينقص بالمعاصي وبفعل المنهيات .
ثم المسألة الآخيرة : الاستثناء في الإيمان وهذه مسألة في الحقيقة يعني قلَّ أن يحتاجها المسلم الذي عادة أخذ دينه بمقتضى الفطرة إنما هي مسألة نشأت من وجود أناس لما حصروا الإيمان في القلب، زعموا أنه لا يجوز أن يستثي فيه المسلم لأنه ما دام يشعر باليقين والتصديق فلا داعي أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله .
لكن ليس هذا هو المقصود من الاستثناء، أعني: أننا حينما نستثني لا نستثني ما ندركه ونشعر به ؛ فإن كل مسلم حينما يُسأل عن إيمانه؛ لأنه يشعر بأنه مصدق وعلى هذا فلا يستثني هذا الأمر، إنما يستثني المصير الذي ينتهي إليه، وإن شاء الله من باب التفاؤل، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يعني أرجو أن الله - عزّ وجلّ – يثبتي على الإيمان .
لماذا يستثني؟ لئلا يتأله على الله، لئلا يزكي نفسه، لا لأنه يستثني ما يشعر به الآن ما تشعر به الآن من الإيمان والتصديق تعبر عنه بجملة تقيده بالمشيئة، لكن المشيئة متعلقة، أي تعليق الإيمان بمشيئة الله متعلق بمستقبل الأمر بمصير الإنسان ، ومآله بما يموت عليه، فلذلك ينبغي عليه ؛ لئلا يتأله على الله ولا يصيبه الغرور يرجع الأمور إلى مشيئة الله وهذا تفويض لله - عزّ وجلّ – يدل على قوة الإيمان، يدل على التشكيك كما يظن الذين يزعمون أن الاستثناء في الإيمان يدل على التشكيك .
هذه الخلاصة أردت أن ألخص بها الدرس السابق؛ لأنه يبدو لي أنه تشعبت فيه الأحاديث ربما يحتاج إلى هذه الخلاصة .
والآن نبدأ في درسنا درس اليوم وهو في فقرتين :
الفقرة الأولى : في القرآن وكلام الله - عزّ وجلّ – .
والفقرة الثانية : في القدر .
الفقرة الأولى تحت عنوان خامساً .
( خامساً القرآن الكريم، أولاً: القرآن: كلام الله - حروفه ومعانيه - منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به - صلى الله عليه وسلم – ومحفوظ إلى يوم القيامة ) .
نعم هذه القاعدة الأولى فيما يتعلق بالقرآن الذي هو من كلام الله - عزّ وجلّ – كلام الله لا يحده حد، الله - عزّ وجلّ – يتكلم متى شاء ،بما شاء، ويكلم من شاء، والقرآن هو من كلام الله ولذلك قُرِنَ القرآن بالكلام ؛لأن صفة الكلام لله - عزّ وجلّ – من الصفات الثابتة لله ومنها ما هو من الصفات الذاتية اللازمة لله ، ومنها ما هو يتعلق بإرادة الله، ومشيئته. وأعني بذلك: أن الله – عز وجل - موصوف بالكلام، وهذا كمال، وأن كلامه الذي هو من صفة ذاته، يعني: أنه - سبحانه وتعالى – متكلم متى شاء وكيف شاء ونقول بأن كلام الله - عزّ وجلّ – يحدث متى شاءة، بمعنى: أنه متعلق بمشيئته، يعني أن الله - عزّ وجلّ – إذا أراد الكلام فإنه يتكلم كما يريد وعلى هذا فإن القرآن من كلامه - سبحانه وتعالى – .
والقرآن هذا هو الذي بين أيدينا كلام الله - عزّ وجلّ – الذي أنزله الله هدىً وشفاءً وأنزله منهاجاً للأمة يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والبشرية جمعاء لمن اهتدى به. القرآن إنما أنزل ليتلى وليتدبر وليعمل بمقتضاه .
أنزله الله - عزّ وجلّ – لأنه هدى تهتدي به القلوب وتستنير به العقول وتسترشد به الجوارح والأعمال ؛ ولذلك كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بتلاوته وحفظه فقد أمرنا بتدبره أي تأمل معانيه، فما كان منها من أمور العقائد آمنا به جزماً ومن الأخبار صدقنا به وما كان به من أوامر ائتمرنا بها - بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من نواهي انتهينا- بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من قصص وعبر ومواعظ فيجب أن نستفيد منها بما يصلح لنا أحوال قلوبنا وأعمالنا وشئوننا في حياتنا كلها .
ولذلك فالقرآن دستور الأمة. وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – متفرعة عن القرآن ؛لأن القرآن أجمل والسنة فصلت في كثيرمن الأمور ولأن القرآن أمرنا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال –سبحانه-: ﴿ وما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴿[الحشر:7].
القرآن كلام الله على الحقيقة . وما معنى الحقيقة ؟ أي أن الله - عزّ وجلّ – تكلم بالقرآن حقيقة كما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى – من غير تكييف من غير قياس، من غير إقحام للخيالات والأوهام التي يتخيلها بعض الناس عن كيفية الكلام وهذا في جميع أفعال الله وصفاته وأسمائه فإنها لا تُكيَّف، لكن لها حقائق وهذا هو الفارق بين السلف وبين أهل الأهواء والبدع الذي خاضوا في كلام الله وقالوا فيه قولاً لا يليق بالله - عزّ وجلّ – بل فيه من سوء الأدب، بل فيه من اسنتقاص كمال الله - عزّ وجلّ – ما لا يليق لماذا؟ لأنهم ما أثبتوا كلام الله على الحقيقة، وأن القرآن كلام الله حقيقةً بحروفه ومعانيه من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف .
وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا منزل من الله - عزّ وجلّ – غير مخلوق لماذا قلنا: غير مخلوق ؟ لأن القرآن كلام وكلامه صفته وصفات الله لا شك أنها غير مخلوقة؛ولأن السلف حينما استقرءوا نصوص القرآن والسنة في حقيقة القرآن ثبت عندهم بقطعيات النصوص والإجماع أن القرآن منزل وأنه غير مخلوق .
وكانت هذه القضية بدهية في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ظهرت الأهواء العقلانية الفلسفية التي تقرر الدين بمجرد العقول والخيالات والتخرص، وهذا منشؤه الأخذ بمسالك الفلاسفة الذين منهم من وصفهم الله - عزّ وجلّ – بالخراصين وذمهم في قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴿10﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ﴿[الذريات:10-11].
فمن التخرص القول في القرآن خصوصاً وفي كلام الله عموماً بغير ما ثبت في النصوص وبمقتضى الآراء والاجتهادات التي لا يمكن أن تقرر في هذا الأمر شيئاً لأن هذه الأمور توقيفيه، فكلام الله غيب ،وتكلمه بالقرآن غيب، وكيفية كلامه - سبحانه وتعالى – غيب، لا يمكن أن تدركهذه الأمور ولا يمكن أن تقاس بأفعال البشر لأن الله - عزّ وجلّ – ليس كمثله شيء .
ومن ذلك في كلامه - سبحانه وتعالى – فإنه تكلم وليس كمثل كلامه شيء ولا يتكلم كما يزعم الزاعمون بالكيفية التي تكلم بها الخلق، بل إنه - عزّ وجلّ – أنزل القرآن، والقرآن غير مخلوق( منه بد) ما معنى منه بدأ؟ يعني: أن الله - عزّ وجلّ – تكلم به كما يليق بجلاله فمبدأه منه؛لأنه كلامه، وكلامه صفته( منه بد) لم يبدأ من مخلوق ، كما يزعم أهل الأهواء الذين زعموا أن القرآن إنما عبر به جبريل عن مراد الله أو أن الله خلقه خلقاً في مكان ما وعلى هيئة ما، ثم تحول هذا الخلق إلى حروف ومعاني، أو أن الله خلق حروفه ومعانيه وتشكل منه القرآن. كل هذه من الأقوال الباطلة أو غير ذلك من المقالات التي تفسد العقيدة، والتي أيضاً فيها مصادمة لمعاني النصوص( منه بد) بمعنى أن الله تكلم به كما يليق بجلاله( وإليه يعود) فقد ثبت في الآثار الصحيحة أنه حينما تنتهي الدنيا ويقبض الله المؤمنين ولم يبقَ في الدنيا إلا شرار الخلق لا يبقى من يقول الله ـ الله،ولا يبقى من يعمل بالقرآن عند ذلك يرفعه الله إليه .
( وهو- أي القرآن- معجز) معنى معجز: أنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، لا بآية ولا بأكثر من آية وفعلاً لا يزال التحدي قائماً ، ولم يزل إلى قيام الساعة على وجه قطعي ولذلك فعلاً رغم محاولات المشركين العرب الأُوَل الذين يملكون زمام اللغة العربية محاولاتهم الجادة أن يحاكوا القرآن ومع ذلك لم يستطيعوا بأفرادهم ولا بمجموعاتهم ففضلاً عن من جاء بعدهم فإنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله، ( معجز )أيضاً إعجازه يتمثل بأمور كثيرة ، بإخباره بالغيب ،في إحكام ما جاء به من الأحكام من الأوامر والنواهي، في قصصه، في نظمه، في معانيه، في سبكه، في جميع ما يصدر عن هذا القرآن من معاني وأحكام وأخبار وغير ذلك فإنه معجز من جميع الوجوه.
هذا الإعجاز أي كونه لا يمكن أن يأتي أحد بمثله كان دلالة من دلالات نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يزال- إلى يومنا هذا- من دلالات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يستطيع أي أحد أن يأتي بمثله من جميع الوجوه، (ودليل على صدق) كل ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى مما جاء به من أقوال وأفعال وتقريراته وأخباره - صلى الله عليه وسلم – التي ليست من القرآن؛ لأن القرآن صدقها .
ثم أيضاً أنه(محفوظ) بأن الله - عزّ وجلّ – تكفل بحفظه من التحريف والزيادة والنقص والتبديل ومن أن يرفع إلى قيام الساعة أي إلى أن لا يعمل به تنتهي الدنيا فلا يكون لبقائه فائدة، من هنا يرفعه الله - عزّ وجلّ – حينما لايبقى مؤمن. فهو محفوظ إلى قيام الساعة .
( ثانيا الله - سبحانه وتعالى – يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وكلامه تعالى حقيقة بحرف وصوت والكيفية لا نعلمها ولا نخوض فيها ).
هذا سبق الإشارة إليه يعني إن الله - عزّ وجلّ – كلامه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم - سبحانه وتعالى – وأيضاً كيفية كلامه لا نعلمها وكلامه -تعالى -حقيقة ليس مجازاً ولا تمثيلاً ولا تخييلاً ولا غير ذلك مما يتوهمه المتوهمون ، فهو حقيقة، لكنه حقيقة ، لا كل الحقائق المعلومة عند الناس .
بعض الناس يظن أن معنى حقيقة أنه كالحقائق التي نعلمها لا حقيقة أعظم من الحقائق التي ندركها بمداركنا، بحواسنا فمن هنا أفعال الله لا يمكن أن تدركها الحواس، وحقيقتها بمعنى أنها حق على ما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى – ولا يعني بالحقيقة المعدومة التي ترد إلى الناس من خلال تجاربهم المادية أو وسائل العلم الحديث أو المدارك والحواس التي هي في متناول البشر فحقائق صفات الله فوق متناول البشر إنما هي حقائق لائقة بالله - سبحانه وتعالى– والكيفية لا نعلمها- ولا شك - ولا نخوض فيها بمعنى أنه من الاثم أن نتكلم عن هذه الأمور بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة؛ لأنه يقال: كيف؟ ولا يقال: لماذا؟ ولا يقال: أيضاً قصدي لا تفترض الأسئلة والإجابة عليها مجرد افتراض .
ولذلك السلف كانوا قبل أن تنشأ البدع والأهواء والكلام في الغيبيات كانوا لا يتصورون أن مسلماً يسأل عن مثل هذه الأمور مجرد سؤال لأن الأمة كانت على الفطرة وكان الناس كلهم يتهيبون الكلام في الله - عزّ وجلّ – بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة .
ولذلك لما سئل الإمام مالك عن كيفية بعض صفات الله - عزّ وجلّ –: أصيب بشيء من القشعريرة من تعظيمه لله - سبحانه وتعالى – وأصيب بالذهول من هذا السؤال المفاجئ الذي لا يليق بالله وعَلَته الرحضاءُ وكاد أن يخشى عليه من شدة السؤال .
كيف يجرؤ مسلم أن يسأل عن كيفية صفة لله - عزّ وجلّ – ؟".
حينما سأل أحد المشاغبين عن الله - عزّ وجلّ – كيف استوى ؟ أمر عظيم، أخي المسلم هذا أمر غيبٍ كيف تسأل عن كيفية الاستواء وأنت تدري وتجزم أن الكيفية لا يعقلها أحد .
إذاً السؤال هو تطاول على حق الله وسوء أدب وطمع في إدراك ما لا يدرك من أمر الغيب، فمثله أيضاً السؤال عن كيفية كلام الله ولذلك لما سأل هذا المشاغب الإمام مالك، الإمام مالك استعظم الأمر واقشعر جلده من تعظيم الله - عزّ وجلّ – وعلته الرحضاء فلما أفاق قال :
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً أخرجوه لأنه فتق باب فتنة على المسلمين في سؤال أمر غيب يتعلق بالله - عزّ وجلّ – وصفاته وأفعاله .
ومن هنا أيضا الكلام أو مجرد إنشاء السؤال كيف يتكلم الله؟ هذه بدعة وسوء أدب مع الله كيف يتكلم بالقرآن؟ كذلك بدعة وسوء أدب مع الله - عزّ وجلّ – فيجب على المسلم- دائماً- أن يكف عن السؤال في الغيب عمَّا لا يدخل في ظاهر النصوص وقواعدها المقررة عند السلف.
( ثالثاً: القول بأن كلام الله معنى نفسي أو أن القرآن حكاية أو عبارة أو مجاز أو قيد أو ما أشبهها ضلال وزيغ وقد يكون كفرا، والقول بأن القرآن مخلوق كفر ) .
نعم يعني بذلك ما قالته بعض الفرق التي خرجت عن نهج السنة وعن نهج القرآن ونهج أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ونهج الصحابة والتابعين وسلف الأمة في تقرير مُسلَّماتِ الدين وثوابته في تقرير الحق فيما يتعلق بكلام الله - عزّ وجلّ – وهو صفة من صفاته عموماً وبالقرآن على وجه الخصوص لما ظهرت هذه الأهواء والفرق- كما قلت- كان منشأها الجرأة على تقرير الدين بمجرد الرأي، الجرأة على إدخال مسالك الفلاسفة التي تنبني على الأوهام والتخرصات في أمر الغيبيات ،إدخالها على المسلمين فنشأت مذاهب تتكلم في أمور فوق مدارك البشر منها التعبير عن كلام - عزّ وجلّ –.
فمنهم من قال: إن كلام الله معنى نفسي هذه بدعة فإن كلام الله حقيقة لكن لماذا قالوا: معنى نفسي ؟ أرادوا بذلك أن يهربوا من إثبات أن يكون الله - عزّ وجلّ – تكلم حقيقة كما يليق بجلاله فقالوا: الكلام إنما هو معانٍ نفسية فهمها – مثلاً- جبريل أو ملك من الملائكة أو أن الله - عزّ وجلّ – حولها بطريقة أخرى فتمثلت في حروف وأصوات لم يتكلم بها الله، بمعنى أنهم يزعمون أن القرآن والكلام هو معاني في نفس الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره تعبيراً عن مراد الله وهذا كله هروب من إثبات صفة الكلام لله - سبحانه وتعالى – .
وكذلك مثلها القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله أيضاً هذا هروب من إثبات كلام الله ،كأنهم زعموا أن القرآن ترجمة حكاية عن كلام الله وهذا فيه استنقاص لله - عزّ وجلّ – وفيه أيضاً استهانة بالقرآن، وكذلك القول بأنه عبارة أو مجاز أو فيض. الفيض أيضاً معنى فلسفي يقصد به أنها معان فاضت على عقول معينة هذه العقول تحولت المعاني منها إلى أن ترجمها المتكلمون ممن تكلموا من ملائكة وبشر أو أنها خلقت أصواتاً أو أن أصحاب العقول عبروا بها عن كلام الله بكلام البشر إلخ فكلها فلسفات تبعد المسلم عن اليقين وعن حلاوة الإيمان وتوقعه في الإثم والبدعة وكل ذلك ضلال وزيغ .
ويكفيني أن أشير إلى معنى واحد أو نتيجة واحدة من النتائج السلبية لمثل هذه المقالات يعني لو أن - لا قدر الله- مسلماً دخلت في ذهنه هذه الشبهة وتصور أن الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بالقرآن، وأن الذي تكلم به غيره.هل يبقى للقرآن قداسة ؟ لأن هذا الغير الذي تكلم بالقرآن هو مخلوق حتى لو كان جبريل- كما يقول بعضهم- فإذا استشعر المسلم أن الذي تكلم بالقرآن هو جبريل لم يكن للقرآن قداسة وعصمة؛ لأن جبريل مخلوق، أليس كذلك؟
ولذلك – فعلاً- هذه الفرق التي تقمصت هذه البدع والضلالات وأخذت بها استهانت بالقرآن وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معاني غير مقصودة وأنه إشارات وجرأ أهل التأويل وهم الباطنية على القرآن؛ لأنهم لا يعتقدون أنه كلام الله.
فمن هنا يفقد العصمة والقداسة والإجلال فلا شك أن المسلم الذي يشعر أن القرآن كلام الله هذا الذي بين أيدينا الذي نتلوه هو كلام الله -على ما يليق بجلاله- إذا استشعر المسلم هذا المعنى عظَّمَ القرآن وهابه من أن يتجرأ عليه، لكن إذا استشعر أنه معاني عبر عنها خلق من خلق الله فصارت قرآناً فإن هذا ينقص من قيمة القرآن بالفطرة ومقتضى العقل السليم .
( رابعاً: من أنكر شيئاً من القرآن أو ادعى فيه النقص أو الزيادة أو التحريف فهو كافر ).
من أنكر شيئاً من القرآن سواء من حروفه ،ألفاظه، آياته، سوره، أو أنكر شيئاً من قطعيات القرآن ولو أقر بألفاظه، من أنكر شيئاً من قطعيات القرآن - فضلاً أن يدعي فيه النقص أو الزيادة- فإذا ادعى النقص قد يكون ادعى نقص حرف أو كلمة أو عبارة أو آية أو سورة وكذلك ادعى الزيادة .
قد يدعي أحد أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن كله، كما تدعي بعض الفرق أن هناك مصحفاً عند بعض أئمة أهل البيت أو أن هناك سوراً وآيات وقد رأينا في كتبهم ينشرونها خفية وبعضهم بدأ يعلن سوراً يزعمون أنها من القرآن، ليست من القرآن الذي يتلى بين أيدينا .
ولذلك بعض عقلائهم استهولوا هذا الأمر وأنكروه. فإذا: القرآن كامل محفوظ بجميع معاني الحفظ ولذلك ما من أحد يحاول التطاول على القرآن إلا والله - عزّ وجلّ – يهيئ للقرآن من يحفظه وأيضاً الله- عزّ وجلّ – يمكر بكيد الكائدين بمعنى أنه لا يستطيع أحد ولم يستطع ولن يستطيع أن يجرؤ على القرآن .
وما من محاولة عرفناها في تاريخنا المعاصر أو قبله لأي تغيير في القرآن إلا وتبوء بالفشل في مهدها ولذلك لا يوجد على الإطلاق - بحمد الله- مصحف بين المسلمين يشتمل على شيء من الزيادة والنقص .
( خامساً : القرآن يجب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف ولا يجوز تفسيره بالرأي المجرد فإنه من القول على الله بغير علم. وتأويله بتأويلات الباطنية وأمثالها كفر ).
نعم القرآن جاء هدى وشفاء ومنهاجاً وشرعة يعني شريعة للأمة بأفرادها وأسرها ومجتمعاتها ودولها بل للبشرية جميعاً .
ولذلك فهو منهج اعتقادي وعملي يجب أن يحكم حياة الناس ولا يحكم حياة الناس إلا بتفسير له لأن القرآن كلام الله - عزّ وجلّ – يحتاج إلى أن تسنبط منه القواعد والأحكام التي يرجع إليه المسلمون في تطبيقاتهم وأعمالهم بأفرادهم ومجموعاتهم؛ فمن هنا لابد من تفسيره لكن من الذي يفسره ؟
القرآن:
أولاً: يخضع لمنهج الاستدلال الذي أشرت إليه في الدرس الأول .
والثاني: وهو أن القرآن يجب أن يفسر بالقواعد المتفق عليها عند أهل الحق بصرف النظر عما أحدثه أهل الباطل والزيغ فإنهم قد يفسرون القرآن على مناهج غير مناهج السلف الصالح مناهج المؤمنين، فإذاً: تفسيراتهم غير معتبره ؛لأن التفسير المعتبر للقرآن هو:
أولاً: تفسير القرآن بالقرآن على مقتضى قواعد الاستدلال التي ذكرتها.
ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية والتقريرية .
ثالثاً: تفسير القرآن بالتطبيقات للمجتمع المسلم في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن أكثر القرآن طبقه النبي – صلى الله عليه وسلم – بمفرده وبالجماعة التي كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم – جماعة الصحابة .
فأما بمفرده فإنه كما قالت: عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ( كان خلقه القرآن ) يتمثل القرآن في سلوكه وأعماله ،في علاقته بربه، في علاقته بمن حوله، في علاقته بالخلق فهذا- إذاً - تفسير قطعي للقرآن.
رابعاً: تفسير القرآن بفعل الصحابة ،بتفسيرات الصحابة، بمفاهيمهم، وتفسيراتهم، وتطبيقاتهم فإن هناك كثيراً من أحوال الناس استجدت بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عهد الخلفاء الراشدين لأن الأمة في عهد الخلفاء الراشدين عاشت ما يشبه الطفرة في نشر الإسلام يعني زادت رقعة الأمة الإسلامية أضعافاً، وزادت أعداد الأمم التي دخلت في الإسلام كماً وكيفاً جغرافياً وأممياً بأضعاف ما كانت في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا احتاج إلى ممارسة تصديقات للدين لابد أن تؤخذ بمقتضى النصوص، طبق الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين أكثر صور مناهج الدين، فمن هنا يكون فعلهم حجة، هو تفسير للقرآن لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لما ذكر الاختلاف قال: ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ثم أيضاً تفسير القرآن بفهوم الصحابة على مقتضى اللغة لأن الصحابة أصحاب لغة يفقهون العربية فقهاً فطرياً ذاتياً غير متكلف، ما كانوا يحتاجون أن يدرسوا القواعد والنحو كما ندرس ولذلك يكون فقهنا للغة - مهما بلغنا في الدراسة وتعمقنا- لأن أولئك كانوا عرباً بالسليقة،فكانوا يفسرون القرآن وتفسيرهم تراث موجود الآن عظيم بين أيدينا، تفسير قولي وفعلي ،وتفسير تطبيقات.
خامساً: تفسير القرآن أيضاً بفهم السلف الصالح على مناهج الدين ومقتضى القواعد المعتبرة في التفسير.
- ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي المجرد. الرأي السليم يستخدم في استنباط المعاني من القرآن في الأمور الاجتهادية، أقول هذا لأن بعض الناس يظن أن السلف يحجرون على الرأي، لا بل السلف هم أفضل من يستخدم الرأى على وجهه، بل إنهم استخدموا أقصى ما يمكنهم من طاقة في الاستفادة من الرأي والعقل السليم على وجه شرعي سليم فمن القول بالرأي المذموم هو أن يقول الإنسان في تفسير القرآن برأيه المجرد من غير مراعاة لقواعد التفسير ، ومن غير أهلية كأن لا يكون عنده العلم الكافي والرسوخ .
أما إذا توفر عند العالم الأهلية والرسوخ والقدرة فإن استخدام الرأي في استنباط الاجتهاديات هذا يسمى اجتهاداً ؛ لأن الرأي المذموم فهو الرأي المجرد من استعمال القواعد الصحيحة في الاستدلال .
الرأي المجرد أي الرأي الذي لا يكون سائغاً لا يكون على وجه شرعي صحيح هو من القول على الله بغير علم، والله - عزّ وجلّ – ذم ذلك وجعله قرين الشرك ونهي عنه في قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴿[الاسراء:36] .
ثم أيضاً من الأمور التي وقعت فيها الفرق الضالة المنحرفة تجاه كلام الله - عزّ وجلّ – التكلف في تأويلاته على غير منهج شرعي إلى حد أنهم تجاوزوا المعاني اللغوية- الغلاة منهم-كتأويلات الباطنية لكثير من ألفاظ القرآن وآياته. تأويلات الباطنية عجيبة هي قلب للمفاهيم تماماً جعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً جعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، نكثوا وقلبوا حتى المعاني العربية . ولنضرب لهذا أمثلة يسيرة من تأويلاتهم الضالة مثلا: تأولوا أركان الدين بأئمتهم-شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله والصلاة والصيام الحج- قالوا: هؤلاء الأئمة.
يعني نفس الأركان كأنهم يقولون: إنها إشارة إلى أئمتنا. من أئمتكم؟هم- أيضاً غالباً- يعيشون في سراديب الظلام من منهجهم أن يعيشوا تقية وأن يعيشوا مع الناس بالنفاق؛ فأولوا أركان الإيمان وأركان الإسلام للأئمتهم من أئمتهم؟ هذه أيضاً تجتمع على ضلالات عجيبة وأمور مضحكة يعني سخافات فعلاً بكل معنى الكلمة.
أيضاً بل فسروا بعض صفات الله بأنها تعني الأئمة: صفة اليد صفة الوجه كل هذا يد الله إمامهم وأئمتهم يختلفون عليهم .
وكذلك مثلاً بعض ألفاظ القرآن مثل الرقيب والعتيد الذي هو وصف لبعض الملائكة أيضاً وصفوهم بالأئمة الجبت والطاغوت قالوا: أبو بكر وعمر فمن يعقل هذا؟ كيف يكون أبو بكر وعمر أفضل البشر بعد النبيين يكون معناهما الجبت والطاغوت؟ يعني هذا لا لغة ولا ذوقاً ولا عرفاً ولا شرعاً ولا على أي اعتبار، لكن المسألة عندهم مسألة قلب المفاهيم .
المستقر والمستودع الأئمة النطقاء، بسم الله الرحمن الرحيم قالوا معناها الأئمة السبعة، يعني على أي وجه؟ يعني أمر لا يرد في ذهن عاقل. وما من دابة في الأرض قالوا: هذه دعاتهم قالوا: الصوم كتمان يعني علم الباطن وليس الصوم هو الكف عن الطعام والشراب والمنهيات والإمساك من كذا إلى كذا .
لا .يقولون: الصوم كتمان علم الباطن .
الحج إتيان الإمام أو الأئمة- أئمتهم- طبعاً ليس الإمام بمفهومنا الذي نعرفه هم يعيشون ظلاماً في ظلام وسراديب في أفكارهم وفى واقعهم وحالهم، نسأل الله العافية .
إذاً هذه نماذج من تأويلات الباطنية وعليه قس.
فتأويلات القرآن بتأويلات الباطنية زيغ و كفر وضلال .