أسنمة البخت المائلة بالصور , نرجو رفع اللبس الحاصل؟

الإجـــــــــابة:

بمعرفة الحديث الوارد في ذلك، ومعرفة معناه يتبين هل هذه الرسمة الواردة هي أسنمة البخت الواردة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لا.
روى مسلم في صحيحه، وأحمد في المسند عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
وروى أحمد وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم)).
ففي هذين الحديثين ذكر وصف لنساء يلبسن لباسًا لا يستر، وأنه يقع بسببهن فتنة، وقد اختلف أهل العلم في معنى هذه الأوصاف، والمقصود هنا هو أسنمة البخت.
فنقول: الأسنمة جمع سنام، وهو أعلى ما في ظهر الجمل.
والبخت نوع من الإبل عظام الأسنمة، وقد وصف هذا السنام بأنه مائل، وفي حديث ابن عمرو وصفت البخت بأنها عجاف، والعجاف جمع عجفاء، وهي الناقة الضعيفة، قال الخادمي في كتابه بريقة محمودية: "وإنما قيد بالعجفاء لأن سنامها حينئذ يكون مائلا إلى أحد الطرفين".
وبهذا يظهر أن الصورة المرفقة ليست هي المقصودة بالحديث؛ لأمرين:
1-أن مقتضى التشبيه بالسنام أن يكون ذلك فوق الرأس، لا خلفه.
2-ولأنه قال: ((على رؤوسهن))، وما في الصورة هو خلف الرأس، وليس على الرأس.
وقد اختلف أهل العلم في صورة المنهي عنه كيف هي، فقيل:
1-يعظِّمن رؤوسهن بالخمر والعمائم، أو عصائب تلفها على رأسها، فيكون كبيرًا، قال النووي: هذا هو المشهور في تفسيره.
2-رفع ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن تزينًا وتصنعًا، قال القاضي عياض: ضَفْر الْغَدَائِر وَشَدّهَا إِلَى فَوْق, وَجَمْعهَا فِي وَسَط الرَّأْس فَتَصِير كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت, وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْت إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِر فَوْق رُءُوسهنَّ, وَجَمْع عَقَائِصهَا هُنَاكَ, وَتُكْثِرهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيل إِلَى نَاحِيَة مِنْ جَوَانِب الرَّأْس, كَمَا يَمِيل السَّنَام.
3-تكثير الشعر، ورفعه فوق الرأس، وهذا المعنى يشبه السابق، والفرق بينهما أنها في السابق تفعل ذلك بشعرها، وهنا تزيد على شعرها بشيء تجعله فيه.
4-يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلَا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ, وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ. وقال بهذا المازري، نقله عنه النووي.

وقد أخبر جمع من أهل العلم بوقوع هذا في زمانهم، وأنهم رأوا النساء تضع على رؤوسهن العمائم الكبار، وتلف شعرها فوق رأسها، وتشده حتى يكون كسنام البعير.
قال القرطبي في تفسيره ج12/ص311:
"
والبخت ضرب من الإبل عظام الأجسام عظام الأسنمة، شبه رؤوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن، وهذا مشاهد معلوم والناظر إليهن ملوم".
وقال ابن تيمية في الجواب الصحيح ج6/ص122:
"
وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة وعلى رؤوسهن عمائم كأسنمة الجمال البخاتي، يسمون العمامة سنام الجمل".
وقال السيوطي في الخصائص الكبرى ج2/ص256:
"
قال أبو نعيم: النساء المذكورات في هذا الحديث قيل أنهن المغنيات بالعراق، يعتممن بكارات كبار على رؤوسهن ثم يتجلببن فوقهن".
وقال المناوي في فيض القدير ج4/ص209:
"
أي يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن، حتى تشبه أسنمة الإبل، ... وذا من معجزاته فقد كان ذلك، سيما في نساء علماء زماننا، فإنهن لم يزلن في ازدياد من تعظيم رؤوسهن حتى صارت كالعمائم، وكلما فعلن ذلك تأسى بهن نساء البلد، فيزدن نساءُ العلماء؛ لئلا يساووهن؛ فخرًا وكبرًا".
وقال ابن الأخوة في معالم القربة في معالم الحسبة 157:
"
فقد أحدثن الآن من الملابس ما لا يخطر للشيطان في حساب, وتلك لباس الشهرة التي لا يستتر منها إسبال مرط, ولا أدنى جلباب, ومن جملتها أنهن يعتصبن عصائب كأمثال الأسنمة, ويخرجن من جهارة أشكالها في الصورة المعلمة, وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ورد عنه من الأخبار".
وقد فرق بعض أهل العلم بين جمع المرأة شعرها فوق رأسها، وبين جمعها لشعرها خلف رأسها، فقال القنوجي في يقظة أولي الاعتبار 113 شارحًا معنى أسنمة البخت:
"
يغطين رؤوسهن بالخمر والمقانع، ويجعلن (على) رؤوسهن شيئًا، يسمى عندهن النازة، لا عقص الشعر والذوائب المباح للنساء، حسب ما ثبت في الصحيح عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي. الحديث".
قال الفيومي في المصباح المنير 422: "العقيصة للمرأة الشعر الذي يلوى ويدخل أطرافه في أصوله".
وقال 211: "الذؤابة بالضم مهموز: الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة، فإن كانت ملوية فهي عقيصة".
وأما العلة في النهي، فقيل:
1-التشبه بالرجال بلبس العمائم، وهذا مقتضى تفسير الحديث بلبس العمائم والعصائب على الرأس، وقال بهذا جمع من أهل العلم، كالنووي في شرحه لصحيح مسلم، وفي شرحه للمهذب، وقال الحجاوي في الإقناع 1/278: "ويحرم عليهن لبس العصائب الكبار التي يتشبهن بلبسها بالرجال"، واستدل له الحجاوي في كشاف القناع بهذا الحديث.
2-وقيل: إنه لباس شهرة، يلفت نظر الرجال إليها، كما ذكر ابن الأخوة، وقد سبق نقل كلامه.
3-ومنهم من قال إن المراد به التزين المحرم، كما في الوصل، فهي تصل شعرها بما يجعله كثيرًا، فترفعه، من باب التزين والتصنع، وقد نقل هذا ابن حجر عن القرطبي فقال في فتح الباري: "شبه رُءُوسهنَّ بِهَا لِمَا رَفَعْنَ مِنْ ضَفَائِر شُعُورهنَّ عَلَى أَوْسَاط رُءُوسهنَّ تَزْيِينًا وَتَصَنُّعًا, وَقَدْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ بِمَا يُكْثِرْنَ بِهِ شُعُورهنَّ".
4- وقيل إن المراد بالحديث تطلعهن إلى الرجال، ورفع رؤوسهن إليهم، وعدم غض أبصارهن، أو تنكيس رؤوسهن، وقال بهذا المازري كما سبق.

والذي يظهر والله أعلم أن النهي قُصد به التشبه بالرجال، وإظهار الزينة، فيكون فيه محذوران: الأول: التشبه بالرجال، والثاني: إظهار الزينة.
وإن كان الثاني -وهو إظهار الزينة- أولى؛ لأن سياق الحديث يدل عليه، فإنه ذكر أنهن كاسيات عاريات، وأنهن مائلات مميلات، وهذه الأوصاف تقتضي أنها تظهر من زينتها ما تفتن به الرجال، ومن ذلك أنها ترفع شعرها فوق رأسها، حتى يكون بارزًا ظاهرًا، وهو أدعى للفت الأنظار إليها، وصرف وجوه الرجال إليها.
وعلى هذا التعليل فلا يجوز فعل ذلك أمام الرجال بإطلاق، أما عند النساء فإن كانت العلة هي التشبه فلا يجوز، وإما إن كانت العلة هي إظهار الزينة فيجوز؛ لأن المرأة يجوز لها أن تظهر من زينتها أمام أمثالها من النساء.
وأما رفع الشعور بمشابك؛ ليبدو الشعر أكبر حجمًا، فلا بأس به ما دام أمام النساء؛ لأنها يجوز أن تتزين في شعرها بما تشاء، ما لم تتشبه بمن يحرم عليها التشبه به، من الرجال، أو الكفار.
وأما حشوه بلفائف بقصد التزين، وأن يبدو الشعر أكثر حجمًا، فالظاهر والله أعلم أنه من الوصل المذموم، وإن كان من أهل العلم من أجاز أن تصل المرأة شعرها بغير الشعر، كخيوط الحرير، ونحوه، لكن لفظ الحديث الوارد يقتضي النهي عن وصل الشعر بما يظهره بغير مظهره الطبيعي، بحيث يظن الناظر إليه أنه من أصل الشعر، وليس هو كذلك.
وقد يدخل في حديث الكاسيات العاريات، إذا رفعته فوق رأسها؛ لأنه حينئذ ينطبق عليه التفسير المذكور، بأنه تكبر رأسها بما تضعه فوقه حتى يكون كالسنام، ويقال فيه ما قيل في السابق.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.

: 07/01/2008
طباعة