مفكرة إسلامية
09-01-08, 10:27 AM
الحمد لله، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس، ونبدأ كالمعتاد بعرض نوعين من الأسئلة: النوع الأول: على الطلبة الحاضرين، والنوع الثاني: على الأخوة المشاهدين والمستمعين، ثم نتلقى الإجابة فيما بعد:
فأولا: أسأل الطلبة الحاضرين:
أولا: هل في الدين بدعة حسنة، ولماذا؟ كيف تعلل جوابك؟
العقائد ثابتة، وليس هناك بدعة تسمى بدعة حسنة أو غير حسنة؛ لأنه ثابت بالنقل، ولا يسع لأحد أن يأتي بما جد، لكن من ناحية المعنى اللغوي يطلق أحيانا على بعض الأشياء أن هذه مستحسنة لغة، لا يقصد بها المعنى الشرعي، وهي للتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالعبادة مما هو مشروع .
طبعا ليس في الدين بدعة من أجل أن تكون حسنة أو غير حسنة، وما يجدده بعض الناس من الأعمال الخيرية، أو من السنن التي نسيها الناس هذا لا يعتبر ابتداع، إنما هو داخل في التجديد المشروع، داخل في إحياء السنة، وعلى هذا فإنا لو تجوزنا كما تفضل زميلكم في إحياء هذه السنة التي أحييت بدعة فهي من باب الدلالة اللغوية، ومع ذلك يجب تجنبها لما صارت تلبس.
السؤال الثاني: كيف نوفق بين خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا تجمع الأمة على ضلالة وبين ما أخبر به من وقع الافتراق؟
الأمة في مجموعها لا تجمع على ضلالة
يعني: الأمة في مجموعها كلها لا تجمع على ضلالة
لا تجمع على ضلالة في آحادها هنا تنتفي العصمة .
إذن الأمر واضح حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنـه(لا تزال طائفة على الحق منصورة ) يعني هذا:أنه لن يكون الإجماع على ضلالة، أما خبره عن الافتراق فإن كان أخذ صيغة العموم فإنه يعني الأغلب، أو أنه قد يكثر الافتراق في بعض الظروف، وعلى هذا فلا تنافي بين الأمرين.
الآن سأوجه ثلاثة أسئلة للأخوة المشاهدين ثم نتلقى الإجابة ونبين القول فيها:
أولا: ما الفرق بين الرؤيا التي هي حق وبين الأحلام؟
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنواع الرؤى والأحلام، فما هذه الأنواع التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث؟
السؤال الثالث: ما القاعدة في رد البدع؟ وما النص الوارد فيها؟
والآن بحول الله نبدأ درس اليوم:
درس اليوم في موضوعه يعتبر هو تاج العقيدة، هو قمة لباحث العقيدة وموضوعاتهما؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل -بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولا شك أن هذا هو غاية التوحيد معرفة الله عز وجل، ومعرفته، وعبادته، والتوجه إليه، هذه غاية التوحيد، هذا يسمى: التوحيد العلمي الاعتقادي، توحيد الله عز وجل بذاته وأسمائه، وأفعاله، وما يجب له سبحانه هذا يسمى: التوحيد العلمي؛ لأنه علم يتلقى عن الوحي المعصوم، ويسمى الاعتقادي؛ لأنه يجب أن يعتقد لا يجوز لمسلم أن يخل بما يجب لله -عز وجل- على جهة الإجمال، وما يبلغه أيضا على جهة التفصيل.
هل التوحيد العلمي الاعتقادي أوله ما يتعلق بذات الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ثم ما يترتب على ذلك من ثمرات في قلب المؤمن وسلوكه؟
وقبل أن أذكر الأصل في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، كما جاء في الكتاب والسنة وقرره سلف الأمة، أحب أن أنبه إلى بعض القواعد المهمة المفيدة التي ينبغي أن يستصحبها كل مسلم في قلبه و عقله وفي نظراته تجاه حقوق الله- عز وجل - وما يجب له، وتجاه أيضا أمور الدين، ومسلمات الدين، هذه القواعد في هذا الباب فقط أي في باب أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، من أهمها في نظري: أولا: أن أسماء الله كلها وصفاته وأفعاله حسنى بالغة الحسن، بالغة الكمال والجمال، فالله -عز وجل - موصوف بكمال الكمال، وبكمال الجمال جملة وتفصيلا، فجميع أسمائه، وصفاته، وأفعاله، هي حسنى، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[الأعراف: 180]. كلها حسنى بإطلاق، وتشتمل على كل معاني الحسن، والكمال، والجمال، ثم ثانيا: هي غاية الكمال في كل شيء في معانيها، وفي ألفاظها، وفي حقائقها، وفي ثمارها، لا يتطرق إليها النقص بحال من الأحوال.
وثالثا: لا يرد فيه النقص بوجه: أي أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، لا يمكن أن يرد فيها، ولا إليها، ولا حولها لا في الذهن، ولا في القلب، الذهن الصافي، والقلب المؤمن لا يمكن أن يرد فيه شيء من تصور النقص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله.
القاعدة الرابعة: أنها حقائق وأعلام وأوصاف، حقائق بمعنى: أنها يوصف بها على الحقيقة، الأسماء يسمى بها الله -عز وجل- على الحقيقة، والأفعال أيضا منسوبة إلى الله -عز وجل- على الحقيقة، على ما يليق بجلال الله سبحانه؛ لأن مفهوم الحقيقة أحيانا قد يتبادر إلى أذهان الناس أن المقصود بالحقيقة الكيفية، وهذا لا شك أنه منفي؛ لأن الله -عز وجل- ليس كمثله شيء، لكنه موصوف بالحق، فهو الحق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وأفعاله حق، وعلى هذا فإنه أعلام: أي أنها تطلق على الله، وهو- سبحانه- علم معروف بآياته، وبنعمه، وبجميع أنواع المعارف، فإنه -عز وجل- لا يخفى أمره على أحد؛ ولذلك الله -عز وجل- قرر هذه القاعدة لجميع العقلاء يقول: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[إبراهيم: 10]، فإذا كان كذلك فإذًا هو موصوف أو مسمى بأسماء هي أعلام على ذاته، وإن كانت هذه الأسماء تدل على صفات، وتدل على أفعال، وتدل على معاني الكمال، فهي كذلك أيضا من حيث مضامينها، ومعانيها، وحقائقها، فهي: أي أسماء الله، وصفاته حقائق لا مجازات، هي حقائق لا رموز.
ثم القاعدة الخامسة: أنها توقيفية: يعني أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على جهة التفصيل موقوفة على ما جاء به النص، نعم، العقول السليمة، والفطر المستقيمة تدرك كثيرا من الكمالات لله على جهة الإجمال، فوجود الله، وعظمته، وكماله -سبحانه- واتصافه بصفات الكمال، وأيضا إدراك علمه، وحكمته، وسائر الصفات الإجمالية، والمعاني الإجمالية تدرك لله -عز وجل- لكن على جهة التفصيل أكثرها وليس كلها لا يمكن إدراكها على ما يليق بجلال الله -عز وجل- إلا بما جاء به النص، وعلى هذا فهي توقيفية.
ثم القاعدة السادسة: أسماء الله، وصفاته، وأفعاله غير محصورة؛ لأنه الكمال المطلق، لكن جاءنا بخبر القرآن، والسنة عن أسماء الله، وصفاته ما يناسب أحوالنا، ويناسب مداركنا، ولا يعني ذلك أن أسماء الله محصورة بما ورد وحتى ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن(لله تسعا وتسعين اسما ) لا يعني ذلك الحصر إنم يعني ذلك ما يمكن أن يرد إلى مدارك عقول الناس بتعبيرات، وباللسان الذي خاطب الله به البشر، ولذلك فإن أسماء الله لا حصر لها، وكذلك صفاته، وأفعاله، والدليل على ذلك كونه موصوف بالكمال الكمال لا ينتهي، والأمر الثاني ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصوص كثيرة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أنه حين يدعوا ربه يقول: حديث الشفاعة (أدعوه بمحامد يلهمني الله إياه) كذلك الدعاء الآخر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. )معنى هذا: أن الله تعالى استأثر في علم الغيب عنده أي: حجبه عنا من أسماء، وصفاته، وأفعاله، ومحامده، وكماله مالا يحصى.
بعد هذه القواعد وهي ليست كل القواعد لعلها أهم القواعد التي ينبغي استحضارها في هذا المقام.
نبدأ بالأصول المتعلقة بتوحيد الله -عز وجل- بذاته، وصفاته، وأسماءه، وأفعاله:
أول ذلك أن الأصل والقاعدة في إثبات الأسماء والصفات لله -عز وجل- إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - و، نفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كل هذا أي الإثبات من غير تمثيل، والتمثيل يعني: التشبية، والتجسيم، وغير ذلك من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله -عز وجل- تثبت له الأسماء، والصفات، والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، ولا العكس، كذلك من غير أن يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلق لاجزئيا، ولاكليا، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل، والتشبيه ممنوع من الطرفين فلا الله -عز وجل- يشبه شئ من خلقه، ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال، والتفصيل، كل ذلك أيضا الإثبات من غير تحريف، ومن غير تعطيل أي: من غير أن ننفي عن الله -عز وجل- الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على نحو ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله -عز وجل- في ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله, لا يجوز أن يقول هذا مجاز، ولا أن يقال يؤول، ولا يصرف عن معانيه، ولا يقل إنه يقتضي التشبيه، ولا أنه لا بد فيه من قياس.
كل هذا لا يجوز إطلاقا؛ لأنه غيب ولأنه- أي ما ورد من أسماء الله، وصفاته- هو كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- ﴿الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
ولذلك؛ جاءت هذه القاعدة في كتاب الله - عز وجل- في كلمات معدودات يجب على كل مسلم أن يستحضرها، ويجعلها ميزان في قلبه وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]، ليس كمثله شيء بمعنى أنه: لا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئا من مخلوقاته، لا في الجملة، ولا في التفصيل، لا في العموم، ولا في المفردات، لا يمكن أن يرد التمثيل ومع ذلك هو السميع البصير، ولعل من حكمة الله -عز وجل- حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في قلب المسلم وعقله نفي المشابهة أصلا قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله، وصفاته، فإنه ثبت في قلبه وعقله في أن الله لا يماثله شيء مطلقا.
فمن هنا تسلم عقيدته، وتسلم ذمته، ولا يتكلم على الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص و ما دلت عليه،يعنى ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة هي حقائق في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله هي حقائق لها معاني حق فيما يجب لله -عز وجل- ولا يمكن أن تفسر بمعاني تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله -عز وجل-، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة، والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله -عز وجل- ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾[آل عمران: 7]، ولذلك؛ ادعى كثير من المبطلين أن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف يكون متشابه؟ حق بيِّن كالشمس واضح يقال من المتشابه، ولكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ فظنوا أنه من المتشابه.
إذن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله ليست من المتشابه، بل هي من المحكم البين، ولها معاني، وحقائق، ولكنها تثبت على ما يليق بجلال الله، تثبت على ما ينبغي لله من الكمال، مع نفي المشابهة والتمثيل.
وعلى هذا يأتي الأصل الثاني :وهو أن التمثيل، والتعطيل في أسماء الله، وصفاته زيغ، وضلال، بل هو كفر من اعتقد أن الله مثل خلقه، أو اعتقد أن أحدا من الخلق مثل الله، فهذا كفر، وزيغ، وضلالٍ، كما يكون التأويلات الباطنية، وقد يكون بعض التأويلات إذا كان عن غير قصد إنكار الحقائق، بعض التأويلات التي وقع فيها بعض أهل الكلام الذين أولوا بعض أسماء الله، وصفاته، وأفعاله إذا ما قصدوا بالتأويل إنكار حقائق أسماء الله، وصفاته فهذا يكون من البدع، والضلالات كتأويلات نفاة الصفات من أهل الكلام، ومن ذلك ما يقع خطأ، وقع من بعض أفراد السلف وأئمة السنة ليست منهج، إنما هي زلات فهذه صاحبها لا يكفر، ولا يضلل، لكنه يرد إليه خطأه وهو من باب زلات العلماء التي ذكرتها في درس ماضٍ، وسيأتي إن شاء الله تفصيلها في دروس قادمة.
إذن التمثيل الممنوع في حق الله -عز وجل- ما المقصود به، والتعطيل ما المقصود به؟ إذا قلنا أن التمثيل الخالص، والتعطيل الخالص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله يعتبر كفر، وزيغ، وإلحاد فما التمثيل الممنوع؟
التمثيل هو تشبيه الله بالخلق، أو تشبيه الخلق بالله تشبيها يؤدي إلى أن يعتقد المشبه أن الله مثل خلقه، أو أن الخلق، أو بعض الخلق مثل الله، لكن ينبغي أن نتنبه إلى أمر وهو وجود التشابه اللفظي، هذه مسألة في الحقيقة أشكلت على كثير من قليلي الفقه في الدين الذين يجهلون عقائد السلف وفقههم، أشكلت عليهم من جانب أنهم ظنوا أن مجرد المشابهة اللفظية الموجودة في أسماء الله، وصفاته و موجودة في بعض صفات الخلق تعني التمثيل، فهرب بعضهم إلى الإنكار، زعما منهم أن الإثبات يقتضي المماثلة وهذا خطأ، التشابه اللفظي لا يعني التشابه في الحقيقة، مثال ذلك أن الله -عز وجل- هو الحي، والمخلوق الذي فيه روح يسمى حي، هذا تشابه لفظي فالله -عز وجل- موصوف بالحياة، والإنسان والحيوان الحي موصوف بالحياة، فهل الحياة مثل الحياة؟ لا ،حياة الله حياة كاملة، لا يعتريه فناء، ولا محدودية، ولا نهاية، وحياة المخلوق لها بداية، ونهاية، إذن فالتشابه اللفظي لا يعني وجود المشابهة: أي التمثيل الممنوع شرعا، وكذا في مسائل أسماء الله، وصفاته التي يوجد ما يوصف بها الخلق، أو بعض الخلق، فإن هذا التشابه اللفظي نسبي هو في حق الله على الكمال، وفي حق المخلوق على وجه النقص لأنه؛ لا يمكن أن يكون مخلوق له صفة كمال، لأن الكمال إنما هو خاص بالله -عز وجل-.
الأصل الثالث: أما التعطيل فالمقصود به تفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها، هذا التفريغ أحيانا يكون بإنكار حقائقها كما فعل كثير من الفلاسفة والجهمية وغيرهم إنكار حقائق أسماء الله وصفاته، أو يكون أحيانا بإخراجها عن معانيها إلى معاني متأوّلة ومتوهمة، ويسمى التحريف، ويسمى التأويل، هذا كله يعود إلى التعطيل، تعطيل الشيء هو: تفريغه، فتفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها الحقيقية، أو الخروج بها عن حقائقها يعتبر تعطيل، لكن إن كان تعطيلا كاملا فهو إلحاد، وإن كان تأويلا فهو من كبائر الذنوب، ومن البدع.
ثم هناك أصل ثالث: يتفرع عن هذين الأصلين، وهو أن الله -عز وجل- غير الخلق، يعني: لا يمكن أن يكون بينه وبين الخلق مشابهة، ولا مماثلة، ولا اندماج، ولا اتحاد، ولا حلول، فعلى هذا لا يجوز اعتقاد أن الوجود واحد الخالق والمخلوق ممتزجان متحدان حال أحدهما في الآخر، هذا إنما بل هو إلحاد وإنقاص لله -عز وجل- لأن الله- سبحانه- غني عن الخلق، وهو مستوٍ على عرشه، على المخلوقات جميعا، وهو بذاته- سبحانه- متفرد بالكمال، متفرد بالأسماء، والصفات، والأفعال، لا يخالط أحد من خلقه، ولا يخالطه أحد من خلقه، وليس في خصائص الرب ما هو موجود في أحد من الخلق، لا في مفردات الخلق، ولا في كل الخلق.
وعلى هذا اعتقاد وحدة الوجود، وهو: أن الوجود خالقه، ومخلوقه واحد هذا من أعظم الكفر، ومثله اعتقاد حلول الله في الخلق، أو حلول الخلق في الله، أو اعتقاد أن روحا من الله حلت في أحد من الخلق، كل ذلك يعتبر إساءة أدب مع الله، وهو من الكفر ؛لأن الله منفرد، فهو الفرد الصمد، فهو- سبحانه- لا يمكن أن يختلط بمخلوقاته، وتختلط به مخلوقاته، كذلك الاتحاد، ونحو ذلك من المعاني؛ لأن أصحاب هذا الفكر الضال قد يعبرون عنه بتعبيرات كثيرة اتحاد وحدة الوجود الحلول إلى آخره.
هذه معاني قد تختلف في بعض تفسيراتها لكنا تجتمع في معنى باطل، وهي اعتقاد أن الله -عز وجل- قد يحل في شيء من الخلق، أو يحل فيه شيء من الخلق.
ثم بعد ذلك تأتي قاعدة متعلقة بالركن الثاني من أركان الإيمان، والإيمان أيضا أمر خبري علمي، أوله الإيمان بالله -عز وجل- وذكرت ما يتعلق بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وثانيه الإيمان بالملائكة( الملائكة الكرام ) الإيمان بهم إجمالا، وتفصيلا بحسب ما يرد لنا من النصوص، فيجب على كل مسلم أن يؤمن إيمانا جازما بأن هناك مخلوقات من مخلوقات الله اسمها الملائكة على جهة الإجمال، ثم ما ورد إليك أخي المسلم من اسم ملك، أو وصفه، أو عملهن أو جنسه، أو نوعه يجب أن تؤمن به، ما ورد في القرآن لا بد من الإيمان به في حق الملائكة جملة، وتفصيلا ما ورد فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار الملائكة وأحوالهم يجب الإيمان به فكل من ورد إليه دليل في الملائكة يجب الإيمان به.
على هذا الملائكة هم خلق من خلق الله، لهم وجود حقيقي، هم عقلاء عباد لله -عز وجل- مسخرون ﴿ل لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[التحريم: 6]، لكنهم غير مبتلين بالابتلاء الذي ابتلى به الجن والإنس، هم خلقوا للطاعة، ولذلك كانوا كراما، وما صح به الدليل به لا بد من الإيمان به من أسمائهم، فممن وردت أسماؤهم مثلا جبريل وهو: ملك الوحي وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وهاروت، وماروت، وأيضا ورد أن لهم أعمال مجملة،وأعمال خاصة، فمنهم حملة العرش، وهم من أعظم الملائكة خلقا، وعملا، ومنهم ملائكة الرحمة، ملائكة العذاب، ملائكة الوحي، والمطر، منهم الكرام الكاتبين الذين يصاحبون كل إنسان ليل، نهار يتعاقبونه، كل إنسان موكل به أربعة إلى أن يموت،اثنان في المساء، واثنان في الصباح، كذلك لهم أوصاف تعمهم، وأوصاف تخص بعضهم، فهم ذوي أجنحة مثنى، وثلاث، ورباع، وأكثر من ذلك، وأيضا لهم مشاركات للناس فهم يشاركون المؤمنون، يشاركونهم في الجهاد، يشاركونهم بحضور مجالس الذكر، هم يحبون المؤمنين ويسددونهم -بإذن الله-، ويحفظونهم بأمر الله، وهؤلاء الملائكة لهم حقوق أيضا يجب أن يراعيها المسلم، من ذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن أكل ما يؤذي الملائكة ،خاصة في المساجد كالثوم، والبصل، والكرات، (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنوا آدم )،ولذلك لهم حقوق، ولهم رعاية، والإنسان أو المسلم يجب دائما أن يستحضر هذا المعنى، أن يستحضر أولا رقابة الله له، هل يعلم أن الله عليه رقيب، وهذا معنى الإحسان الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل، وهو (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومن حكمة الله -عز وجل- أن جعل أيضا معنا من المخلوقات رقباء من أهل الفضل، والكرم رقباء، لهم حق، هم في منتهى العبادة لله -عز وجل- والخضوع، والذل، والعبودية، فيجب أن يستحي منهم الإنسان؛ ولذلك ورود في وصف عثمان - رضي الله عنه - تستحي منه الملائكة؛ لأنه هو حيي، فتبادلت معه الملائكة هذا الشعور، ولذلك يجب على كل مسلم أن يراعي حضور هؤلاء الكرام.
ثم ما يتعلق بالكتب المنزلة، وهذا الأصل الثالث من أصول الإيمان الركن الثالث من أركان الإيمان، والمقصود بالكتب المنزلة: هي تلك الكتب التي أنزلها الله على الأمم بواسطة الرسل، والأنبياء شرع الله فيها الدين، العقيدة ،الشرائع لكل أمة، وجعل هذه الكتب مرجع لتحكيم شرع الله -عز وجل- وتحقيق رضاه، والسعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.
هذه الكتب المنزلة منها ما سمي وذكر لنا ،ويجب أن نؤمن أنه حق قبل التحريف مثل التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، ونحوها مما وردت به النصوص، هذه الكتب كتب حق، تضمنت حق عقيدة صافيا، وشرائع لكل أمة بحسب ما شرع الله لها من مصالحها، هذه الكتب كانت سليمة ثم دخلها التحريف، والتبديل؛ ولذلك نسخها الله -عز وجل- بالقرآن، نعم، لا تزال هذه الكتب الباقية منها كالتوراة، والإنجيل، لا تزال تشتمل على شيء من الحق، ولذلك لا ترد ردا كليا، وإنما تعرض على ما جاء في كتابنا (القرآن الكريم)، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما وفق الحق فهو حق، وما لم يوافق الحق فهو باطل مما أدخله المحرفون، وعلى هذا: هذه الكتب نحن نحترمها بأصلها، لكن لما حرفت وبدلت نسخها الله -عز وجل-، وجعل القرآن هو المهيمن، وهو الناسخ لها، والقرآن هو أفضلها، وهو أشملها، وما قبله طرأ عليه التحريف؛ ولذلك يجب اتباعه دون ما سبقه من الكتب، أقول، وإن اشتملت هذه الكتب على الحق إلا أن الحق الذي فيها جاء وافيا في كتاب ربنا، وفي سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ونظرا لأنها اختلط الحق فيها بالباطل فإن الرجوع إليها يلبس على المسلم؛ ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيا جازما ،قاطعا حازما، عن أن نجعل هذه الكتب مرجعا نرجع إليه في ديننا أو في مصالحنا.
الأصل الآخر: الإيمان بالأنبياء، والرسل،عرفنا أن الأصل الأول الإيمان بالله ،ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإٍيمان بالكتب، ثم الإيمان بالرسل ويدخل فيهم الأنبياء ،ويعني ذلك: ما قيل في الملائكة، وفي الكتب هو أن نؤمن أن الله تعالى بعث رسلا، وأنبياء أقام بهم الحجة على الخلق، وأنهم معصومون، وأنهم أفضل البشر على الإطلاق، وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا الأمانة وأدوا الرسالة، و نصحوا الأمة، وأن منهم عدد كبير، وقد ورد في بعض الآثار التي تصل لدرجة الحسن، أن عدد النبيين مائة ألف وأربعة وعشرين ألف، وأن عدد المرسلين ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا يدل على أن الرسل هم خاصة الأنبياء، أنهم أفضل من الأنبياء، وأن الأنبياء في الغالب تبعا للرسل، وأفضل الرسل والنبيين هم أولو العزم، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد- صلى الله عليه وسلم وعليهم جميعا-، وهؤلاء الرسل يجب في حقهم الاحترام، والتقدير، ويجب حماية جنابهم من أن يقدح بهم، أو أن يلمزوا، أو ينتقص من قدر أحد منهم، فنؤمن بهم جميعا، ولا نفاضل بينهم المفاضلة التي تؤدي إلى العصبية، لكنا نعلم قطعا أنهم يتفاضلوا، فأفضلهم جملة، وأفضلهم على سبيل الإفراد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أفضل الخلق على الإطلاق؛ فلذلك آتاه الله -عز وجل- ما لم يؤت أحدا من العالمين، وهو صاحب المقام المحمود في القيامة، والشفاعة العظمى التي لا يمكن أن يحظى بها غيره.
ثم نأخذ جهة الإجمال، والتفصيل، فكل ما صح عن أخبار هؤلاء الأنبياء، وأوصافهم يجب الإيمان به، وكذلك من جاء اسمه، أو وصفه بمفرده يجب الإيمان به إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك يبقى الإيمان بسائرهم إجمالا، ولا يجوز أن نشك في نبوة أحدهم، ومن هنا يجب أن ننبه إلى بدعة، وضلالة وقع فيها كثيرون، ويجب أن نحتاط منها، خاصة أصحاب النزعة العقلانية الفلسفية الذين يستكبرون، ويتعالون عن النبوة والأنبياء ولديهم شيء من الغرور والاغترار بعقولهم في مجال تقرير الدين، والغيبيات، يزعمون على سبيل المثال أن عيسى - عليه السلام -
ليس نبيا، إنما هو داعية مصلح مجدد لدين موسى - عليه السلام ،- نعم هو مجدد لدين موسى - عليه السلام - لكن لا يعني ذلك أنه ليس بنبي بل هو من أولي العزم من الرسل، وله من الخصائص ما ليس لغيره أيضا خص الله عيسى - عليه السلام - بخصائص ليست لغيره أيضا، لكن هذه الخصائص لا تجعله أفضل النبيين، فإنها خصائص في خصال محدودة، معلومة كما هو معروف.
ثم تأتي أيضا قاعدة أخرى، وهي بعد ذلك كله تبعا للإيمان بالأنبياء، والكتب لابد من الإيمان بأن الوحي انقطع لم يعد وحي التشريع يوجد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ادعى أنه ينزل إليه وحي، أو يأتيه شيء بمقام الوحي فيحل ما حرم الله ،أو يحرم ما أحل الله ،أو يشرع عقيدة، أو عبادة، أو نحو ذلك بدعوى أنه في منزلة الوحي كل ذلك من الضلال فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو نبينا، هو خاتم الأنبياء، والمرسلين،ـ ومن اعتقد خلاف ذلك فهو في ضلال مبين ويخرج من الإسلام.
ثم الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر، ومعنى ذلك: الإيمان بكل ما صح عن اليوم الآخر جملة، وتفصيلا ومن ذلك أشراط الساعة التي تسبق اليوم الآخر، كالدجال، والمهدي المنتظر، وخروج الشمس من مغربها، وكسوف الثلاثة، ونزول عيسى - عليه السلام - ،والملاحم التي تحدث مما ورد به الأخبار، كل ذلك يجب الإيمان به؛ لأنه ملحق باليوم الآخر؛ لأنه بداية اليوم الآخر وإيذان بنهاية الدنيا، كذلك ما ورد في اليوم الآخر ابتداء من الموت في القبر، وأحواله، عذابه، ونعيمه، الحياة التي تسمى الحياة البرزخية، الحياة وتفاصيلها التي وردت في الكتاب، والسنة قبل البعث، كلها جزء من اليوم الآخر يجب الإيمان بها كما ثبتت، ثم البعث، والنشور، والحشر، والصحف، والصراط، والموازين، والحوض، وغير ذلك مما ثبت به الشرع يجب الإيمان به حقيقة، وأنه حق، كما ورد لا يجوز تأويله، ولا تحريفه عن معانيه، وكذلك يدخل في هذا الإيمان بالجنة، نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهلها، وبنعيمها، وما ورد فيه من تفصيل، وأعظم النعيم فيها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأعيانهم- نسأل الله أن يمتعنا جميعا بذلك في الجنة-، ثم كذلك اليقين بعذاب النار، وما ورد فيه من تفاصيل.
الأصل السادس: الإيمان بالقدر، وما أكثر الذين ذلوا بالقدر، إما من باب الوساوس والأوهام، أو العقائد الباطلة، أو تقليد الأمم فيما قالوه وما زعموه في القدر، كل ذلك مما حدث في طوائف الأمة التي خرجت عن سبيل المؤمنين، الإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله قدر كل شيء من الخير، والشر ابتلاء وفتنة، كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، وعلى هذا فإن الإيمان بالقدر لا بد فيه من قواعد، ولعلي أوضحها بشيء من التفصيل؛ لأن من تصور هذه القواعد -بإذن الله- إذا تشربها المسلم حتى لو لم يكن طالب علم، ولا عالم؛ لأن أمور القدر غالبا تكون صعبة، لكن مع ذلك أصولها التي تعبدنا الله بها سهلة؛ ولذلك سأركز على هذه الجوانب السهلة، مبنى الإيمان بالقدر يقوم على أربع مراتب، هذه المراتب إذا تصورتها أخي المسلم سهل عليك الكثير مما يرد إليك من أمور القدر:
المرتبة الأولى: العلم: ومعنى العلم أن تؤمن، وتوقن بأن الله -عز وجل- بكل شيء عليم، ما كان، وما يكون، وما سيكون كيف يكون، كل ما يحدث في الخلق من صغير، وكبير فالله به عليم؛ ولذلك الله -عز وجل- أشار إلى مثل هذا، إلى تعميق معنى العلم في قلب المسلم، علم الله -عز وجل- ذكر بأنه - سبحانه وتعالى - عليم بذات الصدور ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التغابن : 4]، ذاتها غير ما فيها، أبلغ مما فيها، بل إن الله -عز وجل- أنكر على الذين شكوا في بعض علم الله فقال - سبحانه وتعالى - ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[الملك: 14]، هل يعقل أن يخلق وهو لا يعلم ؟ هل يعقل أن من يخلق وهو الله -عز وجل- يخفى عليه مما خلق؟ بل لا بد أن يسبق الخلق علم كامل، ويصاحب الخلق، ويلحق بالخلق، فلا يعجز عنه -عز وجل- مثقال ذرة في السماء، ولا في الأرض.
إذن :المرتبة الأولى العلم الكامل، الشامل، الوافي في كل شيء.
ثم بعد ذلك الكتابة: ومعناها: أن يعتقد المسلم كما ثبت في النصوص أن الله كتب مقادير كل شيء على الإطلاق من صغير، أو كبير، ماض، ومستقبل.
وعلى هذا أيضا تأتي المرتبة الثالثة: وهو أن كل شيء بمشيئة الله، بتقدير الله، كل شيء يحدث في الكون أنه بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان، ولا يكون شيء إلا بتقديره، ومشيئته.
ثم بعد ذلك المرتبة الرابعة: الإيمان والجزم بأن الله خالق كل شيء، قدر و خلق الخير، والشر كما قال - سبحانه وتعالى - وتعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ هذا نقرره؛ لدفع شبهة ترد في أذهان بعض الناس، وقد يوسوس بها الشيطان على بعض الخلق، وهو هل يمكن أن يكون الله -عز و جل- خلق الشر؟ هذا ناتج عن جهل، فالله -عز وجل- قدر الشر ابتلاء، وفتنة، فهو في حقه حكمة، لأنه يتميز الخير من الشر، والهدى من الضلال، ولا يتميز الصالح من الطالح إلا بالابتلاء بالخير والشر، وأن الله تعالى قدر الخير والشر وخلقهم بإرادته - سبحانه وتعالى - من باب الابتلاء، والفتنة. ثم يتفرع عن هذا أيضا مسألة أخرى تسهل موضوع القدر، خاصة في جانب يشكل على كثير من الناس، وهو جانب الهداية والإضلال، نحن نعلم أن الله -عز وجل- يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وأنه - سبحانه وتعالى - لا راد لما يشاء، ولا معقب لحكمه، لكن ومع ذلك قد يأتي الشيطان ويخنس، ويوسوس لبعض الناس ويقول له إذا كان الله -عز وجل- قدر الضلالة على بعض الخلق إذًا كيف يحاسبهم؟ هذا يتبين بتفصيل آخر أرجو أن يتنبه له المشاهدون، أو المستمعون؛ لأنه يحتاج إلى شيء من التوازن بين قضيتين إذا وازنا بينهما زالت هذه الشبهة، وهذا التوازن هو مقتضى النصوص، وهو أن الله -عز وجل- حين قدر الهداية لبعض العباد، وقدر لهم الخير ووعدهم بالفضل والجنة فإن ذلك مبني على علمه - سبحانه وتعالى-- بماذا سيصنعون؟، الله - سبحانه وتعالى - علم أن هؤلاء من البشر، ومن الجن سيعملون خيرا، وسيختارون طريق الهدى، والخير، وقدر لهم ذلك، وبنيت أحكامهم على ذلك.
إذن: فالله -عز وجل- قدر الخير، والهدى، وشرعه أرسل فيه الرسل، وأنزل فيه الكتب، وبين طريق الخير والهدى، وجعل عند الإنسان التمييز فيه، وأقدره عليه، أقدره على فعل الخير، وأمره به، وحثه عليه، ووعده ثم أنه -عز وجل- قدر الضلالة، وشرع النهي عنها، وبين خطرها، وحذر منها، وأقدر العباد عليها ابتلاء وفتنة، ثم توعدهم بعد ذلك، وتحقق عليهم وعده.
إذن مسألة الجبلة: أن الله -عز وجل- جبل المكلفين على الحق، والهدى، وجبلهم على قبول الضلالة هذا أمر قدري؛ ولهذا الله عز وجل قال: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾[البلد: 10]، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف]، بعد ما قرر الله -عز وجل- أمور الهداية هذه المشيئة مبنية على ماذا؟ على بيان طريق الحق بوضوح، وطريق الباطل بوضوح، وإعطاء الإنسان الفسحة، والاختيار، فإن اختار طريق الضلالة باختياره فليتحمل مسئولية ذلك، وإن اختار طريق الهداية فهو موعود بالخير، هذا كله في سابق علم الله ؛لأن بعض الناس يقول ورد في الحديث (أن الله يرسل عند بلوغ الإنسان مائة وعشرين يوما ملكا يكتب مقاديره ومنها شقي، أو سعيد)؛ ولذلك لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث للصحابة قالوا: ففيما العمل مادام كتب قبل أن ننشأ في الدنيا، قال:( اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، هذا ناتج عن: علم الله السابق بماذا سيصنع هذا الإنسان، فقدر ذلك على ضوء ذلك، أما أن يكون تحكما (لا والله )، الله -عز وجل- لا يمكن أن يظلم العباد، وليس بظلام للعبيد.
فيجب أن نوقن بعدل الله، وحكمته، ومن هنا يستريح المسلم. وللحديث بقية.
والآن نترك بقية الوقت للأسئلة، والمناقشات، والمداخلات، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
بالنسبة لإجابة المشاهدين:
السؤال الأول: ما الفرق بين الرؤية التي هي حق، وبين الأحلام ؟
وردت إجابات كثيرة لعلي أنتقي منها:
تقول: الرؤية الحق هي: ما وافق الكتاب، والسنة، وألا تتعارض مع الحق، ولا توقع في البدع، والظلم، وأخرى تقول: الرؤية الحق من الله ،وهي أقسام: منها الكرامات، والمبشرات، وأمثال تضرب للناس تثبت الناس، أما الأحلام فمن الشيطان، وآخر يقول: الرؤية الحق تكون موافقة للكتاب، والسنة، ولا تعارض الحق، ولا توقع في بدعة، أو ضلالة، وأنواعها: رؤيا حق، وما يحدث بها الإنسان نفسه، ورؤيا من الشيطان، وأخرى تقول: الرؤية الحق هي: رؤيا الأنبياء، فإنها حق، وأما الأحلام فإنها من الشيطان، وبعض الأشياء مثل: الذي خص، وثبت فيه نص- والله أعلم-، وآخرون يقولوا: الرؤيا حقيقة، لها معنى، وهدف، عكس الخيال.
الإجابات في مجملها جيدة في الحقيقة، ويكمل بعضها بعضا، وليس عندي ملاحظة تقتضي التعليق، بل العكس أنا ممنون، وسعيد جدا بمثل هذه الأجوبة، سواء من أجمل فيها ومن فصل.
قد تكون هناك بعض الصفات مثل: صفات المكر، هي نقص للمخلوقات، وكمال لله، فكيف مثل هذه الصفات؟
يعني: ورد وثبت أن الله -تعالى- يمكر بالماكرين، وبالمنافقين، والمستهزئين، ومن يستحقون المكر، فهذا سياقه كما ورد عن السلف، الألفاظ التي لو أفردت صارت نقصا، فإنها إذا جاءت في سيقا لا يقتضي النقص تثبت كما جاءت، فمثلا: ذكر المكر بالكافرين، وذكر المكر بالمنافقين، والمستهزئين، كما ورد في النصوص جاء على سبيل المجازاة لهم على مكرهم، فهذا إذا جاء بسياقه يدل على: الكمال لكن، لا تفرد كلمة مكر في حق الله -عز وجل-، كلمة مكر مفردة لا تليق، لكنها تساق كما جاءت في سياقها العام، فهي جاءت على سبيل مجازاة المنافقين على مكرهم، بمجازاة الماكرين، وهذا أمر يعتبر كمالا في حق الله -عز وجل-، وكذلك بقية الصفات، والأفعال، والمقابلة بأفعال البشر، فإنها تكون تثبت في سياقها كما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى -، ولا تثبت مفردة بشكل يقتضي النقص.
ما يتعلق بالأسماء والصفات في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة) ،تسعة وتسعين اسما هذا ليس للحصر لكن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحصاها كيف يكون هذا الإحصاء ؟
على أي حل قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من أحصاها دخل الجنة)، هذا كلام مجمل، لو أخذناه بعموم معانيه، وربطناه بما ورد من الوعد، وورود من النصوص في حق المؤمن، فيدخل في إحصاءه الإحصاء الذي يتضمن الإيمان بها، والتأثر بمعانيها يتضمن أثرها على قلب المؤمن من حيث تعظيمه لله -عز وجل- ومحبته، ورجائه، وخوفه، ومن حيث التعلق بالله -عز وجل- من خلالها، فإن من أحصاها على هذا النحو، غالبا يكون من الناجين، وأهل الهدى، فتضمن له الجنة من باب أن سلك طريق الجنة، فهذا واضح - إن شاء الله-، لكن من أحصاها سردا دون أن يعي معانيها، فإن المنافق قد يعدها سردا، فإذن: لا بد لهذه النصوص أن ترد إلى المعاني الأخرى للنصوص الأخرى، وهو أن المقصود: إحصاء التدبر، إحصاء الإيمان، إحصاء التعظيم لله -عز وجل-، التعلق بها، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾[الأعراف: 180]، فمن هنا، يكون الإحصاء على هذا النحو هو الذي وعد به الرسول - صلى الله عليه وسلم -الجنة.
سؤال: ما معنى القول في الدعاء استأثرت به في علم الغيب عندك ) يقول ما معنى هذا ؟
يعني، معناها: ما لم تبلغنا به، استأثرت يعني: حجبته عندك من أسماءك، وصفاتك، وكمالاتك مما لم تبلغه الخلق؛ ولذلك الخلق كلهم، بما فيهم النبيين، وبما فيهم أفضل الخلق النبي - صلى الله عليه وسلم- ، لم يتبلغ بجميع كمالات الله -عز وجل-، والدليل على ذلك أنه: في مقام الشفاعة في يوم القيامة يقول: (يلهمني الله بمحامد )،يعني: لم يكن يعرفها في الدنيا، يدعوه بها، إذن هذا هو المعنى، استأثر يعني: حجبها عنده في الغيب.
السلام عليكم ورحمة الله ، ممكن أجاوب الأسئلة؟ نعم، على عجل، الرؤيا: هي التي تتوفر فيها صفات الرؤيا، بأن توافق الكتاب، والسنة، وأن لا تتعارض مع الحق، ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة، ولا ظلم، ولا عدوان، فهي من المبشرات. والأحلام: هي ما يحلم به الإنسان على هذه الضوابط، موافق الكتاب، والسنة، ولا يكون فيها ما يخالف الشرع، ولا يكون فيها بدعة، ولا توقع في ظلم، أو عدوان، فهي رؤيا صالحة، وقد تكون حلم، بالنسبة للقاعدة في رد البدع، يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، كما يجب في الاعتقاد، والتقرير، فلا ترد بدعة ببدعة، ولا يقابل التقرير بالغلو، ولا العكس، والدليل كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.).
وبالنسبة للسؤال: هل نحفظ التوحيد العلمي الاعتقادي مع شرحها؟
جوابها في الحقيقة سديد، وجيد، ومتقن، وهذا يدل على أنها متابعة للدروس، وأما سؤالها، فنعم، أنه ينبغي أن يحرص المسلم أن يحفظ أساسيات ما يتعلق بالتوحيد العلمي الاعتقادي، وهو المتمثل في أسماء الله، وصفاته على جهة الإجمال قواعدها الأساسية، أم التفاصيل فقد لا يكون للفرد المسلم فيها حاجة، كذلك ما يتعلق بأركان الإيمان، وبعض تفاصيلها، وهناك كتب مخصصة في هذه الأمور، حفظها سهل، وهي جاهزة -وإن شاء الله- سنبدأ في شرحها بعد أن ننتهي من هذه القواعد، والمقدمات، مثل الطحاوية، ومثل لمعة الاعتقاد وغيره من المتون.
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس، ونبدأ كالمعتاد بعرض نوعين من الأسئلة: النوع الأول: على الطلبة الحاضرين، والنوع الثاني: على الأخوة المشاهدين والمستمعين، ثم نتلقى الإجابة فيما بعد:
فأولا: أسأل الطلبة الحاضرين:
أولا: هل في الدين بدعة حسنة، ولماذا؟ كيف تعلل جوابك؟
العقائد ثابتة، وليس هناك بدعة تسمى بدعة حسنة أو غير حسنة؛ لأنه ثابت بالنقل، ولا يسع لأحد أن يأتي بما جد، لكن من ناحية المعنى اللغوي يطلق أحيانا على بعض الأشياء أن هذه مستحسنة لغة، لا يقصد بها المعنى الشرعي، وهي للتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالعبادة مما هو مشروع .
طبعا ليس في الدين بدعة من أجل أن تكون حسنة أو غير حسنة، وما يجدده بعض الناس من الأعمال الخيرية، أو من السنن التي نسيها الناس هذا لا يعتبر ابتداع، إنما هو داخل في التجديد المشروع، داخل في إحياء السنة، وعلى هذا فإنا لو تجوزنا كما تفضل زميلكم في إحياء هذه السنة التي أحييت بدعة فهي من باب الدلالة اللغوية، ومع ذلك يجب تجنبها لما صارت تلبس.
السؤال الثاني: كيف نوفق بين خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا تجمع الأمة على ضلالة وبين ما أخبر به من وقع الافتراق؟
الأمة في مجموعها لا تجمع على ضلالة
يعني: الأمة في مجموعها كلها لا تجمع على ضلالة
لا تجمع على ضلالة في آحادها هنا تنتفي العصمة .
إذن الأمر واضح حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنـه(لا تزال طائفة على الحق منصورة ) يعني هذا:أنه لن يكون الإجماع على ضلالة، أما خبره عن الافتراق فإن كان أخذ صيغة العموم فإنه يعني الأغلب، أو أنه قد يكثر الافتراق في بعض الظروف، وعلى هذا فلا تنافي بين الأمرين.
الآن سأوجه ثلاثة أسئلة للأخوة المشاهدين ثم نتلقى الإجابة ونبين القول فيها:
أولا: ما الفرق بين الرؤيا التي هي حق وبين الأحلام؟
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنواع الرؤى والأحلام، فما هذه الأنواع التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث؟
السؤال الثالث: ما القاعدة في رد البدع؟ وما النص الوارد فيها؟
والآن بحول الله نبدأ درس اليوم:
درس اليوم في موضوعه يعتبر هو تاج العقيدة، هو قمة لباحث العقيدة وموضوعاتهما؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل -بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولا شك أن هذا هو غاية التوحيد معرفة الله عز وجل، ومعرفته، وعبادته، والتوجه إليه، هذه غاية التوحيد، هذا يسمى: التوحيد العلمي الاعتقادي، توحيد الله عز وجل بذاته وأسمائه، وأفعاله، وما يجب له سبحانه هذا يسمى: التوحيد العلمي؛ لأنه علم يتلقى عن الوحي المعصوم، ويسمى الاعتقادي؛ لأنه يجب أن يعتقد لا يجوز لمسلم أن يخل بما يجب لله -عز وجل- على جهة الإجمال، وما يبلغه أيضا على جهة التفصيل.
هل التوحيد العلمي الاعتقادي أوله ما يتعلق بذات الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ثم ما يترتب على ذلك من ثمرات في قلب المؤمن وسلوكه؟
وقبل أن أذكر الأصل في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، كما جاء في الكتاب والسنة وقرره سلف الأمة، أحب أن أنبه إلى بعض القواعد المهمة المفيدة التي ينبغي أن يستصحبها كل مسلم في قلبه و عقله وفي نظراته تجاه حقوق الله- عز وجل - وما يجب له، وتجاه أيضا أمور الدين، ومسلمات الدين، هذه القواعد في هذا الباب فقط أي في باب أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، من أهمها في نظري: أولا: أن أسماء الله كلها وصفاته وأفعاله حسنى بالغة الحسن، بالغة الكمال والجمال، فالله -عز وجل - موصوف بكمال الكمال، وبكمال الجمال جملة وتفصيلا، فجميع أسمائه، وصفاته، وأفعاله، هي حسنى، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[الأعراف: 180]. كلها حسنى بإطلاق، وتشتمل على كل معاني الحسن، والكمال، والجمال، ثم ثانيا: هي غاية الكمال في كل شيء في معانيها، وفي ألفاظها، وفي حقائقها، وفي ثمارها، لا يتطرق إليها النقص بحال من الأحوال.
وثالثا: لا يرد فيه النقص بوجه: أي أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، لا يمكن أن يرد فيها، ولا إليها، ولا حولها لا في الذهن، ولا في القلب، الذهن الصافي، والقلب المؤمن لا يمكن أن يرد فيه شيء من تصور النقص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله.
القاعدة الرابعة: أنها حقائق وأعلام وأوصاف، حقائق بمعنى: أنها يوصف بها على الحقيقة، الأسماء يسمى بها الله -عز وجل- على الحقيقة، والأفعال أيضا منسوبة إلى الله -عز وجل- على الحقيقة، على ما يليق بجلال الله سبحانه؛ لأن مفهوم الحقيقة أحيانا قد يتبادر إلى أذهان الناس أن المقصود بالحقيقة الكيفية، وهذا لا شك أنه منفي؛ لأن الله -عز وجل- ليس كمثله شيء، لكنه موصوف بالحق، فهو الحق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وأفعاله حق، وعلى هذا فإنه أعلام: أي أنها تطلق على الله، وهو- سبحانه- علم معروف بآياته، وبنعمه، وبجميع أنواع المعارف، فإنه -عز وجل- لا يخفى أمره على أحد؛ ولذلك الله -عز وجل- قرر هذه القاعدة لجميع العقلاء يقول: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[إبراهيم: 10]، فإذا كان كذلك فإذًا هو موصوف أو مسمى بأسماء هي أعلام على ذاته، وإن كانت هذه الأسماء تدل على صفات، وتدل على أفعال، وتدل على معاني الكمال، فهي كذلك أيضا من حيث مضامينها، ومعانيها، وحقائقها، فهي: أي أسماء الله، وصفاته حقائق لا مجازات، هي حقائق لا رموز.
ثم القاعدة الخامسة: أنها توقيفية: يعني أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على جهة التفصيل موقوفة على ما جاء به النص، نعم، العقول السليمة، والفطر المستقيمة تدرك كثيرا من الكمالات لله على جهة الإجمال، فوجود الله، وعظمته، وكماله -سبحانه- واتصافه بصفات الكمال، وأيضا إدراك علمه، وحكمته، وسائر الصفات الإجمالية، والمعاني الإجمالية تدرك لله -عز وجل- لكن على جهة التفصيل أكثرها وليس كلها لا يمكن إدراكها على ما يليق بجلال الله -عز وجل- إلا بما جاء به النص، وعلى هذا فهي توقيفية.
ثم القاعدة السادسة: أسماء الله، وصفاته، وأفعاله غير محصورة؛ لأنه الكمال المطلق، لكن جاءنا بخبر القرآن، والسنة عن أسماء الله، وصفاته ما يناسب أحوالنا، ويناسب مداركنا، ولا يعني ذلك أن أسماء الله محصورة بما ورد وحتى ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن(لله تسعا وتسعين اسما ) لا يعني ذلك الحصر إنم يعني ذلك ما يمكن أن يرد إلى مدارك عقول الناس بتعبيرات، وباللسان الذي خاطب الله به البشر، ولذلك فإن أسماء الله لا حصر لها، وكذلك صفاته، وأفعاله، والدليل على ذلك كونه موصوف بالكمال الكمال لا ينتهي، والأمر الثاني ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصوص كثيرة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أنه حين يدعوا ربه يقول: حديث الشفاعة (أدعوه بمحامد يلهمني الله إياه) كذلك الدعاء الآخر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. )معنى هذا: أن الله تعالى استأثر في علم الغيب عنده أي: حجبه عنا من أسماء، وصفاته، وأفعاله، ومحامده، وكماله مالا يحصى.
بعد هذه القواعد وهي ليست كل القواعد لعلها أهم القواعد التي ينبغي استحضارها في هذا المقام.
نبدأ بالأصول المتعلقة بتوحيد الله -عز وجل- بذاته، وصفاته، وأسماءه، وأفعاله:
أول ذلك أن الأصل والقاعدة في إثبات الأسماء والصفات لله -عز وجل- إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - و، نفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كل هذا أي الإثبات من غير تمثيل، والتمثيل يعني: التشبية، والتجسيم، وغير ذلك من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله -عز وجل- تثبت له الأسماء، والصفات، والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، ولا العكس، كذلك من غير أن يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلق لاجزئيا، ولاكليا، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل، والتشبيه ممنوع من الطرفين فلا الله -عز وجل- يشبه شئ من خلقه، ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال، والتفصيل، كل ذلك أيضا الإثبات من غير تحريف، ومن غير تعطيل أي: من غير أن ننفي عن الله -عز وجل- الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على نحو ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله -عز وجل- في ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله, لا يجوز أن يقول هذا مجاز، ولا أن يقال يؤول، ولا يصرف عن معانيه، ولا يقل إنه يقتضي التشبيه، ولا أنه لا بد فيه من قياس.
كل هذا لا يجوز إطلاقا؛ لأنه غيب ولأنه- أي ما ورد من أسماء الله، وصفاته- هو كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- ﴿الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
ولذلك؛ جاءت هذه القاعدة في كتاب الله - عز وجل- في كلمات معدودات يجب على كل مسلم أن يستحضرها، ويجعلها ميزان في قلبه وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]، ليس كمثله شيء بمعنى أنه: لا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئا من مخلوقاته، لا في الجملة، ولا في التفصيل، لا في العموم، ولا في المفردات، لا يمكن أن يرد التمثيل ومع ذلك هو السميع البصير، ولعل من حكمة الله -عز وجل- حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في قلب المسلم وعقله نفي المشابهة أصلا قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله، وصفاته، فإنه ثبت في قلبه وعقله في أن الله لا يماثله شيء مطلقا.
فمن هنا تسلم عقيدته، وتسلم ذمته، ولا يتكلم على الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص و ما دلت عليه،يعنى ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة هي حقائق في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله هي حقائق لها معاني حق فيما يجب لله -عز وجل- ولا يمكن أن تفسر بمعاني تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله -عز وجل-، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة، والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله -عز وجل- ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾[آل عمران: 7]، ولذلك؛ ادعى كثير من المبطلين أن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف يكون متشابه؟ حق بيِّن كالشمس واضح يقال من المتشابه، ولكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ فظنوا أنه من المتشابه.
إذن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله ليست من المتشابه، بل هي من المحكم البين، ولها معاني، وحقائق، ولكنها تثبت على ما يليق بجلال الله، تثبت على ما ينبغي لله من الكمال، مع نفي المشابهة والتمثيل.
وعلى هذا يأتي الأصل الثاني :وهو أن التمثيل، والتعطيل في أسماء الله، وصفاته زيغ، وضلال، بل هو كفر من اعتقد أن الله مثل خلقه، أو اعتقد أن أحدا من الخلق مثل الله، فهذا كفر، وزيغ، وضلالٍ، كما يكون التأويلات الباطنية، وقد يكون بعض التأويلات إذا كان عن غير قصد إنكار الحقائق، بعض التأويلات التي وقع فيها بعض أهل الكلام الذين أولوا بعض أسماء الله، وصفاته، وأفعاله إذا ما قصدوا بالتأويل إنكار حقائق أسماء الله، وصفاته فهذا يكون من البدع، والضلالات كتأويلات نفاة الصفات من أهل الكلام، ومن ذلك ما يقع خطأ، وقع من بعض أفراد السلف وأئمة السنة ليست منهج، إنما هي زلات فهذه صاحبها لا يكفر، ولا يضلل، لكنه يرد إليه خطأه وهو من باب زلات العلماء التي ذكرتها في درس ماضٍ، وسيأتي إن شاء الله تفصيلها في دروس قادمة.
إذن التمثيل الممنوع في حق الله -عز وجل- ما المقصود به، والتعطيل ما المقصود به؟ إذا قلنا أن التمثيل الخالص، والتعطيل الخالص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله يعتبر كفر، وزيغ، وإلحاد فما التمثيل الممنوع؟
التمثيل هو تشبيه الله بالخلق، أو تشبيه الخلق بالله تشبيها يؤدي إلى أن يعتقد المشبه أن الله مثل خلقه، أو أن الخلق، أو بعض الخلق مثل الله، لكن ينبغي أن نتنبه إلى أمر وهو وجود التشابه اللفظي، هذه مسألة في الحقيقة أشكلت على كثير من قليلي الفقه في الدين الذين يجهلون عقائد السلف وفقههم، أشكلت عليهم من جانب أنهم ظنوا أن مجرد المشابهة اللفظية الموجودة في أسماء الله، وصفاته و موجودة في بعض صفات الخلق تعني التمثيل، فهرب بعضهم إلى الإنكار، زعما منهم أن الإثبات يقتضي المماثلة وهذا خطأ، التشابه اللفظي لا يعني التشابه في الحقيقة، مثال ذلك أن الله -عز وجل- هو الحي، والمخلوق الذي فيه روح يسمى حي، هذا تشابه لفظي فالله -عز وجل- موصوف بالحياة، والإنسان والحيوان الحي موصوف بالحياة، فهل الحياة مثل الحياة؟ لا ،حياة الله حياة كاملة، لا يعتريه فناء، ولا محدودية، ولا نهاية، وحياة المخلوق لها بداية، ونهاية، إذن فالتشابه اللفظي لا يعني وجود المشابهة: أي التمثيل الممنوع شرعا، وكذا في مسائل أسماء الله، وصفاته التي يوجد ما يوصف بها الخلق، أو بعض الخلق، فإن هذا التشابه اللفظي نسبي هو في حق الله على الكمال، وفي حق المخلوق على وجه النقص لأنه؛ لا يمكن أن يكون مخلوق له صفة كمال، لأن الكمال إنما هو خاص بالله -عز وجل-.
الأصل الثالث: أما التعطيل فالمقصود به تفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها، هذا التفريغ أحيانا يكون بإنكار حقائقها كما فعل كثير من الفلاسفة والجهمية وغيرهم إنكار حقائق أسماء الله وصفاته، أو يكون أحيانا بإخراجها عن معانيها إلى معاني متأوّلة ومتوهمة، ويسمى التحريف، ويسمى التأويل، هذا كله يعود إلى التعطيل، تعطيل الشيء هو: تفريغه، فتفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها الحقيقية، أو الخروج بها عن حقائقها يعتبر تعطيل، لكن إن كان تعطيلا كاملا فهو إلحاد، وإن كان تأويلا فهو من كبائر الذنوب، ومن البدع.
ثم هناك أصل ثالث: يتفرع عن هذين الأصلين، وهو أن الله -عز وجل- غير الخلق، يعني: لا يمكن أن يكون بينه وبين الخلق مشابهة، ولا مماثلة، ولا اندماج، ولا اتحاد، ولا حلول، فعلى هذا لا يجوز اعتقاد أن الوجود واحد الخالق والمخلوق ممتزجان متحدان حال أحدهما في الآخر، هذا إنما بل هو إلحاد وإنقاص لله -عز وجل- لأن الله- سبحانه- غني عن الخلق، وهو مستوٍ على عرشه، على المخلوقات جميعا، وهو بذاته- سبحانه- متفرد بالكمال، متفرد بالأسماء، والصفات، والأفعال، لا يخالط أحد من خلقه، ولا يخالطه أحد من خلقه، وليس في خصائص الرب ما هو موجود في أحد من الخلق، لا في مفردات الخلق، ولا في كل الخلق.
وعلى هذا اعتقاد وحدة الوجود، وهو: أن الوجود خالقه، ومخلوقه واحد هذا من أعظم الكفر، ومثله اعتقاد حلول الله في الخلق، أو حلول الخلق في الله، أو اعتقاد أن روحا من الله حلت في أحد من الخلق، كل ذلك يعتبر إساءة أدب مع الله، وهو من الكفر ؛لأن الله منفرد، فهو الفرد الصمد، فهو- سبحانه- لا يمكن أن يختلط بمخلوقاته، وتختلط به مخلوقاته، كذلك الاتحاد، ونحو ذلك من المعاني؛ لأن أصحاب هذا الفكر الضال قد يعبرون عنه بتعبيرات كثيرة اتحاد وحدة الوجود الحلول إلى آخره.
هذه معاني قد تختلف في بعض تفسيراتها لكنا تجتمع في معنى باطل، وهي اعتقاد أن الله -عز وجل- قد يحل في شيء من الخلق، أو يحل فيه شيء من الخلق.
ثم بعد ذلك تأتي قاعدة متعلقة بالركن الثاني من أركان الإيمان، والإيمان أيضا أمر خبري علمي، أوله الإيمان بالله -عز وجل- وذكرت ما يتعلق بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وثانيه الإيمان بالملائكة( الملائكة الكرام ) الإيمان بهم إجمالا، وتفصيلا بحسب ما يرد لنا من النصوص، فيجب على كل مسلم أن يؤمن إيمانا جازما بأن هناك مخلوقات من مخلوقات الله اسمها الملائكة على جهة الإجمال، ثم ما ورد إليك أخي المسلم من اسم ملك، أو وصفه، أو عملهن أو جنسه، أو نوعه يجب أن تؤمن به، ما ورد في القرآن لا بد من الإيمان به في حق الملائكة جملة، وتفصيلا ما ورد فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار الملائكة وأحوالهم يجب الإيمان به فكل من ورد إليه دليل في الملائكة يجب الإيمان به.
على هذا الملائكة هم خلق من خلق الله، لهم وجود حقيقي، هم عقلاء عباد لله -عز وجل- مسخرون ﴿ل لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[التحريم: 6]، لكنهم غير مبتلين بالابتلاء الذي ابتلى به الجن والإنس، هم خلقوا للطاعة، ولذلك كانوا كراما، وما صح به الدليل به لا بد من الإيمان به من أسمائهم، فممن وردت أسماؤهم مثلا جبريل وهو: ملك الوحي وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وهاروت، وماروت، وأيضا ورد أن لهم أعمال مجملة،وأعمال خاصة، فمنهم حملة العرش، وهم من أعظم الملائكة خلقا، وعملا، ومنهم ملائكة الرحمة، ملائكة العذاب، ملائكة الوحي، والمطر، منهم الكرام الكاتبين الذين يصاحبون كل إنسان ليل، نهار يتعاقبونه، كل إنسان موكل به أربعة إلى أن يموت،اثنان في المساء، واثنان في الصباح، كذلك لهم أوصاف تعمهم، وأوصاف تخص بعضهم، فهم ذوي أجنحة مثنى، وثلاث، ورباع، وأكثر من ذلك، وأيضا لهم مشاركات للناس فهم يشاركون المؤمنون، يشاركونهم في الجهاد، يشاركونهم بحضور مجالس الذكر، هم يحبون المؤمنين ويسددونهم -بإذن الله-، ويحفظونهم بأمر الله، وهؤلاء الملائكة لهم حقوق أيضا يجب أن يراعيها المسلم، من ذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن أكل ما يؤذي الملائكة ،خاصة في المساجد كالثوم، والبصل، والكرات، (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنوا آدم )،ولذلك لهم حقوق، ولهم رعاية، والإنسان أو المسلم يجب دائما أن يستحضر هذا المعنى، أن يستحضر أولا رقابة الله له، هل يعلم أن الله عليه رقيب، وهذا معنى الإحسان الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل، وهو (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومن حكمة الله -عز وجل- أن جعل أيضا معنا من المخلوقات رقباء من أهل الفضل، والكرم رقباء، لهم حق، هم في منتهى العبادة لله -عز وجل- والخضوع، والذل، والعبودية، فيجب أن يستحي منهم الإنسان؛ ولذلك ورود في وصف عثمان - رضي الله عنه - تستحي منه الملائكة؛ لأنه هو حيي، فتبادلت معه الملائكة هذا الشعور، ولذلك يجب على كل مسلم أن يراعي حضور هؤلاء الكرام.
ثم ما يتعلق بالكتب المنزلة، وهذا الأصل الثالث من أصول الإيمان الركن الثالث من أركان الإيمان، والمقصود بالكتب المنزلة: هي تلك الكتب التي أنزلها الله على الأمم بواسطة الرسل، والأنبياء شرع الله فيها الدين، العقيدة ،الشرائع لكل أمة، وجعل هذه الكتب مرجع لتحكيم شرع الله -عز وجل- وتحقيق رضاه، والسعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.
هذه الكتب المنزلة منها ما سمي وذكر لنا ،ويجب أن نؤمن أنه حق قبل التحريف مثل التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، ونحوها مما وردت به النصوص، هذه الكتب كتب حق، تضمنت حق عقيدة صافيا، وشرائع لكل أمة بحسب ما شرع الله لها من مصالحها، هذه الكتب كانت سليمة ثم دخلها التحريف، والتبديل؛ ولذلك نسخها الله -عز وجل- بالقرآن، نعم، لا تزال هذه الكتب الباقية منها كالتوراة، والإنجيل، لا تزال تشتمل على شيء من الحق، ولذلك لا ترد ردا كليا، وإنما تعرض على ما جاء في كتابنا (القرآن الكريم)، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما وفق الحق فهو حق، وما لم يوافق الحق فهو باطل مما أدخله المحرفون، وعلى هذا: هذه الكتب نحن نحترمها بأصلها، لكن لما حرفت وبدلت نسخها الله -عز وجل-، وجعل القرآن هو المهيمن، وهو الناسخ لها، والقرآن هو أفضلها، وهو أشملها، وما قبله طرأ عليه التحريف؛ ولذلك يجب اتباعه دون ما سبقه من الكتب، أقول، وإن اشتملت هذه الكتب على الحق إلا أن الحق الذي فيها جاء وافيا في كتاب ربنا، وفي سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ونظرا لأنها اختلط الحق فيها بالباطل فإن الرجوع إليها يلبس على المسلم؛ ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيا جازما ،قاطعا حازما، عن أن نجعل هذه الكتب مرجعا نرجع إليه في ديننا أو في مصالحنا.
الأصل الآخر: الإيمان بالأنبياء، والرسل،عرفنا أن الأصل الأول الإيمان بالله ،ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإٍيمان بالكتب، ثم الإيمان بالرسل ويدخل فيهم الأنبياء ،ويعني ذلك: ما قيل في الملائكة، وفي الكتب هو أن نؤمن أن الله تعالى بعث رسلا، وأنبياء أقام بهم الحجة على الخلق، وأنهم معصومون، وأنهم أفضل البشر على الإطلاق، وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا الأمانة وأدوا الرسالة، و نصحوا الأمة، وأن منهم عدد كبير، وقد ورد في بعض الآثار التي تصل لدرجة الحسن، أن عدد النبيين مائة ألف وأربعة وعشرين ألف، وأن عدد المرسلين ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا يدل على أن الرسل هم خاصة الأنبياء، أنهم أفضل من الأنبياء، وأن الأنبياء في الغالب تبعا للرسل، وأفضل الرسل والنبيين هم أولو العزم، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد- صلى الله عليه وسلم وعليهم جميعا-، وهؤلاء الرسل يجب في حقهم الاحترام، والتقدير، ويجب حماية جنابهم من أن يقدح بهم، أو أن يلمزوا، أو ينتقص من قدر أحد منهم، فنؤمن بهم جميعا، ولا نفاضل بينهم المفاضلة التي تؤدي إلى العصبية، لكنا نعلم قطعا أنهم يتفاضلوا، فأفضلهم جملة، وأفضلهم على سبيل الإفراد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أفضل الخلق على الإطلاق؛ فلذلك آتاه الله -عز وجل- ما لم يؤت أحدا من العالمين، وهو صاحب المقام المحمود في القيامة، والشفاعة العظمى التي لا يمكن أن يحظى بها غيره.
ثم نأخذ جهة الإجمال، والتفصيل، فكل ما صح عن أخبار هؤلاء الأنبياء، وأوصافهم يجب الإيمان به، وكذلك من جاء اسمه، أو وصفه بمفرده يجب الإيمان به إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك يبقى الإيمان بسائرهم إجمالا، ولا يجوز أن نشك في نبوة أحدهم، ومن هنا يجب أن ننبه إلى بدعة، وضلالة وقع فيها كثيرون، ويجب أن نحتاط منها، خاصة أصحاب النزعة العقلانية الفلسفية الذين يستكبرون، ويتعالون عن النبوة والأنبياء ولديهم شيء من الغرور والاغترار بعقولهم في مجال تقرير الدين، والغيبيات، يزعمون على سبيل المثال أن عيسى - عليه السلام -
ليس نبيا، إنما هو داعية مصلح مجدد لدين موسى - عليه السلام ،- نعم هو مجدد لدين موسى - عليه السلام - لكن لا يعني ذلك أنه ليس بنبي بل هو من أولي العزم من الرسل، وله من الخصائص ما ليس لغيره أيضا خص الله عيسى - عليه السلام - بخصائص ليست لغيره أيضا، لكن هذه الخصائص لا تجعله أفضل النبيين، فإنها خصائص في خصال محدودة، معلومة كما هو معروف.
ثم تأتي أيضا قاعدة أخرى، وهي بعد ذلك كله تبعا للإيمان بالأنبياء، والكتب لابد من الإيمان بأن الوحي انقطع لم يعد وحي التشريع يوجد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ادعى أنه ينزل إليه وحي، أو يأتيه شيء بمقام الوحي فيحل ما حرم الله ،أو يحرم ما أحل الله ،أو يشرع عقيدة، أو عبادة، أو نحو ذلك بدعوى أنه في منزلة الوحي كل ذلك من الضلال فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو نبينا، هو خاتم الأنبياء، والمرسلين،ـ ومن اعتقد خلاف ذلك فهو في ضلال مبين ويخرج من الإسلام.
ثم الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر، ومعنى ذلك: الإيمان بكل ما صح عن اليوم الآخر جملة، وتفصيلا ومن ذلك أشراط الساعة التي تسبق اليوم الآخر، كالدجال، والمهدي المنتظر، وخروج الشمس من مغربها، وكسوف الثلاثة، ونزول عيسى - عليه السلام - ،والملاحم التي تحدث مما ورد به الأخبار، كل ذلك يجب الإيمان به؛ لأنه ملحق باليوم الآخر؛ لأنه بداية اليوم الآخر وإيذان بنهاية الدنيا، كذلك ما ورد في اليوم الآخر ابتداء من الموت في القبر، وأحواله، عذابه، ونعيمه، الحياة التي تسمى الحياة البرزخية، الحياة وتفاصيلها التي وردت في الكتاب، والسنة قبل البعث، كلها جزء من اليوم الآخر يجب الإيمان بها كما ثبتت، ثم البعث، والنشور، والحشر، والصحف، والصراط، والموازين، والحوض، وغير ذلك مما ثبت به الشرع يجب الإيمان به حقيقة، وأنه حق، كما ورد لا يجوز تأويله، ولا تحريفه عن معانيه، وكذلك يدخل في هذا الإيمان بالجنة، نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهلها، وبنعيمها، وما ورد فيه من تفصيل، وأعظم النعيم فيها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأعيانهم- نسأل الله أن يمتعنا جميعا بذلك في الجنة-، ثم كذلك اليقين بعذاب النار، وما ورد فيه من تفاصيل.
الأصل السادس: الإيمان بالقدر، وما أكثر الذين ذلوا بالقدر، إما من باب الوساوس والأوهام، أو العقائد الباطلة، أو تقليد الأمم فيما قالوه وما زعموه في القدر، كل ذلك مما حدث في طوائف الأمة التي خرجت عن سبيل المؤمنين، الإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله قدر كل شيء من الخير، والشر ابتلاء وفتنة، كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، وعلى هذا فإن الإيمان بالقدر لا بد فيه من قواعد، ولعلي أوضحها بشيء من التفصيل؛ لأن من تصور هذه القواعد -بإذن الله- إذا تشربها المسلم حتى لو لم يكن طالب علم، ولا عالم؛ لأن أمور القدر غالبا تكون صعبة، لكن مع ذلك أصولها التي تعبدنا الله بها سهلة؛ ولذلك سأركز على هذه الجوانب السهلة، مبنى الإيمان بالقدر يقوم على أربع مراتب، هذه المراتب إذا تصورتها أخي المسلم سهل عليك الكثير مما يرد إليك من أمور القدر:
المرتبة الأولى: العلم: ومعنى العلم أن تؤمن، وتوقن بأن الله -عز وجل- بكل شيء عليم، ما كان، وما يكون، وما سيكون كيف يكون، كل ما يحدث في الخلق من صغير، وكبير فالله به عليم؛ ولذلك الله -عز وجل- أشار إلى مثل هذا، إلى تعميق معنى العلم في قلب المسلم، علم الله -عز وجل- ذكر بأنه - سبحانه وتعالى - عليم بذات الصدور ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التغابن : 4]، ذاتها غير ما فيها، أبلغ مما فيها، بل إن الله -عز وجل- أنكر على الذين شكوا في بعض علم الله فقال - سبحانه وتعالى - ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[الملك: 14]، هل يعقل أن يخلق وهو لا يعلم ؟ هل يعقل أن من يخلق وهو الله -عز وجل- يخفى عليه مما خلق؟ بل لا بد أن يسبق الخلق علم كامل، ويصاحب الخلق، ويلحق بالخلق، فلا يعجز عنه -عز وجل- مثقال ذرة في السماء، ولا في الأرض.
إذن :المرتبة الأولى العلم الكامل، الشامل، الوافي في كل شيء.
ثم بعد ذلك الكتابة: ومعناها: أن يعتقد المسلم كما ثبت في النصوص أن الله كتب مقادير كل شيء على الإطلاق من صغير، أو كبير، ماض، ومستقبل.
وعلى هذا أيضا تأتي المرتبة الثالثة: وهو أن كل شيء بمشيئة الله، بتقدير الله، كل شيء يحدث في الكون أنه بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان، ولا يكون شيء إلا بتقديره، ومشيئته.
ثم بعد ذلك المرتبة الرابعة: الإيمان والجزم بأن الله خالق كل شيء، قدر و خلق الخير، والشر كما قال - سبحانه وتعالى - وتعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ هذا نقرره؛ لدفع شبهة ترد في أذهان بعض الناس، وقد يوسوس بها الشيطان على بعض الخلق، وهو هل يمكن أن يكون الله -عز و جل- خلق الشر؟ هذا ناتج عن جهل، فالله -عز وجل- قدر الشر ابتلاء، وفتنة، فهو في حقه حكمة، لأنه يتميز الخير من الشر، والهدى من الضلال، ولا يتميز الصالح من الطالح إلا بالابتلاء بالخير والشر، وأن الله تعالى قدر الخير والشر وخلقهم بإرادته - سبحانه وتعالى - من باب الابتلاء، والفتنة. ثم يتفرع عن هذا أيضا مسألة أخرى تسهل موضوع القدر، خاصة في جانب يشكل على كثير من الناس، وهو جانب الهداية والإضلال، نحن نعلم أن الله -عز وجل- يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وأنه - سبحانه وتعالى - لا راد لما يشاء، ولا معقب لحكمه، لكن ومع ذلك قد يأتي الشيطان ويخنس، ويوسوس لبعض الناس ويقول له إذا كان الله -عز وجل- قدر الضلالة على بعض الخلق إذًا كيف يحاسبهم؟ هذا يتبين بتفصيل آخر أرجو أن يتنبه له المشاهدون، أو المستمعون؛ لأنه يحتاج إلى شيء من التوازن بين قضيتين إذا وازنا بينهما زالت هذه الشبهة، وهذا التوازن هو مقتضى النصوص، وهو أن الله -عز وجل- حين قدر الهداية لبعض العباد، وقدر لهم الخير ووعدهم بالفضل والجنة فإن ذلك مبني على علمه - سبحانه وتعالى-- بماذا سيصنعون؟، الله - سبحانه وتعالى - علم أن هؤلاء من البشر، ومن الجن سيعملون خيرا، وسيختارون طريق الهدى، والخير، وقدر لهم ذلك، وبنيت أحكامهم على ذلك.
إذن: فالله -عز وجل- قدر الخير، والهدى، وشرعه أرسل فيه الرسل، وأنزل فيه الكتب، وبين طريق الخير والهدى، وجعل عند الإنسان التمييز فيه، وأقدره عليه، أقدره على فعل الخير، وأمره به، وحثه عليه، ووعده ثم أنه -عز وجل- قدر الضلالة، وشرع النهي عنها، وبين خطرها، وحذر منها، وأقدر العباد عليها ابتلاء وفتنة، ثم توعدهم بعد ذلك، وتحقق عليهم وعده.
إذن مسألة الجبلة: أن الله -عز وجل- جبل المكلفين على الحق، والهدى، وجبلهم على قبول الضلالة هذا أمر قدري؛ ولهذا الله عز وجل قال: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾[البلد: 10]، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف]، بعد ما قرر الله -عز وجل- أمور الهداية هذه المشيئة مبنية على ماذا؟ على بيان طريق الحق بوضوح، وطريق الباطل بوضوح، وإعطاء الإنسان الفسحة، والاختيار، فإن اختار طريق الضلالة باختياره فليتحمل مسئولية ذلك، وإن اختار طريق الهداية فهو موعود بالخير، هذا كله في سابق علم الله ؛لأن بعض الناس يقول ورد في الحديث (أن الله يرسل عند بلوغ الإنسان مائة وعشرين يوما ملكا يكتب مقاديره ومنها شقي، أو سعيد)؛ ولذلك لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث للصحابة قالوا: ففيما العمل مادام كتب قبل أن ننشأ في الدنيا، قال:( اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، هذا ناتج عن: علم الله السابق بماذا سيصنع هذا الإنسان، فقدر ذلك على ضوء ذلك، أما أن يكون تحكما (لا والله )، الله -عز وجل- لا يمكن أن يظلم العباد، وليس بظلام للعبيد.
فيجب أن نوقن بعدل الله، وحكمته، ومن هنا يستريح المسلم. وللحديث بقية.
والآن نترك بقية الوقت للأسئلة، والمناقشات، والمداخلات، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
بالنسبة لإجابة المشاهدين:
السؤال الأول: ما الفرق بين الرؤية التي هي حق، وبين الأحلام ؟
وردت إجابات كثيرة لعلي أنتقي منها:
تقول: الرؤية الحق هي: ما وافق الكتاب، والسنة، وألا تتعارض مع الحق، ولا توقع في البدع، والظلم، وأخرى تقول: الرؤية الحق من الله ،وهي أقسام: منها الكرامات، والمبشرات، وأمثال تضرب للناس تثبت الناس، أما الأحلام فمن الشيطان، وآخر يقول: الرؤية الحق تكون موافقة للكتاب، والسنة، ولا تعارض الحق، ولا توقع في بدعة، أو ضلالة، وأنواعها: رؤيا حق، وما يحدث بها الإنسان نفسه، ورؤيا من الشيطان، وأخرى تقول: الرؤية الحق هي: رؤيا الأنبياء، فإنها حق، وأما الأحلام فإنها من الشيطان، وبعض الأشياء مثل: الذي خص، وثبت فيه نص- والله أعلم-، وآخرون يقولوا: الرؤيا حقيقة، لها معنى، وهدف، عكس الخيال.
الإجابات في مجملها جيدة في الحقيقة، ويكمل بعضها بعضا، وليس عندي ملاحظة تقتضي التعليق، بل العكس أنا ممنون، وسعيد جدا بمثل هذه الأجوبة، سواء من أجمل فيها ومن فصل.
قد تكون هناك بعض الصفات مثل: صفات المكر، هي نقص للمخلوقات، وكمال لله، فكيف مثل هذه الصفات؟
يعني: ورد وثبت أن الله -تعالى- يمكر بالماكرين، وبالمنافقين، والمستهزئين، ومن يستحقون المكر، فهذا سياقه كما ورد عن السلف، الألفاظ التي لو أفردت صارت نقصا، فإنها إذا جاءت في سيقا لا يقتضي النقص تثبت كما جاءت، فمثلا: ذكر المكر بالكافرين، وذكر المكر بالمنافقين، والمستهزئين، كما ورد في النصوص جاء على سبيل المجازاة لهم على مكرهم، فهذا إذا جاء بسياقه يدل على: الكمال لكن، لا تفرد كلمة مكر في حق الله -عز وجل-، كلمة مكر مفردة لا تليق، لكنها تساق كما جاءت في سياقها العام، فهي جاءت على سبيل مجازاة المنافقين على مكرهم، بمجازاة الماكرين، وهذا أمر يعتبر كمالا في حق الله -عز وجل-، وكذلك بقية الصفات، والأفعال، والمقابلة بأفعال البشر، فإنها تكون تثبت في سياقها كما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى -، ولا تثبت مفردة بشكل يقتضي النقص.
ما يتعلق بالأسماء والصفات في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة) ،تسعة وتسعين اسما هذا ليس للحصر لكن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحصاها كيف يكون هذا الإحصاء ؟
على أي حل قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من أحصاها دخل الجنة)، هذا كلام مجمل، لو أخذناه بعموم معانيه، وربطناه بما ورد من الوعد، وورود من النصوص في حق المؤمن، فيدخل في إحصاءه الإحصاء الذي يتضمن الإيمان بها، والتأثر بمعانيها يتضمن أثرها على قلب المؤمن من حيث تعظيمه لله -عز وجل- ومحبته، ورجائه، وخوفه، ومن حيث التعلق بالله -عز وجل- من خلالها، فإن من أحصاها على هذا النحو، غالبا يكون من الناجين، وأهل الهدى، فتضمن له الجنة من باب أن سلك طريق الجنة، فهذا واضح - إن شاء الله-، لكن من أحصاها سردا دون أن يعي معانيها، فإن المنافق قد يعدها سردا، فإذن: لا بد لهذه النصوص أن ترد إلى المعاني الأخرى للنصوص الأخرى، وهو أن المقصود: إحصاء التدبر، إحصاء الإيمان، إحصاء التعظيم لله -عز وجل-، التعلق بها، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾[الأعراف: 180]، فمن هنا، يكون الإحصاء على هذا النحو هو الذي وعد به الرسول - صلى الله عليه وسلم -الجنة.
سؤال: ما معنى القول في الدعاء استأثرت به في علم الغيب عندك ) يقول ما معنى هذا ؟
يعني، معناها: ما لم تبلغنا به، استأثرت يعني: حجبته عندك من أسماءك، وصفاتك، وكمالاتك مما لم تبلغه الخلق؛ ولذلك الخلق كلهم، بما فيهم النبيين، وبما فيهم أفضل الخلق النبي - صلى الله عليه وسلم- ، لم يتبلغ بجميع كمالات الله -عز وجل-، والدليل على ذلك أنه: في مقام الشفاعة في يوم القيامة يقول: (يلهمني الله بمحامد )،يعني: لم يكن يعرفها في الدنيا، يدعوه بها، إذن هذا هو المعنى، استأثر يعني: حجبها عنده في الغيب.
السلام عليكم ورحمة الله ، ممكن أجاوب الأسئلة؟ نعم، على عجل، الرؤيا: هي التي تتوفر فيها صفات الرؤيا، بأن توافق الكتاب، والسنة، وأن لا تتعارض مع الحق، ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة، ولا ظلم، ولا عدوان، فهي من المبشرات. والأحلام: هي ما يحلم به الإنسان على هذه الضوابط، موافق الكتاب، والسنة، ولا يكون فيها ما يخالف الشرع، ولا يكون فيها بدعة، ولا توقع في ظلم، أو عدوان، فهي رؤيا صالحة، وقد تكون حلم، بالنسبة للقاعدة في رد البدع، يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، كما يجب في الاعتقاد، والتقرير، فلا ترد بدعة ببدعة، ولا يقابل التقرير بالغلو، ولا العكس، والدليل كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.).
وبالنسبة للسؤال: هل نحفظ التوحيد العلمي الاعتقادي مع شرحها؟
جوابها في الحقيقة سديد، وجيد، ومتقن، وهذا يدل على أنها متابعة للدروس، وأما سؤالها، فنعم، أنه ينبغي أن يحرص المسلم أن يحفظ أساسيات ما يتعلق بالتوحيد العلمي الاعتقادي، وهو المتمثل في أسماء الله، وصفاته على جهة الإجمال قواعدها الأساسية، أم التفاصيل فقد لا يكون للفرد المسلم فيها حاجة، كذلك ما يتعلق بأركان الإيمان، وبعض تفاصيلها، وهناك كتب مخصصة في هذه الأمور، حفظها سهل، وهي جاهزة -وإن شاء الله- سنبدأ في شرحها بعد أن ننتهي من هذه القواعد، والمقدمات، مثل الطحاوية، ومثل لمعة الاعتقاد وغيره من المتون.